تفسير قوله تعالى: (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({خطبك} [طه: 95] : «بالك»). [صحيح البخاري: 6/95] - قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وقوله في جذوع النّخل وخطبك ومساس ولننسفنه في اليم نسفا وكلّه كلام أبي عبيدة). [فتح الباري: 8/433] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (خطبك بالك
أشار به إلى قوله تعالى: {وقال فما خطبك يا سامري} (طه: 95) وفسره بقوله: (بالك) . وفي التّفسير، قال موسى عليه الصّلاة والسّلام للسامري: فما خطبك؟ أي: فما أمرك وشأنك الّذي دعاك وحملك على ما صنعت؟). [عمدة القاري: 19/57]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({خطبك}) في قوله تعالى: {قال فما خطبك} أي ما (بالك) وما الذي حملك على ما صنعت يا سامري). [إرشاد الساري: 7/236]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال فما خطبك يا سامريّ (95) قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضةً من أثر الرّسول فنبذتها وكذلك سوّلت لي نفسي}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {فما خطبك يا سامريّ} قال موسى للسّامريّ: فما شأنك يا سامريّ؟ وما الّذي دعاك إلى ما فعلته؟
- كما: حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {فما خطبك يا سامريّ} قال: ما أمرك؟ ما شأنك؟ ما هذا الّذي أدخلك فيما دخلت فيه.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {قال فما خطبك يا سامريّ} قال: ما لك يا سامريّ). [جامع البيان: 16/148]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان السامري من أهل كرمان). [الدر المنثور: 10/222]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن علي رضي الله عنه قال: لما تعجل موسى إلى ربه عمد السامري فجمع ما قدر عليه من حلى بني إسرائيل فضربه عجلا ثم ألقى القبضة في جوفه فإذا هو عجل جسد له خوار فقال لهم السامري: {هذا إلهكم وإله موسى} فقال لهم هرون: {يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا} فلما أن رجع موسى أخذ رأسه أخيه فقال له هرون ما قال فقال موسى للسامري: {فما خطبك} فقال: {فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي} فعمد موسى إلى العجل فوضع عليه المبارد فبرده وهو على شطر نهر فما شرب أحد من ذلك الماء - ممن كان يعبد ذلك العجل - إلا اصفر وجهه مثل الذهب فقالوا: يا موسى ما توبتنا قال: يقتل بعضكم بعضا فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أباه وأخاه وابنه لا يبالي من قتل حتى قتل منهم سبعون ألفا فأوحى الله إلى موسى: مرهم فليرفعوا أيديهم فقد غفرت لمن قتل وتبت على من بقي). [الدر المنثور: 10/227] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: وانطلق موسى إلى ربه يكلمه، فلما كلمه قال له: {وما أعجلك عن قومك يا موسى}. قال: {هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى}. قال: {فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري}. فلما خبره خبرهم قال: يا رب، هذا السامري أمرهم أن يتخذوا العجل، أرأيت الروح من نفخها فيه؟ قال الرب: أنا. قال: يا رب، فأنت إذن أضلتهم.
ثم رجع {موسى إلى قومه غضبان أسفا}. قال: حزينا، {قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا} إلى قوله: {ما أخلفنا موعدك بملكنا} يقول: بطاقتنا {ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم} يقول: من حلي القبط: {فقذفناها فكذلك ألقى السامري (87) فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار} فعكفوا عليه يعبدونه وكان يخور ويمشي، فقال لهم هرون: {يا قوم إنما فتنتم به} يقول ابتليتم بالعجل، قال: {فما خطبك يا سامري} ما بالك، إلى قوله: {وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه} قال: فأخذه فذبحه ثم خرقه بالمبرد، يعني سحكه ثم ذراه في اليم، فلم يبق نهر يجري يومئذ إلا وقع فيه منه شيء ثم قال لهم موسى: اشربوا منه فشربوا، فمن كان يحبه خرج على شاربيه الذهب فذلك حين يقول: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم}، قال: فلما سقط في أيدي بني إسرائيل حين جاء موسى {ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين} فأبى الله أن يقبل توبة بني إسرائيل إلا بالحال التي كرهوا أنهم كرهوا أن يقاتلوهم حين عبدوا العجل {قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} فاجتلد الذين عبدوه والذين لم يعبدوا بالسيوف فكان من قتل من الفريقين شهيدا حتى كثر القتل حتى كادوا أن يهلكوا حتى قتل منهم سبعون ألفا وحتى دعا موسى وهرون: ربنا هلكت بنو إسرائيل ربنا البقية، البقية، فأمرهم أن يضعوا السلاح وتاب عليهم فكان من قتل منهم كان شهيدا ومن بقي كان مكفرا عنه فذلك قوله تعالى: {فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم}، ثم إن الله تعالى أمر موسى أن يأتيه في ناس من بني اسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل فوعدهم موعدا {واختار موسى قومه سبعين رجلا} ثم ذهب ليعتذروا من عبادة العجل فلما أتوا ذلك قالوا: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} فإنك قد كلمته فأرناه {فأخذتهم الصاعقة} فماتوا فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رب، ماذا أقول لنبي إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم {رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} فأوحى الله إلى موسى أن هؤلاء السبعين ممن اتخذوا العجل، فذلك حين يقول موسى: {إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء} الآية). [الدر المنثور: 10/231-233] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {قال فما خطبك يا سامري} قال: لم يكن اسمه ولكنه كان من قرية اسمها سامرة {قال بصرت بما لم يبصروا به} يعني فرس جبريل). [الدر المنثور: 10/235]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة قال لما استبطأ موسى قومه قال لهم السامري إنما احتبس عنكم من أجل ما عندكم من الحلي وكانوا استعاروا حليا من آل فرعون فجمعوه فأعطوه السامري فصاغ منه عجلا ثم أخذ القبضة التي قبض من أثر فرس الملك فنبذها في جوفه فإذا هو عجل جسد له خوار فقال هذا إلهكم وإله موسى ولكن موسى نسي ربه عندكم). [تفسير عبد الرزاق: 2/18]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال الكلبي إن الفرس التي كان عليها جبريل كانت الحياة فقبض السامري من أثرها فلما نبذه في العجل خار). [تفسير عبد الرزاق: 2/18]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {بصرت بما لم يبصروا به} يقول: قال السّامريّ: علمت ما لم يعلموه، وهو فعلت من البصيرة: أي صرت بما علمت بصيرًا عالمًا.وبنحو الذى قلنا فى ذلك قال أهل التأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: لمّا قتل فرعون الولدان قالت أمّ السّامريّ: لو نحّيته عنّي حتّى لا أراه، ولا أري قتله، فجعلته في غارٍ، فأتى جبرئيل، فجعل كفّ نفسه في فيه، فجعل يرضعه العسل واللّبن، فلم يزل يختلف إليه حتّى عرفه، فمن ثمّ معرفته إيّاه حين قال: {فقبضت قبضةً من أثر الرّسول}.
وقال آخرون: هي بمعنى: أبصرت ما لم يبصروه. وقالوا: يقال: بصرت بالشّيء وأبصرته، كما يقال: أسرعت وسرعت ما شيت.
ذكر من قال: هو بمعنى أبصرت
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {قال بصرت بما لم يبصروا به} يعني فرس جبرئيل عليه السّلام.
وقوله: {فقبضت قبضةً من أثر الرّسول} يعنى: قبضت قبضةً من أثر حافر فرس جبرئيل.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن حكيم بن جبيرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا قذفت بنو إسرائيل ما كان معهم من زينة آل فرعون في النّار، وتكسّرت، ورأى السّامريّ أثر فرس جبرئيل عليه السّلام، فأخذ ترابًا من أثر حافره، ثمّ أقبل إلى النّار فقذفه فيها، وقال: كن عجلاً جسدًا له خوارٌ، فكان للبلاء والفتنة.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: " قبض قبضةً منه من أثر جبرئيل، فألقى القبضة على حليّهم فصار عجلاً جسدًا له خوارٌ، فقال: هذا إلهكم وإله موسى ".
حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {فقبضت قبضةً من أثر الرّسول فنبذتها} قال: من تحت حافر فرس جبرئيل، نبذه السّامريّ على حلية بني إسرائيل، فانسبك عجلاً جسدًا له خوارٌ، حفيف الرّيح فيه فهو خواره.
قال أبو جعفر: والعجل ولد البقرة.
واختلف القرّاء في قراءة هذين الحرفين، فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة {بصرت بما لم يبصروا به} بالياء، بمعنى: قال السّامريّ: بصرت بما لم يبصر به بنو إسرائيل.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة: ( بصرت بما لم تبصروا به ) بالتّاء على وجه المخاطبة لموسى صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، بمعنى: قال السّامريّ لموسى: بصرت بما لم تبصر به أنت وأصحابك.
والقول في ذلك عندي أنّهما قراءتان معروفتان، قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما علماءٌ من القرّاء مع صحّة معنى كلّ واحدةٍ منهما، وذلك أنّه جائزٌ أن يكون السّامريّ رأى جبرئيل، فكان عنده إما بأن حدّثته نفسه بذلك أو بغير ذلك من الأسباب، أنّ تراب حافر فرسه الّذي كان عليه يصلح لما حدث عنه حين نبذه في جوف العجل، ولم يكن علم ذلك عند موسى، ولا عند أصحابه من بني إسرائيل، فلذلك قال لموسى: ( بصرت بما لم تبصروا به ) أي علمت بما لم تعلموا به. وأمّا إذا قرئ {بصرت بما لم يبصروا به} بالياء، فلا مؤنة فيه، لأنّه معلومٌ أنّ بني إسرائيل لم يعلموا ما الّذي يصلح له ذلك التّراب.
وأمّا قوله: {فقبضت قبضةً من أثر الرّسول} فإنّ قرّاء الأمصار على قراءته بالضّاد، بمعنى: فأخذت بكفّي كلها ترابًا من تراب أثر فرس الرّسول. وروي عن الحسن البصريّ وقتادة ما؛
- حدّثني أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن عبّاد وعوفٍ، عن الحسن، أنّه قرأها: " فقبصت قبصةً " بالصّاد.
- وحدّثني أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن عبّادٍ، عن قتادة، مثل ذلك بالصّاد.
يعنى: أخذت بأصابعي من تراب أثر فرس الرّسول، والقبضة عند العرب: الأخذ بالكفّ كلّها، والقبصة: الأخذ بأطراف الأصابع.
وقوله: {فنبذتها} يقول: فألقيتها {وكذلك سوّلت لي نفسي} يقول: وكما فعلت من إلقائي القبضة الّتي قبضت من أثر الفرس على الحلية الّتي أوقد عليها حتّى انسبكت فصارت عجلاً جسدًا له خوارٌ {سوّلت لي نفسي} يقول: زيّنت لي نفسي أنّه يكون ذلك كذلك.
- كما: حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {وكذلك سوّلت لي نفسي} قال: كذلك حدّثتني نفسي). [جامع البيان: 16/148-152]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فقبضت قبضة من أثر الرسول يعني من تحت حافر فرس جبريل فنبذ السامري على حلى بني إسرائيل فانسكبت عجلا له خوار حفيف وهو الريح وهو الخوار قال والعجل ولد البقرة). [تفسير مجاهد: 401-402]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيهوقال مجاهد {أوزارا} أثقالا {من زينة القوم} الحليّ الّذي استعاروا من آل فرعون فنبذتها فألقتها {ألقى} صنع {فنسي} موسى هم يقولونه أخطأ الرب {ألا يرجع إليهم قولا} العجل همسا حس الأقدام {حشرتني أعمى} عن حجتي وقد كنت بصيرًا في الدّنيا {أزري} ظهري {المثلى} الأمثل
قال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 87 طه {ولكنّا حملنا أوزارا من زينة القوم} قال الحليّ الّذي استعاروا من آل فرعون وهي الأنقال
وبه في قوله 96 طه {فقبضت قبضة من أثر الرّسول فنبذتها} قال ألقيتها). [تغليق التعليق: 4/253-254]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي رضي الله عنه قال: إن جبريل لما نزل فصعد بموسى إلى السماء بصر به السامري من بين الناس فقبض قبضة من أثر الفرس وحمل جبريل موسى خلفه حتى إذا دنا من باب السماء صعد وكتب الله الألواح وهو يسمع صرير الأقلام في الألواح فلما أخبره أن قومه قد فتنوا من بعده نزل موسى فأخذ العجل فأحرقه). [الدر المنثور: 10/222]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن علي رضي الله عنه قال: لما تعجل موسى إلى ربه عمد السامري فجمع ما قدر عليه من حلى بني إسرائيل فضربه عجلا ثم ألقى القبضة في جوفه فإذا هو عجل جسد له خوار فقال لهم السامري: {هذا إلهكم وإله موسى} فقال لهم هرون: {يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا} فلما أن رجع موسى أخذ رأسه أخيه فقال له هرون ما قال فقال موسى للسامري: {فما خطبك} فقال: {فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي} فعمد موسى إلى العجل فوضع عليه المبارد فبرده وهو على شطر نهر فما شرب أحد من ذلك الماء - ممن كان يعبد ذلك العجل - إلا اصفر وجهه مثل الذهب فقالوا: يا موسى ما توبتنا قال: يقتل بعضكم بعضا فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أباه وأخاه وابنه لا يبالي من قتل حتى قتل منهم سبعون ألفا فأوحى الله إلى موسى: مرهم فليرفعوا أيديهم فقد غفرت لمن قتل وتبت على من بقي). [الدر المنثور: 10/227] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {قال فما خطبك يا سامري} قال: لم يكن اسمه ولكنه كان من قرية اسمها سامرة {قال بصرت بما لم يبصروا به} يعني فرس جبريل). [الدر المنثور: 10/235] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {بما لم يبصروا به} بالياء ورفع الصاد). [الدر المنثور: 10/235]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فقبضت قبضة من أثر الرسول} قال: من تحت حافر فرس جبريل {فنبذتها} قال: نبذ السامري على حلية بني إسرائيل فانقلبت عجلا). [الدر المنثور: 10/235]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فقبضت قبضة من أثر الرسول} قال: قبض السامري قبضة من أثر الفرس فصره في ثوبه). [الدر المنثور: 10/235-236]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن أنه كان يقرؤها فقنصت بالصاد، قال: والقبص بأطراف الأصابع). [الدر المنثور: 10/236]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أبي الأشهب قال: كان الحسن يقرؤها فقبصت قبصة بالصاد يعني بأطراف أصابعه وكان أبو رجاء يقرؤها فقبصت قبصة بالصاد هكذا بجميع كفيه). [الدر المنثور: 10/236]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: القبضة ملء الكف والقبصة بأطراف الأصابع). [الدر المنثور: 10/236]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {فقبضت قبضة} بالضاد على معنى القبض). [الدر المنثور: 10/236]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة قال في حرف ابن مسعود انظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا). [تفسير عبد الرزاق: 2/18]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس قال عقوبة له). [تفسير عبد الرزاق: 2/19]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({مساس} [طه: 97] : «مصدر ماسّه مساسًا». {لننسفنّه} [طه: 97] : «لنذرينّه»). [صحيح البخاري: 6/95] - قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وقوله في جذوع النّخل وخطبك ومساس ولننسفنه في اليم نسفا وكلّه كلام أبي عبيدة). [فتح الباري: 8/433] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (مساس مصدر ماسّه مساساً
أشار به إلى قوله عز وجل: {فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس} (طه: 97) الآية ولم يذكر معناه، وإنّما قال: مساس، مصدر ماسه يماسه مماسة ومساساً، والمعنى: أن موسى عليه الصّلاة والسّلام قال للسامري: اذهب من بيننا فإن لك في الحياة، أي: ما دمت حيا أن تقول: لا مساس. أي: لا أمس ولا أمس، فعاقبه الله في الدّنيا بعقوبة لا شيء أشد وأوحش منها، وذلك لأنّه منع من مخالطة النّاس منعا كلياً حرم عليهم ملاقاته ومكالمته.
لننسفنّه لنذرينّه
أشار به إلى قوله تعالى: {لنحرقنه ثمّ لننسفنه في اليم نسفاً} (طه: 97) وفسّر: (لننسفنه) بقوله: (لنذرينه) من التذرية، وفي التّفسير: أن موسى عليه الصّلاة والسّلام، أخذ العجل فذبحه فسال منه الدّم لأنّه كان قد صار لحمًا ودماً ثمّ أحرقه ثمّ ذراه في اليم أي: في البحر). [عمدة القاري: 19/57]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({مساس}) في قوله: {أن تقول لا مساس} (مصدر ماسه مساسًّا) أي مصدر لفاعل كالقتال من قاتل والمعنى أن السامري عوقب على ما فعل من إضلاله بني إسرائيل باتخاذه العجل والدعاء إلى عبادته في الدنيا بالنفي وبأن لا يمس أحدًا ولا يمسه أحد فإن مسه أحد أصابتهما الحمى معًا لوقتهما وسقط قوله مساس الخ لأبي ذر.
({لننسفنه}) أي (لنذرينه) رمادًا بعد التحريق بالنار كما قال قبل لنحرّقنه). [إرشاد الساري: 7/236]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال فاذهب فإنّ لك في الحياة أن تقول لا مساس وإنّ لك موعدًا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الّذي ظلت عليه عاكفًا لنحرّقنّه ثمّ لننسفنّه في اليمّ نسفًا (97) إنّما إلهكم اللّه الّذي لا إله إلاّ هو وسع كلّ شيءٍ علمًا}.
يقول تعالى ذكره: قال موسى للسّامريّ: فاذهب فإنّ لك في أيّام حياتك أن تقول: لا مساس: أي لا أمسّ، ولا أمسّ، وذكر أنّ موسى أمر بني إسرائيل أن لا يؤاكلوه، ولا يخالطوه، ولا يبايعوه، فلذلك قال له: إنّ لك في الحياة أن تقول لا مساس، فبقي ذلك فيما ذكر في قبيلته.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان واللّه السّامريّ عظيمًا من عظماء بني إسرائيل، من قبيلةٍ يقال لها سامرة، ولكنّ عدوّ اللّه نافق بعد ما قطع البحر مع بني إسرائيل. قوله: {فاذهب فإنّ لك في الحياة أن تقول لا مساس} فبقاياهم اليوم يقولون لا مساس.
وقوله: {وإنّ لك موعدًا لن تخلفه} اختلفت القرّاء في قراءته، فقرأته عامّة قرّاءة المدينة والكوفة {لن تخلفه} بضمّ التّاء وفتح اللاّم بمعنًى: وإنّ لك موعدًا لعذابك وعقوبتك على ما فعلت من إضلالك قومي حتّى عبدوا العجل من دون اللّه، لن يخلفكه اللّه، ولكن يذيقكه.
وقرأ ذلك الحسن وقتادة وأبو نهيكٍ وأبو عمرو: ( وإنّ لك موعدًا لن تخلفه ) بضمّ التّاء وكسر اللاّم، بمعنى: وإنّ لك موعدًا لن تخلفه أنت يا سامريّ، وتأوّلوه بمعنى: لن تغيب عنه
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبد المؤمن، قال: سمعت أبا نهيكٍ، يقرأ " لن تخلفه أنت " يقول: لن تغيب عنه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وإنّ لك موعدًا لن تخلفه} يقول: لن تغيب عنه.
قال أبو جعفرٍ: والقول في ذلك عندي أنّهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى، لأنّه لا شكّ أنّ اللّه موفٍّ وعده لخلقه بحشرهم لموقف الحساب، وأنّ الخلق موافوه ذلك اليوم، فلا اللّه مخلفهم ذلك، ولا هم مخلفوه بالتّخلّف عنه، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب في ذلك.
وقوله: {وانظر إلى إلهك الّذي ظلت عليه عاكفًا} يقول: وانظر إلى معبودك الّذي ظلت عليه مقيمًا تعبده.
- كما: حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ظلت عليه عاكفًا} الّذي أقمت عليه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: فقال له موسى: {انظر إلى إلهك الّذي ظلت عليه عاكفًا} يقول: الّذي أقمت عليه.
وللعرب في ظلت: لغتان: الفتح في الظّاء، وبها قرأ قرّاء الأمصار، والكسر فيها، وكأنّ الّذين كسروا نقلوا حركة اللاّم الّتي هي عين الفعل من ظللت إليها، ومن فتحها أقرّ حركتها الّتي كانت لها قبل أن يحذف منها شيءٌ، والعرب تفعل في الحروف الّتي فيها التّضعيف ذاك، فيقولون في مسست مست ومست وفي هممت بذلك: همت به، وهل أحست فلانًا وأحسسته، كما قال الشّاعر:
خلا أنّ العتاق من المطايا = أحسن به فهنّ إليه شوس
وقوله: {لنحرّقنّه} اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والعراق {لنحرّقنّه} بضمّ النّون وتشديد الرّاء، بمعنى لنحرّقنّه بالنّار قطعةً قطعةً.
وروي عن الحسن البصريّ أنّه كان يقرأ ذلك: " لنحرقنّه " بضمّ النّون، وتخفيف الرّاء، بمعنى: لنحرّقنّه بالنّار إحراقةً واحدةً.
وقرأه أبو جعفرٍ القارئ: ( لنحرقنّه ) بفتح النّون وضمّ الرّاء بمعنى: لنبردنّه بالمبارد من حرقته أحرقه وأحرقه، كما قال الشّاعر:
بذي فرقين يوم بنو حبيبٍ = نيوبهم علينا يحرقونا
والصّواب في ذلك عندنا من القراءة {لنحرّقنّه} بضمّ النّون وتشديد الرّاء، من الإحراق بالنّار.
- كما: حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لنحرّقنّه} يقول: بالنّار.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {لنحرّقنّه} فحرقه ثمّ ذراه في اليمّ.
وإنّما اخترت هذه القراءة لإجماع الحجّة من القرّاء عليها. وأمّا أبو جعفرٍ، فإنّي أحسبه ذهب إلى ما؛
- حدّثنا به، موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وانظر إلى إلهك الّذي ظلت عليه عاكفًا لنحرّقنّه ثمّ لننسفنّه في اليمّ نسفًا} ثمّ أخذه فذبحه، ثمّ حرّقه بالمبرد، ثمّ ذراه في اليمّ، فلم يبق بحرٌ يجرى يومئذٍ إلاّ وقع فيه شيءٌ منه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وانظر إلى إلهك الّذي ظلت عليه عاكفًا لنحرّقنّه ثمّ لننسفنّه في اليمّ نسفًا} قال: وفي بعض القراءة: لنذبحنّه ثمّ لنحرقنّه، ثمّ لننسفنّه في اليمّ نسفًا.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في حرف ابن مسعودٍ: " وانظر إلى إلهك الّذي ظلت عليه عاكفًا لنذبحنّه ثمّ لنحرّقنّه ثمّ لننسفنّه في اليمّ نسفًا ".
وقوله: {ثمّ لننسفنّه في اليمّ نسفًا} يقول: ثمّ لنذرينّه في البحر تذريةً، يقال منه: نسف فلانٌ الطّعام بالمنسف: إذا ذراه فطيّر عنه قشوره وترابه أو الرّيح يقال: ذرا يذرو، وذرى يذرى، وذرى يذرى، تذرية ونسفا بمعنى واحد.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل ذلك، قال أهل التّأويل:
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ثمّ لننسفنّه في اليمّ نسفًا} يقول: لنذرينّه في البحر.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: ذراه في اليمّ، واليمّ: البحر.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: ذراه في اليمّ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في اليمّ، قال: في البحر). [جامع البيان: 16/152-157]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أحمد بن منيعٍ: ثنا يزيد بن هارون، أبنا أصبغ بن زيد الجهني، ثنا القاسم ابن أبي أيّوب، ثنا سعيد بن جبيرٍ قال: "سألت عبد اللّه بن عبّاسٍ- رضي اللّه عنهما- عن قول اللّه- عزّ وجلّ- لموسى صلى الله عليه وسلم: (وفتناك فتوناً) فسألته عن الفتون فقال: استأنف النّهار يا ابن جبيرٍ؟ فإنّ لها حديثًا طويلًا قال: فغدوت على ابن عباس لأنجز ما وعدني من حديث الفتون، فقال: تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان اللّه- عزّ وجلّ- وعد إبراهيم قيل من أن يجعل في ذرّيّته أنبياءً وملوكًا، فقال بعضهم: إنّ بني إسرائيل لينتظرون ذلك ما يشكّون فيه، وقد كانوا يظنّون أنّه يوسف بن يعقوب- عليهما الصّلاة والسّلام- فلمّا هلك قالوا: ليس هكذا كان، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- وعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم. قال فرعون: فكيف ترون؟ فأتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالاً الشفار يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولودًا ذكرًا إلّا ذبحوه ففعلوا ذلك، فلمّا أن رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم والصّغار يذبحون قالوا: توشكوا أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى-، أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي، كانوا يكفونكم، فاقتلوا عامًا كلّ مولودٍ ذكرٍ فيقلّ نباتهم، ودعوا عامًا فلا تقتلوا منهم أحداً فيشب الصغار مكان من يموت من الكبار فإنهم لن يكثروا بمن تستحيون فتخافوا، مكاثرتهم إياكم ولن يفنوا بمن تقتلون فتحتاجون إليهم، فأجمعوا أمرهم على ذلك، فحملت أمّ موسى بهارون- عليهما السلام- في العام الذي لايذبح فيه الغلمان فولدته علانيةً، فلمّا كان من قابلٍ حملت بموسى- عليه السّلام- فوقع في قلبها-، من الهم والحزن، فذلك من الفتون يا ابن جبير ما دخل عليه في دهو بطن أمّه ممّا يراد به فأوحى اللّه- تعالى- إليها أن لا تخافي ولا تحزني إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين، وأمرها أن إذا ولدت أن تجعله في تابوتٍ، ثمّ تلقيه في اليمّ، فلمّا ولدت فعلت ذلك به فألقته في اليمّ، فلمّا توارى عنها ابنها أتاها الشّيطان فقالت في نفسها: ما فعلت بابني لو ذبح عندي فواريته وكفّنته كان أحبّ إليّ من أن ألقيه بيدي إلى دوابّ البحر وحيتانه. وانتهى الماء به حتّى أرفأ به عند فرضة مستقى جواري امرأة فرعون، فلمّا رأينه أخذنه، فهممن أن يفتحن التابوت، فقال بعضهنّ: إنّ في هذا مالًا وإنّا إن فتحناه لم تصدّقنا امرأة الملك بما وجدنا فيه. فحملنه بهيئته لم يحركن منه شيئاً حتى دفعنه إليها، فلمّا فتحته رأت فيه غلامًا فألقي عليه منها محبة لم يلق مثلها على البشر قطّ، وأصبح فؤاد أمّ موسى فارغًا من ذكر كلّ شيءٍ إلّا من ذكر موسى- عليه السّلام- فلمّا سمع الذباحون بأمره أقبلوا بشفارهم إلى امرأة فرعون ليذبحوه- وذلك من الفتون يا ابن جبير- فقالت للذباحين: أقروه، فإنّ هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل حتّى آتي فرعون فأستوهبه منه، فإن وهبه لي كنتم قد أحسنتم وأجملتم وإن أمر بذبحه لم ألمكم. فأتت به فرعون فقالت: قرّة عينٍ لي ولك. قال فرعون: يكون لك فأمّا لي فلا حاجة لي في ذلك. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: والّذي أحلف به لو أقرّ فرعون بأن يكون له قرّة عينٍ كما أقرّت امرأته لهداه اللّه به كما هدى به امرأته، ولكنّ اللّه حرمه ذلك. فأرسلت إلى من حولها من كلّ امرأةٍ لها لبنٌ تختار لها ظئرًا، فجعل كلّما أخذته امرأة منهن لترضعه لم يقبل ثديها حتّى أشفقت عليه امرأة فرعون أن يمتنع من اللّبن فيموت، فأحزنها ذلك فأمرت به فأخرج إلى السوق ومجمع النّاس ترجو أن تجد له ظئرًا يأخذ منها فلم يقبل، وأصبحت أمّ موسى والهةً فقالت لأخته: قصيه- تعني أثره- واطلبيه، هل تسمعين له ذكرًا؟ أحيٌّ، ابني أم قد أكلته الدّوابّ؟ ونسيت ما كان الله- عز وجل- وعدها فيه فبصرت به أخته عن جنبٍ وهم لا يشعرون- والجنب أن يسمو بصر الإنسان إلى الشّيء البعيد وهو إلى جنبه لايشعر به- فقالت من الفرح حين أعياهم الظؤارت،: أنا أدلّكم على أهل بيتٍ يكفلونه لكم وهم له ناصحون فأخذوها. فقالوا: ما يدريك مانصحهم له، هل تعرفونه حتّى شكّوا في ذلك- فذلك من الفتون يا ابن جبير- فقالت: نصحتهم له وشفقتهم عليه رغبة في صهر الملك ورجاء منفعته، فأرسلوها فانطلقت إلى أمها فأخبرتها الخبر، فجاءت أمّه فلمّا وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصّه حتّى امتلأ جنباه ريًّا، وانطلق البشير، إلى امرأة فرعون: إنا قد وجدنا لابنك ظئراً، فأرسلت إليها فأتت بها وبه، فلمّا رأت ما يصنع قالت لها: امكثي عندي ترضعي ابني هذا، فإنّي لم أحب حبه شيئًا قطّ. فقالت أمّ موسى: لا أستطيع أن أدع بيتي وولدي فيضيع فإن طابت نفسك أن تعطينيه فأذهب به إلى منزلي فيكون معي لا آلوه خيرًا فعلت، وإلّا فإنّي غير تاركةٍ بيتي وولدي. وذكرت أمّ موسى- عليه السّلام- ما كان اللّه- عزّ وجلّ- وعدها، فتعاسرت على امرأة فرعون وأيقنت بأنّ اللّه- عزّ وجل- منجز موعوده، فرجعت إلى بيتها بابنها من يومها فأنبته اللّه نباتًا حسنا وحفظه لما قد قضى فيه، فلم تزل بنو إسرائيل وهم في ناحية القرية ممتنعين، يمتنعون به من السّخرة ما كان فيهم، فلمّا ترعرع قالت امرأة فرعون لأمّ موسى: أريد أن تريني ابني، فوعدتها يومًا تريها فيه إيّاه، فقالت امرأة فرعون لخزّانها وظئورتها وقهارمتها: لا يبقينّ أحدٌ منكم إلّا استقبل ابني اليوم بهديّةٍ وكرامةٍ لأرى ذلك فيه وأنا باعثة أميناً يحصي ما يصنع كلّ إنسانٍ منكم. فلم تزل الهدايا والكرامة والنحل تستقبله من حين خرج من بيت أمّه إلى أن دخل على امرأة فرعون، فلمّا دخل عليها بجلته، وأكرمته وفرحت به وأعجبها ونحلت أمّه لحسن أثره ثمّ قالت: لآتينّ به فرعون فلينحلنّه وليكرمنّه فلمّا دخلت به عليه جعله في حجره فتناول موسى لحية فرعون فمدّها إلى الأرض فقال الغواة من أعداء اللّه لفرعون: ألا ترى إلى ما وعد اللّه- عزّ وجلّ- إبراهيم نبيّه- عليه السّلام- أنّه يرثك ويعلوك ويصرعك، فأرسل إلى الذّبّاحين- وذلك من الفتون يا ابن جبيرٍ بعد كلّ بلاءٍ ابتلي به أو أريد به فتونًا- فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون فقالت: ما بدا لك في هذا الغلام الّذي وهبته لي؟ قال: ألا ترينه يزعم أنّه يصرعني ويعلوني؟ قالت: أجعل بيني وبينك أمرًا تعرف فيه الحقّ ائت بجمرتين ولؤلؤتين فقرّبهما إليه فإن بطش باللّؤلؤتين واجتنب الجمرتين عرفت أنّه يعقل، وإن تناول الجمرتين ولم يرد اللّؤلؤتين علمت أنّ أحدًا لا يؤثر الجمرتين على اللّؤلؤتين وهو يعقل. فقرّب ذلك إليه فتناول الجمرتين فانتزعوهما من يده مخافة أن تحرقا يديه، فقالت المرأة: ألا ترى. فصرفه اللّه عنه بعد ما كان قد همّ به، وكان اللّه- عزّ وجلّ- بالغًا فيه أمره، فلمّا بلغ أشدّه وصار من الرّجال لم يكن أحدٌ من آل فرعون يخلص إلى أحدٍ من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة حتى امتنعوا كل الامتناع، فبينا موسى- عليه السّلام- يمشي في ناحية المدينة إذ هو برجلين يقتتلان أحدهما فرعونيٌّ والآخر إسرائيليٌّ، فاستغاثه الإسرائيليّ على الفرعونيّ فغضب موسى- عليه السلام- غضباً شديداً؟ لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى- عليه السّلام- من بني إسرائيل وحفظه لهم لا يعلم النّاس إلّا أنّما ذلك من الرّضاع إلّا أمّ موسى إلّا أن يكون اللّه- عزّ وجلّ- أطلع موسى- عليه السّلام- من ذلك على ما لم يطلعه عليه غيره، فوكز موسى- عليه السّلام- الفرعونيّ فقتله وليس يراهما أحدٌ إلّا اللّه- عزّ وجل- والإسرائيلي. فقال موسى- عليه السّلام- حين قتل الرّجل (هذا من عمل الشّيطان إنّه عدوٌّ مضلٌّ مبين) ثم قال (رب إني ظلمت) إلى قوله (إنه هو الغفور الرحيم) فأصبح في المدينة خائفًا يترقّب الأخبار فأتي فرعون فقيل: إن بني إسرائيل قد قتلوا رجلًا من آل فرعون فخذ لنا بحقّنا ولا ترخّص لهم. فقال: ابغوني قاتله ومن شهد عليه "فإنّ الملك وإن كان صفوه مع قومه لا يستقيم له أن يقيد بغير بينة ولا ثبت فانظروا في علم ذلك آخذ لكم بحقّكم. فبينا هم يطوفون، لا يجدون ثبتاً، إذا موسى- عليه السلام- قد رأى من الغد ذلك الإسرائيلي يقاتل رجلًا من آل فرعون آخر فاستغاثه الإسرائيليّ على الفرعونيّ فصادف موسى- عليه السّلام- قد ندم على ما كان منه فكره الّذي رأى فغضب الإسرائيليّ وهو يريد أن يبطش بالفرعوني فقال للإسرائيلي لما فعل أمس واليوم: (إنّك لغويٌّ مبينٌ) . فنظر الإسرائيليّ إلى موسى- عليه السّلام- بعدما قال له ما قال، فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس الّذي قتل به الفرعونيّ؟ فخاف أن يكون بعد ما قال له: (إنك لغوي مبين) إيّاه أراد، ولم يكن أراده إنّما أراد الفرعونيّ فخاف الإسرائيليّ فحاجز الفرعونيّ فقال: يا موسى، أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسًا بالأمس. وإنّما قال ذلك مخافة أن يكون إيّاه أراد موسى- عليه السّلام- أن يقتله فتنازعا فانطلق الفرعونيّ إلى قومه فأخبرهم بما سمع من الإسرائيليّ من الخبر حين يقول: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسًا بالأمس. فأرسل فرعون الذّبّاحين ليقتلوا موسى- عليه السّلام- فأخذ رسل فرعون الطّريق الأعظم يمشون على هيئتهم يطلبون موسى- عليه السّلام- وهم لا يخافون أن يفوتهم، فجاء رجلٌ من شيعة موسى- عليه السّلام- من أقصى المدينة فاختصر، طريقًا قريبًا حتّى سبقهم إلى موسى- عليه السّلام- فأخبره الخبر- فذلك من الفتون يا ابن جبيرٍ - فخرج موسى- عليه السّلام- متوجّهًا نحو مدين لم يلق بلاءً قبل ذلك، وليس له علمٌ بالطّريق إلّا حسن الظّنّ بربّه- عزّ وجلّ- فإنّه قال: (عسى ربّي أن يهديني سواء السبيل ولمّا ورد ماء مدين وجد عليه أمّةً من الناس يسقون) إلى تذودان - يعني بذلك حابستين غنمهما- فقال لهما: ما خطبكما معتزلتين لا تسقيان مع النّاس؟ قالتا: ليس لنا قوّةٌ نزاحم القوم وإنّما ننتظر فضول حياضهم. فسقى لهما فجعل يغرف بالدّلو ماءً كثيرًا حتّى كانتا أول الرعاء فراغاً، فانصرفا بغنمهما إلى أبيهما، وانصرف موسى- عليه السّلام- فاستظلّ بشجرةٍ وقال: (ربّ إنّي لما أنزلت إلي من خير فقير) . فاستنكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حفلا بطاناً. فقال: إن لكما اليوم لشأن فأخبرتاه، بما صنع موسى- عليه السّلام- فأمر إحداهما أن تدعوه له، فأتت موسى- عليه السّلام- فدعته فلمّا كلّمه قال: لا تخف نجوت من القوم الظالمين، ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطانٌ ولسنا في مملكته. قال: فقالت إحداهما: يا أبت استأجره إنّ خير من استأجرت القويّ الأمين. فاحتملته الغيرة على أن قال: وما يدريك ما قوّته وما أمانته؟ قالت: أمّا قوّته: فما رأيت في الدلو وحين سقى لنا لم أر رجلًا قطّ في ذلك المسقى منه، وأمّا أمانته فإنّه نظر إليّ حين أقبلت إليه وشخصت له، فلمّا علم أنّي امرأة صوب رأسه، فلم يرفعه ولم ينظر إليّ حتّى بلّغته رسالتك، ثمّ قال لي: امشي خلفي وانعتي لي الطريق، فلم يفعل هذا إلّا وهو أمينٌ. فسرّي عن أبيها وصدقها وظن به الذي قالت، فقال له: هل لك أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين) إلى قوله (من الصالحين) ففعل فكانت على نبيّ اللّه موسى- عليه السلام- ثماني سنين واجبةٌ، وكانت سنتان عدّةٌ منه فقضى اللّه- عزّ وجلّ- عنه عدّته، فأتمّها عشرًا- قال سعيدٌ: فلقيني رجلٌ من أهل النّصرانيّة من علمائهم فقال: هل تدري أيّ الأجلين قضى موسى- عليه السلام قلت: لا، وأنا يومئذٍ لا أدري، فلقيت ابن عبّاسٍ فذكرت ذلك له فقال: أما علمت أنّ ثمانيًا كانت على نبيّ اللّه- عليه السّلام- واجبةً، لم يكن نبيّ اللّه لينقص منها شيئاً وتعلم أن الله- عز وجل- كان قاضيًا عن موسى - عليه السّلام- عدّته الّتي وعد؟ فإنّه قضى عشر سنين. فلقيت النّصرانيّ فأخبرته بذلك. فقال: الّذي سألته فأخبرك أعلم منك بذلك. قلت: أجل وأولى. فلمّا سار موسى- عليه السّلام- بأهله كان من أمر الناس ما قصّ اللّه عليك في القرآن وأمر العصا ويده فشكا إلى ربّه- عزّ وجلّ- ما يتخوّف من آل فرعون في القتيل وعقدة لسانه فأتاه اللّه- عزّ وجلّ- سؤله وحلّ عقدةً من لسانه وأوحى اللّه- عزّ وجلّ - إلى هارون- عليه السّلام- وأمره أن يلقاه، واندفع موسى- عليه السّلام- بعصاه حتّى لقي هارون- عليه السلام- فانطلقا جميعًا إلى فرعون فأقاما حينًا على بابه لا يؤذن لهما، ثم أذن لهما، فقالا: إنا رسولا ربك. قال: فمن ربكما يا موسى؟ فأخبراه بالّذي قصّ اللّه - عزّ وجلّ- عليك في القرآن. قال: فما تريدان؟ وذكّره القتيل واعتذر بما قد سمعت. وقال: أريد أن تؤمن باللّه وأن ترسل معي بني إسرائيل. فأبى عليه، وقال: ائت بآيةٍ إن كنت من الصّادقين. فألقى عصاه، فإذا هي حيّةٌ عظيمة فارعة فاغرةٌ فاها مسرعةٌ إلى فرعون، فلمّا رآها فرعون قاصدةً إليه خافها، فاقتحم عن سريره، واستغاث بموسى- عليه السّلام- أن يكفّها عنه، ففعل، ثمّ أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوءٍ- يعني من غير برصٍ- فردّها فعادت إلى لونها الأوّل، فاستشار الملأ حوله فيما رأى، فقالوا له: (هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم ... ) الآية، والمثلى ملكهم الذي هم فيه والعيش، فأبوا على موسى- عليه السّلام- أن يعطوه شيئًا ممّا طلب، وقالوا له: اجمع لهما السّحرة فإنّهم بأرضك كثيرٌ حتّى تغلب بسحرهما وأرسل في المدائن فحشر له كلّ ساحرٍ متعالم، فلما أتوا على فرعون قالوا: بم يعمل هذا السّاحر؟ قالوا: يعمل الحيّات. قالوا: واللّه ما أحدٌ في الأرض يعمل السّحر والحيّات والحبال والعصيّ الّذي نعمل، فما أجرنا إن نحن غلبنا؟ قال لهم: أنتم أقاربي وخاصتي وأنا صانع إليكم كل شيء أحببتم فتواعدوا يوم الزّينة وأن يحشر النّاس ضحًى- قال سعيدٌ: فحدّثني ابن عبّاسٍ أنّ يوم الزّينة اليوم الّذي أظهر اللّه- عزّ وجلّ- فيه موسى- عليه السّلام- على فرعون والسّحرة هو يوم عاشوراء- فلمّا اجتمعوا في صعيدٍ، قال الناس بعضهم لبعض: انطلقوا فلنحضر هذا الأمر لعلّنا نتّبع السّحرة إن كانوا هم الغالبين- يعنون موسى وهارون عليهما السّلام- استهزاءً بهما. فقالوا: يا موسى- لقدرتهم في أنفسهم بسحرهم- إما أن تلقي وإما نكون نحن الملقين قال: بل ألقوا. فألقوا حبالهم وعصيّهم وقالوا: بعزّة فرعون إنّا لنحن الغالبون. فرأى موسى- عليه السّلام- من سحرهم ما أوجس في نفسه خيفةً، فأوحى اللّه - عزّ وجلّ- إليه أن ألق عصاك. فلمّا ألقاها صارت ثعبانًا عظيمًا فاغرةً فاها فجعلت العصيّ بدعوة موسي- عليه السّلام- تلتبس بالحبال حتى صارت جرزاً إلى الثعبان تدخل فيه، حتّى ما أبقت عصا ولا حبلًا إلّا ابتلعته، فلمّا عرف السّحرة ذلك قالوا: لو كان هذا سحراً لم يبلغ من سحرنا كلّ هذا، ولكنّه أمر من الله، آمنا بالله وبما جاء به موسى- عليه السّلام- ونتوب إلى اللّه- عزّ وجلّ- ممّا كنّا عليه، وكسر اللّه ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه، وأظهر الحقّ وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين، وامرأة فرعون بارزةٌ متبذّلةٌ تدعو بالنّصر لموسى- عليه السّلام- على فرعون، فمن رآها من آل فرعون ظنّ أنّها إنّما تبذّلت لشفقةٍ على فرعون وأشياعه، وإنّما كان حزنها وهمّها لموسى- عليه السّلام- فلمّا طال مكث موسى- عليه السّلام- لمواعيد فرعون الكاذبة كلّما جاءه بآيةٍ وعده عندها أن يرسل معه بني إسرائيل فإذا مضت أخلف موعده وقال: أهل، يستطيع ربك أن يصنع غير هذا؟ فأرسل اللّه عليه وعلى قومه الطّوفان، والجراد، والقمّل، والضّفادع آياتٍ مفصّلاتٍ، كلّ ذلك يشكو إلى موسى- عليه السّلام- ويطلب إليه أن يكفّها عنه، ويواثقه على أن يرسل معه بني إسرائيل، فإذا كفّ ذلك عنه أخلف موعده ونكث عهده فأمر موسى- عليه السّلام- بالخروج بقومه، فخرج بهم ليلًا، فلمّا أصبح فرعون ورأى أنّهم قد مضوا، أرسل في المدائن حاشرين فتبعهم بجنودٍ عظيمةٍ كثيرةٍ، وأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إلى البحر أن إذا ضربك موسى بعصاه فانفرق له اثنتي عشرة فرقةً حتّى يجوز موسى - عليه السلام- ومن معه، ثم التق على من بقي بعد من فرعون وأشياعه، فنسي موسى- عليه السّلام- أن يضرب البحر بالعصا، فانتهى إلى البحر وله قصيفٌ، مخافة أن يضربه موسى- عليه السّلام- وهو غافلٌ، فيصير عاصيًا لله- عزّ وجلّ- فلمّا تراءى الجمعان وتقاربا قال أصحاب موسى: إنّا لمدركون افعل ما أمرك به ربّك- عزّ وجلّ- فإنّك لم تكذب ولم تكذب. فقال: وعدني ربّي- عزّ وجلّ- إذا أتيت البحر انفرق لي اثنتي عشرة فرقةً حتّى أجاوزه، ثمّ ذكر بعد ذلك العصا، فضرب البحر بعصاه حين دنا أوائل جند فرعون من أواخر جند موسى- عليه السّلام- فانفرق البحر كما أمره اللّه- عزّ وجلّ- وكما وعد موسى- عليه السّلام- فلمّا أن جاوز موسى- عليه السّلام- وأصحابه البحر، ودخل فرعون وأصحابه، التقى عليهم البحر كما أمر، فلمّا جاوز موسى- عليه السّلام- البحر، قال أصحابه: إنّا نخاف أن لا يكون فرعون غرق، ولا نؤمن بهلاكه، فدعا ربه- عز وجل- فأخرجه له ببدنه، حتّى استيقنوا بهلاكه، ثمّ مرّوا بعد ذلك على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم قالوا: (يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهةً) إلى (وباطلٌ ما كانوا يعملون) . قد رأيتم من العبر وسمعتم ما يكفيكم ومضى فأنزلهم موسى- عليه السّلام- منزلًا، ثمّ قال لهم: أطيعوا هارون- عليه السّلام- فإنّي قد استخلفته عليكم، وإنّي ذاهبٌ إلى ربّي- عزّ وجلّ- وأجّلهم ثلاثين يوماً أن يرجع إليهم فيها فلما أتى ربه وأراد أن يكلمه ثلاثين يوماً وقد صامهن ليلهن ونهارهن، كره أن يكلمّ ربّه- عزّ وجلّ - وريح فمه ريح فم الصّائم، فتناول موسى- عليه السّلام- من نبات الأرض شيئًا فمضغه. فقال له ربّه- عزّ وجلّ- حين لقاه: لم أفطرت- وهو أعلم بالّذي كان؟ قال: يا ربّ، إنّي كرهت أن أكلّمك إلّا وفمي طيّب الرّيح. قال: أو ما علمت يا موسى أنّ ريح فم الصّائم أطيب عندي من ريح المسك ارجع حتى تصوم عشراً، ثمّ ائتني. ففعل موسى- عليه السّلام- ما أمر به، فلمّا رأى قوم موسى- عليه السّلام- أنّه لم يرجع إليهم للأجل ساءهم ذلك، وكان هارون- عليه السّلام- قد خطبهم فقال: إنكم خرجتم من مصر ولقوم فرعون عندي عواري وودائع، ولكم فيهم مثل ذلك، وأنا أرى أن تحتسبوا ما لكم عندهم، ولا أحل لكم وديعةً استودعتموها ولا عاريةً، ولسنا برادّي إليهم شيئًا من ذلك، ولا ممسكيه لأنفسنا- فحفر حفيراً، وأمر كل قوم عندهم شيء من ذلك من متاعٍ أو حليةٍ أن يقذفوه في ذلك الحفير، ثمّ أوقد عليه النّار فأحرقه فقال: لا يكون لنا ولا لهم. وكان السّامريّ رجلٌ من قومٍ يعبدون البقر جيرانٍ لهم، ولم يكن من بني إسرائيل، فاحتمل مع موسى- عليه السّلام- وبني إسرائيل حين احتملوا، فقضى له أن رأى أثرًا، فأخذ منه بقبضته، فمرّ بهارون، فقال له هارون- عليه السّلام- يا سامريّ ألا تلقي ما في يديك؟ وهو قابضٌ عليه لا يراه أحدٌ طوال ذلك. فقال: هذه قبضةٌ من أثر الرّسول الّذي جاوز بكم البحر ولا ألقيها، لشيء إلّا أن تدعو اللّه إذا ألقيتها أن يكون ما أريد، فألقاه ودعا له هارون- عليه السلام-. فقال: أريد أن تكون عجلًا، واجتمع ما كان في الحفرة من متاع أو حليةٍ أو نحاسٍ أو حديدٍ فصار عجلا أجوف ليس فيه روحٌ له خوارٌ- قال ابن عبّاسٍ: لا واللّه ما كان له صوتٌ قطّ، إنّما كانت الرّيح تدخل من دبره وتخرج من فيه، فكان ذلك الصّوت من ذلك- فتفرّق بنو إسرائيل فرقًا. فقالت فرقةٌ: يا سامريّ، ما هذا فأنت أعلم به؟ قال: هذا ربّكم- عزّ وجلّ- ولكنّ موسى- عليه السّلام- أضلّ الطريق. وقالت فرقة: لا نكذب بهذا، حتّى يرجع إلينا موسى، فإن كان ربّنا الم نكن ضيعناه، وعجزنا فيه حتّى رأيناه، وإن لم يكن ربّنا فإنّا نتّبع قول موسى عليه السّلام. وقالت فرقة: هذا عمل الشّيطان، وليس بربّنا، ولا نؤمن ولا نصدّق، وأشرب فرقةٌ في قلوبهم التّصديق بما قال السّامريّ في العجل، وأعلنوا التّكذيب، فقال لهم هارون- عليه السّلام- يا قوم إنّما فتنتم به وإنّ ربّكم ليس هكذا. قالوا: فما بال موسى- عليه السّلام- وعدنا ثلاثين يومًا ثمّ أخلفنا، فهذه أربعون قد مضت. فقال سفهاؤهم: أخطأ ربّه فهو يطلبه ويتّبعه. فلمّا كلّم اللّه- عزّ وجلّ- موسى- عليه السّلام- وقال له ما قال، أخبره بما لقي قومه بعده فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفًا وقال لهم ما سمعتم في القرآن وأخذ برأس أخيه وألقي الألواح من الغضب، ثمّ عذر أخاه بعذره، واستغفر له، وانصرف إلى السّامريّ، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: قبضت قبضةً من أثر الرّسول، وفطنت لها وعمّت عليكم فقذفتها وكذلك سوّلت لي نفسي (قال فاذهب فإنّ لك في الحياة أن تقول لا مساس وإنّ لك موعدًا لن تخلفه وانظر إلى إلهك) إلى قوله: (نسفاً) ولو كان إلهاً لم تخلص إلى ذلك منه، فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة، واغتبط الّذين كان رأيهم فيه مثل رأي هارون- عليه السّلام- فقالوا بجماعتهم لموسى- عليه السّلام-: سل لنا ربّك- عزّ وجلّ- أن يفتح لنا باب توبةٍ نصنعها فيكفّر عنّا ما عملنا فاختار موسى- عليه السّلام- قومه سبعين رجلًا لذلك لا يألوا الخير خيار بني إسرائيل ومن لم يشرك في العجل. فانطلق بهم ليسأل لهم التّوبة، فرجفت بهم الأرض فاستحيا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من قومه ووفده حين فعل بهم ما فعل، فقال: (ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) وفيهم من قد كان اللّه- عزّ وجلّ- اطّلع على ما أشرب قلبه من حبّ العجل وإيمانه به، لذلك رجفت بهم الأرض. فقال: (ورحمتي وسعت كلّ شيء فسأكتبها للذين يتقون) إلى (في التوراة والإنجيل) فقال: ربّ سألتك التّوبة لقومي فقلت: إنّ رحمتي كتبتها لقوم غير قومي فليتك أخرتني، حتى تخرجني حيّاً في أمّة ذلك الرّجل المرحومة. فقال اللّه له: إنّ توبتهم أن يقتل كلّ رجلٍ منهم من لقي من والدٍ أو ولدٍ فيقتله بالسّيف لا يبالي من قتل في ذلك الموطن وتاب أولئك الّذين كان خفي على موسى وهارون- عليهما السّلام - ما اطّلع اللّه عليهم من ذنوبهم، فاعترفوا بها، وفعلوا ما أمروا وغفر اللّه للقاتل والمقتول. ثمّ سار بهم موسى- عليه السّلام- متوجّهًا نحو الأرض المقدّسة وأخذ الألواح بعد ما سكت عنه الغضب وأمرهم بالذي أمر به أن يبلغهم من الوظائف، فثقل ذلك عليهم، وأبوا أن يقرّوا بها فنتق اللّه عليهم الجبل كأنّه ظلّةٌ ودنا منهم حتّى خافوا أن يقع عليهم، فأخذوا الكتاب بأيمانهم، وهم يصغون، ينظرون إلى الجبل والأرض والكتاب بأيديهم وهم ينظرون إلى الجبل مخافة أن يقع عليهم. ثمّ مضوا إلى الأرض المقدّسة فوجدوا مدينة قوم جبارين خلقهم خلق منكرٌ، وذكر من ثمارهم أمرًا عجبًا من عظمها، فقالوا: يا موسى إنّ فيها قومًا جبارين لا طاقة لنا بهم ولا ندخلها ما داموا فيها فإن يخرجوا منها فإنّا داخلون، قال رجلان من الذين يخافون من الجبّارين: آمنّا بموسى- عليه السّلام- فخرجا إليه، فقالا: نحن أعلم بقومنا، إن كنتم إنّما تخافون ما رأيتم من أجسامهم وعددهم، فإنّهم لا قلوب لهم، ولا منعة عندهم، فادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنّكم غالبون. ويقول أناس: إنها من قوم موسى- عليه السّلام- وزعم سعيد بن جبيرٍ: أنّهما من الجبّارين آمنا بموسى فقوله: (من الّذين يخافون) إنّما عنى بذلك من الذين يخافون بني إسرائيل (قالوا ياموسى إنا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون) فأغضبوا موسى- عليه السّلام- فدعا عليهم وسمّاهم: فاسقين. ولم يدع عليهم قبل ذلك لمّا رأى، منهم من المعصية وإساءتهم حتّى كان يومئذٍ، فاستجاب اللّه - عزّ وجلّ- له فسمّاهم كما سماهم موسى- عليه السلام-: فاسقين وحرمها عليهم أربعين سنةً يتيهون في الأرض يصبحون كلّ يومٍ فيسيرون ليس لهم قرارٌ، ثمّ ظلّل عليهم الغمام في التّيه، وأنزل عليهم المنّ والسّلوى، وجعل لهم ثيابًا لا تبلى ولا تتّسخ، وجعل بين ظهرهم حجرًا مربّعًا، وأمر موسى- عليه السلام- فضربه بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا في كلّ ناحيةٍ ثلاثة أعينٍ، وأعلم كلّ سبطٍ عينهم الّتي يشربون منها، فلا يرتحلون من منزلة إلّا وجدوا ذلك الحجر منهم بالمكان الّذي كان منه أمس. رفع ابن عبّاسٍ هذا الحديث إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وصدق ذلك عندي أنّ معاوية سمع من ابن عبّاسٍ هذا الحديث فأنكره عليه أن يكون الفرعونيّ هو الّذي أفشى على موسى- عليه السّلام- أمر القتيل الّذي قتل. قال: كيف يفشي عليه ولم يكن علم به، ولا ظهر عليه إلّا الإسرائيليّ الّذي حضر ذلك وشهده. فغضب ابن عبّاسٍ فأخذ بيد معاوية فانطلق به إلى سعد بن مالكٍ الزّهريّ، فقال له: يا أبا إسحاق، هل تذكر يوم حدّثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن قتيل موسى- عليه السّلام- الذي قتل من آل فرعون الإسرائيلي أفشى عليه أم الفرعونيّ؟ قال: إنّما علم الفرعونيّ لما سمع من الإسرائيليّ الّذي شهد ذلك وحضره".
- رواه أبو يعلى الموصليّ: ثنا أبو خيثمة، ثنا يزيد بن هارون، ثنا أصبغ بن زيدٍ ... فذكره بتمامه.
هذا إسنادٌ صحيحٌ، القاسم بن أبي أيّوب وثّقه ابن سعدٍ وأبو داود، وذكره ابن حبّان في الثّقات، وأصبغ بن زيدٍ وثّقه أحمد وابن معينٍ والنّسائيّ، وباقي رجال الإسناد على شرط الشّيخين). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/234-244] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي رضي الله عنه قال: إن جبريل لما نزل فصعد بموسى إلى السماء بصر به السامري من بين الناس فقبض قبضة من أثر الفرس وحمل جبريل موسى خلفه حتى إذا دنا من باب السماء صعد وكتب الله الألواح وهو يسمع صرير الأقلام في الألواح فلما أخبره أن قومه قد فتنوا من بعده نزل موسى فأخذ العجل فأحرقه). [الدر المنثور: 10/222] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: وانطلق موسى إلى ربه يكلمه، فلما كلمه قال له: {وما أعجلك عن قومك يا موسى}. قال: {هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى}. قال: {فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري}. فلما خبره خبرهم قال: يا رب، هذا السامري أمرهم أن يتخذوا العجل، أرأيت الروح من نفخها فيه؟ قال الرب: أنا. قال: يا رب، فأنت إذن أضلتهم.
ثم رجع {موسى إلى قومه غضبان أسفا}. قال: حزينا، {قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا} إلى قوله: {ما أخلفنا موعدك بملكنا} يقول: بطاقتنا {ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم} يقول: من حلي القبط: {فقذفناها فكذلك ألقى السامري (87) فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار} فعكفوا عليه يعبدونه وكان يخور ويمشي، فقال لهم هرون: {يا قوم إنما فتنتم به} يقول ابتليتم بالعجل، قال: {فما خطبك يا سامري} ما بالك، إلى قوله: {وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه} قال: فأخذه فذبحه ثم خرقه بالمبرد، يعني سحكه ثم ذراه في اليم، فلم يبق نهر يجري يومئذ إلا وقع فيه منه شيء ثم قال لهم موسى: اشربوا منه فشربوا، فمن كان يحبه خرج على شاربيه الذهب فذلك حين يقول: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم}، قال: فلما سقط في أيدي بني إسرائيل حين جاء موسى {ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين} فأبى الله أن يقبل توبة بني إسرائيل إلا بالحال التي كرهوا أنهم كرهوا أن يقاتلوهم حين عبدوا العجل {قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} فاجتلد الذين عبدوه والذين لم يعبدوا بالسيوف فكان من قتل من الفريقين شهيدا حتى كثر القتل حتى كادوا أن يهلكوا حتى قتل منهم سبعون ألفا وحتى دعا موسى وهرون: ربنا هلكت بنو إسرائيل ربنا البقية، البقية، فأمرهم أن يضعوا السلاح وتاب عليهم فكان من قتل منهم كان شهيدا ومن بقي كان مكفرا عنه فذلك قوله تعالى: {فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم}، ثم إن الله تعالى أمر موسى أن يأتيه في ناس من بني اسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل فوعدهم موعدا {واختار موسى قومه سبعين رجلا} ثم ذهب ليعتذروا من عبادة العجل فلما أتوا ذلك قالوا: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} فإنك قد كلمته فأرناه {فأخذتهم الصاعقة} فماتوا فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رب، ماذا أقول لنبي إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم {رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} فأوحى الله إلى موسى أن هؤلاء السبعين ممن اتخذوا العجل، فذلك حين يقول موسى: {إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء} الآية). [الدر المنثور: 10/231-233] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس} قال: عقوبة له {وإن لك موعدا لن تخلفه} قال: لن تغيب عنه). [الدر المنثور: 10/236]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا}
قال: أقمت {لنحرقنه} قال: بالنار {ثم لننسفنه في اليم نسفا} قال: لنذرينه في البحر). [الدر المنثور: 10/236-237]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه كان يقرأ {لنحرقنه} خفيفة، يقول: إن الذهب والفضة لا يحرقان بالنار يسحل بالمبرد ثم يلقى على النار فيصير رمادا). [الدر المنثور: 10/237]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: في بعض القراءة لنذبحنه ثم لنحرقنه خفيفة، قال قتادة: وكان له لحم ودم). [الدر المنثور: 10/237]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي نهيك الأزدي أنه قرأ {لنحرقنه} بنصب النون وخفض الراء وخففها). [الدر المنثور: 10/237]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: اليم البحر). [الدر المنثور: 10/237]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، عن علي، قال: اليم النهر). [الدر المنثور: 10/237]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّما إلهكم اللّه الّذي لا إله إلاّ هو} يقول: ما لكم أيّها القوم معبودٌ، إلاّ الله الّذي له عبادة جميع الخلق لا تصلح العبادة لغيره، ولا تنبغي أن تكون إلاّ له. {وسع كلّ شيءٍ علمًا} يقول: أحاط بكلّ شيءٍ علمًا فعلمه، فلا يخفى عليه منه شيءٌ ولا يضيق عليه علم جميع ذلك. يقال منه: فلانٌ يسع لهذا الأمر: إذا أطاقه وقوي عليه، ولا يسع له: إذا عجز عنه فلم يطقه ولم يقو عليه.
وكان قتادة يقول في ذلك ما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وسع كلّ شيءٍ علمًا} يقول: ملأ كلّ شيءٍ علمًا تبارك وتعالى). [جامع البيان: 16/157-158]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 98 - 110
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وسع كل شيء علما} يقول: ملأ). [الدر المنثور: 10/237-238]