العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 08:54 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (77) إلى الآية (80) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (77) إلى الآية (80) ]

{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:06 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن الزهري عن ابن المسيب في قوله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا قال هي اليمين الفاجرة يقتطع بها الرجل مال أخيه واليمين الفاجرة من الكبائر وتلا ابن المسيب إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/124]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {إنّ الّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ} ]
- حدّثنا سعيد بن منصورٍ، قال: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ((من حلف على يمينٍ فاجرةٍ ليقتطع بها مال امرئٍ مسلمٍ، لقي اللّه عزّ وجلّ وهو عليه غضبان)). فقال الأشعث : فيّ واللّه كان ذلك، بيني وبين رجلٍ من اليهود أرضٌ، فجحدني، فقدّمته إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فقال لي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ((ألك بيّنة؟)) قلت: لا، فقال لليهوديّ: ((احلف))، فقلت: يا رسول اللّه، إذًا يحلف فيذهب بمالي، قال: فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا... } إلى آخر الآية). [سنن سعيد بن منصور: 3/1053-1054]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلًا، أولئك لا خلاق لهم} [آل عمران: 77] : لا خير {أليمٌ} [البقرة: 10]: «مؤلمٌ موجعٌ من الألم، وهو في موضع مفعلٍ»
- حدّثنا حجّاج بن منهالٍ، حدّثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف يمين صبرٍ ليقتطع بها مال امرئٍ مسلمٍ، لقي اللّه وهو عليه غضبان» فأنزل اللّه تصديق ذلك: إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلًا، أولئك لا خلاق لهم في الآخرة إلى آخر الآية، قال: فدخل الأشعث بن قيسٍ، وقال: ما يحدّثكم أبو عبد الرّحمن؟ قلنا: كذا وكذا، قال: فيّ أنزلت كانت لي بئرٌ في أرض ابن عمٍّ لي، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بيّنتك أو يمينه» فقلت: إذًا يحلف يا رسول اللّه، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف على يمين صبرٍ، يقتطع بها مال امرئٍ مسلمٍ، وهو فيها فاجرٌ، لقي اللّه وهو عليه غضبانٌ»
- حدّثنا عليٌّ هو ابن أبي هاشمٍ، سمع هشيمًا، أخبرنا العوّام بن حوشبٍ، عن إبراهيم بن عبد الرّحمن، عن عبد اللّه بن أبي أوفى رضي اللّه عنهما: «أنّ رجلًا أقام سلعةً في السّوق، فحلف فيها، لقد أعطى بها ما لم يعطه، ليوقع فيها رجلًا من المسلمين» ، فنزلت: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلًا} [آل عمران: 77] إلى آخر الآية
- حدّثنا نصر بن عليّ بن نصرٍ، حدّثنا عبد اللّه بن داود، عن ابن جريجٍ، عن ابن أبي مليكة، أنّ امرأتين، كانتا تخرزان في بيتٍ أو في الحجرة، فخرجت إحداهما وقد أنفذ بإشفى في كفّها، فادّعت على الأخرى، فرفع إلى ابن عبّاسٍ، فقال ابن عبّاسٍ: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «لو يعطى النّاس بدعواهم لذهب دماء قومٍ وأموالهم» ، ذكّروها باللّه واقرءوا عليها: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه} [آل عمران: 77] فذكّروها فاعترفت، فقال ابن عبّاسٍ: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اليمين على المدّعى عليه»). [صحيح البخاري: 6/34-35]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلًا أولئك لا خلاق لهم)
لا خير قال أبو عبيدة في قوله من خلاقٍ أي نصيبٍ من خيرٍ قوله أليمٍ مؤلمٌ موجعٌ من الألم وهو في موضع مفعلٍ هو كلام أبي عبيدة أيضًا واستشهد بقول ذي الرّمّة يصيبك وجهها وهجٌ أليم ثمّ ذكر حديث بن مسعودٍ من حلف يمين صبرٍ وفيه قول الأشعث إنّ قوله تعالى إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنا قليلا نزلت فيه وفي خصمه حين تحاكما في البئر وحديث عبد اللّه بن أبي أوفى أنّها نزلت في رجلٍ أقام سلعةً في السّوق فحلف لقد أعطى بها ما لم يعطه وقد تقدّما جميعًا في الشّهادات وأنّه لا منافاة بينهما ويحمل على أنّ النّزول كان بالسّببين جميعًا ولفظ الآية أعمّ من ذلك ولهذا وقع في صدر حديث بن مسعودٍ ما يقتضي ذلك وذكر الطّبريّ من طريق عكرمة أنّ الآية نزلت في حييّ بن أخطب وكعب بن الأشرف وغيرهما من اليهود الّذين كتموا ما أنزل اللّه في التّوراة من شأن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقالوا وحلفوا أنّه من عند اللّه وقصّ الكلبيّ في تفسيره في ذلك قصّةً طويلةً وهي محتملةٌ أيضًا لكن المعتمد في ذلك ما ثبت في الصّحيح وسنذكر ما يتعلّق بحكم اليمين في كتاب الأيمان والنّذور إن شاء اللّه تعالى
قوله
- حدّثنا نصر بن عليٍّ هو الجهضميّ بجيمٍ ومعجمةٍ وعبد اللّه بن داود هو الخريبيّ بمعجمةٍ وموحّدةٍ مصغّرٌ قوله أنّ امرأتين سيأتي تسميتهما في كتاب الأيمان والنّذور مع شرح الحديث وإنّما أورده هنا لقول بن عبّاس اقرؤوا عليها أن الّذين يشترون بعهد الله الآية فإنّ فيه الإشارة إلى العمل بما دلّ عليه عموم الآية لا خصوص سبب نزولها وفيه أنّ الّذي تتوجّه عليه اليمين يوعظ بهذه الآية ونحوها قوله في بيتٍ وفي الحجرة كذا للأكثر بواو العطف وللأصيليّ وحده في بيتٍ أو في الحجرة بأو والأوّل هو الصّواب وسبب الخطأ في رواية الأصيليّ أنّ في السّياق حذفًا بيّنه بن السكن في روايته حيث جاء فيها في بيتٍ وفي الحجرة حدّاثٌ فالواو عاطفةٌ أو الجملة حاليّةٌ لكن المبتدأ محذوفٌ وحدّاثٌ بضمّ المهملة والتّشديد وآخره مثلّثةٌ أي ناسٌ يتحدّثون وحاصله أنّ المرأتين كانتا في البيت وكان في الحجرة المجاورة للبيت ناسٌ يتحدّثون فسقط المبتدأ من الرّواية فصار مشكلًا فعدل الرّاوي عن الواو إلى أو الّتي للتّرديد فرارًا من استحالة كون المرأتين في البيت وفي الحجرة معًا على أنّ دعوى الاستحالة مردودةٌ لأنّ له وجهًا ويكون من عطف الخاصّ على العامّ لأنّ الحجرة أخص من البيت لكن رواية بن السّكن أفصحت عن المراد فأغنت عن التّقدير وكذا ثبت مثله في رواية الإسماعيليّ واللّه أعلم). [فتح الباري: 8/213-214]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (3 - (بابٌ: {إنّ الّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلاً أولئك لا خلاق لهم} لا خير (آل عمران: 77)

أي: هذا باب في قوله تعالى: {إن الّذين يشترون} الآية. أي: يستبدلون (بعهد الله) بما عاهدوه عليه من الإيمان بالرسول المصدق لما معهم. قوله: (أيمانهم) أي: بما حلفوا به من قولهم، والله لنؤمنن به ولننصرنه. قوله: (ثمنا قليلا) هو عرض هذه الحياة الدّنيا الزائلة الفانية. قوله: (لا خلاق لهم) فسره البخاريّ قوله: لا خير لهم في الآخرة، ويقال: لا نصيب لهم.
أليمٌ مؤلمٌ موجعٌ من الألم وهو في موضع مفعلٍ
أشار بأن لفظ الميم الّذي وزنه فعيل بمعنى مؤلم على وزن مفعل. وهو معنى قوله: هو في موضع مفعل بكسر العين، كقول الشّاعر:
أمن ريحانة الدّاعي السّميع
فإن السّميع بمعنى المسمع. وقوله: موجع، تفسير قوله مؤلم.

- حدّثنا حجّاج بن منهالٍ حدّثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي وائلٍ عن عبد الله ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف يمين صبرٍ ليقتطع بها مال امرئ مسلمٍ لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديق ذلك {إنّ الّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} إلى آخر الآية قال فدخل الأشعث ابن قيسٍ وقال ما يحدّثكم أبو عبد الرّحمان قلنا كذا وكذا قال فيّ أنزلت كانت لي بئرٌ في أرض ابن عمٍّ لي قال النبيّ صلى الله عليه وسلم بيّنتك أو يمينه فقلت إذا يحلف يا رسول الله فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم من حلف على يمينٍ صبرٍ يقتطع بها مال امرئ مسلمٍ وهو فيها فاجرٌ لقي الله وهو عليه غضبانٌ.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري والأعمش سليمان، وأبو وائل شقيق بن سلمة.
والحديث قد مر في كتاب الشّهادات في باب مجرّد بعد: باب اليمين على المدّعي عليه فإنّه أخرجه هناك عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن أبي وائل إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك مستقصىً.
قوله: (من حلف يمين صبر) بإضافة يمين إلى صبر، وفي آخر الحديث على يمين صبر ويروى، من حلف يمينا صبرا، أي: يمينا ألزم بها وحبس عليها، وأصل الصّبر الحبس أو يحبس نفسه ليحلف. قوله: (غضبان) إطلاق الغضب على الله مجاز، والمراد لازمه وهو إيصال العقاب. قوله: (فدخل الأشعث) بالشين المعجمة والتّاء المثلّثة ابن قيس الكنديّ. قوله: (ما يحدثكم) أي: أي شيء يحدثكم أبو عبد الرّحمن، وهو كنية عبد الله بن مسعود. قوله: في (بكسر الفاء وتشديد الياء) قوله: (فاجر) أي: كاذب.

- حدّثنا عليٌّ هو ابن أبي هاشمٍ سمع هشيما أخبرنا العوّام بن حوشبٍ عن إبراهيم ابن عبد الرّحمان عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أنّ رجلاً أقام سلعةً في السّوق فحلف فيها لقد أعطي بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلاً من المسلمين فنزلت {إنّ الّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلاً} (آل عمران: 77) إلى آخر الآية.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة وعلي بن أبي هاشم البغداديّ من أفراده: وهشيم: مصغر هشيم بن بشير مصغر بشرّ الواسطيّ والعوام. بتشديد الواو بن حوشب: بفتح المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وفي آخره باء موحدة. والحديث قد مر في كتاب البيوع في: باب ما يكره من الحلف في البيع.
قوله: (لقد أعطى) على صيغة المجهول وكذا قوله: (ما لم يعطه) ولا منافاة بين هذا الحديث والحديث السّابق من حيث أن ذاك في البئر وهذا في السّلعة لأن الآية نزلت بالسببين جميعًا. ولفظ الآية عام يتناولهما وغيرهما، وقيل: لعلّ الآية لم تبلغ عبد الله بن أبي أوفى، إلّا عند إقامة السّلعة. فظن أنّها نزلت في ذلك.

73 - (حدثنا نصر بن عليّ بن نصر حدثنا عبد الله بن داود عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة أن امرأتين كانتا تخرزان في بيت أو في حجرة فخرجت إحداهما وقد أنفذ بإشفى في كفها فادعت على الأخرى فرفع إلى ابن عبّاس فقال ابن عبّاس قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم لو يعطى النّاس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم ذكروها باللّه واقرؤا عليها إن الّذين يشترون بعهد الله فذكروها فاعترفت فقال ابن عبّاس قال النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم اليمين على المدعى عليه) مطابقته للتّرجمة ظاهرة ونصر بن عليّ الجهضمي وعبد الله بن داود بن عامر المعروف بالخريبي كوفي الأصل سكن الخريبة محلّة بالبصرة وهو من أصحاب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وكان ثقة زاهدا يروي عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وهو يروي عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة والحديث مضى مختصرا في الرّهن والشّركة عن أبي نعيم وأخرجه بقيّة الجماعة وقد ذكرناه قوله أن امرأتين كانتا تخرزان من خرز الخف ونحوه يخرز بضم الرّاء وكسرها قوله في بيت أو في حجرة كذا بالشّكّ في رواية الأصيليّ وحده والحجرة بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبالراء قال ابن الأثير وهي الموضع المنفرد وفي المطالع وكل موضع حجر عليه بالحجارة فهو حجرة وقال الجوهري الحجرة حظيرة الإبل ومنه حجرة الدّار تقول أحجرت حجرة أي اتخذتها وفي رواية الأكثرين في بيت وفي حجرة بالواو دون أو الّتي للتشكيك قال بعضهم والأول هو الصّواب يعني الّذي بالواو وإنّما قال الأول لأن الّذي في نسخته ذكر بالواو أولا ثمّ ذكر بأو ونسب رواية أو الّتي للشّكّ إلى الخطأ ثمّ قال وسبب الخطأ أن في السّياق حذفا بينه ابن السكن في روايته جاء فيها في بيت وفي حجرة حداث فالواو عاطفة لكن المبتدأ محذوف وحداث بضم المهملة والتّشديد وآخره مثلّثة أي يتحدثون وحاصله أن المرأتين كانتا في البيت وكان في الحجرة المجاورة للبيت ناس يتحدثون فسقط المبتدأ من الرّواية فصار مشكلا فعدل الرّاوي عن الواو إلى أو الّتي للشّكّ فرارًا من استحالة كون المرأتين في البيت وفي الحجرة معًا انتهى قلت هذا تصرف عجيب وفيه تعسف من وجوه لا يحتاج إلى ارتكابها (الأول) أن نسبته رواية أو للشّكّ إلى الخطأ خطأ لأن كون أو للشّكّ مشهور في كلام العرب وليس فيه مانع هنا لا من جهة اللّفظ ولا من جهة المعنى (الثّاني) أن قوله فالواو للعطف غير مسلم هنا لفساد المعنى (الثّالث) دعواه أن المبتدأ محذوف لا دليل عليه لأن حذف المبتدأ إنّما يكون وجوبا أو جوازًا فلا مقتضى لواحد منهما هنا يعرفه من له يد في العربيّة (الرّابع) أنه ادّعى أن الواو للعطف ثمّ قال وحاصله أن المرأتين كانتا في البيت وكان في الحجرة المجاورة للبيت ناس يتحدثون فهذا ينادي بأعلى صوته أن الواو هنا ليست للعطف بل هي واو الحال (الخامس) أن قوله الحجرة المجاورة للبيت يحتاج إلى بيان أن تلك الحجرة كانت مجاورة للبيت فلم لا يجوز أن تكون الحجرة نفس البيت لأنا قد ذكرنا أن الحجرة موضع منفرد فلا مانع من أن يكون في البيت موضع منفرد (السّادس) أنه ادّعى استحالة كون المرأتين في البيت وفي الحجرة فلا استحالة هنا لجواز كون من كان في الحجرة وهي في البيت كونه في الحجرة والبيت ودعوى استحالة مثل هذا هو المحال قوله " وقد أنفذ بإشفى " الواو فيه للحال وقد للتحقيق وأنفذ من النّفاذ بالذّال المعجمة على صيغة المجهول والإشفى بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة وبالفاء مقصورا وهو مثل المسلة له مقبض يخرز بها الإسكاف قوله " فرفع " أي أمر المرأتين المذكورتين ورفع على صيغة المجهول قوله " لو يعطى " على صيغة المجهول قوله " فذكروها " الضّمير المنصوب فيه يرجع إلى لفظ الأخرى وهي المدعى عليها وهو بصيغة الأمر للجماعة وأراد بالتذكير تخويفها من اليمين لأن فيها هتك حرمة اسم الله عند الحلف الباطل وكذلك الضّمير في قوله عليها وفي قوله فذكروها وهو بفتح الكاف لأنّه جملة ماضية قوله " اليمين على المدعى عليه " يعني عند عدم بيّنة المدّعي وقال صاحب التّوضيح قوله " اليمين على المدعى عليه " أي فإن نكل حلف المدّعي قلت هذا الّذي قاله ليس معنى قول ابن عبّاس بل المعنى فيه أن المدعى عليه إذا رد اليمين على المدّعي لا يصح لأن اليمين وظيفة المدعى عليه فإذا نكل عن اليمين يلزمه ما يدعيه المدّعي ). [عمدة القاري: 18/140-142]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (3 - باب {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلًا أولئك لا خلاق لهم} لا خير {لهم في الآخرة ولهم عذابٌ أليمٌ} مؤلمٌ موجعٌ من الألم وهو في موضع مفعلٍ
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({إن الذين يشترون}) أي يستبدلون ({بعهد الله}) بما عاهدوا عليه من الإيمان بالرسول وذكر صفته للناس وبيان أمره ({وأيمانهم}) أي وبما حلفوا به من قولهم والله لنؤمنن به ({ثمنًا قليلًا}) متاع الدنيا ({أولئك لا خلاق}) أي (لا خير {لهم في الآخرة ولهم عذاب أليم}) [آل عمران: 77] أي (موّلم) أي (موجع) بكسر الجيم (من الألم وهو في موضع مفعل) بضم الميم وكسر العين وسقط لأبي ذر أولئك ولهم.
- حدّثنا حجّاج بن منهالٍ، حدّثنا أبو عوانة، عن الأعمش عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من حلف يمين صبرٍ ليقتطع بها مال امرئٍ مسلمٍ لقي اللّه وهو عليه غضبان» فأنزل اللّه تصديق ذلك {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلًا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} إلى آخر الآية. قال: فدخل الأشعث بن قيسٍ وقال: ما يحدّثكم أبو عبد الرّحمن قلنا: كذا وكذا قال فيّ أنزلت كانت لي بئرٌ في أرض ابن عمٍّ لي قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «بيّنتك أو يمينه» فقلت إذًا يحلف يا رسول اللّه فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «من حلف على يمين صبرٍ يقتطع بها مال امرئٍ مسلمٍ وهو فيها فاجرٌ لقي اللّه وهو عليه غضبانٌ».
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم السلمي البرساني البصري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم):
(من حلف يمين صبر) بإضافة يمين إلى صبر لما بينهما من الملابسة. قال عياض: أي أكره حتى حلف أو حلف جراءة وإقدامًا لقوله تعالى: {فما أصبرهم على النار} [البقرة: 175] (ليقتطع) وللكشميهني ليقطع بحذف الفوقية التي بعد القاف (بها مال امرئ مسلم) أو ذمي أو معاهد أو حقًا من حقوقهم (لقي الله وهو عليه غضبان) اسم فاعل من الغضب والمراد لازمه كالعذاب والانتقام (فأنزل الله تصديق ذلك {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا
أولئك لا خلاق لهم في الآخرة}) إلى آخر الآية.
(قال: فدخل الأشعث بن قيس) الكندي (وقال: ما يحدثكم) أي أي شيء يحدثكم
[إرشاد الساري: 7/53]
(أبو عبد الرحمن) عبد الله بن مسعود (قلنا: كذا وكذا قال فيّ) بكسر الفاء وتشديد التحتية (أنزلت) هذه الآية (كانت لي بئر في أرض ابن عم لي) اسمه معذان ولقبه الجفشيش زاد أحمد من طريق عاصم بن أبي النجود عن شقيق في بئر كانت لي في يده فجحدني (قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: بينتك) أي الواجب بينتك أنها بئرك (أو يمينه فقلت: إذا يحلف) نصب بإذا (يا رسول الله فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: من حلف على) محلوف (يمين صبر) خفض بالإضافة كالأولى وسماه يمينًا مجازًا للملابسة بينهما والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه وإلا فهو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه فيكون من مجاز الاستعارة (يقتطع) في موضع الحال وللكشميهني ليقتطع أي لأجل أن يقتطع (بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر) غير جاهل ولا ناس ولا مكره (لقي الله وهو عليه غضبان) فينتقم منه.
وهذا الحديث قد سبق في كتاب الشهادات.
- حدّثنا عليٌّ هو ابن أبي هاشمٍ سمع هشيمًا أخبرنا العوّام بن حوشبٍ، عن إبراهيم بن عبد الرّحمن، عن عبد اللّه بن أبي أوفى -رضي الله عنهما-، أنّ رجلًا أقام سلعةً في السّوق فحلف فيها لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلًا من المسلمين فنزلت: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلًا} [آل عمران: 77] إلى آخر الآية.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (عليّ هو ابن أبي هاشم) البغدادي وسقط لأبي ذر لفظة هو (سمع هشيمًا) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير بضم الموحدة وفتح المعجمة مصغرين الواسطي يقول (أخبرنا العوّام) بتشديد الواو (ابن حوشب) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وبعد المعجمة المفتوحة موحدة (عن إبراهيم بن عبد الرحمن) السكسكي (عن عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والفاء (رضي الله تعالى عنهما أن رجلًا) لم يسم (أقام سلعة في السوق) أي روجها فيه (فحلف فيها) بالله (لقد أعطى) بفتح الهمزة والطاء (بها) أي بدلها وللكشميهني فيها (ما لم يعطه) بكسر الطاء ويجوز ضم الهمزة وكسر الطاء من قوله لقد أعطي أي دفع له فيها من المستامين ما لم يعط بفتح الطاء. وفي الفرع ويصله أعطى بفتح الهمزة والطاء مصححًا عليها ويعطه بفتح الطاء وضم الهاء وفي الهامش يتجه فتح الهمزة وضمها وفتح الطاء مع ضم الهمزة وكسرها مع فتح الهمزة قاله بعض الحفاظ اهـ.
(ليوقع فيها رجلًا من المسلمين) ممن يريد الشراء (فنزلت) هذه الآية: ({إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا} إلى آخر الآية).
وقد مرّ هذا الحديث في باب ما يكره من الحلف في البيع في كتاب البيع.
- حدّثنا نصر بن عليّ بن نصرٍ، حدّثنا عبد اللّه بن داود، عن ابن جريجٍ عن ابن أبي مليكة، أنّ امرأتين كانتا تخرزان في بيتٍ أو في الحجرة، فخرجت إحداهما وقد أنفذ بإشفى في كفّها فادّعت على الأخرى فرفع إلى ابن عبّاسٍ، فقال ابن عبّاسٍ: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لو يعطى النّاس بدعواهم لذهب دماء قومٍ وأموالهم» ذكّروها باللّه واقرءوا عليها {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه} فذكّروها فاعترفت فقال ابن عبّاسٍ: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «اليمين على المدّعى عليه».
وبه قال: (حدّثنا نصر بن علي بن نصر) الجهضمي قال: (حدّثنا عبد الله بن داود) بن عامر الخريبي نسبة إلى خريبة بالخاء المعجمة والموحدة مصغرًا محلة بالبصرة كان سكنها وهو كوفي الأصل (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (أن امرأتين) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمهما (كانتا تخرزان) بفتح الفوقية وسكون المعجمة وبعد الراء المكسورة زاي معجمة من خرز الخف ونحوه يخرزه بضم الراء وكسرها (في بيت أو في الحجرة) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبالراء الموضع المنفرد من الدار وفي الفرع فقط أو في الحجر بكسر الحاء وسكون الجيم وإسقاط الهاء والشك من الراوي، وأفاد الحافظ ابن حجر أن هذه رواية الأصيلي وحده، وأن رواية الأكثرين في بيت وفي الحجرة بواو العطف وصوبها. وقال: إن سبب الخطأ في رواية الأصيلي أن في السياق حذفًا بينه ابن السكن في روايته حيث جاء فيها في بيت وفي الحجرة حدّاث بضم الحاء المهملة وتشديد الدال وآخره مثلثة أي ناس يتحدّثون قال فالواو عاطفة لكن المبتدأ محذوف، ثم قال: وحاصله أن المرأتين كانتا في البيت وكان في الحجرة المجاورة للبيت ناس يتحدّثون فسقط المبتدأ من الرواية فصار مشكلًا فعدل الراوي عن الواو إلى أو التي للترديد فرارًا من استحالة كون المرأتين في البيت وفي الحجرة معًا اهـ.
وتعقبه العيني بأن كون أو للشك مشهور في كلام العرب وليس فيه مانع هنا وبأن كون الواو للعطف غير مسلم لفساد المعنى وبأنه لا دلالة هنا على حذف المبتدأ وكون الحجرة كانت مجاورة للبيت فيه نظر إذ يجوز أن تكون داخلة فيه وحينئذٍ فلا استحالة في أن تكون المرأتان فيهما معًا اهـ فليتأمل ما في الكلامين مع ما في رواية ابن السكن من الزيادة المشار إليها.
(فخرجت إحداهما) أي إحدى المرأتين من البيت أو الحجرة، وفي المصابيح وللأصيلي فجرحت بجيم مضمومة فراء مكسورة فحاء مهملة مبنيًّا للمفعول (وقد أنفذ) بضم الهمزة وسكون النون وبعد الفاء المكسورة ذال معجمة والواو للحال وقد للتحقيق (بإشفى) بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة وبالفاء المنوّنة ولأبي ذر: باشفى بترك التنوين مقصورًا آلة الخرز للإسكاف (في كفها فادّعت على الأخرى) أنها أنفذت الإشفي في كفها (فرفع) بضم الراء مبنيًا للمفعول أمرها (إلى ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (فقال ابن عباس: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم):
(لو يعطى الناس بدعواهم) أي بمجرد إخبارهم عن لزوم حق لهم على آخرين عند حاكم
(لذهب دماء قوم وأموالهم) ولا يتمكن المدعى عليه من صون دمه وماله، ووجه الملازمة في هذا القياس الشرطي أن الدعوى بمجردها إذا قبلت فلا فرق فيها بين الدماء والأموال وغيرهما وبطلان اللازم ظاهر لأنه ظلم، ثم قال ابن عباس: (ذكروها بالله) أي خوّفوا المرأة الأخرى المدعى عليها من اليمين الفاجرة وما فيها من الاستخفاف (واقرؤوا عليها) قوله تعالى: ({إن الذين يشترون بعهد الله}) الآية. والموعود عليه حرمان الثواب ووقوع العقاب من خمسة أوجه وعدم الخلاق في الآخرة وهو النصيب في الخير مشروط بعدم التوبة بالإجماع وعندنا بعدم العفو أيضًا لقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك} [النساء: 48] وعدم الكلام عبارة عن شدّة السخط نعوذ بالله منه فلا يشكل بقوله: {ولنسألنهم أجمعين} [الحجر: 92] وقيل: لا يكلمهم كلامًا يسرهم، ولعله أولى لأنه تخصيص وهو خير من المجاز وعدم النظر مجاز عن عدم المبالاة والإهانة للغضب يقال: فلان غير منظور لفلان أي غير ملتفت إليه ومعنى عدم التزكية عدم التطهير من دنس المعاصي والآثام أو عدم الثناء عليهم والعذاب الأليم الموّلم ومن الجملة الاسمية يستفاد دوامه قاله بعض المحققين من المفسرين.
(فذكروها) بفتح الكاف جملة ماضية ولأبي ذر: فذكرها بالإفراد (فاعترفت) بأنها أنفذت الإشفى في كف صاحبتها (فقال ابن عباس: قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: اليمين على المدعى عليه) أي إذا لم تكن بيّنة لدفع ما ادعى به عليه، وعند البيهقي بإسناد جيد لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر نعم قد تجعل اليمين في جانب المدعي في مواضع تستثنى لدليل كالقسامة كما وقع التصريح باستثنائها في حديث عمرو بن سعيد عن أبيه عن جده عند الدارقطني والبيهقي.
وهذا الحديث قد مضى في الرهن والشركة مختصرًا وقد أخرجه بقية الجماعة). [إرشاد الساري: 7/53-55]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: من حلف على يمينٍ وهو فيها فاجرٌ ليقتطع بها مال امرئٍ مسلمٍ، لقي اللّه وهو عليه غضبان، فقال الأشعث بن قيسٍ: فيّ واللّه كان ذلك، كان بيني وبين رجلٍ من اليهود أرضٌ فجحدني، فقدّمته إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال لي رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: ألك بيّنةٌ؟ فقلت: لا، فقال لليهوديّ: احلف فقلت: يا رسول الله إذن يحلف فيذهب بمالي، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {إنّ الّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلاً} إلى آخر الآية.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وفي الباب عن ابن أبي أوفى). [سنن الترمذي: 5/74]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إنّ الّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا}
- أخبرنا الهيثم بن أيّوب، حدّثنا يحيى بن زكريّا، عن الأعمش، عن شقيقٍ، قال: قال ابن مسعودٍ: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من حلف على يمينٍ يقطع بها مالًا لقي الله وهو عليه غضبان، وتصديقه في كتاب الله تعالى {إنّ الّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} [آل عمران: 77] قال: فجاء الأشعث بن قيسٍ فقال: ما يحدّثكم أبو عبد الرّحمن؟ قلنا: كذا وكذا، قال: صدق والله، أنزلت فيّ وفي فلان بن فلانٍ، كانت بيني وبينه خصومةٌ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «شهودك أو يمينه» قلت: إذًا يحلف، قال: «من حلف على يمينٍ يقطع بها مالًا وهو فيها كاذبٌ لقي الله وهو عليه غضبان» فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية
- أخبرنا محمّد بن بشّارٍ، عن محمّدٍ، حدّثنا شعبة، عن عليّ بن مدركٍ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جريرٍ، عن خرشة بن الحرّ، عن أبي ذرٍّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثةٌ لا يكلّمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكّيهم، ولهم عذابٌ أليم» قال أبو ذرٍّ: خابوا وخسروا، قال: «المسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، والمنّان عطاءه»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/21]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إنّ الّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا}
- أخبرنا الهيثم بن أيّوب، حدّثنا يحيى بن زكريّا، عن الأعمش، عن شقيقٍ، قال عبد الله: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من حلف على يمينٍ يقطع بها مالًا لقي الله وهو عليه غضبان، وتصديقه في كتاب الله {إنّ الّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} [آل عمران: 77] فجاء الأشعث بن قيسٍ فقال: ما يحدّثكم أبو عبد الرّحمن؟ فقلنا: كذا وكذا، فقال: والله لأنزلت فيّ وفي فلانٍ كانت بيني وبينه خصومةٌ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «شهودك أو يمينه» قلت: إذن يحلف، قال: «من حلف على يمينٍ يقطع بها مالًا وهو فيها كاذبٌ، لقي الله وهو عليه غضبان» وأنزل الله عزّ وجلّ الآية "
[السنن الكبرى للنسائي: 10/42]
10997 - أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، أخبرنا عبد الواحد بن زيادٍ، عن إسماعيل بن سميعٍ، حدّثنا مسلمٌ البطين، وعبد الملك بن أعين، عن أبي وائلٍ، قال: قال ابن مسعودٍ: " نزلت هذه الآية {إنّ الّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا} [آل عمران: 77] إلى آخر الآية، ثمّ لم ينسخها شيءٌ، فمن اقتطع مال امرئٍ مسلمٍ بيمينه فهو من أهل هذه الآية "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/42]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: إنّ الّذين يستبدلون بتركهم عهد اللّه الّذي عهد إليهم، ووصيّته الّتي أوصاهم بها في الكتب الّتي أنزلها اللّه إلى أنبيائه باتّباع محمّدٍ وتصديقه، والإقرار به، وما جاء به من عند اللّه وبأيمانهم الكاذبة الّتي يستحلّون بها ما حرّم اللّه عليهم من أموال النّاس الّتي اؤتمنوا عليها ثمنًا، يعني عوضًا وبدلا قليلا يقول خسيسًا من عرض الدّنيا وحطامها {أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} يقول: فإنّ الّذين يفعلون ذلك لا حظّ لهم في خيرات الآخرة، ولا نصيب لهم من نعيم الجنّة، وما أعدّ اللّه لأهلها فيها دون غيرهم.
وقد بيّنّا اختلاف أهل التّأويل فيما مضى في معنى الخلاق، ودلّلنا على أولى أقوالهم في ذلك بالصّواب بما فيه الكفاية.
وأمّا قوله: {ولا يكلّمهم اللّه} فإنّه يعني: ولا يكلّمهم اللّه بما يسرّهم ولا ينظر إليهم، يقول: ولا يعطف عليهم بخيرٍ مقتًا من اللّه لهم كقول القائل لآخر: انظر إليّ نظر اللّه إليك، بمعنى: تعطّف عليّ تعطّف اللّه عليك بخيرٍ ورحمةٍ، وكما يقال للرّجل: لا سمع اللّه لك دعاءك، يراد: لا استجاب اللّه لك، واللّه لا يخفى عليه خافيةٌ، وكما قال الشّاعر:
دعوت اللّه حتّى خفت أن لا = يكون اللّه يسمع ما أقول
وقوله {ولا يزكّيهم} يعني: ولا يطهّرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم، {ولهم عذابٌ أليمٌ} يعني: ولهم عذابٌ موجعٌ.
واختلف أهل التّأويل في السّبب الّذي من أجله أنزلت هذه الآية، ومن عني بها، فقال بعضهم: نزلت في أحبارٍ من أحبار اليهود.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، قال: نزلت هذه الآية: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلاً} في أبي رافعٍ وكنانة بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وحييّ بن أخطب.
وقال آخرون: بل نزلت في الأشعث بن قيسٍ وخصمٍ له.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أبو السّائب سلم بن جنادة، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من حلف على يمينٍ هو فيها فاجرٌ ليقتطع بها مال امرئٍ مسلمٍ، لقي اللّه وهو عليه غضبان فقال الأشعث بن قيسٍ: فيّ واللّه كان ذلك، كان بيني وبين رجلٍ من اليهود أرضٌ، فجحدني، فقدّمته إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ألك بيّنةٌ؟ قلت: لا، فقال لليهوديّ: احلف قلت: يا رسول اللّه إذن يحلف فيذهب مالي، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلاً} الآية..
- حدّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا جرير بن حازمٍ، عن عديّ بن عديٍّ، عن رجاء بن حيوة، والعرس، أنّهما حدّثاه عن أبيه عديّ بن عميرة، قال: كان بين امرئ القيس ورجلٍ من حضرموت خصومةٌ، فارتفعا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال للحضرميّ: بيّنتك وإلا فيمينه
قال: يا رسول اللّه إن حلف ذهب بأرضي، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من حلف على يمينٍ كاذبةٍ ليقتطع بها حقّ أخيه لقي اللّه وهو عليه غضبان، فقال امرؤ القيس: يا رسول اللّه، فما لمن تركها وهو يعلم أنّها حقٌّ؟ قال: الجنّة، قال: فإنّي أشهدك أنّي قد تركتها، قال جريرٌ: فكنت مع أيّوب السّختيانيّ حين سمعنا هذا الحديث من عديٍّ، فقال أيّوب: إنّ عديًّا قال في حديث العرس بن عميرة: فنزلت هذه الآية: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلاً} إلى آخر الآية، قال جريرٌ: ولم أحفظ يومئذٍ من عديٍّ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال آخرون: إنّ الأشعث بن قيسٍ اختصم هو ورجلٌ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أرضٍ كانت في يده لذلك الرّجل أخذها لتعزّزه في الجاهليّة، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أقم بيّنتك قال الرّجل: ليس يشهد لي أحدٌ على الأشعث، قال: فلك يمينه. فقام الأشعث ليحلف، فأنزل اللّه عزّ وجلّ هذه الآية، فنكل الأشعث وقال: إنّي أشهد اللّه وأشهدكم أنّ خصمي صادقٌ، فردّ إليه أرضه، وزاده من أرض نفسه زيادةً كثيرةً، مخافة أن يبقى في يده شيءٌ من حقّه، فهي لعقب ذلك الرّجل بعده.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن شقيقٍ، عن عبد اللّه، قال: من حلف على يمينٍ يستحقّ بها مالاً هو فيها فاجرٌ لقي اللّه وهو عليه غضبان، ثمّ أنزل اللّه تصديق ذلك: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلاً} الآية، ثمّ إنّ الأشعث بن قيسٍ خرج إلينا، فقال: ما حدّثكم أبو عبد الرّحمن؟ فحدّثناه بما قال، فقال: صدق لفيّ أنزلت، كانت بيني وبين رجلٍ خصومةٌ في بئرٍ، فاختصمنا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: شاهداك أو يمينه فقلت: إذًا يحلف ولا يبالي، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: من حلف على يمينٍ يستحقّ بها مالاً هو فيها فاجرٌ لقي اللّه وهو عليه غضبان، ثمّ أنزل اللّه عزّ وجلّ تصديق ذلك: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلاً} الآية.
وقال آخرون بما:
- حدّثنا به محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: أخبرني داود بن أبي هند، عن عامرٍ أنّ رجلاً، أقام سلعته أوّل النّهار، فلمّا كان آخره جاء رجلٌ يساومه، فحلف لقد منعها أوّل النّهار من كذا، ولولا المساء ما باعها به فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلاً}
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلاً} الآية، إلى: {ولهم عذابٌ أليمٌ} أنزلهم اللّه بمنزلة السّحرة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، أنّ عمران بن حصينٍ، كان يقول: من حلف على يمينٍ فاجرةٍ يقتطع بها مال أخيه فليتبوّأ مقعده من النّار، فقال له قائلٌ: شيءٌ سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال لهم: إنّكم لتجدون ذلك، ثمّ قرأ هذه الآية: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلاً} الآية.
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، قال: حدّثنا حسين بن عليٍّ، عن زائدة، عن هشامٍ، قال: قال محمّدٌ، عن عمران بن حصينٍ: من حلف على يمينٍ مصبورةٍ فليتبوّأ بوجهه مقعده من النّار، ثمّ قرأ هذه الآية كلّها: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، قال: إنّ اليمين الفاجرة من الكبائر، ثمّ تلا: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ، كان يقول: كنّا نرى ونحن مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ من الذّنب الّذي لا يغفر يمين الصّبر إذا فجر فيها صاحبها). [جامع البيان: 5/515-521]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلًا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ (77)
قوله تعالى: إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا محمّد بن عبيدٍ يعني الطّنافسيّ، حدّثني واقدٌ بيّاع الغنم، عن إبراهيم النّخعيّ قال: من قرأ القرآن يتآكل النّاس به أتى اللّه يوم القيامة ووجهه بين كتفيه ذلك بأنّ اللّه يقول: إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا
قوله تعالى: إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثني عمّار بن محمّدٍ، عن منصور بن المعتمر، عن شقيق بن سلمة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ: كنّا معه في المسجد جلوسًا، فقال: من حلف على يمينٍ ليستحقّ بها مالا وهو فيها فاجرٌ، لقي اللّه وهو عليه غضبان، وبيان ذلك في القرآن إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا إلى آخر الآية قال: فجاء الأشعث بن قيسٍ على تلك الحال فقال: فيّ واللّه نزلت هذه الآية، كان بيني وبين رجلٍ حقٌّ في بئرٍ، فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: شاهداك وإلا فيمينه. قال: فقلت: واللّه إذا يا رسول الله، إذا واللّه يحلف على يمينٍ وهو فيها فاجرٌ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من حلف على يمينٍ ليستحقّ بها مالا وهو فيها فاجرٌ لقي اللّه وهو عليه غضبان، فنزل في القرآن إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا إلى آخر الآية.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن عرفة، ثنا هشيمٌ، أنبأ العوّام يعني ابن حوشبٍ، عن إبراهيم بن عبد الرّحمن يعني: السّكسكيّ، عن عبد اللّه بن أبي أوفى أنّ رجلا أقام سلعةً له في السّوق فحلف باللّه لقد أعطى بها ما لم يعطه، ليوقع فيها رجلا من المسلمين، فنزلت هذه الآية إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا إلى آخر الآية.
قوله تعالى: أولئك لا خلاق لهم في الآخرة
[الوجه الأوّل]
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، ثنا الرّبيع بن أنسٍ، عن قيس ابن عبّادٍ، عن ابن عبّاسٍ يعني قوله: لا خلاق لهم في الآخرة يقول:
نصيبٌ. قال أبو محمّدٍ: وروي عن مجاهدٍ والسّدّيّ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن قتادة في قوله: لا خلاق لهم في الآخرة قال: ليس لهم في الآخرة جهةٌ عند اللّه. قال معمرٌ: وقال الحسن: ليس له دينٌ.
قوله تعالى: ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم
[الوجه الأول]
- أخبرنا يونس بن الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني يحيى بن أيّوب عن زيّان بن فائدٍ، عن سهل بن معاذٍ، عن أبيه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: من العباد عبادٌ لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكّيهم، ولا يطهّرهم، ولا ينظر إليهم. قالوا: من أولئك يا رسول اللّه؟ قال: المتبرّئ من والديه رغبةً عنهما، والمتبرّئ من ولده، ورجلٌ أنعم عليه قومٌ فكفر نعمتهم وتبرّأ منهم.
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ثلاثةٌ لا يكلّمهم اللّه، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ رجلٌ منع ابن السّبيل فضل ماءٍ عنده، ورجلٌ حلف على سلعةٍ بعد العصر كاذبًا فصدّقة فاشتراها بقوله، ورجلٌ بايع إمامًا فإن أعطاه وفّى له، وإن لم يعطه لم يف له.
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، وأبو سعيدٍ الأشجّ، وعمرٌو الأوديّ قالوا: ثنا وكيعٌ، ثنا الأعمش، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ثلاثةٌ لا يكلّمهم اللّه، ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ: شيخٌ زانٍ، وملكٌ كذّابٌ، وعائلٌ مستكبرٌ
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ فقال:
هؤلاء أقوامٌ باعوا خلاقهم بالدّنيا فقال: أنبأكم اللّه كيف يصنع بهم
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد المصفّى، ثنا بقيّة، حدّثني أرطأة بن المنذر، عن أبي بشرٍ، عن أبي مسعودٍ، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
ثلاثةٌ في المنسا تحت قدم الرّحمن يوم القيامة لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة... ولا ينظر إليهم،... ولا يزكّيهم فقلت: يا رسول اللّه: من هم؟ جلّهم لنا. قال: المكذّب بأقدار اللّه، ومدمن الخمر، والمتبرّئ من ولده.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: عذابٌ أليمٌ يقول نكالٌ موجعٌ.
قوله تعالى: أليم
آية رقم 21 قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 2/686-688]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 77.
أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأحمد، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان، فقال الأشعث بن قيس:
في - والله - كان ذلك كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال لي رسول اله صلى الله عليه وسلم: ألك بينة، قلت: لا، فقال لليهودي: احلف، فقلت: يا رسول الله إذن يحلف فيذهب مالي، فأنزل الله {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} إلى آخر الآية.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا أقام سلعة له في السوق فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين، فنزلت هذه الآية {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} إلى آخر الآية، واخرج أحمد، وعبد بن حميد والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب، وابن عساكر عن عدي بن بحيرة قال كان بين امرئ القيس ورجل من حضرموت خصومة فارتفعا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال للحضرمي: بينتك وإلا فيمينه قال: يا رسول الله إن حلف ذهب بأرضي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها حق أخيه لقي الله وهو عليه غضبان، فقال امرؤ القيس: يا رسول الله فما لمن تركها وهو يعلم أنها حق قال: الجنة، فقال: أشهدك أني قد تركتها، فنزلت هذه الآية {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} إلى آخر الآية، لفظ ابن جرير.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج أن الأشعث بن قيس اختصم هو ورجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض كانت في يده لذلك الرجل أخذها في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقم بينتك قال الرجل: ليس يشهد لي أحد على الأشعث قال: فلك يمينه فقال الأشعث: نحلف، فأنزل الله {إن الذين يشترون بعهد الله} الآية، فنكل الأشعث وقال: إني أشهد الله وأشهدكم أن خصمي صادق فرد إليه أرضه وزاده من أرض نفسه زيادة كثيرة.
وأخرج ابن جرير عن الشعبي أن رجلا أقام سلعته من أول النهار فلما كان آخره جاء رجل يساومه فحلف لقد منعها أول النهار من كذا ولولا المساء ما باعها به، فأنزل الله {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا}، واخرج ابن جرير عن مجاهد، نحوه
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال: نزلت هذه الآية {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا}
في أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وحيي بن أخطب، واخرج ابن أبي شيبة من طريق ابن عون عن إبراهيم ومحمد والحسن في قوله {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} قالوا: هو الرجل يقتطع مال الرجل بيمينه.
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي عن وائل بن حجر قال جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا قد غلبني على أرض كانت لأبي، قال الكندي: هي أرض كانت في يدي أزرعها ليس له فيها حق فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم للحضرمي: ألك بينة قال: لا، قال: فلك يمينه فقال: يا رسول الله إن الرجل فاجر لا يبالي ما حلف عليه وليس يتورع عن شيء فقال: ليس لك منه إلا ذلك فانطلق ليحلف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أدبر: لئن حلف على مال ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض.
وأخرج أبو داود، وابن ماجة عن الأشعث بن قيس أن رجلا من كندة وآخر من حضرموت اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض من اليمن فقال الحضرمي: يا رسول الله إن أرضي اغتصبها أبو هذا وهي في يده فقال: هل لك بينة قال: لا ولكن أحلفه والله ما يعلم أنها أرضي اغتصبها أبوه، فتهيأ الكندي لليمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقتطع أحد مالا بيمين إلا لقي الله وهو أجذم فقال الكندي: هي أرضه.
وأخرج أحمد والبزار وأبو يعلى والطبراني بسند حسن عن أبي موسى قال: اختصم رجلان إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في أرض أحدهما من حضرموت فجعل يمين أحدهما فضج الآخر وقال: إذن يذهب بأرضي فقال: إن هو اقتطعها بيمينه ظلما كان ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم قال: وورع الآخر فردها.
وأخرج أحمد بن منيع في مسنده والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن ابن مسعود قال: كنا نعد من الذنب الذي ليس له كفارة اليمين الغموس قيل: وما اليمين الغموس فقال: الرجل يقتطع بيمينه مال الرجل.
وأخرج ابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن الحرث بن البرصاء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج بين الجمرتين وهو يقول: من اقتطع مال أخيه بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار ليبلغ شاهدكم غائبكم مرتين أو ثلاثا.
وأخرج البزار عن عبد الرحمن بن عوف أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: اليمين الفاجرة تذهب بالمال.
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس مما عصي الله به هو أعجل عقابا من البغي وما من شيء أطيع الله فيه أسرع ثوابا من الصلة، واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع.
وأخرج الحرث بن أبي أسامة والحاكم وصححه عن كعب بن مالك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين كاذبة كانت نكتة سوداء في قلبه لا يغيرها شيء إلى يوم القيامة.
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه، عن جابر بن عتيك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اقتطع مال مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار، فقيل: يا رسول الله وإن شيئا يسيرا قال: وإن سواكا
وأخرج مالك، وابن سعد وأحمد ومسلم والنسائي، وابن ماجة عن أبي أمامة إياس ابن ثعلبة الحارثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم الله عليه الجنة، قالوا: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله قال: وإن كان قضيبا من أراك ثلاثا.
وأخرج ابن ماجة بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحلف عند هذا المنبر عبد ولا أمة على يمين آثمة ولو على سواك رطبة إلا وجبت له النار، واخرج ابن ماجة، وابن حبان، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين آثمة عند منبري هذا فليتبوأ مقعده من النار ولو على سواك أخضر، قال أبو عبيد والخطابي: كانت اليمين على عهده صلى الله عليه وسلم عند المنبر.
وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن اليمين الكاذبة تنفق السلعة وتمحق الكسب.
وأخرج عبد الرزاق عن أبي سويد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن اليمين الفاجرة تعقم الرحم وتقل العدد وتدع الديار بلاقع
وأخرج البخاري ومسلم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: رجل حلف يمينا على مال مسلم فاقتطعه ورجل حلف على يمين بعد العصر أنه أعطي بسلعته أكثر مما أعطي وهو كاذب ورجل منع فضل ماء فإن الله سبحانه يقول: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وأبو داود، وابن جرير والحاكم وصححه عن عمران بن حصين أنه كان يقول: من حلف على يمين فاجرة يقتطع بها مال أخيه فليتبوأ مقعده من النار، فقال له قائل: شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: إنكم لتجدون ذلك ثم قرأ {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم} الآية، واخرج البخاري عن ابن أبي مليكة أن امرأتين كانتا تخرزان في بيت فخرجت إحداهما وقد أنفذ باشفاء في كفها فادعت على الأخرى فرفع إلى ابن عباس فقال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم ذكروها بالله واقرووا عليها {إن الذين يشترون بعهد الله} الآية، فذكروها فاعترفت، واخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن المسيب قال: إن اليمين الفاجرة من الكبائر، ثم تلا {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا}، واخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: كنا نرى ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من الذنب الذي لا يغفر يمين فجر فيها صاحبها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي قال: من قرأ القرآن يتأكل الناس به أتى الله يوم القيامة ووجهه بين كتفيه وذلك بأن الله يقول {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا}.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن زاذان قال: من قرأ القرآن يأخذ به جاء يوم القيامة ووجهه عظم عليه لحم.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود الترمذي والنسائي، وابن ماجة والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره والمنفق سلعته بالحلف الكاذب والمنان.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي، وابن ماجة، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل منع ابن السبيل فضل ماء عنده ورجل حلف على سلعة بعد العصر كاذبا فصدقه فاشتراها بقوله ورجل بايع إماما فإن أعطاه وفى له وإن لم يعطه لم يف له.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن سلمان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشمط زان وعائل مستكبر ورجل جعل الله له بضاعة فلا يبيع إلا بيمينه ولا يشتري إلا بيمينه.
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه الأرض وعنقه منثن تحت العرش وهو يقول: سبحانك ما أعظمك ربنا فيرد عليه ما علم ذلك من حلف بي كاذبا). [الدر المنثور: 3/631-641]

تفسير قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا ابن عيينة عن عبد الملك بن أعين عن أبي وائل عن ابن مسعود عن النبي قال ما من رجل يقتطع مالا بيمين فاجرة إلا لقي الله عليه غضبان). [تفسير عبد الرزاق: 1/124]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّ منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وإنّ من أهل الكتاب، وهم اليهود الّذين كانوا حوالي مدينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، على عهده من بني إسرائيل.
والهاء والميم في قوله: {منهم} عائدةٌ على أهل الكتاب الّذين ذكرهم في قوله: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ يؤدّه إليك}.
وقوله: {لفريقًا} يعني جماعةً {يلوون} يعني: يحرّفون {ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب} يعني: لتظنّوا أنّ الّذي يحرّفونه بكلامهم من كتاب اللّه وتنزيله، يقول اللّه عزّ وجلّ: وما ذلك الّذي لووا به ألسنتهم، فحرّفوه وأحدثوه من كتاب اللّه، ويزعمون أنّ ما لووا به ألسنتهم من التّحريف والكذب والباطل فألحقوه في كتاب اللّه من عند اللّه، يقول: ممّا أنزله اللّه على أنبيائه، وما هو من عند اللّه، يقول: وما ذلك الّذي لووا به ألسنتهم، فأحدثوه ممّا أنزله اللّه إلى أحدٍ من أنبيائه ولكنّه ممّا أحدثوه من قبل أنفسهم، افتراءً على اللّه، يقول عزّ وجلّ: {ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون} يعني بذلك: أنّهم يتعمّدون قيل الكذب على اللّه، والشّهادة عليه بالباطل، والإلحاق بكتاب اللّه ما ليس منه طلبًا للرّياسة والخسيس من حطام الدّنيا
وبنحو ما قلنا في معنى: {يلوون ألسنتهم بالكتاب} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإنّ منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب} قال: يحرّفونه
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وإنّ منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب} حتّى بلغ: {وهم يعلمون} هم أعداء اللّه اليهود حرّفوا كتاب اللّه وابتدعوا فيه، وزعموا أنّه من عند اللّه
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإنّ منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب} وهم اليهود كانوا يزيدون في كتاب اللّه ما لم ينزّل اللّه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {وإنّ منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب} قال: فريقٌ من أهل الكتاب يلوون ألسنتهم، وذلك تحريفهم إيّاه عن موضعه.
وأصل اللّيّ: الفتل والقلب، من قول القائل: لوى فلانٌ يد فلانٍ: إذا فتلها وقلبها ومنه قول الشّاعر:
لوى يده اللّه الّذي هو غالبه
يقال منه: لوى يده ولسانه يلوي ليًّا، وما لوى ظهر فلانٍ أحدٌ: إذا لم يصرعه أحدٌ، ولم يفتل ظهره إنسانٌ، وإنّه لألوى بعيد المستمرّ: إذا كان شديد الخصومة صابرًا عليها لا يغلب فيها، قال الشّاعر:
فلو كان في ليلى شدًا من خصومةٍ = للوّيت أعناق الخصوم الملاويا). [جامع البيان: 5/521-523]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإنّ منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون (78)
قوله تعالى: وإنّ منهم لفريقا
[الوجه الأول]
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني الحسين عمّي، حدّثني أبي عن جدّي، عن ابن عبّاسٍ قوله: وإنّ منهم لفريقًا وهم اليهود. قال أبو محمّدٍ: وروي عن الرّبيع بن أنسٍ وقتادة نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ حدّثني عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: وإنّ منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب قال: هم أهل الكتاب كلّهم.
قوله تعالى: يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب
[الوجه الأول]
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، عن أبيه عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ قوله: يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وهم اليهود كانوا يزيدون في كتاب اللّه ما لم ينزل اللّه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: وإنّ منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب قال: يحرّفونه. قال أبو محمّدٍ وروي عن الشّعبيّ والحسن، وقتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
قوله تعالى: ويقولون هو من عند الله وما هو من عند اللّه
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ أنّه سمع وهبًا يقول: إنّ التّوراة والإنجيل كما أنزلهما اللّه لم يغيّر منهما حرفٌ ولكنّهم يضلّون بالتّحريف والتّأويل، وكتبٌ كانوا يكتبونها من عند أنفسهم، ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه فأمّا كتب اللّه فإنّها محفوظةٌ لا تحوّل
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه قال:
هم أعداء اللّه اليهود حرّفوا كتاب اللّه، وابتدعوا فيه، وزعموا أنّه من عند الله.
قوله تعالى: ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون قال: هم أهل الكتاب كلّهم قد كذبوا على اللّه، وحرّفوا الكلم عن مواضعه). [تفسير القرآن العظيم: 2/688-690]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يلوون ألسنتهم بالكتاب يعني يحرفونه). [تفسير مجاهد: 129]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 78.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب} قال: هم اليهود كانوا يزيدون في كتاب الله ما لم ينزل الله.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {يلوون ألسنتهم بالكتاب} قال: يحرفونه.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: إن التوراة والإنجيل كما أنزلها الله لم يغير منها حرف ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل وكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم {ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله} فأما كتب الله فهي محفوظة لا تحول). [الدر المنثور: 3/641]

تفسير قوله تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن منصور بن المعتمر عن أبي رزين في قوله تعالى كونوا ربانيين قال حلماء علماء). [تفسير عبد الرزاق: 1/125]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن إبراهيم في قوله: {كونوا ربانيين} قال: حكماء علماء [الآية: 79]). [تفسير الثوري: 78]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن أبي رزينٍ في قول اللّه تبارك وتعالى: {ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} قال: ربانيين حكماء وعلماء [الآية: 79]). [تفسير الثوري: 78]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا جريرٌ، عن منصورٍ، عن أبي رزين - في قوله عزّ وجلّ: {كونوا ربانيين} -، فقال: فقهاء علماء). [سنن سعيد بن منصور: 3/1061]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {كونوا ربّانيّين} قال: كونوا فقهاء علماء). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 101]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادًا لي من دون اللّه ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وما ينبغي لأحدٍ من البشر، والبشر: جمع بني آدم، لا واحد له من لفظه مثل القوم والخلق، وقد يكون اسمًا لواحدٍ {أن يؤتيه اللّه الكتاب} يقول: أن ينزل اللّه عليه كتابه، {والحكم} يعني: ويعلّمه فصل الحكمة، {والنّبوّة} يقول: ويعطيه النّبوّة، {ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادًا لي من دون اللّه} يعني: ثمّ يدعو النّاس إلى عبادة نفسه دون اللّه، وقد آتاه اللّه ما آتاه من الكتاب والحكم والنّبوّة، ولكن إذا آتاه اللّه ذلك فإنّما يدعوهم إلى العلم باللّه، ويحدوهم على معرفة شرائع دينه، وأن يكونوا رؤساء في المعرفة بأمر اللّه ونهيه، وأئمّةً في طاعته وعبادته بكونهم معلّمي النّاس الكتاب وبكونهم دارسيه
وقيل: إنّ هذه الآية نزلت في قومٍ من أهل الكتاب قالوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أتدعونا إلى عبادتك؟.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال أبو رافعٍ القرظيّ حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنّصارى من أهل نجران عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمّد أن نعبدك كما تعبد النّصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجلٌ من أهل نجران نصرانيّ، يقال له الرّئيس أوذاك تريد منّا يا محمّد وإليه تدعونا؟ أو كما قال، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: معاذ اللّه أن نعبد غير اللّه، أو نأمر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني، أو كما قال، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهم: {ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة} الآية، إلى قوله بعد: {إذ أنتم مسلمون}
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال أبو رافعٍ القرظيّ، فذكر نحوه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادًا لي من دون اللّه} يقول: ما كان ينبغي لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة يأمر عباده أن يتّخذوه ربًّا من دون اللّه
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: كان ناسٌ من يهود يتعبّدون النّاس من دون ربّهم، بتحريفهم كتاب اللّه عن موضعه فقال اللّه عزّ وجلّ: {ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادًا لي من دون اللّه} ثمّ يأمر النّاس بغير ما أنزل اللّه في كتابه). [جامع البيان: 5/523-525]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولكن كونوا ربّانيّين}
يعني جلّ ثناؤه بذلك: ولكن يقول لهم: كونوا ربّانيّين، فترك القول استغناءً بدلالة الكلام عليه.
وأمّا قوله: {كونوا ربّانيّين} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: كونوا حكماء علماء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن أبي رزينٍ: {كونوا ربّانيّين} قال: حكماء علماء.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن أبي رزينٍ: {كونوا ربّانيّين} قال: حكماء علماء
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن أبي رزينٍ، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن أبي رزينٍ: {ولكن كونوا ربّانيّين} حكماء علماء.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن عوفٍ، عن الحسن، في قوله: {كونوا ربّانيّين} قال: كونوا فقهاء علماء.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {كونوا ربّانيّين} قال: فقهاء
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني القاسم، عن مجاهدٍ، قوله: {ولكن كونوا ربّانيّين} قال: فقهاء.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولكن كونوا ربّانيّين} قال: كونوا فقهاء علماء.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن منصور بن المعتمر، عن أبي رزينٍ في قوله: {كونوا ربّانيّين} قال: علماء حكماء قال معمرٌ: قال قتادة.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {كونوا ربّانيّين} أمّا الرّبّانيّون: فالحكماء الفقهاء.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: الرّبّانيّون: الفقهاء العلماء، وهم فوق الأحبار.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولكن كونوا ربّانيّين} يقول: كونوا حكماء فقهاء.
- حدّثت عن المنجاب، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن يحيى بن عقيلٍ، في قوله: الرّبّانيّون والأحبار، قال: الفقهاء العلماء
- حدّثت عن المنجاب قال: حدّثنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ مثله.
- حدّثني ابن سنانٍ القزّاز، قال: حدّثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال: حدّثنا أبو كدينة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاس في قوله: {كونوا ربّانيّين} قال: كونوا حكماء فقهاء.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {كونوا ربّانيّين} يقول: كونوا فقهاء علماء.
وقال آخرون: بل هم الحكماء الأتقياء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: حدّثنا فضيل بن عياضٍ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {كونوا ربّانيّين} قال: حكماء أتقياء
وقال آخرون: بل هم ولاة النّاس وقادتهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت ابن زيدٍ، يقول في قوله: {كونوا ربّانيّين} قال: الرّبّانيّون: الّذين يربون النّاس، ولاة هذا الأمر، يربونهم: يلونهم وقرأ: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار} قال: الرّبّانيّون: الولاة، والأحبار: العلماء
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال عندي بالصّواب في الرّبّانيّين أنّهم جمع ربّانيّ، وأنّ الرّبّانيّ المنسوب إلى الرّبّان: الّذي يربّ النّاس، وهو الّذي يصلح أمورهم ويربّها، ويقوم بها ومنه قول علقمة بن عبدة:
وكنت امرأً أفضت إليك ربابتي = وقبلك ربّتني فضعت ربوب
يعني بقوله: ربّتني: ولي أمري والقيام به قبلك من يربّه ويصلحه، فلم يصلحوه، ولكنّهم أضاعوني فضعت.
يقال منه: ربّ أمري فلانٌ فهو يربّه ربًّا وهو رابّه، فإذا أريد به المبالغة في مدحه قيل: هو ربّان، كما يقال: هو نعسان، من قولهم: نعس ينعس، وأكثر ما يجيء من الأسماء على فعلان ما كان من الأفعال ماضيه على فعل مثل قولهم: هو سكران وعطشان وريّان، من سكر يسكر، وعطش يعطش، وروي يروى، وقد يجيء ممّا كان ماضيه على فعل، يفعل نحو ما قلنا من نعس ينعس، وربّ يربّ.
فإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا، وكان الرّبّان ما ذكرنا، والرّبّانيّ: هو المنسوب إلى من كان بالصّفة الّتي وصفت، وكان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين، يربّ أمور النّاس بتعليمه إيّاهم الخير، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم، وكان كذلك الحكيم التّقيّ للّه، والوليّ الّذي يلي أمور النّاس على المنهاج الّذي وليه المقسطون من المصلحين أمور الخلق بالقيام فيهم، بما فيه صلاح عاجلهم وآجلهم، وعائدة النّفع عليهم في دينهم ودنياهم؛ كانوا جميعًا مستحقّين أنّهم ممّن دخل في قوله عزّ وجلّ {ولكن كونوا ربّانيّين}.
فالرّبّانيّون إذًا، هم عماد النّاس في الفقه والعلم وأمور الدّين والدّنيا، ولذلك قال مجاهدٌ: وهم فوق الأحبار، لأنّ الأحبار هم العلماء. والرّبّانيّ: الجامع إلى العلم والفقه البصر بالسّياسة والتّدبير والقيام بأمور الرّعيّة، وما يصلحهم في دنياهم ودينهم). [جامع البيان: 5/526-531]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه عامّة قرّاء أهل الحجاز وبعض البصريّين: (بما كنتم تعلمون) بفتح التّاء وتخفيف اللام، يعني: بعلمكم الكتاب، ودراستكم إيّاه وقراءتكم، واعتلّوا لاختيارهم قراءة ذلك كذلك، بأنّ الصّواب لو كان التّشديد في اللاّم وضمّ التّاء، لكان الصّواب في {تدرسون} بضمّ التّاء وتشديد الرّاء.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين: {بما كنتم تعلّمون الكتاب} بضمّ التّاء من تعلّمون وتشديد اللام، بمعنى: بتعليمكم النّاس الكتاب، ودراستكم إيّاه، واعتلّوا لاختيارهم ذلك بأنّ من وصفهم بالتّعليم فقد وصفهم بالعلم، إذ لا يعلّمون إلاّ بعد علمهم بما يعلّمون.
قالوا: ولا موصوف بأنّه يعلم، إلاّ وهو موصوفٌ بأنّه عالمٌ، قالوا: فأمّا الموصوف بأنّه عالمٌ فغير موصوفٍ بأنّه معلّمٌ غيره، قالوا: فأولى القراءتين بالصّواب، أبلغهما في مدح القوم، وذلك وصفهم بأنّهم كانوا يعلّمون النّاس الكتاب.
- كما: حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن ابن عيينة، عن حميدٍ الأعرج، عن مجاهدٍ، أنّه قرأ: (بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) مخفّفةً بنصب التّاء، وقال ابن عيينة: ما علّموه حتّى علموه
وأولى القراءتين بالصّواب في ذلك قراءة من قرأه بضمّ التّاء وتشديد اللاّم؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ وصف القوم بأنّهم أهل عمادٍ للنّاس في دينهم ودنياهم، وأهل إصلاحٍ لهم ولأمورهم وتربيةٍ يقول جلّ ثناؤه: {ولكن كونوا ربّانيّين} على ما بيّنّا قبل من معنى الرّبّانيّ، ثمّ أخبر تعالى ذكره عنهم أنّهم صاروا أهل إصلاحٍ للنّاسٍ، وتربيةٍ لهم بتعليمهم إيّاهم كتاب ربّهم.
ودراستهم إيّاه: تلاوته، وقد قيل: دراستهم الفقه.
وأشبه التّأويلين بالدّراسة ما قلنا من تلاوة الكتاب؛ لأنّه عطف على قوله: {تعلّمون الكتاب}، والكتاب: هو القرآن، فلأن تكون الدّراسة معنيًّا بها دراسة القرآن أولى من أن تكون معنيًّا بها دراسة الفقه الّذي لم يجر له ذكرٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: قال يحيى بن آدم: قال أبو زكريّا: كان عاصمٌ يقرؤها: {بما كنتم تعلّمون الكتاب} قال: القرآن، {وبما كنتم تدرسون} قال: الفقه
فمعنى الآية: ولكن يقول لهم: كونوا أيّها النّاس سادة النّاس وقادتهم في أمر دينهم ودنياهم، ربّانيّين بتعليمكم إيّاهم كتاب اللّه، وما فيه من حلالٍ وحرامٍ، وفرضٍ وندبٍ، وسائر ما حواه من معاني أمور دينهم، وبتلاوتكم إيّاه ودراستكموه). [جامع البيان: 5/531-533]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادًا لي من دون اللّه ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون (79)
قوله تعالى: ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة قال: ما كان لمؤمنٍ أن يفعل ذلك.
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ، عن ابن جريجٍ في قوله: ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب يقول: ما كان لنبيًّ أن يؤتيه اللّه الكتاب.
قوله تعالى: والحكم والنبوة
[الوجه الأول]
- حدّثنا عليّ بن الحسين قال: قال محمّد بن العلاء، ثنا يونس بن بكيرٍ، عن مطر بن ميمونٍ، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: الحكم: العلم.
الوجه الثّاني:
- ذكر عن أبي داود الطّيالسيّ، ثنا أبان بن يزيد العطّار، عن مالكٍ، عن مجاهدٍ قال: الحكم: اللّبّ.
قوله تعالى: ثمّ يقول للنّاس
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ، عن ابن جريجٍ في قوله: ثمّ يقول للنّاس ثمّ يأمر النّاس بغير ما أنزل اللّه عليه في كتابه.
قوله تعالى: كونوا عبادًا لي من دون اللّه
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادًا لي من دون اللّه فقال: ما كان لمؤمنٍ أن يفعل ذلك يأمر النّاس أن يتّخذوه أربابًا من دون اللّه فقال: كان القوم يعبد بعضهم بعضًا.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع قوله: ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادًا لي من دون اللّه يقول: يأمر عباد اللّه أن يتّخذوه ربًّا من دون اللّه.
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ، عن ابن جريح في قوله: كونوا عبادًا لي من دون اللّه قال: كان ناسٌ من اليهود يعبدون النّاس دون ردّهم بتحريفهم كتاب اللّه عن مواضعه بغير الّذي يقرءون ممّا أنزل اللّه في كتابه.
قوله تعالى: ولكن كونوا ربّانيّين
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن الفضل العسقلانيّ، ثنا عليّ بن الحسن المروزيّ، ثنا إبراهيم بن رستم عن قيسٍ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية كونوا ربّانيّين قال: هم الفقهاء المعلّمون.
والوجه الثّاني:
- ذكره يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا سليمان بن معاذٍ عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ كونوا ربّانيّين قال: حلماء علماء حكماء.
قال:
أبو محمّدٍ: وروي عن أبي رزينٍ: علماء حلماء.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن مصور قال: سألت الحسن عن قوله: ولكن كونوا ربّانيّين يقول:
كونوا أهل عبادةٍ، وأهل تقوى للّه.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون قال: العلماء الفقهاء. قال أبو محمّدٍ: وروي عن الحسن وسعيد بن جبيرٍ وقتادة، وعطاءٍ الخراسانيّ، والرّبيع بن أنسٍ، وعطيّة نحو ذلك.
قوله تعالى: بما كنتم تعلّمون الكتاب
- حدّثنا أبي، ثنا عمر بن حفص بن غياثٍ، ثنا أبي، عن ميمونٍ أبي عبد اللّه الورّاق الخراسانيّ قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون قال: حقٌّ على من قرأ القرآن أن يكون فقيهًا.
- ذكر سليمان بن داود القزّاز، ثنا يحيى بن آدم، عن ابن عيينة عن حميدٍ الأعرج، عن مجاهدٍ بما كنتم تعلّمون حقيقة ما علّموه حتّى علموا.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أحمد بن بشيرٍ، عن جويبرٍ عن الضّحّاك قال: لا يعذر رجلٌ حرٌّ ولا عبدٌ لا يتعلّم جهده من القرآن فأبلغ فيه، فإنّ اللّه تعالى يقول: كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب
- كتب إليّ أحمد بن محمّد بن حالٍّ القهندزيّ، ثنا عمر بن عبد الغفّار القهندزيّ قال: قال سفيان بن عيينة قال: من قرأها بما كنتم تعلّمون الكتاب قال: يقول علموا وعملوا ثمّ علّموا.
قوله تعالى: الكتاب
- ذكره أبي، ثنا مقاتل بن محمّدٍ قال: سمعت وكيعًا يقول في هذه الآية:
سمعنا بما كنتم تعلّمون الكتاب قال: القرآن.
قوله تعالى: وبما كنتم تدرسون
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا الأزرق بن عليٍّ، ثنا حسّان بن إبراهيم، ثنا سفيان بن سعيدٍ الثّوريّ، عن منصور بن المعتمر، عن أبي رزينٍ وبما كنتم تدرسون قال: مذاكرة الفقه كانوا يتذاكرون الفقه كما نتذاكره نحن.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن طلحة بن مصرّفٍ، وسفيان الثّوريّ، ووكيعٍ قالوا: دراية الفقه). [تفسير القرآن العظيم: 2/690-693]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولكن كونوا ربانيين
[تفسير مجاهد: 129]
قال كونوا فقهاء علماء حكماء). [تفسير مجاهد: 130]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: {كونوا ربّانيّين} [آل عمران: 79] قال: حلماء فقهاء علماء، أخرجه البخاري في ترجمة). [جامع الأصول: 2/69]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 79 - 80.
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس: أو ذاك تريده منا يا محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معاذ الله، أن نعبد غير الله أو نأمر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني، فأنزل الله في ذلك من قولهما {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب} إلى قوله {بعد إذ أنتم مسلمون}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال: كان ناس من يهود يتعبدون الناس من دون ربهم بتحريفهم كتاب الله عن موضعه، فقال الله {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله} ثم يأمر الناس بغير ما أنزل الله في كتابه.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: بلغني أن رجلا قال: يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك قال: لا، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله فإنه لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله، فأنزل الله {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب} إلى قوله {بعد إذ أنتم مسلمون}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله {ربانيين} قال: فقهاء معلمين.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله {ربانيين} قال: حلماء علماء حكماء.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن طريق الضحاك عن ابن عباس {ربانيين} قال: علماء فقهاء.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس {ربانيين} قال: حكماء فقهاء
وأخرج البيهقي في الشعب" عن سعيد بن جبير في قوله: (كونوا ربانيين) قال: حلماء فقهاء..
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود {ربانيين} قال: حكماء علماء.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال الربانيون الفقهاء العلماء، وهم فوق الأحبار.
وأخرج عن سعيد بن جبير {ربانيين} قال: حكماء أتقياء، واخرج ابن جرير عن ابن زيد قال الربانيون الذين يربون الناس ولاة هذا الأمر، يلونهم وقرأ (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار) (المائدة الآية 63) قال (الربانيون) الولاة (والأحبار) العلماء، واخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب} قال: حق على كل من تعلم القرآن أن يكون فقيها.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ {بما كنتم تعلمون}
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير أنه قرأ {بما كنتم تعلمون} مثقلة برفع التاء وكسر اللام.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد، أنه قرأ {بما كنتم تعلمون الكتاب} خفيفة بنصب التاء قال ابن عيينة: ما علموه حتى علموه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن أبي بكر قال: كان عاصم يقرؤها {بما كنتم تعلمون الكتاب} مثقلة برفع التاء وكسر اللام، قال: القرآن {وبما كنتم تدرسون} قال: الفقه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن الضحاك قال: لا يعذر أحد حر ولا عبد ولا رجل ولا امرأة، لا يتعلم من القرآن جهده ما بلغ منه فإن الله يقول: {كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} يقول: كونوا فقهاء كونوا علماء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي رزين في قوله {وبما كنتم تدرسون} قال: مذاكرة الفقه كانوا يتذاكرون الفقه كما نتذاكره نحن). [الدر المنثور: 3/642-646]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أربابًا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون}
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ولا يأمركم}، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والمدينة: (ولا يأمركم) على وجه الابتداء من اللّه بالخبر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه لا يأمركم أيّها النّاس أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أربابًا.
واستشهد قارئو ذلك كذلك بقراءةٍ ذكروها عن ابن مسعودٍ أنّه كان يقرؤها وهي: ولن يأمركم فاستدلّوا بدخول لن على انقطاع الكلام عمّا قبله، وابتداء خبرٍ مستأنفٍ، قالوا: فلمّا صيّر مكان لن في قراءتنا لا وجبت قراءته بالرّفع.
وقرأه بعض الكوفيّين والبصريّين: {ولا يأمركم} بنصب الرّاء عطفًا على قوله: {ثمّ يقول للنّاس} وكان تأويله عندهم: ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب، ثمّ يقول للنّاس ولا أن يأمركم، بمعنى: ولا كان له أن يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أربابًا.
وأولى القراءتين بالصّواب في ذلك: {ولا يأمركم} بالنّصب على الاتّصال بالّذي قبله، بتأوّل: {ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادًا لي من دون اللّه} ولا أن يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أربابًا؛ لأنّ الآية نزلت في سبب القوم الّذين قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أتريد أن نعبدك؟ فأخبرهم اللّه جلّ ثناؤه أنّه ليس لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يدعو النّاس إلى عبادة نفسه، ولا إلى اتّخاذ الملائكة والنّبيّين أربابًا، ولكنّ الّذي له أن يدعوهم إلى أن يكونوا ربّانيّين.
فأمّا الّذي ادّعى من قرأ ذلك رفعًا أنّه في قراءة عبد اللّه: ولن يأمركم استشهادًا لصحّة قراءته بالرّفع، فذلك خبرٌ غير صحيحٍ سنده، وإنّما هو خبرٌ رواه حجّاجٌ، عن هارون الاعور أنّ ذلك في قراءة عبد اللّه كذلك، ولو كان ذلك خبرًا صحيحًا سنده، لم يكن فيه لمحتجٍّ حجّةٌ؛ لأنّ ما كان على صحّته من القراءة من الكتاب الّذي جاء به المسلمون وراثةً عن نبيّهم صلّى اللّه عليه وسلّم لا يجوز تركه لتأويلٍ على قراءةٍ أضيفت إلى بعض الصّحابة بنقل من يجوز في نقله الخطأ والسّهو.
فتأويل الآية إذًا: وما كان للنّبيّ أن يأمر النّاس أن يتّخذوا الملائكة والنّبيّين أربابًا، يعني بذلك آلهةً يعبدون من دون اللّه، كما ليس له أن يقول لهم كونوا عبادًا لي من دون اللّه، ثمّ قال جلّ ثناؤه نافيًا عن نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأمر عباده بذلك: أيأمركم بالكفر أيّها النّاس نبيّكم بجحود وحدانيّة اللّه بعد إذ أنتم مسلمون، يعني بعد إذ أنتم له منقادون بالطّاعة متذلّلون له بالعبوديّة، أي أنّ ذلك غير كائنٍ منه أبدًا.
- وقد: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: ولا يأمركم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أربابًا). [جامع البيان: 5/533-535]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أربابًا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون (80) وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين (81)
قوله تعالى: ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أربابًا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا محمّد بن عمرو زينج، ثنا سلمة قال محمّد بن إسحاق، قال محمّد بن أبي محمّدٍ، وقال أبو نافعٍ القرظيّ حين اجتمعت الأحبار من يهودٍ والنّصارى من أهل نجران عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ودعاهم إلى الإسلام: أتريد منّا يا محمّد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم؟ قال: فقال رجلٌ من أهل نجران نصراني يقال له: الرئيس: أو ذاك تريد منا يا محمد وإليه تدعوا وكما قال. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: معاذ اللّه أن نعبد غير اللّه أو نأمر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني وألا أمرني أو كما قال عليه السّلام، فأنزل اللّه تعالى في ذلك من قولهما ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أربابًا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مّسلمون). [تفسير القرآن العظيم: 2/693-695]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج {ولا يأمركم أن تتخذوا} قال: ولا يأمركم النبي). [الدر المنثور: 3/642-646]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 02:32 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا خلاق لهم} أي: لا نصيب لهم.
{ولا يزكّيهم} لا يكونون عنده كالمؤمنين). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ}
قال عز وجل: {ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم} فهذا مثل قولك للرجل "ما تنظر إليّ" إذا كان لا ينيلك شيئاً). [معاني القرآن: 1/174]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم}
{أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} هذه الجملة خبر (إنّ)، ومعنى الخلاق: النصيب الوافر من الخير.
ومعنى قوله: {لا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة}: في قوله: {لا يكلمهم الله} وجهان:
أحدهما: أن يكون إسماع الله أولياءه كلامه بغير سفير، خصوصية يخص اللّه بها أولياءه كما كلم موسى فكان ذلك خصوصية له دون البشر أجمعين.
2- وجائز أن يكون {ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم} تأويله الغضب عليهم، والإعراض عنهم كما تقول: " فلان لا ينظر إلى فلان ولا يكلمه، وتأويله أنه غضبان عليه، وإن كلمه بكلام سوء لم ينقض ذلك.

ومعنى {ولا يزكيهم}: لا يجعلهم طاهرين ولا يثني عليهم خيرا.
ومعنى {عذاب أليم} أي: موجع). [معاني القرآن: 1/434]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} الخلاق: النصيب
وروى عبد الله بن مسعود والأشعث بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من حلف على يمين فاجرة ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان)) ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم{إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله} إلى آخر الآية.
وفي قوله: {ولا يكلمهم الله} قولان:
أحدهما: أنه روي أن الله يسمع أولياء كلامه.
والقول الآخر: أنه يغضب عليهم كما تقول فلان لا يكلم فلانا.
ومعنى {ولا يزكيهم}: ولا يثنى عليهم ولا يطهرهم {ولهم عذاب أليم} أي: مؤلم
يقال أألم إذا أوجع فهو مؤلم وأليم على التكثير). [معاني القرآن: 1/426-427]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {لا خلاق لهم} أي: لا نصيب لهم من الخير، والخلاق: الدين). [ياقوتة الصراط: 189]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يلوون ألسنتهم بالكتاب} أي: يقلبونه ويحرّفونه). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإنّ منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللًّه وما هو من عند اللّه ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
قال تعالى: {يلوون ألسنتهم بالكتاب} بفتح الياء.
وقال: {يلوّون} بضم الياء وأحسبها {يلوون} لأنه قال: {ليّاً بألسنتهم} فلو كان من {يلووّن} لكانت "تلويةً بألسنتهم").
[معاني القرآن: 1/174-175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يلوون ألسنتهم بالكتاب} أي: يقلّبون ألسنتهم بالتحريف، والزيادة.
{الرّبّانيّون} واحدهم ربّاني، وهم: العلماء المعلّمون). [تفسير غريب القرآن: 107]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإنّ منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
هذه اللام في {وإنّ منهم لفريقا} تؤكد الكلام زيادة على توكيد (إنّ) لأن (إنّ) معناها توكيد الكلام، ولذلك صار لضم يوصل بها في الإيجاب، تقول: واللّه أن زيدا قائم، وكذلك تصل الضم باللام، فيقول واللّه لزيد قائم ولا تلي هذه اللام (إن) لا يجوز: " إن لزيدا قائم " بإجماع النحويين كلهم وأهل اللغة.
ومعنى {يلوون ألسنتهم بالكتاب} أي: يحرفون الكتاب، أي يعدلون عن القصد، (ويجوز يلوّون - بضم الياء والتشديد) (لتحسبوه، و- لتحسبوه) - بكسر السين وفتحها - يقال حسب يحسب ويحسب، جميعا، ويقال لويت الشيء إذا عدلته عن القصد ليّا ولويت الغريم ليانا إذا مطلته بدينه قال الشاعر:
قد كنت داينت بها حسانا... مخافة الإفلاس والليانا). [معاني القرآن: 1/434-435]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب}
قال الشعبي: يلون يحرفون.
وقال أهل اللغة: لويت الشيء إذا عدلته عن قصده وحملته على غير تأويله). [معاني القرآن: 1/427-428]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يلوون ألسنتهم} أي: يقلبونها بالتحريف والزيادة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون...}
تقرأ: تعلّمون وتعلمون، وجاء في التفسير: بقراءتكم الكتب وعلمكم بها.
فكان الوجه (تعلمون) وقرأ الكسائيّ وحمزة (تعلّمون) لأن العالم يقع عليه يعلّم ويعلم).
[معاني القرآن: 1/224]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولكن كونوا ربّانيين}: لم يعرفوا ربانيين). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عباداً لّي من دون اللّه ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}
قال تعالى: {ثمّ يقول للنّاس} نصبٌ على {ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه} {ثمّ يقول للنّاس} لأنّ "ثمّ" من حروف العطف). [معاني القرآن: 1/175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ولكن كونوا ربانيين}: قالوا علماء حلماء). [غريب القرآن وتفسيره: 107]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ما كان لبشر أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادا لي من دون اللّه ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}أي: أن اللّه لا يصطفى لنبوته الكذبة، ولو فعل ذلك بشر لسلبه اللّه عزّ وجلّ: آيات النبوة وعلاماتها ونصب {ثمّ يقول}: على الاشتراك بين أن يؤتيه وبين يقول، أي لا يجتمع لنبي إتيان النبوة والقول للناس كونوا عبادا لي.
{ولكن كونوا ربّانيّين} والربانيون أرباب العلم والبيان، أي: كونوا أصحاب علم، وإنما زيدت الألف والنون للمبالغة في النسب، كما قالوا للكبير اللحية لحياني ولذي الجمة الوافرة جماني.
وقد قرئ - {بما كنتم تعلّمون الكتاب}. {تعلّمون} - بضم التاء وفتحها.
{وبما كنتم تدرسون} أي: بعلمكم ودرسكم علّموا الناس وبيّنوا لهم.
وجاء في التفسير {كونوا ربّانيّين} أي: علماء فقهاء ليس معناه كما تعلمون فقط، ولكن ليكن هديكم ونيتكم في التعليم هدى العلماء والحكماء، لأن العالم إنما ينبغي أن يقال له عالم إذا عمل بعلمه، وإلا فليس بعالم، قال اللّه: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق}
ثم قال: {ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} أي: لو كانوا وفّوا العلم حقه - وقد فسرنا ما قيل في هذا في مكانه). [معاني القرآن: 1/435-436]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولكن كونوا ربانيين}
قال سعيد بن جبير والضحاك: الرباني الفقيه العالم.
وقال أبو رزين: هو العالم الحليم.
والألف والنون يأتي بهما العرب للمبالغة نحو قولهم جماني للعظيم الجمة وكذلك سكران، أي: ممتلئ سكرا.
فمعنى الرباني: العالم بدين الرب الذي يعمل بعلمه لأنه إذا لم يعمل بعلمه فليس بعالم.
وروي عن ابن الحنيفة أنه قال: لما مات ابن عباس مات رباني هذه الأمة.
ومعنى {ولكن كونوا ربانيين}: ولكن يقول كونوا ربانيين ثم حذف لعلم السامع.
وقال ابن زيد: الربانيون الولاة والأحبار العلماء.
وقال مجاهد: الربانيون فوق الأحبار.
قال أبو جعفر: وهذا القول حسن لأن الأحبار هم العلماء والرباني الذي يجمع إلى العلم البصر للسياسة مأخوذ من قول العرب رب أمر الناس يربه إذا أصلحه وقام به فهو راب ورباني على التكثير). [معاني القرآن: 1/428-429]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (الربانيون) واحدهم رباني، وهم العلماء المعلمون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({رَبَّانِيِّينَ}: علماء). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا يأمركم...}
أكثر القراء على نصبها؛ يردونها على {أن يؤتيه الله}: ولا أن يأمركم. وهي في قراءة عبد الله (ولن يأمركم) فهذا دليل على انقطاعها من النسق وأنها مستأنفة، فلمّا وقعت (لا) في موقع (لن) رفعت كما قال تبارك وتعالى: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيراً ونذيراً ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} وهي في قراءة عبد الله (ولن تسأل) وفي قراءة أبيّ (وما تسأل عن أصحاب الجحيم) ). [معاني القرآن: 1/224-225]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مّسلمون}
{ولا يأمركم} أيضاً معطوفٌ بالنّصب على {أن} وإن شئت رفعت؛ تقول {ولا يأمركم} لا تعطفه على الأوّل تريد: هو لا يأمركم). [معاني القرآن: 1/175]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ومعنى {ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون}أي: ولا يأمركم أن تعبدوا الملائكة والنبيين لأن الذين قالوا: إن عيسى عليه السلام إله عبدوه واتخذوه ربّا، وقال قوم من الكفار إن الملائكة أربابنا، ويقال إنهم الصابئون، ويجوز الرفع في {ولا يأمركم} أي: لا يأمركم اللّه). [معاني القرآن: 1/436]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا}
ومن قرأ {ولا يأمركم} بالنصب، فمعناه عنده: ولا يأمركم البشر لأنه معطوف على ما قبله
ومن قرأ {ولا يأمركم}بالرفع، فمعناه عنده: ولا يأمركم الله كذا قال سيبويه). [معاني القرآن: 1/430]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 08:44 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال المفسرون في قول الله عز وجل: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}: النظر إلى الله.

وإن رآه ينظر إليه، فهي رحمته له؛ وإن رآه معرضا عنه، فهو تحذير للذنوب. يقول الله عز وجل في قوم لا تنالهم رحمته: {أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم}. ويقول الداعون في الدعاء: اللهم انظر إلي برحمتك). [تعبير الرؤيا: 102] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب اشتراك الفعل في أن
وانقطاع الآخر من الأول الذي عمل فيه أن
فالحروف التي تشرك الواو والفاء وثم وأو وذلك قولك أريد أن تأتيني ثم تحدثني وأريد أن تفعل ذاك وتحسن وأريد أن تأتينا فتبايعنا وأريد أن تنطق بجميل أو تسكت ولو قلت أريد أن تأتيني ثم تحدثني جاز كأنك قلت أريد إتيانك ثم تحدثني.
ويجوز الرفع في جميع هذه الحروف التي تشرك على هذا المثال وقال عز وجل: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله} ثم قال سبحانه: {ولا يأمركم} فجاءت منقطعة من الأول لأنه أراد ولا يأمركم الله وقد نصبها بعضهم على قوله وما كان لبشرٍ أن يأمركم أن تتخذوا.
وتقول أريد أن تأتيني فتشتمني لم يرد الشتيمة ولكنه قال كلما أردت إتيانك شتمتني هذا معنى كلامه فمن أثم نقطع من أن قال رؤبة
يريد أن يعربه فيعجمه
أي فإذا هو يعجمه.
وقال الله عز وجل: {لنبين لكم ونقر في الأرحام} أي ونحن نقر في الأرحام لأنه ذكر الحديث للبيان ولم يذكره للإقرار وقال عز وجل: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} فانتصب لأنه أمر بالإشهاد لأن نذكر إحداهما الأخرى ومن أجل أن تذكر.
فإن قلت إنسانٌ كيف جاز أن تقول أن تضل ولم يعد هذا للضلال وللالتباس فإنما ذكر أن تضل لأنه سبب الإذكار كما يقول الرجل أعددته أن يميل الحائط فأدعمه وهو لا يطلب بإعداد ذلك ميلان الحائط ولكنه أخبر بعلة الدعم وبسببه.
وقرأ أهل الكوفة (فتذكرُ) رفعاً). [الكتاب: 3/52-54]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما قوله عز وجل: {وما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً} فإن النحويين يزعمون أن الكلام ليس محمولاً على أن يكلمه الله، ولو كان يرسل محمولاً على ذلك لبطل المعنى؛ لأنه كان يكون ما كان لبشر أن يكلمه الله أو يرسل، أي ما كان لبشر أن يرسل الله إليه رسولاً. فهذا لا يكون. ولكن المعنى والله أعلم ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً، أي: إلا أن يوحي، أو يرسل، فهو محمول على قوله وحياً، أي: إلا وحياً، أو إرسالاً.
وأهل المدينة يقرؤون أو يرسل رسولاً يريدون: أو هو يرسل رسولاً، أي فهذا كلامه إياهم على ما يؤديه الوحي والرسول.
وأما قوله: {لنبين لكم ونقر في الأرحام}. على ما قبله، وتمثيله: ونحن نقر في الأرحام ما نشاء.
وأما قوله: {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة} فيقرأ رفعاً ونصباً.
فأما النصب فعلى قوله: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس} أي ما كان له أن يقول للناس ولا أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة.
ومن قرأ يأمُرُكم فإنما أراد: ولا يأمركم الله، وقطعه من الأول.
فالمعنيان جميعاً جيدان يرجعان إلى شيءٍ واحد إذا حصلا). [المقتضب: 2/33-34] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما قوله عز وجل: {وما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً} فإن النحويين يزعمون أن الكلام ليس محمولاً على أن يكلمه الله، ولو كان يرسل محمولاً على ذلك لبطل المعنى؛ لأنه كان يكون ما كان لبشر أن يكلمه الله أو يرسل، أي ما كان لبشر أن يرسل الله إليه رسولاً. فهذا لا يكون. ولكن المعنى والله أعلم ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً، أي: إلا أن يوحي، أو يرسل، فهو محمول على قوله وحياً، أي: إلا وحياً، أو إرسالاً.
وأهل المدينة يقرؤون أو يرسل رسولاً يريدون: أو هو يرسل رسولاً، أي فهذا كلامه إياهم على ما يؤديه الوحي والرسول.
وأما قوله: {لنبين لكم ونقر في الأرحام}. على ما قبله، وتمثيله: ونحن نقر في الأرحام ما نشاء.
وأما قوله: {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة} فيقرأ رفعاً ونصباً.
فأما النصب فعلى قوله: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس} أي ما كان له أن يقول للناس ولا أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة.
ومن قرأ يأمُرُكم فإنما أراد: ولا يأمركم الله، وقطعه من الأول.
فالمعنيان جميعاً جيدان يرجعان إلى شيءٍ واحد إذا حصلا). [المقتضب: 2/33-34] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:31 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:32 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:32 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:32 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: الّذين يشترون بعهد اللّه الآية آية وعيد لمن فعل هذه الأفاعيل إلى يوم القيامة وهي آية يدخل فيها الكفر فما دونه من جحد الحقوق وختر المواثيق، وكل أحد يأخذ من وعيد الآية على قدر جريمته، واختلف المفسرون في سبب نزولها، فقال عكرمة: نزلت في أحبار اليهود، أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وحيي بن أخطب، تركوا عهد الله في التوراة للمكاسب والرياسة التي كانوا بسبيلها، وروي أنها نزلت بسبب خصومة الأشعث بن قيس مع رجل من اليهود في أرض فوجبت اليمين على اليهودي فقال الأشعث: إذن يحلف يا رسول الله ويذهب بمالي، فنزلت الآية، وروي أن الأشعث بن قيس اختصم في أرض مع رجل من قرابته فوجبت اليمين على الأشعث وكان في الحقيقة مبطلا قد غصب تلك الأرض في جاهليته فنزلت الآية، فنكل الأشعث عن اليمين، وتحرج وأعطى الأرض وزاد من عنده أرضا أخرى، وروي أن الآية نزلت بسبب خصومة لغير الأشعث بن قيس، وقال الشعبي: نزلت الآية في رجل أقام سلعة في السوق من أول النهار، فلما كان في آخره جاءه رجل فساومه فحلف حانثا لقد منعها في أول النهار من كذا وكذا ولولا المساء ما باعها، فنزلت الآية بسببه، وقال سعيد بن المسيب، اليمين الفاجرة من الكبائر، ثم تلا هذه الآية وقال ابن مسعود: كنا نرى ونحن مع نبينا أن من الذنب الذي لا يغفر يمين الصبر، إذا فجر فيها صاحبها، وقد جعل الله «الأيمان» في هذه الألفاظ مشتراة فهي مثمونة أيضا، والخلاق: الحظ والنصيب والقدر، وهو مستعمل في المستحبات، وقال الطبري: ولا يكلّمهم اللّه معناه بما يسرهم وقال غيره: نفى تعالى أن يكلمهم جملة لأنه يكلم عباده المؤمنين المتقين، وقال قوم من العلماء: وهي عبارة عن الغضب، المعنى لا يحفل بهم ولا يرضى عنهم ولا يزكّيهم يحتمل معنيين، أحدهما يطهرهم من الذنوب وأدرانها، والآخر ينمي أعمالهم، فهي تنمية لهم، والوجهان منفيان عنهم في الآخرة وأليمٌ فعيل بمعنى، مفعل، فالمعنى، مؤلم). [المحرر الوجيز: 2/263-264]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: وإنّ منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون (78) ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عباداً لي من دون اللّه
الضمير في منهم، عائد على أهل الكتاب، و «الفريق»، الجماعة من الناس هي مأخوذة من فرق، إذا فصل وأبان شيئا عن شيء، ويلوون معناه: يحرفون ويتحيلون بتبديل المعاني من جهة اشتباه الألفاظ واشتراكها وتشعب التأويلات فيها، ومثال ذلك قولهم: راعنا واسمع غير مسمع ونحو ذلك وليس التبديل المحض بليّ، وحقيقة الليّ في الثياب والحبال ونحوها، فتلها وإراغتها، ومنه ليّ العنق ثم استعمل ذلك في الحجج والخصومات والمجادلات تشبيها بتلك الإراغة التي في الأجرام فمنه قولهم، خصم ألوى ومنه قول الشاعر: [الطويل]
فلو كان في ليلى شذى من خصومة = للوّيت أعناق الخصوم الملاويا
وقال الآخر: [الرجز]
ألفيتني ألوي بعيد المستمر
وقرأ جمهور الناس، «يلوون»، مضارع لوى، على وزن فعل بتخفيف العين وقرأ أبو جعفر بن القعقاع، وشيبة بن نصاح، «يلوّون» بتشديد الواو وفتح اللام، من لوّى، على وزن فعّل بتشديد العين، وهو تضعيف مبالغة لا تضعيف تعدية، وقرأ حميد «يلون» بضم اللام وسكون الواو، وهي في الأصل «يلون» مثل قراءة الجماعة، فهمزت الواو المضمومة لأنها عرفها في بعض اللغات، فجاء «يلوون» فنقلت ضمة الهمزة إلى اللام فجاء «يلون» والكتاب في هذا الموضع التوراة، وضمير الفاعل في قوله لتحسبوه هو
للمسلمين وقوله وما هو من عند اللّه نفي أن يكون منزلا كما ادعوا، وهو من عند الله بالخلق والاختراع والإيجاد ومنهم بالتكسب ولم تعن الآية إلا لمعنى التنزيل فبطل تعلق القدرية بظاهر قوله، وما هو من عند الله، وقد تقدم نظير قوله تعالى ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون). [المحرر الوجيز: 2/264-265]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ما كان لبشرٍ معناه لأحد من الناس، والبشر اسم جنس يقع للكثير والواحد ولا مفرد له من لفظه، وهذا الكلام لفظه النفي التام كقول أبي بكر رضي الله عنه: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يعلم مبلغها من النفي بقرينة الكلام الذي هي فيه، كقوله تعالى: وما كان لنفسٍ أن تموت إلّا بإذن اللّه [آل عمران: 145] وقوله تعالى: ما كان لكم أن تنبتوا شجرها [النحل: 60] فهذا منتف عقلا، وأما آيتنا هذه فإن النفي على الكمال لأنّا نقطع أن الله تعالى لا يؤتي النبوة للكذبة والمدعين، والكتاب في هذه الآية اسم جنس، والحكم بمعنى الحكمة، ومنه قول النبي عليه السلام: إن من الشعر لحكما، وثمّ في قوله تعالى: ثمّ يقول معطية تعظيم الذنب في القول، بعد مهلة من هذا الإنعام، وقوله عباداً هو جمع عبد، ومن جموعه عبيد وعبدى، قال بعض اللغويين، هذه الجموع بمعنى، وقال قوم، العباد لله، والعبيد والعبدى للبشر، وقال قوم: العبدى، إنما تقال في العبيد بني العبيد، وكأنه بناء مبالغة، تقتضي الإغراق في العبودية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والذي استقريت في لفظة العباد، أنه جمع عبد متى سيقت اللفظة في مضمار الترفيع والدلالة على الطاعة دون أن يقترن بها معنى التحقير وتصغير الشأن وانظر قوله تعالى: واللّه رؤفٌ بالعباد [البقرة: 207] [آل عمران: 30] وعبادٌ مكرمون [الأنبياء: 26] يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه [الزمر: 53] وقول عيسى في معنى الشفاعة والتعريض لرحمة الله إن تعذّبهم فإنّهم عبادك [المائدة: 118] فنوه بهم، وقال بعض اللغويين: إن نصارى الحيرة وهم عرب لما أطاعوا كسرى ودخلوا تحت أمره سمتهم العرب العباد فلم ينته بهم إلى اسم العبيد، وقال قوم بل هم قوم من العرب من قبائل شتى اجتمعوا وتنصروا وسموا أنفسهم العباد كأنه انتساب إلى عبادة الله، وأما العبيد فيستعمل في تحقير، ومنه قول امرئ القيس: [السريع].
قولا لدودان عبيد العصى = ما غرّكم بالأسد الباسل
ومنه قول حمزة بن عبد المطلب: وهل أنتم إلا عبيد ومنه قول الله تعالى: وما ربّك بظلّامٍ للعبيد [فصلت: 46] لأنه مكان تشفيق وإعلام بقلة انتصارهم ومقدرتهم، وأنه تعالى ليس بظلّام لهم مع ذلك، ولما كانت لفظة العباد تقتضي الطاعة لم تقع هنا، ولذلك أنس بها في قوله تعالى: قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم [الزمر: 53] قال الإمام أبو محمد: فهذا النوع من النظر يسلك به سبل العجائب في ميزة فصاحة القرآن العزيز على الطريقة العربية السليمة، ومعنى قوله: كونوا عباداً لي من دون اللّه اعبدوني واجعلوني إلها.
واختلف المفسرون إلى من هي الإشارة بقوله تعالى: ما كان لبشرٍ فقال النقاش وغيره: الإشارة إلى عيسى عليه السلام، والآية رادة على النصارى الذين قالوا: عيسى إله، وادعوا أن عبادته هي شرعة ومستندة إلى أوامره، وقال ابن عباس والربيع وابن جريج وجماعة من المفسرين: بل الإشارة إلى محمد عليه السلام، وسبب نزول الآية، أن أبا رافع القرظي، قال للنبي صلى الله عليه وسلم، حين اجتمعت الأحبار من يهود والوفد من نصارى نجران: يا محمد إنما تريد أن نعبدك ونتخذك إلها كما عبدت النصارى عيسى، فقال الرئيس من نصارى نجران: أو ذلك تريد يا محمد وإليه تدعونا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: معاذ الله ما بذلك أمرت، ولا إليه دعوت، فنزلت الآية، في ذلك، قال بعض العلماء: أرادت الأحبار أن تلزم هذا القول محمدا صلى الله عليه وسلم، لما تلا عليهم قل إن كنتم تحبّون اللّه فاتّبعوني [آل عمران: 31] وإنما معنى الآية، فاتبعوني فيما أدعوكم إليه من طاعة الله، فحرفوها بتأويلهم، وهذا من نوع ليّهم الكتاب بألسنتهم، وقرأ جمهور القراء «ثم يقول» بالنصب، وروى شبل عن ابن كثير ومحبوب عن أبي عمرو «ثم يقول» برفع اللام، وهذا على القطع وإضمار مبتدأ، وقرأ عيسى بن عمر، «عبادا لي» بتحريك الياء مفتوحة.
... ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون (79)
المعنى ولكن يقول: كونوا ربّانيّين وهو جمع رباني، واختلف النحاة في هذه النسبة، فقال قوم: هو منسوب إلى الرب من حيث هو العالم ما علمه، العامل بطاعته، المعلم للناس ما أمر به، وزيدت الألف والنون مبالغة كما قالوا، لحياني وشعراني في النسبة إلى اللحية والشعر، وقال قوم الرباني منسوب إلى الربان وهو معلم الناس، وعالمهم السائس لأمرهم، مأخوذ من رب يرب إذا أصلح وربى، وزيدت فيه هذه النون كما زيدت في غضبان وعطشان، ثم نسب إليه رباني، واختلف العلماء في صفة من يستحق أن يقال له رباني، فقال أبو رزين: الرباني: الحكيم العالم، وقال مجاهد: الرباني الفقيه، وقال قتادة وغيره: الرباني العالم الحليم، وقال ابن عباس: هو الحكيم الفقيه، وقال الضحاك: هو الفقيه العالم، وقال ابن زيد: الرباني والي الأمر، يرب الناس أي يصلحهم، فالربانيون الولاة والأحبار والعلماء، وقال مجاهد: الرباني فوق الحبر لأن الحبر هو العالم والرباني هو الذي جمع إلى العلم والفقه البصر بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية وما يصلحهم في دينهم ودنياهم، وفي البخاري: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.
قال الفقيه أبو محمد: فجملة ما يقال في الرباني إنه العالم بالرب والشرع المصيب في التقدير من الأقوال والأفعال التي يحاولها في الناس، وقوله بما كنتم معناه: بسبب كونكم عالمين دارسين، فما مصدرية، ولا يجوز أن تكون موصولة، لأن العائد الذي كان يلزم لم يكن بد أن يتضمنه: كنتم تعلّمون، ولا يصح شيء من ذلك لأن «كان» قد استوفت خبرها ظاهرا، وهو تعلّمون وكذلك تعلّمون قد استوفى مفعوله وهو الكتاب ظاهرا، فلم يبق إلا أن ما مصدرية، إذ لا يمكن عائد، وتعلّمون بمعنى تعرفون، فهي متعدية إلى مفعول واحد، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: «تعلمون» بسكون العين، وتخفيف اللام، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي «تعلّمون» مثقلا، بضم التاء وكسر اللام، وهذا على تعدية الفعل بالتضعيف، والمفعول الثاني على هذه القراءة محذوف، تقديره: تعلمون الناس الكتاب.
قال الفقيه الإمام: والقراءتان متقاربتا المعنى، وقد رجحت قراءة التخفيف بتخفيفهم تدرسون وبأن العلم هو العلة التي توجب للموفق من الناس أن يكون ربانيا، وليس التعليم شرطا في ذلك، ورجحت الأخرى بأن التعليم يتضمن العلم، والعلم لا يتضمن التعليم، فتجيء قراءة التثقيل أبلغ في المدح.
قال الفقيه الإمام: ومن حيث العالم بحال من يعلم، فالتعليم كأنه في ضمن العلم، وقراءة التخفيف عندي أرجح، وقرأ مجاهد والحسن «تعلّمون» بفتح التاء والعين، وشد اللام المفتوحة، وقرأ جمهور الناس، «تدرسون» بضم الراء، من درس إذا أدمن قراءة الكتاب وكرره، وقرأ أبو حيوة «تدرسون» بكسر الراء، وهذا على أنه يقال في مضارع درس، يدرس ويدرس وروي عن أبي حيوة، أنه قرأ «تدرّسون» بضم التاء، وكسر الراء وشدها، بمعنى تدرسون غيركم). [المحرر الوجيز: 2/265-270]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون (80) وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: «ولا يأمركم» برفع الراء، وكان أبو عمرو يختلس حركة الراء تخفيفا، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة: «ولا يأمركم» نصبا، ولا خلاف في الراء من قوله: أيأمركم إلا اختلاس أبي عامر، فمن رفع قوله: «ولا يأمركم»، فهو على القطع، قال سيبويه: المعنى ولا يأمركم الله، وقال ابن جريج وغيره: المعنى ولا يأمركم هذا البشر الذي أوتي هذه النعم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وفي قراءة ابن مسعود: «ولن يأمركم»، فهذه قراءة تدل على القطع، وأما قراءة من نصب الراء، فهي عطف على قوله: أن يؤتيه [آل عمران: 79] والمعنى ولا له أن يأمركم، قاله أبو علي وغيره، وقال الطبري: قوله ولا يأمركم بالنصب، معطوف على قوله، ثمّ يقول [آل عمران: 79].
قال الفقيه أبو محمد: وهذا خطأ لا يلتئم به المعنى، والأرباب في هذه الآية وقوله تعالى: أيأمركم بالكفر تقرير على هذا المعنى الظاهر فساده). [المحرر الوجيز: 2/270]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:32 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:32 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ (77)}
يقول تعالى: إنّ الّذين يعتاضون عمّا عهدهم اللّه عليه، من اتّباع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وذكر صفته النّاس وبيان أمره، وعن أيمانهم الكاذبة الفاجرة الآثمة بالأثمان القليلة الزّهيدة، وهي عروض هذه الدّنيا الفانية الزّائلة " أولئك لا خلاق لهم في الآخرة " أي: لا نصيب لهم فيها، ولا حظّ لهم منها " ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة " أي: برحمةٍ منه لهم، بمعنى: لا يكلّمهم كلام لطفٍ بهم، ولا ينظر إليهم بعين الرّحمة " ولا يزكّيهم " أي: من الذّنوب والأدناس، بل يأمر بهم إلى النّار " ولهم عذابٌ أليمٌ " وقد وردت أحاديث تتعلّق بهذه الآية الكريمة فلنذكر ما تيسّر منها:
الحديث الأوّل: قال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا شعبة قال: عليّ بن مدرك أخبرني قال: سمعت أبا زرعة، عن خرشة بن الحر، عن أبي ذرٍّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ثلاثة لا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ" قلت: يا رسول اللّه، من هم؟ خابوا وخسروا. قال: وأعاده رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] ثلاث مرّاتٍ قال: "المسبل، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، والمنان". ورواه مسلمٌ، وأهل السّنن، من حديث شعبة، به.
طريقٌ أخرى: قال أحمد: حدّثنا إسماعيل، عن الحريري، عن أبي العلاء بن الشّخّير، عن أبي الأحمس قال: لقيت أبا ذرٍّ، فقلت له: بلغني عنك أنّك تحدّث حديثًا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال: أما إنّه لا تخالني أكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد ما سمعته منه، فما الّذي بلغك عنّي؟ قلت: بلغني أنّك تقول: ثلاثةٌ يحبّهم اللّه، وثلاثةٌ يشنؤهم اللّه عزّ وجلّ. قال: قلته وسمعته. قلت: فمن هؤلاء الّذين يحبّهم اللّه؟ قال: الرّجل يلقى العدوّ في فئةٍ فينصب لهم نحره حتّى يقتل أو يفتح لأصحابه. والقوم يسافرون فيطول سراهم حتّى يحنّوا أن يمسوا الأرض فينزلون، فيتنحّى أحدهم فيصلّي حتّى يوقظهم لرحيلهم. والرجل يكون له الجار يؤذيه فيصبر على أذاه حتّى يفرّق بينهما موتٌ أو ظعن. قلت: ومن هؤلاء الّذين يشنأ اللّه؟ قال: التّاجر الحلّاف -أو البائع الحلّاف -والفقير المختال، والبخيل المنّان غريبٌ من هذا الوجه.
الحديث الثّاني: قال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن جرير بن حازمٍ قال: حدّثنا عديّ بن عديٍّ، أخبرني رجاء بن حيوة والعرس بن عميرة عن أبيه عدي -هو ابن عميرة الكنديّ-قال: خاصم رجلٌ من كندة يقال له: امرؤ القيس بن عابسٍ رجلا من حضرموت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرضٍ، فقضى على الحضرميّ بالبيّنة، فلم يكن له بيّنةٌ، فقضى على امرئ القيس باليمين. فقال الحضرميّ: إن أمكنته من اليمين يا رسول اللّه ذهبت وربّ الكعبة أرضي. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "من حلف على يمينٍ كاذبةٍ ليقتطع بها مال أحد لقي اللّه عزّ وجلّ وهو عليه غضبان" قال رجاءٌ: وتلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا} فقال امرؤ القيس: ماذا لمن تركها يا رسول اللّه؟ فقال الجنّة" قال: فاشهد أنّي قد تركتها له كلّها. ورواه النّسائيّ من حديث عديّ بن عديٍّ، به.
الحديث الثّالث: قال أحمد: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن شقيق، عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من حلف على يمينٍ هو فيها فاجر، ليقتطع بها مال امرئٍ مسلمٍ، لقي الله عزّ وجلّ وهو عليه غضبان".
فقال الأشعث: فيّ واللّه كان ذلك، كان بيني وبين رجلٍ من اليهود أرضٌ فجحدني، فقدّمته إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألك بيّنة؟ " قلت: لا فقال لليهوديّ: "احلف" فقلت: يا رسول اللّه، إذًا يحلف فيذهب مالي. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا} [إلى آخر] الآية: أخرجاه من حديث الأعمش.
طريقٌ أخرى: قال أحمد: حدّثنا يحيى بن آدم، حدّثنا أبو بكر بن عيّاش، عن عاصم بن أبي النّجود، عن شقيق بن سلمة، حدّثنا عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من اقتطع مال امرئٍ مسلمٍ بغير حقٍّ لقي اللّه وهو عليه غضبان" قال: فجاء الأشعث بن قيس فقال: ما يحدّثكم أبو عبد الرّحمن؟ فحدّثناه، فقال: فيّ كان هذا الحديث، خاصمت ابن عمٍّ لي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في بئرٍ لي كانت في يده، فجحدني، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "بيّنتك أنّها بئرك وإلا فيمينه" قال: قلت: يا رسول اللّه، ما لي بيّنةٌ، وإن تجعلها بيمينه تذهب بئري ؛ إنّ خصمي امرؤٌ فاجرٌ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من اقتطع مال امرئٍ مسلمٍ بغير حقٍّ لقي اللّه وهو عليه غضبان" قال: وقرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا [أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ]}.
الحديث الرّابع: قال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن غيلان، حدّثنا رشدين عن زبّان، عن سهل بن معاذ بن أنسٍ، عن أبيه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ للّه تعالى عبادًا لا يكلّمهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولا ينظر إليهم" قيل: ومن أولئك يا رسول اللّه؟ قال: "متبرّئٌ من والديه راغبٌ عنهما، ومتبرّئٌ من ولده، ورجلٌ أنعم عليه قومٌ فكفر نعمتهم وتبرّأ منهم".
الحديث الخامس: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثنا هشيم، أنبأنا العوّام -يعني ابن حوشب-عن إبراهيم بن عبد الرّحمن -يعني السّكسكي-عن عبد اللّه بن أبي أوفى: أنّ رجلًا أقام سلعةً له في السّوق، فحلف باللّه لقد أعطى بها ما لم يعطه، ليوقع فيها رجلًا من المسلمين، فنزلت هذه الآية: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا} ورواه البخاريّ، من غير وجهٍ، عن العوّام.
الحديث السّادس: قال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ثلاثةٌ لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ: رجلٌ منع ابن السّبيل فضل ماءٍ عنده، ورجلٌ حلف على سلعةٍ بعد العصر -يعني كاذبًا-ورجلٌ بايع إمامًا، فإن أعطاه وفى له، وإن لم يعطه لم يف له". ورواه أبو داود، والتّرمذيّ، من حديث وكيعٍ، وقال التّرمذيّ: حسن صحيح). [تفسير القرآن العظيم: 2/62-65]


تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإنّ منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون (78)}
يخبر تعالى عن اليهود، عليهم لعائن اللّه، أنّ منهم فريقًا يحرّفون الكلم عن مواضعه ويبدّلون كلام اللّه، ويزيلونه عن المراد به، ليوهموا الجهلة أنّه في كتاب اللّه كذلك، وينسبونه إلى اللّه، وهو كذبٌ على اللّه، وهم يعلمون من أنفسهم أنّهم قد كذبوا وافتروا في ذلك كلّه؛ ولهذا قال: {ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
وقال مجاهدٌ، والشّعبيّ، والحسن، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ: {يلوون ألسنتهم بالكتاب} يحرّفونه.
وهكذا روى البخاريّ عن ابن عبّاسٍ: أنّهم يحرّفون ويزيدون وليس أحدٌ من خلق اللّه يزيل لفظ كتابٍ من كتب اللّه، لكنّهم يحرّفونه: يتأوّلونه على غير تأويله.
وقال وهب بن منبّه: إنّ التّوراة والإنجيل كما أنزلهما اللّه لم يغيّر منهما حرفٌ، ولكنّهم يضلّون بالتّحريف والتّأويل، وكتبٍ كانوا يكتبونها من عند أنفسهم، {ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه} فأمّا كتب اللّه فإنّها محفوظةٌ ولا تحوّل.
رواه ابن أبي حاتمٍ، فإن عنى وهب ما بأيديهم من ذلك، فلا شكّ أنّه قد دخلها التّبديل والتّحريف والزّيادة والنّقص، وأمّا تعريب ذلك المشاهد بالعربيّة ففيه خطأٌ كبيرٌ، وزياداتٌ كثيرةٌ ونقصانٌ، ووهم فاحشٌ. وهو من باب تفسير المعبّر المعرب، وفهم كثيرٍ منهم بل أكثرهم، بل جميعهم فاسدٌ. وأمّا إن عنى كتب اللّه الّتي هي كتبه من عنده، فتلك كما قال محفوظةٌ لم يدخلها شيءٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/65]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادًا لي من دون اللّه ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون (79) ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أربابًا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون (80)}
قال محمّد بن إسحاق: حدّثنا محمّد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: قال أبو رافعٍ القرظي، حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنّصارى من أهل نجران، عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمّد أن نعبدك كما تعبد النّصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجلٌ من أهل نجران نصرانيٌّ يقال له الرئيس: أو ذاك تريد منّا يا محمّد، وإليه تدعوننا؟ أو كما قال. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "معاذ الله أن نعبد غير الله، أو أن نأمر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني". أو كما قال صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهما: {ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة} [الآية] إلى قوله: {بعد إذ أنتم مسلمون}.
فقوله {ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادًا لي من دون اللّه} أي: ما ينبغي لبشرٍ آتاه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة أن يقول للنّاس: اعبدوني من دون اللّه. أي: مع اللّه، فإذا كان هذا لا يصلح لنبيٍّ ولا لمرسلٍ، فلأن لا يصلح لأحدٍ من النّاس غيرهم بطريق الأولى والأحرى؛ ولهذا قال الحسن البصريّ: لا ينبغي هذا لمؤمنٍ أن يأمر النّاس بعبادته. قال: وذلك أنّ القوم كان يعبد بعضهم بعضًا -يعني أهل الكتاب-كانوا يتعبّدون لأحبارهم ورهبانهم، كما قال اللّه تعالى: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه [والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلا هو سبحانه عمّا يشركون]} [التّوبة:31] وفي المسند، والتّرمذيّ -كما سيأتي-أنّ عديّ بن حاتمٍ قال: يا رسول اللّه، ما عبدوهم. قال: "بلى، إنّهم أحلّوا لهم الحرام وحرّموا عليهم الحلال، فاتّبعوهم، فذلك عبادتهم إيّاهم".
فالجهلة من الأحبار والرّهبان ومشايخ الضّلال يدخلون في هذا الذّمّ والتّوبيخ، بخلاف الرّسل وأتباعهم من العلماء العاملين، فإنّما يأمرون بما أمر اللّه به وبلّغتهم إيّاه رسله الكرام. إنّما ينهونهم عمّا نهاهم اللّه عنه وبلّغتهم إيّاه رسله الكرام. فالرّسل، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين، هم السّفراء بين اللّه وبين خلقه في أداء ما حملوه من الرّسالة وإبلاغ الأمانة، فقاموا بذلك أتمّ قيامٍ، ونصحوا الخلق، وبلّغوهم الحقّ.
وقوله: {ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} أي: ولكن يقول الرّسول للناس: كونوا ربّانيين. قال ابن عبّاسٍ وأبو رزين وغير واحدٍ، أي: حكماء علماء حلماء. وقال الحسن وغير واحدٍ: فقهاء، وكذا روي عن ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبير، وقتادة، وعطاءٍ الخراسانيّ، وعطيّة العوفيّ، والرّبيع بن أنسٍ. وعن الحسن أيضًا: يعني أهل عبادةٍ وأهل تقوى.
وقال الضّحّاك في قوله: {بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} حقٌ على من تعلّم القرآن أن يكون فقيهًا: "تعلمون" أي: تفهّمون معناه. وقرئ {تعلّمون} بالتّشديد من التّعليم {وبما كنتم تدرسون} تحفظون ألفاظه). [تفسير القرآن العظيم: 2/65-66]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أربابًا} أي: ولا يأمركم بعبادة أحدٍ غير اللّه، لا نبيٍّ مرسلٍ ولا ملكٍ مقرّب {أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} أي: لا يفعل ذلك؛ لأنّ من دعا إلى عبادة غير اللّه فقد دعا إلى الكفر، والأنبياء إنّما يأمرون بالإيمان، وهو عبادة اللّه وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء:25] وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت} الآية، [النّحل:36] وقال تعالى {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرّحمن آلهةً يعبدون} [الزّخرف:45] وقال [تعالى] إخبارًا عن الملائكة: {ومن يقل منهم إنّي إلهٌ من دونه فذلك نجزيه جهنّم كذلك نجزي الظّالمين} [الأنبياء:29] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/67]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:42 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة