تفاسير القرن السادس الهجري
تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والذين يعطون كتبهم بأيمانهم هم المخلدون في الجنة أهل الإيمان. واختلف العلماء في الفرقة التي ينفذ فيها الوعيد من أهل المعاصي متى تأخذ كتبها، فقال بعضهم الأظهر أنها تأخذها مع الناس، وذلك يؤنسها مدة العذاب، قال الحسن: فإذا أعطى كتابه بيمينه لم يقرأه حتى يأذن الله تعالى له، فإذا أذن له قال: هاؤم اقرؤا كتابيه، وقال آخرون: الأظهر أنه إذا أخرجوا من النار والإيمان يؤنسهم وقت العذاب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ظاهر هذه الآية، لأن من يسير إلى النار فكيف يقول هاؤم اقرؤا كتابيه؟ وأما قوله هاؤم، فقال قوم: أصله هاوموا، ثم نقله التخفيف والاستعمال، وقرأ آخرون هذه الميم ضمير الجماعة، وفي هذا كله نظر. والمعنى على كل تعالوا، فهو استدعاء إلى الفعل المأمور به، وقوله تعالى: اقرؤا كتابيه هو استبشار وسرور). [المحرر الوجيز: 8/ 392]
تفسير قوله تعالى: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: ظننت الآية، عبارة عن إيمانه بالبعث وغيره، قال قتادة: ظن هذا ظنا يقينا فنفعه، وقوم ظنوا ظن الشك فشقوا به، وظننت هنا واقعة موقع تيقنت وهي في متيقن لم يقع بعد ولا خرج إلى الحس، وهذا هو باب الظن الذي يقع موقع اليقين،
وقرأ بعض القراء: «كتابيه» و «حسابيه» و «ماليه» و «سلطانيه» بالهاء في الوصل والوقف اقتداء بخط المصحف، وهي في الوصل بينة الوقوف لأنها هاء السكت، فلا معنى لها في الوصل، وطرح الهاءات في الوصل لا في الوقف الأعمش وابن أبي إسحاق، قال أبو حاتم: قراءتنا إثبات في الوقف وطرح في الوصل، وبذلك قرأ ابن محيصن وسلام، وقال الزهراوي في إثبات الهاء في الوصل لحن لا يجوز عنه أحد علمته). [المحرر الوجيز: 8/ 392-393]
تفسير قوله تعالى: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وراضيةٍ معناه: ذات رضى فهو بمعنى مرضية، وليست بناء اسم فاعل). [المحرر الوجيز: 8/ 393]
تفسير قوله تعالى: {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وعاليةٍ معناه في المكان والقدر وجميع وجوه العلو). [المحرر الوجيز: 8/ 393]
تفسير قوله تعالى: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و «القطوف»: جمع قطف وهو يجتنى من الثمار ويقطف، ودنوها: هو أنها تأتي طوع المتمنى فيأكلها القائم والقاعد والمضطجع بفيه من شجرتها). [المحرر الوجيز: 8/ 393]
تفسير قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وأسلفتم معناه: قدمتم: و «الأيام»: هي أيام الدنيا لأنها في الآخرة قد خلت وذهبت. وقال وكيع وابن جبير وعبد العزيز بن رفيع: المراد بما أسلفتم من الصوم وعمومها في كل الأعمال أولى وأحسن). [المحرر الوجيز: 8/ 393]
تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والذين يؤتون كتابهم بشمائلهم: هم المخلدون في النار أهل الكفر فيتمنون أن لو كانوا معدومين لا يجري عليهم شيء). [المحرر الوجيز: 8/ 393]
تفسير قوله تعالى: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: يا ليتها كانت القاضية إشارة إلى موتة الدنيا، أي ليتها لم يكن بعدها رجوع ولا حياة). [المحرر الوجيز: 8/ 393]
تفسير قوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ما أغنى يحتمل أن يريد الاستفهام على معنى التقرير لنفسه والتوبيخ، ويحتمل أن يريد النفي المحض). [المحرر الوجيز: 8/ 393]
تفسير قوله تعالى: {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و «السلطان» في الآية:الحجة على قول عكرمة ومجاهد، قال بعضهم ونحا إليه ابن زيد ينطق بذلك ملوك الدنيا الكفرة، والظاهرة عندي أن سلطان كل أحد حاله في الدنيا من عدد وعدد، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه»). [المحرر الوجيز: 8/ 393]
تفسير قوله تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: خذوه فغلّوه (30) ثمّ الجحيم صلّوه (31) ثمّ في سلسلةٍ ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه (32) إنّه كان لا يؤمن باللّه العظيم (33) ولا يحضّ على طعام المسكين (34) فليس له اليوم هاهنا حميمٌ (35) ولا طعامٌ إلاّ من غسلينٍ (36) لا يأكله إلاّ الخاطؤن (37) فلا أقسم بما تبصرون (38) وما لا تبصرون (39) إنّه لقول رسولٍ كريمٍ (40)
المعنى يقول الله تعالى: أو الملك بأمره للزبانية، خذوه واجعلوا على عنقه غلا، قال ابن جرير: نزلت في أبي جهل). [المحرر الوجيز: 8/ 394]
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)}
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وذرعها معناه مبلغ أذرع كيلها، وقد جعل الله تعالى السبعمائة والسبعين والسبعة مواقف ونهايات لأشياء عظام، فذلك مشي البشر: العرب وغيرهم على أن يجعلوها نهايات، وهذه السلسلة من الأشياء التي جعل فيها السبعين نهاية. وقرأ السدي: «ذرعها سبعين» بالياء، وهذا على حذف خبر الابتداء، واختلف الناس في قدر هذا الذرع، فقال محمد بن المنكدر وابن جرير وابن عباس: هو بذراع الملك، وقال نوف البكالي وغيره: الذراع سبعون باعا في كل باع كما بين الكوفة ومكة، وهذا يحتاج إلى سند، وقال حذاق من المفسرين: هي بالذراع المعروفة هنا، وإنما خوطبنا بما نعرفه ونحصله، وقال الحسن: الله أعلم بأي ذراع هي: وقال السويد بن نجيح في كتاب الثعلبي: إن جميع أهل النار في تلك السلسلة، وقال ابن عباس: لو وضع حلقة منها على جبل لذاب كالرصاص، وقوله تعالى: فاسلكوه معناه: أدخلوه، ومنه قول أبي وجزة السعدي يصف حمر وحش: [البسيط]
حتى سلكن الشوى منهن في مسك = من نسل جوابة الآفاق مهداج
وروي أن هذه السلسلة تدخل في فم الكافر وتخرج من دبره فهي في الحقيقة التي سلك فيها لكن الكلام جرى مجرى قولهم: أدخلت فمي في الحجر والقلنسوة في رأسي، وروي أن هذه السلسلة تلوى حول الكافر حتى تغمه وتضغطه، فالكلام على هذا على وجهه وهو المسلوك). [المحرر الوجيز: 8/ 394-395]
تفسير قوله تعالى: {إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)}
تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ولا يحضّ على طعام المسكين المراد به: ولا يحضّ على إطعام طعام المسكين، وأضاف «الطعام» إلى المسكين من حيث له إليه نسبة ما وخصت هذه الخلة من خلال الكافر بالذكر لأنها من أضر الخلال في البشر إذا كثرت في قوم هلك مساكنهم). [المحرر الوجيز: 8/ 395]
تفسير قوله تعالى: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف المتأولون في قوله: حميمٌ، فقال جمهور من المفسرين: هو الصديق اللطيف المودة، فنفى الله تعالى أن يكون للكافر هنالك من يواليه، ونفى أن يكون له طعام إلّا من غسلينٍ، وقال محمد بن المستنير: «الحميم» الماء السخن، فكأنه تعالى أخبر أن الكافر ليس له ماء ولا شيء مائع ولا طعامٌ إلّا من غسلينٍ، و «الغسلين» فيما قال اللغويون: ما يجري من الجراح إذا غسلت، وقال ابن عباس: هو صديد أهل النار. وقال قتادة وابن زيد: الغسلين والزقوم أخبث شيء وأبشعه، وقال الضحاك والربيع: هو شجر يأكله أهل النار، وقال بعض المفسرين: هو شيء من ضريع النار، لأن الله تعالى قد أخبر أنهم ليس لهم طعام إلّا من غسلينٍ، وقال في أخرى: من ضريعٍ [الغاشية: 6] فهما شيء واحد أو اثنان متداخلان، ويحتمل أن يكون الإخبار هنا عن طائفة وهناك عن طائفة، ويكون الغسلين والضريع متباينين على ما يفهم منهما في لسان العرب وخبر ليس في به، قال المهدوي: ولا يصح أن يكون هاهنا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد يصح ذلك إن شاء الله). [المحرر الوجيز: 8/ 395]
تفسير قوله تعالى: {لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والخاطئ: الذي يفعل ضد الصواب متعمدا والمخطئ الذي يفعله غير متعمد، وقرأ الحسن والزهري «الخاطيون» بالياء دون همز، وقرأ طلحة وأبو جعفر وشيبة ونافع بخلاف عنه: «الخاطون» بضم الطاء دون همز). [المحرر الوجيز: 8/ 396]