تفسير قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)}
تفسير قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)}
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224هـ): (أبو زيد ... غيره: العلق من الدم ما اشتدت حمرته). [الغريب المصنف: 3/735] (م)
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ): (
يعثرن في علق النجيع كأنما = كسيت برود بني تزيد الأذرع
...
العلق: قطع الدم). [شرح أشعار الهذليين: 1/25]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ): (
وإن بعقدة الأنصاب منكم = غلامًا خر في علق شنين
...
و(العلق) علق الدم). [شرح أشعار الهذليين: 2/680]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328هـ): (قال الشاعر في عثمان رضي الله تعالى عنه:
ضحوا به تضحية الكبش الجذع = فاحتلبوا عرق دمٍ آني القلع
أراد العلق وهو الدم، وكما قال الآخر في عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه:
بحرك عذب الماء ما أعقه = ربك والمحروم من لم يسقه
أراد ما أقعه من قولك ماء قعاع إذا كان ملحًا ومنه والله تعالى أعلم قراءة ابن مسعود: (وحرث حِرج) والقراء والمصاحف على (حجر) وهي القراءة: وهذا كثير). [شرح المفضليات: 684]
تفسير قوله تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)}
تفسير قوله تعالى: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)}
تفسير قوله تعالى: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}
تفسير قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6)}
تفسير قوله تعالى: {أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7)}
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8)}
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ): (
ما أرانا نقول إلا رجيعا = ومعادا من قولنا مكرورا
أي ما نقول شيئا إلا وقد سبقنا إليه. ورجيعا: مكررا. ويقال: رجَعتُه أرجِعُه رَجْعًا. وإلى الله المَرْجِعُ والرُّجْعَى والرُّجُوعُ والمصير. وقالوا في قول الله تعالى:
{والسماء ذات الرجع} ترجع بمطر بعد مطر. والله أعلم. والرجيع: ما ردته الإبل ن أكراشا فاجترته). [شرح ديوان كعب بن زهير: 154-155] (م)
تفسير قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9)}
تفسير قوله تعالى: {عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10)}
تفسير قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11)}
تفسير قوله تعالى: {أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12)}
تفسير قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13)}
تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)}
تفسير قوله تعالى: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)}
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ما ينتصب فيه الصفة لأنّه حالٌ وقع فيه الألف واللام
شبّهوه بما يشبّه من الأسماء بالمصادر نحو قولك فاه إلى في وليس بالفاعل ولا المفعول. فكما شبّهوا هذا بقولك عوده على بدئه وليس بمصدر كذلك شبّهوا الصفة بالمصدر وشذّ هذا كما شذّت المصادر في بابها حيث كانت حالاً وهى معرفةٌ وكما شذّت الأسماء التي وضعت موضع المصدر.
وما يشبّه بالشيء في كلامهم وليس مثله في جميع أحواله كثيرٌ وقد بيّن فيما مضى وستراه أيضا إن شاء الله
وهو قولك دخلوا الأوّل فالأوّل جرى على قولك واحداً فواحداً ودخلوا رجلا رجلا.
وإن شئت رفعت فقلت دخلوا الأوّل فالأوّل جعله بدلا وحمله على الفعل كأنه قال دخل الأوّل فالأوّل.
وإن شئت قلت دخلوا رجلٌ فرجلٌ تجعله بدلاً كما قال عزّ وجلّ: {بالناصية * ناصية كاذبة} ). [الكتاب: 1/397-398]
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (واعلم أن كل شيء كان للنكرة صفة فهو للمعرفة خبر وذلك قولك
مررت بأخويك قائمين فالقائمان هنا نصب على حد الصفة في النكرة وتقول مررت بأخويك مسلما وكافرا هذا على من جر وجعلهما صفة للنكرة ومن جعلهما بدلا من النكرة جعلهما بدلا من المعرفة كما قال الله عز وجل: {لنسفعا بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة} ). [الكتاب: 2/8-9]
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (فمما جاء فيه النون في كتاب الله عز وجل: {ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} {ولا تقولن لشيءٍ إني فاعلٌ ذلك غداً} وقوله تعالى: {ولآمرنهم فليبنكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} و: {ليسجنن وليكونن من الصاغرين} وليكونن خفيفة
وأما الخفيفة فقوله تعالى: {لنسفعن بالناصية}). [الكتاب: 3/509-510] (م)
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت: 215هـ): (وقال ضمرة بن ضمرة النهشلي:
أما الوعيد باللسان فإنني = فأبأست ربا يوم ذلك وابنما
...
...
وقوله: «لتندما»: أراد النون الخفيفة لتندما، فوقف بالألف. وكذلك {لنسفعا بالناصية} والوقف لنسفعا). [النوادر في اللغة: 250-251]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت: 215هـ): (وأنشد لقحيف العقيلي:
أتعرف أم لا رسم دار معطلا = من العام يمحاه ومن عام أولا
وفي الصحصحيين الذين ترحلوا = كواعب من بكر تسام وتحبلا
...
وقوله تسام وتحبلا يريد تسام الضيم وتحبلا، أراد النون الخفيفة فإذا وصلت كانت نونا وإذا وقفت كانت ألفا، كما قال جل وعز: {لنسفعن بالناصية} فإذا وقفت قلت لنسفعا كما قال الأعشى:
وصل على حين العشيات والضحى = ولا تحمد المثرين والله فاحمدا
وكما قال عمر بن أبي ربيعة:
وقمير بدا لخمس وعشرين له قالت الفتاتان قوما
والتنوين إذا وقع الأمر وما كان مثله من الأفعال غير الواجبة كان جيدا فإذا وقع في الفعل الواجب كان ضرورة من الشاعر لو قلت يقومن زيد لم يجز إلا في اضطرار شاعر كما قال هذا وتحبلا). [النوادر في اللغة: 535-536]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى في بيت أم سلمة جارية ورأى بها سفعة، فقال: ((إن بها نظرة فاسترقوا لها)).
قوله: ((سفعة)) يعني أن الشيطان أصابها وهو من قول الله عز وجل: {كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية} وحديث ابن مسعود أنه رأى رجلا فقال: إن بهذا سفعة من الشيطان، وهو من هذا). [غريب الحديث: 3/36-37]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224هـ): (في حديث عبد الله رحمه الله أن رجلا أتاه فقال عبد الله حين رآه: إن بهذا سفعة من الشيطان، فقال له الرجل: لم أسمع ما قلت؟ ثم قال له عبد الله: نشدتك بالله هل ترى أحدا خيرا منك؟ قال: لا، قال عبد الله: فلهذا قلت ما قلت.
وهذا من حديث ابن المبارك عن ابن أبي ذئب، عن مسلم بن جندب عن الحارث بن عمرو الهذلي، قال: كنا عند ابن مسعود فجاءه رجل، فذكر ذلك.
قوله: «سفعة من الشيطان»: أصل السفع: الأخذ بالناصية، قال الله تبارك وتعالى: {كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية * ناصية} فالذي أراد عبد الله: أن الشيطان قد استحوذ على هذا وأخذ بناصيته فهو يذهب به في العجب كل مذهب حتى ليس يرى أن أحدا خير منه.
وهذا مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى في بيت أم سلمة جارية ورأى بها سفعة فقال: ((إن بها نظرة فاسترقوا لها)) يعني بقوله: سفعة، أن الشيطان قد أصابها). [غريب الحديث: 5/124]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما بدل المعرفة من المعرفة فكقولك: مررت بأخيك عبد الله.
ونظير بدل المعرفة من المعرفة نحو قول الله عز وجل: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم}.
وبدل المعرفة من النكرة كقولك: مررت برجل زيد. كأنك نحيت الرجل ووضعت زيدا مكانه. فكأنك قلت: مررت بزيد، لأن ذلك الرجل هو زيد في المعنى: ونظير هذا قول الله: {وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم صراط الله}.
وبدل النكرة من المعرفة كقولك: مررت بزيد رجل صالح، وضعت الرجل في موضع زيد، لأنه هو في المعنى. ونظير هذا قول الله عز وجل: {لنسفعن بالناصية * ناصيةٍ كاذبةٍ}.
وأما بدل بعض الشيء منه للتبيين فنحو قولك: ضربت زيدا رأسه وجاءني قومك بعضهم أراد أن يبين الموضع الذي وقع الضرب به منه، وأن يعلمك أن بعض القوم جاء لا كلهم. ومن ذلك قول الله عز وجل: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} لأن فرض الحج إنما وقع منهم على المستطيع.
وقد يجوز أن يبدل الشيء من الشيء إذا اشتمل عليه معناه، لأنه يقصد قصد الثاني، نحو قولك: سلب زيدٌ ثوبه، لأن معنى سلب: أخذ ثوبه، فأبدل منه لدخوله في المعنى.
ولو نصبت الثوب كان أجود إذا لم ترد البدل.
ومثل ذلك قول الله عز وجل: {يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه}، لأن المسألة وقعت عن القتال. ومثل ذلك قول الأعشى ينشد كما أصف لك:
لقد كان في حولٍ ثواءٍ ثويته = تقضي لباناتٍ ويسأم سـائم).
[المقتضب: 1/164-165] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب: حروف البدل
وهي أحد عشر حرفاً. منها ثمانية من حروف الزوائد التي ذكرناها، وثلاثة من غيرها وهذا البدل ليس ببدل الإدغام الذي تقلب فيه الحروف ما بعدها.
فمن حروف البدل حروف المد واللين المصوتة. وهي الألف، والواو، والياء.
فالألف تكون بدلاً من كل واحدة منهما؛ كم وصفت لك.
وتكون بدلاً من التنوين المفتوح ما قبله في الوقف؛ نحو رأيت زيدا، ومن النون الخفيفة، لأنها كالتنوين إذا انفتح ما قبلها؛ تقول اضربن زيدا فإذا وقفت قلت: اضربا. وفي قوله: {لنسفعن بالناصية} والوقف {لنسفعا} ). [المقتضب: 1/199]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب: النونين الثقيلة والخفيفة ومعرفة مواقعها من الأفعال
اعلم أنهما لا تدخلان من الأفعال إلا على ما لم يجب، ولا يكون من ذلك إلا في الفعل الذي يؤكد ليقع. وذلك ما لم يكن خبراً فيما ضارع القسم. فأما القسم فإحداهما فيه واجبةٌ لا محالة. وأما ما ضارعه فأنت فيه مخير. وذلك قولك في القسم: والله لأقومن، وحق زيد لأمضين، فيلحق النون إما خفيفة وإما ثقيلةً، لا يكون القسم إلا كذاك. وقد شرحنا ذلك في باب القسم: لم كانت فيه واجبة? وأما الثقيلة فكقوله عز وجل: {ليسجنن وليكوننّ من الصاغرين} وأما الخفيفة فعلى قراءة من قرأ: {وليكونن من الصاغرين}، وكقوله: {كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية}، وقال الشاعر:
وفي ذمتي لئن فعلت ليفعلا
فمن مواضعها: الأمر، والنهي؛ لأنهما غير واجبين. وذلك قولك - إذا لم تأت بهما -:اضرب، ولا تضرب، فإذا أتيت بها قلت: اضربن زيدا، ولا تضربن زيدا، وإن شئت ثقلت النون، وإن شئت خففتها. وهي - إذا خففت - مؤكدة، وإذا ثقلت فهي أشد توكيدا، وإن شئت لم تأت بها فقلت: اضرب، ولا تضرب. قال الله عز وجل: {ولا تقولن لشيءٍ إني فاعلٌ ذلك غدًا}، وقال: {ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون}، وقال: {فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}. وقال الشاعر في الخفيفة:
فإياك والميتات لا تقربنـهـا = ولا تأخذن سهماً حديداً لتفصدا
وقال الآخر:
فأنزلن سكينةً علينا
والطلب يجري مجرى الأمر والنهي، وقد مضى القول في هذا. ومن مواضعهما: الاستفهام؛ لأنه غير واجب. وذلك قولك: هل تضربن زيداً، وهل يقومن زيد يا فتى. وتدخل الخفيفة كما دخلت الثقيلة؛ لأنهما في التوكيد على ما ذكرت لك ومن مواضعها: الجزاء إذا لحقت ما زائدةً في حرف الجزاء؛ لأنها تكون كاللام التي تلحق في القسم في قولك: لأفعلن، وذلك قولك: إما تأتيني آتك، ومتى ما تقعدن أقعد. فمن ذلك قول الله عز وجل: {فإما ترين من البشر أحداً}، وقال: {وإما تعرضن عنهم}. فإن كان الجزاء بغير ما قبح دخولها فيه، لأنه خبر يجب آخره بوجوب أوله. وإنما يجوز دخولها الجزاء بغير ما في الشعر للضرورة؛ كما يجوز ذلك في الخبر. فمن ذلك قوله:
من تثقفن منهم فليس بآئبٍ = أبداً، وقتل بني قتيبة شافي
فهذا يجوز؛ كما قال في الخبر:
ربما أوفيت في علـمٍ = ترفعن ثوبي شمالات
ومن أمثال العرب: بعينٍ ما أرينك وبألمٍ ما تختننه. فإنما أدخل النون من أجل ما الزائدة كاللام كما ذكرت لك). [المقتضب: 3/11-15] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب: الوقوف على النونين الخفيفة والثقيلة
اعلم أنك إذا وقفت على الثقيلة كان الوقف عليها كالوقف على غيرها من الحروف المبنية على الحركة. فإن شئت كان وقفها كوصلها، وإن شئت ألحقت هاءً لبيان الحركة، كما تقول: ارمه، واغزه، واخشه، فهذا وجهها. وإن شئت قلت على قولك: ارم، اغز، اخش، فقلت: اضربن، وارمين، وقولن. فهذا أمر الثقيلة. فأما الخفيفة فإنها في الفعل بمنزلة التنوين في الاسم. فإذا كان ما قبلها مفتوحاً أبدلت منها الألف، وذلك قولك: اضربن زيداً. فإذا وقفت: قلت: اضربا، وكذلك: والله ليضربن زيداً. فإن وقفت قلت: لتضربا؛ كما قال: {لنسفعا بالناصية} ). [المقتضب: 3/17]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب: ما يكون حالاً
وفيه الألف واللام على خلاف ما تجري به الحال لعلةٍ دخلت
وذلك قولك: ادخلوا الأول فالأول، وادخلوا رجلاً رجلاً. تأويله: ادخلوا واحداً بعد واحد. فأما الأول فإنما انتصب على الحال وفيه الألف واللام؛ لأنه على غير معهود، فجريا مجرى سائر الزوائد. ألا ترى أنك لو قلت: الأول فالأول أتونا، لم يجز؛ لأنك لست تقصد إلى شيءٍ بعينه، ولو قلت: الرجال أتونا، كان جيداً. وإن شئت قلت: دخلوا الأول فالأول على البدل. كأنك قلت: دخل الأول فالأول. وكذلك لو قلت: دخلوا رجلٌ فرجلٌ، فأبدلت النكرة من المعرفة؛ كما قال الله عز وجل: {بالناصية * ناصيةٍ كاذبةٍ خاطئةٍ}. فإذا قلت: ادخلوا الأول فالأول، فلا سبيل عند أكثر النحويين إلى الرفع؛ لأن البدل لا يكون من المخاطب؛ لأنك لو قدرته بحذف الضمير لم يجز. فأما عيسى بن عمر فكان يجيزه، ويقول: معناه: ليدخل الأول فالأول، ولا أراه إلا جائزاً على المعنى؛ لأن قولك: ادخل إنما هو: لتدخل في المعنى.
وقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فبذلك فلتفرحوا) فإذا قلت: ادخلوا الأول والآخر، والصغير، والكبير، فالرفع؛ لأن معناه: ادخلوا كلكم). [المقتضب: 3/271-272]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما المعرفة والنكرة. فإن أبدلت معرفة من نكرة قلت: مررت برجل زيد ومررت بذي مال أخيك. قال الله عز وجل: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله}. فهذا بدل المعرفة من النكرة.
وفي المعرفتين قوله: {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم}.
وفي بدل النكرة من المعرفة قوله: مررت بزيد صاحب مال، ومررت بالرجل رجل صالح. قال الله عز وجل: {كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية * ناصية}.
فأما المضمر والمظهر فكقولك: زيد مررت به أخيك. وتقول: رأيت زيداً إياه، وأخوك رأيته زيداً، والمضمران: رأيتك إياه. فهذا ضرب من البدل.
والضرب الآخر أن تبدل بعض الشيء منه؛ لتعلم ما قصدت له، وتبينه للسامع. وذلك قولهم: ضربت زيداً رأسه. أردت أن تبين موضع الضرب منه، فصار كقولك: ضربت رأس زيد.
ومنه: جاءني قومك أكثرهم. بينت من جاءك منهم. قال الله عز وجل: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} من في موضع خفض؛ لأنه على من استطاع إليه سبيلاً.
ومن ذلك إلا أنه أعيد معه حرف الخفض: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم}. كان أيضاً جيداً كالآية التي ذكرنا قبل. فهذان ضربان.
والضرب الثالث أن يكون المعنى محيطاً بغير الأول الذي سبق له الذكر لالتباسه بما بعده، فتبدل منه الثاني المقصود في الحقيقة. وذلك قولك: مالي بهم علم أمرهم، فأمرهم غيرهم. وإنما أراد: مالي بأمرهم علم. فقال: مالي بهم علم وهو يريد أمرهم. ومثل ذلك: أسألك عن عبد الله متصرفه في تجارته؛ لأن المسألة عن ذلك. قال الله عز وجل: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} لأن المسألة عن القتال، ولم يسألوا أي الشهر الحرام? وقال: {قتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود} لأنهم أصحاب النار التي أوقدوها في الأخدود). [المقتضب: 4/295-297] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والبدل على أربعة أضرب: فواحد منها أن يبدل أحد الاسمين من الآخر إذا رجعا إلى واحد، ولا تبالي أمعرفتين كانا أم معرفة ونكرة، وتقول: مررت بأخيك زيد، لأن زيدًا رأسه. لما قلت: ضربت زيدًا، أردت أن تبين موضع الضرب منه.
فمثل الأول قول الله تبارك وتعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}. وقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ}. و{لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}.
ومثل البدل الثاني قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} «من» في موضع خفض، لأنها بدل من الناس، ومثله، إلا أنه أعيد حرف الخفض: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ}.
والبدل الثالث مثل ما ذكرنا في البيت، أبدل: "شمائله" منه، وهي غيره، لاشتمال المعنى عليها، ونظير ذلك: أسألك عن زيد أمره. لأن السؤال عن الأمر وتقول على هذا: سلب زيد ثوبه، فالثوب غيره، ولكن به وقع السلب، كما وقعت المسألة عن خبر زيد، ونظير ذلك من القرآن: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}. لأن المسألة إنما كانت عن القتال: هل يكون في الشهر الحرام? وقال الشاعر وهو الأخطل:
إن السيوف غدوها ورواحها = تركت هوازن مثل قرن الأعضب
وبدل رابع، لا يكون مثله في القرآن ولا في الشعر، وهو أن يغلط المتكلم فيستدرك غلطه، أو ينسى فيذكر فيرجع إلى حقيقة ما يقصد له، وذلك قوله: مررت بالمسجد دار زيد، أراد أن يقول: مررت بدار زيد، فإما نسي، وإما غلط، فاستدرك فوضع الذي قصد له في موضع الذي غلط فيه). [الكامل: 2/905-907] (م)
تفسير قوله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17)}
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328هـ): ( على مثله آتي الندي مخايلاً = وأغمز سرًا أي أمري أربح
الندي والنادي: المجلس والقوم يتنادون إذا تجالسوا وفلان ينادي فلانًا، قال الأعشى:
فتى لو ينادي الشمس ألقت قناعها = أو القمر الساري لألقى المقالدا
وهو من قول الله عز وجل: {وتأتون في ناديكم المنكر}، وقوله: {فليدع ناديه}، أي: أهل مجلسه). [شرح المفضليات: 497] (م)
تفسير قوله تعالى: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)}
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (قوله: زبنتنا الحرب وزبناها، أي دفعتنا ودفعناها، والزبن: الدفع، ومنه اشتقاق الزبانية، لأنهم يدفعون أهل النار إلى النار، ومنه قيل: حرب زبون، قال الشاعر:
عدتني عن زيارتها العوادي = وحالت دونها حرب زبون).
[الأمالي: 1/12]
تفسير قوله تعالى: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)}