جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأزلفت الجنّة للمتّقين غير بعيدٍ (31) هذا ما توعدون لكلّ أوّابٍ حفيظٍ (32) من خشي الرّحمن بالغيب وجاء بقلبٍ منيبٍ}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعني تعالى ذكره بقوله: {وأزلفت الجنّة للمتّقين غير بعيدٍ} وأدنيت الجنّة وقرّبت للّذين اتّقوا ربّهم، فخافوا عقوبته بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وأزلفت الجنّة للمتّقين} يقول: وأدنيت {غير بعيدٍ}). [جامع البيان: 21/449]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 31 - 35
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة {وأزلفت الجنة} قال: زينت الجنة). [الدر المنثور: 13/629]
تفسير قوله تعالى: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة أن (الأواب)، الحفيظ، إذ ذكر خطاياه استغفر الله منها). [الجامع في علوم القرآن: 1/7] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلالٍ اللّيثيّ أنّ ابن مسعودٍ كان يقول في: {لكل أوابٍ حفيظٍ}، إنّه الّذي ذكر ذنبًا استغفر اللّه له). [الجامع في علوم القرآن: 1/84-85]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن عبيد بن عميرٍ: {لكلّ أوّابٍ حفيظٍ} قال: الّذي لا يجلس مجلسًا، ثمّ يقوم إلاّ استغفر اللّه). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 309]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن عبيد بن عميرٍ {لكلّ أوّابٍ حفيظٍ} قال: الّذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفرها). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 310]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا شاذان، قال: حدّثنا مهديّ بن ميمونٍ، عن يونس بن خبّابٍ، قال: قال لي مجاهدٌ: ألا أنبّئك بـ"الأوّاب الحفيظ"؟، قلت: بلى، قال: هو الّذي يذكر ذنبه إذا خلا فيستغفر اللّه منه). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 472]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {هذا ما توعدون} يقول: قال لهم: هذا الّذي توعدون أيّها المتّقون، أن تدخلوها وتسكنوها وقوله: {لكلّ أوّابٍ} يعني: لكلّ رجّاعٍ من معصية اللّه إلى طاعته، تائبٍ من ذنوبه.
وقد اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: هو المسبّح، وقال بعضهم: هو التّائب، وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته، غير أنّا نذكر في هذا الموضع ما لم نذكره هنالك.
- حدّثني سليمان بن عبد الجبّار قال: حدّثنا محمّد بن الصّلت قال: حدّثنا أبو كدينة، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، {لكلّ أوّابٍ} قال: لكلّ مسبّحٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن مسلمٍ الأعور، عن مجاهدٍ قال: الأوّاب: المسبّح.
- حدّثنا الحسن بن عرفة قال: ثني يحيى بن عبد الملك بن أبي غنيّة قال: ثني أبي، عن الحكم بن عتيبة، في قول اللّه: {لكلّ أوّابٍ حفيظٍ} قال: هو الذّاكر اللّه في الخلاء.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن يونس بن خبّابٍ، عن مجاهدٍ، {لكلّ أوّابٍ حفيظٍ} قال: الّذي يذكر ذنوبه فيستغفر منها.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا مهران، عن عيسى الخيّاط، عن الشّعبىّ، قال: هو الّذي يذكر ذنوبه في خلاءٍ فيستغفر منها.
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {هذا ما توعدون لكلّ أوّابٍ}}: أي مطيعٍ للّه كثير الصّلاة.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {لكلّ أوّابٍ حفيظٍ} قال: الأوّاب: التّوّاب الّذي يئوب إلى طاعة اللّه ويرجع إليها.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن يونس بن خبّابٍ، في قوله: {لكلّ أوّابٍ حفيظٍ} قال: الرّجل يذكر ذنوبه، فيستغفر اللّه لها.
وقوله: {حفيظٍ} اختلف أهل التّأويل في تأويله، فقال بعضهم: حفظ ذنوبه حتّى تاب منها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا مهران، عن أبي سنانٍ، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ قال: سألت ابن عبّاسٍ، عن الأوّاب الحفيظ قال: حفظ ذنوبه حتّى رجع عنها.
وقال آخرون: معناه: أنّه حفيظٌ على فرائض اللّه وما ائتمنه عليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {حفيظٍ} قال: حفيظٌ لما استودعه اللّه من حقّه ونعمته.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره وصف هذا التّائب الأوّاب بأنّه حفيظٌ، ولم يحصر به على نوعٍ من أنواع الطّاعات دون نوعٍ، فالواجب أن يعمّ كما عمّ جلّ ثناؤه، فيقال: هو حفيظٌ لكلّ ما قرّبه إلى ربّه من الفرائض والطّاعات والذّنوب الّتي سلفت منه للتّوبة منها والاستغفار). [جامع البيان: 21/449-452]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن التميمي قال: سألت ابن عباس عن الأواب الحفيظ قال حفظ ذنوبه حتى رجع عنها). [الدر المنثور: 13/629]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن سعيد بن سنان في قوله {لكل أواب حفيظ} قال: حفظ ذنوبه فتاب منها ذنبا ذنبا). [الدر المنثور: 13/629]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن سعيد بن المسيب قال: الأواب الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب حتى يختم الله له بالتوبة). [الدر المنثور: 13/629]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن أنس بن خباب قال: قال لي مجاهد ألا أنبئك بالأواب الحفيظ هو الرجل يذكر ذنبه إذا خلا فيستغفر له.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عبيد بن عمير مثله). [الدر المنثور: 13/630]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن عبيد بن عمير قال: كنا نعد الأواب الحفيظ الذي يكون في المجلس فإذا أراد أن يقوم قال: اللهم أغفر لي ما أصبت في مجلسي هذا). [الدر المنثور: 13/630]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {لكل أواب} قال: مطيع لله {حفيظ} قال: لما استودعه الله من حقه ونعمه وفي قوله {وجاء بقلب منيب} قال: منيب إلى الله مقبل إليه وفي قوله {ادخلوها بسلام} قال: سلموا من عذاب الله وسلم الله عليهم {ذلك يوم الخلود} قال: خلدوا والله فلا يموتون). [الدر المنثور: 13/630]
تفسير قوله تعالى: (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {من خشي الرّحمن بالغيب} يقول: من خاف اللّه في الدّنيا من قبل أن يلقاه، فأطاعه، واتّبع أمره.
وفي (من) التي في قوله: {من خشي} وجهان من الإعراب: الخفض على إتباعه (كلّ) في قوله: {لكلّ أوّابٍ} والرّفع على الاستئناف، وهو مرادٌ به الجزاء من خشي الرّحمن بالغيب، قيل له ادخل الجنّة؛ فيكون حينئذٍ قوله: {ادخلوها بسلامٍ} جوابًا للجزاء أضمر قبله القول، وجعل فعلاً للجميعٍ، لأنّ (من) قد تكون في مذهب الجميع.
وقوله: {وجاء بقلبٍ منيبٍ} يقول: وجاء اللّه بقلبٍ تائبٍ من ذنوبه، راجعٍ ممّا يكرهه اللّه إلى ما يرضيه.
- كما: حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وجاء بقلبٍ منيبٍ}: أي منيبٍ إلى ربّه مقبلٍ). [جامع البيان: 21/453]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {لكل أواب} قال: مطيع لله {حفيظ} قال: لما استودعه الله من حقه ونعمه وفي قوله {وجاء بقلب منيب} قال: منيب إلى الله مقبل إليه وفي قوله {ادخلوها بسلام} قال: سلموا من عذاب الله وسلم الله عليهم {ذلك يوم الخلود} قال: خلدوا والله فلا يموتون). [الدر المنثور: 13/630] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {من خشي الرحمن بالغيب} قال: يخشى ولا يرى). [الدر المنثور: 13/630]
تفسير قوله تعالى: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله ادخلوها بسلام قال سلموا من عذاب الله وسلم الله عليهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/239]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ادخلوها بسلامٍ ذلك يوم الخلود (34) لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيدٌ (35) وكم أهلكنا قبلهم من قرنٍ هم أشدّ منهم بطشًا فنقّبوا في البلاد هل من محيصٍ}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ادخلوها بسلامٍ} ادخلوا هذه الجنّة بأمانٍ من الهمّ والنّصب والعذاب، وما كنتم تلقونه في الدّنيا من المكاره.
- كما: حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ادخلوها بسلامٍ} قال: سلموا من عذاب اللّه، وسلّم عليهم.
وقوله: {ذلك يوم الخلود} يقول: هذا الّذي وصفت لكم أيّها النّاس صفته من إدخالي الجنّة من أدخله، هو يوم دخول النّاس الجنّة، ماكثين فيها إلى غير نهايةٍ.
- كما: حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ذلك يوم الخلود} خلّدوا واللّه، فلا يموتون، وأقاموا فلا يظعنون، ونعموا فلا يبأسون). [جامع البيان: 21/453-454]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {لكل أواب} قال: مطيع لله {حفيظ} قال: لما استودعه الله من حقه ونعمه وفي قوله {وجاء بقلب منيب} قال: منيب إلى الله مقبل إليه وفي قوله {ادخلوها بسلام} قال: سلموا من عذاب الله وسلم الله عليهم {ذلك يوم الخلود} قال: خلدوا والله فلا يموتون). [الدر المنثور: 13/630] (م)
تفسير قوله تعالى: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {لهم ما يشاءون فيها} يقول: لهؤلاء المتّقين ما يريدون في هذه الجنّة الّتي أزلفت لهم من كلّ ما تشتهيه نفوسهم، وتلذّه عيونهم.
وقوله: {ولدينا مزيدٌ} يقول: وعندنا لهم على ما أعطيناهم من هذه الكرامة الّتي وصف جلّ ثناؤه صفتها مزيدٌ يزيدهم إيّاه.
وقيل: إنّ ذلك المزيد: النّظر إلى وجه اللّه جلّ جلاله.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أحمد بن سهيلٍ الواسطيّ قال: حدّثنا قرّة بن عيسى قال: حدّثنا النّضر بن عربيٍّ حدّثه، عن أنسٍ: إنّ اللّه عزّ وجلّ إذا أسكن أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار، هبط إلى مرجٍ من الجنّة أفيح، فمدّ بينه وبين خلقه حجبًا من لؤلؤٍ، وحجبًا من نورٍ ثمّ وضعت منابر النّور وسرر النّور وكراسيّ النّور، ثمّ أذن لرجلٍ على اللّه عزّ وجلّ بين يديه أمثال الجبال من النّور يسمع دويّ تسبيح الملائكة معه، وصفق أجنحتهم فمدّ أهل الجنّة أعناقهم، فقيل: من هذا الّذي قد أذن له على اللّه؟ فقيل: هذا المجبول بيده، والمعلّم الأسماء، والّذي أمرت الملائكة فسجدت له، والّذي له أبيحت الجنّة، آدم، قد أذن له على اللّه تعالى؛ قال: ثمّ يؤذن لرجلٍ آخر بين يديه أمثال الجبال من النّور، يسمع دويّ تسبيح الملائكة معه، وصفق أجنحتهم؛ فمدّ أهل الجنّة أعناقهم، فقيل: من هذا الّذي قد أذن له على اللّه؟ فقيل: هذا الّذي اتّخذه اللّه خليلاً، وجعل عليه النّار بردًا وسلامًا، إبراهيم قد أذن له على اللّه قال: ثمّ أذن لرجلٍ آخر على اللّه، بين يديه أمثال الجبال من النّور يسمع دويّ تسبيح الملائكة معه، وصفق أجنحتهم؛ فمدّ أهل الجنّة أعناقهم، فقيل: من هذا الّذي قد أذن له على اللّه؟ فقيل: هذا الّذي اصطفاه اللّه برسالته وقرّبه نجيًّا، وكلّمه تكليمًا موسى عليه السّلام، قد أذن له على اللّه، قال: ثمّ يؤذن لرجلٍ آخر معه مثل جميع مواكب النّبيّين قبله، بين يديه أمثال الجبال، من النّور يسمع دويّ تسبيح الملائكة معه، وصفق أجنحتهم؛ فمدّ أهل الجنّة أعناقهم، فقيل: من هذا الّذي قد أذن له على اللّه؟ فقيل: هذا أوّل شافعٍ، وأوّل مشفّعٍ، وأكثر النّاس واردةً، وسيّد ولد آدم؛ وأوّل من تنشقّ عن ذؤابتيه الأرض، وصاحب لواء الحمد، أحمد صلّى اللّه عليه وسلّم، قد أذن له على اللّه، قال: فجلس النّبيّون على منابر النّور، والصّدّيقون على سرر النّور؛ والشّهداء على كراسيّ النّور، وجلس سائر النّاس على كثبان المسك الأذفر الأبيض، ثمّ ناداهم الرّبّ تعالى من وراء الحجب: مرحبًا بعبادي وزوري وجيراني ووفدي، يا ملائكتي، انهضوا إلى عبادي، فأطعموهم قال: فقرّبت إليهم من لحوم طيرٍ، كأنّها البخت لا ريش ولا عظم، فأكلوا قال: ثمّ ناداهم الرّبّ من وراء الحجاب: مرحبًا بعبادي وزوري وجيراني ووفدي، أكلوا، اسقوهم قال: فنهض إليهم غلمانٌ كأنّهم اللّؤلؤ المكنون بأباريق الذّهب والفضّة بأشربةٍ مختلفةٍ لذيذةٍ، لذّة آخرها كلذّة أوّلها، لا يصدّعون عنها ولا ينزفون؛ ثمّ ناداهم الرّبّ من وراء الحجب: مرحبًا بعبادي وزوري وجيراني ووفدي، أكلوا وشربوا، فكّهوهم قال: فيقرّب إليهم على أطباقٍ مكلّلةٍ بالياقوت والمرجان؛ ومن الرّطب الّذي سمّى اللّه، أشدّ بياضًا من اللّبن، وأطيب عذوبةً من العسل قال: فأكلوا ثمّ ناداهم الرّبّ من وراء الحجب: مرحبًا بعبادي وزوري وجيراني ووفدي، أكلوا وشربوا، وفكهوا؛ اكسوهم؛ قال ففتحت لهم ثمار الجنّة بحللٍ مصقولةٍ بنور الرّحمن فألبسوها قال: ثمّ ناداهم الرّبّ تبارك وتعالى من وراء الحجب: مرحبًا بعبادي وزوري وجيراني ووفدي؛ أكلوا؛ وشربوا؛ وفكهوا؛ وكسوا طيّبوهم، قال: فهاجت عليهم ريحٌ يقال لها المثيرة، بأنابير المسك الأبيض الأذفر، فنفحت على وجوههم من غير غبارٍ ولا قتامٍ، قال: ثمّ ناداهم الرّبّ عزّ وجلّ من وراء الحجب: مرحبًا بعبادي وزوري وجيراني ووفدي، أكلوا وشربوا وفكهوا، وكسوا وطيّبوا، وعزّتي لأتجلّينّ لهم حتّى ينظروا إليّ قال: فذلك انتهاء العطاء وفضل المزيد؛ قال: فتجلّى لهم الرّبّ، ثمّ قال: السّلام عليكم عبادي، انظروا إليّ فقد رضيت عنكم. قال: فتداعت قصور الجنّة وشجرها، سبحانك أربع مرّاتٍ، وخرّ القوم سجّدًا؛ قال: فناداهم الرّبّ تبارك وتعالى: عبادي ارفعوا رءوسكم فإنّها ليست بدار عملٍ، ولا دار نصبٍ إنّما هي دار جزاءٍ وثوابٍ، وعزّتي ما خلقتها إلاّ من أجلكم، وما من ساعةٍ ذكرتموني فيها في دار الدّنيا، إلاّ ذكرتكم فوق عرشي.
- حدّثنا عليّ بن الحسين بن الحرّ قال: حدّثنا عمر بن يونس اليماميّ قال: حدّثنا جهضم بن عبد اللّه بن أبي الطّفيل قال: ثني أبو طيبة، عن معاوية العبسيّ، عن عثمان بن عميرٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (أتاني جبريل عليه السّلام وفي كفّه مرآةٌ بيضاء، فيها نكتةٌ سوداء فقلت: يا جبريل ما هذه؟ قال: هذه الجمعة، قلت: فما هذه النّكتة السّوداء فيها؟ قال: هي السّاعة تقوم يوم الجمعة وهو سيّد الأيّام عندنا، ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد؛ قلت: ولم تدعونه يوم المزيد قال: إنّ ربّك تبارك وتعالى اتّخذ في الجنّة واديًا أفيح من مسكٍ أبيض، فإذا كان يوم الجمعة نزل من علّيّين على كرسيّه، ثمّ حفّ الكرسيّ بمنابر من نورٍ، ثمّ جاء النّبيّون حتّى يجلسوا عليها، ثمّ حفّ المنابر بكراسيّ من ذهبٍ، ثمّ جاء الصدّيقون والشّهداء حتّى يجلسوا عليها، ثمّ يجيء أهل الجنّة حتّى يجلسوا على الكثب فيتجلّى لهم ربّهم عزّ وجلّ حتّى ينظروا إلى وجهه وهو يقول: أنا الّذي صدقتكم عدتي، وأتممت عليكم نعمتي، فهذا محلّ كرامتي، فسلوني، فيسألونه الرّضا، فيقول: رضاي أحلّكم داري وأنالكم كرامتي، سلوني، فيسألونه حتّى تنتهي رغبتهم، فيفتح لهم عند ذلك ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ، إلى مقدار منصرف النّاس من الجمعة، ثمّ يصعد على كرسيّه، فيصعد معه الصّدّيقون والشّهداء، وترجع أهل الجنّة إلى غرفهم درّةً بيضاء، لا قصم فيها ولا فصم، أو ياقوتةً حمراء، أو زبرجدةً خضراء، منها غرفها وأبوابها، مطردةً فيها أنهارها، متدلّيةً فيها ثمارها، فيها أزوجها، فليسوا إلى شيءٍ أحوج منهم إلى يوم الجمعة، ليزدادوا منه كرامةً، وليزدادوا نظرًا إلى وجهه، ولذلك دعي يوم المزيد).
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن عثمان بن عميرٍ، عن أنس بن مالكٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، نحو حديث عليّ بن الحسين.
- حدّثنا الرّبيع بن سليمان قال: حدّثنا أسد بن موسى قال: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، عن صالح بن حيّان، عن أبي بريدة، عن أنس بن مالكٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا ابن عليّة قال: أخبرنا ابن عونٍ، عن محمّدٍ، قال: حدّثنا، أو قال: قالوا: إنّ أدنى أهل الجنّة منزلةً، الّذي يقال له تمنّ، ويذكّره أصحابه فيتمنّى، ويذكّره أصحابه فيقال له ذلك ومثله معه قال: قال ابن عمر: ذلك لك وعشرة أمثاله، وعند اللّه مزيدٌ.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: أخبرنا عمرو بن الحارث، أنّ درّاجًا أبا السّمح، حدّثه عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، أنّه قال عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (إنّ الرّجل في الجنّة ليتّكئ سبعين سنةً قبل أن يتحوّل ثمّ تأتيه امرأة فتضرب على منكبيه، فينظر وجهه في خدّها أصفى من المرآة، وإنّ أدنى لؤلؤةٍ عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، فتسلّم عليه، فيردّ السّلام، ويسألها من أنت؟ فتقول: أنا من المزيد وإنّه ليكون عليها سبعون ثوبًا أدناها مثل النّعمان من طوبى فينفذها بصره حتّى يرى مخّ ساقها من وراء ذلك، وإنّ عليهم من التّيجان، وإنّ أدنى لؤلؤةٍ فيها لتضيء ما بين المشرق والمغرب) ). [جامع البيان: 21/454-459]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ولدينا مزيدٌ} [ق: 35].
- عن أنسٍ في قوله {ولدينا مزيدٌ} [ق: 35] قال: يتجلّى لهم كلّ جمعةٍ.
رواه البزّار، وفيه عثمان بن عميرٍ وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/112]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (سمعت عبد اللّه بن الوضّاح الكوفيّ يحدّث، عن يحيى بن يمانٍ، عن شريكٍ، عن عثمان بن عميرٍ، عن أنسٍ في قوله تبارك وتعالى: {ولدينا مزيدٌ} [ق: 35]، قال: يتجلّى لهم كلّ جمعةٍ.
قال البزّار: عثمان صالحٌ، ولا نعلم رواه بهذا اللّفظ عن أنسٍ إلا عثمان بن عميرٍ أبو اليقظان). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/69]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد}
أخرج البزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه واللالكائي في السنة والبيهقي في البعث والنشور عن أنس في قوله {ولدينا مزيد} قال: يتجلى لهم الرب عز وجل). [الدر المنثور: 13/631]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الشافعي في الأم، وابن أبي شيبة والبزار وأبو يعلى، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني في الأوسط، وابن مردويه والآجري في الشريعة والبيهقي في الرؤية وأبو نصر السجزي في الإبانة من طرق جيدة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل وفي يده مرآة بيضاء فيها نكتة سوداء فقلت: ما هذا يا جبريل قال: هذه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى ولكم فيها خير وفيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له وهو عندنا يوم المزيد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: يا جبريل وما يوم المزيد قال: إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب من مسك فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله ما شاء من الملائكة وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين وتحف تلك المنابر بكراسي من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد عليها الشهداء والصديقون ثم جاء أهل الجنة فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب فيتجلى لهم تبارك وتعالى حتى ينظروا إلى وجهه ويقول الله: أنا ربكم قد صدقتكم وعدي فسلوني أعطكم فيقولون: ربنا نسألك رضوانك فيقول: قد رضيت عنكم فسلوني فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم فيقول: لكم ما تمنيتم {ولدينا مزيد} فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش وفيه خلق آدم وفيه تقوم الساعة). [الدر المنثور: 13/631-632]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد وأبو يعلى، وابن جرير بسند حسن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليتكى ء في الجنة سبعين سنة قبل أن يتحول ثم تأتيه امرأته فتضرب على منكبه فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب فتسلم عليه فيرد عليها السلام ويسألها من أنت فتقول: أنا من المزيد وإنه ليكون عليها سبعون حلة أدناها مثل الغمان من طوبى فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك وإن عليها التيجان إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب). [الدر المنثور: 13/632-633]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن أنس رضي الله عنه قال: إن الله إذا أسكن أهل الجنة الجنة وأهل النار النار هبط إلى مرج من الجنة أفيح فمد بينه وبين خلقه حجبا من لؤلؤ وحجبا من نور ثم وضعت منابر النور وسرر النور وكراسي النور، ثم أذن لرجل على الله بين يديه أمثال الجبال من النور فيسمع دوي تسبيح الملائكة معه وصفق أجنحتهم فمد أهل الجنة أعناقهم فقيل من هذا الذي قد أذن له على الله فقيل: هذا المجبول بيده والمعلم الأسماء أمرت الملائكة فسجدت له والذي أبيحت له الجنة: آدم قد أذن له على الله، ثم يؤذن لرجل آخر بين يديه أمثال الجبال من النور يسمع دوي تسبيح الملائكة معه وصفق أجنحتهم فمد أهل الجنة أعناقهم فقيل: من هذا الذي قد أذن له على الله فقيل: هذا الذي قد اتخذه الله خليلا وجعلت النار عليه بردا وسلاما: إبراهيم قد أذن له على الله، ثم أذن لرجل آخر على الله بين يديه أمثال الجبال من النور يسمع معه دوي تسبيح الملائكة وصفق أجنحتهم فمد أهل الجنة أعناقهم فقيل: من هذا الذي قد أذن له على الله فقيل: هذا الذي اصطفاه الله برسالته وقربه نجيا وكلمه كلاما: موسى قد أذن له على الله، ثم يؤذن لرجل آخر معه مثل جميع مواكب النبيين قبله من بين يديه أمثال الجبال من النور يسمع دوي تسبيح الملائكة معه وصفق أجنحتهم فمد أهل الجنة أعناقهم فقيل: من هذا الذي قد أذن له على الله فقيل: هذا أول شافع وأول مشفع وأكثر الناس واردة وسيد ولد آدم وأول من تنشق عن ذؤابته الأرض وصاحب لواء الحمد وقد أذن له على الله، فجلس النبيون على منابر النور والصديقون على سرر النور والشهداء على كراسي النور وجلس سائر الناس على كثبان المسك الأذفر الأبيض ثم ناداهم الرب تعالى من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي يا ملائكتي انهضوا إلى عبادي فأطعموهم، فقربت إليهم من لحوم الطير كأنها البخت لا ريش لها ولا عظم فأكلوا ثم ناداهم الرب عز وجل من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلوا اسقوهم، فنهض إليهم غلمان كأنهم اللؤلؤ المكنون بأباريق الذهب والفضة بأشربة مختلفة لذيذة آخرها كلذة أولها (لا يصدعون عنها ولا ينزفون) (الواقعة آية 19)، ثم ناداهم الرب عز وجل من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلوا وشربوا فكهوهم، فيقرب إليهم على أطباق مكللة بالياقوت والمرجان من الرطب الذي سمى الله أشد بياضا من اللبن وأشد عذوبة من العسل، فأكلوا ثم ناداهم الرب من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلوا وشربوا وفكهوا اكسوهم، ففتحت لهم ثمار الجنة بحلل مصقولة بنور الرحمن فأكسوها، ثم ناداهم الرب عز وجل من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلوا وشربوا وفكهوا وكسوا طيبوهم، فهاجت عليهم ريح يقال لها المثيرة بأباريق المسك الأبيض الأذفر فنفخت على وجوههم من غير غبار ولا قتام ثم ناداهم الرب عز وجل من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلوا وشربوا وفكهوا وكسوا وطيبوا وعزتي لأتجلين لهم حتى ينظروا إلي، فذلك انتهاء العطاء وفضل المزيد، فتجلى لهم الرب ثم قال: السلام عليكم عبادي أنظروا إلي فقد رضيت عنكم، فتداعت قصور الجنة وشجرها سبحانك أربع مرات وخر القوم سجدا فناداهم الرب: عبادي ارفعوا رؤوسكم فإنها ليست بدار عمل ولا دار نصب إنما هي دار جزاء وثواب وعزتي ما خلقتها إلا من أجلكم وما من ساعة ذكرتموني فيها في دار الدنيا إلا ذكرتكم فوق عرشي). [الدر المنثور: 13/633-636]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حدثني جبريل قال: يدخل الرجل على الحوراء فتستقبله بالمعانقة والمصافحة فبأي بنان تعاطيه لو أن بعض بنانها بدا لغلب ضوءه ضوء الشمس والقمر ولو أن طاقة من شعرها بدت لملأت ما بين المشرق والمغرب من طيب ريحها فبينما هو متكى ء معها على أريكته إذ أشرق عليه نور من فوقه فيظن أن الله تعالى قد أشرف على خلقه فإذا حوراء تناديه يا ولي الله أما لنا فيك من دولة فيقول ومن أنت يا هذه فتقول: أنا من اللواتي قال الله {ولدينا مزيد} فيتحول إليها فإذا عندها من الجمال والكمال ما ليس مع الأولى فبينما هو متكى ء على أريكته إذ أشرف عليه نور من فوقه فإذا حوراء أخرى تناديه: يا ولي الله أما لنا فيك من دولة فيقول ومن أنت يا هذه فتقول: أنا من اللواتي قال الله (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) (السجدة آية 17) فلا يزال يتحول من زوجة إلى زوجة). [الدر المنثور: 13/636-637]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن محمد بن كعب في قوله {لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد} قال: لو أن أدنى أهل الجنة نزل به أهل الجنة كلهم لأوسعهم طعاما وشرابا ومجالس وخدما). [الدر المنثور: 13/637]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن كثير بن مرة قال: من المزيد أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول ماذا تريدون فأمطره لكم فلا يدعون بشيء إلا أمطرتهم والله تعالى أعلم). [الدر المنثور: 13/637]
تفسير قوله تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله فنقبوا في البلاد هل من محيص قال حاص أعداء الله فوجدوا أمر الله لهم مدركا). [تفسير عبد الرزاق: 2/239]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({فنقّبوا} [ق: 36] : «ضربوا»). [صحيح البخاري: 6/138]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله فنقّبوا ضربوا وصله الفريابيّ أيضًا وروى الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاس في قول فنقبوا في البلاد قال أثّروا وقال أبو عبيدة في قوله فنقّبوا طافوا وتباعدوا قال امرؤ القيس وقد نقّبت في الآفاق حتّى رضيت من الغنيمة بالإياب). [فتح الباري: 8/594]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (فنقّبوا: ضربوا
أشار به إلى قوله تعالى: {فنقبوا في البلاد هل من محيص} (ق: 36) وفسّر قوله: (نقبوا) بقوله: (ضربوا) وكذا قال مجاهد، وعن الضّحّاك: طافوا، وعن النّضر بن شميل: دوخوا. وعن الفراء: خرقوا، وعن المؤرج: تباعدوا، وقرئ بكسر القاف مشددا على التهديد والوعيد، أي: طوفوا البلاد وسيروا في الأرض وانظروا هل من محيص من الموت وأمر الله تعالى؟). [عمدة القاري: 19/185]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({فنقبوا}) أي (ضربوا) بمعنى طافوا في البلاد حذر الموت والضمير للقرون السابقة أو لقريش). [إرشاد الساري: 7/353]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وكم أهلكنا قبلهم من قرنٍ} يقول تعالى ذكره: وكثيرًا أهلكنا قبل هؤلاء المشركين من قريشٍ من القرون {هم أشدّ} من قريشٍ الّذين كذّبوا محمّدًا {بطشًا فنقّبوا في البلاد} يقول: فخرقوا في البلاد فساروا فيها، فطافوا وتوغّلوا إلى الأقاصي منها؛ قال امرؤ القيس:
لقد نقّبت في الآفاق حتّى رضيت من الغنيمة بالإياب.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ قال: حدّثنا أبو صالحٍ قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، {فنقّبوا في البلاد} قال: أثّروا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {فنقّبوا في البلاد} قال: ضربوا في البلاد.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {فنقّبوا في البلاد} قال: عملوا في البلاد ذاك النّقب.
وقوله: {هل من محيص} يقول جلّ ثناؤه: فهل كان لهم بتنقيبهم في البلاد من معدلٍ عن الموت؛ ومنجًى من الهلاك إذ جاءهم أمرنا وأضمرت (كان) في هذا الموضع، كما أضمرت في قوله {وكأيّن من قريةٍ هي أشدّ قوّةً من قريتك الّتي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم} بمعنى: فلم يكن لهم ناصرٌ عند إهلاكهم وقرأت القرّاء قوله {فنقّبوا} بالتّشديد وفتح القاف على وجه الخبر عنهم وذكر عن يحيى بن يعمر أنّه كان يقرأ ذلك (فنقّبوا) بكسر القاف على وجه الأمر، بمعنى التّهديد والوعيد. أي: طوفوا في البلاد، وتردّدوا فيها، فإنّكم لن تفوتونا بأنفسكم.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله {من محيص} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وكم أهلكنا قبلهم من قرنٍ} [مريم: ] حتّى بلغ {هل من محيص} قد حاص الفجرة فوجدوا أمر اللّه منيعًا.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، قوله: {فنقّبوا في البلاد هل من محيص} قال: حاص أعداء اللّه، فوجدوا أمر اللّه لهم مدركًا.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {هل من محيص} قال: هل من منجًى). [جامع البيان: 21/460-462]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فنقبوا في البلاد يقول ضربوا في البلاد). [تفسير مجاهد: 2/612]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 36 - 37.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {فنقبوا في البلاد} قال: أثروا). [الدر المنثور: 13/638]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {فنقبوا في البلاد} قال: هربوا بلغة اليمن، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول عدي بن زيد:
نقبوا في البلاد من حذر الموت * وجالوا في الأرض أي مجال). [الدر المنثور: 13/638]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن جرير عن مجاهد في قوله {فنقبوا في البلاد} قال: ضربوا في الأرض). [الدر المنثور: 13/638]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله {هل من محيص} قال: هل من مهرب يهربون من الموت). [الدر المنثور: 13/638]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {فنقبوا في البلاد هل من محيص} قال: حاص أعداء الله فوجدوا أمر الله لهم مدركا). [الدر المنثور: 13/638-639]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى لمن كان له قلب قال من كان له قلب من هذه الأمة أو ألقى السمع قال هو رجل من أهل الكتاب ألقى السمع يقول استمع إلى القرآن وهو شهيد على ما في يديه من كتاب الله أنه يجد النبي مكتوبا.
قال معمر وقال الحسن هو منافق استمع ولم ينتفع). [تفسير عبد الرزاق: 2/239]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({أو ألقى السّمع} [ق: 37] : «لا يحدّث نفسه بغيره»). [صحيح البخاري: 6/138]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله أو ألقى السّمع لا يحدّث نفسه بغيره وصله الفريابيّ أيضًا وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة في هذه الآية قال هو رجلٌ من أهل الكتاب ألقى السّمع أي استمع للقرآن وهو شهيدٌ على ما في يديه من كتاب اللّه أنّه يجد النّبيّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم مكتوبًا قال معمرٌ وقال الحسن هو منافقٌ استمع ولم ينتفع). [فتح الباري: 8/594]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 10 ق {والنّخل باسقات} قال طوال
وبه في قوله 15 ق {أفعيينا بالخلق الأول} قال أفعيينا حين أنشأناكم
وبه في قوله 23 ق {وقال قرينه} قال الشّيطان الّذي قيض له
وبه في قوله 36 ق {فنقبوا في البلاد} قال ضربوا في البلاد
وفي قوله 37 ق {لمن كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد} وهو لا يحدث نفسه شاهد بالقلب). [تغليق التعليق: 4/316-317] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (أو ألقى السّمع لا يحدّث نفسه بغيره
أشار به إلى قوله تعالى: {أو ألقى السّمع وهو شهيد} (ق: 37) وفسره بقوله: (لا يحدث نفسه بغيره) وفي التّفسير أو ألقى السّمع أي: استمع القرآن وأصغى إليه وهو شهيد حاضر تقول العرب: ألق إلى سمعك. أي: استمع). [عمدة القاري: 19/185]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({أو ألقى السمع}) أي (لا يحدث نفسه بغيره) لإصغائه لاستماعه). [إرشاد الساري: 7/353]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({شهيدٌ}: " شاهدٌ بالغيب). [صحيح البخاري: 6/138]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله شهيدٌ شاهدٌ بالغيب في رواية الكشميهنيّ بالقلب ووصله الفريابيّ من طريق مجاهدٍ بلفظ الأكثر). [فتح الباري: 8/594]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (شهيدٌ شاهدٌ بالقلب
أشار به إلى قوله تعالى: {أو ألقى السّمع وهو شهيد} أي: شاهد هذا بالقلب، وكذا في رواية الكشميهني، بالقلب بالقاف واللّام، وفي رواية غيره بالغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف، وكذا روى عن مجاهد). [عمدة القاري: 19/185]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({شهيد}) في قوله تعالى: {أو ألقى السمع وهو شهيد} [ق: 37] قال مجاهد فيما وصله الفريابي (شاهد بالقلب) ولأبي ذر عن الكشميهني بالغيب). [إرشاد الساري: 7/353]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السّمع وهو شهيدٌ}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره: إنّ في إهلاكنا القرون الّتي أهلكناها من قبل قريشٍ {لذكرى} يتذكّر بها {لمن كان له قلبٌ} يعني: لمن كان له عقلٌ من هذه الأمّة، فينتهي عن الفعل الّذي كانوا يفعلونه من كفرهم بربّهم، خوفًا من أن يحلّ بهم مثل الّذي حلّ بهم من العذاب.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ}: أي من هذه الأمّة، يعني بذلك القلب: القلب الحيّ.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {لمن كان له قلبٌ} قال: من كان له قلبٌ من هذه الأمّة.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {لمن كان له قلبٌ} قال: قلبٌ يعقل ما قد سمع من الأحاديث الّتي عذّب اللّه بها من عصاه من الأمم.
والقلب في هذا الموضع: العقل وهو من قولهم: ما لفلانٍ قلبٌ، وما قلبه معه: أي ما عقله معه وأين ذهب قلبك؟ يعني أين ذهب عقلك؟.
وقوله: {أو ألقى السّمع وهو شهيدٌ} يقول: أو أصغى لإخبارنا إيّاه عن هذه القرون الّتي أهلكناها بسمعه، فيسمع الخبر عنهم، كيف فعلنا بهم حين كفروا بربّهم، وعصوا رسله {وهو شهيدٌ} يقول: وهو متفهّمٌ لما يخبر به عنهم شاهدٌ له بقلبه، غير غافلٍ عنه ولا ساهٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل، وإن اختلفت ألفاظهم فيه.
ذكر ما قالوا في ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السّمع وهو شهيدٌ} يقول: إن استمع الذّكر وشهد أمره فإنّ في ذلك: تجربةً لمن عقله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {أو ألقى السّمع وهو شهيدٌ} قال: وهو لا يحدّث نفسه، شاهد القلب.
- حدّثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {أو ألقى السّمع وهو شهيدٌ} قال: العرب تقول: ألقى فلانٌ سمعه: أي استمع بأذنيه، وهو شاهدٌ، يقول: غير غائبٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، {إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السّمع وهو شهيدٌ} قال: يسمع ما يقول، وقلبه في غير ما يسمع.
وقال آخرون: عنى بالشّهيد في هذا الموضع: الشّهادة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {أو ألقى السّمع وهو شهيدٌ} يعني بذلك أهل الكتاب، وهو شهيدٌ على ما يقرأ في كتاب اللّه من بعث محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {أو ألقى السّمع}، قال: هو رجلٌ من أهل الكتاب استمع إلى القرآن، {وهو شهيدٌ} على ما في يده من كتاب اللّه أنّه يجد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مكتوبًا.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، قال: قال معمرٌ: وقال الحسن: هو منافقٌ استمع ولم ينتفع.
- حدّثنا أحمد بن هشامٍ قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي صالحٍ، في قوله: {أو ألقى السّمع وهو شهيدٌ} قال: المؤمن يسمع القرآن، وهو شهيدٌ على ذلك.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أو ألقى السّمع وهو شهيدٌ} قال: ألقى السّمع يسمع ما قد كان ممّا لم يعاين من الأحاديث عن الأمم الّتي قد مضت، كيف عذّبهم اللّه وصنع بهم حين عصوا رسله). [جامع البيان: 21/462-465]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أو ألقى السمع يقول لا يحدث نفسه بغيره وهو شهيد يعني شاهد القلب). [تفسير مجاهد: 2/612]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} قال: كان المنافقون يجلسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يخرجون فيقولون ماذا قال آنفا ليس معهم قلوب). [الدر المنثور: 13/639]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري في الأدب والبيهقي في شعب الإيمان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن العقل في القلب والرحمة في الكبد والرأفة في الطحال والنفس في الرئة). [الدر المنثور: 13/639]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: التوفيق خير قائد وحسن الخلق خير قرين والعقل خير صاحب والأدب خير ميزان ولا وحشة أشد من العجب). [الدر المنثور: 13/639]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن جرير عن مجاهد في قوله {أو ألقى السمع} قال: لا يحدث نفسه بغيره {وهو شهيد} قال: شاهد بالقلب). [الدر المنثور: 13/639]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب في قوله {أو ألقى السمع وهو شهيد} قال: يستمع وقلبه شاهد لا يكون قلبه مكانا آخر). [الدر المنثور: 13/640]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة في قوله {أو ألقى السمع وهو شهيد} قال: هو رجل من أهل الكتاب ألقى السمع أي استمع للقرآن وهو شهيد على ما في يديه من كتاب الله أنه يجد النّبيّ محمدا مكتوبا). [الدر المنثور: 13/640]