التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {الم (1) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {الم} قد فسّرناه في أوّل سورة البقرة). [تفسير القرآن العظيم: 2/684]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" الم " ساكن لأنه جرى مجرى فواتح سائر السور اللواتي مجازهن مجاز حروف التهجي , ومجاز موضعه في المعنى كمجاز ابتداء فواتح سائر السور.). [مجاز القرآن: 2/130]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {ألم (1) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين (2)}
روى أحمد بن حنبل, بإسناد له : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في كل ليلة سورة السجدة " الم تنزيل "، وسورة " تبارك الملك ".
وروى كعب الأحبار أنه قال: (من قرأ سورة السجدة , كتبت له سبعون حسنة, وحطت عنه سبعون سيئة , ورفعت له سبعون درجة.)). [معاني القرآن: 4/203]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {الم (1) تنزيل الكتاب} , قد شرحنا ما قيل في " الم "). [معاني القرآن: 4/203]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ورفع {تنزيل} على خبر الابتداء على إضمار الذي نتلو تنزيل الكتاب.
ويجوز أن يكون في المعنى خبرا عن (الم)، أي: (الم) من تنزيل الكتاب.
ويجوز أن يكون رفعه على الابتداء، ويكون خبر الابتداء {لا ريب فيه} ). [معاني القرآن: 4/203] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله جل وعز: {الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين}
المعنى : هذا تنزيل الكتاب , وقيل المعنى : {الم} من تنزيل الكتاب .
ويجوز أن يكون المعنى : تنزيل الكتاب لا شك فيه , وقد بينا معنى : الم ولا ريب فيه , في سورة البقرة.). [معاني القرآن: 5/297-298]
تفسير قوله تعالى:{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {تنزيل الكتاب لا ريب فيه} [السجدة: 2] حدّثني أبي أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ قال: يعني: لا شكّ فيه.
قوله عزّ وجلّ: {من ربّ العالمين}، أي: لا شكّ فيه أنّه من ربّ العالمين). [تفسير القرآن العظيم: 2/684]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ورفع {تنزيل} على خبر الابتداء على إضمار الذي نتلو تنزيل الكتاب.
ويجوز أن يكون في المعنى خبرا عن (الم)، أي : (الم) من تنزيل الكتاب.
ويجوز أن يكون رفعه على الابتداء، ويكون خبر الابتداء : {لا ريب فيه} ). [معاني القرآن: 4/203]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله جل وعز: {الم (1) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} : المعنى : هذا تنزيل الكتاب .
وقيل : المعنى : {الم} من تنزيل الكتاب .
ويجوز أن يكون المعنى : تنزيل الكتاب , لا شك فيه , وقد بينا معنى : الم ولا ريب فيه في سورة البقرة). [معاني القرآن: 5/297-298] (م)
تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أم يقولون افتراه}، يعني: المشركين يقولون: إنّ محمّدًا افترى القرآن، أي: قد قالوه، وهو على الاستفهام.
قال: {بل هو}، يعني: القرآن.
{الحقّ من ربّك} يقوله للنّبيّ عليه السّلام.
{لتنذر} لكي تنذر.
[تفسير القرآن العظيم: 2/684]
{قومًا} وهو تفسير السّدّيّ.
قال: {ما أتاهم من نذيرٍ من قبلك}، يعني: قريشًا تنذرهم العذاب {لعلّهم يهتدون} لكي يهتدوا). [تفسير القرآن العظيم: 2/685]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أم يقولون افتراه }: مجازه مجاز " أم " التي توضع في موضع معنى الواو , ومعنى " بل ": سبيلها, ويقولون:" وبل" , ويقولون، قال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسطٍ=غلس الظّلام من الرّباب خيالا
أي : بل رأيت.
" افتراه " أي: تكذبه , واخترقه , وتخلقه من قبل نفسه.). [مجاز القرآن: 2/130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وتكون أم بمعنى ألف الاستفهام، كقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54]، أراد: أيحسدون الناس؟.
وقوله: {مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ}، أي زاغت عنهم الأبصار وألف اتخذناهم موصولة.
وكقوله: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ}، أراد: أله البنات {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ}. أراد: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ}، أراد: أعندهم الغيب.
وهذا في القرآن كثير، يدلّك عليه قوله: {الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}، ولم يتقدم في الكلام: أيقولون كذا وكذا فترد عليه: أم تقولون؟ وإنما أراد أيقولون: افتراه، ثم قال: {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}). [تأويل مشكل القرآن: 546-547] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{أم يقولون افتراه بل هو الحقّ من ربّك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلّهم يهتدون (3)} معناه : بل , أيقولون افتراه؟!
وقوله:{لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك}, ومثله :{لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم}
و " ما " في جمع الموضعين نفي، أي : لم يشاهدوا هم , ولا آباؤهم نبيّا.
فأما الإنذار بما قدم من رسل اللّه صلى اللّه عليهم , فعلى آبائهم به الحجة، لأن اللّه عزّ وجلّ لا يعذب إلا من كفر بالرسل.
والدليل على ذلك قوله:{وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا} ). [معاني القرآن: 4/203-204]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أم يقولون افتراه} : أي : بل : أيقولون افتراه ؟!.
وقوله جل وعز: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض} : أي: يقضي القضاء في السماء , ثم ينزله إلى الأرض.). [معاني القرآن: 5/298]
تفسير قوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {اللّه الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ} [السجدة: 4] اليوم منها ألف سنةٍ.
{ثمّ استوى على العرش ما لكم من دونه من وليٍّ} [السجدة: 4] يؤمّنكم من عذابه إذا أراد عذابكم.
{ولا شفيعٍ} يشفع لكم عنده حتّى لا يعذّبكم.
قال: {أفلا تتذكّرون} يقوله للمشركين). [تفسير القرآن العظيم: 2/685]
تفسير قوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يدبّر الأمر}، يعني: ينزل الوحي، وهو تفسير السّدّيّ.
قال: {من السّماء إلى الأرض} قال: ينزله مع جبريل من السّماء إلى الأرض.
{ثمّ يعرج إليه} يصعد إليه جبريل إلى السّماء.
{في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} [السجدة: 5] يقول: ينزل ويصعد في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ.
قال السّدّيّ: من أيّام الدّنيا.
قال يحيى: إنّ بين السّماء والأرض مسيرة خمس مائة سنةٍ، فينزل مسيرة خمس مائة سنةً ويصعد مسيرة خمس مائة سنةٍ في يومٍ، وفي أقلّ من يومٍ، وربّما سأل النّبيّ عليه السّلام عن الأمر يحضره، فينزل عليه في
[تفسير القرآن العظيم: 2/685]
أسرع من الطّرف.
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن محمّد بن المنكدر، أنّ رسول اللّه عليه السّلام، قال: «ما أشاء أن أرى جبريل في بعض الأفق يزجي أمرًا من أمر اللّه إلا رأيته».
وقال السّدّيّ: يعني: مقدار نزول جبريل وصعوده إلى السّماء ألف سنةٍ ممّا تعدّون لغير جبريل). [تفسير القرآن العظيم: 2/686]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ثمّ يعرج إليه}: مجازه: ينزل وهو من المعارج , أي : الدرج.). [مجاز القرآن: 2/130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({يعرج إليه}: يصعد وينزل {والمعارج} الدرج).[غريب القرآن وتفسيره: 300]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :( {يدبّر الأمر} :أي : يقضي القضاء {من السّماء}، فينزله {إلى الأرض}, {ثمّ يعرج إليه} :أي : يصعد إليه , {في يومٍ} واحد {كان مقداره} أي مسافة نزوله وصعوده {ألف سنةٍ} , يريد: نزول الملائكة , وصعودها). [تفسير غريب القرآن: 346]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (في سورة السجدة {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}.
يريد سبحانه: أنه يقضي الأمر في السماء وينزله مع الملائكة إلى الأرض فتوقعه، ثم تعرج إلى السماء، أي تصعد، بما أوقعته من ذلك الأمر، فيكون نزولها به ورجوعها في يوم واحد مقداره ألف سنة مما تعدّون. يريد مقدار المسير فيه على قدر مسيرنا وعددنا ألف سنة؛ لأن بعد ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام لابن آدم، فإذا قطعته الملائكة، بادئة وعائدة في يوم واحد، فقد قطعت مسيرة ألف سنة في يوم واحد). [تأويل مشكل القرآن: 353]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الأمر: القضاء، قال الله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ}، أي يقضي القضاء. وقال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} أي القضاء). [تأويل مشكل القرآن: 515] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض ثمّ يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ممّا تعدّون (5)}
أعلم الله عزّ وجلّ أنه يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض، ثم يعرج الأمر إليه في يوم، وذلك اليوم مقداره ألف سنة مما تعدون.
ومعنى يعرج : ينزل , ويصعد , يقال : عرجت في السّلم , أعرج، ويقال: عرج يعرج؛ إذا صار أعرج.).[معاني القرآن: 4/204]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون}
قال أبو جعفر : هذه الآية مشكلة , وقد قال في موضع آخر : {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة }
ولأهل التفسير فيها أقوال:
أ- من ذلك ما حدثنا بكر بن سهل , قال : حدثنا عبد الله بن صالح , قال: حدثنا معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس :{في يوم كان مقداره ألف سنة }, قال :(هذا في الدنيا , وقوله جل وعز: {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}, قال : فهذا يوم القيامة جعله الله عز وجل على الكفار مقدار خمسين ألف سنة) .
ب- وحدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام , قال : حدثنا أبو داود سليمان بن داود , قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن ابن أبي نجيح , عن وهب بن منبه : {في يوم كان مقداره ألف سنة }, قال : (ما بين أسفل الأرض إلى العرش) .
ج- قال ابن أبي نجيح , عن مجاهد : (وفي ذلك , قال: الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة لا يدري أحد كم مضى منها , ولا كم بقي) .
قال أبو جعفر : وقيل يوم القيامة أيام : فمنه ما مقداره ألف سنة ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة .
قال أبو جعفر : يوم في اللغة بمعنى وقت فالمعنى على هذا : تعرج الملائكة , والروح إليه في وقت مقداره ألف سنة , وفي وقت آخر أكثر من ذاك , وعروجا أكثر من ذاك مقداره خمسون ألف سنة.). [معاني القرآن: 5/298-300]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَعْرُجُ}: يصعد, {المعراج}: الدرج.).[العمدة في غريب القرآن: 241]
تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال عزّ وجلّ: {ذلك عالم الغيب والشّهادة} وهذا تبعٌ للكلام الأوّل: {لا ريب فيه من ربّ العالمين} ثمّ أخبر بقدرته ثمّ قال: {عالم الغيب والشّهادة العزيز الرّحيم}، يعني: نفسه، والغيب السّرّ، والشّهادة العلانية و {العزيز} في نقمته، {الرّحيم} بخلقه.
- حدّثني الصّلت بن دينارٍ، عن أبي عثمان النّهديّ، عن سلمان الفارسيّ قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى خلق يوم خلق السّموات والأرض مائة رحمةٍ، كلّ رحمةٍ منها طباقها السّموات والأرض، فأنزل منها رحمةً واحدةً فبها تتراحم الخليقة حتّى ترحم البهيمة بهيمتها والوالدة ولدها، حتّى إذا كان يوم القيامة جاء بتلك التّسعة وتسعين رحمةً، ونزع تلك الرّحمة من قلوب
الخليقة، فأكملها مائة رحمةٍ، ثمّ نصبها بينه وبين خلقه، فالخائب من خاب من تلك المائة رحمةٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/686]
تفسير قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طينٍ} [السجدة: 7]، يعني: آدم، خلق اللّه تبارك وتعالى آدم من طينٍ قبضه من جميع الأرض بيضاء، وحمراء، وسوداء، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فمنهم
[تفسير القرآن العظيم: 2/686]
الأبيض والأحمر، والأسود، والسّهل، والحزن، والخبيث، والطّيّب). [تفسير القرآن العظيم: 2/687]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه...}
يقول: أحسنه فجعله حسناً, ويقرأ :{أحسن كلّ شيء خلقه} , قرأها أبو جعفر المدنيّ , كأنه قال: ألهم خلقه كلّ ما يحتاجون إليه فالخلق، منصوبون بالفعل الذي وقع على (كلّ) , كأنك قلت : أعلمهم كل شيء , وأحسنهم.
وقد يكون الخلق منصوبا كما نصب قوله: {أمراً من عندنا} , في أشباه له كثيرة من القرآن؛ كأنك قلت: كلّ شيء خلقاً منه , وابتداء بالنعم.). [معاني القرآن: 2/330-331]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أحسن كلّ شيءٍ خلقه }: مجازه: أحسن خلق كل شيء , والعرب تفعل هذا يقدمون , ويؤخرون , قال الشاعر:
وطعني إليك الليل حضنيه إنّني= لتلك إذا هاب الهدان فعول
معناه: وطعني حضني الليل إليك , وقال الراعي:
كان هنداً ثناياها وبهجتها= يوم التقينا على أدحال دبّاب
أي : كأن ثنايا هند , وبهجة هند، دباب: مكان سمي أدحال دباب , وهو اسم مكان , أو رجل، واحد الأدحال دحلٌ، قال ذو الرمة
= عفا الّزرق من أطلال ميّة فالدّحل .).[مجاز القرآن: 2/130-131]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {الّذي أحسن كلّ شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين (7)}
وقد قرئ : {خلقه}: بتحريك اللام , وتسكينها جميعا , ويجوز خلقه بالرفع , ولا أعلم أحدا قرأ بها.
فأمّا {خلقه}: فعلى الفعل الماضي.
وتأويل الإحسان في هذا : أنه خلقه على إرادته , فخلق الإنسان في أحسن تقويم، وخلق القرد على ما أحب عزّ وجلّ , وخلقه إياه على ذلك من أبلغ الحكمة .
من قرأ {خلقه}بتسكين اللام , فعلى وجهين:
أحدهما : المصدر الذي دل عليه أحسن، والمعنى : الذي خلق كل شيء خلقه.
ويجوز أن يكون على البدل , فيكون المعنى: الذي أحسن خلق كل شيءخلقه، والرفع على إضمار: " ذلك خلقه ".
وقوله عزّ وجلّ: {وبدأ خلق الإنسان من طين}
يعني : آدم وذريته، فآدم خلق من طين.). [معاني القرآن: 4/204-205]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {الذي أحسن كل شيء خلقه}
قال , وهو مثل قوله تعالى: {أعطى كل شيء خلقه}
أي : لم يخلق الإنسان على خلق البهيمة , ولا خلق البهيمة على خلق الإنسان
وقيل : أي : لم يعجزه , وأحسن ما قيل في هذا ما رواه خصيف , عن عكرمة , عن ابن عباس في قوله جل وعز: {أحسن كل شيء خلقه} قال: (أحسن في خلقه , جعل الكلب في خلقه حسنا).
قال أبو جعفر : ومعنى هذا : أحسن في فعله , كما تقول أحسن فلان في قطع اللص.). [معاني القرآن: 5/300-301]
تفسير قوله تعالى:{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ثمّ جعل نسله} نسل آدم بعد.
{من سلالةٍ من ماءٍ مهينٍ} [السجدة: 8]، يعني: النّطفة، تفسير مجاهدٍ والسّدّيّ وغيرهما.
وقال مجاهدٌ: {ماءٍ مهينٍ} [السجدة: 8] ضعيفٍ، يعني: نطفة الرّجل). [تفسير القرآن العظيم: 2/687]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ ثمّ جعل نسله من سلالة مّن ماءٍ مهينٍ }: مجازه ثم خلق ولده من ماء انسل , فخرج من مائه , أي : هراقته يقال: انسل فلان وفلان لم ينسل، مهين , أي : ضعيف مائع رقيق, قال:
فجاءت به غضب الأديم غضنفراً= سلالة فرج كان غير حصين). [مجاز القرآن: 2/131]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ثمّ جعل نسله من سلالة من ماء مهين (8)}
ومعنى : مهين: ضعيف، ومعنى : السلالة في اللغة : ما ينسل من الشيء القليل، وكذلك الفعالة : نحو الفضالة , والنّخامة , والقوارة.). [معاني القرآن: 4/205]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين}
{السلالة} : للقليل مما ينسل , والمهين : الضعيف.). [معاني القرآن: 5/301]
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ثمّ سوّاه} [السجدة: 9]، يعني: سوّى خلقه كيف شاء.
{ونفخ فيه من روحه} [السجدة: 9] قال: {وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون} [السجدة: 9] أقلّكم المؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 2/687]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قليلاً ما تشكرون}: مجازه: تشكرون قليلا , و" ما " من حروف الزوائد , قال الشاعر:
فعن ما ساعة وفداو إليه= بما أعدمنهم أهلاً ومالا
أي : ففي ساعة , أي: بعد ساعة.). [مجاز القرآن: 2/131]