جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يَقُولُ تَعالَى ذِكْرُهُ: عنْ أَيِّ شَيْءٍ يَتَساءَلُ هَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ باللَّهِ ورسولِهِ مِنْ قُرَيْشٍ يا مُحَمَّدُ؟ وقِيلَ ذلكَ لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ وذلكَ أنَّ قُرَيْشاً جَعَلَتْ فِيما ذُكِرَ عَنْها تَخْتَصِمُ وتَتَجَادَلُ في الَّذِي دَعَاهم إليهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن الإِقرارِ بِنُبُوَّتِهِ، والتصْدِيقِ بِمَا جاءَ بِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ، والإيمانِ بالبَعْثِ، فقالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: فِيمَ يَتَسَاءَلُ هؤلاءِ القَوْمُ ويَخْتَصِمُونَ؟ وَ(في) و(عَنْ) في هذا الموْضِعِ بمعنًى واحِدٍ.
ذِكْرُ مَن قالَ ما ذَكَرْتُ:
حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا وَكِيعُ بنُ الجَرَّاحِ، عنْ مِسْعَرٍ، عنْ مُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ، عن الحَسَنِ قالَ: لَمَّا بُعِثَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَعَلُوا يَتَسَاءَلُونَ بينَهم، فأَنْزَلَ اللَّهُ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}. يَعْنِي: الخَبَرِ الْعَظِيمِ). [جامع البيان: 24/ 5]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: (سُورَةُ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) قَرَأَ الجُمهُور {عَمَّ} بِمِيمٍ فَقَطْ، وعَنِ ابنِ كَثِيرٍ رِوَايَةٌ بِالهَاءِ، وهِي هَاءُ السَّكْتِ أَجرَى الوَصلَ مَجرَى الوَقفِ، وَعَن أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ وعِيسَى بنِ عُمَرَ بِإِثباتِ الألِفِ على الأَصْلِ وهِي لُغَةٌ نَادِرةٌ). [فتح الباري: 8/ 689]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قَوْلُهُ: {عَمَّ} أصلُهُ: عَمَّا حُذِفَتِ الألِفُ للتخفيفِ، وَبِهِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ، وَعَنِ ابْنِ كَثِيرٍ رِوَايَةٌ بالهاءِ وَهِيَ هاءُ السَّكْتِ، قَوْلُهُ: {يَتَسَاءَلُونَ} أَيْ: عَنْ أَيِّ شيءٍ يَتَسَاءَلُ هَؤُلاءِ الْمُشْرِكُونَ؟). [عمدة القاري: 19/ 275]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قَوْلُه تَعَالَى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} الآيَاتِ.
- أخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أَبِي حَاتِمٍ وابنُ مَرْدُويَهْ, عَنِ الحَسَنِ قَالَ: لَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- جَعَلُوا يَتَساءَلُونَ بَيْنَهُم؛ فنَزَلَتْ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ} ). [الدر المنثور: 15/ 189]
تفسير قوله تعالى: {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله: {النبأ العظيم}؛ قال: القرآن). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 342]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الذي يَتَسَاءَلُونَهُ، فقَالَ: {يَتَسَاءَلُونَ عَن النَّبَأِ العَظِيمِ}؛ يَعْنِي: عن الخَبَرِ العَظِيمِ.
واخْتَلَفَ أهلُ التأويلِ في المَعْنِيِّ بالنَّبَأِ العَظِيمِ، فقالَ بعضُهم: أُرِيدَ بِهِ القُرآنُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذلكَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو قالَ: ثَنَا أبو عاصِمٍ قالَ: ثَنَا عِيسَى. وحَدَّثَنِي الحارِثُ قالَ: ثَنَا الحَسَنُ قالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَميعاً عن ابنِ أَبِي نَجِيحٍ، عنْ مُجَاهِدٍ في قَوْلِ اللَّهِ: {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}، قالَ: القُرآنِ.
وقالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بهِ البَعْثُ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلكَ:
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعيدٌ، عنْ قَتَادَةَ، في قولِهِ: {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}: وهوَ البَعْثُ بعدَ المَوْتِ.
حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ سَعيدٍ، عنْ قَتَادَةَ، {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}؛ قالَ: النَّبَأُ العظيمُ البعثُ بعدَ المَوْتِ.
حَدَّثَنِي يُونُسُ قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ، في قولِهِ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}، قالَ: يومِ القِيامَةِ، قالَ: قَالُوا هذا اليومُ الذي تَزْعُمُونَ أنَّا نَحْيَا فيهِ وآباؤُنَا، قالَ: فَهُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ، لا يُؤْمِنُونَ بهِ، فقالَ اللَّهُ: قُلْ هوَ نبَأٌ عَظيمٌ أنْتُمْ عنهُ مُعْرِضُونَ، يومُ القيامةِ لا يُؤْمِنونَ بهِ.
وكانَ بعضُ أهلِ العربِيَّةِ يَقُولُ: معنَى ذلكَ: عَمَّ يَتَحَدَّثُ بهِ قُرَيْشٌ في القرآنِ، ثمَّ أجابَ فصَارَتْ {عَمَّ} كَأَنَّها في معنَى: لأَيِّ شيءٍ يَتَسَاءَلُونَ عن القرآنِ). [جامع البيان: 24/ 6-7]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: {عم يتساءلون عن النبأ العظيم}؛ يعني القرآن). [تفسير مجاهد: 719]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ, عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ}؛ قَالَ: القُرْآنِ). [الدر المنثور: 15/ 189-190]
تفسير قوله تعالى: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله: {الذي هم فيه مختلفون}؛ قال: مصدق به ومكذب). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 342]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ثمَّ أَخْبَرَ فقالَ: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} بينَ مُصَدِّقٍ ومُكَذِّبٍ، فذلكَ إخلافُهُم.
وقولُهُ: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} يَقُولُ تَعالَى ذِكْرُهُ: الذي صارُوا هُمْ فيهِ مُخْتَلِفُونَ فَرِيقَيْنِ: فريقٌ بهِ مُصَدِّقٌ، وفريقٌ بهِ مُكَذِّبٌ. يَقُولُ تَعالَى ذِكْرُهُ: فتَسَاؤُلُهم بينَهم في النَّبَأِ الذي هذهِ صِفَتُهُ.
وبنحوِ الذي قُلْنَا في ذلكَ قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذلكَ:
حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عنْ سعيدٍ، عنْ قَتَادَةَ، عن النَّبَأِ {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}: البعثُ بعدَ الموتِ، فصارَ الناسُ فيهِ فرِيقَيْنِ: مُصَدِّقٌ ومُكَذِّبٌ. فأمَّا الموتُ فقدْ أَقَرُّوا بهِ؛ لِمُعَايَنَتِهِم إيَّاهُ، واخْتَلَفُوا في البَعْثِ بعدَ المَوْتِ.
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سعيدٌ، عَن قَتَادَةَ: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} صارَ الناسُ فيهِ رَجُلَيْنِ: مُصَدِّقٌ، ومُكَذِّبٌ. فأمَّا الموتُ فإِنَّهم أَقَرُّوا بهِ كُلُّهم؛ لمُعَايَنَتِهِم إيَّاهُ، واخْتَلَفُوا في البَعْثِ بعدَ المَوْتِ.
حَدَّثَنَا ابنُ عبدِ الأَعْلَى قالَ: ثَنَا ابنُ ثَوْرٍ، عنْ مَعْمَرٍ، عنْ قَتَادَةَ: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} قالَ: مُصَدِّقٌ ومُكَذِّبٌ). [جامع البيان: 24/ 7]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ, عَنْ مُجَاهِدٍ في قَوْلِهِ: {عَمَّ يَتَساءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ}. قَالَ: القُرْآنُ. وفي قَوْلِهِ: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}. قَالَ: مُصَدِّقٌ ومُكَذِّبٌ). [الدر المنثور: 15/ 190]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ, عَنْ قَتَادَةَ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}؛ قَالَ: هو البَعْثُ بعدَ المَوْتِ، صَارَ النَّاسُ فِيهِ رَجُلَيْنِ؛ مُصَدِّقٌ ومُكَذِّبٌ، فأَمَّا المَوْتُ فأَقَرُّوا بِهِ كُلُّهم؛ لمُعَايَنَتِهِم إِيَّاهُ، واخْتَلَفُوا فِي البَعْثِ بعدَ المَوْتِ). [الدر المنثور: 15/ 190]
تفسير قوله تعالى: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {كَلاَّ}، يَقُولُ تَعالَى ذِكْرُهُ: ما الأَمْرُ كمَا يَزْعُمُ هؤلاءِ المُشْرِكُونَ الذينَ يُنْكِرُونَ بَعْثَ اللَّهِ إيَّاهُم أحياءً بعدَ مَمَاتِهِم. وتَوَعَّدَهُم جلَّ ثَناؤُهُ على هذا القوْلِ مِنهم، فقالَ: {سَيَعْلَمُونَ}، يَقُولُ: سَيَعْلَمُ هؤلاءِ الكفَّارِ المُنْكِرونَ وَعِيدَ اللَّهِ أعداءَهُ، ما اللَّهُ فاعِلٌ بِهِم يومَ القيامَةِ.
ثمَّ أكَّدَ الوَعِيدَ بتَكْرِيرٍ آخَرَ فقالَ: ما الأَمْرُ كما يَزْعُمُونَ مِنْ أنَّ اللَّهَ غَيْرُ مُحْيِيهِم بعدَ مَمَاتِهِم، ولا مُعَاقِبُهُم على كُفْرِهِم بهِ، سَيَعْلَمُونَ أنَّ القوْلَ غَيْرُ ما قَالُوا إذا لَقَوا اللَّهَ، وأَفْضَوْا إلى ما قَدَّمُوا مِنْ سَيِّئِ أعمالِهِم.
وذُكِرَ عن الضَّحَّاكِ بنِ مُزَاحِمٍ في ذلكَ مَا حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهرانُ، عنْ أَبِي سِنَانٍ، عنْ ثَابِتٍ، عن الضَّحَّاكِ: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} الكُفَّارُ، {ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} المُؤْمِنُونَ، وكذلكَ كانَ يَقْرَؤُهَا). [جامع البيان: 24/ 7-8]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ, عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ}؛ قَالَ: وَعِيدٌ بَعْدَ وَعِيدٍ.
- وأخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ, عَنِ الضَّحَّاكِ: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ}: الكُفَّارُ, {ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ}: المُؤْمِنُونَ، وكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا). [الدر المنثور: 15/ 190-191]