تفسير قوله تعالى: (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الر تلك آيات الكتاب وقرآنٍ مبينٍ}.
أما قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه {الر} فقد تقدم بياننا فيما مضى قبل
وأمّا قوله: {تلك آيات الكتاب} فإنّه يعني: هذه الآيات، آيات الكتب الّتي كانت قبل القرآن كالتّوراة والإنجيل {وقرآنٍ} يقول: وآيات قرآنٍ {مبينٍ} يقول: يبيّن لمن تأمّله وتدبّره رشده وهداه، كما؛
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وقرآنٍ مبينٍ} قال: " تبيّن واللّه هداه ورشده وخيره "
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن مجاهدٍ: {الر} فواتح يفتتح الله بها كلامه " {تلك آيات الكتاب} قال: " التّوراة والإنجيل "
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا هشامٌ، عن عمرٍو، عن سعيدٍ، عن قتادة في قوله: {الر تلك آيات الكتاب} قال: " الكتب الّتي كانت قبل القرآن "). [جامع البيان: 14/5-6]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (آية 1 - 2.
أخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {الر} و{الم} قال: فواتح يفتتح بها كلامه {تلك آيات الكتاب} قال التوراة والإنجيل). [الدر المنثور: 8/584]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {الر تلك آيات الكتاب} قال: الكتب التي كانت قبل القرآن {وقرآن مبين} قال: مبين والله هداه ورشده وخيره). [الدر المنثور: 8/584]
تفسير قوله تعالى: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني معاذ بن فضالة عن هشام بن حماد قال: سألت إبراهيم عن هذه الآية: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}؛ قال: حدثت أن أهل الشرك قالوا لمن دخل النار من أهل الإسلام: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون، قال: فيغضب الله لهم فيقول الملائكة والنبيين: أشفعوا، قال: فيشفعون لهم فيخرجون حتى إن إبليس يتطاول ورجاء أن يخرج معهم، فعند ذلك {يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}). [الجامع في علوم القرآن: 1/31]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن حماد عن إبراهيم في قوله تعالى ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال إن أهل النار يقولون كنا أهل شرك وكفر فما شأن هؤلاء الموحدين ما أغنى عنهم عبادتهم إياه قال فيخرج من النار من كان فيها من المسلمين قال فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين). [تفسير عبد الرزاق: 1/345]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن حماد عن إبراهيم وعن خصيف عن مجاهد قالا يقول أهل النار للموحدين ما أغنى عنكم إيمانكم قال فإذا قالوا قال الله أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة فعند ذلك ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال يوم القيامة). [تفسير عبد الرزاق: 1/345]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرني عثمان بن عبد الله، قال: حدّثني محمّد بن عبّادٍ المكّيّ، حدّثنا حاتم بن إسماعيل، حدّثنا أبو الحسن الصّيرفيّ وهو بسّامٌ، عن يزيد بن صهيبٍ الفقير، قال: كنّا عند جابرٍ فذكر الخوارج قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إنّ ناسًا من أمّتي يعذّبون بذنوبهم، فيكونون في النّار ما شاء الله أن يكونوا، ثمّ يعيّرهم أهل الشّرك فيقولون لهم: ما نرى ما كنتم تخالفونا فيه من تصديقكم وإيمانكم نفعكم، لما يريد الله أن يري أهل الشّرك من الحسرة، فما يبقى موحدٌ إلّا أخرجه الله " ثمّ تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} [الحجر: 2]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/141]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين}
اختلفت القرّاء في قراءة قوله {ربما} فقرأت ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة وبعض الكوفيّين {ربما} بتخفيف الباء، وقرأته عامّة قرّاء الكوفة والبصرة بتشديدها.
والصّواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنّهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان بمعنًى واحدٍ، قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما أئمّةٌ من القرّاء، فبأيّتهما قرأ القارئ فهو مصيبٌ.
واختلف أهل العربيّة في معنى " ما " الّتي مع " ربّ "، فقال بعضنحويّي البصرة: أدخل مع " ربّ " " ما " ليتكلّم بالفعل بعدها، وإن شئت جعلت " ما " بمنزلة شيءٍ، فكأنّك قلت: ربّ شيءٍ يودّ: أي ربّ ودٍّ يودّه الّذين كفروا.
وقد أنكر ذلك من قوله بعض نحويّي الكوفة، وقال: المصدر لا يحتاج إلى عائدٍ، والودّ قد وقع على " لو "، ربّما يودّون لو كانوا: أن يكونوا قال: وإذا أضمر الهاء في " لو " ليس بمفعولٍ، وهو موضع المفعول، ولا ينبغي أن يترجم المصدر بشيءٍ، وقد ترجمه بشيءٍ، ثمّ جعله ودًّا، ثمّ أعاد عليه عائدًا فكان الكسائيّ والفرّاء يقولان: لا تكاد العرب توقع " ربّ " على مستقبلٍ، وإنّما يوقعونها على الماضي من الفعل كقولهم: ربّما فعلت كذا، وربّما جاءني أخوك، قالا: وجاء في القرآن مع المستقبل: ربّما يودّ، وإنّما جاز ذلك لأنّ ما كان في القرآن من وعدٍ ووعيدٍ وما فيه، فهو حقٌّ كأنّه عيانٌ، فجرى الكلام فيما لم يكن بعد مجراه فيما كان، كما قيل: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربّهم}، وقوله: {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت}، كأنّه ماضٍ وهو منتظرٌ لصدقه في المعنى، وأنّه لا مكذّب له، وأنّ القائل لا يقول إذا نهى أو أمر فعصاه المأمور، يقول: أما واللّه لربّ ندامةٍ لك تذكر قولي فيها لعلمه بأنّه سيندم، واللّه ووعده أصدق من قول المخلوقين.
وقد يجوز أن يصحب " ربّما " الدّائم وإن كان في لفظ يفعل، يقال: ربّما يموت الرّجل فلا يوجد له كفنٌ، وإنّ أوّلت الأسماء كان معها ضمير كان، كما قال أبو دؤادٍ:
ربّما الجامل المؤبّل فيهم = وعناجيج بينهنّ المهار
فتأويل الكلام: ربّما يودّ الّذين كفروا باللّه فجحدوا وحدانيّته لو كانوا في دار الدّنيا مسلمين كما؛
- حدّثنا عليّ بن سعيد بن مسروقٍ الكنديّ، قال: حدّثنا خالد بن نافعٍ الأشعريّ، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: بلغنا أنّه: " إذا كان يوم القيامة، واجتمع أهل النّار في النّار، ومعهم من شاء اللّه من أهل القبلة، قال الكفّار لمن في النّار من أهل القبلة: ألستم مسلمين؟ قالوا: بلى، قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم، وقد صرتم معنا في النّار؟ قالوا: كانت لنا ذنوبٌ فأخذنا بها، فسمع اللّه ما قالوا، فأمر بكلّ من كان من أهل القبلة في النّار فأخرجوا، فقال من في النّار من الكفّار: يا ليتنا كنّا مسلمين " ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {الر تلك آيات الكتاب وقرآنٍ مبينٍ. ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} "
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عمرو بن الهيثم أبو قطنٍ القطعيّ، وروحٌ القيسيّ، وعفّان بن مسلمٍ، واللّفظ لأبي قطنٍ قالوا: حدّثنا القاسم بن الفضل بن عبيد اللّه بن أبي جروة، قال: كان ابن عبّاسٍ، وأنس بن مالكٍ يتأوّلان هذه الآية: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} قالا: " ذلك يوم يجمع اللّه أهل الخطايا من المسلمين والمشركين في النّار " وقال عفّان: حين يحبس أهل الخطايا من المسلمين والمشركين، فيقول المشركون: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون زاد أبو قطنٍ: قد جمعنا وإيّاكم، وقال أبو قطنٍ، وعفّان: فيغضب اللّه لهم بفضل رحمته، ولم يقله روح بن عبادة وقالوا جميعًا: فيخرجهم اللّه، وذلك حين يقول: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} "
- حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا عفّان، قال: حدّثنا أبو عوانة، قال: حدّثنا عطاء بن السّائب، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} قال: " يدخل الجنّة ويرحم، حتّى يقول في آخر ذلك: " من كان مسلمًا فليدخل الجنّة " قال: فذلك قوله: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} "
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} ذلك يوم القيامة، يتمنّى الّذين كفروا لو كانوا موحّدين "
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن سلمة بن كهيلٍ، عن أبي الزّعراء، عن عبد اللّه، في قوله: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} قال: " هذا في الجهنّميّين إذا رأوهم يخرجون من النّار "
- حدّثني المثنّى قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: حدّثنا القاسم قال: حدّثنا ابن أبي جروة العبديّ، أنّ ابن عبّاسٍ، وأنس بن مالكٍ كانا يتأوّلان هذه الآية: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} يتأوّلانها " يوم يحبس اللّه أهل الخطايا من المسلمين مع المشركين في النّار، قال: فيقول لهم المشركون: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون في الدّنيا، قال: فيغضب اللّه لهم بفضل رحمته، فيخرجهم، فذلك حين يقول: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} "
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن عطاء بن السّائب، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: " ما يزال اللّه يدخل الجنّة، ويرحم ويشفع حتّى يقول: " من كان من المسلمين فليدخل الجنّة " فذلك قوله: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} "
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن هشامٍ الدّستوائيّ، قال: حدّثنا حمّادٌ، قال: سألت إبراهيم عن هذه الآية: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} قال: حدّثت أنّ المشركين قالوا لمن دخل النّار من المسلمين: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون؟ قال: فيغضب اللّه لهم، فيقول للملائكة والنّبيّين: " اشفعوا " فيشفعون، فيخرجون من النّار، حتّى إنّ إبليس ليتطاول رجاء أن يخرج معهم، قال: فعند ذلك يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين "
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا حجّاجٌ قال: حدّثنا حمّادٌ، عن إبراهيم أنّه قال في قول اللّه عزّ وجلّ: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} قال: " يقول من في النّار من المشركين للمسلمين: ما أغنت عنكم لا إله إلاّ اللّه؟ قال فيغضب اللّه لهم، فيقول: " من كان مسلمًا فليخرج من النّار " قال: فعند ذلك: {يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} "
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن حمّادٍ، عن إبراهيم في قوله: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} قال: " إنّ أهل النّار يقولون: كنّا أهل شركٍ وكفرٍ، فما شأن هؤلاء الموحّدين، ما أغنى عنهم عبادتهم إيّاه؟ قال: فيخرج من النّار من كان فيها من المسلمين قال: فعند ذلك {يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} "
- حدّثنا الحسن بن يحيى، أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، وعن خصيفٍ، عن مجاهدٍ، قالا: " يقول أهل النّار للموحّدين: ما أغنى عنكم إيمانكم؟ قال: فإذا قالوا ذلك قال: أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرّةٍ فعند ذلك قوله {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} "
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا مسلمٌ قال: حدّثنا هشامٌ، عن حمّادٍ قال: سألت إبراهيم عن قول اللّه عزّ وجلّ: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} قال: " الكفّار يعيّرون أهل التّوحيد: ما أغنى عنكم لا إله إلاّ اللّه؟ فيغضب اللّه لهم، فيأمر النّبيّين والملائكة فيشفعون، فيخرج أهل التّوحيد من النار، حتّى إنّ إبليس ليتطاول رجاء أن يخرج، فذلك قوله: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} "
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا عبد السّلام، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ، قال: " هذا في الجهنّميّين، إذا رأوهم يخرجون من النّار {يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} "
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عطاء بن السّائب، عن مجاهدٍ، قال: إذا فرغ اللّه من القضاء بين خلقه، قال: من كان مسلمًا فليدخل الجنّة فعند ذلك {يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} "
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني الحسن، قال: حدّثنا شبابة، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} قال: " يوم القيامة ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} قال: " فيها وجهان اثنان، يقولون: إذا حضر الكافر الموت ودّ لو كان مسلمًا.
ويقول آخرون: بل يعذّب اللّه ناسًا من أهل التّوحيد في النّار بذنوبهم، فيعرفهم المشركون فيقولون: ما أغنت عنكم عبادة ربّكم وقد ألقاكم في النّار؟ فيغضب لهم فيخرجهم، فيقول: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} قال: " نزلت في الّذين يخرجون من النّار "
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} " وذلك واللّه يوم القيامة، ودّوا لو كانوا في الدّنيا مسلمين "
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: " {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} "
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " ما يزال اللّه يدخل الجنّة ويشفّع حتّى يقول: من كان من المسلمين فليدخل الجنّة فذلك حين يقول: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} "). [جامع البيان: 14/6-13]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال ذلك يوم القيامة). [تفسير مجاهد: 339]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا يحيى بن محمّدٍ العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق، أنبأ جريرٌ، عن عطاء بن السّائب، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: " ما يزال اللّه يشفع، ويدخل الجنّة، ويرحم ويشفّع حتّى يقول: من كان من المسلمين، فليدخل الجنّة، فذاك حين يقول {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} [الحجر: 2] «هذا حديثٌ صحيحٌ الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/384]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : ( {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} [الحجر: 2].
- عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -: " «إذا اجتمع أهل النّار في النّار ومعهم من شاء اللّه من أهل القبلة قال الكفّار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا: بلى، قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النّار؟ قالوا: كانت لنا ذنوبٌ فأخذنا بها. فسمع اللّه ما قالوا، فأمر من كان في النّار من أهل القبلة فأخرجوا، فلمّا رأى ذلك من بقي من الكفّار في النّار قالوا: يا ليتنا كنّا مسلمين فنخرج كما خرجوا ". ثمّ قرأ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -: " أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم {الر تلك آيات الكتاب وقرآنٍ مبينٍ - ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} [الحجر: 1 - 2]».
رواه الطّبرانيّ، وفيه خالد بن نافعٍ الأشعريّ، قال أبو داود: متروكٌ، قال الذّهبيّ: هذا تجاوزٌ في الحدّ، فلا يستحقّ التّرك، فقد حدّث عنه أحمد بن حنبلٍ وغيره، وبقيّة رجاله ثقاتٌ.
- وعن زكريّا بن يحيى صاحب العصب قال: «سألت أبا غالبٍ عن قوله تعالى: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} [الحجر: 2] فقال: حدّثني أبو أمامة عن رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - أنّه قال: " نزلت في الخوارج حين رأوا تجاوز اللّه عن المسلمين وعن الأئمّة والجماعة، قالوا: يا ليتنا كنّا مسلمين».
رواه الطّبرانيّ، وزكريّا والرّاوي عنه لم أعرفهما). [مجمع الزوائد: 7/45]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}
أخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} قالوا: ود المشركون يوم بدر حين ضربت أعناقهم حين عرضوا على النار أنهم كانوا مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 8/584-585]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ربما يود الذين كفروا} قال: ذلك يوم القيامة يتمنى الذين كفروا {لو كانوا مسلمين} قال: موحدين). [الدر المنثور: 8/585]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} قال: هذا في الجهنميين، إذا رأوهم يخرجون من النار). [الدر المنثور: 8/585]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور وهناد بن السرى في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر والحاكم في صححه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما زال الله يشفع ويدخل الجنة ويشفع ويرحم حتى يقول: من كان مسلما فليدخل الجنة، فذلك قوله: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}). [الدر المنثور: 8/585]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في البعث عن ابن عباس وأنس رضي الله عنهما أنهما تذاكرا هذه الآية {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} فقالا: هذا حيث يجمع الله بين أهل الخطايا من المسلمين والمشركين في النار فيقول المشركون: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون، فيغضب الله لهم فيخرجهم بفضل رحمته). [الدر المنثور: 8/585]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور وهناد والبيهقي عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} قال: إذا خرج من النار من قال: لا إله إلا الله). [الدر المنثور: 8/586]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه بسند صحيح، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ناسا من أمتي يعذبون بذنوبهم فيكونون في النار ما شاء الله أن يكونوا ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون: ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم، فلا يبقى موحد إلا أخرجه الله تعالى من النار ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} ). [الدر المنثور: 8/586]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي عاصم في السنة، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين قالوا: بلى، قالوا: فما أغنى عنكم الإسلام وقد صرتم معنا في النار قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ما قالوا فأمر بكل من كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا فلما رأى ذلك من بقي من الكفار قالوا: يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم {الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين (1) ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}). [الدر المنثور: 8/586-587]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن راهويه، وابن حبان والطبراني، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أنه سئل: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية شيئا {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} قال: نعم سمعته يقول: يخرج الله أناسا من المؤمنين من النار بعدما يأخذ نقمته منهم لما أدخلهم الله النار مع المشركين قال لهم المشركون: ألستم كنتم تزعمون أنكم أولياء الله في الدنيا فما بالكم معنا في النار فإذا سمع الله ذلك منهم أذن في الشفاعة لهم فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون حتى يخرجوا بإذن الله فإذا رأى المشركون ذلك قالوا: يا ليتنا كنا مثلهم فتدركنا الشفاعة فنخرج معهم، فذلك قول الله: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} قال: فيسمون في الجنة الجهنميين من أجل سواد في وجوههم فيقولون: يا ربنا أذهب عنا هذا الاسم فيأمرهم فيغتسلون في نهر الجنة فيذهب ذلك الاسم عنهم). [الدر المنثور: 8/587]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج هناد بن السرى والطبراني في الأوسط وأبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ناسا من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم فيقول لهم أهل اللات والعزى: ما أغنى عنكم قول لا إله إلا الله وأنتم معنا في النار فيغضب الله لهم فيخرجهم فيلقيهم في نهر الحياة فيبرؤون من حرقهم كما يبرأ القمر من خسوفه فيدخلون الجنة ويسمون فيها الجهنميين). [الدر المنثور: 8/587-588]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أول من يأذن الله عز وجل له يوم القيامة في الكلام والشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيقال له: قل تسمع وسل تعطه، قال: فيخر ساجدا فيثني على الله ثناء لم يثن عليه أحد فيقال: ارفع رأسك، فيرفع رأسه فيقول: أي رب أمتي، أمتي، فيخرج له ثلث من في النار من أمته ثم يقال: قل تسمع وسل تعط، فيخر ساجدا فيثني على الله ثناء لم يثنه أحد، فيقال: ارفع رأسك، فيرفع رأسه ويقول: أي رب أمتي، أمتي، فيخرج له ثلث آخر من أمته ثم يقال له: قل تسمع وسل تعط، فيخر ساجدا فيثني على الله ثناء لم يثنه أحد، فيقال: ارفع رأسك، فيرفع رأسه ويقول: رب أمتي، أمتي، فيخرج له الثلث الباقي، فقيل للحسن: إن أبا حمزة يحدث بكذا وكذا، فقال: يرحم الله أبا حمزة نسي الرابعة، قيل وما الرابعة قال: من ليست له حسنة إلا لا إله إلا الله، فيقول: رب أمتي، أمتي، فيقال له: يا محمد هؤلاء ينجيهم الله برحمته حتى لا يبقى أحد ممن قال لا إله إلا الله فعند ذلك يقول أهل جهنم (ما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين) وقوله: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} ). [الدر المنثور: 8/588-589]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: يقوم نبيكم رابع أربعة فيشفع فلا يبقى في النار إلا ما شاء الله من المشركين فذلك قوله: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} ). [الدر المنثور: 8/589]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن شاهين في السنة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب الكبائر من موحدي الأمم كلها الذين ماتوا على كبائرهم غير نادمين ولا تائبين من دخل منهم جهنم لا تزرق أعينهم ولا تسود وجوههم ولا يقرنون بالشياطين ولا يغلون بالسلاسل ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران حرم الله أجسادهم على الخلود من أجل التوحيد وصورهم على النار من أجل السجود فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه ومنهم من تأخذه النار إلى عقبيه ومنهم من تأخذه النار إلى فخذيه ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه على قدر ذنوبهم وأعمالهم ومنهم منن يمكث فيها شهرا ثم يخرج منها ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها وأطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ يوم خلقت إلى أن تفنى فإذا أراد الله أن يخرجهم منها قالت اليهود والنصارى ومن في النار من أهل الأديان والأوثان لمن في النار من أهل التوحيد: آمنتم بالله وكتبه ورسله فنحن وأنتم اليوم في النار سواء، فيغضب الله لهم غضبا لم يغضبه لشيء فيما مضى فيخرجهم إلى عين بين الجنة والصراط فينبتون فيها نبات الطراثيث في حميل السيل ثم يدخلون الجنة، مكتوب في جباههم: هؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن، فيمكثون في الجنة ما شاء الله أن يمكثوا ثم يسألون الله تعالى أن يمحو ذلك الاسم عنهم فيبعث الله ملكا فيمحوه ثم يبعث الله ملائكة معهم مسامير من نار فيطبقونها على من بقي فيها يسمرونها بتلك المسامير فينساهم الله على عرشه ويشتغل عنهم أهل الجنة بنعيمهم ولذاتهم، وذلك قوله: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} ). [الدر المنثور: 8/589-590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن زكريا بن يحيى صاحب القضيب قال: سألت أبا غالب رضي الله عنه عن هذه الآية {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} فقال: حدثني أبو أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها نزلت في الخوارج حين رأوا تجاوز الله عن المسلمين وعن هذه الأمة والجماعة قالوا: يا ليتنا كنا مسلمين). [الدر المنثور: 8/590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم في الكنى عن حماد رضي الله عنه قال: سألت إبراهيم عن هذه الآية {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} قال: حدثت أن أهل الشرك قالوا لمن دخل النار من أهل الإسلام: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون، فيغضب الله لهم فيقول للملائكة والنبيين: اشفعوا لهم، فيشفعون لهم فيخرجون حتى إن إبليس ليتطاول رجاء أن يدخل معهم فعند ذلك {يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} ). [الدر المنثور: 8/590-591]
تفسير قوله تعالى: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذرهم يأكلوا ويتمتّعوا ويلههم الأمل، فسوف يعلمون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ذر يا محمّد هؤلاء المشركين يأكلوا في هذه الدّنيا ما هم آكلوه، ويتمتّعوا من لذّاتها وشهواتهم فيها إلى أجلهم الّذي أجّلت لهم، ويلههم الأمل عن الأخذ بحظّهم من طاعة اللّه فيها، وتزوّدهم لمعادهم منها بما يقرّبهم من ربّهم، فسوف يعلمون غدًا إذا وردوا عليه وقد هلكوا على كفرهم باللّه وشركهم، حين يعاينون عذاب اللّه، أنّهم كانوا من تمتّعهم بما كانوا يتمتّعون فيها من اللّذّات والشّهوات كانوا في خسارٍ وتبابٍ). [جامع البيان: 14/13-14]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (آية - 3.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {ذرهم يأكلوا ويتمتعوا} الآية، قال: هؤلاء الكفرة). [الدر المنثور: 8/591]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله: {ذرهم} قال: خل عنهم). [الدر المنثور: 8/591]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد والطبراني في الأوسط، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لا أعلمه إلا رفعه، قال: صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين ويهلك آخرها بالبخل والأمل). [الدر المنثور: 8/591]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وابن مردويه عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس عودا بين يديه وآخر إلى جنبه وآخر بعده، قال: أتدرون ما هذا قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن هذا الإنسان وهذا أجله وهذا أمله فيتعاطى الأمل فيختلجه الأجل دون ذلك). [الدر المنثور: 8/591-592]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الأمل، وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: مثل الإنسان والأمل والأجل فمثل الأجل إلى جانبه والأمل أمامه فبينما هو يطلب الأمل إذ أتاه الأجل فاختلجه). [الدر المنثور: 8/592]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم خط خطوطا وخط خطا منها ناحية فقال: أتدرون ما هذا، هذا مثل ابن آدم وذاك الخط الأمل فبينما هو يؤمل إذ جاءه الموت). [الدر المنثور: 8/592]
تفسير قوله تعالى: (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال غيره: {كتابٌ معلومٌ} [الحجر: 4] : «أجلٌ» ). [صحيح البخاري: 6/80]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله كتاب معلوم أجلٌ كذا لأبي ذرٍّ فأوهم أنّه من تفسير مجاهدٍ ولغيره وقال غيره كتابٌ معلومٌ أجلٌ وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله إلّا ولها كتاب معلوم أي أجلٌ ومدّةٌ معلومٌ أي مؤقّتٌ). [فتح الباري: 8/379]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال غيره كتابٌ معلومٌ أجلٌ
أي: قال غير ابن عبّاس في تفسير، قوله تعالى: {وما أهلكنا من قرية إلاّ ولها كتاب معلوم} (الحجر: 4) أي: أجل، وفي التّفسير: أجل موقت قد كتبناه لهم لا نعذبهم ولا نهلكم حتّى يبلغوه، وهكذا وقع في رواية أبي ذر كما ذكره البخاريّ). [عمدة القاري: 19/7]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال غيره) غير ابن عباس في قوله تعالى: ({إلا ولها كتاب معلوم}) [الحجر: 4] أي (أجل) أي أن الله تعالى لا يهلك أهل قرية إلا ولها أجل مقدر كتب في اللوح المحفوظ أو كتاب مختص به). [إرشاد الساري: 7/191]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما أهلكنا من قريةٍ إلاّ ولها كتابٌ معلومٌ}
يقول تعالى ذكره: {وما أهلكنا} يا محمّد {من} أهل {قريةٍ} من أهل القرى الّتي أهلكنا أهلها فيما مضى {إلاّ ولها كتابٌ معلومٌ} يقول: إلاّ ولها أجلٌ مؤقّتٌ ومدّةٌ معروفةٌ، لا نهلكهم حتّى يبلغوها، فإذا بلغوها أهلكناهم عند ذلك، فيقول لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: فكذلك أهل قريتك الّتي أنت منها وهي مكّة، لا نهلك مشركي أهلها إلاّ بعد بلوغ كتابهم أجله، لأنّ من قضائي أن لا أهلك أهل قريةٍ إلاّ بعد بلوغ كتابهم أجله). [جامع البيان: 14/14]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (آية 4 - 5.
أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم} قال: أجل معلوم وفي قوله: {ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون} قال: لا مستأخر بعده). [الدر المنثور: 8/592]
تفسير قوله تعالى: (مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما تسبق من أمّةٍ أجلها وما يستأخرون}.
يقول تعالى ذكره: ما يتقدّم هلاك أمّةٍ قبل أجلها الّذي جعله اللّه أجلاً لهلاكها، ولا يستأخر هلاكها عن الأجل الّذي جعل لها أجلاً، كما؛
- حدّثني المثنّى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، في قوله: {ما تسبق من أمّةٍ أجلها وما يستأخرون} قال: " نرى أنّه إذا حضر أجله فإنّه لا يؤخّر ساعةً ولا يقدّم، وأمّا ما لم يحضر أجله فإنّ اللّه يؤخّر ما شاء، ويقدّم ما شاء "). [جامع البيان: 14/14]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (آية 4 - 5.
أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم} قال: أجل معلوم وفي قوله: {ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون} قال: لا مستأخر بعده). [الدر المنثور: 8/592] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الزهري رضي الله عنه في قوله: {ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون} قال: نرى أنه إذا حضر أجله فإنه لا يؤخر ساعة ولا يقدم.
وأمّا ما لم يحضر أجله فإن الله يؤخر ما شاء ويقدم ما شاء). [الدر المنثور: 8/592]
تفسير قوله تعالى: (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقالوا يا أيّها الّذي نزّل عليه الذّكر إنّك لمجنونٌ (6) لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصّادقين}.
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون لك من قومك يا محمّد: {يا أيّها الّذي نزّل عليه الذّكر} وهو القرآن الّذي ذكر اللّه بما فيه من المواعظ خلقه {إنّك لمجنونٌ} في دعائك إيّانا إلى أن نتّبعك ونذر آلهتنا). [جامع البيان: 14/15]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {نزّل عليه الذّكر} قال: " القرآن "). [جامع البيان: 14/16] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (آية 6 - 9.
أخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر} قال: القرآن). [الدر المنثور: 8/592]
تفسير قوله تعالى: (لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({لو ما تأتينا} [الحجر: 7] : «هلّا تأتينا»). [صحيح البخاري: 6/80]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله لوما هلّا تأتينا قال أبو عبيدة في قوله لوما تأتينا مجازها هلّا تأتينا). [فتح الباري: 8/379]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (لو ما تأتينا هلاّ تأتينا
أشار به إلى قوله عز وجل: {لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصّادقين} (الحجر: 7) وفسّر قوله: (لو ما تأتينا) بقوله: (هلا تأتينا) والحاصل: أن لو، هنا للتحضيض، قال الزّمخشريّ: لو ركبت مع ما ولا، لمعنيين: معنى امتناع الشّيء لوجود غيره، ومعنى التحضيض، وأما هل فلم تركب إلاّ مع، لا، وحدها للتحضيض، والمعنى: هلا تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك ويعضدونك على إنذارك). [عمدة القاري: 19/7]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({لو ما تأتينا}) أي (هلا تأتينا) يا محمد بالملائكة لتصديق دعواك إن كنت صادقًا أو لتعذيبنا على تكذيبك كما جاءت الأمم السابقة فإنا نصدقك حينئذٍ فقال الله تعالى ما تنزل الملائكة إلا تنزيلاً ملتبسًا بالحق أي الوجه الذي قدرناه واقتضته حكمتنا ولا حكمة في إتيانكم فإنكم لا تزدادون إلا عنادًا وكذا لا حكمة في استئصالكم مع أنه سبقت كلمتنا بإيمان بعضكم أو أولادكم وسقط لفظ تأتينا لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/191]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({لو ما تأتينا بالملائكة} قالوا: هلاّ تأتينا بالملائكة شاهدةً لك على صدق ما تقول {إن كنت من الصّادقين} يعني: إن كنت صادقًا في أنّ اللّه تعالى بعثك إلينا رسولاً وأنزل عليك كتابًا، فإنّ الرّبّ الّذي فعل ما تقول بك لا يتعذّر عليه إرسال ملكٍ من ملائكته معك، حجّةً لك علينا، وآيةً لك على نبوّتك وصدق مقالتك.
والعرب تضع موضع " لو ما " " لو لا "، وموضع " لو لا " " لو ما "، ومن ذلك قول ابن مقبلٍ:
لوما الحياء ولوما الدّين عبتكما = ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري
يريد: لو لا الحياء.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {نزّل عليه الذّكر} قال: " القرآن "). [جامع البيان: 14/15-16]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {لو ما تأتينا بالملائكة} قال: ما بين ذلك إلى قوله: {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء} قال وهذا من التقديم والتأخير {فظلوا فيه يعرجون} أي فظلت الملائكة تعرج فنظروا إليه {لقالوا إنما سكرت أبصارنا} ). [الدر المنثور: 8/592]
تفسير قوله تعالى: (مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما ننزّل الملائكة إلاّ بالحقّ وما كانوا إذًا منظرين}.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ما ننزّل الملائكة} فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة والبصرة: ( ما تنزّل الملائكة ) بالتّاء تنزّل وفتحها ورفع " الملائكة "، بمعنى: ما تنزّل الملائكة، على أنّ الفعل للملائكة.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة: {ما ننزّل الملائكة} بالنّون في ننزّل وتشديد الزّاي ونصب الملائكة، بمعنى: ما ننزّلها نحن، و" الملائكة " حينئذٍ منصوبٌ بوقوع " ننزّل " عليها.
وقرأه بعض قرّاء أهل الكوفة: ( ما تنزّل الملائكة )، برفع الملائكة والتّاء في " تنزّل " وضمّها على وجه ما لم يسمّ فاعله.
قال أبو جعفرٍ: وكلّ هذه القراءات الثّلاث متقاربات المعاني، وذلك أنّ الملائكة إذا نزّلها اللّه على رسولٍ من رسله تنزّلت إليه، وإذا تنزّلت إليه فإنّما تنزل بإنزال اللّه إيّاها إليه، فبأيّ هذه القراءات الثّلاث قرأ ذلك القارئ فمصيبٌ، الصّواب في ذلك، وإن كنت أحبّ لقارئه أن لا يعدو في قراءته إحدى القراءتين اللّتين ذكرت من قراءة أهل المدينة والأخرى الّتي عليها جمهور قرّاء الكوفيّين، لأنّ ذلك هو القراءة المعروفة في العامّة، والأخرى: أعني قراءة من قرأ ذلك: ( ما تنزّل )، بضمّ التّاء من تنزّل ورفع الملائكة شاذّةٌ قليلٌ من قرأ بها.
فتأويل الكلام: ما ننزّل ملائكتنا إلاّ بالحقّ، يعني بالرّسالة إلى رسلنا، أو بالعذاب لمن أردنا تعذيبه ولو أرسلنا إلى هؤلاء المشركين على ما يسألون إرسالهم معك آيةً فكفروا لم ينظروا فيؤخّروا بالعذاب، بل عوجلوا به كما فعلنا ذلك بمن قبلهم من الأمم حين سألوا الآيات، فكفروا حين أتتهم الآيات، فعاجلناهم بالعقوبة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا شبابة، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ما ننزّل الملائكة إلاّ بالحقّ} قال: " بالرّسالة والعذاب ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله). [جامع البيان: 14/16-18]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ما ننزل الملائكة إلا بالحق يعني بالرسالة والعذاب). [تفسير مجاهد: 339]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ما ننزل الملائكة إلا بالحق} قال: بالرسالة والعذاب). [الدر المنثور: 8/592]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وما كانوا إذا منظرين} قال: وما كانوا لو تنزلت الملائكة بمنظرين من أن يعذبوا). [الدر المنثور: 8/592]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة وثابت في قوله تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون قال حفظه الله من أن يزيد فيه الشيطان باطلا أو يبطل منه حقا). [تفسير عبد الرزاق: 1/345]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون}.
يقول تعالى ذكره: {إنّا نحن نزّلنا الذّكر} وهو القرآن، {وإنّا له لحافظون} قال: " وإنّا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطلٌ ما ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه.
والهاء في قوله: " له " من ذكر الذّكر.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني الحسن، قال: حدّثنا شبابة، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وإنّا له لحافظون} قال: " عندنا ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون}، وقال في آيةٍ أخرى: {لا يأتيه الباطل} والباطل: إبليس، {من بين يديه ولا من خلفه} فأنزله اللّه ثمّ حفظه، فلا يستطيع إبليس أن يزيد فيه باطلاً، ولا ينتقص منه حقًّا، حفظه اللّه من ذلك "
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {وإنّا له لحافظون} قال: " حفظه اللّه من أن يزيد فيه الشّيطان باطلاً، أو ينقص منه حقًّا ". وقيل: أن الهاء في قوله: {وإنّا له لحافظون} من ذكر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، بمعنى: وإنّا لمحمّدٍ حافظون ممّن أراده بسوءٍ من أعدائه). [جامع البيان: 14/18-19]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وإنا له لحافظون أي عندنا). [تفسير مجاهد: 339-340]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وإنّا له لحافظون قال مجاهد عندنا وصله بن المنذر ومن طريق بن أبي نجيحٍ عنه وهو في بعض نسخ الصّحيح). [فتح الباري: 8/380]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وإنا له لحافظون} قال: عندنا). [الدر المنثور: 8/593]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وقال في آية أخرى: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) (فصلت آية 42) والباطل إبليس، قال: فأنزله الله ثم حفظه فلا يستطيع إبليس أن يزيد فيه باطلا ولا ينقص منه حقا حفظه الله من ذلك والله أعلم بالصواب). [الدر المنثور: 8/593]