تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال الّذين كفروا لرسلهم لنخرجنّكم من أرضنا أو لتعودنّ في ملّتنا، فأوحى إليهم ربّهم لنهلكنّ الظّالمين (13) ولنسكننّكم الأرض من بعدهم، ذلك لمن خاف مقامي، وخاف وعيد}.
يقول عزّ ذكره: وقال الّذين كفروا باللّه لرسلهم الّذين أرسلوا إليهم حين دعوهم إلى توحيد اللّه وإخلاص العبادة له وفراق عبادة الآلهة والأوثان: {لنخرجنّكم من أرضنا} يعنون: من بلادنا، فنطردكم عنها {أو لتعودنّ في ملّتنا} يعنون: إلاّ أن تعودوا في ديننا الّذي نحن عليه من عبادة الأصنام.
وأدخلت في قوله: {لتعودنّ} لامٍ، وهو في معنى شرطٍ، كأنّه جوّابٌ لليمين. وإنّما معنى الكلام: لنخرجنّكم من أرضنا أو تعودنّ في ملّتنا.
ومعنى " أو " ههنا معنى " إلاّ " أو معنى " حتّى " كما يقال في الكلام: لأضربنّك أو تقرّ لي، فمن العرب من يجعل ما بعد " أو " في مثل هذا الموضع عطفًا على ما قبله جزمًا جزموه، وإن كان نصبًا نصبوه، وإن كان فيه لامٌ جعلوا فيه لامًا، إذ كانت " أو " حرف نسقٍ ومنهم من ينصب " ما " بعد " أو " بكلّ حالٍ، ليعلم بنصبه أنّه عن الأوّل منقطعٌ عمّا قبله، كما قال امرؤ القيس:
بكى صاحبي لمّا رأى الدّرب دونه = وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
فقلت له: لا تبك عينك إنّما = نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا
فنصب " نموت فنعذرا " وقد رفع " نحاول "، لأنّه أراد معنى: إلاّ أن نموت، أو حتّى نموت، ومنه قول الآخر:
لا أستطيع نزوعًا عن مودّتها = أو يصنع الحبّ بي غير الّذي صنعا
وقوله: {فأوحى إليهم ربّهم لنهلكنّ الظّالمين} الّذين ظلموا أنفسهم، فأوجبوا لها عقاب اللّه بكفرهم، وقد يجوز أن يكون قيل لهم: الظّالمون لعبادتهم، من لا تجوز عبادته من الأوثان والآلهة، فيكون بوضعهم العبادة في غير موضعها إذ كان ظلمًا سمّوا بذلك). [جامع البيان: 13/611-613]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (آية 13 - 16.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله عنه - في الآية قال: كانت الرسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم ويقهرونهم ويكذبونهم ويدعونهم إلى أن يعودوا في ملتهم فأبى الله لرسله والمؤمنين أن يعودوا في ملة الكفر وأمرهم أن يتوكلوا على الله وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة ووعدهم أن يسكنهم الأرض من بعدهم فأنجز الله لهم وعدهم واستفتحوا كما أمرهم الله أن يستفتحوا). [الدر المنثور: 8/498]
تفسير قوله تعالى: (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({مقامي} [إبراهيم: 14] : «حيث يقيمه اللّه بين يديه»). [صحيح البخاري: 6/79]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله مقامي حيث يقيمه اللّه بين يديه قال أبو عبيدة في قوله ذلك لمن خاف مقامي قال حيث أقيمه بين يديّ للحساب قلت وفيه قولٌ آخر قال الفرّاء أيضًا إنّه مصدرٌ لكن قال إنّه مضافٌ للفاعل أي قيامي عليه بالحفظ). [فتح الباري: 8/377]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (مقامي حيث يقيمه الله بين يديه
أشار به إلى قوله تعالى: {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} (إبراهيم: 14) وفسّر قوله: مقامي، بقوله: حيث يقيمه بين يديه، وهكذا روي عن ابن عبّاس وغيره، وفي التّفسير: مقامي موقفي وهو موقف الحساب لأنّه موقف الله تعالى الّذي يقف فيه عباده يوم القيامة، وقيل: خاف قيامي عليه وحفظي لأعماله). [عمدة القاري: 19/3]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: ذلك لمن خاف ({مقامي}) [إبراهيم: 14] قال ابن عباس: (حيث يقيمه الله بين يديه) يوم القيامة للحساب). [إرشاد الساري: 7/187-188]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ولنسكننّكم الأرض من بعدهم} هذا وعدٌ من اللّه من وعد من أنبيائه النّصر على الكفرة به من قومه، يقول: لمّا تمادت أمم الرّسل في الكفر، وتوعّدوا رسلهم بالوقوع بهم، أوحى اللّه إليهم بإهلاك من كفر بهم من أممهم ووعدهم النّصر وكلّ ذلك كان من اللّه وعيدًا وتهديدًا لمشركي قوم نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم على كفرهم به وجراءتهم على نبيّه، وتثبيتًا لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأمرًا له بالصّبر على ما لقي من المكروه فيه من مشركي قومه، كما صبر من كان قبله من أولي العزم من رسله، ومعرفة أنّ عاقبة أمر من كفر به الهلاك، وعاقبته النّصر عليهم، {سنّة اللّه في الّذين خلوا من قبل}
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولنسكننّكم الأرض من بعدهم} قال: " وعدهم النّصر في الدّنيا، والجنّة في الآخرة "
وقوله: {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} يقول جلّ ثناؤه: هكذا فعلي بمن خاف مقامه بين يديّ، وخاف وعيدي، فاتّقاني بطاعته وتجنّب سخطي، أنصره على من أراد به سوءًا وبغاه مكروهًا من أعدائي، أهلك عدوّه وأخزيه، وأورّثه أرضه ودياره، وقال: {لمن خاف مقامي} ومعناه ما قلت من أنّه لمن خاف مقامه بين يديّ بحيث أقيمه هنالك للحساب، كما قال: {وتجعلون رزقكم أنّكم تكذّبون} معناه: وتجعلون رزقي إيّاكم أنّكم تكذّبون، وذلك أنّ العرب تضيف أفعالها إلى أنفسها، وإلى ما أوقعت عليه، فتقول: قد سررت برؤيتك وبرؤيتي إيّاك، فكذلك ذلك). [جامع البيان: 13/613-614]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني الشّيخ أبو بكر بن إسحاق، أنبأ محمّد بن شاذان الجوهريّ، ثنا سعيد بن سليمان الواسطيّ، ثنا محمّد بن يزيد بن خنيسٍ، عن عبد العزيز بن أبي روّادٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: لمّا أنزل اللّه عزّ وجلّ على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم {يا أيّها الّذين آمنوا قوا أنفسكم، وأهليكم نارًا} [التحريم: 6] تلاها رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم على أصحابه ذات ليلةٍ، أو قال يومٍ فخرّ فتًى مغشيًّا عليه فوضع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يده على فؤاده، فإذا هو يتحرّك، فقال: «يا فتًى، قل لا إله إلّا اللّه» فقالها فبشّره بالجنّة، فقال أصحابه: يا رسول اللّه، أمن بيننا؟ فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " أما سمعتم قول اللّه عزّ وجلّ {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} [إبراهيم: 14] «هذا حديثٌ صحيحٌ الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/382]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله: {ولنسكننكم الأرض من بعدهم} قال: وعدهم النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، فبين اله تعالى من يسكنها من عباده فقال: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) (سورة الرحمن آية 46) وإن لله مقاما هو قائمه وإن أهل الإيمان خافوا ذلك المقام فنصبوا ودأبوا الليل والنهار). [الدر المنثور: 8/498]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما أنزل الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) (سورة التحريم آية 6) تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات ليلة فخر فتى مغشيا عليه فوضع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده فإذا هو يتحرك فقال: يا فتى قل لا إله إلا الله، فقالها فبشره بالجنة فقال أصحابه: يا رسول الله أمن بيننا قال: أما سمعتم قوله تعالى: {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} ). [الدر المنثور: 8/498]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن أبي حاتم، وابن أبي الدنيا عن عبد العزيز بن أبي رواد - رضي الله عنه قال: بلغني أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية (ياأيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) (سورة التحريم آية 6) ولفظ الحكيم لما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم هذه الآية تلاها على أصحابه وفيهم شيخ، ولفظ الحكيم فتى، فقال: يارسول الله حجارة جهنم كحجارة الدنيا فقال: النّبيّ صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لصخرة من صخر جهنم أعظم من جبال الدنيا، فوقع مغشيا عليه فوضع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده فإذا هو حي فناداه فقال: قل لا إله إلا الله، فقالها فبشره بالجنة: فقال أصحابه: يا رسول الله أمن بيننا فقال: نعم يقول الله عز وجل (ولمن خاف مقام ربه جنتان) (سورة الرحمن آية 46) {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد}). [الدر المنثور: 8/499]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم من طريق حماد بن أبي حميد عن مكحول عن عياض بن سليمان - رضي الله عنه - وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيار أمتي فيما أنبأني الملأ الأعلى قوم يضحكون جهرا في سعة رحمة ربهم ويبكون سرا من خوف عذاب ربهم يذكرون ربهم بالغداة والعشي في البيوت الطيبة والمساجد ويدعونه بألسنتهم رغبا ورهبا ويسألونه بأيدهم خفضا ورفعا ويقبلون بقلوبهم عودا وبدءا فمؤنتهم على الناس خفيفة وعلى أنفسهم ثقيلة يدبون بالليل حفاة على أقدامهم كدبيب النمل بلا روح ولا بذخ يقرؤن القرآن ويقربون القربان ويلبسون الخلقان عليهم من الله تعالى شهود حاضرة وعين حافظة يتوسمون العباد ويتفكرون في البلاد أرواحهم في الدنيا وقلوبهم في الآخرة ليس لهم هم إلا أمامهم، أعدوا الجواز لقبورهم والجواز لسلبهم والاستعداد لمقامهم ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} قال الذهبي - رضي الله عنه - هذا حديث عجيب منكر وأحسبه أدخل علي بن السماك - رضي الله - عنه يعني شيخ الحاكم الذي حدثه به، قال: ولا وجه لذكره في هذا الكتاب - يعني المستدرك - قال وحماد ضعيف ولكن لا يحتمل مثل هذا ومكحول مدلس وعياض لا يدري من هو، انتهى). [الدر المنثور: 8/499-500]
تفسير قوله تعالى: (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى واستفتحوا قال استنصرت الرسل على قومها وخاب كل جبار عنيد عن الحق معرضا عنه أبي أن يقول لا إله إلا الله). [تفسير عبد الرزاق: 1/341]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واستفتحوا وخاب كلّ جبّارٍ عنيدٍ}.
يقول تعالى ذكره: واستفتحت الرّسل على قومها: أي استنصرت اللّه عليها {وخاب كلّ جبّارٍ عنيدٍ} يقول: هلك كلّ متكبّرٍ جائرٍ حائدٍ عن الإقرار بتوحيد اللّه وإخلاص العبادة له، والعنيد والعاند والعنود بمعنًى واحدٍ، ومن الجبّار تقول: هو جبّارٌ بين الجبريّة والجبرية والجبروّة والجبروّة والجبروت.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {واستفتحوا} قال: " الرّسل كلّها، يقول: " استنصروا {عنيد} قال: " معاندٌ للحقّ مجانبه ".
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ قال: حدّثنا شبابة، قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، ح.
- وحدّثني الحارث قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {واستفتحوا} قال: " الرّسل كلّها استنصروا {وخاب كلّ جبّارٍ عنيدٍ} قال: " معاندٌ للحقّ مجانبه ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله. وقال ابن جريجٍ: استفتحوا على قومهم
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {واستفتحوا وخاب كلّ جبّارٍ عنيدٍ} قال: " كانت الرّسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم، ويقهرونهم، ويكذّبونهم، ويدعونهم إلى أن يعودوا في ملّتهم، فأبى اللّه عزّ وجلّ لرسله وللمؤمنين أن يعودوا في ملّة الكفر، وأمرهم أن يتوكّلوا على اللّه، وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة، ووعدهم أن يسكنهم الأرض من بعدهم، فأنجز اللّه لهم ما وعدهم، واستفتحوا كما أمرهم أن يستفتحوا {وخاب كلّ جبّارٍ عنيدٍ} "
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {وخاب كلّ جبّارٍ عنيدٍ} قال: " هو النّاكب عن الحقّ؛ أي الحائد عن اتّباع طريق الحقّ "
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا مطرّفٌ، عن بشرٍ، عن هشيمٍ، عن مغيرة، عن سماكٍ، عن إبراهيم: {وخاب كلّ جبّارٍ عنيدٍ} قال: " النّاكب عن الحقّ "
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {واستفتحوا} يقول: " استنصرت الرّسل على قومها، قوله: {وخاب كلّ جبّارٍ عنيدٍ} والجبّار العنيد: الّذي أبى أن يقول: لا إله إلاّ اللّه "
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {واستفتحوا} قال: " استنصرت الرّسل على قومها {وخاب كلّ جبّارٍ عنيدٍ} يقول: بعيدٍ عن الحقّ معرضٍ عنه ".
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله، وزاد فيه: معرضٌ عنه، أبى أن يقول: لا إله إلاّ اللّه "
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وخاب كلّ جبّارٍ عنيدٍ} قال: " العنيد عن الحقّ الّذي يعند عن الطّريق " قال: والعرب تقول: شرّ الإبل العنيد، الّذي يخرج عن الطّريق "
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {واستفتحوا وخاب كلّ جبّارٍ عنيدٍ} قال: " الجبّار: هو المتجبّر "
- وكان ابن زيدٍ يقول في معنى قوله: {واستفتحوا} خلاف قول هؤلاء، ويقول: إنّما استفتحت الأمم، فأجيبت
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {واستفتحوا} قال: " استفتاحهم بالبلاء، قالوا: اللّهمّ إن كان هذا الّذي أتى به محمّدٌ هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السّماء، كما أمطرتها على قوم لوطٍ، أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ قال: " كان استفتاحهم بالبلاء كما استفتح قوم هودٍ، {ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين} قال: " فالاستفتاح: العذاب. قال: قيل لهم: إنّ لهذا أجلاً، حين سألوا اللّه أن ينزل عليهم، فقال: بل نؤخّرهم الى يوم القيامة فقالوا: لا نريد أن نؤخّر إلى يوم القيامة {ربّنا عجّل لنا قطّنا} عذابنا {قبل يوم الحساب} وقرأ: {ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجلٌ مسمًّى لجاءهم العذاب} حتّى بلغ: {ومن تحت أرجلهم، ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون} "). [جامع البيان: 13/614-617]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد واستفتحوا يعني الرسل كلهم يقول استنصروا على قومهم يقول الله وخاب كل جبار عنيد يعني معاند للحق مجانبه). [تفسير مجاهد: 334]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله: {واستفتحوا} قال للرسل كلها، يقول: استنصروا، وفي قوله: {وخاب كل جبار عنيد} قال: معاند للحق مجانب له). [الدر المنثور: 8/500]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله: {واستفتحوا} قال: استنصرت الرسل على قومها {وخاب كل جبار عنيد} يقول: بعيد عن الحق معرض عنه أبى أن يقول لا إله إلا الله). [الدر المنثور: 8/500-501]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي - رضي الله عنه - في قوله: {عنيد} قال: هو الناكب عن الحق). [الدر المنثور: 8/501]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب - رضي الله عنه - قال: يجمع الله الخلق في صعيد واحد يوم القيامة: الجن والإنس والدواب والهوام فيخرج عنق من النار فيقول وكلت بالعزيز الكريم والجبار العنيد الذي جعل مع الله إلها آخر، قال: فيلقطهم كما يلقط الطيرالحب فيحتوي عليهم ثم يذهب بهم إلى مدينة من النار يقال لها كيت وكيت فيثوون فيها عام قبل القضاء). [الدر المنثور: 8/501]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي وصححه، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق فيقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد وبكل من دعا مع الله إلها آخر وبالمصورين). [الدر المنثور: 8/501]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبزار وأبو يعلى والطبراني في الأوسط، وابن مردويه عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج عنق من النار يوم القيامة فيتكلم بلسان طلق ذلق له عينان يبصر بهما ولسان يتكلم به فيقول: إني أمرت بكل جبار عنيد ومن دعا مع الله إلها آخر ومن قتل نفسا بغير نفس فتنضم عليهم فتقذفهم في النار قبل الناس بخمسمائة سنة). [الدر المنثور: 8/501-502]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن في جهنم واديا يقال له: هبهب حق على الله أن يسكنه كل جبار). [الدر المنثور: 8/502]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {كل جبار عنيد} قال: الجبار العيار والعنيد الذي يعند عن حق الله تعالى، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول:
مصر على الحنث لا تخفى شواكله * يا ويح كل مصر القلب جبار). [الدر المنثور: 8/502]
تفسير قوله تعالى: (مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا صفوان بن عمرو، عن عبيد الله بن بشر، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {ويسقى من ماء صديد * يتجرعه} [سورة إبراهيم: 16-17]، قال: يقرب إليه، فيكرهه، فإذا أدني منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، وإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره، يقول الله عز وجل: {وسقوا ماءً حميمًا فقطع أمعاءهم} [سورة محمد:15] ويقول الله: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب} [سورة الكهف: 29] ). [الزهد لابن المبارك: 2/587]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ويسقى من ماء صديد قال ماء يسيل من بين جلده ولحمه). [تفسير عبد الرزاق: 1/341]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا إسحاق بن منصورٍ، قال: حدّثنا الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن مطرّف بن الشّخّير، عن ابن عبّاسٍ {من ماءٍ صديدٍ} قال: ما يسيل بين جلد الكافر ولحمه). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 390]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {صديدٌ} [إبراهيم: 16] : «قيحٌ ودمٌ»). [صحيح البخاري: 6/79]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال مجاهدٌ صديدٌ قيحٌ ودمٌ سقط هذا لأبي ذرٍّ وصله الفريابيّ بسنده إليه في قوله ويسقى من ماء صديد قال قيح ودم). [فتح الباري: 8/376]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وأما قول مجاهد فقال عبد حميد ثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 16 إبراهيم {ويسقى من ماء صديد} قال قيح ودم
وأما قول ابن عيينة فقال سعيد بن عبد الرّحمن المخزومي ثنا سفيان بن عيينة في تفسيره عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله {ويسقى من ماء صديد} قال قيح ودم). [تغليق التعليق: 4/232]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وأما قول مجاهد فقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله {ويسقى من ماء صديد} قال قيح ودم وفي قوله 34 إبراهيم {وآتاكم من كل ما سألتموه} قال رغبتم إليه فيه). [تغليق التعليق: 4/232]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال مجاهدٌ صديدٌ قيحٌ ودمٌ
أشار به إلى قوله: {من ورائه جهنّم ويسقى من ماء صديد} (إبراهيم: 16) لم يذكر هذا في رواية أبي ذر، وروى هذا التّعليق ابن المنذر عن موسى عن أبي بكر عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وعن قتادة: هو ما يخرج من جلد الكافر ولحمه، وعن محمّد بن كعب والربيع بن أنس: هو غسال أهل النّار، وذلك ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر). [عمدة القاري: 19/2]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({صديد}) من قوله تعالى: {ويسقى من ماء صديد} [إبراهيم: 16] هو (قيح ودم) وقال قتادة هو ما يسيل من لحمه وجلده وفي رواية عنه ما يخرج من جوف الكافر قد خالط القيح والدم وقيل ما يخرج من فروج الزناة وهل الصديد نعت أم لا؟ فقيل نعت لماء وفيه تأويلان: أحدهما: أنه على حذف أداة التشبيه أي ماء مثل صديد وعلى هذا فليس الماء الذي يشربونه صديدًا بل مثله في النتن والغلظ والقذارة كقوله: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل} [الكهف: 29] والثاني: إن الصديد لما كان يشبه الماء أطلق عليه ماء وليس هو بماء حقيقة وعلى هذا فيشربون نفس الصديد المشبه بالماء وإلى كونه صفة ذهب الحوفي وغيره وفيه نظر إذ ليس بمشتق إلا على قول من فسره بأنه صديد بمعنى مصدود أخذه من الصد وكأنه لكراهته مصدود عنه أي يمتنع عنه كل أحد يدل عليه يتجرعه أي يتكلف جرعه وكذا لا يكاد، وسقط وقال مجاهد الخ لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/187]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({من ورائه} [إبراهيم: 16] : «قدّامه جهنّم»). [صحيح البخاري: 6/79]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله من ورائه قدّامه جهنّم قال أبو عبيدة في قوله من ورائه جهنّم مجازه قدّامه وأمامه يقال الموت من ورائك أي قدّامك وهو اسم لكلّ ما توارى عن الشّخص نقله ثعلبٌ ومنه قول الشّاعر أليس ورائي إن تراخت منيتي لزوم العصا تحنى عليها الأصابع وقول النّابغة وليس وراء اللّه للمرء مذهبٌ أي بعد اللّه ونقل قطربٌ وغيره أنّه من الأضداد وأنكره إبراهيم بن عرفة نفطويه وقال لا يقع وراء بمعنى أمام إلّا في زمانٍ أو مكانٍ). [فتح الباري: 8/377]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (من ورائه قدّامه جهنّم
أشار به إلى قوله تعالى: {ومن ورائه عذاب غايظ} (إبراهيم: 17) وفسّر الوراء بالقدام، وفسره الزّمخشريّ بقوله: بمن بين يديه، ونقل قطرب وغيره أنه من الأضداد، وأنكره إبراهيم بن عرفة، وقال: لا يقع وراء بمعنى أمام إلاّ في زمان أو مكان، وقال الأزهري: معناه ما توارى عنه واستتر). [عمدة القاري: 19/3]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: ({من ورائه}) أي من (قدامه) ولأبي ذر قدامه جهنم بنصب ميم قدامه وهذا قول الأكثر وهو من الأضداد وعليه قوله:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه = يكون وراءه فرج قريب
أي قدامه وقول الآخر:
أليس ورائي إن تراخت منيتي = لزوم العصا تحنى عليها الأضالع
وقيل: بعد موته). [إرشاد الساري: 7/188]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {من ورائه جهنّم ويسقى من ماءٍ صديدٍ (16) يتجرّعه ولا يكاد يسيغه، ويأتيه الموت من كلّ مكانٍ وما هو بميّتٍ، ومن ورائه عذابٌ غليظٌ}.
يقول عزّ ذكره: {من ورائه} من أمام كلّ جبّارٍ {جهنّم} يردونها ووراء في هذا الموضع: يعني أمام، كما يقال: إنّ الموت من ورائك: أي قدّامك، وكما قال الشّاعر:
أتوعدني وراء بني رياحٍ = كذبت لتقصرنّ يداك دوني
يعني وراء بني رياحٍ: قدّام بني رياحٍ وأمامهم.
وكان بعض نحويّي أهل البصرة يقول: إنّما يعني بقوله: {من ورائه} أي من أمامه، لأنّه وراء ما هو فيه، كما يقول لك: وكلّ هذا من ورائك: أي سيأتي عليك، وهو من وراء ما أنت فيه لأنّ ما أنت فيه قد كان قبل ذلك وهو من ورائه وقال: {وراءهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا} من هذا المعنى: أي كان وراء ما هم فيه أمامهم.
وكان بعض نحويّي أهل الكوفة يقول: أكثر ما يجوز هذا في الأوقات، لأنّ الوقت يمرّ عليك فيصير خلفك إذا جزته، وكذلك كان وراءهم ملكٌ، لأنّهم يجوزونه فيصير وراءهم.
وكان بعضهم يقول: هو من حروف الأضداد، يعني وراء يكون قدّامًا وخلفًا
وقوله: {ويسقى من ماءٍ صديدٍ} يقول: ويسقى من ماءٍ، ثمّ بيّن ذلك الماء جلّ ثناؤه وما هو، فقال: هو صديدٌ، ولذلك ردّ الصّديد في إعرابه على الماء، لأنّه بيانٌ عنه، والصّديد: هو القيح والدّم، وكذلك تأوّله أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، ح.
- وحدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا شبابة، قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {من ماءٍ صديدٍ} قال: " قيحٌ ودمٌ ".
- حدّثنا المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ويسقى من ماءٍ صديدٍ} " والصّديد: ما يسيل من ولحمه وجلده "
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {ويسقى من ماءٍ صديدٍ} قال: " ما يسيل من بين لحمه وجلده "
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا هشامٌ، عمّن ذكره عن الضّحّاك: {ويسقى من ماءٍ صديدٍ} قال: " يعني بالصّديد: ما يخرج من جوف الكافر قد خالط القيح والدّم "). [جامع البيان: 13/617-619]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ويسقى من ماء صديد يعني القيح والدم). [تفسير مجاهد: 334]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن في جهنم واديا يقال له: هبهب حق على الله أن يسكنه كل جبار). [الدر المنثور: 8/502] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والترمذي والنسائي، وابن أبي الدنيا في صفة النار وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم في الحلية وصححه، وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {ويسقى من ماء صديد يتجرعه} قال: يقرب إليه فيتكرهه فإذا دنا منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره، يقول الله تعالى: (وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم) (سورة محمد آية 15) قال: (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه) (سورة الكهف آية 29) ). [الدر المنثور: 8/502-503]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله: {من ماء صديد} قال: ما يسيل بين جلد الكافر ولحمه). [الدر المنثور: 8/503]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عكرمة - رضي الله عنه - في قوله: {ويسقى من ماء صديد} قال: القيح والدم). [الدر المنثور: 8/503]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في البعث والنشور عن مجاهد في قوله: {من ماء صديد} قال: دم وقيح). [الدر المنثور: 8/503]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله: {ويسقى من ماء صديد} قال: ماء يسيل من بين لحمه وجلده). [الدر المنثور: 8/503]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن - رضي الله عنه - قال لو أن دلوا من صديد جهنم دلي من السماء فوجد أهل الأرض ريحه لأفسد عليهم الدنيا). [الدر المنثور: 8/503]
تفسير قوله تعالى: (يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني بكر بن مضر أيضا] قال: كان محمد بن كعب القرظي يقول: إن الكافر إذا دعا بالشراب، إذا رآه مات موتاتٍ، فإذا دنا منه مات موتاتٍ، فإذا شرب منه مات موتاتٍ، قال الله: {ويأتيه الموت من كل مكانٍ وما هو بميتٍ ومن ورآئه عذابٌ غليظٌ}). [الجامع في علوم القرآن: 2/112]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا يزيد بن هارون، عن العوّام بن حوشبٍ، عن إبراهيم التّيميّ: {ويأتيه الموت من كلّ مكان} قال: حتّى من أطراف شعره). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 303]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول الله عز وجل: {يتجرعه} قال: القيح والدّم). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 97]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ويسقى من ماءٍ صديدٍ (16) يتجرّعه}
- أخبرنا سويد بن نصرٍ، أخبرنا عبد الله، عن صفوان بن عمرٍو، عن عبيد الله بن بسرٍ، عن أبي أمامة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {ويسقى من ماءٍ صديدٍ (16) يتجرّعه} [إبراهيم: 17] قال: " يقرّب إليه فيتكرّهه، فإذا أدني منه شوي وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطّع أمعاءه حتّى يخرج من دبره، يقول الله تعالى: {وسقوا ماءً حميمًا فقطّع أمعاءهم} [محمد: 15]، ويقول الله تعالى: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه بئس الشّراب} [الكهف: 29]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/138]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {يتجرّعه} يتحسّاه، {ولا يكاد يسيغه} يقول: ولا يكاد يزدرده من شدّة كراهته، وهو مسيغه.
والعرب تجعل " لا يكاد " فيما قد فعل، وفيما لم يفعل فأمّا ما قد فعل فمنه هذا، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه جعل لهم ذلك شرابًا، وأمّا ما لم يفعل وقد دخلت فيه " كاد " فقوله: {إذا أخرج يده لم يكد يراها} فهو لا يراها.
وبنحو ما قلنا من أنّ معنى قوله: {ولا يكاد يسيغه} وهو يسيغه، جاء الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
ذكر الرّواية بذلك
- حدّثني محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا إبراهيم أبو إسحاق الطّالقانيّ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن صفوان بن عمرٍو، عن عبيد اللّه بن بسرٍ، عن أبي أمامة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {ويسقى من ماءٍ صديدٍ يتجرّعه}: " فإذا شربه قطّع أمعاءه حتّى يخرج من دبره " يقول اللّه عزّ وجلّ: {وسقوا ماءً حميمًا فقطّع أمعاءهم} ويقول: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه بئس الشّراب} ".
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا معمرٌ، عن ابن المبارك قال: حدّثنا صفوان بن عمرٍو، عن عبيد اللّه بن بسرٍ، عن أبي أمامة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، في قوله: {ويسقى من ماءٍ صديدٍ} فذكر مثله، إلاّ أنّه قال {سقوا ماءً حميمًا}.
- حدّثني محمّد بن خلفٍ العسقلانيّ قال: حدّثنا حيوة بن شريحٍ الحمصيّ قال: حدّثنا بقيّة، عن صفوان بن عمرٍو قال: حدّثني عبيد اللّه بن بسرٍ، عن أبي أمامة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثله سواءً
وقوله: {ويأتيه الموت من كلّ مكانٍ وما هو بميّتٍ} فإنّه يقول: ويأتيه الموت من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وشماله، ومن كلّ موضعٍ من أعضاء جسده {وما هو بميّتٍ} لأنّه لا تخرج نفسه فيموت فيستريح، ولا يحيا لتعلّق نفسه بالحناجر، فلا ترجع إلى مكانها، كما؛
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {يتجرّعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كلّ مكانٍ وما هو بميّتٍ} قال: " تعلّق نفسه عند حنجرته، فلا تخرج من فيه فيموت ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فيجد لذلك راحةً فتنفعه الحياة "
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: حدّثنا العوّام بن حوشبٍ، عن إبراهيم التّيميّ، قوله: " {ويأتيه الموت من كلّ مكانٍ} قال: " من تحت كلّ شعرةٍ في جسده "
وقوله: {ومن ورائه عذابٌ غليظٌ} يقول: ومن وراء ما هو فيه من العذاب، يعني أمامه وقدّامه عذابٌ غليظٌ). [جامع البيان: 13/619-621]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني الحسن بن حليمٍ المروزيّ، أنبأ أبو الموجّه، أنبأ عبدان، أنبأ عبد اللّه، أنبأ صفوان بن عمرٍو، عن عبد اللّه بن بسرٍ، عن أبي أمامة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله عزّ وجلّ {ويسقى من ماءٍ صديدٍ يتجرّعه} [إبراهيم: 17] قال: " يقرّب إليه فيتكرّهه، فإذا أدني منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شرب قطّع أمعاءه، حتّى يخرج من دبره، يقول اللّه {وسقوا ماءً حميمًا فقطّع أمعاءهم} [محمد: 15] ويقول اللّه عزّ وجلّ {وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه بئس الشّراب} [الكهف: 29] «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/382]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبو أمامة الباهلي - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {ويسقى من ماءٍ صديدٍ (16) يتجرّعه} [إبراهيم: 16]، قال: «يقرّب إلى فيه، فيكرهه، فإذا أدني منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطّع أمعاءه، حتّى يخرج من دبره»، قال تعالى: {وسقوا ماءً حميماً فقطّع أمعاءهم} [محمد: 15]، وقال: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه بئس الشّراب وساءت مرتفقاً} [الكهف: 29]. أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
(صديد) الصديد: ما يسيل من القيح من الجراحات، ومن أجساد الموتى.
(فروة رأسه) فروة الرأس: هي جلدته بما عليها من الشعر.
(حميم) الحميم: الماء المتناهي حره.
(كالمهل) المهل: النحاس المذاب). [جامع الأصول: 2/201-202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (آية - 17.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله: {ويأتيه الموت من كل مكان} قال: أنواع العذاب، وليس منها نوع إلا الموت يأتيه منه لو كان يموت ولكنه لا يموت لأن الله لا يقضي عليهم فيموتوا). [الدر المنثور: 8/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله: {ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت} قال: تعلق نفسه عند حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت، ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فيجد لذلك راحة فتنفعه الحياة). [الدر المنثور: 8/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران - رضي الله عنه - في قوله: {ويأتيه الموت من كل مكان} قال: من كل عظم وعرق وعصب). [الدر المنثور: 8/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن محمد بن كعب - رضي الله عنه - في قوله: {ويأتيه الموت من كل مكان} قال: من كل عضو ومفصل). [الدر المنثور: 8/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج بن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي - رضي الله عنه - {ويأتيه الموت من كل مكان} قال: من كل موضع شعرة في جسده {ومن ورائه عذاب غليظ} قال: الخلود). [الدر المنثور: 8/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن فضيل بن عياض في قوله: {ومن ورائه عذاب غليظ} قال حبس الأنفاس). [الدر المنثور: 8/504]