دراسة (لم) في القرآن الكريم
(لم) مختصة بالدخول على المضارع وتقلب معناه إلى المضي. في [المقتضب: 1/ 46-47]:
«ومنها (لم) وهي نفي للفعل الماضي، ووقعوها على المستقبل من أجل أنها عاملة، وعملها الجزم، ولا جزم إلا للمعرب، وذلك قولك: قد فعل، فتقول مكذبا: لم يفعل، فإنما نفيت أن يكون فعل فيما مضى. والحروف تدخل على الأفعال فتنقلها، نحو قولك: ذهب ومضى، فتخبر عما سلف، فإن اتصلت هذه الأفعال بحروف الجزاء نقلتها إلى ما لم يقع نحو: إن جئتني أكرمك، وإن أكرمتني أعطيتك، فإنما معناه: إن تكرمني أعطك».
وهذا محل اتفاق بين النحاة، انظر[ سيبويه: 2/ 305]، و[الرضى: 2/ 215]. [المغني: 1/ 217]، و[الإيضاح: 319].
في القرآن آيات بقى معنى المضارع بعد (لم) فيها على معنى الاستقبال ولا يراد بالمضارع بعدها معنى المضي، ولم أجد للمعربين ولا للمفسرين أقوالا في هذه الآيات، وهي:
1- {ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون} [7: 46].
2- {ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا} [18: 47].
3- {ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم} [18: 52].
4- {ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا} [18: 53]
5- {وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب} [28: 64].
6- {ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين} [30: 12-13].
7- {فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} [55: 56].
كما وقع المضارع المجزوم بلم بعد أدوات الشرط الجازمة، و(إذا) الشرطية في آيات كثيرة.
ما توجيه هذه الآيات: ذكر الجمل في قوله تعالى: {فلم نغادر} أنه معطوف على {حشرناهم} فإنه ماض معنى[ 3: 28].
ولا نسلم بأن قوله {فلم نغادر} ماضي المعنى، فإن تسيير الجبال وجمع الخلق إنما يكون يوم الحشر، وهو لم يقع.
وقال السيوطي في تفسير قوله: {ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء}. أي (لا يكون) وعلق على هذا الجمل بقوله: «إشارة إلى أن هذا من قبيل التعبير بالماضي عن المضارع، وذلك لتحقق وقوعه... والمراد بالماضي المضارع المنفي بلم من الشهاب، فلما كانت (لم) لنفي الماضي معنى، وليس مرادا هنا فسرها بلا التي لنفي المضارع، ليتوصل إلى تفسير الفعل الذي في حيزها بالمضارع الحقيقي». [3: 285].
القول بأن (لم) قلبت معنى المضارع إلى المضي ثم أريد من الماضي معنى المستقبل بعد ذلك فيه إبعاد، وأيسر من ذلك أن نقول: إن حروف النفي يقوم بعضها مقام بعض، فنتبادل مواقعها، وقد وجدت أبا الفتح صرح بذلك في [الخصائص: 1/ 388] قال: «فقد تشبه حروف النفي بعضها ببعض وذلك لاشتراك الجميع في دلالته عليه، ألا ترى إلى قوله – أنشدناه:
أجدك لم تغتمض ليلة = فترقدها مع رقادها
فاستعمل (لم) في موضع الحال، وإنما ذلك من مواضع (ما) النافية للحال.
وأنشدنا أيضًا:
أجدك لن ترى بثعيلبات = ولا بيدان ناجية ذمولا
استعمل أيضًا (لن) في موضع (ما).
يشير أبو الفتح إلى أن وقوع (لم) و(لن) في جواب القسم إنما كان بالحمل على (ما) وقد منع المبرد أن تقع (لن) في جواب القسم، [المقتضب :2/ 6].
وقال ابن هشام: وتلقى القسم بلن وبلم نادر جدًا كقول أبي طالب:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم = حتى أوسد في التراب دفينا
[المغني: 1/ 221].
ووجدت أيضًا في كلام كمال الدين الأنباري ما يشير إلى هذا، قال في قوله تعالى: {فلا اقتحم العقبة}: أي لم يقتحم، و(لا) مع الماضي كلم مع المستقبل، كقوله تعالى: {فلا صدق ولا صلى} أي لم يصدق ولم يصل.
[البيان: 2/ 514، 478]، [أمالي ابن الشجري: 2/ 94، 128].
وفي العكبري بمعنى (ما) [2/ 146، 154].
وفي [البحر: 7/ 110] : {قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين}[ 28: 17].
وقيل: {فلن أكون } دعاء، لا خبر، و(لن) بمعنى (لا) في الدعاء والصحيح أن (لن) لا تكون في الدعاء، وقد استدل على أن (لن) تكون في الدعاء بهذه الآية وبقول الشاعر:
لن تزالوا كذلكم ثم ما زلت لكم خالدا خلود الجبال
أما الآيات التي وقع فيها المضارع المجزوم بلم بعد أداة الشرط فيقال فيها: إن (لم) قلبت معنى المضارع إلى المضي ثم قلبته أداة الشرط إلى معنى المستقبل، كما هو تأثيرها مع الماضي، ولا يبعد أن يقال إن (لم) بمعنى (لا).