سورة عبس
[ من الآية (1) إلى الآية (10) ]
{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)}
قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)}
قوله تعالى: {أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (و{إن جاءه الأعمى} «إن» بمعنى «إذا»، وقد قرئ {أن جاءه الأعمى} مثل {أن كان ذا مال} وتقديره: أن جاء الأعمى عبس). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/440]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (قرأ: [آنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى]، بالمد - الحسن.
قال أبو الفتح: "أن" معلقة بفعل محذوف دل عليه قوله تعالى : {عَبَسَ وَتَوَلَّى}، تقديره: أأن جاءه الأعمى أعرض عنه، وتولى بوجهه؟ فالوقف إذا على قوله: [وتَولّى]، ثم استأنف لفظ الاستفهام منكرا للحال، فكأنه قال: ألأن جاءه الأعمى كان ذلك منه؟
وأما "أن" على القراءة العامة فمنصوبة بـ"تولى": لأنه الفعل الأقرب منه، فكأنه قال: تولى لمجيء الأعمى ومن أعمل الأول نصب "أن" بـ"عبس"، فكأنه قال: عبس أن جاءه الأعمى، وتولى لذلك، فحذف مفعول "تولى" كما تقول: ضربت فأوجعته زيدا، إذا أعملت الأول، وإن شئت لم تأت بمفعول أوجعت فقلت: ضربت فأوجعت زيدا، أي وأنت تريد أوجعته، إلا أنك حذفته تخفيفا، وللعلم به، والوجه إعمال الثاني؛ لقربه. فأما أن تنصبه بمجموع الفعلين فلا، وهذا واضح). [المحتسب: 2/352]
قوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): ({وما يدريك لعله يزكى} أي: ما يدريك بما أراد أن يتعلمه من علمك فعطف النبي عليه السلام بعده [عليه] وأكرمه حتى اسخلفه على الصلاة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/438] (م)
قوله تعالى: {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
وقوله جلّ وعزّ: (فتنفعه الذّكرى (4)
قرأ عاصم وحده (فتنفعه الذّكرى)، نصبًا.
وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (فتنفعه)، بالرفع.
وقرأ سائر القراء بالرفع.
قال أبو منصور: من قرأ (فتنفعه) بالنصب فعلى جواب (لعلّ) وأنشد الفراء:
علّ صروف الدّهر أو دولاتها
يدلننا اللّمّة من لمّاتها
فتستريح النفس من زفراتها
هكذا أنشده الفراء بالنصب، ومن قرأ (تنفعه) بالضم لم يجعله جوابًا منصوبا لـ (لعلّ).
والقراءة المختارة الرفع؛ لاتفاق أكثر القراء عليه). [معاني القراءات وعللها: 3/121]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- وقوله تعالى: {فتنفعه الذكرى} [4].
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/438]
قرأ عاصم وحده: {فتنفعه} نصبًا جعله جواب «لعله» لأن نم العرب من ينصب جوابها بالفاء كالأمر والنهي إذا كانت «لعل» غير واقعة، وينشد:
عل صروف الدهر أو دولاتها = يدللننا اللمة من لماتها
فتستريح النفس من زفراتها = وتنقع الغلة من غلاتها
ومن العرب من يكسر اللام من «عل» و«لعل»، ويخفض بها أنشدنا ابن دريد:
فقلت ادع [أخرى] وأرفع الصوت ثانيًا = لعل أبي المعوار منك قريب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/439]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (وقرأ الباقون: {فتنفعه} رفعا بالنسق على {تزكى أو يذكر} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/440]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي، وأحسب ابن عامر: فتنفعه [4] رفع. وقرأ عاصم: فتنفعه نصب.
قال أبو علي: من رفع: فتنفعه عطفه على ما تقدّم من المرفوع، كأنه: لعلّه تنفعه الذكرى وقول عاصم على أنه جواب بالفاء، لأن المتقدم غير موجب، فكأنّ قوله: يذكر في تقدير المعطوف على يزكى في معنى: لعلّه يكون منه تذكّر وانتفاع.
فانتصاب تنفعه بإضمار أن كما ينتصب بعد الأشياء التي هي غير موجبة، كالنفي والأمر والنهي والاستفهام، والعرض، وكذلك قوله:
لعلي أبلغ الأسباب... فأطلع [غافر/ 36، 37] وأطلع [مريم/ 78] ). [الحجة للقراء السبعة: 6/376]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أو يذكر فتنفعه الذكرى}
قرأ عاصم {فتنفعه الذكرى} بفتح العين على جواب لعلّ
وقرأ الباقون بالرّفع نسقا على {يزكي} المعنى لعلّه يزكّى ولعلّه تنفعه الذكرى ومن نصب فعلى جواب {لعلّ} ونظيره لعلّ زيدا يقدم فيكرمني على قولك لعلّه يكرمني فإن قلت فيكرمني فإنّما ترجيت قدومه وضمنت أنه إذا قدم أكرمك). [حجة القراءات: 749]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): («1» قَوْلُهُ: {فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} قَرَأَهُ عَاصِمٌ بِالنَّصْبِ عَلَى الْجَوَابِ بِالْفَاء لـ «لَعَلَّ» وَالنَّصْبُ عَلَى إِضْمَارِ «أَنْ»، فَهُوَ تَعْلِيلُهُ، وَحُجَّتُهُ كَالَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ الْحُجَّةِ فِي الْبَقَرَةِ وَالْحَدِيدِ فِي نَصْبِ {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} مِنْ رَدِّ الثَّانِي عَلَى
مَصْدَرِ الأَوَّلِ حِينَ امْتَنَعَ الْعَطْفُ عَلَى اللَّفْظِ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إِضْمَارِ «أَنْ» لِيُكَوِّنَ مَعَ الْفِعْلِ مَصْدَرًا، فَتَعْطِفَ مَصْدَرًا عَلَى مَصْدَرِ الأَوَّلِ، لأَنَّ صَدْرَ الْكَلامِ غَيْرُ وَاجِبٍ،كَأَنَّ تَقْدِيرَهُ: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَكُونُ مِنْهُ تَذَكُّرٌ فَانْتِفَاعٌ بِالتَّذَكُّرِ، فَلَمَّا أُضْمِرَتْ «أَنْ» نَصَبَتِ الْفِعْلَ. وَقَدْ مَضَى هَذَا بِأَبْيَنَ مِنْ هَذَا الْكَلاَمِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى {يَزَّكَّى}، وَ{يَذَّكَّرُ}، وَالتَّقْدِيرُ: فَلَعَلَّهُ تَنْفَعَهُ الذِّكْرَى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/362]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} [آيَةُ/4] بِنَصْبِ الْعَيْنِ: -
قَرَأَهَا عَاصِمٌ وَحْدَهُ.
وَالْوَجْهُ أَنَّ نَصْبَهُ بِإِضْمَارِ أَنْ ؛ لأَنَّهُ جَوَابٌ بِالْفَاءِ عَمَّا هُوَ غَيْرُ مُوجَبٍ، وَهُوَ لَعَلَّ، كَمَا يُجَابُ بِالْفَاءِ عَنِ الأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُوجَبَةٍ كَالأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَالاسْتِفْهَامِ وَنَحْوِهَا؛ لأَنَّ لَعَلَّ قَدْ شَارَكَهَا فِي أَنَّهَا لِغَيْرِ الإِيجَابِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ} {فَأَطَّلِعَ} عِنْدَ مَنْ قَرَأَ بِالنَّصْبِ.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ (فَتَنْفَعُهُ) بِالرَّفْعِ.
وَالْوَجْهُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى {يَزَّكَّى} وَهُوَ رَفْعٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ الذِّكْرَى). [الموضح: 1340]
قوله تعالى: {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5)}
قوله تعالى: {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فأنت له تصدّى (6)
قرأ ابن كثير ونافع (فأنت له تصّدّى)، بتشديد الصاد، وقرأ الباقون (تصّدّى) خفيفة.
[معاني القراءات وعللها: 3/121]
قال أبو منصور: من شدد الصاد فلإدغام التاء فيها، كما قلت في (تزكى).
ومن خفف الصاد فبحذف التاء الثانية). [معاني القراءات وعللها: 3/122]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله [تعالى]: {فأنت له تصدى} [6].
قرأ ابن كثير ونافع بتشديد الصاد والدال، أراد: تتصدي فأدغما.
وقرأ الباقون {تصدى} بتخفيف الصاد، لأنهم حذفوا تاء مثل قوله تذكرون، وتذكرون. ومعنى {فأنت له تصدى} أي: تعرض). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/440]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير ونافع: تصدى [عبس/ 6] مشدّدة الصاد.
الباقون: تصدى مخفّف.
[الحجة للقراء السبعة: 6/376]
أبو عبيدة: تصدي تعرّض، قال ذو الرمّة:
ترى القلوة القوداء فيها كفارك تصدّى لعينيها فصدّت حليلها قال: يعني بالقلوة التي تتبع القلو. قال: يريد تصدى حليلها فصدّت.
من قال: تصدى أدغم التاء في الصاد، ومن قال: تصدى أراد تتصدى فحذف التاء ولم يدغمها). [الحجة للقراء السبعة: 6/377]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي جعفر: [فَأَنْتَ لَهُ تُصَدَّى]، بضم التاء، وتخفيف الصاد.
قال أبو الفتح: معنى [تُصَدَّى]، أي: يدعوك داع من زينة الدنيا وشارتها إلى التصدي له، والإقبال عليه.
وعلى ذلك قراءته أيضا: [فَأَنْتَ عَنْهُ تُلَهَّى]، أي: تصرف عنه، ويزوى وجهك
[المحتسب: 2/352]
دونه؛ لأنه لا غنى عنده، ولا ظاهر معه، فخرج بذلك مخرج التنبيه للنبي صلى الله عليه وسلم فيما جرى من قصة ابن أم مكتوم). [المحتسب: 2/353]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أما من استغنى * فأنت له تصدى} 5 و6
قرأ نافع وابن كثير {فأنت له تصدى} بالتّشديد وقرأ الباقون بالتّخفيف فيها
[حجة القراءات: 749]
والأصل تتصدى تتعرض ولكن حذفوا التاء الثّانية لاجتماعهما ومن شدد أدغم التّاء في الصّاد لقرب المخرجين). [حجة القراءات: 750]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- (تَصَّدَّى) [آيَةُ/6] بِتَشْدِيدِ الصَّادِ: -
قَرَأَهَا ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ.
وَالْوَجْهُ أَنَّ أَصْلَهُ تَتَصَدَّى بِتَاءَيْنِ فَأُدْغِمَتِ الثَّانِيَةُ فِي الصَّادِ لِتَقَارُبِهِمَا، وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تَصَدَّى} بِتَخْفِيفِ الصَّادِ.
وَالْوَجْهُ أَنْ أَصْلَهُ تَتَصَدَّى عَلَى مَا سَبَقَ، فَحُذِفَتِ التَّاءُ الثَّانِيَةُ تَخْفِيفًا، وَلَمْ تُدْغَمْ فِي الصَّادِ). [الموضح: 1341]
قوله تعالى: {وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7)}
قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8)}
قوله تعالى: {وَهُوَ يَخْشَى (9)}
قوله تعالى: {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (ومعنى {فأنت عنه تلهى} أي: تغافل.
وقرأ ابن كثير بتشديد التاء، أراد: تتلهى فأدغم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/440]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأت على قنبل عن النبّال: عنهو تلهى [عبس/ 10] خفيفة التاء. ابن أبي بزّة: عنهو تلهى مشددة التاء، وكذلك ابن فليح عن أصحابه عن ابن كثير.
التخفيف في التاء الوجه، والتثقيل على أنه شبّه المنفصل بالمتّصل، وجاز وقوع الساكن بعد حرف اللين، كما جاز: تمودّ الثوب، في المتصل. وحكى سيبويه: فلا تتناجوا [المجادلة/ 9]، وقال: وبلغنا أن أهل مكّة لا يبينون التاءين). [الحجة للقراء السبعة: 6/377]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين