العودة   جمهرة العلوم > المنتديات > منتدى جمهرة العلوم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:49 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي الشفاء من الحسد

الشفاء من الحسد

تمهيد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإنّ الحسد داء دويّ وبلاء مستشرٍ يُضرّ به الحاسد والمحسود، ويتعدّى أثره إلى الأمم والديار والثمار والأعمال؛ فكم من قرية كانت عامرة ذات خيرات وافرة ونعم حاضرة تركها الحسدُ بلاقع بعد زين، وأثراً بعد عين، وكم من رجلٍ استهان بشأن الحسد فأصابه من شرّه ما عوّقه عن كثير من آماله وثمرات أعماله، وأوقعه في آفات ومحن.
وللحسد أحكام كثيرة في شريعة الإسلام تتعلّق بالحاسد والمحسود وبما يُحسد عليه، فيها بيان الهدى إلى سبيل السلامة من شرّ الحسد، والتحرّز من خطره.
ولو لم يكن من دلائل خطره إلا أمر الله تعالى نبيّه صلّى الله عليه وسلم وأمّته من بعده بالاستعاذة به من شرّ الحاسد لكان كافيا لكلّ ذي لبّ أن يعلم أنّ فيه من الشرّ ما يوجب الاستعاذة بالله منه والاجتهاد في النجاة منه.
وقد منّ الله عليّ بإعداد دورة علمية في علاج الحسد، وبيان حقيقته وأنواعه وأسبابه وآثاره وأحكامه وكيف يكون التحصن منه ودفع شره ورفعه، وكيف يتعافى منه الحاسد والمحسود.
وكان المقصدَ من تلك الدورة العلمية التفقّهُ في هذا الباب بما دلّ عليه الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة، والاستفادةُ من خلاصة أقوال العلماء في هذا الباب المهم الذي عمّ به البلاء، واختلف الناس في أصل تصوّر حقيقته وآثاره وطرق علاجه اختلافاً كثيراً.
وكان الحديث في تلك الدورة منتظماً في رسائل مختصرة غير مطوّلة ، حرصت فيها على التفصيل والتأصيل من غير تطويل ولا إخلال، نصحاً لنفسي وإخواني بذكر ما أحسب أنه من المهمّ معرفته في شأن الحسَد.

ثمّ حُبّب إليّ أن أجمع تلك الرسائل في كتاب رجاء أن يسهل تداولها، وينتشر الانتفاع بها، وأسأل الله تعالى بمنّه وكرمه العفو والقبول، وأن يوزعنا شكر نعمته، ويوفّقنا لحسن عبادته، وأن يلهمنا رشدنا ويقينا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه سميع عليم.

العناصر: [اضغط على الرابط لتطّلع على التفصيل]

(1) تمهيد.
(2) علاج الحسد معرفي وسلوكي.
(3) أضرار الجهل بهدى الشريعة في علاج الحسد.
(4) المراد بالحاسد في قول الله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد}.
(5) معنى الحسد وبيان أنواعه.
(6) الفرق بين الحسد والغبطة.

(7) الغبطة مصرف شرعي لقوّة النفس الحاسدة.
(8) أصل معنى الحسد في اللغة.
(9) أنواع الحاسدين.
(10) ما هو شر الحاسد؟
(11) الرد على من أنكر العين.
(12) حكم الحسد.
(13) الأسباب التي تحمل على الحسد.
(14) ذمّ الحسد.
(15) فضل من لا يحسد.
(16) درجات الحسد.
(17) معنى التقييد بإذا في قول الله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد}.
(18) حقيقة الحسد وتأثيره.
(19) السبيل إلى السلامة من الحسد.
(20) أصول علاج الحاسد والمحسود.
(21) كيف يعالج الحاسد نفسه.
(22) علاج المحسود.
(23) الحسد دائر بين العقوبة والابتلاء.
(24) من أسباب العقوبة بالحسد التي قد يُغفل عنها.
(25) الابتلاء بالحسد.
(26) من فقه الابتلاء.
(27) التوسّط في شأن الحسد بين الغلوّ والتفريط.
(28) تلخيص علاج الحسد.
(29) الخاتمة.
(30) ملحق.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:51 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(2) علاج الحسد معرفي وسلوكي
بلاء الحسد من البلاء العام، وقد أمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة به من شرّه، وحذّره من كيد الحاسدين وشرّهم، وفي هذا دليل على أن للحسد شروراً يجب علينا أن نتوقّاها، وأن ندفعها عن أنفسنا بما بيّنه الله من الأسباب المشروعة في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
والحسد كغيره من الأمراض والعلل علاجه قائم على أصلين مهمّين:
الأصل الأول: المعرفة، فإنّ المعرفة بالعلة وأنواعها وطرق علاجها، مهمّة جداً للسلامة من الأخطاء الناتجة عن الجهل بكل ذلك؛ والمعرفة نصف العلاج كما يقال.
وقد صدقوا، فإن من أراد أن يسافر من مدينة لأخرى، وهو لا يعرف الطريق أضاع وقته في محاولة تلمّس الطريق الصحيح، وتجريب عدة طرق، وقد يكون في بعض الطرق التي يجرّبها مخاطر وآفات، وأمّا صاحب المعرفة الصحيحة بالطريق وأحواله فإنّه يسلم من آفات كثيرة تعرض لمن يجهل الطريق.
والمقصود أنّ المعرفة الصحيحة تجنّب صاحبها مفاسد كثيرة وتفيده بأقصر الطرق وأيسرها لعلاج حالته.
والأصل الثاني: العلاج السلوكي، وهو هنا اتّباع الهدى النبوي في علاج الحسد ودفع شرّه، والتحصن منه قبل وقوعه، وفي كلّ ذلك جاء الهدى الصحيح من الكتاب والسنة فمن اتّبعه سلم ونجا، وكانت له العاقبة الحسنة بإذن الله تعالى.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:51 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(3) أضرار الجهل بهدى الشريعة في علاج الحسد
الجهل بهدى الشريعة في علاج الحسد يعرّض صاحبه لآفات كثيرة:
- فمن الناس من تغلب عليه المبالغة في التخوّف من الحسد، وقد تحمله هذه المبالغة على سلوك طرق غير مشروعة للوقاية من الحسد، واستدفاع شرّه، ولهذه المبالغة أضرارها النفسية والاجتماعية على المرء.
- ومن الناس من يغلب عليه عدم المبالاة بشأن الحسد، فيحمله ذلك على ترك الأخذ بما أرشد الله إليه للوقاية من شر الحسد والتحصن منه، فيعرّض نفسه لمخاطر وآفات قد تضرّ به في كثير من أموره.
- ومن أضرار الجهل بهدى الشريعة أن المرء قد يقبل من الأخبار والشائعات في علاج الحسد واستدفاع شرّه ما لا يصحّ أن يُقبل، بل ما هو واجب الردّ؛ إما لصريح النهي عنه وإن وجد له بعض الناس شيئاً من النفع العاجل، وإما لأنّ تلك الطرق لا نفع فيها أصلاً، وإنما هي من حيل الشيطان وتلاعبه ببعض الناس، ولا سيّما من مسّه البلاء حتى صار يتلمّس أيّ سبب ينجيه، ويصدّق كلّ ما يلقى إليه ، طمعاً في الخلاص والنجاة.
والمؤمن ينبغي أن يكون لديه فرقان يميّز به بين ما يصحّ قبوله، وما لا يصح، وأن يكون لديه يقين بأنّ كل ما خالف هدى الشريعة فلن يفضي به إلى عاقبة حسنة، وأن الخير كلّ الخير إنما هو في اتّباع هدى الله جل وعلا، وهو تعالى خالق النفس البشرية، ومقدّر عللها وأعراضها، وبيده شفاؤها، وقد بيّن الهدى لمن أراد اتّباعه.
ولذلك كان على المؤمن أن يجمع بين الإيمان وتقوى الله ؛ ومن جمع بينهما حصل له هذا الفرقان الذي وعده الله به، كما قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفّر عنكم من سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم}.
قال عبد الرحمن بن زيد: (فرقان يفرق في قلوبهم بين الحق والباطل، حتى يعرفوه ويهتدوا بذلك الفرقان). رواه ابن جرير.
والإيمان هو أصل العلاج المعرفي، والتقوى هي أصل العلاج السلوكي.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:51 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(4) المراد بالحاسد في قول الله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد}
في المراد بالحاسد في هذه الآية أقوال:
القول الأول: المراد كلُّ حاسد، وهذا مفهوم قول قتادة وعطاء الخراساني، ونص عليه ابن جرير.
قال ابن جرير: (أُمِرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شر كل حاسد إذا حسد).
وهذا هو الصواب إن شاء الله، وقد قال به جمهور المفسرين.
القول الثاني: المراد بالحاسد هنا اليهود، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد ومقاتل بن سليمان، واختاره البغوي في تفسيره، وأما في شرح السنة فاختار القول الأول.
القول الثالث: المراد به لبيد بن الأعصم، لأنه هو الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم حسداً وبغياً، وهذا قول الفراء، وذكره بعض المفسرين بعده.
والقول الأول هو الأولى بالصواب؛ فقوله تعالى: {ومن شر حاسدٍ إذا حسد}؛ {حاسدٍ} هنا نكرة، والتنكير فيه لإرادة العموم، أي: ومن شر كل حاسدٍ.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:52 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(5) معنى الحسد وبيان أنواعه
الحاسد هو الذي يتمنّى زوال النعمة عن المحسود أو دوام البلاء عليه؛ فيحسده على النعمة الحادثة أو يحسده على النعمة التي يحتاجها، وكل ذلك من الحسد.
ولذلك فإن الحسد على نوعين:
أحدهما: تمنّي زوال النعمة الموجودة.
والنوع الآخر: تمنّي دوام البلاء.
قال ابن القيم في صاحب هذا النوع من الحسد: (فهو يكره أن يحدث الله لعبده نعمة، بل يحبّ أن يبقى على حاله من جهله أو فقره أو ضعفه أو شتات قلبه عن الله، أو قلّة دينه، فهو يتمنّى دوام ما هو فيه من نقص وعيب) ا.هـ.
والحسد عَملٌ قلبيّ، لاتفاق العلماء على أنه تمنّي زوال النعمة عن المحسود، والتمنّي عملٌ قلبي.
وبعضهم ينسبه إلى النفس، فيقول الحسد من عمل النفس.
كما قال الطَّرِمَّاح:

فبيت ابنِ قحطانَ خير البيوتْ على حسد الأنفس الكاشحة
ولا تعارض بين الأمرين لأن القلب لا حياة له إلا بالنفس التي هي الروح، والقلب الميّت ليس له عمل، وإنما الذي يحسد قلب الحي لا قلب الميّت؛ فانبعاث الحسد هو من قلب الحاسد الحيّ.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:52 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(6) الفرق بين الحسد والغبطة
أهل العلم فرقوا بين الحسد والغبطة في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلّمها)). متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
فهذا الحسد هو الغبطة وهو أن يتمنّى مثل النعمة التي أعطيها أخوه المسلم من غير أن يتمنى زوالها عنه.
قال ابن هبيرة في الإفصاح: (الفرق بين الحسد والغبطة أن الحسد تمني زوال النعمة عن المحسود والغبطة تمني مثلها مع بقائها على صاحبها).
وبوّب البخاري في صحيحه : (باب لا تقوم الساعة حتى يُغبط أصحاب القبور) وروى فيه حديث أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه).
وذلك من أجل شدّة البلاء في آخر الزمان، وهذا الحديث من باب الإخبار الذي لا يقتضي مدح صاحبه، والأول من باب الإرشاد ليدفع صاحبه إلى منافسة أهل الإحسان والحكمة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (التحقيق أن الحسد هو البغض والكراهة لما يراه من حسن حال المحسود وهو نوعان:
أحدهما: كراهة للنعمة عليه مطلقا فهذا هو الحسد المذموم، وإذا أبغض ذلك فإنه يتألم ويتأذى بوجود ما يبغضه؛ فيكون ذلك مرضا في قلبه ويلتذ بزوال النعمة عنه وإن لم يحصل له نفع بزوالها لكن نفعه بزوال الألم الذي كان في نفسه…
والنوع الثاني: أن يكره فضل ذلك الشخص عليه فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه فهذا حسد وهو الذي سموه الغبطة وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حسدا…
فإن قيل: إذاً لم سمي حسدا وإنما أحب أن ينعم الله عليه؟
قيل: مبدأ هذا الحب هو نظره إلى إنعامه على الغير وكراهته أن يفضل عليه، ولولا وجود ذلك الغير لم يحب ذلك؛ فلما كان مبدأ ذلك كراهته أن يفضل عليه الغير كان حسدا لأنه كراهة تتبعها محبة، وأما من أحب أن ينعم الله عليه مع عدم التفاته إلى أحوال الناس؛ فهذا ليس عنده من الحسد شيء، ولهذا يبتلى غالب الناس بهذا القسم الثاني، وقد يسمى المنافسة؛ فيتنافس الاثنان في الأمر المحبوب المطلوب، كلاهما يطلب أن يأخذه، وذلك لكراهية أحدهما أن يتفضل عليه الآخر، كما يكره المستبقان كل منهما أن يسبقه الآخر، والتنافس ليس مذموما مطلقا بل هو محمود في الخير).


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:52 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(7) الغبطة مصرف شرعي لقوّة النفس الحاسدة
كل قوّة جعلها الله في النفس البشرية من الغضب والشهوة والحسد والحرص وغيرها جعل الله لها مصرفاً شرعياً تبذل فيه؛ لئلا يبقى في القلب قوّة مختزنة تدفع صاحبها إلى صرفها فيما يحرم عليه.
قال ابن القيم رحمه الله: (لما سلطت عليه [أي: على المسلم] الشهوة والغضب والشيطان أعين بجند من الملائكة، وجعل له محل من الحلال ينفذ فيه شهواته، وجعل بإزائه أعداء له ينفذ فيهم غضبه؛ فما ابتلى بصفة من الصفات إلا وجعل لها مصرفاً ومحلاً ينفذها فيه:
- فجعل لقوة الحسد فيه مصرفاً وهو المنافسة في فعل الخير والغبطة عليه والمسابقة إليه.
- ولقوة الكبر مصرفاً وهو التكبر على أعداء الله تعالى وإهانتهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن رآه يختال بين الصفين في الحرب "إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن" وقد أمر الله سبحانه بالغلظة على أعدائه.
- وجعل لقوة الحرص مصرفا وهو الحرص على ما ينفع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "احرص على ما ينفعك".
- ولقوة الشهوة مصرفا وهو التزوج بأربع والتسري بما شاء.
- ولقوة حب المال مصرفاً وهو إنفاقه في مرضاته تعالى والتزود منه لمعاده؛ فمحبة المال على هذا الوجه لا تذم.
- ولمحبة الجاه مصرفاً وهو استعماله في تنفيذ أوامره وإقامة دينه ونصر المظلوم وإغاثة الملهوف وإعانة الضعيف وقمع أعداء الله؛ فمحبة الرياسة والجاه على هذا الوجه عبادة.
- وجعل لقوة اللعب واللهو مصرفاً وهو لهوه مع امرأته أو بقوسه وسهمه أو تأديبه فرسه وكل ما أعان على الحق.
- وجعل القوة التحيل والمكر فيه مصرفاً وهو التحيل على عدوه وعدو الله تعالى بأنواع التحيل حتى يراغمه ويرده خاسئاً، ويستعمل معه من أنواع المكر ما يستعمله عدوه معه.
وهكذا جميع القوى التي ركبت فيه جعل لها مصرفاً وقد ركبها الله فيه لمصالح اقتضتها حكمته ولا يطلب تعطيلها وإنما تصرف مجاريها من محل إلى محل ومن موضع إلى موضع، ومن تأمل هذا الموضع وتفقه فيه علم شدة الحاجة إليه وعظم الانتفاع به).


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:53 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(8) أصل معنى الحسد في اللغة
ذكر بعض علماء اللغة أن أصل لفظ الحسد مشتقٌّ من القَشْرِ؛ وذكروا أن القُراد سمّي حِسْدِلاً لهذا المعنى.
قال ابن الأعرابي (الحِسْدِلُ: القُرَادُ). قال: (ومنه أُخذ الحَسَد لأنه يَقْشِرُ القَلْب كما يَقْشر القُراد الجلد فيمتص دمه).
وهذا ذكره أبو منصور الأزهري وغيره.
وقال البغوي في شرح السنة: (الحسد يقشر القلب، كما يقشر القراد الجلد، فيمص الدم) ا.هـ.
فكأن الحسد يلصق بقلب صاحبه كما يلصق القراد بالجلد، حتى يكاد يفعل به كما يفعل القراد بالجلد، فيمتص دم صاحبه ويودعه من الحُرَق والضيق ما تضيق به حاله ويتنكّد به عيشه؛ فهذا وجه.
ووجه آخر أن الحاسد تتعلق نفسه بصاحب النعمة كتعلّق القُراد بالجلد فهو دائم التفكير فيه والتذكر له، ونفسه نهمة شرهة تريد أن يُسلب هذه النعمة، وأن تُستخرج من صاحبها، كما يَستخرج القُراد الدم ويمتصه.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:53 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(9) أنواع الحاسدين
الحاسدون كثير، وقد أخبرنا الله بحسد بعضهم في كتابه الكريم، وحذّر عباده المؤمنين من حسدهم وكيدهم ومن هؤلاء الحاسدين:
1: إبليس وذريته من الشياطين.
2: ومنهم الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم : قال الله تعالى: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير}.
وقال تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)}.
وقال تعالى: { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)}.
وقد روى البخاري في الأدب في المفرد وإسحاق ابن راهوية من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما حسدكم اليهود على شيء ما حسدوكم على السلام والتأمين)).
وفي رواية لابن خزيمة: ((إن اليهود قوم حُسُد وهم لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على السلام وعلى آمين)).
3: ومنهم المنافقون الذين يحسدون المؤمنين على ما يفتح الله لهم من الخير والبركة والقبول، ويفرحون بما يصيبهم من المصائب والابتلاءات، وقد قال الله تعالى فيهم: { إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)}.
4: ومن الحسَدة: السحرة ومن يأتيهم لطلب السحر، وهؤلاء من أشد الناس حسداً والعياذ بالله، وقلوبهم من أخبث القلوب وأشد ظلمة.
5: ومن الحسدة بعض عصاة المسلمين، والحسد كبيرة من كبائر الذنوب، وفيه نوع سوء ظنّ بالله وعدم رضا بقضاء الله وعطائه لعباده.

وبذلك تعلم أن الحسد منه حسد عام وحسد خاص.
فالحسد العام: هو حسد الكفار للمؤمنين، وحسد الشياطين لبني آدم، وحسد المنافقين، وحسد السحرة، وهذا حسد عامّ لكل مؤمن.
والحسد الخاص: هو الحسد الذي يكون على الشخص نفسه أو على طائفة بخصوصها.
وكلا النوعين فيهما شر يُستعاذ منه، ولذلك ينبغي أن يستحضر المستعيذُ الاستعاذة من الحسد كله عامّه وخاصه.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:53 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(10) ما هو شر الحاسد؟
شر الحاسد على نوعين:
النوع الأول: شر نفسه وشر عينه، قال قتادة في تفسير قول الله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد} قال: (من شرّ عينه ونفسه).
والفرق بين النفس والعين هنا أن العين: ما كان عن معاينة وحضور، فيصيبه بعينه بإذن الله فيؤثر فيه ذلك.
والنفس: هي تعلّق نفس الحاسد بالنعمة التي لدى المحسود فيؤثر فيها ذلك بإذن الله.

والنوع الثاني: ما ينشأ عن الحسد من الكيد والبغي وقول السوء، بل ربما يصل الأمر ببعض الحسدة إلى استعمال السحر والعياذ بالله للإضرار بالمحسود؛ فهذا كله من شر الحاسد.
وهذا الشر قد يكون في حَجْب ما ينفع المحسود، وقد يكون في جَلْب ما يضرّه، وكل ذلك من الحسد.
فبعض الحسَدة إذا ذُكِر عنده من يراد نفعه بشيء اجتهد في صرف ذلك النفع عنه حسداً وبغياً، وهو قد لا يسعى في الأذية والنكاية المباشرة وجلب الضرر، لكنه لا يودّ أن ينال هذا المحسود ما استحسنه من الخير.
وبعض الحسدة يجاوز هذا إلى إرادة الإضرار والاجتهاد في إيقاع الأذى بما يستطيع من الوسائل والعياذ بالله.
وأنت إذا تأملت هذا وجدت أن الحُسَّادَ على درجات ومراتب في حسدهم.
والاستعاذة بالله من شر الحاسد تشتمل على هذه الأنواع كلها: من شر نفسه وعينه، ومن شر بغيه وكيده، ومن شر سعيه في صرف الخير أو جلب الضر.
وإذا كانت استعاذة العبد بالله من شر الحاسد استعاذة صحيحة فإن الله يعيذه، ولا بدّ، لأن الله قد أمر بالاستعاذة به من شر الحاسد إذا حسد، وهذا يتضمن وعده جلّ وعلا بالإعاذة، والله تعالى لا يُخلف الميعاد، وإنما يؤتى العبد من قبل نفسه، ولذلك كان بعض السلف يقولون: (إنا لا نحمل همّ الإجابة، وإنما نحمل همّ الدعاء).
نسأل الله تعالى أن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا، ومن شرور أهل الحسد.
قال ابن جرير: (أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شر كل حاسد إذا حسد؛ فَعَانَه أو سَحَرَه، أو بَغَاه سُوءاً).


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:54 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(11) الرد على من أنكر العين
اشتهر إنكار الإصابة بالعين والنفس عن المعتزلة ومن تبعهم من العقلانيين، وكانوا يؤولون ما يقع من الحوادث بالعين بأنه توفيق أقدار، لا أثر للعين فيها.
وللمعتزلة قولان في المراد بشر الحاسد في قول الله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد}:
القول الأول: شر كيده وبغيه.
والقول الثاني: شر إثمه وسماجة حاله ورأيه، وقبح ما أظهر من الحسد.
وهذان القولان ذكرهما الزمخشري في تفسيره، وسبب ذلك أن المعتزلة ينكرون الإصابة بالعين والنفس.
فقولهم الأول حقّ وهو جزء من المعنى المراد، لكن لا يُقصر عليه.
وأما قولهم الثاني فإنا وإن كنا لا ننكر أن الحاسد آثم وأنَّ عمله قبيح وحالَه سمجة بالحسد إلا أننا نرى أن هذا شر قاصر على الحاسد لا يتعدّى لغيره؛ والمناسب في هذه الحال هو سؤال العافية مما ابتلي به لا الاستعاذة منه، والآية دلت على أن شر الحاسد متعدٍّ غيرِ قاصر.
والإصابة بالعين والنفس ثابتة بالكتاب والسنة، وبالحسّ والمشاهدة، وإنكارها نوع من المكابرة؛ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من العين، ويعوّذ غيره منها، ويأمر بالاسترقاء منها، ويأمر بالاغتسال أيضاً، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليتعوّذ من شيء لا حقيقة له ولا أثر.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:54 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(12) حكم الحسد
الحسد محرّم بالنصّ والإجماع، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لاَ تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَلاَ تَقَاطَعُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَاناً ، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ)). رواه البخاري ومسلم، ولهما من حديث أبي هريرة نحوه.
قال الإمام مالك: (لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن أخيك المسلم فتدبر عنه بوجهك).
وفي مسند الإمام أحمد ومصنف عبد الرزاق وجامع الترمذي وغيرها من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دب إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبّت ذلك لكم، أفشوا السلام بينكم)).
وفي رواية: ((أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)).
وفي سنن النسائي وصحيح ابن حبان وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد)).
الإيمان المنفي هنا: هو الإيمان الواجب، وليس أصل الإيمان.
وفي النهي عن الحسد والتحذير أحاديث في بعضها مقال كحديث: (إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب). رواه البخاري في التاريخ الكبير وأبو داوود في سننه.
قال البخاري: لا يصح.
وضعفه الألباني.
وحديث: (الحسد يطفئ نور الحسنات). في سنن أبي داوود، وفيه ضعف.
وما تقدم من الأحاديث الصحيحة في النهي عن الحسد والتحذير منه فيه كفاية وغنية.
وقد نقل النووي إجماع الأمة على تحريم الحسد.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:54 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(13) الأسباب التي تحمل على الحسد
قال البيهقي في شعب الإيمان: (الحاسد يعتبر إحسان الله تعالى إلى أخيه المسلم إساءة إليه، وهذا جهل منه لأن الإحسان الواقع بمكان أخيه لا يضره شيئاً، فإن ما عند الله واسع).
وقد تكلّم بعض أهل العلم في الأسباب التي تحمل الحاسد على الحسد ؛ فقال الشيخ عطية سالم: (الحامل على الحسد أصله أمران:
الأول: ازدراء المحسود.
والثاني: إعجاب الحاسد بنفسه) ا.هـ.
ولذلك ينبغي للمسلم أن لا يحقر مسلماً ولا يزدريه ولا يفخر عليه، وليعلم أن لبعض الناس خبايا من الأعمال الصالحة قد لا يدركها كثير من الناس، وإن لم يكن يُعرف عنهم كثرة عبادة وصلاة ، ولا كثرة علم ولا ذكاء ؛ فإن الأسباب التي يوفق الله تعالى بها عباده قد تكون خفية على كثير من الناس.
فمن أبصر هذا حقيقة لم يحقر مسلماً ولم يزدريه، وبذلك يقضي على نصف الحسد، ويبقى عليه النصف الآخر، وهو الإعجاب بنفسه واعتقاد فضيلتها وأنها تستحق أن تُكرم بما يرى أنه يليق بها، فيبتغي بذلك الشرف عند عامة الناس أو عند أهل العلم والدين، وإذا استؤثر عليه بشيء من التكريم أو كُرِّم مكانه غيره انبعثت نار الحسد من قلبه، وكرِه ذلك جداً، وتمنّى انتقال ذلك التكريم إليه وحرمانه من يحسده.
فهذا ينبغي له أن يُعالج قلبه، ويعرف قدر نفسه، وأن فضل الله تعالى لا يُدرك بمعصية الله، وإنما يُطلب من الله بما هدى الله إليه.
فإذا ذهب عنه إعجابه بنفسه واعتقاده فضيلتها ولم يحتقر غيره، لم يحسد لذهاب دوافع الحسد وأسبابه التي تثيره وتحمل عليه.
لكن هذه الدرجة لا يبلغها إلا من وفقه الله ، وكان بصيراً بعيب نفسه مشتغلاً به عن عيوب الناس، مقبلا على ما ينفعه ويقربه من الله، يعتقد أن الفضل لله وحده يؤتيه من يشاء.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:54 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(14) ذمّ الحسد
الحسد خلق ذميم، وداء عضال، يُؤذي صاحبه ويُرديه، ويُشقيه ولا يشفيه، فهو في عناء وبلاء، وحسرة ووحشة، يتعذّب بما يرى من نعم الله على غيره، فيتمنّى زوالها، ويكره بقاءها، فلا هو شاكر لنعمة الله عليه، ولا هو راضٍ بقضاء الله لذلك المنعَم عليه، فحاله حال سوء، وظنّه بالله ظنّ سوء، معترض على قسمته وحكمته، متعرّض لسخطه ونقمته، ساعٍ في حرمان نفسه من فضل الله وسعته.
والحسود لا يكون سليم القلب، حتى يتوب من الحسد ويبرأ منه، ويرضى بقضاء الله وتدبيره؛ فإنّ الحسد مانع من تمام الاستسلام لله، والانقياد لحكمه، والرضا بقضائه، وهو مانع من قبول النصيحة من المحسود وبذلها له إن احتاجها.
وكثيراً ما يبتلى الحاسد بمن حسدَه؛ فإن نهى النفس عن هواها، ورضي بما قسم الله له ولصاحبه كان من المتقين الناجين، وأما إن أتبع نفسه هواها وحمله حسده على البغي والعدوان، أو تمنّي زوال النعمة عن المحسود؛ فهو ظالم معتدٍ، والله لا يحب الظالمين، ولا يحبّ المعتدين.
وأصل بلاء الحسد ناتج عن جهل الحاسد بنفسه وبربّه جلّ وعلا.
قال ابن القيم رحمه الله: (لو عرف ربَّه بصفات الكمال ونعوت الجلال وعرف نفسه بالنقائص والآفات لم يتكبر، ولم يغضب لها، ولم يحسد أحدا على ما أتاه الله؛ فإن الحسد في الحقيقة نوع من معاداة الله؛ فإنه يكره نعمة الله على عبده، وقد أحبها الله، وأحب هو زوالها عنه، والله يكره ذلك؛ فهو مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهته).
والحسد يورث صاحبه حسرة في القلب، وضيقاً في الصدر، وتسخّطاً وتبرّماً، وربّما حمله حسده على البغي والعدوان، وسيء القول والعمل، وربما صرفه عن شكر نعمة الله عليه؛ فيحرم بذلك من خير كثير وعد الله به الشاكرين، وعرّضه لبلاء وفتنة وعذاب أليم لمخالفته أمر الله تعالى، وقد قال الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
قال ابن الجوزي: (الحسدُ أخسُّ الطبائعِ، وأوَّلُ معصيةٍ عُصِيَ اللَّهُ بها في السماءِ: حسدُ إبليسَ لآدمَ، وفي الأرْضِ: حسد قابيلَ هابيلَ).
وقال ابنُ جُزَيءٍ الكَلْبِيُّ (ت: 741هـ):(الحاسدُ يضرُّ نفسَه ثلاثَ مَضَرَّاتٍ:
أحدُها: اكتسابُ الذنوبِ؛ لأنَّ الحسَدَ حرامٌ.
الثانيةُ: سوءُ الأدَبِ مع اللهِ تعالى، فإنَّ حقيقةَ الحسَدِ كراهيةُ إنعامِ اللهِ على عبدِه واعتراضٌ على اللهِ في فِعْلِه.
الثالثةُ: تألُّمُ قلبِه من كثرة همِّه وغمّه).


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:57 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي


(15) فضل من لا يحسد
قال الله تعالى في ثنائه على الأنصار بصفة من الصفات التي أحبّها الله جلّ وعلا فيهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)}
فهم لا يجدون في صدورهم شيئاً من الغل والحسد مما أوتي المهاجرين، بل يحبّونهم ويؤثرونهم على أنفسهم من صدقهم مع الله تعالى ويقينهم بفضله وثوابه، ولمحبّتهم من هاجر إليهم من إخوانهم المسلمين.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته ماء من وضوئه معلق نعليه في يده الشمال، فلما كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» فطلع ذلك الرجل على مثل مرتبته الأولى، فلما كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» فطلع ذلك الرجل على مثل مرتبته الأولى، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبعه عبد الله بن عمرو بن العاصي فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاث ليال، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تحل يميني فعلت، فقال: نعم، قال أنس: فكان عبد الله بن عمرو بن العاصي يحدث أنه بات معه ليلة أو ثلاث ليال، فلم يره يقوم من الليل بشيء، غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر الله، وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر فيسبغ الوضوء، قال عبد الله: غير أني لا أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال كدت أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، إنه لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات في ثلاث مجالس: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» فطلعت أنت تلك الثلاث مرات، فأردت آوي إليك فأنظر عملك، فلم أرك تعمل كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فانصرفت عنه، فلما وليت دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي غلا لأحد من المسلمين، ولا أحسده على خير أعطاه الله إياه، قال عبد الله بن عمرو: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق). رواه أحمد والنسائي.
قال ابن تيمية: ( فقول عبد الله بن عمرو له: "هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق" يشير إلى خلوه وسلامته من جميع أنواع الحسد).
- وروى ابن وهب بإسناده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ( تعجل إلى ربه موسى فرأى عبدا فغبطه بمنزلته من العرش، فقال: " يا رب، من عبدك هذا؟ فقال: إذا سنخبرك من عمله بثلاث: " كان لا يحسد ناسا على ما آتاهم الله من فضله، وكان لا يمشي بين الناس بالنميمة، وكان لا يعق والديه).

فسلامة الصدر من الحسد من أسباب محبّة الله تعالى للعبد وتقريبه له، وإنعامه عليه.
ومحبةُ الله تعالى للعبد لها آثار مباركة على حياة العبد وعمله، وإنعامُه عليه يكفيه ويغنيه عن حسد الناس، وعن اشتغال الفكر بما أنعم الله به عليهم، وأعظم النعم اليقين والبصيرة في الدين والعافية من المآثم وعقوباتها.
وأول ثواب الذي لا يحسد سلامته من آثار الحسد المضرّة بالنفس والقلب والدين، والمورثة للهمّ والحسرة والضيق، فالذي لا يحسد في عافية من ذلك، فهو منشرح الصدر، مرتاح البال، مطمئنّ القلب لسعة فضل الله وعطائه، موقن بكفايته ورعايته، يحبّ الخير لإخوانه المسلمين كما يحبّه لنفسه ، وهذه المحبة تفتح له أبواباً من الخير يغلقها الحسود عن نفسه.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:57 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(16) درجات الحسد
الحسد مرض كامن في كثير من النفوس؛ لكن من الناس من ينكره من نفسه حتى يبرأ منه، ومنهم من يسترسل معه حتى يغلب عليه، وقد قيل:(ما خلا جسد من حسد، لكن اللئيم يبديه، والكريم يخفيه) وهذه المقولة المشهورة ليست بحديث كما ظنّه بعضهم، وقد روي في معناها حديث ضعيف جداً، رواه أبو موسى المديني في تذكرة الحفاظ بإسناده عن أنس بن مالك مرفوعاً: ( كل بني آدم حسود، وبعض الناس أفضل في الحسد من بعض، ولا يضرّ حاسداً حسدُه ما لم يتكلم بلسان أو يعمل).
ولا يصح هذا الحديث، بل هو ضعيف منكر، فليس كل بني آدم بحسود، بل منهم من لا يحسد الناس شيئاً ، وقد وردت النصوص في بيان فضل من لا يحسد، وهذه مرتبة قد نالها بعض الناس، وإن كانوا قليلاً.
ومما ينبغي أن يُعلم أن الحسد على درجات وأنواع، والناس يتفاوتون فيه:
1: فمنهم من يكون حسده مجرّد خواطر وواردات ضعيفة على النفس والفكر من كيد الشيطان ووسوسته أو من عمل النفس الأمّارة بالسوء؛ فمن أنكرها وجاهدها فقد برئ من الحسد وسلم من مغبّته، ومن بقيت في نفسه بقيّة من ذلك؛ ففيه حسد كامن قابل للزيادة والتأثير.
وروي عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: (غُمّوا هذا الحسد بينكم، فإنّه من الشيطان، وإنه ما من أحد إلا وهو يعرض له منه شيء، وإنه ليس بضائر عبداً لم يعد بلسان أو يد)، وقد رواه وَكيعٌ في الزُّهدِ عن بعضِ أصحابِه عن الحسنِ البصريِّ مرسلاً، والأقرب أنه من قول الحسن.
فالذي تعرض له خواطر الحسد فينكرها ولا يتبع النفس هواها ؛ مجاهد مأجور على جهاده لنفسه.
2: ومن الناس من يضمر الحسد في نفسه، لكنّه لا يتكلّم به، ولا يعمل بموجبه؛ فلا يؤذي المحسود بقول ولا عمل ولا كيد، لكنّه في حقيقة الأمر يسره زوال النعمة عنه، أو بقاء البلاء عليه، وهذا نوع من الحسد قد يتساهل فيه بعض الناس.
3: ومن الناس من يزداد درجة فيتمنّى زوال النعمة؛ وهذا التمنّي عمل قلبي يتفاوت فيه الناس؛ فمنهم من يكون تمنّيه لذلك قويّا شديداً، ومنهم من يكون تمنّيه دون ذلك؛ وكلما ازدادت قوة التمنّي عظم الحسد في نفس صاحبه.
4: ومن الناس من يكون كثير الحسد؛ يحسد كثيراً من الناس، ويحسد على نعم متعددة، ومنهم من يكون حسده مخصوصاً بشخص أو جماعة معيّنة، أو نعمة معيّنة.
5: ومن الناس من يكون مع حسده نفس خبيثة تصيب من تحسده بالعين إما بالرؤية وإما بالوصف.
6: ومن الناس من يعمل بما يمليه عليه حسَدُه؛ فيتكلم في المحسود، أو يكيده ويسعى في مضرته، والكلام والكيد يتفاوت فيه الناس؛ فمنهم من يكون شديداً في ذلك حتى ربما وصل الأمر به إلى السعي في سحر المحسود، والعياذ بالله.
وبهذا تعلم أن الحاسدين على درجات، وأن من أهل الحسد من يكون حسده كثيراً شديداً، ومنهم من يكون حسده قليلاً ضعيفا، ومنهم من يحسد أحياناً، ومنهم صاحب العين الحاسدة، ويتركب من كل ذلك أنواع ودرجات يتفاوت فيها أهل الحسد؛ فأخبثهم: شديد الحسد، كثير الحسد، قويّ العين في حسده.
سلمنا الله من الحسد كله.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:57 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(17) معنى التقييد بإذا في قول الله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد}
الحسد إذا بقي كامناً في النفس لا يصحبه فعل ولا قول ولم يكن بسببه إصابة بعين فإنّه لا يضرّ المحسود؛ فشرّ الحاسد يكون إذا حسد؛ أي عمل بحسده فكاد المحسود وسعى في مضرته أو تكلم فيه بسوء ليصرف عنه شيئاً من الخير أو يجلب عليه شيئاً من الضرر أو انبعثت منه عين حاسدة فهنا يكون شرّ الحاسد متعدياً؛ فيستعاذ بالله من شرّه.
فأظهر الأقوال في معنى التقييد بالظرف في قوله تعالى: {إذا حسد} هو ما تقدم من العمل بالحسد سواء أكان العمل قلبياً أم بالجوارح أم بإصابة بالعين الحاسدة.
وقد عبّر ابن القيم عن هذا المعنى تعبيراً حسناً فقال: (قد يكون الرجل في طبعه الحسد، وهو غافل عن المحسود لاهٍ عنه، فإذا خطر على ذِكْرِه وقلبه انبعثت نار الحسد من قلبه إليه، ووَجّهت إليه سهامَ الحسد من قِبَله، فيتأذى المحسود بمجرّد ذلك) ا.هـ.
وبنحو هذا القول قال جماعة من المفسرين.
وهذا كما يقال في المرأة: هي مرضع؛ أي إذا كان لها ولد في سِنّ الرَّضاع ، ولها ما ترضعه به .
ويقال: هي مرضعة، إذا كانت تُرضِع بالفعل، فالصفة الأولى للقدرة على الفعل وقابلية الاتصاف به، والصفة الثانية للفعل نفسه.
ولذلك تسمّى المرأة مرضعاً وإن لم تكن ترضع في الحال.
قال الله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها}
فالمرضعة هي التي ترضع ولدها بالفعل فهو يلتقم ثديها، إذا رأت الساعة ذهلت عن رضيعها.
وهكذا الحاسد، حسده كامن في نفسه، فإذا رأى النعمة على غيره ظهر هذا الحسد، وخرج من نفسه وعينه سهام مسمومة على المحسود فتؤثر فيه بإذن الله، ومنهم من يحمله الحسد على الكيد والبغي.
وأما من يكون في نفسه وطبعه حسد كامن وإذا رأى ما يعجبه من النعمة على غيره دعا للمنعم عليه بالبركة واستعاذ بالله من شر نفسه، فإن حسده لا يضره ولا يضر صاحب النعمة، ومن كان كذلك في معاملة نفسه بكفّها عن الحسد، بالدعاء بالبركة وسؤال الله من فضله؛ فإن صفة الحسد تضعف عنده حتى تضمحلّ، ويحلّ محلها إرادة الخير للناس ومحبة نفعهم ، فيكون سليم الصدر طيب القلب ، لا يحسد ولا يحقد.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:58 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(18) حقيقة الحسد وتأثيره
تأثير الحسد على نوعين:
النوع الأول: تأثير له أسباب حسية من الكيد والبغي لجلب ضر أو دفع خير عن المحسود، ويكون هذا الكيد بالقول والفعل ، ويكون منه ما هو ظاهر يعرفه المحسود، وما هو خفيّ يستدلّ عليه ببعض آثاره وعلاماته، ويكون منه ما هو خفيّ يجد بعض آثاره لكن لا يعرف مصدره وسببه.
والنوع الآخر: تأثير في عالم الأرواح تنبعث به العين الحاسدة من نفس الحاسد المتصفة بقدرة الإصابة بالعين إلى روح المحسود غير المحصّن؛ فتؤثّر في روحه ، ويسري التأثير من الروح إلى الجسد.
وتأثير العين الحاسدة يقع على المحسود بسببين:
أحدهما: قوة نفس الحاسد وقدرته على إيقاع الحسد بالمحسود؛ والحاسدون يتفاوتون في هذه القوة الحاسدة؛ فبعضهم أقوى من بعض، بل الواحد منهم قد يكون في بعض حالاته أشدّ حسداً من غيرها، وتزداد هذه القوة بشَره النفس وشدّة تعلّقها بالنعمة وحقدها على صاحب النعمة.
وليس كلّ حاسد تكون لديه القدرة على الإصابة بالعين لأن هذا الأمر مما تحتلف فيه الأرواح والقدرات.
والسبب الآخر: ضعف نفس المحسود وسرعة تأثره بالحسد ، وقابليته للإصابة به؛ فالأرواح كالأجساد في قوّتها وضعفها؛ فكما أن الأجساد القوية لديها مناعة تحميها من كثير من أسباب الأمراض فتدفعها، وإذا ضعفت هذه المناعة كان قبولها للإصابة بالأمراض أشد؛ فكذلك الأرواح؛ منها أرواح قوّية لا تكاد تؤثّر فيها إلا العين القوية ، وتسلم من كثير من الإصابات وتتعافى منها سريعاً، ومن الأرواح أرواح ضعيفة تتأثّر بأدنى ما يصيبها من ذلك.
ولذلك قد تجد رجلاً غير متحصّن بالأذكار وهو في نعمة يُحسد عليها فيسلم من كثير من شرّ الحاسدين بسبب قوّة في نفسه وضعف في حسد الحاسدين الذين حوله، فيكون حسدهم ضعيفاً غير مؤثر، وربما أصابه شيء يسير قد لا يفطن أنه بسبب الحسد.
وفي المقابل قد تجد رجلاً يقرأ الأذكار وتسرع إليه الإصابة بالعين الحاسدة وتؤثّر فيه تأثيراً شديداً ، وذلك بسبب ضعف نفسه ، وضعف تحصينه؛ فقراءته للأذكار سرد باللسان لا يعي قلبه ما ينطق لسانه، ونفسه تكاد ترتجف خوفاً من الإصابة بالعين، ويتوقّعها في كلّ وقت، وتوكّله على الله ضعيف؛ فيكون قابلاً للتأثر بما يوجّه إليه من سهام الحسد، بل ربما سمع كلمة فتأذى منها جداً.
والمؤمن يكتسب قوة التحصين بأحد أمرين:
1: إما بقوّة النفس التي سببها اليقين بالله تعالى وصدق التوكّل عليه وحسن الظنّ به؛ فتقوى نفسه وتسمو، وترتفع عن التأثّر بكثير من سهام الحسد، حتى لو علم علم اليقين بكيد الحسدة لم يزده ذلك إلا ثقة بالله تعالى ورضا بما يقدّر له، ويقيناً بأنّ الله كافيه ومغنيه، وناصره على من يحسده ويبغي عليه.
2: وإمّا أن تكون نفسه ضعيفة في الأصل لكنّه يحصّنها بحسن قراءته للأذكار الشرعية بصدق وإخلاص وتوكّل على الله؛ فيقوم في قلبه من الالتجاء إلى الله وحسن الاستعاذة به ما يحصّنه من سهام الحسد، وكيد الشياطين.
ولذلك إذا اجتمع للأول مع قوّة نفسِه محافظتُه على الأذكار والتعويذات الشرعية كان تحصينه أعظم .
وإذا اجتمع للثاني مع ضعف نفسه تفريطُه في الأذكار والتعويذات الشرعية كان أكثر عرضة للتأثر بسهام الحسد.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:58 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(19) السبيل إلى السلامة من الحسد
يجب على المسلم أن يحرص على سلامة قلبه من الحسد، وطهارة نفسه منه، وقد بيّن الله تعالى في كتابه من الهدى النافع الذي يسلم به المرء من الحسد ما يكفي ويغني.
قال الله تعالى: {قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}.
وقال تعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما}.
فتركّب من هاتين الآيتين الكريمتين خمسة أمور عظيمة النفع للسلامة من الحسد:
الأمر الأول: اعتقاد أن الفضل بيد الله تعالى وحده، لا يملكه المحسود ولا الحاسد ولا غيرهما، وهذا الاعتقاد يقطع الطريق على طلب هذا الفضل من غير الله.
والثاني: أن الله يؤتي فضله من يشاء، وهذا يوجب الرضا بقسمة الله تعالى، والله تعالى عليم حكيم، فيعطي بعض عباده أشياء ويمنعهم أشياء أخرى، ابتلاء وجزاءً، فمن شكر منهم زيد له في الفضل والإحسان، ومن كفر منهم نعمة الله فأمره إلى الله إن شاء سلبه النعمة لعدم شكره، وإن شاء زاده من النعم استدراجاً ثم أخذه أخذاً شديداً، ويتوب الله على من يشاء.
والثالث: أن الله نهانا أن نتمنّى ما فضّل به بعضنا على بعض، والانتهاء عما نهى الله عنه واجب، ومخالفة هذا النهي محرّمة تعرّض المخالف للإثم وللعقوبة؛ فقد تزول عنه نعمة بسبب هذه المخالفة، أو يحرم من وصول نعمة إليه.
والرابع: أن الله أمرنا أن نسأله من فضله، فقال: {واسألوا الله من فضله} ، وفي هذا إرشاد للعبد أن لا تتعلق نفسه بما أنعم الله على غيره، وأن يعلّق قلبه بالله تعالى؛ فيسأله من فضله، وأخبره الله بأنّه بكلّ شيء عليم؛ وهذا يقتضي الإيمان بأنّ الله يعلم كل ما يسأله العبد، ويعلم كل ما يحتاج إليه، ويعلم الأسباب التي يوصل بها الفضل لعبده، وهو قادر على أن يؤتي عبده ما سأله.
والخامس: وعد السائل بالإجابة؛ فإنّ الله تعالى كريم، وقد أمر بسؤاله من فضله، والكريم إذا أمر أن يُسأل تضمن ذلك وعده بالإجابة لمن سأله.
والعبد إذا علم أن فضل الله كافيه ومغنيه، وأن ما يطلبه من الفضل بيد الله وحده لا بيد غيره، وأن فضل الله واسع لا تغيضه كثرة عطائه أدرك أن حسده لغيره لا ينفعه شيئاً، بل يعود عليه بالضرر والعاقبة السيئة ويحرمه من فضل عظيم.
قال حسّان بن ثابت:

وإنَّ امرءاً عادى الرجال على الغنى ... ولم يسألِ اللهَ الغنى لحسودُ


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:58 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(20) أصول علاج الحاسد والمحسود
الحسد داء من الأدواء، وآفة من الآفات ، يمكن أن يتعافى منه الحاسد والمحسود إذا اتبعا هدى الله جل وعلا؛ فإن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله.
وقانون التداوي من العلل قائم على أصلين مهمّين:
الأصل الأول: الأصل المعرفيّ؛ فالمعرفة نصف الدواء، لأنّها تعرّف صاحبها بالداء وخطره، وبالدواء والسبيل إليه وطريقة تناوله، وتعرّفه بعلامات الشفاء من دائه والتعافي من آثاره.
وكلما كان صاحب العلة أحسن معرفة بذلك كان أقرب إلى الشفاء والعافية، ومن قصّر في هذه المعرفة كان على خطر من استياء حاله واستفحال دائه.
والأصل الثاني: الأصل السلوكي، وهو اتّباع تعليمات التداوي بعد معرفته، والحذر مما يزيد الداء ويهيّجه، وسؤال العارف عمّا يعرض له مما يشكل عليه حتى يتحقق له ما يمكن من الشفاء بإذن الله.
وسأبدأ - بإذن الله تعالى - بذكر علاج الحاسد، ثم نذكر بعد ذلك علاج المحسود بإذن الله، وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #21  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:59 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(21) كيف يعالج الحاسد نفسه
الحسد داء خطير، ويجب على من وجد في نفسه شيئاً من الحسد أن يسعى لخلاص نفسه من شرّه وإثمه حتى يتعافى منه ومن آثاره السيئة على دينه ونفسه وحياته.
والحاسد يُوصى بأمور قائمة على الأصلين المتقدمين للتعافي مما يجده في نفسه من الحسد:
1: العلم بقبح الحسد وخطره، وضرره عليه في دينه ودنياه، وأنه لا يجدي عليه شيئاً، بل يضرّه ولا ينفعه؛ وأنّه بحسده لغيره ينفع المحسود ولا يضرّه، لأنّه ظالم معتدٍ، والمحسود مظلوم موعود بالنصر وإجابة الدعاء، وأنّه بحسده إنما يتعرّض لسخط الله وعقوبته؛ وكثيراً ما يعاقب الحاسد على حسده بحرمان بعض النعم، وحلول بعض النقم، وبمحق البركة، وضيق النفس، وكدر العيش.
فمن أيقن بهذه الأمور أدرك أنه يجب عليه أن يتخلّص من الحسد، وأن يجتهد في البراءة منه.
قال ابن سيرين: (ما حسدت أحدا على شيء من أمر الدنيا لأنه إن كان من أهل الجنة؛ فكيف أحسده على الدنيا وهي حقيرة في الجنة، وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى النار).
2: معالجة الأسباب التي دعته إلى الحسد؛ وأهمّها ازدراء المحسودين، وإعجابه بنفسه؛ وهذا يدعوه إلى التفكّر في نفسه، والتبصّر بعللها، وإصلاح خللها، والاشتغال بعيبه عن عيوب الناس، وبتكميل نفسه عن تنقّصهم، وليعلم أن العجب داء مهلك يحمل صاحبه على الكبر والحسد، ويعرّضه لسخط الله وعقوبته، ولا ينصّب نفسه حكما على الناس، وقيّما على ما يصلح أن يُعطَوا من النعم وما لا يصلح لهم؛ فإنّ هذا من خصائص ربوبية الله تعالى لخلقه، ومن نازع الله في ربوبيته ولم يؤمن بحكمته تعرّض لمقته ونقمته، وليعلم أنّ لله أسراراً في قضائه وقدره، وحكماً بالغة لا يدركها كثير من خلقه، وأن كثيراً من الظواهر تحتها بواطن لا يعلمها، وكم من إنسان له سريرة خير يحبّها الله ويرفعه بها درجات وهو فيما يرى الناس ليس بكثير صلاة ولا صوم ولا صدقة.
3: غمّ خواطر الحسد في القلب ، وعدم إظهارها، فهذا من إنكار المنكر بالقلب، وهو منكر نفسه، وأولى ما يجاهد المرء نفسه؛ فمن أنكر خواطر الحسد؛ فهو مجاهد لنفسه مأجور على جهاده، ولا تضرّه هذه الخواطر.
قال الحسن البصري: (غُمّوا هذا الحسد بينكم؛ فإنّه من الشيطان، وإنّه ما من أحد إلا وهو يعرض له منه شيء، وإنّه ليس بضائر عبداً ما لم يعدُ بلسان أو يد). رواه وكيع وهناد عن الحسن مرسلاً، وروي عنه من قوله، ولعله الصواب.
ومن وقي شرّ هذه الخواطر استراح مما كان سيترتب عليها لو استرسل معها، وأما من أطلق لنفسه العنان في الحسد، وإذا رأى ما يعجبه من النعم حسد أصحابها، فإن القوة الحاسدة تنمو لديه بكثرة ما يمرّنها عليه حتى تعظم ويعظم أثرها؛ فيكون حسوداً كثير الحسد شديد الأذى.
4: الدعاء للمحسود بالبركة ، وهذا الأمر يحتاج فيه العبد إلى مجاهدة نفسه في أوّل الأمر؛ ثم يسهل عليه بعد ذلك، فإنّه لا يدعو لأخيه بدعوة إلا قال له الملك: ولك بمثل، وهذا الدعاء للمحسود من أعظم ما يطهر به المرء قلبه من الحسد، ويقطع به كيد الشيطان، وخواطر النفس الرديئة، فدعاء المسلم لأخيه من أعظم ما يغيظ الشيطان، ويحمله على قطع التسبب فيه، وأمّا من استرسل مع الحسد وكبر على نفسه أن يدعو للمحسود فقد أبان للشيطان ضعف نفسه وفتح له باب الاجتهاد في التسلط عليه؛ فلا يزال يخطر بقلبه خواطر الحسد حتى يعظم حسده ويشتد، وتسوء حاله، ويستفحل داؤه.
والدعاء للمحسود بالبركة يمنع الإصابة بالعين الحاسدة بإذن الله، وبذلك يحجز شرَّه وعدوانه عن المحسود؛ فيسلم من خطر كبير.
5: سؤال الله من فضله، فكلما عرضت له نعمة يخطر بخاطره حسد صاحبها؛ فليتوجّه إلى الله بالدعاء وسؤاله من فضله؛ فإنّ عطاء الله واسع، والله تعالى قادر على أن يرزقه ما هو خير له من النعمة التي رآها على من أمرته نفسه بحسده.
ومن أكثر من سؤال الله من فضله كلما خطرت له خاطرة حسد رُجي له أن يسلّمه الله من الحسد وينجّيه، ويفتح الله له من أبواب فضله ما يغنيه.
6: تجنّب العمل بما يمليه عليه حسده من قول أو فعل للسعي في مضرّة المحسود، أو دفع الخير عنه، وهذا من تقوى الله عزّ وجلّ، وكفّ النفس عن الظلم والبغي والعدوان، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب.
ويُروى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حسدتم فلا تبغوا، وإذا ظننتم فلا تحقوا، وإذا تطيرتم فامضوا وعلى الله توكلوا).رواه ابن عدي في الكامل، وصححه الألباني بشواهده.
7: تجنّب ما يهيّج الحسد، ويثيره في النفس ، ومن أحسن ما تعالج به النفس التي فيها نوازع الحسد مجالسة المساكين والتقلل من مجالسة من تثير مجالستهم الحسد في النفس حتى يذهب ما فيها من العلة، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة ما علّمه ربّه جلّ وعلا في الحديث القدسي: (قل يا محمد إذا صليت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة، أن تقبضني إليك غير مفتون). رواه أحمد من حديث معاذ بن جبل، وحديث ابن عباس.
قال عون بن عبد الله:( كنت أجالس الأغنياء فكنت من أكثر الناس هما وأكثرهم غما، أرى مركبا خيرا من مركبي، وثوبا خيرا من ثوبي فأهتم، فجالست الفقراء فاسترحت).
8: وخاتمة هذه الوصايا وأعظمها نفعاً، الانطراح بين يدي الله، وصدق الالتجاء إليه، وسؤاله الخلاص من أسباب سخطه وعقابه، والنجاة من فتنة الدنيا، ومن أوى إلى الله آواه الله، ومن التجأ إليه حماه، ومن استهداه هداه، ومن استكفاه كفاه.
ومما يهوّن ذلك عليه أن تكون الآخرة هي أكبر همّه؛ فإنّ كثرة ذكر الموت والدار الآخرة وعواقب الأمور تذهب الحسد من القلب، قال أبو الدرداء: «من أكثر من ذكر الموت قل حسده وقل فرحه» رواه ابن المبارك وابن أبي شيبة.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:59 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(22) علاج المحسود
هذا الفصل هو المقصود بالأصل ، ومعالجة المحسود لنفسه ينبغي أن تكون قائمة على أصلين: الأصل المعرفي، والأصل السلوكي.
فأمّا الأصل المعرفي: ففائدته أن يكون المحسود على بصيرة بسبب وقوع الحسد عليه، وكيف يصنع في هذا البلاء الذي ابتلي به، وكيف يتّبع هدى الشريعة ببذل الأسباب المشروعة لرفعه، ومعرفة فضل الصبر عليه والرضا بقضاء الله وقدره.
وكثير من أدواء الحسد تعالج بالأصل المعرفي فيذهب أثر الحسد أو يخفّ؛ وكثيراً ما يتغيّر حال المحسود إذا كان على بصيرة من الأمور التي سبق ذكرها.
والأصل الثاني: الأصل السلوكي ، وهو قائم على بذل الأسباب المشروعة لعلاج الحسد، واجتناب الأسباب المحرّمة، واجتناب ما يزداد به بلاء الحسد.
وكلّ علاج لا بدّ أن يتضمّن مادّة فاعلة في العلاج، وحمية من الأسباب التي تمنع الشفاء أو تؤخّره أو يزداد بها الداء.
وكذلك المحسود ينبغي أن يبذل الأسباب النافعة في رفع هذا البلاء ودفعه، ويتجنّب الأسباب التي تؤخّر الشفاء أو تزيد البلاء عليه.
والفصول القادمة هي لبيان العلاج القائم على الأصلين المتقدّمين.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:59 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(23) الحسد دائر بين العقوبة والابتلاء
من يُبتلى بالحسد ويؤثر فيه شيئاً من الأذى في جسده أو روحه أو أهله أو ماله ؛ فإن هذا البلاء في حقه دائر بين العقوبة والابتلاء، والعقوبة فيها تكفير للمسلم، فقد يكون حسد غيرَه؛ فسُلِّط عليه من يحسده، وقد يكون آذى أو ظلم فسُلّطت عليه آفات في نفسه وما يحبه؛ ولو تخلّص العبد من تزكيته لنفسه ومبالغته في إحسان الظنّ بها ، وتأمّل كم حَسد من مرة، وكم تسبب في أذية مسلم ونكده، وكم تسبب في صرف نفع عن إخوان له بغياً وعدواناً وحسداً؛ لعلم أنه لو عوقب بكلّ ذلك ، لكان في ذلك هلاكه وشقاؤه.
ومن الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق ليقوله إذا أصبح وإذا أمسى: ((اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءاً، أو أجره إلى مسلم)). رواه البخاري في الأدب المفرد وأحمد والترمذي.
فمما ينبغي أن يحرص عليه المؤمنُ تزكيةُ نفسه وتطهيرُ قلبه من الحسد والغل والحقد، وأن يكفّ أذاه عن المسلمين.
لأنه إن لم يفعل ذلك فلا يأمن أن يُعاقب على أذيته بما لا يحتمله.
وكثرة الاستغفار وتكرار التوبة وفعل الخير من الأسباب التي يدفع الله عز وجلّ بها هذه العقوبات.
فهذا في شأن من يكون هذا البلاء في حقهم عقوبة؛ هو شرّ من جهة، ومن جهة أخرى فتنة وابتلاء لهم لأنهم إذا أنابوا إلى الله وتضرعوا إليه وتابوا توبة صحيحة من الظلم والعدوان رُفعت عنهم العقوبة لزوال موجبها.
ويكون ما أصابهم من ذلك تكفيراً لسيئاتهم.
وأما من استمرأ الحسد والأذى وهو يُعاقَب، فهو على خطر.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 02:00 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(24) من أسباب العقوبة بالحسد التي قد يُغفل عنها
من الأسباب التي قد يعاقب بها المرء بالحسد؛ أن يرى محسوداً مظلوماً من إخوانه المسلمين فلا يقوم بما يستطيع من واجب نصرته، بل ربّما لم ينكر ذلك في نفسه؛ وربما لو قال كلمة في نصرته لنجي من مغبّة خذلانه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم، لا يَظلمه ولا يُسْلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته » متفق عليه من حديث ابن عمر.
(لا يُسْلمه) أي: لا يخذله ولا يتركه لمن يظلمه.
قال ابن تيمية: (كثير من الناس الذين عندهم دين لا يعتدون على المحسود؛ فلا يعينون من ظلمه، ولكنهم أيضا لا يقومون بما يجب من حقه، بل إذا ذمه أحد لم يوافقوه على ذمه، ولا يذكرون محامده، وكذلك لو مدحه أحد لسكتوا، وهؤلاء مذنبون في ترك المأمور في حقه مفرطون في ذلك؛ لا معتدون عليه، وجزاؤهم أنهم يُبخسون حقوقهم؛ فلا يُنصفون أيضا في مواضع، ولا ينصرون على من ظلمهم، كما لم يَنصروا هذا المحسود، وأما من اعتدى بقول أو فعل فذلك يعاقب، ومن اتقى الله وصبر؛ فلم يدخل في الظالمين نفعه الله بتقواه).
والمقصود أن من أهمّ مراحل علاج الحسد أن يحاسب المحسود نفسه، ويتفكّر في سبب وقوع الحسد عليه؛ هل هو عقوبة أو ابتلاء؟
وإذا كان عقوبة فما سببها؟
هل حسَد غيره؟ هل ترك نصرة محسود يستطيع نصرته؟ هل اكتسب ماله من غير حلّه؟ هل تفاخر بما آتاه الله من متاع الدنيا على من لم يُعط مثلما أعطي؟
هل أعجبه ما أعطي فغرّه فتباهى به ولم يشكر نعمة الله؟ هل هو معرض عن ذكر الله وطاعة أمره معظّم لشأن دنياه؟
إلى غير ذلك من الأسباب التي قد يُعاقب المرء عليها بالحسد في تلك النعمة أو بوقوع حسد عليه لا يُنصر فيه حتى يتوب إلى الله ويصلح شأنه.
ومعرفة السبب أصل مهمّ في العلاج؛ فإنّ الحسد مصيبة، وقد قال الله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.
فإذا حاسب المرء نفسه ووجد شيئاً من ذلك فليبادر إلى علاجه، وليصبر حتى يأتيه الله بالفرج.
وإذا كان المرء مستقيما على طاعة الله ظاهراً وباطناً؛قد عوفي من تلك الأسباب؛ فليبشر بخير؛ فإنّ ما أصابه من الحسد رفعة له، وعاقبته فيه حسنة ما دام على ذلك، ويكون هذا الحسد في حقّه ابتلاء.


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 02:00 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(25) الابتلاء بالحسد
إذا حاسب المحسود نفسه، ورجا أنّه قد عوفي من أسباب العقوبة التي سبق التنبيه عليها؛ فليعلم أن هذا الحسد ابتلاء له؛ وقد ابتلي به الأنبياء والصالحون قبله، وليعلم أنّ الله تعالى لم يقدّر عليه هذا الابتلاء إلا لحكمة بالغة؛ فلتكن عنايته
متجهةٌ لفقه مقصد الابتلاء، واتّباع الهدى الذي يريد الله تعالى منه أن يتّبعه.
وكلّ بلاء يُبتلى به المؤمن يصاحبه أمران:
الأمر الأول: بيان الهدى من الله فيما يجب على العبد أن يفعله، وما يجب أن يتقيه ويتجنَّبه، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
قال الشافعي : (فليست تنزل في أحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها).
فمن اتّبع الهدى كانت عاقبته حسنة في الدنيا والآخرة، وكان ذلك البلاء كفارة لسيئاته ورفعة في درجاته، فيأتيه من الخير بسبب ذلك البلاء ما لم يكن يخطر له على بال.
والأمر الثاني: اللطف والتيسير والإعانة من الله تعالى، وقد قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، ولن يغلب عسر يسرين، وأول التيسير أن يعلم أنه لا ينزل بعبد مؤمن بلاء إلا كان بعده فرج؛ فهذا اليقين المعتمد على حسن الظن بالله والتصديق بوعده ورجائه عبادة عظيمة من أجل العبادات، وهو في هذا يدافع وساوس الشيطان وما يلقيه في نفسه من الخواطر الرديئة والتيئيس من رحمة الله والتشكيك في صدق وعده؛ فيكون المؤمن في حال ابتلائه مجاهداً صابراً راجياً ربه.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعده فرجا، وإنه لن يغلب عسر يسرين). رواه الإمام مالك في الموطأ.
وقال الشاعر:

وكل شديدة نزلت بحي سيأتي بعد شدتها رخاء
وفي صحيح مسلم من حديث صهيب الرومي قال: قال رسول الله : ((عجباً لأمر المؤمن أن أمره كله له خيرٌ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)).
وتأملوا قول الله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ ولم يقل (علينا) وفي هذا دليل على أن كل ما يصيب المؤمن فهو له وليس عليه، وذلك إذا اتبع هدى الله.
ومن تأمل أوجه اللطف فيما يتعرض له من البلاء علم حقيقة هذا الأمر.
وبهذا يعلم المؤمن أن كل قضاء يقضيه الله له فهو خير له، وليس ذلك إلا للمؤمن والله تعالى عليم حكيم في قضائه وقدره وتدبيره.
أما إذا خالف هدى الله فإنه يستحق من العقوبة بقدر ما خالف وضعف إيمانه.


التوقيع :

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:34 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة