العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الفتح

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الأولى 1434هـ/23-03-2013م, 05:51 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي تفسير سورة الفتح [ من الآية (15) إلى الآية (17) ]

سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (15) قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17)

روابط مهمة:
- القراءات
- توجيه القراءات
- الوقف والابتداء


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11 جمادى الآخرة 1434هـ/21-04-2013م, 04:54 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن عثمان الجزري عم مقسم قال لما وعدهم الله أن يفتح عليهم خيبر وكان قد وعدها من شهد الحديبية لم يعط أحدا غيرهم منها شيئا فلما علم المنافقون أنها الغنيمة قالوا ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلم الله يقول ما كان وعدهم إلى قوله أولى بأس شديد تقتلونهم أو يسلمون). [تفسير عبد الرزاق: 2/226] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {سيقول المخلّفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتّبعكم يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه قل لن تتّبعونا كذلكم قال اللّه من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلاّ قليلاً}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: سيقول يا محمّد المخلّفون في أهليهم عن صحبتك إذا سرت معتمرًا تريد بيت اللّه الحرام، إذا انطلقت أنت ومن صحبك في سفرك ذلك إلى ما أفاء اللّه عليك وعليهم من الغنيمة {لتأخذوها} وذلك ما كان اللّه وعد أهل الحديبية من غنائم خيبر {ذرونا نتّبعكم} إلى خيبر، فنشهد معكم قتال أهلها {يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه} يقول: يريدون أن يغيّروا وعد اللّه الّذي وعد أهل الحديبية، وذلك أنّ اللّه جعل غنائم خيبر لهم، ووعدهم ذلك عوضًا من غنائم أهل مكّة إذا انصرفوا عنهم على صلحٍ، ولم يصيبوا منهم شيئًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: رجع، يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن مكّة، فوعده اللّه مغانم كثيرةً، فعجّلت له خيبر، فقال المخلّفون {ذرونا نتّبعكم يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه} وهي المغانم ليأخذوها، الّتي قال اللّه جلّ ثناؤه: {إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها} وعرض عليهم قتال قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن رجلٍ، من أصحابه، عن مقسمٍ، قال: لمّا وعدهم اللّه أن يفتح عليهم خيبر، وكان اللّه قد وعدها من شهد الحديبية لم يعط أحدًا غيرهم منها شيئًا، فلمّا علم المنافقون أنّها الغنيمة قالوا: {ذرونا نتّبعكم يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه} يقول: ما وعدهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {سيقول المخلّفون إذا انطلقتم} الآية، وهم الّذين تخلّفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الحديبية ذكر لنا أنّ المشركين لمّا صدّوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الحديبية عن المسجد الحرام والهدي، قال المقداد: يا نبيّ اللّه، إنّا واللّه لا نقول كالملأ من بني إسرائيل إذ قالوا لنبيّهم: {اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون} ولكن نقول: اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون؛ فلمّا سمع ذلك أصحاب نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تتابعوا على ما قال؛ فلمّا رأى ذلك نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صالح قريشًا، ورجع من عامه ذلك.
وقال آخرون: بل عنى بقوله: {يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه} إرادتهم الخروج مع نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوه، وقد قال اللّه تبارك وتعالى {فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {سيقول المخلّفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتّبعكم} الآية، قال اللّه عزّ وجلّ حين رجع من غزوه، {فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا} الآية يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه: أرادوا أن يغيّروا كلام اللّه الّذي قال لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم ويخرجوا معه، وأبى اللّه ذلك عليهم ونبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وهذا الّذي قاله ابن زيدٍ قولٌ لا وجه له، لأنّ قول اللّه عزّ وجلّ {فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا} إنّما نزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منصرفه من تبوك، وعنى به الّذين تخلّفوا عنه حين توجّه إلى تبوك لغزو الرّوم، ولا اختلاف بين أهل العلم بمغازي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ تبوك كانت بعد فتح خيبر وبعد فتح مكّة أيضًا، فكيف يجوز أن يكون الأمر على ما وصفنا معنيًّا بقول اللّه: {يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه} وهو خبرٌ عن المتخلّفين عن المسير مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، إذ شخص معتمرًا يريد البيت، فصدّه المشركون عن البيت، الّذين تخلّفوا عنه في غزوة تبوك، وغزوة تبوك لم تكن كانت يوم نزلت هذه الآية، ولا كان أوحي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قوله: {فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا}.
- فإذ كان ذلك كذلك، فالصّواب من القول في ذلك: ما قاله مجاهدٌ وقتادة على ما قد بيّنّا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه} فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة والبصرة، وبعض قرّاء الكوفة {كلام اللّه} على وجه المصدر، بإثبات الألف وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة (كلم اللّه) بغير ألفٍ، بمعنى جمع كلمةٍ، وهما عندنا قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ، وإن كنت إلى قراءته بالألف أميل.
وقوله: {قل لن تتّبعونا كذلكم قال اللّه من قبل} يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهؤلاء المخلّفين عن المسير معك يا محمّد: لن تتّبعونا إلى خيبر إذا أردنا السّير إليهم لقتالهم {كذلكم قال اللّه من قبل} يقول: هكذا قال اللّه لنا من قبل مرجعنا إليكم، إنّ غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية معنا، ولستم ممّن شهدها، فليس لكم أن تتّبعونا إلى خيبر، لأنّ غنيمتها لغيركم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {كذلكم قال اللّه من قبل} أي إنّما جعلت الغنيمة لأهل الجهاد، وإنّما كانت غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيبٌ.
وقوله: {فسيقولون بل تحسدوننا} يقول تعالى ذكره: فسيقول لك ولأصحابك يا محمّد هؤلاء المخلّفون من الأعراب إذا قلتم لهم: لن تتّبعونا إلى الجهاد وقتال العدوّ بخيبر، كذلكم قال الله من قبل: بل تحسدوننا أن نصيب معكم مغنمًا إن نحن شهدنا معكم، فلذلك تمنعوننا من الخروج معكم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فسيقولون بل تحسدوننا} أن نصيب معكم غنائم.
وقوله: {بل كانوا لا يفقهون إلاّ قليلاً} يقول تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه: ما الأمر كما يقول هؤلاء المنافقون من الأعراب من أنّكم إنّما تمنعونهم من اتّباعكم حسدًا منكم لهم على أن يصيبوا معكم من العدوّ مغنمًا، بل كانوا لا يفقهون عن اللّه ما لهم وعليهم من أمر الدّين إلاّ قليلاً يسيرًا، ولو عقلوا ذلك ما قالوا لرسول اللّه والمؤمنين به، وقد أخبروهم عن اللّه تعالى ذكره أنّه حرمهم غنائم خيبر، إنّما تمنعوننا من صحبتكم إليها لأنّكم تحسدوننا). [جامع البيان: 21/261-265]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 12 - 15
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء} قال: ظنوا بنبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم لن يرجعوا من وجههم ذلك وأنهم سيهلكون فذلك الذي خلفهم عن نبي الله صلى الله عليه وسلم وهم كاذبون بما يقولون {سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها} قال: هم الذين تخلفوا عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية كذلكم قال الله من قبل قال: إنما جعلت الغنيمة لأجل الجهاد إنما كانت غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} قال: فدعوا يوم حنين إلى هوازن وثقيف فمنهم من أحسن الإجابة ورغب في الجهاد ثم عذر الله أهل العذر من الناس فقال: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) (النور 61) ). [الدر المنثور: 13/475] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه {يريدون أن يبدلوا كلام الله} قال: كتاب الله كانوا يبطئون المسلمين عن الجهاد ويأمرونهم أن يفروا). [الدر المنثور: 13/476]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية إلى المدينة حتى إذا كان بين المدينة ومكة نزلت عليه سورة الفتح فقال: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} إلى قوله {عزيزا} ثم ذكر الله الأعراب ومخالفتهم للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: {سيقول لك المخلفون من الأعراب} إلى قوله {خبيرا} ثم قال للأعراب {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون} إلى قوله {سعيرا} ثم ذكر البيعة فقال: {لقد رضي الله عن المؤمنين} إلى قوله {وأثابهم فتحا قريبا} لفتح الحديبية). [الدر المنثور: 13/483]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن عثمان الجزري عم مقسم قال لما وعدهم الله أن يفتح عليهم خيبر وكان قد وعدها من شهد الحديبية لم يعط أحدا غيرهم منها شيئا فلما علم المنافقون أنها الغنيمة قالوا ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلم الله يقول ما كان وعدهم إلى قوله أولى بأس شديد تقتلونهم أو يسلمون.
قال معمر أخبرني الزهري عن أبي هريرة قال لم تأت هذه الآية بعد.
قال معمر وقال الحسن هم فارس والروم.
وقال معمر وقال الكلبي هم بنو حنيفة.
قال معمر وقال قتادة هم هوازن وغطفان وثقيف يوم حنين). [تفسير عبد الرزاق: 2/226]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل للمخلّفين من الأعراب ستدعون إلى قومٍ أولى بأسٍ شديدٍ تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم اللّه أجرًا حسنًا وإن تتولّوا كما تولّيتم من قبل يعذّبكم عذابًا أليمًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل} يا محمّد {للمخلّفين من الأعراب} عن المسير معك، {ستدعون إلى} قتال {قومٍ أولي بأسٍ} في القتال {شديدٍ}.
واختلف أهل التّأويل في هؤلاء الّذين أخبر اللّه عزّ وجلّ عنهم أنّ هؤلاء المخلّفين من الأعراب يدعون إلى قتالهم، فقال بعضهم: هم أهل فارس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن ابن عبّاسٍ، {أولي بأسٍ شديدٍ} أهل فارس.
- حدّثنا إسماعيل بن موسى الفزاريّ، قال: أخبرنا داود بن الزّبرقان، عن ثابتٍ البنانيّ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، في قوله: {ستدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ} قال: فارس والرّوم.
- قال: أخبرنا داود، عن سعيدٍ، عن الحسن، مثله.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: قال الحسن، في قوله: {ستدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ} قال: هم فارس والرّوم.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {أولي بأسٍ شديدٍ} قال: هم فارس.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {ستدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ} قال: قال الحسن: دعوا إلى فارس والرّوم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ستدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ} قال: فارس والرّوم.
وقال آخرون: هم هوازن بحنينٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، في قوله: {ستدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ} قال: هوازن.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ وعكرمة في هذه الآية {ستدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ} قال: هوازن وثقيفٌ.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {أولي بأسٍ شديدٍ تقاتلونهم أو يسلمون} قال: هي هوازن وغطفان يوم حنينٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {قل للمخلّفين من الأعراب ستدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ} فدعوا يوم حنينٍ إلى هوازن وثقيفٍ فمنهم من أحسن الإجابة ورغب في الجهاد.
وقال آخرون: بل هم بنو حنيفة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزّهريّ، {أولي بأسٍ شديدٍ} قال: بنو حنيفة مع مسيلمة الكذّاب.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن هشيمٍ، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، أنّهما كانا يزيدان فيه هوازن وبني حنيفة.
وقال آخرون: لم تأت هذه الآية بعد.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن أبي هريرة، {ستدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ} لم تأت هذه الآية.
وقال آخرون: هم الرّوم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عوفٍ، قال: حدّثنا أبو المغيرة، قال: حدّثنا صفوان بن عمرٍو، قال: حدّثنا الفرج بن محمّدٍ الكلاعيّ، عن كعبٍ، قال: {أولي بأسٍ شديدٍ} قال: الرّوم.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء المخلّفين من الأعراب أنّهم سيدعون إلى قتال قومٍ أولي بأسٍ في القتال، ونجدةٍ في الحروب، ولم يوضع لنا الدّليل من خبرٍ ولا عقلٍ على أنّ المعنيّ بذلك هوازن، ولا بنو حنيفة ولا فارس ولا الرّوم، ولا أعيانٌ بأعيانهم، وجائزٌ أن يكون عنى بذلك بعض هذه الأجناس، وجائزٌ أن يكون عنى بهم غيرهم، ولا قول فيه أصحّ من أن يقال كما قال اللّه جلّ ثناؤه: إنّهم سيدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ.
وقوله: {تقاتلونهم أو يسلمون} يقول تعالى ذكره للمخلّفين من الأعراب تقاتلون هؤلاء الّذين تدعون إلى قتالهم، أو يسلمون من غير حربٍ ولا قتالٍ.
وقد ذكر أنّ ذلك في بعض القراءات: (تقاتلونهم أو يسلموا)، وعلى هذه القراءة وإن كانت على خلاف مصاحف أهل الأمصار، وخلافًا لما عليه الحجّة من القرّاء، وغير جائزٍ عندي القراءة بها لذلك تأويل ذلك: تقاتلونهم أبدًا إلاّ أن يسلموا، أو حتّى يسلموا.
وقوله: {فإن تطيعوا يؤتكم اللّه أجرًا حسنًا} يقول تعالى ذكره فإن تطيعوا اللّه في إجابتكم إيّاه إذا دعاكم إلى قتال هؤلاء القوم الأولي البأس الشّديد، فتجيبوا إلى قتالهم والجهاد مع المؤمنين {يؤتكم اللّه أجرًا حسنًا} يقول: يعطكم اللّه على إجابتكم إيّاه إلى حربهم الجنّة، وهي الأجر الحسن {وإن تتولّوا كما تولّيتم من قبل} يقول: وإن تعصوا ربّكم فتدبروا عن طاعته وتخالفوا أمره، فتتركوا قتال الأولي البأس الشّديد إذا دعيتم إلى قتالهم {كما تولّيتم من قبل} يقول: كما عصيتموه في أمره إيّاكم بالمسير مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى مكّة، من قبل أن تدعوا إلى قتال أولي البأس الشّديد {يعذّبكم اللّه عذابًا أليمًا} يعني: وجيعًا، وذلك عذاب النّار على عصيانكم إيّاه، وترككم جهادهم وقتالهم مع المؤمنين). [جامع البيان: 21/265-270]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أولي بأس شديد قال هم فارس والروم). [تفسير مجاهد: 2/603]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال مسدّدٌ: حدثنا هشيمٌ، عن منصور بن زاذان، عن الحسن في قوله تعالى: {ستدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً وإن تتولّوا كما تولّيتم مّن قبل يعذّبكم عذاباً أليماً (16) }
إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ " قال: فارس، والرّوم "). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/238]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 12 - 15
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء} قال: ظنوا بنبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم لن يرجعوا من وجههم ذلك وأنهم سيهلكون فذلك الذي خلفهم عن نبي الله صلى الله عليه وسلم وهم كاذبون بما يقولون {سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها} قال: هم الذين تخلفوا عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية كذلكم قال الله من قبل قال: إنما جعلت الغنيمة لأجل الجهاد إنما كانت غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} قال: فدعوا يوم حنين إلى هوازن وثقيف فمنهم من أحسن الإجابة ورغب في الجهاد ثم عذر الله أهل العذر من الناس فقال: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) (النور 61) ). [الدر المنثور: 13/475] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {أولي بأس شديد} يقول: فارس). [الدر المنثور: 13/476]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه قال: هم فارس والروم). [الدر المنثور: 13/476]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله {أولي بأس شديد} قال: هم البآرز يعني الأكراد). [الدر المنثور: 13/476]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر والطبراني في الكبير عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال: أعراب فارس وأكراد العجم). [الدر المنثور: 13/476]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر والطبراني عن الزهري رضي الله عنه قال: هم بنو حنيفة). [الدر المنثور: 13/476]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه {ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} قال: لم يأت أولئك بعد). [الدر المنثور: 13/476]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 16
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم} قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعا أعراب المدينة جهينة ومزينة الذين كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى خروجه إلى مكة دعاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى قتال فارس قال: فإن تطيعوا إذا دعاكم عمر تكن توبة لتخلفكم عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا إذا دعاكم عمر كما توليتم من قبل إذ دعاكم النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعذبكم عذابا أليما). [الدر المنثور: 13/476-477]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} قال: فارس والروم). [الدر المنثور: 13/477]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه {ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} قال: أهل الأوثان). [الدر المنثور: 13/477]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} قال: هوازن وبني حنيفة). [الدر المنثور: 13/477]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي عن عكرمة وسعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله {ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} قال: هوازن يوم حنين). [الدر المنثور: 13/477]

تفسير قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ليس على الأعمى حرج ولا ولا قال هذا كله في الجهاد). [تفسير عبد الرزاق: 2/226]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ ومن يطع اللّه ورسوله يدخله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ومن يتولّ يعذّبه عذابًا أليمًا}.
يقول تعالى ذكره: ليس على الأعمى منكم أيّها النّاس ضيقٌ، ولا على الأعرج ضيقٌ، ولا على المريض ضيقٌ أن يتخلّفوا عن الجهاد مع المؤمنين، وشهود الحرب معهم إذا هم لقوا عدوّهم، للعلل الّتي بهم، والأسباب الّتي تمنعهم من شهودها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ} قال: هذا كلّه في الجهاد.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ثمّ عذر اللّه أهل العذر من النّاس، فقال: {ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ} قال: في الجهاد في سبيل اللّه.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ليس على الأعمى حرجٌ} الآية، يعني في القتال.
وقوله: {ومن يطع اللّه ورسوله يدخله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار} يقول تعالى ذكره: ومن يطع اللّه ورسوله فيجيب إلى حرب أعداء اللّه من أهل الشّرك، وإلى القتال مع المؤمنين ابتغاء وجه اللّه إذا دعي إلى ذلك، يدخله اللّه يوم القيامة جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار {ومن يتولّ} يقول: ومن يعص اللّه ورسوله، فيتخلّف عن قتال أهل الشّرك باللّه إذا دعي إليه، ولم يستجب لدعاء اللّه ورسوله يعذّبه عذابًا موجعًا، وذلك عذاب جهنّم يوم القيامة). [جامع البيان: 21/270-271]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ليس على الأعمى حرجٌ} [الفتح: 17].
- «عن زيد بن ثابتٍ قال: كنت أكتب لرسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - وإنّي لواضعٌ القلم على أذني إذ أمر بالقتال، إذ جاء أعمى فقال: كيف بي وأنا ذاهب البصر؟ فنزلت {ليس على الأعمى حرجٌ} [الفتح: 17]».
رواه الطّبرانيّ، وفيه محمّد بن جابرٍ السّحيميّ وهو ضعيفٌ يكتب حديثه، وبقيّة رجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 7/107]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 17 - 23
أخرج الطبراني بسند حسن عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لواضع القلم على أذني إذ أمر بالقتال إذ جاء أعمى فقال: كيف بي وأنا ذاهب البصر فنزلت {ليس على الأعمى حرج} الآية قال: هذا في الجهاد ليس عليهم من جهاد إذا لم يطيقوا). [الدر المنثور: 13/477-478]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11 جمادى الآخرة 1434هـ/21-04-2013م, 04:55 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا...}.
يعني خيبر؛ لأن الله فتحها على رسوله من فوره من الحديبية، فقالوا ذلك لرسول الله: ذرنا نتبعك، قال: نعم على ألاّ يسهم لكم، فإن خرجتم على ذا فاخرجوا فقالوا للمسلمين: ما هذا لكم ما فعلتموه بنا إلا حسدا؟ قال المسلمون: كذلكم قال الله لنا من قبل أن تقولوا.
وقوله: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ...}.
قرأها يحيى {كلم} وحده، والقراء بعد {كَلَامَ اللَّهِ} بألف، والكلام مصدرٌ، والكلم جمع الكلمة والمعنى في قوله: "يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ": طمعوا أن يأذن لهم فيبدّل كلام الله، ثم قيل: إن كنتم إنما ترغبون في الغزو والجهاد لا في الغنائم، فستدعون غدا إلى أهل اليمامة إلى قوم أولي بأس شديد ـ بني حنيفة أتباع مسيلمة ـ هذا من تفسير الكلبي). [معاني القرآن: 3/66]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: ({سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15)}
يعنى بقوله: ( {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ}) - قوله عزّ وجلّ:
({فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوّا}).
فأرادوا أن يأتوا بما ينقض هذا. فأعلم الله عزّ وجلّ أنهم لا يعقلون، ولا يقدرون على ذلك فقال: ( {قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْل}).
ولو كان الكلام نهيا لقال: قل لا تتبعونا.
وقرئت: " {يريدون أن يبدّلوا كلم اللّه}". فالكلم جمع كلمة، والكلام في موضع التّكليم). [معاني القرآن: 5/23-24]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ} [آية: 15]
قال مجاهد دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخروج إلى مكة فأبوا وقالوا كيف نخرج معه إلى قوم جاءوا إليه فقتلوا أصحابه فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ قوما على غفلة ووجه بهم قالوا {ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ}.
14 - ثم قال جل وعز: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّه} [آية: 15]
وهو على قول ابن زيد قوله جل وعز: {فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا} ). [معاني القرآن: 6/502-503]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ...}.
وفي إحدى القراءتين: أو يسلموا. والمعنى: تقاتلونهم أبداً حتى يسلموا، وإلاّ أن يسلموا تقاتلونهم، أو يكون منهم الإسلام). [معاني القرآن: 3/66]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ( {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)}
وقد قرئت {أو يسلموا}، فالمعنى تقاتلونهم حتى يسلموا.
وإلّا أن يسلموا.
فإن قال قائل: قد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم: {لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوّا}
فكيف جاز أن يقول: ( {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}).
فإنما قال - صلى الله عليه وسلم - ذلك لأن اللّه أعلمه أنّهم منافقون، وأعلمه مع ذلك أنهم لا يقاتلون معه.
وجاء في التفسير أنه عني بقوله: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ }بنو حنيفة، وأبو بكر رحمه اللّه، قاتلهم في أيام مسيلمة.
وجاء أيضا هوازن.
والمعنى أن كل من ظاهره الإسلام فعلى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعوهم إلى الجهاد.
والصحابة لم يطلعوا في وقت الجهاد على من يقاتل ومن لا يقاتل.
ولا على من ينافق ومن لا ينافق، لأن الإظهار على ذلك من آيات الأنبياء عليهم السلام.
وقد قيل: {إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} أي، إلى فارس والروم، وذلك في أيام أبي بكر وعمر رحمة اللّه عليهما ومن بعدهم.
{فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا} أي إن تبتم وتركتم النّفاق وجاهدتم. يؤتكم اللّه أجرا حسنا.
{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.
{وإن تولّيتم فأقمتم على نفاقكم، وأعرضتم عن الإيمان والجهاد كما تولّيتم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعذّبكم عذابا أليما} ).
[معاني القرآن: 5/24-25]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [آية: 16]
روى سفيان عن شعبة عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير قال سفيان أراه عن ابن عباس {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } قال هوازن
وقال عطاءهم فارس
وقال الحسن فارس الروم
ومن أصح ما قيل فيه أنهم بنو حنيفة الذين قوتلوا في الردة وكان هذا مما يدل على صحة خلافة أبي بكر رضي الله عنه من القرآن
ويدلك على ذلك قوله تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} فليس هذا ممن تؤخذ منهم الجزية
وقوله جل وعز: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [آية: 16] أي كما توليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم).[معاني القرآن: 6/503-505]

تفسير قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ ...} في ترك الغزو إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 3/66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ } أي إثم في ترك الغزو). [تفسير غريب القرآن: 412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( قال عثمان بن المغيرة سألت الحسن عن قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [آية: 17]
فقال هذا في الجهاد). [معاني القرآن: 6/505]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَرَجٌ}: ضيق). [العمدة في غريب القرآن: 276]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11 جمادى الآخرة 1434هـ/21-04-2013م, 04:56 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وقال جل وعز: {ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون} إن شئت كان على الإشراك وإن شئت كان على أو هم يسلمون). [الكتاب: 3/47]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب أو
وهي تكون للعطف فتجري ما بعدها على ما قبلها؛ كما كان ذلك في الاسم إذا قلت: ضربت زيداً أو عمراً.
ويكون مضمراً بعدها أن إذا كان المعنى: إلا أن يكون، وحتى يكون، وذلك قولك: أنت تضرب زيداً، أو تكرم عمراً على العطف. وقال الله عز وجل: {ستدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ تقاتلونهم أو يسلمون} أي يكون هذا، أو يكون هذا.
فأما الموضع الذي تنصب فيه بإضمار أن فقولك: لألزمنك أو تقضيني؛ أي؛ إلا أن تقضيني، وحتى تقضيني.
وفي مصحف أبي {تقاتلونهم أو يسلموا} على معنى إلا أن يسلموا، وحتى يسلموا.
وقال امرؤ القيس:
فقلت له: لا تبك عينك إنمـا = نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا
أي: إلا أن نموت.
وقال زيادٌ الأعجم:
وكنت إذا غمزت قناة قومٍ = كسرت كعوبها أو تستقيما
ويقال: أتجلس أو تقوم يا فتى? كالمعنى: أيكون منك واحدٌ من الأمرين.
وتقول: هل تكلمنا أو تنبسط إلينا. لا معنى للنصب هاهنا. قال الله عز وجل: {هل يسمعونكم إذ تدعون. أو ينفعونكم أو يضرون} ). [المقتضب: 2/27-28]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما قول الله عز وجل: {وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون} فإن قوماً من النحويين يجعلون أو في هذا الموضع بمنزلة بل. وهذا فاسدٌ عندنا من وجهين: أحدهما: أن أو لو وقعت في هذا الموضع موقع بل لجاز أن تقع في غير هذا الموضع، وكنت تقول: ضربت زيدا أو عمرا، وما ضربت زيدا أو عمرا على غير الشك، ولكن على معنى بل فهذا مردودٌ عند جميعهم.
والوجه الآخر: أن بل لا تأتي في الواجب في كلام واحد إلا للإضراب بعد غلطٍ أو نسيان، وهذا منفي عن الله عز وجل؛ لأن القائل إذا قال: مررت بزيد غالطاً فاستدرك، أو ناسياً فذكر، قال: بل عمرو؛ ليضرب عن ذلك، ويثبت ذا. وتقول عندي عشرة بل خمسة عشر على مثل هذا، فإن أتى بعد كلامٍ قد سبق من غيره فالخطأ إنما لحق كلام الأول؛ كما قال الله عز وجل: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً} فعلم السامع أنهم عنوا الملائكة بما تقدم من قوله: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاُ}.وقال: {أم اتخذ مما يخلق بناتٍ} وقال: {ويجعلون لله ما يكرهون} وقال: {بل عبادٌ مكرمون}، أي: بل هؤلاء الذين ذكرتم أنهم ولدٌ عبادٌ مكرمون. ونظير ذلك أن تقول للرجل: قد جاءك زيدٌ، فيقول: بل عمرو. ولكن مجاز هذه الآية عندنا مجاز ما ذكرنا قبل في قولك: ائت زيدا أو عمرا أو خالدا، تريد: ايت هذا الضرب من الناس، فكأنه قال - والله أعلم -: إلى مائة ألف أو زيادة. وهذا قول كل من نثق بعلمه. وتقول: وكل حقٍّ لها علمناه أو جهلناه. تريد توكيد قولك: كل حقٍّ لها، فكأنك قلت: إن كان معلوماً، أو مجهولاً فقد دخل في هذا البيع جميع حقوقها.
ولها في الفعل خاصةٌ أخرى نذكرها في إعراب الأفعال إن شاء الله. وجملتها أنك تقول: زيد يقعد أو يقوم يا فتى، وإنما أكلم لك زيدا، أو أكلم عمرا. تريد: أفعل أحد هذين؛ كما قلت في الاسم: لقيت زيدا أو عمرا، وأنا ألقى زيدا أو عمرا، أي: أحد هذين. وعلى القول الثاني: أنا أمضي إلى زيد، أو أقعد إلى عمرو، أو أتحدث، أي: أفعل هذا الضرب من الأفعال. وعلى هذا القول الذي بدأت به قول الله عز وجل: {تقاتلونهم أو يسلمون}، أي: يقع أحد هذين. فأما الخاصة في الفعل فأن تقع على معنى: إلا أن، وحتى، وذلك قولك: الزمه أو يقضيك حقك، واضربه أو يستقيم. وفي قراءة أبيٍّ: (تقاتلونهم أو يسلموا)، أي: إلا أن يسلموا، وحتى يسلموا. وهذا تفسيرٌ مستقصًى في بابه إن شاء الله). [المقتضب: 3/304-306] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24 صفر 1440هـ/3-11-2018م, 08:23 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24 صفر 1440هـ/3-11-2018م, 08:25 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25 صفر 1440هـ/4-11-2018م, 03:31 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم - على ما روي - بغزو خيبر ووعده بفتحها، وأعلمه أن المخلفين إذا رأوا مسيره إلى يهود - وهم عدو مستضعف - طلبوا الكون معه رغبة في عرض الدنيا والغنيمة، وكان كذلك. وقوله تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} معناه: يريدون أن يغيروا وعده لأهل الحديبية بغنيمة خيبر، وقال عبد الله بن زيد بن أسلم: كلام الله تعالى هو قوله: {فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا}، وهذا قول ضعيف; لأن هذه الآية نزلت في رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، وهذا في آخر عمره صلى الله عليه وسلم، وآية هذه السورة نزلت سنة الحديبية، وأيضا فقد غزت جهينة ومزينة بعد هذه المدة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فضلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك - على تميم وغطفان وغيرهم من العرب، الحديث المشهور، فأخبره الله تعالى أن يقول لهم في هذه الغزوة إلى خيبر: لن تتبعونا، وخص الله بها أهل الحديبية.
وقوله تعالى: {كذلكم قال الله من قبل} يريد وعده قبل باختصاصهم بها، وقول الأعراب: بل تحسدوننا معناه: بل يعز عليكم أن نصيب مغنما ومالا، فرد الله تعالى على هذه المقالة بقوله سبحانه: {بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا}، أي: لا يفقهون من الأمور مواضع الرشد، وذلك هو الذي خلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان ذلك سببا إلى منعهم من غزوة خيبر، وقرأ أبو حيوة: "تحسدوننا" بكسر السين، وقرأ الجمهور من القراء: "كلام"، قال أبو علي: هو أخص بما كان مفيدا حديثا، وقرأ الكسائي، وحمزة، وابن مسعود وطلحة، وابن وثاب: "كلم"، والمعنى فيهما متقارب). [المحرر الوجيز: 7/ 675]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما}
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالتقدمة إلى هؤلاء المخلفين بأنهم سيدعون إلى قتال عدو بئيس، وهذا يدل على أنهم كانوا يظهرون الإسلام، وإلا فلم يكونوا أهلا لذلك الآخر.
واختلف الناس، من القوم المشار إليهم في قوله تعالى: {إلى قوم أولي بأس شديد}؟ فقال عكرمة، وابن جبير، وقتادة: هم هوازن ومن حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين، ويندرج في هذا القول عندي من حورب وغلب في فتح مكة، وقال كعب: هم الروم الذين خرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك والذين بعث إليهم في غزوة مؤتة، وقال الزهري والكلبي: هم أهل الردة وبنو حنيفة باليمامة، وقال منذر بن سعيد: يتركب على هذا القول أن الآية مؤذنة بخلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، يريد: لما كشف الغيب أنهما دعوا إلى قتال أهل الردة، وحكى الثعلبي عن رافع بن خديج أنه قال: والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر رضي الله عنه إلى قتال بني حنيفة، فعلمنا أنهم هم، وقال ابن عباس، وابن أبي ليلى: هم الفرس، وقال الحسن: هم فارس والروم، وقال أبو هريرة: هم قوم لم يأتوا بعد، والقولان الأولان حسنان، لأنهما الذي كشف الغيب، وباقيهما ضعيف، وقال منذر بن سعيد: رفع الله في هذه الجزية، وليس إلا القتال أو الإسلام، وهذا لا يوجد إلا في أهل الردة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهو من حورب في فتح مكة.
وقرأ الجمهور: "أو يسلمون" على القطع، أي: أو هم يسلمون دون حرب، وقرأ أبي بن كعب - فيما حكى الكسائي -: "أو يسلموا" بنصب الفعل على تقدير: أو يكون أن يسلموا، ومثله من الشعر قول امرئ القيس:
فقلت له لا تبك عيناك إنما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
يروى "نموت" بالنصب والرفع، فالنصب على تقدير: أو يكون أن نموت، والرفع على القطع، أو نحن نموت.
وقوله تعالى: {فإن تطيعوا} معناه: فيما تدعون إليه، والعذاب الذي توعدهم به يحتمل أن يريد به عذاب الدنيا، وأما عذاب الآخرة فبين فيه). [المحرر الوجيز: 7/ 676-677]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله عز وجل: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما * لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا * ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما}
لما بلَّغ عز وجل في عتب هؤلاء المتخلفين من القبائل المجاورة للمدينة "كجهينة ومزينة وغفار وأسلم وأشجع" عقب ذلك بأن عذر أهل الأعذار من العمى والعرج والمرض جملة، ورفع الحرج عنهم والضيق والمأثم، وهذا حكم هؤلاء المعاذير في كل جهاد إلى يوم القيامة، إلا أن يحزب حازب في حضرة ما، فالفرض متوجه بحسب الوسع، ومع ارتفاع الحرج، فجائز لهم الغزو وأجرهم فيه مضاعف; لأن الأعرج أحرى الناس بالصبر وألا يفر، وقد غزا ابن أم مكتوم وكان يمسك الراية في بعض حروب القادسية، وقد خرج النسائي هذا المعنى وذكر ابن أم مكتوم رضي الله عنه.
وقرأ الجمهور من القراء: "يدخله" بالياء، وقرأ ابن عامر، ونافع، وأبو جعفر، والأعرج، والحسن، وشيبة، وقتادة: "ندخله" بالنون، وكذلك: "يعذبه" و"نعذبه").[المحرر الوجيز: 7/ 677-678]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26 صفر 1440هـ/5-11-2018م, 02:46 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26 صفر 1440هـ/5-11-2018م, 02:48 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({سيقول المخلّفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتّبعكم يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه قل لن تتّبعونا كذلكم قال اللّه من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلّا قليلًا (15) }
يقول تعالى مخبرًا عن الأعراب الّذين تخلّفوا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة الحديبية، إذ ذهب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه إلى خيبر يفتتحونها: أنّهم يسألون أن يخرجوا معهم إلى المغنم، وقد تخلّفوا عن وقت محاربة الأعداء ومجالدتهم ومصابرتهم، فأمر اللّه رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ألّا يأذن لهم في ذلك، معاقبةً لهم من جنس ذنبهم. فإنّ اللّه تعالى قد وعد أهل الحديبية بمغانم خيبر وحدهم لا يشركهم فيها غيرهم من الأعراب المتخلّفين، فلا يقع غير ذلك شرعًا وقدرًا؛ ولهذا قال: {يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه}
قال مجاهدٌ، وقتادة، وجويبرٌ: وهو الوعد الّذي وعد به أهل الحديبية. واختاره ابن جرير.
وقال ابن زيدٍ: هو قوله: {فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا إنّكم رضيتم بالقعود أوّل مرّةٍ فاقعدوا مع الخالفين} [التّوبة: 83].
وهذا الّذي قاله ابن زيدٍ فيه نظرٌ؛ لأنّ هذه الآية الّتي في "براءة" نزلت في غزوة تبوك، وهي متأخّرةٌ عن غزوة الحديبية.
وقال ابن جريجٍ: {يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه} يعني: بتثبيطهم المسلمين عن الجهاد.
{قل لن تتّبعونا كذلكم قال اللّه من قبل} أي: وعد اللّه أهل الحديبية قبل سؤالكم الخروج معهم، {فسيقولون بل تحسدوننا} أي: أن نشرككم في المغانم، {بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا} أي: ليس الأمر كما زعموا، ولكن لا فهم لهم). [تفسير ابن كثير: 7/ 337-338]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل للمخلّفين من الأعراب ستدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم اللّه أجرًا حسنًا وإن تتولّوا كما تولّيتم من قبل يعذّبكم عذابًا أليمًا (16) ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ ومن يطع اللّه ورسوله يدخله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ومن يتولّ يعذّبه عذابًا أليمًا (17) }
اختلف المفسّرون في هؤلاء القوم الّذين يدعون إليهم، الّذين هم أولو بأسٍ شديدٍ، على أقوالٍ:
أحدها: أنّهم هوازن. رواه شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبيرٍ -أو عكرمة، أو جميعًا-ورواه هشيم عن أبي بشرٍ، عنهما. وبه يقول قتادة في روايةٍ عنه.
الثاني: ثقف، قاله الضّحّاك.
الثّالث: بنو حنيفة، قاله جويبرٌ. ورواه محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ. وروي مثله عن سعيدٍ وعكرمة.
الرّابع: هم أهل فارس. رواه عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، وبه يقول عطاءٌ، ومجاهدٌ، وعكرمة -في إحدى الرّوايات عنه.
وقال كعب الأحبار: هم الرّوم. وعن ابن أبي ليلى، وعطاءٍ، والحسن، وقتادة: هم فارس والرّوم. وعن مجاهدٍ: هم أهل الأوثان. وعنه أيضًا: هم رجالٌ أولو بأسٍ شديدٍ، ولم يعيّن فرقةً. وبه يقول ابن جريجٍ، وهو اختيار ابن جريرٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الأشجّ، حدّثنا عبد الرّحمن بن الحسن القواريريّ، عن معمر، عن الزّهريّ، في قوله: {ستدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ} قال: لم يأت أولئك بعد.
وحدّثنا أبي، حدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا سفيان، عن ابن أبي خالدٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة في قوله: {ستدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ} قال: هم البارزون.
قال: وحدّثنا سفيان، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا تقوم السّاعة حتّى تقاتلوا قومًا صغار الأعين، ذلف الآنف، كأنّ وجوههم المجانّ المطرقة". قال سفيان: هم التّرك.
قال ابن أبي عمر: وجدت في مكانٍ آخر: ابن أبي خالدٍ عن أبيه قال: نزل علينا أبو هريرة ففسّر قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "تقاتلون قومًا نعالهم الشّعر" قال: هم البارزون، يعني الأكراد.
وقوله: {تقاتلونهم أو يسلمون} يعني: يشرّع لكم جهادهم وقتالهم، فلا يزال ذلك مستمرًّا عليهم، ولكم النّصرة عليهم، أو يسلمون فيدخلون في دينكم بلا قتالٍ بل باختيارٍ.
ثمّ قال: {فإن تطيعوا} أي: تستجيبوا وتنفروا في الجهاد وتؤدّوا الّذي عليكم فيه، {يؤتكم اللّه أجرًا حسنًا وإن تتولّوا كما تولّيتم من قبل} يعني: زمن الحديبية، حيث دعيتم فتخلّفتم، {يعذّبكم عذابًا أليمًا}). [تفسير ابن كثير: 7/ 338-339]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ ذكر الأعذار في ترك الجهاد، فمنها لازمٌ كالعمى والعرج المستمرّ، وعارضٌ كالمرض الّذي يطرأ أيّامًا ثمّ يزول، فهو في حال مرضه ملحقٌ بذوي الأعذار اللّازمة حتّى يبرأ.
ثمّ قال تعالى مرغّبًا في الجهاد وطاعة اللّه ورسوله: {ومن يطع اللّه ورسوله يدخله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ومن يتولّ} أي: ينكل عن الجهاد، ويقبل على المعاش {يعذّبه عذابًا أليمًا} في الدّنيا بالمذلّة، وفي الآخرة بالنّار).[تفسير ابن كثير: 7/ 339]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:19 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة