المقدمة
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، وأوسعه فيه الحكمة والصواب، وحير ببديع رصفه وعجيب نظمه الألباب، وجعله حلوة مجانية، محكمة مبانيه، معجزة ألفاظه ومعانيه، وأنعم علينا إذ يسره لتاليه، وأنزله على سبعة أحرف؛ إتمامًا لفضله علينا الذي لم يزل يواليه، وحثنا على الاعتناء بنظمه، والرعاية للفظه ورسمه، كما حثنا على اتباع حكمه ومطاوعة أمره وحتمه؛ محافظة منه سبحانه على كلامه القديم الذي هو شرعة لدينه
[الموضح: 99]
القويم، وعلم لصراطه المستقيم، ومعجزة لنبيه الذي ابتعثه داعيًا لخلقه، وهاديًا إلى حقه.
وصلى الله على محمد المصطفى أفضل ما صلى على أحد من رسله وهداة سبله والمصطفين من عباده والدالين على طرق رشاده، وعلى آله الأبرار وصحابته الأخيار.
وبعد: فإني لما جمعت كتابي الموجز الموسوم بالمنتقى في شواذ القرأة، سألني قوم لما أعجبهم من كثرة جدواه مع قلة حجمه، وعظم نفعه مع صغر جرمه، أن أجمع لهم كتابًا يشتمل على وجوه قراءات القراء المشهورين؛ إذ كانت حاجة الناس إليها أكثر، واهتمامهم بها أوفر، وأن أسلك طريق الاختصار فيه، وأنقاد لباعث الإيجاز وداعيه، وأن أجعل كلامي فيه أشد انحيازًا إلى جهة التلخيص والإيضاح، وأكثر انتظامًا في سلك الإبانة والإفصاح، فدعتني نفسي إلى إسعافهم بمطلوبهم، وإجابتهم إلى ما التمسوه استمالة لقلوبهم، فابتدأت بتأليف هذا الكتاب، فحين ارتفع شطر منه، صارت حوائل الدهر تحول دون إتمام، وشواغل الوقت تعوق عن بغية القلب من هذا المراد واهتمامه، حتى ألهم الله تعالى الأمير الأصفهسلار
[الموضح: 100]
الأجل الكبير أبا سعيد سنقر بن مودودٍ، أعز الله نصره، وجعل من مواسم الفتح والظفر عصره، الأمر بنصبي في جامعه المبارك الذي بناه في شيراز لمذكرة المقتبسين لشيء من العلم فيه، وحفظ رسمه في اندراسه وتعفيه؛ إشبالًا منه أدام الله أيامه على العلم وذويه، وشعفًا على إعلاء مبانيه، فأمتع الله تعالى الدهر بجلالته، ومدّ على الكافة ظل إيالته، فهي غرةٌ شاذخةٌ في جبين الإسلام، وشمس في أفق الدين صادعة للإظلام،
[الموضح: 101]
فوجدت بما شملني من لطف الله سبحانه، وإنعام هذا المنعم، فسحة في حالي، وفراغًا لبالي، فشرعت في إتمام الكتاب بيمن همته العلية إملاء، وأعليت منار شكره إعلاء، وقصرت الكتاب على ذكر علل ما أورده الشيخ أبو الحسن علي بن جعفر بن محمد الرازي السعيدي رحمه الله، من القراءات في كتابه الموسوم باختلاف القراء الثمانية، إذ وجدت أهل بلادنا يقبلون عليه، ويرجعون في هذه الصنعة إليه، وفيه قراءات ثمانية من أئمة القراء ومشاهير العلماء، وهم الذين علت في هذا الفن أقدامهم، وانصرفت إلى إتقانه أعمارهم وأيامهم، وبعدت فيه غاياتهم، ورفعت به في الإسلام راياتهم.
وهم: أبو معبد عبد الله بن كثير الكناني، وأبو عبد الرحمن نافع بن عبد الرحمن المدني، وأبو عمران بعد الله بن عامر الشامي، وأبو عمرو بن العلاء البصري، وأبو بكر عاصم بن بهدلة الأسدي، وأبو عمارة حمزة بن حبيب الزيات الكوفي، وأبو الحسن علي بن حمزة الكسائي، وأبو محمد يعقوب بن إسحاق الحضرمي.
[الموضح: 102]
وإنما ألحق يعقوب بهؤلاء السبعة أخيرًا لكثرة روايته وحسن اختياره ودرايته.
ولهؤلاء الأئمة الثمانية رواة مشهورون نقلت عنهم قراءات الأئمة، وانتشرت وظهرت من جهتهم واشتهرت، وربما تختلف في القراءة الواحدة الروايات فتختلف بها المعاني والجهات، وأنا بمعونة الله قد ذكرت وجوه جميع ذلك وعلله، وكسوته ثوب البيان وحلله، ونحوت فيه المختار من طرق نحاة البصرة ومذاهبهم، واستنرت فيما أوردت بأضواء كواكبهم، ولم أعد في جل ما ذكرته أو كله قول أبي علي الفارسي رحمه الله، مما أودعه
[الموضح: 103]
الحجة وغيرها من كتبه، ولم أعدل عن طريقه ومذهبه، وسميته الكتاب الموضح، إلا أني أوجزت فيه المقالة، وتجنبت الإطالة، وعينت فيه أسامي أئمة القراء، لكني اقتصرت من ذكر الرواة على حروفٍ تكون دالة على أسمائهم أو أسماء آبائهم حرصًا على الاختصار وتفاديًا على الإكثار، ولأفرق بين الأئمة ورواتهم، ولأقصر فيه على المبتدئين طرق مسعاتهم، وبينت دلالة هذه الحروف في الفصل الثاني من التقدمة، فإني قدمت أمام الفرش من هذا الكتاب فصولًا عشرة جعلتها تمهيدًا لهذا العلم وتأصيلًا، وتوطئة لسبله وتسهيلًا.
الفصل الأول في ذكر أئمة القراء الثمانية وأسمائهم وكناهم وأنسابهم وأمصارهم وأسانيدهم.
الفصل الثاني في ذكر الرواة وذكر الراوين عنهم العلامات الدالة على أساميهم.
الفصل الثالث في تجويد اللفظ بالقرآن، وذكر ضروبه وصفة اللحن.
الفصل الرابع في حروف المعجم ووصف مخارجها.
الفصل الخامس في انقسام الحروف إلى أنواعها المختلفة.
الفصل السادس في أحياز الحروف التي تخرج منها، ونسبتها إليها.
[الموضح: 104]
الفصل السابع في الهمزة وأحكامها.
الفصل الثامن في الإدغام.
الفصل التاسع في الإمالة.
الفصل العاشر في الوقف). [الموضح: 105]