{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}
تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل...} يقول: ألم تخبر عن الحبشة، وكانوا غزوا البيت وأهل مكة، فلما كانوا بذي المجاز مروا براعٍ لعبد المطلب فاستاقوا إبله، فركب دابته وجاء إلى مكة، فصرخ بصراخ الفزع ثم أخبرهم الخبر، فجال عبد المطلب في متن فرسه ثم لحقهم، فقال له رجلان من كندة وحضرموت: ارجع، وكانا صديقين له، فقال: والله لا أبرح حتى آخذ أبلي، أو أوخذ معها، فقالوا لأصحمة رئيس الحبشة: ارددها عليه؛ فإنه آخذها غدوة، فرجع بإبله، وأخبر أهل مكة الخبر، فمكثوا أياما لا يرون شيئًا، فعاد عبد المطلب إلى مكانهم فإذا هم كما قال الله تبارك وتعالى: "كالعصف المأكول" قد بعث الله تبارك وتعالى عليهم طيرا في مناقيرها الحجارة كبعر الغنم، فكان الطائر يرسل الحجر فلا يخطئ رأس صاحبه، فيخرج من دبره فقتلتهم جميعا، فأخذ عبد المطلب من الصفراء والبيضاء يعني: الذهب والفضة ما شاء، ثم رجع إلى أهل مكة فأخبرهم، فخرجوا إلى عسكرهم فانتبهوا ما فيه). [معاني القرآن: 3/291-292]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (بلغني عن ابن عيينة أنه قال: كان لنا إمام بالكوفة يقرأ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1] و{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1] ولا يفرّق بينهما.
وتوهّم القوم أنهما سورة واحدة، لأنهم رأوا قوله: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} مردودا إلى كلام في سورة الفيل.
وأكثر الناس على أنهما سورتان، على ما في مصحفنا، وإن كانتا متّصلتي الألفاظ، على مذهب العرب في التضمين. والمعنى أنّ قريشا كانت بالحرم آمنة من الأعداء أن تهجم عليها فيه، وأنّ يعرض لها أحد بسوء إذا خرجت منه لتجارتها. وكانوا يقولون: قريش سكان حرم الله، وأهل الله وولاة بيته. والحرم واد جديب لا زرع فيه ولا ضرع، ولا شجر ولا مرعى، وإنما كانت تعيش فيه بالتجارة، وكانت لهم رحلتان في كل سنة: رحلة إلى اليمن في الشتاء، ورحلة في الصيف إلى الشام. ولولا هاتان الرّحلتان لم يمكن به مقام، ولولا الأمن بجوارهم البيت، لم يقدروا على التصرّف. فلمّا قصد أصحاب الفيل إلى مكة ليهدموا الكعبة وينقلوا أحجارها إلى اليمن فيبنوا به هناك بيتا ينتقل به الأمن إليهم، ويصير العزّ لهم، أهلكهم الله سبحانه، لتقيم قريش بالحرم، ويجاوروا البيت، فقال يذكر نعمته: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 1-5]). [تأويل مشكل القرآن: 413-415]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل (1)}
{كيف} في موضع نصب بـ {فعل ربّك} لا بقوله: {ألم تر}، لأن كيف من حروف الاستفهام.
ومعنى {ألم تر} ألم تعلم، فأعلم اللّه -عزّ وجلّ – رسوله ما كان مما سلف من الأقاصيص وما فيه دالّ على توحيد اللّه وتعظيمه أمر كعبته، وكان من قصة أصحاب الفيل أنّ قوما من العرب - وكانوا ببلاد النجاشي - وكانوا بحضرة بيت هو مصلّى للنّصارى وأصحاب النجاشي، فأججوا نارا استعملوها لبعض ما احتاجوا إليه، ثم رحلوا ولم يطفئوها فحملتها الريح حتى أحرقت البيت الذي كان مصلاهم ومثابة للنجاشي وأصحابه، فقصد مكة مقدّرا أن يحرق بيت الحرام ويستبيح أهل مكة، فلما قربوا من الحرم لم تسر بهم دوابهم نحو البيت فإذا عطفوها راجعين سارت، فوعظهم اللّه بأبلغ موعظة، فأقاموا على قصد البيت وعلى أن يحرقوه، فأرسل الله عليهم طيرا أبابيل، فجعل كيدهم في تضليل، أي في ذهاب وهلاك، وكان مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجر في منقاره وحجران في رجليه، يقع الحجر منها على رأس الرجل فيخرج من دبره على كل حجر اسم الرجل الذي وقع عليه، فقال اللّه جل ثناؤه: {وأرسل عليهم طيرا أبابيل (3)}). [معاني القرآن: 5/363]
تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)}
تفسير قوله تعالى: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {أبابيل...} لا واحد لها مثل: الشماطيط، والعباديد، والشعارير كل هذا لا يفرد له واحد، وزعم لي الرؤاسي وكان ثقة مأمونا: أنه سمع واحدها: إبّالة لا ياء فيها.
ولقد سمعت من العرب من يقول: "ضغث على إبّالة" يريدون: خصب على خصب.
وأمّا الإيبالة: فهي الفضلة تكون على حمل الحمار أو البعير من العلف، وهو مثل الخصب على الخصب، وحمل فوق حمل، فلو قال قائل: واحد الأبابيل إيبالة كان صوابا، كما قالوا: دينار دنانير.
وقد قال بعض النحويين، وهو الكسائي: كنت أسمع النحويين يقولون: أبوك مثل العجّول والعجاجيل). [معاني القرآن: 3/292]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({طيرًا أبابيل} جماعات في تفرقة، جاءت الطير أبابيل من ها هنا وها هنا، ولم نر أحدا يجعل لها واحدا). [مجاز القرآن: 2/312]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أبابيل}: جماعات في تفرقة. يقال جاءت الخيل أبابيل زمرا من كل ناحية). [غريب القرآن وتفسيره: 442]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أبابيل}: جماعات متفرّقة). [تفسير غريب القرآن: 539]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وأرسل عليهم طيرا أبابيل (3)}: جماعات من ههنا وجماعات من ههنا، والمعنى أرسل اللّه عليهم هذا الطير بهذه الحجارة من كل جانب). [معاني القرآن: 5/363]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَبَابِيلَ} جماعات متفرقة، واحدها إِبَّوْل، وقيل: إبالة مخفف ومثقل. وقيل: إيبال، وقيل واحدها إبّيل، وقيل: لا واحد لها. وقيل: أبابيل: جماعة مختلفة. وقيل: بعضها إثر بعض. قيل: كانت بيضا، وقيل: كانت سوداء، خرجت من البحر، لها رؤوس كرؤوس السّباع، في أظفارها ومناقرها الحجارة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 307]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَبَابِيلَ}: زمراً زمرا). [العمدة في غريب القرآن: 357]
تفسير قوله تعالى: {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (ويقال: {سجّيلٍ...} كالآجر مطبوخ من طين، فقال الكلبي: حدثني أبو صالح قال: رأيت في بيت أم هانئ بنت أبي طالب، نحوا من قفيز من تلك الحجارة سودا مخططة بحمرة). [معاني القرآن: 3/293]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({حجارةٍ من سجّيلٍ} هو كل شيء شديد، قال ابن مقبل: ضرباً تواصى به الأبطال سجّيلا). [مجاز القرآن: 2/312]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({سجيل}: طين خلطة حجارة). [غريب القرآن وتفسيره: 442]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({من سجّيلٍ} قال ابن عباس: [من] آجرّ). [تفسير غريب القرآن: 539]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله: {حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} [الذاريات: 33]، فإن ابن عباس، رضي الله عنه، ذكر أنها آجرّ. والآجرّ: حجارة الطين، لأنه في صلابة الحجارة.
وقرأت في التّوراة بعد ذكر أنساب ولد نوح صلّى الله عليه وسلّم: أنهم تفرّقوا في كل أرض، وكانت الأرض لسانا واحدا، فلما ارتحلوا من المشرق وجدوا بقعة في الأرض اسمها (سعير) فحلّوا بها، ثم جعل الرجل منهم يقول لصاحبه: هلمَّ فلنُلبِّن لَبِنًا فنحرّقه بالنار فيكون اللَّبِن حجارة، ونبني مِجْدَلاً رأسه في السماء، وذكر بعض من رأى هذه الحجارة أنها حُمْرٌ مُخَتَّمَة. وقال آخرون: مخطّطة، وذلك تسويمها، ولهذا ذهب قوم في تفسير {سجّيل} إلى سِنك وَكِل؛ أي حجر وطين). [تأويل مشكل القرآن: 81](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ومعنى {ترميهم بحجارة من سجّيل (4)} وصف اللّه في كل من عذبه بالحجارة أنها من سجّيل، فقال في قوم لوط: {وأمطرنا عليها حجارة من سجّيل منضود} فالمعنى وأرسل عليهم ما يرميهم بحجارة من سجّيل، أي من شديد عذابه، والعرب إذا وصفت المكروه بسجيل كأنها تعني به الشدّة ولا يوصف به غير المكروه.
قال الشاعر:
ورجلة يضربون البيض عن عرض = ضربا تواصت به الأبطال سجّيلا
أي ضربا شديدا.
وأما {أبابيل} قال أبو عبيدة: لا واحد لها، وقال غيره: إبّالة وأبابيل. و(إبّالة) كأنّها جماعة.
وقال بعضهم واحدها "إبّول" وأبابيل، مثل عجول وعجاجيل). [معاني القرآن: 5/364]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مِّن سِجِّيلٍ} أي من آجُرّ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 307]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سِجِّيلٍ}: طين وحجارة). [العمدة في غريب القرآن: 358]
تفسير قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {كعصفٍ...} والعصف: أطراف الزرع قبل أن يدرك ويسنبل). [معاني القرآن: 3/293]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({كعصفٍ مأكولٍ} وهو ورق الزرع هو العصيفة). [مجاز القرآن: 2/312]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فجعلهم كعصفٍ مّأكولٍ} قال: {فجعلهم كعصفٍ مّأكول}). [معاني القرآن: 4/52]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({كعصف مأكول}: العصف ورق الزرع الذي يقطع منه قبل التقصيب فيؤكل). [غريب القرآن وتفسيره: 442]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كعصفٍ} يعني: ورق الزّرع.
و{مأكولٍ} فيه قولان:
(أحدهما): أن يكون أراد: أنه أخذ ما فيه -من الحب- فأكل، وبقي هو لا حبّ فيه.
(و الآخر): أن يكون أراد: العصف مأكولا للبهائم، كما تقول للحنطة: «هذا المأكول» ولمّا يؤكل. وللماء: «هذا المشروب» ولمّا يشرب. يريد: أنهما مما يؤكل ويشرب). [تفسير غريب القرآن: 539]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({فجعلهم كعصف مأكول (5)} أي جعلهم كورق الزّرع الذي جفّ وأكل: أي: وقع فيه الأكال. وجاء في التفسير أن الله تعالى أرسل عليهم سيلا فحملهم إلى البحر). [معاني القرآن: 5/364]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كَعَصْفٍ} كورق الزرع). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 307]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((العَصْفٍ): التبن). [العمدة في غريب القرآن: 358]