العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة المائدة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 06:36 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة المائدة [ من الآية (27) إلى الآية (31) ]

تفسير سورة المائدة
[ من الآية (27) إلى الآية (31) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 11:27 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا رشدين بن سعد، عن شراحيل بن يزيد، عن عبيد بن عمير، أنه سمع فضالة بن عبيد، يقول: لأن أكون أعلم أن الله تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها، لأن الله تعالى يقول: {إنما يتقبل الله من المتقين} [سورة المائدة: 27] ). [الزهد لابن المبارك: 2/231]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {واتل عليهم نبأ ابني آدم} قال هما هابيل وقابيل قال كان أحدهما صاحب زرع والآخر صاحب ماشية فجاء أحدهما بخير ماله وجاء أحدهما بشر ماله فجاءت النار فأكلت قربان أحدهما وهو قابيل وتركت قربان الآخر فحسده و{قال لأقتلنك} وأما قوله: {إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك} فيقول بإثم قتلي وإثمك وأما قوله: {فبعث الله غرابا} فإنه قتل غراب غرابا فجعل يحثو عليه فقال ابن آدم الذي قتل أخاه حين رآه {يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب} الآية.
قال معمر وقال الحسن قال رسول الله إن ابني آدم ضربا لهذه الأمة مثلا فخذوا بالخير منهما). [تفسير عبد الرزاق: 1/187]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا يزيد بن هارون، عن حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، قال: كان مطرّفٌ يقول: اللّهمّ تقبّل منّي صلاة يومٍ، اللّهمّ تقبّل منّي صوم يومٍ، اللّهمّ اكتب لي حسنةً، ثمّ يقول: {إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 346]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا يونس بن محمّدٍ، قال: حدّثنا داود بن عبد الرّحمن، قال: سمعت أبا الفيض يقول عن الضّحّاك قال: {إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين} قال: الّذين يتّقون الشّرك). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 446]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قربانًا فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر قال لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: واتل على هؤلاء اليهود الّذين همّوا أن يبسطوا أيديهم إليكم، وعلى أصحابك معهم، وعرّفهم مكروه عاقبة الظّلم والمكر، وسوء مغبّة الختر ونقض العهد، وما جزاء النّاكث وثواب الوافي، خبر ابني آدم هابيل وقابيل، وما آل إليه أمر المطيع منهما ربّه الوافي بعهده، وما إليه صار أمر العاصي منهما ربّه الخاتر النّاقض عهده؛ فلتعرف بذلك اليهود وخامة غبّ غدرهم، ونقضهم ميثاقهم بينك وبينهم، وهمّهم بما همّوا به من بسط أيديهم إليك وإلى أصحابك. فإنّ لك ولهم في حسن ثوابي وعظم جزائي على الوفاء بالعهد الّذي جازيت المقتول الوافي بعهده من ابني آدم، وعاقبت به القاتل النّاكث عهده؛ عزاءً جميلاً.
واختلف أهل العلم في سبب تقريب ابني آدم القربان، وسبب قبول اللّه عزّ وجلّ ما تقبّل منه، ومن اللّذان قرّبا؟ فقال بعضهم: كان ذلك عن أمر اللّه جلّ وعزّ إيّاهما بتقريبه. وكان سبب القبول أنّ المتقبّل منه قرّب خير ماله وقرّب الآخر شرّ ماله، وكان المقرّبان ابني آدم لصلبه أحدهما: هابيل، والآخر قابيل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن هشام بن سعيدٍ، عن إسماعيل بن رافعٍ، قال: بلغني أنّ ابني آدم لمّا أمرا بالقربان، كان أحدهما صاحب غنمٍ، وكان أنتج له حملٌ في غنمه، فأحبّه حتّى كان يؤثره باللّيل، وكان يحمله على ظهره من حبّه، حتّى لم يكن له مالٌ أحبّ إليه منه. فلمّا أمر بالقربان، قرّبه للّه فقبله اللّه منه، فما زال يرتع في الجنّة حتّى فدي به ابن إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا عوفٌ، عن أبي المغيرة، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: إنّ ابني آدم اللّذين قرّبا قربانًا فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر، كان أحدهما صاحب حرثٍ، والآخر صاحب غنمٍ، وأنّهما أمرا أن يقرّبا قربانًا؛ وإنّ صاحب الغنم قرّب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها طيّبةً بها نفسه، وإنّ صاحب الحرث قرّب شرّ حرثه الكوزن والزّوان غير طيّبةٍ بها نفسه؛ وإنّ اللّه تقبّل قربان صاحب الغنم ولم يتقبّل قربان صاحب الحرث. وكان من قصّتهما ما قصّ اللّه في كتابه، وقال: أيم اللّه، إن كان المقتول لأشدّ الرّجلين، ولكن منعه التّحرّج أن يبسط يده إلى أخيه.
وقال آخرون: لم يكن ذلك من أمرهما عن أمر اللّه إيّاهما به.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان من شأنهما أنّه لم يكن مسكينٌ فيتصدّق عليه، وإنّما كان القربان يقرّبه الرّجل. فبينا ابنا آدم قاعدان، إذ قالا: لو قرّبنا قربانًا، وكان الرّجل إذا قرّب قربانًا فرضيه اللّه أرسل إليه نارًا فأكلته، وإن لم يكن رضيه اللّه خبت النّار. فقرّبا قربانًا، وكان أحدهما راعيًا، وكان الآخر حرّاثًا، وإنّ صاحب الغنم قرّب خير غنمه وأسمنها وقرّب الآخر بغض زرعه، فجاءت النّار، فنزلت بينهما، فأكلت الشّاة وتركت الزّرع. وإنّ ابن آدم قال لأخيه: أتمشي في النّاس وقد علموا أنّك قرّبت قربانًا فتقبّل منك وردّ عليّ؟ فلا واللّه، لا تنظر النّاس إليّ وإليك وأنت خيرٌ منّي، فقال: لأقتلنّك. فقال له أخوه: ما ذنبي، إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، قال: حدّثنا ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {إذ قرّبا قربانًا} قال: ابنا آدم هابيل وقابيل لصلب آدم، فقرّب أحدهما شاةً وقرّب الآخر بقلاً، فقبل من صاحب الشّاة، فقتله صاحبه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قربانًا} قال: هابيل وقابيل، فقرّب هابيل عناقًا من أحسن غنمه، وقرّب قابيل زرعًا من زرعه. قال: فأكلت النّار العناق، ولم تأكل الزّرع، ف {قال لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين}.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا رجلٌ، سمع مجاهدًا، في قوله: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قربانًا} قال: هو هابيل وقابيل لصلب آدم، قرّبا قربانًا، قرّب أحدهما شاةً من غنمه وقرّب الآخر بقلاً، فتقبّل من صاحب الشّاة، فقال لصاحبه: لأقتلنّك، فقتله، فعقل اللّه إحدى رجليه بساقها إلى فخذها إلى يوم القيامة، وجعل وجهه إلى الشّمس حيثما دارت عليه حظيرةً من ثلج في الشّتاء وعليه في الصّيف حظيرةً من نارٍ، ومعه سبعة أملاكٍ كلّما ذهب ملكٌ جاء الآخر.
- حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، ح، وحدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قربانًا فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر} قال: قرّب هذا كبشًا وقرّب هذا صبرةً من طعامٍ؛ فتقبّل من أحدهما. قال: تقبّل من صاحب الشّاة ولم يتقبّل من الآخر.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قربانًا فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر} كان رجلان من بني آدم، فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ} قال: كان أحدهما اسمه قابيل والآخر هابيل؛ أحدهما صاحب غنمٍ، والآخر صاحب زرعٍ، فقرّب هذا من أمثل غنمه حملاً، وقرّب هذا من أردإ زرعه. قال: فنزلت النّار، فأكلت الحمل، فقال لأخيه: لأقتلنّك.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم عن الكتاب الأوّل: أنّ آدم أمر ابنه قابيل أن ينكح أخته تومة هابيل، وأمر هابيل أن ينكح أخته تومة قابيل. فسلّم لذلك هابيل ورضي، وأبى قابيل ذلك وكرهه، تكرّمًا عن أخت هابيل، ورغب بأخته عن هابيل، وقال: نحن ولادة الجنّة وهما من ولادة الأرض، وأنا أحقّ بأختي، ويقول بعض أهل العلم بالكتاب الأوّل: كانت أخت قابيل من أحسن النّاس، فضنّ بها على أخيه وأرادها لنفسه، فاللّه أعلم أيّ ذلك كان. فقال له أبوه: يا بنيّ إنّها لا تحلّ لك. فأبى قابيل أن يقبل ذلك من قول أبيه، فقال له أبوه: يا بنيّ فقرّب قربانًا، ويقرّب أخوك هابيل قربانًا، فأيّكما قبل اللّه قربانه فهو أحقّ بها. وكان قابيل على بذر الأرض، وكان هابيل على رعاية الماشية، فقرّب قابيل قمحًا وقرّب هابيل أبكارًا من أبكار غنمه، وبعضهم يقول: قرّب بقرةً، فأرسل اللّه نارًا بيضاء، فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، وبذلك كان يقبل القربان إذا قبله.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، فيما ذكر عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: كان لا يولد لآدم مولودٌ إلاّ ولد معه جاريةٌ، فكان يزوّج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر، ويزوّج جارية هذا البطن غلام البطن هذا الآخر. حتّى ولد له ابنان يقال لهما: قابيل، وهابيل، وكان قابيل صاحب زرعٍ، وكان هابيل صاحب ضرعٍ. وكان قابيل أكبرهما، وكان له أختٌ أحسن من أخت هابيل. وإنّ هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل، فأبى عليه وقال: هي أختي ولدت معي، وهي أحسن من أختك، وأنا أحقّ أن أتزوّجها. فأمره أبوه أن يزوّجها هابيل فأبى. وإنّهما قرّبا قربانًا إلى اللّه أيّهما أحقّ بالجارية، وكان آدم يومئذٍ قد غاب عنهما إلى مكّة ينظر إليها، قال اللّه لآدم: يا آدم، هل تعلم أنّ لي بيتًا في الأرض؟ قال: اللّهمّ لا. قال: فإنّ لي بيتًا بمكّة فأته. فقال آدم للسّماء: احفظي ولدي بالإمانة، فأبت. وقال للأرض فأبت، وقال للجبال فأبت، وقال لقابيل، فقال: نعم تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرّك. فلمّا انطلق آدم قرّبا قربانًا، وكان قابيل يفخر عليه، فقال: أنا أحقّ بها منك، هي أختي، وأنا أكبر منك، وأنا وصيّ والدي. فلمّا قرّبا، قرّب هابيل جذعةً سمينةً، وقرّب قابيل حزمة سنبلٍ، فوجد فيها سنبلةً عظيمةً ففركها فأكلها. فنزلت النّار فأكلت قربان هابيل، وتركت قربان قابيل، فغضب وقال: لأقتلنّك حتّى لا تنكح أختي. فقال هابيل {إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ} ذكر لنا أنّهما هابيل وقابيل. فأمّا هابيل فكان صاحب ماشيةٍ، فعمد إلى خير ماشيته، فتقرّب بها، فنزلت عليه نارٌ فأكلته. وكان القربان إذا تقبّل منهم نزلت عليه نارٌ فأكلته، وإذا ردّ عليهم أكلته الطّير والسّباع. وأمّا قابيل فكان صاحب زرعٍ، فعمد إلى أردإ زرعه، فتقرّب به، فلم تنزل عليه النّار، فحسد أخاه عند ذلك فقال: {لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ} قال: هما قابيل وهابيل. قال: كان أحدهما صاحب زرعٍ والآخر صاحب ماشيةٍ، فجاء أحدهما بخير ماله وجاء الآخر بشرّ ماله، فجاءت النّار، فأكلت قربان أحدهما وهو هابيل، وتركت قربان الآخر، فحسده فقال: لأقتلنّك.
- حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {إذ قرّبا قربانًا} قال: قرّب هذا زرعًا وذا عناقًا، فتركت النّار الزّرع وأكلت العناق.
وقال آخرون: اللّذان قرّبا قربانًا وقصّ اللّه عزّ ذكره قصصهما في هذه الآية، رجلان من بني إسرائيل لا من ولد آدم لصلبه.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا سهل بن يوسف، عن عمرٍو، عن الحسن، قال: كان الرّجلان اللّذان في القرآن، اللّذان قال اللّه: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ} من بني إسرائيل، ولم يكونا ابني آدم لصلبه، وإنّما كان القربان في بني إسرائيل، وكان آدم أوّل من مات.
وأولى القولين في ذلك عندي بالصّواب، أنّ اللّذين قرّبا القربان كان ابني آدم لصلبه، لا من ذرّيّته من بني إسرائيل. وذلك أنّ اللّه عزّ وجلّ يتعالى عن أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به فائدةً، والمخاطبون بهذه الآية كانوا عالمين أنّ تقريب القربان للّه لم يكن إلاّ في ولد آدم دون الملائكة والشّياطين وسائر الخلق غيرهم. فإذا كان معلومًا ذلك عندهم، فمعقولٌ أنّه لو لم يكن معنيًّا بابني آدم اللّذين ذكرهما اللّه في كتابه ابناه لصلبه، لم يفدهم بذكره جلّ جلاله إيّاهما فائدةً لم تكن عندهم. وإذا كان غير جائزٍ أن يخاطبهم خطابًا لا يفيدهم به معنًى، فمعلومٌ أنّه عنى ابني آدم لصلبه، لا ابني بنيه الّذين بعد منه نسبهم مع إجماع أهل الأخبار والسّير والعلم بالتّأويل على أنّهما كانا ابني آدم لصلبه وفي عهد آدم وزمانه، وكفى بذلك شاهدًا. وقد ذكرنا كثيرًا ممّن نصّ عنه القول بذلك، وسنذكر كثيرًا ممّن لم يذكر إن شاء اللّه.
- حدّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: حدّثنا حسام بن مصكٍّ، عن عمّارٍ الدّهنيّ، عن سالم بن أبي الجعد، قال: لمّا قتل ابن آدم أخاه، مكث آدم مائة سنةٍ حزينًا لا يضحك، ثمّ أتي فقيل له: حيّاك اللّه وبيّاك. فقال: بيّاك: أضحكك.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، قال: قال عليّ بن أبي طالبٍ رضوان اللّه عليه: لمّا قتل ابن آدم أخاه، بكى آدم فقال:.
تغيّرت البلاد ومن عليها = فلون الأرض مغبرٌّ قبيح.
تغيّر كلّ ذي لونٍ وطعمٍ = وقلّ بشاشة الوجه المليح
فأجيب آدم عليه السّلام:
أبا هابيل قد قتلا جميعًا = وصار الحيّ كالميت الذّبيح.
وجاء بشرّةٍ قد كان منها = على خوفٍ فجاء بها يصيح.
وأمّا القول في تقريبهما ما قرّبا، فإنّ الصّواب فيه من القول أن يقال: إنّ اللّه عزّ ذكره أخبر عباده عنهما أنّهما قد قرّبا، ولم يخبر أنّ تقريبهما ما قرّبا كان عن أمر اللّه إيّاهما به ولا عن غير أمره. وجائزٌ أن يكون كان عن أمر اللّه إيّاهما بذلك، وجائزٌ أن يكون عن غير أمره. غير أنّه أيّ ذلك كان فلم يقرّبا ذلك إلاّ طلب قربةٍ إلى اللّه إن شاء اللّه.
وأمّا تأويل قوله: {قال لأقتلنّك} فإنّ معناه: قال الّذي لم يتقبّل منه قربانه للّذي تقبّل منه قربانه: لأقتلنّك. فترك ذكر المتقبّل قربانه والمردود عليه قربانه، استغناءً بما قد جرى من ذكرهما عن إعادته، وكذلك ترك ذكر المتقبّل قربانه مع قوله: {قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين}
وبنحو ما قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عبّاسٍ:.
- حدّثنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {قال لأقتلنّك} فقال له أخوه: ما ذنبي {إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين} قال: يقول: إنّك لو اتّقيت اللّه في قربانك تقبّل منك، جئت بقربانٍ مغشوشٍ بأشرّ ما عندك، وجئت أنا بقربانٍ طيّبٍ بخير ما عندي؛ قال: وكان قال: يتقبّل اللّه منك ولا يتقبّل منّي.
ويعني بقوله: {من المتّقين} من الّذين اتّقوا اللّه وخافوه بأداء ما كلّفهم من فرائضه واجتناب ما نهاهم عنه من معصيته.
وقد قال جماعةٌ من أهل التّأويل: المتّقون في هذا الموضع الّذين اتّقوا الشّرك.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك، قوله: {إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين} الّذين يتّقون الشّرك.
وقد بيّنّا معنى القربان فيما مضى، وأنّه الفعلان من قول القائل: قرّب، كما الفرقان: الفعلان من فرّق، والعدوان من عدا.
وكانت قرابين الأمم الماضية قبل أمّتنا كالصّدقات والزّكوات فينا، غير أنّ قرابينهم كان يعلم المتقبّل منها وغير المتقبّل فيما ذكر بأكل النّار ما تقبّل منها وترك النّار ما لم يتقبّل منها. والقربان في أمّتنا: الأعمال الصّالحة: من الصّلاة، والصّيام، والصّدقة على أهل المسكنة، وأداء الزّكاة المفروضة، ولا سبيل لها إلى العلم في عاجلٍ بالمتقبّل منها والمردود.
وقد ذكر عن عامر بن عبد اللّه العنبريّ، أنّه حين حضرته الوفاة بكى، فقيل له: ما يبكيك، فقد كنت وكنت؟ فقال: يبكيني أنّي أسمع اللّه يقول: {إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين}.
- حدّثني بذلك، محمّد بن عمر المقدّميّ، قال: حدّثني سعيد بن عامرٍ، عن همّامٍ، عمّن ذكره، عن عامرٍ.
وقد قال بعضهم: قربان المتّقين: الصّلاة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن عمران بن سليمٍان، عن عديّ بن ثابتٍ، قال: كان قربان المتّقين: الصّلاة). [جامع البيان: 8/316-328]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ولد لآدم أربعة تؤم ذكر وأنثى من بطن وذكر وأنثى من بطن فكانت أخت صاحب الحرث جميلة وأخت صاحب الغنم قبيحة فقال صاحب الغنم أنا أحق بها وقال صاحب الحرث أتريد أن تستأثر بوضاءتها علي فتعال نقرب قربانا فإن تقبل قربانك فأنت أحق بها وإن تقبل قرباني فأنا أحق بها فجاء صاحب الغنم بكبش أعين أبيض أقرن وجاء صاحب الحرث بصبرة من طعام فقبل الكبش فخزنه الله في الجنة أربعين خريفا وهو الكبش الذي ذبحه إبراهيم عليه السلام فقتله صاحب الحرث فولد آدم كلهم من ولد ذلك الكافر). [تفسير مجاهد: 192]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال أمر آدم أن يزوج أنثى هذا البطن من ذكر ذاك البطن وأنثى ذاك البطن من ذكر هذا البطن). [تفسير مجاهد: 192-193]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إذ قربا قربانا قال هما ابنا آدم لصلبه هابيل وقابيل قرب هابيل شاة وقابيل بقلا فقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل فقتله فقال هابيل إني أريد أن تبوءا بإثمي وإثمك أي أريد أن يكون عليك خطيئتك ودمي فتبوء بهما فطوعت له نفسه يقول شجعته نفسه على قتله فبعث الله غرابا يبحث في الأرض يقول غرابا حيا حفر لغراب ميت وابن آدم القاتل ينظر إليه وبحث عليه التراب حتى غيبه في التراب يقول الله عز وجل من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا قال هذا مثل قوله ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها). [تفسير مجاهد: 193-194]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {واتل عليهم نبأ ابني آدم} [المائدة: 27]
- عن عبد اللّه بن عمرٍو - رضي اللّه عنهما - قال: قال النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم -: «أشقى النّاس ثلاثةٌ: عاقر ناقة ثمود، وابن آدم الّذي قتل أخاه، ما سفك على الأرض من دمٍ إلّا لحقه منه لأنّه أوّل من سنّ القتل». قلت: سقط من الأصل الثّالث، والظّاهر أنّه قاتل عليٍّ - رضي اللّه عنه.
رواه الطّبرانيّ، وفيه ابن إسحاق وهو مدلّسٌ). [مجمع الزوائد: 7/14]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين}.
أخرج ابن جرير عن ابن مسعود عن ناس من الصحابة، أنه كان لا يولد لآدم مولود ألا ولد معه جارية فكان يزوج غلام هذا البطن لجارية البطن الآخر ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر حتى ولد له ابنان يقال لهما قابيل وهابيل وكان قابيل صاحب زرع وكان هابيل صاحب ضرع وكان قابيل أكبرهما وكانت له أخت أحسن من أخت هابيل وإن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل فأبى عليه وقال: هي أختي ولدت معي وهي أحسن من أختك وأنا أحق أن أتزوج بها، فأمره أبوه أن يتزوجها هابيل فأبى وإنهما قربا قربانا إلى الله أيهما أحق بالجارية وكان آدم قد غاب عنهما إلى مكة ينظر إليها فقال آدم للسماء: احفظي ولدي بالأمانة فأبت وقال للأرض فأبت وقال للجبال فأبت فقال لقابيل فقال: نعم تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرك، فلما انطلق آدم قربا قربانا وكان قابيل يفخر عليه فقال: أنا أحق بها منك هي أختي وأنا أكبر منك وأنا وصي والدي فلما قربا قرب هابيل جذعة سمينة وقرب قابيل حزمة سنبل فوجد فيها سنبلة عظيمة ففركها فأكلها فنزلت النار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي، فقال هابيل {إنما يتقبل الله من المتقين} {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} يقول: إثم قتلي إلى إثمك الذي في عنقك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر بسند جيد عن ابن عباس قال: نهى أن ينكح المرأة أخاها توأمها وإن ينكحها غيره من إخوتها وكان يولد له في كل بطن رجل وامرأة فبينما هم كذلك ولد له امرأة وضيئة وأخرى قبيحة ذميمة فقال أخو الذميمة: انكحني أختك وأنكحك أختي، قال: لا أنا أحق بأختي فقربا قربانا فجاء صاحب الغنم بكبش أبيض وصاحب الزرع بصبرة من طعام فتقبل من صاحب الكبش فخزنه الله في الجنة أربعين خريفا وهو الكبش الذي ذبحه إبراهيم ولم يقبل من صاحب الزرع فبنو آدم كلهم من ذلك الكافر.
وأخرج إسحاق بن بشر في المبتدأ، وابن عساكر في تاريخه من طريق جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال: ولد لآدم أربعون ولدا عشرون غلاما وعشرون جارية فكان ممن عاش منهم هابيل وقابيل وصالح وعبد الرحمن والذي كان سماه عبد الحارث وود وكان يقال له شيث ويقال له هبة الله وكان إخوته قد سودوه وولد له سواع ويغوث ونسر وإن الله أمره أن يفرق بينهم في النكاح ويزوج أخت هذا من هذا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كان من شأن ابني آدم أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه وإنما كان القربان يقربه الرجل فبينا ابنا آدم قاعدان إذ قالا: لو قربنا قربانا وكان أحدهما راعيا والآخر حراثا وإن صاحب الغنم قرب خير غنمه وأسمنه وقرب الآخر بعض زرعه فجاءت النار فنزلت فأكلت الشاة
وتركت الزرع وإن ابن آدم قال لأخيه: أتمشي في الناس وقد علموا أنك قربت قربانا فتقبل منك ورد علي فلا والله لا ينظر الناس إلي واليك وأنت خير مني فقال: لأقتلنك، فقال له أخوه: ما ذنبي {إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك} لا أنا مستنصر ولأمسكن يدي عنك.
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال: أن ابني آدم اللذين قربا قربانا كان أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم وإنهما أمرا أن يقربا قربانا وأن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها طيبة بها نفسه وأن صاحب الحرث قرب شر حرثه الكردن والزوان غير طيبة بها نفسه وأن الله تقبل قربان صاحب الغنم ولم يقبل قربان صاحب الحرث وكان من قصتهما ما قص الله في كتابه وايم الله أن كان المقتول لأشد الرجالين [الرجلين] ولكنه منعه التحرج أن يبسط يده إلى أخيه
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {واتل عليهم نبأ ابني آدم} قال: هابيل وقابيل لصلب آدم قرب هابيل عناقا من أحسن غنمه وقرب قابيل زرعا من زرعه فتقبل من صاحب الشاة فقال لصاحبه: لأقتلنك، فقتله، فعقل الله إحدى رجليه بساقه إلى فخذها من يوم قتله إلى يوم القيامة وجعل وجهه إلى اليمن حيث دارت عليه حظيرة من ثلج في الشتاء وعليه في الصيف حظيرة من نار ومعه سبعة أملاك كلما ذهب ملك جاء الآخر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن الحسن في قوله {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق} قال: كانا من بني إسرائيل ولم يكونا ابني آدم لصلبه وإنما كان القربان في بني إسرائيل وكان أول من مات.
قوله تعالى: {إنما يتقبل الله من المتقين} الآية.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال: لأن استيقن أن الله تقبل مني صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها أن الله يقول {إنما يتقبل الله من المتقين}.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن علي بن أبي طالب قال: لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل،.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عمر بن عبد العزيز، انه كتب إلى رجل: أوصيك بتقوى الله الذي لا يقبل غيرها ولا يرحم إلا عليها ولا يثيب إلا عليها فإن الواعظين بها كثير والعاملين بها قليل.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن يزيد العيص: سألت موسى بن أعين عن قوله عز وجل {إنما يتقبل الله من المتقين} قال: تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام فسماهم الله متقين.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون اعلم أن الله يقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها فإن الله يقول {إنما يتقبل الله من المتقين}
وأخرج ابن سعد، وابن أبي الدنيا عن قتادة قال: قال عامر بن عبد قيس آية في القرآن أحب إلي من الدنيا جميعا أن أعطاه أن يجعلني الله من المتقين فإنه قال {إنما يتقبل الله من المتقين}.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن همام بن يحيى قال: بكى عامر بن عبد الله عند الموت فقيل له: ما يبكيك قال: آية في كتاب الله، فقيل له: أية آية قال {إنما يتقبل الله من المتقين}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله لا يقبل عمل عبد حتى يرضى عنه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ثابت قال: كان مطرف يقول: اللهم تقبل مني صيام يوم اللهم اكتب لي حسنة ثم يقول {إنما يتقبل الله من المتقين}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك في قوله {إنما يتقبل الله من المتقين} قال: الذين يتقون الشرك
وأخرج ابن عساكر عن هشام بن يحيى عن أبيه قال: دخل سائل إلى ابن عمر فقال لابنه: أعطه دينار فأعطاه فلما انصرف قال ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه فقال: لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة أو صدقة درهم لم يكن غائب أحب إلي من الموت تدري ممن يتقبل الله {إنما يتقبل الله من المتقين}.
وأخرج يعقوب بن سفيان في «تاريخه» وابن عساكر، عن ابن مسعود قال: لأن أكون أعلم أن الله تقبل مني عملا أحب إلي من أن يكون لي ملء الأرض ذهبا). [الدر المنثور: 5/257-264]

تفسير قوله تعالى: (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين}
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن المقتول من ابني آدم أنّه قال لأخيه حين لمّا قال له أخوه القاتل لأقتلنّك: واللّه {لئن بسطت إليّ يدك} يقول: مددت إليّ يدك {لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك} يقول: ما أنا بمادٍّ يدي إليك {لأقتلك}.
وقد اختلف في السّبب الّذي من أجله قال المقتول ذلك لأخيه ولم يمانعه ما فعل به، فقال بعضهم: قال ذلك إعلامًا منه لأخيه القاتل أنّه لا يستحلّ قتله ولا بسط يده إليه بما لم يأذن اللّه به.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا عوفٌ، عن أبي المغيرة، عن عبد اللّه بن عمرٍو، أنّه قال: وايم اللّه، إن كان المقتول لأشدّ الرّجلين، ولكن منعه التّحرّج أن يبسط إلى أخيه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك} لا أنا بمنتصرٍ، ولأمسكنّ يدي عنك.
وقال آخرون: لم يمنعه ممّا أراد من قتله، وقال ما قال له ممّا قصّ اللّه في كتابه. إلاّ أنّ اللّه عزّ ذكره فرض عليهم أن لا يمتنع من أريد قتله ممّن أراد ذلك منه.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا رجلٌ، سمع مجاهدًا، يقول في قوله: {لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك} قال مجاهدٌ: كان كتب اللّه عليهم: إذا أراد الرّجل أن يقتل رجلاً تركه ولا يمتنع منه.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه عزّ ذكره قد كان حرّم عليهم قتل نفسٍ بغير نفسٍ ظلمًا، وأنّ المقتول قال لأخيه: ما أنا بباسطٍ يدي إليك إن بسطت إليّ يدك؛ لأنّه كان حرامًا عليه من قتل أخيه مثل الّذي كان حرامًا على أخيه القاتل من قتله. فأمّا الامتناع من قتله حين أراد قتله، فلا دلالة على أنّ القاتل حين أراد قتله وعزم عليه كان المقتول عالمًا بما هو عليه عازمٌ منه ومحاولٌ من قتله، فترك دفعه عن نفسه؛ بل قد ذكر جماعةٌ من أهل العلم أنّه قتله غيلةً، اغتاله وهو نائمٌ، فشدخ رأسه بصخرةٍ. فإذا كان ذلك ممكنًا، ولم يكن في الآية دلالةٌ على أنّه كان مأمورًا بترك منع أخيه من قتله، لم يكن جائزًا ادّعاء ما ليس في الآية إلاّ ببرهانٍ يجب تسليمه.
وأمّا تأويل قوله: {إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين} فإنه انّي أخاف اللّه في بسط يدي إليك إن بسطتها لقتلك. {ربّ العالمين} يعني: مالك الخلائق كلّها أن يعاقبني على بسط يدي إليك). [جامع البيان: 8/328-330]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين * إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين}
أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {لئن بسطت إلي يدك} الآية، قال: كان كتب عليهم إذا أراد الرجل رجلا تركه ولا يمتنع منه.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية، قال: كانت بنو إسرائيل كتب عليهم إذا الرجل بسط يده إلى الرجل لا يمتنع عنه حتى يقتله أو يدعه فذلك قوله {لئن بسطت} الآية). [الدر المنثور: 5/264]

تفسير قوله تعالى: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {واتل عليهم نبأ ابني آدم} قال هما هابيل وقابيل قال كان أحدهما صاحب زرع والآخر صاحب ماشية فجاء أحدهما بخير ماله وجاء أحدهما بشر ماله فجاءت النار فأكلت قربان أحدهما وهو قابيل وتركت قربان الآخر فحسده و{قال لأقتلنك} وأما قوله: {إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك} فيقول بإثم قتلي وإثمك وأما قوله: {فبعث الله غرابا} فإنه قتل غراب غرابا فجعل يحثو عليه فقال ابن آدم الذي قتل أخاه حين رآه {يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب} الآية.
قال معمر وقال الحسن قال رسول الله إن ابني آدم ضربا لهذه الأمة مثلا فخذوا بالخير منهما). [تفسير عبد الرزاق: 1/187] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): ({تبوء} [المائدة: 29]: «تحمل»). [صحيح البخاري: 6/50] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تبوء تحمل قال أبو عبيدة في قوله تعالى إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك أي تحمل إثمي وإثمك قال وله تفسيرٌ آخر تبوء أي تقرّ وليس مرادًا هنا وروى الطّبريّ من طريق مجاهدٍ قال إنّي أريد أن تبوء أن تكون عليك خطيئتك ودمي قال والجمهور على أنّ المراد بقوله إثمي أي إثم قتلي ويحتمل أن يكون على بابه من جهة أنّ القتل يمحو خطايا المقتول وتحمل على القاتل إذا لم تكن له حسناتٌ يوفّى منها المقتول). [فتح الباري: 8/269]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (تبوء تحمل
أشار به في قصّة قابيل بن آدم إلى قول هابيل يقول، لقابيل: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وأثمك} (المائدة: 29) تحمل. ثمّ فسر: تبوء، بقوله: تحمل، هكذا فسره مجاهد رواه ابن المنذر عن موسى: حدثنا أبو بكر حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه وعن ابن عبّاس وقتادة ومجاهد. أي: قتلى وإثمك الّذي عملته قبل ذلك، وقال ابن جرير: قال آخرون: معنى ذلك، إنّي أريد أن تبوء بإثمي، أي: بخطيئتي فتحمل أوزارها وإثمك في قتلك إيّاي، وقال هذا قول وجدته عن مجاهد وأخشى أن يكون غلطا لأن الرّواية الصّحيحة عنه خلاف هذا يعني: ما رواه سفيان الثّوريّ عن منصور عن مجاهد إنّي أريد أن تبوء بإثمي. قال: بقتلك إيّاي وإثمك. قال: بما كان قبل ذلك؟ قلت: هذا هو الّذي ذكرناه عنه مع ابن عبّاس الّذي نص عليها بالصّحّة فإن قلت: قد روى ما ترك القاتل على المقتول من ذنب؟ قلت: هذا الحديث لا أصل له. قاله الخطابيّ من المحدثين. فإن قلت: روى البزّار بإسناده من حديث عروة ابن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل الصّبر لا يمر بذنب إلاّ محاه. قلت: هذا لا يصح، ولئن صحّ فمعناه أن الله يكفر عن المقتول بإثم القتل ذنوبه فإمّا أنه يحمل على القاتل فلا). [عمدة القاري: 18/198]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({تبوء}) يريد قوله تعالى: {إني أريد أن تبوء بإثمي} [المائدة: 29] معناه (تحمل) كذا فسره مجاهد). [إرشاد الساري: 7/100]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النّار وذلك جزاء الظّالمين}
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: إنّي أريد أن تبوء بإثمي من قتلك إيّاي وإثمك في معصيتك اللّه وغير ذلك من معاصيك.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في حديثه عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} يقول: إثم قتلي إلى إثمك الّذي في عنقك {فتكون من أصحاب النّار}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} يقول بقتلك إيّاي، وإثمك قبل ذلك.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} قال: بإثم قتلي وإثمك.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} يقول: إنّي أريد أن يكون عليك خطيئتك ودمي، تبوء بهما جميعًا.
- حدّثني الحرث قال: حدّثنا عبد العزيز، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} يقول: إنّي أريد أن تبوء بقتلك إيّاي {وإثمك} قال: بما كان منك قبل ذلك.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ الفضل بن خالدٍ، قال: حدّثني عبيد بن سليمٍان، عن الضّحّاك، قوله: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} قال: أمّا إثمك، فهو الإثم الّذي عمل قبل قتل النّفس، يعني أخاه. وأمّا إثمه: فقتله أخاه.
وكأنّ قائلي هذه المقالة وجّهوا تأويل قوله: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} أي إنّي أريد أن تبوء بإثم قتلي، فحذف القتل واكتفى بذكر الإثم، إذ كان مفهومًا معناه عند المخاطبين به
وقال آخرون: معنى ذلك: إنّي أريد أن تبوء بخطيئتي فتتحمّل وزرها وإثمك في قتلك إيّاي.
وهذا قولٌ وجدته عن مجاهدٍ، وأخشى أن يكون غلطًا، لأنّ الصّحيح من الرّواية عنه ما قد ذكرنا قبل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إنّي أريد أن تبوء، بإثمي وإثمك} يقول: إنّي أريد أن تكون عليك خطيئتي ودمي، فتبوء بهما جميعًا.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ تأويله: إنّي أريد أن تنصرف بخطيئتك في قتلك إيّاي، وذلك هو معنى قوله: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي} وأمّا معنى {وإثمك} فهو إثمه بغير قتله، وذلك معصية اللّه جلّ ثناؤه في أعمالٍ سواه.
وإنّما قلنا ذلك هو الصّواب لإجماع أهل التّأويل عليه، لأنّ اللّه عزّ ذكره قد أخبرنا أنّ كلّ عاملٍ فجزاء عمله له أو عليه، وإذا كان ذلك حكمه في خلقه فغير جائزٍ أن يكون آثام المقتول مأخوذًا بها القاتل وإنّما يؤخذ القاتل بإثمه بالقتل المحرّم وسائر آثام معاصيه الّتي ارتكبها بنفسه دون ما ركبه قتيله.
فإن قال قائلٌ: أو ليس قتل المقتول من بني آدم كان معصيةً للّه من القاتل؟
قيل: بلى، وأعظم بها معصيةً.
فإن قال: فإذا كان للّه جلّ وعزّ معصيةٌ، فكيف جاز أن يريد ذلك منه المقتول ويقول: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي} وقد ذكرت أنّ تأويل ذلك: إنّي أريد أن تبوء بإثم قتلي؟
فمعناه: إنّي أريد أن تبوء بإثم قتلي إن قتلتني لأنّي لا أقتلك، فإن أنت قتلتني فإنّي مريدٌ أن تبوء بإثم معصيتك اللّه في قتلك إيّاي. وهو إذا قتله، فهو لا محالة باء به في حكم اللّه، فإرادته ذلك غير موجبةٍ له الدّخول في الخطأ.
ويعني بقوله: {فتكون من أصحاب النّار وذلك جزاء الظّالمين} يقول: فتكون بقتلك إيّاي من سكّان الجحيم، ووقود النّار المخلّدين فيها {وذلك جزاء الظّالمين} يقول: والنّار ثواب التّاركين طريق الحقّ الزّائلين عن قصد السّبيل، المتعدّين ما جعل لهم إلى ما لم يجعل لهم. وهذا يدلّ على أنّ اللّه عزّ ذكره قد كان أمر ونهى آدم بعد أن أهبطه إلى الأرض، ووعد وأوعد، ولولا ذلك ما قال المقتول للقاتل: فتكون من أصحاب النّار بقتلك إيّاي، ولا أخبره أنّ ذلك جزاء الظّالمين.
فكان مجاهدٌ يقول: علقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها من يومئذ إلى يوم القيامة، ووجهه في الشّمس حيثما دارت دار، عليه في الصّيف حظيرةٌ من نارٍ وعليه في الشّتاء حظيرةٌ من ثلج.
- حدّثنا بذلك القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاج، قال: قال ابن جريجٍ، قال مجاهدٌ ذلك. قال: وقال عبد اللّه بن عمرٍو: إنّا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النّار قسمةً صحيحة العذاب، عليه شطر عذابهم.
وقد روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنحو ما روي عن عبد اللّه بن عمرٍو خبرٌ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، وحدّثنا سفيان، قال: حدّثنا جريرٌ، وأبو معاوية ح وحدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو معاوية، ووكيعٌ، جميعًا عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه، قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ما من نفسٍ تقتل ظلمًا إلاّ كان على ابن آدم الأوّل كفلٌ منها، ذلك بأنّه أوّل من سنّ القتل.
- حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا أبي ح، وحدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن جميعًا، عن سفيان، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن حسن بن صالحٍ، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن إبراهيم النّخعيّ، قال: ما من مقتولٍ يقتل ظلمًا، إلاّ كان على ابن آدم الأوّل والشّيطان كفلٌ منه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن حكيم بن حكيمٍ، أنّه حدّث عن عبد اللّه بن عمرٍو، أنّه كان يقول: إنّ أشقى النّاس رجلاً لابن آدم الّذي قتل أخاه، ما سفك دمٌ في الأرض منذ قتل أخاه إلى يوم القيامة إلاّ لحق به منه شيءٌ، وذلك أنّه أوّل من سنّ القتل
وهذا الخبر الّذي ذكرنا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يبيّن أنّ القول الّذي قاله الحسن في ابني آدم اللّذين، ذكرهما اللّه في هذا الموضع أنّهما ليسا بابني آدم لصلبه، ولكنّهما رجلان من بني إسرائيل، وأنّ القول الّذي حكي عنه، أنّ أوّل من مات آدم، وأنّ القربان الّذي كانت النّار تأكله لم يكن إلاّ في بني إسرائيل خطأً؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد أخبر عن هذا القاتل الّذي قتل أخاه. أنّه أوّل من سنّ القتل، وقد كان لا شكّ القتل قبل بنى إسرائيل، فكيف قبل ذرّيّته، وخطأٌ من القول أن يقال: أوّل من سنّ القتل رجلٌ من بني إسرائيل. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنّ الصّحيح من القول هو قول من قال: هو ابن آدم لصلبه، لأنّه أوّل من سنّ القتل، فأوجب اللّه له من العقوبة ما روّينا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 8/330-336]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} قال: بقتلك إياي {وإثمك} قال: بما كان منك قبل ذلك.
وأخرج عن قتادة والضحاك، مثله.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} قال: ترجع بإثمي وإثمك الذي عملت فتستوجب النار، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت الشاعر يقول: من كان كاره عيشه فليأتنا * يلقى المنية أو يبوء عناء.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي قال: أفرأيت أن دخل علي بيتي فبسط إلي يده ليقتلني قال: كن كابن آدم وتلا {لئن بسطت إلي يدك لتقتلني} الآية.
وأخرج أحمد ومسلم والحاكم عن أبي ذر قال ركب النّبيّ صلى الله عليه وسلم حمارا وأردفني خلفه فقال: يا أبا ذر أرأيت إن أصاب الناس جوع لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك كيف تصنع قلت: الله ورسوله اعلم قال: تعفف يا أبا ذر أرأيت إن أصاب الناس موت شديد يكون البيت فيه بالعبد يعني القبر قلت: الله ورسوله أعلم قال: اصبر يا أبا ذر، قال: أرأيت أن قتل الناس بعضهم بعضا حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء كيف تصنع قلت: الله ورسوله أعلم قال: اقعد في بيتك وأغلق بابك، قلت: فإن لم أترك قال: فائت من أنق منهم فكن فيهم، قلت: فآخذ سلاحي قال: إذن تشاركهم فيما هم فيه ولكن أن خشيت أن يروعك شعاع السيف فالق طرف ردائك على وجهك حتى يبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب النار.
وأخرج البيهقي عن أبي موسى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال اكسروا سيفكم يعني في الفتنة واقطعوا أوتاركم والزموا أجواف البيوت وكونوا فيها كالخير من ابني آدم.
وأخرج ابن مردويه عن حذيفة قال: لئن اقتتلتم لانتظرن أقصى بيت في داري فلالجنه فلئن علي فلأقولن: ها بؤ بإثمي وإثمك كخير ابني آدم.
وأخرج ابن سعد، وابن عساكر عن أبي نضرة قال: دخل أبو سعيد الخدري يوم الحرة غارا فدخل عليه الغار رجل ومع أبي سعيد السيف فوضعه أبو سعيد وقال: بؤ بإثمي وإثمك وكن من أصحاب النار ولفظ ابن سعد وقال: {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار} قال أبو سعيد الخدري: أنت، قال: نعم، قال: فاستغفر لي، قال: غفر الله لك.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابني آدم ضربا مثلا لهذه الأمة فخذوا بالخير منهما.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أيها الناس ألا أن ابن آدم ضربا لكم مثلا فتشبهوا بخيرهما ولا تتشبهوا بشرهما
وأخرج ابن جرير من طريق المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: قلت لبكر بن عبد الله: أما بلغك أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال أن الله ضرب لكم ابني آدم مثلا فخذوا خيرهما ودعوا شرهما،، قال بلى.
وأخرج الحاكم بسند صحيح عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا انها ستكون فتن ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي إليها فإذا نزلت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ومن كان له أرض فليلحق بأرضه، فقيل: أرأيت يا رسول الله أن لم يكن له ذلك قال: فليأخذ حجرا فليدق به على حد سيفه ثم لينج أن استطاع النجاة اللهم هل بلغت ثلاثا، فقال رجل: يا رسول الله أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين فيرميني رجل بسهم أو يضربني بسيف فيقتلني قال يبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب النار، قالها ثلاثا.
وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة أنه قيل له: ما تأمرنا إذا قتل المصلون قال: آمرك أن تنظر أقصى بيت في دارك فلتج فيه فإن دخل عليك فتقول له: بؤ بإثمي وإثمك فتكون كابن آدم
وأخرج أحمد والحاكم عن خالد بن عرفطة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خالد إنه سيكون بعدي أحداث وفتن واختلاف فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل فافعل.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول يكون فتنة النائم فيها خير من المضطجع والمضطجع خير من القاعد والقاعد خير من الماشي والماشي خير من الساعي قتلاها كلها في النار، قال: يا رسول الله فيم تأمرني أن أدركت ذلك قال: ادخل بيتك، قلت: أفرأيت إن دخل علي قال: قل بؤ بإثمي وإثمك وكن عبد الله المقتول.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر عن الأوزاعي قال: من قتل مظلوما كفر الله كل ذنب عنه وذلك في القرآن {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك}.
وأخرج ابن سعد عن خباب بن الأرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي فإن أدركت ذلك فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجز أحدكم أتاه الرجل أن يقتله أن يقول هكذا وقال بإحدى يديه على الأخرى فيكون كالخير من ابني آدم وإذا هو في الجنة وإذا هو في الجنة وإذا قاتله في النار). [الدر المنثور: 5/264-270]

تفسير قوله تعالى: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين}
يعني جلّ ثناؤه بقوله {فطوّعت} فأتته وساعدته عليه. وهو فعّلت من الطّوع، من قول القائل: طاعني هذا الأمر: إذا انقاد له.
وقد اختلف أهل التّأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: فشجّعت له نفسه قتل أخيه.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني نصر بن عبد الرّحمن الأوديّ، ومحمّد بن حميدٍ، قالا: حدّثنا حكّام بن سلمٍ، عن عنبسة، عن ابن أبي ليلى، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ: {فطوّعت له نفسه} قال: شجّعت.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فطوّعت له نفسه} قال: فشجّعته.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فطوّعت له نفسه قتل أخيه} قال: شجّعته على قتل أخيه.
وقال آخرون: معنى ذلك: زيّنت له.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فطوّعت له نفسه} قال: زيّنت له نفسه قتل أخيه، فقتله.
ثمّ اختلفوا في صيغة قتله إيّاه كيف كانت، والسّبب الّذي من أجله قتله. فقال بعضهم: وجده نائمًا فشدخ رأسه بصخرةٍ.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، فيما ذكر عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن عبد اللّه، وعن ناسٍ، من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {فطوّعت له نفسه قتل أخيه} فطلبه ليقتله، فراغ الغلام منه في رءوس الجبال. وأتاه يومًا من الأيّام وهو يرعى غنمًا له في جبلٍ وهو نائمٌ، فرفع صخرةً فشدخ بها رأسه، فمات، فتركه بالعراء.
وقال بعضهم ما:
- حدّثني محمّد بن عمر بن عليٍّ، قال: سمعت أشعث السّجستانيّ، يقول: سمعت ابن جريجٍ، قال: ابن آدم الّذي قتل صاحبه لم يدر كيف يقتله، فتمثّل إبليس له في هيئة طيرٍ، فأخذ طيرًا فقصع رأسه، ثمّ وضعه بين حجرين فشدخ رأسه، فعلّمه القتل.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قتله حيث يرعى الغنم، فأتاه فجعل لا يدري كيف يقتله، فلوى برقبته وأخذ برأسه، فنزل إبليس، وأخذ دابّةً أو طيرًا، فوضع رأسه على حجرٍ، ثمّ أخذ حجرًا آخر فرضخ به رأسه، وابن آدم القاتل ينظر، فأخذ أخاه، فوضع رأسه على حجرٍ وأخذ حجرًا آخر فرضخ به رأسه.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا رجلٌ، سمع مجاهدًا، يقول، فذكر نحوه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا أكلت النّار قربان ابن آدم الّذي تقبّل قربانه، قال الآخر لأخيه: أتمشي في النّاس وقد علموا أنّك قرّبت قربانًا فتقبّل منك وردّ عليّ؟ واللّه لا تنظر النّاس إليّ وإليك وأنت خيرٌ منّي. فقال: لأقتلنّك. فقال له أخوه: ما ذنبي {إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين} فخوّفه بالنّار، فلم ينته ولم ينزجر، فطوّعت له نفسه قتل أخيه، فقتله فأصبح من الخاسرين.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاج، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، قال: أقبلت مع سعيد بن جبيرٍ أرمي الجمرة وهو متقنّعٌ متوكّئٌ على يدي، حتّى إذا وازينا بمنزل سمرة الصّرّاف، وقف فحدّثني عن ابن عبّاسٍ، قال: نهى أن ينكح المرأة أخوها توأمها وينكحها غيره من إخوتها، وكان يولد في كلّ بطنٍ رجلٌ وامرأةٌ، فولدت امرأةٌ وسيمةٌ، وولدت امرأةٌ دميمةٌ قبيحةٌ، فقال أخو الدّميمة: أنكحني أختك وأنكحك أختي. قال: لا، أنا أحقّ بأختي. فقرّبا قربانًا فتقبّل من صاحب الكبش، ولم يتقبّل من صاحب الزّرع، فقتله. فلم يزل ذلك الكبش محبوسًا عند اللّه حتّى أخرجه في فداء إسحاق، فذبحه على هذا الصّفا في ثبيرٍ عند منزل سمرة الصّرّاف، وهو على يمينك حين ترمي الجمار. قال ابن جريجٍ: وقال آخرون بمثل هذه القصّة. قال: فلم يزل بنو آدم على ذلك حتّى مضى أربعة آباءٍ، فنكح ابنة عمّه، وذهب نكاح الأخوات.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه عزّ ذكره قد أخبر عن القاتل أنّه قتل أخاه، ولا خبر عندنا يقطع العذر بصفته قتله إيّاه. وجائزٌ أن يكون على نحو ما قد ذكر السّدّيّ في خبره، وجائزٌ أن يكون كان على ما ذكره مجاهدٌ، واللّه أعلم أيّ ذلك كان، غير أنّ القتل قد كان لا شكّ فيه.
وأمّا قوله: {فأصبح من الخاسرين} فإنّ تأويله: فأصبح القاتل أخاه من ابني آدم من حزب الخاسرين، وهم الّذين باعوا آخرتهم بدنياهم بإيثارهم إيّاها عليها فوكسوا في بيعهم وغبنوا فيه، وخابوا في صفقتهم). [جامع البيان: 8/336-340]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين}.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {فطوعت له نفسه قتل أخيه} قال: زينت له نفسه.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة {فطوعت له نفسه قتل أخيه} ليقتله فراغ الغلام منه في رؤوس الجبال فأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غنما له وهو نائم فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات فتركه بالعراء ولا يدري كيف يدفن فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه فحفر له ثم حثا عليه التراب فلما رآه قال: يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: ابن آدم الذي قتل أخاه لم يدر كيف يقتله فتمثل له إبليس في صورة طير فأخذ طيرا فوضع رأسه بين حجرين فشدخ رأسه فعلمه القتل.
وأخرج عن مجاهد نحوه.
وأخرج ابن جرير عن خيثمة قال: لما قتل ابن آدم أخاه شفت الأرض دمه فلعنت فلم تشف الأرض دما بعد.
وأخرج ابن عساكر عن علي أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال بدمشق جبل يقال له قاسيون فيه قتل ابن آدم أخاه.
وأخرج ابن عساكر عن عمرو بن خبير الشعباني قال: كنت مع كعب الأحبار على جبل دير المران فرأى لجة سائلة في الجبل فقال: ههنا قتل ابن آدم أخاه وهذا أثر دمه جعله الله آية للعالمين.
وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن كعب قال: أن الدم الذي على جبل قاسيون هو دم ابن آدم.
وأخرج ابن عساكر عن وهب قال: أن الأرض نشفت دم ابن آدم المقتول فلعن ابن آدم الأرض فمن أجل ذلك لا تنشف الأرض دما بعد دم هابيل إلى يوم القيامة.
وأخرج نعيم بن حماد في الفتن عن عبد الرحمن بن فضالة قال: لما قتل قابيل هابيل مسح الله عقله وخلع فؤاده تائها حتى مات.
قوله تعالى: {فأصبح من الخاسرين}.
أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجة، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل
وأخرج ابن المنذر عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قتلت نفس ظلما إلا كان على ابن آدم قاتل الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل.
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن عمرو قال: إن أشقى الناس رجلا لابن آدم الذي قتل أخاه ما سفك دم في الأرض منذ قتل أخاه إلى يوم القيامة إلا لحق به منه شيء وذلك انه أول من سن القتل.
وأخرج الطبراني عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشقى الناس ثلاثة:
عاقر ناقة ثمود، وابن آدم الذي قتل أخاه ما سفك على الأرض من دم إلا لحقه منه لأنه أول من سن القتل.
وأخرج ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمرو قال انا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذاب عليه شطر عذابهم
وأخرج ابن أبي الدنيا كتاب من عاش بعد الموت من طريق عبد الله بن دينار عن أبي أيوب اليماني عن رجل من قومه يقال له عبد الله أنه ونفرا من قومه ركبوا البحر وإن البحر أظلم عليهم أياما ثم انجلت عنهم تلك الظلمة وهم قرب قرية، قال عبد الله: فخرجت ألتمس الماء وإذا أبواب مغلقة تجأجأ فيها الريح فهتفت فيها فلم يجبني أحد فبينا أنا على ذلك إذ طلع علي فارسان فسألا عن أمري فأخبرتهما الذي أصابنا في البحر وأني خرجت أطلب الماء فقالا لي: اسلك في هذه السكة فانك ستنتهي إلى بركة فيها ماء فاستق منها ولا يهولنك ما ترى فيها، فسألتهما عن تلك البيوت المغلقة التي تجأ جيء فيها الريح فقالا: هذه بيوت أرواح الموتى فخرجت حتى انتهيت إلى البركة فإذا فيها رجل معلق منكوس على رأسه يريد أن يتناول الماء بيده فلا يناله فلما رآني هتف بي وقال: يا عبد الله اسقني فغرفت بالقدح لأناوله فقبضت يدي فقلت: أخبرني من أنت فقال: أنا ابن آدم أول من سفك دما في الأرض.
وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من هجر أخاه سنة لقي الله بخطيئة قابيل ابن أدم، لا يفكه شيء دون ولوج النار "). [الدر المنثور: 5/270-274]

تفسير قوله تعالى: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فبعث اللّه غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النّادمين}
قال أبو جعفرٍ: وهذا أيضًا أحد الأدلّة على أنّ القول في أمر ابني آدم بخلاف ما رواه عمرٌو عن الحسن؛ لأنّ الرّجلين اللّذين وصف اللّه صفتهما في هذه الآية لو كانا من بني إسرائيل لم يجهل القاتل دفن أخيه ومواراة سوأة أخيه، ولكنّهما كانا من ولد آدم لصلبه. ولم يكن القاتل منهما أخاه علم سنّة اللّه في عادة الموتى، ولم يدر ما يصنع بأخيه المقتول، فذكر أنّه كان يحمله على عاتقه حينًا حتّى أراحت جيفته، فأحبّ اللّه تعريفه السّنّة في موتى خلقه، فقيّض له الغرابين اللّذين وصف صفتهما في كتابه.
ذكر الأخبار عن أهل التّأويل بالّذي كان من فعل القاتل من ابني آدم بأخيه المقتول بعد قتله إيّاه:.
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن أبي روقٍ الهمدانيّ، عن أبيه، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: مكث يحمل أخاه في جرابٍ على رقبته سنةً، حتّى بعث اللّه جلّ وعزّ الغرابين، فرآهما يبحثان، فقال: أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب؟ فدفن أخاه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فبعث اللّه غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه} بعث اللّه جلّ وعزّ غرابًا حيًّا إلى غرابٍ ميّتٍ، فجعل الغراب الحيّ يواري سوأة الغراب الميّت، فقال ابن آدم الّذي قتل أخاه: {يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب} الآية.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، فيما ذكر عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن عبد اللّه، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لمّا مات الغلام تركه بالعراء ولا يعلم كيف يدفن، فبعث اللّه غرابين أخوين، فاقتتلا، فقتل أحدهما صاحبه، فحفر له، ثمّ حثا عليه، فلمّا رآه قال: {يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي} فهو قول اللّه: {فبعث اللّه غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يبحث} قال: بعث اللّه غرابًا حتّى حفر لآخر إلى جنبه ميّتٍ وابن آدم القاتل ينظر إليه، ثمّ بحث عليه حتّى غيّبه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {غرابًا يبحث في الأرض} حتّى حفر لآخر ميّتٍ إلى جنبه، فغيّبه، وابن آدم القاتل ينظر إليه حيث يبحث عليه، حتّى غيّبه فقال: {يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب} الآية.
- حدّثني الحرث قال: حدّثنا عبد العزيز قالا: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ قوله: {فبعث اللّه غرابًا يبحث في الأرض} قال: بعث اللّه غرابًا إلى غرابٍ، فاقتتلا، فقتل أحدهما صاحبه، فجعل يحثي عليه التّراب، فقال: {يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النّادمين}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثني عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {فبعث اللّه غرابًا يبحث في الأرض} قال: جاء غرابٌ إلى غرابٍ ميّتٍ، فبحث عليه من التّراب حتّى واراه، فقال الّذي قتل أخاه: {يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب} الآية.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة، قال: لمّا قتله ندم، فضمّه إليه حتّى أروح، وعكفت عليه الطّير والسّباع تنتظر متى يرمي به فتأكله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فبعث اللّه غرابًا يبحث في الأرض ليريه} أنّه بعثه اللّه عزّ ذكره يبحث في الأرض ذكر لنا أنّهما غرابان اقتتلا، فقتل أحدهما صاحبه، وذلك، يعني ابن آدم، وجعل الحيّ يحثي على الميّت التّراب، فعند ذلك قال ما قال: {يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب} الآية، إلى قوله: {من النّادمين}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قال: أمّا قوله: {فبعث اللّه غرابًا} قال: قتل غرابٌ غرابًا. فجعل يحثو عليه، فقال ابن آدم الّذي قتل أخاه حين رآه: {يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النّادمين}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {فبعث اللّه غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه} قال: وارى الغراب الغراب. قال: كان يحمله على عاتقه مائة سنةٍ لا يدري ما يصنع به، يحمله ويضعه إلى الأرض حتّى رأى الغراب يدفن الغراب، فقال: {يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النّادمين}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا معلّى بن أسدٍ، قال: حدّثنا خالدٌ، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ، في قول اللّه: {يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب} قال: بعث اللّه غرابًا، فجعل يبحث على غرابٍ ميّتٍ التّراب، قال: فقال عند ذلك {أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النّادمين}.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {فبعث اللّه غرابًا يبحث في الأرض} بعث اللّه غرابًا حيًّا إلى غرابٍ ميّتٍ، فجعل الغراب الحيّ يواري سوأة الغراب الميّت، فقال ابن آدم الّذي قتل أخاه: {يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب} الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، فيما يذكر عن بعض، أهل العلم بالكتاب الأوّل، قال: لمّا قتله سقط في يديه، ولم يدر كيف يواريه، وذلك أنّه كان فيما يزعمون أوّل قتيلٍ من بني آدم، وأوّل ميّتٍ {فبعث اللّه غرابًا يبحث في الأرض يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي} الآية إلى قوله: {ثمّ إنّ كثيرًا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون} قال: ويزعم أهل التّوراة أنّ قابيل حين قتل أخاه هابيل، قال له جلّ ثناؤه: يا قابيل أين أخوك هابيل؟ قال: ما أدري ما كنت عليه رقيبًا. فقال اللّه جلّ وعزّ له: إنّ صوت دم أخيك ليناديني من الأرض، الآن أنت ملعونٌ من الأرض الّتي فتحت فاها فتلقت فبلعت دم أخيك من يدك، فإذا أنت عملت في الأرض، فإنّها لا تعود تعطيك حرثها حتّى تكون فزعًا تائهًا في الأرض. قال قابيل: عظمت خطيئتي عن أن تغفرها، قد أخرجتني اليوم عن وجه الأرض، وأتوارى من قدّامك، وأكون فزعًا تائهًا في الأرض، وكلّ من لقيني قتلني. فقال جلّ وعزّ: ليس ذلك كذلك، ولا يكون كلّ قاتلٍ قتيلاً يجزى واحدًا، ولكن يجزى سبعةً،ولكن من قتل قابيل وجعل اللّه في قابيل آيةً، لئلاّ يقتله كلّ من وجده. وخرج قابيل من قدّام اللّه عزّ وجلّ، من شرقيّ عدن الجنّة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، قال: حدّثنا الأعمش، عن خيثمة، قال: لمّا قتل ابن آدم أخاه نشفت الأرض دمه، فلعنت، فلم تنشّف الأرض دمًا بعد.
فتأويل الكلام: فأثار اللّه للقاتل إذ لم يدر ما يصنع بأخيه المقتول غرابًا يبحث في الأرض، يقول: يحفر في الأرض، فيثير ترابها ليريه كيف يواري سوءة أخيه، يقول: ليريه كيف يواري جيفة أخيه. وقد يحتمل أن يكون عنى بالسّوءة الفرج، غير أنّ الأغلب من معناه ما ذكرت من الجيفة، وبذلك جاء تأويل أهل التّأويل. وفي ذلك محذوفٌ ترك ذكره استغناءً بدلالة ما ذكر منه، وهو: فأراه بأن بحث في الأرض لغرابٍ آخر ميّتٍ، فواراه فيها، فقال القاتل أخاه حينئذٍ: {يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب} الّذي وارى الغراب الآخر الميّت {فأواري سوأة أخي} فواراه حينئذٍ {فأصبح من النّادمين} على ما فرط منه من معصية اللّه عزّ ذكره في قتله أخاه.
وكلّ ما ذكر اللّه عزّ وجلّ في هذه الآيات، مثلٌ ضربه اللّه لبني آدم، وحرّض به المؤمنين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على استعمال العفو والصّفح عن اليهود، الّذين كانوا همّوا بقتل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقتلهم من بني النّضير، إذ أتوهم يستعينونهم في دية قتيلي عمرو بن أميّة الضّمريّ، وعرّفهم جلّ وعزّ رداءة سجيّة أوائلهم وسوء استقامتهم على منهج الحقّ مع كثرة أياديه وآلائه عندهم، وضرب مثلهم في غدوّهم ومثل المؤمنين في الوفاء لهم والعفو عنهم بابني آدم المقرّبين قرابينهما اللّذين ذكرهما اللّه في هذه الآيات.
ثمّ ذلك مثلٌ لهم على التّأسّي بالفاضل منهما دون الطّالح، وبذلك جاء الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: قلت لبكر بن عبد اللّه: أما بلغك أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ اللّه جلّ وعزّ ضرب لكم ابني آدم مثلاً، فخذوا خيرهما ودعوا شرّهما؟ قال: بلى.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ ابني آدم ضربا مثلاً لهذه الأمّة فخذوا بالخير منهما.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال أخبرنا ابن المبارك، عن عاصمٍ الأحول، عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه ضرب لكم ابني آدم مثلاً، فخذوا من خيرهم ودعوا الشّرّ). [جامع البيان: 8/340-347]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين}.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عطية قال: لما قتله ندم ضمه إليه حتى أروح وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر متى يرمي به فتأكله وكره أن يأتي به آدم فيحزنه فبعث الله غرابين قتل أحدهما الآخر وهو ينظر إليه ثم حفر به بمنقاره وبرجليه حتى مكن له ثم دفعه برأسه حتى ألقاه في الحفرة ثم بحث عليه برجليه حتى واراه فلما رأى ما صنع الغراب {يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: بعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر ثم جعل يحثو عليه التراب حتى واراه فقال ابن آدم القاتل: {يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: جاء غراب إلى غراب ميت فحثا عليه التراب حتى واراه فقال الذي قتل اخاه {يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي}.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: مكث يحمل أخاه في جراب على رقبته سنة حتى بعث الله بغرابين فرآهما يبحثان فقال {أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب} فدفن أخاه.
وأخرج ابن جرير، وابن عساكر عن سالم بن أبي الجعد قال: أن آدم لما قتل أحد ابنيه الآخر مكث مائة عام لا يضحك حزنا عليه فأتى على رأس المائة فقيل له: حياك الله وبياك وبشر بغلام فعند ذلك ضحك.
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما قتل ابن آدم بكى آدم فقال:
تغيرت البلاد ومن عليها * فلون الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي لون وطعم * وقل بشاشة الوجه المليح
فاجيب آدم عليه السلام:
أبا هابيل قد قتلا جميعا * وصار الحي بالميت الذبيح
وجاء بشره قد كان منه * على خوف فجاء بها يصيح.
وأخرج الخطيب، وابن عساكر عن ابن عباس قال: لما قتل ابن آدم أخاه قال آدم عليه الصلاة والسلام:
تغيرت البلاد ومن عليها * فلون الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي لون وطعم * وقل بشاشة الوجه المليح
قتل قابيل هابيلا أخاه * فواحزنا مضى الوجه المليح
فأجابه إبليس عليه اللعنة:
تنح عن البلاد وساكنيها * فبي في الخلد ضاق بك الفسيح
وكنت بها وزوجك في رخاء * وقلبك من أذى الدنيا مريح
فما انفكت مكايدتي ومكري * إلى أن فاتك الثمن الربيح). [الدر المنثور: 5/275-277]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 11:28 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) )

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر قال لأقتلنّك...}
ولم يقل: قال الذي لم يتقبل منه (لأقتلنّك) لأن المعنى يدلّ على أن الذي لم يتقبل منه هو القائل لحسده لأخيه: لأقتلنك. ومثله في الكلام أن تقول: إذا اجتمع السفيه والحليم حمد، تنوى بالحمد الحليم، وإذا رأيت الظالم والمظلوم أعنت، وأنت تنوى: أعنت المظلوم، للمعنى الذي لا يشكل. ولو قلت: مرّ بي رجل وامرأة فأعنت، وأنت تريد أحدهما لم يجز حتى يبيّن؛ لأنهما ليس فيهما علامة تستدلّ بها على موضع المعونة، إلا أن تريد: فأعنتهما جميعا).[معاني القرآن: 1/305]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قرباناً فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر قال لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين}
[و] قال: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ} فالهمزة لـ"نبأ" لأنها من "أنباته". وألف "ابني" تذهب لأنها ألف وصل في التصغير. وإذا وقفت [قلت] "نبأ" مقصور ولا تقول "نبا" لأنها مضاف فلا تثبت فيها الألف). [معاني القرآن: 1/222]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({واتل عليهم نبأ ابني آدم} أي خبرهما.
و(القربان): ما تقرّب به إلى اللّه من ذبح وغيره). [تفسير غريب القرآن: 142]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قربانا فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر قال لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين (27)
قيل كانا رجلين من بني إسرائيل لأن القربان كان تأكله النار في زمن بني إسرائيل، ومثل ذلك قوله: (إنّ اللّه عهد إلينا ألّا نؤمن لرسول حتّى يأتينا بقربان تأكله النّار)
وقيل ابنا آدم لصلبه، أحدهما هابيل والآخر قابيل، فقربا قربانا.
(فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر).
وكان الرجل إذا قرب قربانا سجد وتنزل النار فتأكل قربانه، فذلك علامة قبول القربان، فنزلت النار وأكلت قربان هابيل، ولم تأكل قربان قابيل.
فحسده قابيل وتوعده بالقتل فقال:
(لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين).
المعنى قال الذي لم يتقبّل منه لأقتلنك، وحذف ذكر الذي لم يتقبل منه؛ لأن في الكلام دليلا عليه، ومثل ذلك في الكلام إذا رأيت الحاكم والمظلوم كنت معه، المعنى كنت مع المظلوم، ويقال إن السيف كان ممنوعا في ذلك الوقت كما كان حين كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة وكما كان ممنوعا في زمن عيسى، فقال:
(لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين (28) ). [معاني القرآن: 2/166]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق}
قال مجاهد: هما ابنا آدم لصلبه هابيل وقابيل وكان من علامة قربانهم إذا تقبل أن يسجد أحدهم ثم تنزل نار من السماء فتأكل القربان والقربان عند أهل اللغة فعلان مما يتقرب به إلى الله جل وعز
قال الحسن: هما من بني إسرائيل؛ لأن القربان كان فيهم). [معاني القرآن: 2/292-293]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال عز وجل: {قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين} المعنى قال: الذي لم يتقبل منه للذي تقبل منه لأقتلنك ثم حذف هذا لعلم السامع.
ويروى أن القتل كان ممنوعا في ذلك الوقت كما كان ممنوعا حين كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ووقت عيسى عليه السلام فلذلك قال {ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين} ). [معاني القرآن: 2/293]

تفسير قوله تعالى: (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (بسطت إلىّ يدك) (28) أي مددت.
(أن تبوء بإثمي وإثمك) أي أن تحتمل إثمي وتفوز به، وله موضع آخر: أن تقرّ به؛ تقول: بؤت بذنبي، ويقال: قد أبأت الرجل بالرجل أي قتلته، وقد أبأ فلانٌ بفلان، إذا قتله بقتيلٍ. قال عمرو ابن حنيّ التغلبيّ:
ألا تستحى منا ملوكٌ وتتّقى=محارمنا لا يبأء الدّم بالدّم
ولا يباء الدّم بالدّم سواء في معناها، ويقال: أبأت بهذا المنزل، أي نزلت).[مجاز القرآن: 1/161]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين (28)
أي: ما أنا بمجازيك ولا مقاتلك، ولا قاتلك: (إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين) ). [معاني القرآن: 2/166-167]

تفسير قوله تعالى: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({تبوء بإثمي}: تحتمله وتقر به. بؤت بالذنب أقررت به). [غريب القرآن وتفسيره: 130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} أي تنقلب وتنصرف بإثمي أي بقتلي. وإثمك: ما أضمرت في نفسك من حسدي وعدواتي).[تفسير غريب القرآن: 142]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النّار وذلك جزاء الظّالمين (29)
أي أن ترجع إلى الله بإثمي وإثمك.
(فتكون من أصحاب النّار).
معنى بإثمي: بإثم قتلي وإثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك أي إن قتلتني فأنا مريد ذلك. وذلك جزاء الظّالمين). [معاني القرآن: 2/167]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار}
قال الكسائي: يقال: باء بالشيء يبوء به بوء وبواء إذا انصرف به
قال البصريون: يقال: باء بالشيء إذا أقر به واحتمله ولزمه ومنه تبوأ فلان الدار أي لزمها وأقام بها، يقال: البواء التكافؤ والقتل بواء وأنشد:
فإن تكن القتلى بواء فإنكم فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر
قال أبو العباس محمد بن يزيد في قوله تعالى: {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} وهو مؤمن لما كان المؤمن يريد الثواب ولا يبسط يده إليه بالقتل كان بمنزلة من يريد هذا
وسئل أبو الحسن بن كيسان: كيف يريد المؤمن أن يأثم أخوه وأن يدخل النار؟
فقال: إنما وقعت الإرادة بعدما بسط يده بالقتل فالمعنى لئن بسطت إلي يدك لتقتلني لامتنعن من ذلك مريدا الثواب.
فقيل له فكيف؟
قال: بإثمي وإثمك وأي إثم له إذا قتل، فقال: فيه ثلاثة أوجه:
أحدها أن تبوء بإثم قتلي وإثم ذنبك الذي من أجله لم يتقبل من أجله قربانك ويروى هذا الوجه عن مجاهد.
والوجه الآخر أن تبوء بإثم قتلي وإثم اعتدائك علي لأنه قد يأثم في الاعتداء وإن لم يقتل.
والوجه الثالث أنه لو بسط يده إليه أثم فرأى أنه إذا أمسك عن ذلك فإنه يرجع على صاحبه وصار هذا مثل قولك: المال بينه وبين زيد أي المال بينهما فالمعنى أن تبوء بإثمنا
قال أبو جعفر: ومن أجل ما روي فيه عن ابن مسعود وابن عباس أن المعنى بإثم قتلي وإثمك فيما تقدم من معاصيك فإن قيل: أفليس القتل معصية وكيف يريده؟ قيل: لم يقل أن تبوء بقتلي فإنما المعنى بإثم قتلي إن قتلتني فإنما أراد الحق).[معاني القرآن: 2/294-296]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وذلك جزاء الظالمين} يجوز أن يكون هذا إخبارا من الله عن ابن آدم أنه قال هذا
ويجوز أن يكون منقطعا مما قبله). [معاني القرآن: 2/296-297]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تَبُوءَ بِإِثْمِي} أي تنقلب وتنصرف بهما). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 69]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تَبُوءَ بِإِثْمِي}: تحمل إثمي). [العمدة في غريب القرآن: 121]

تفسير قوله تعالى: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فطوّعت له نفسه قتل أخيه...}
يريد: فتابعته).[معاني القرآن: 1/305]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فطوّعت له نفسه) (30) أي شجّعته وآتته على قتله، وطاعت له، أي أطاعته).[مجاز القرآن: 1/162]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين}
وقال: {فطوّعت له نفسه} مثل "فطوّعت" ومعناه: "رخّصت" وتقول "طوّقته إمري" أي: عصبته به).[معاني القرآن: 1/222]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {فطوعت له نفسه} فالمصدر تطويعًا؛ أي حسنت ذلك له، وهي من طاعت وأطاعت وانطاعت، من الطاعة). [معاني القرآن لقطرب: 495]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فطوّعت له نفسه} أي: شايعته وانقادت له. يقال: طاعت نفسه بكذا، ولساني لا يطوع لكذا. أي لا ينقاد. ومنه يقال: أتيته طائعا وطوعا وكرها.
ولو كان من أطاع لكان مطيعا وطاعة وإطاعة).[تفسير غريب القرآن: 142]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (30)
(فطوّعت له نفسه)
تابعته.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: (فطوّعت له نفسه) فغلت من الطوع. والعرب تقول: طاع لهذه الظبية أصول هذه الشجرة، وطاع له كذا وكذا، أي أتاه طوعا.
وقوله: (فأصبح من الخاسرين).
أي ممن خسر حسناته.
وكان حين قتله سلبه ثيابه وتركه عاريا بالأرض القفار). [معاني القرآن: 2/167]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقول جل وعز: {فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله} قال قتادة أي زينت وقال مجاهد أي شجعته يريد أنها ساعدته على ذلك وقال أبو العباس طوعت فعلت من الطوع والطواعية وهي الإجابة إلى الشيء). [معاني القرآن: 2/297]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فأصبح من الخاسرين} أي ممن خسر حسناته والخسران النقصان.
ثم قال جل وعز: {فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه}
قال مجاهد بعث الله جل وعز غرابين فاقتتلا حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر فدفنه وكان ابن آدم هذا أول من قتل ويروى أنه لا يقتل مؤمن إلى يوم القيامة إلا كان عليه كفل من ذنب من قتله). [معاني القرآن: 2/297-298]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (فطوعت) أي: فسامحت). [ياقوتة الصراط: 209]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَطَوَّعَتْ لَهُ} أي انقادت وسوغت له ذلك).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 69]

تفسير قوله تعالى: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (سوأة أخيه) (31) أي فرج أخيه).[مجاز القرآن: 1/162]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فبعث اللّه غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النّادمين}
وقال: {أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري} فنصب {فأواري} لأنك عطفته بالفاء على {أن} وليس بمهموز لأنه من "واريت" وإنما كانت {عجزت} لأنها من "عجز" "يعجز" وقال بعضهم "عجز" "يعجز"، و"عجز" "يعجز").[معاني القرآن: 1/222-223]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن الاختصار قوله: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ}. أراد: فبعث الله غرابا يبحث التراب على غراب ميّت ليواريه، {لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ}). [تأويل مشكل القرآن: 231]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (الويل): كلمة جامعة للشر كله.
قال الأصمعي: ويل تقبيح، قال الله تعالى: {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}. تقول العرب: له الويل، والأليل والأليل: الأنين.
وقد توضع في موضع التّحسّر والتّفجع، كقوله: {يَا وَيْلَنَا}. و{يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ}. وكذلك: ويح وويس، تصغير). [تأويل مشكل القرآن: 561] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (فبعث اللّه غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النّادمين (31)
قال بعضهم بعث الله غرابا يبحث على غراب آخر ميت (ليريه كيف يواري سوءة أخيه).
وقيل بل أكرمه الله بأن بعث غرابا حثا عليه التراب، (ليريه كيف يواري).
(قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب).
يقال: عجزت عن الأمر أعجز عجزا ومعجزة ومعجزة، فأما " يا ويلتى "
فالوقف عليها في غير القرآن يا ويلتاه، والنداء لغير الآدميين نحو (يا حسرة على البعاد) و (يا ويلتى أألد وأنا عجوز)، وقال (يا ويلتى أعجزت).
فإنما وقع في كلام العرب على تنبيه المخاطبين، وأن الوقت الذي تدعى له هذه الأشياء هو وقتها، فالمعنى يا ويلتى تعالي، فإنه من إبّانك، فإنه قد لزمني الويل، وكذلك يا عجبا، المعنى: يا أيها العجب هذا وقتك فعلى هذا كلام العرب). [معاني القرآن: 2/167-168]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 جمادى الأولى 1434هـ/13-03-2013م, 02:42 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) }

تفسير قوله تعالى: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) }

تفسير قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقال التغلبي:
ألا تنتهي عنا ملوكٌ وتتقي = محارمنا لا يبوء الدم بالدمِ
ويقال: باء فلانٌ بذنبهِ، أي. بخع به وأقر، قال الفرزدق لمعاوية:
فلو كان هذا الحكُ في غير ملككم = لبؤت به أو غص بالماء شاربهْ
ويقال: باء فلانٌ بالشيء، من قولٍ أو فعلٍ، أي احتمله فصارَ عليه.
وقال المفسرون في قول الله جل وعزَّ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ}، أي يجتمعا5 عليك فتحملهما). [الكامل: 2/776-777]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وقال الله عز وجل: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم}، فمعناه: لئلا تميد بكم، فاكتفى بـ (أن) من (لا). وقال أيضا: {يبين الله لكم أن تضلوا}، فمعناه: ألا تضلوا، فاكتفى بـ (أنا) من (لا)، وقال عمرو بن كلثوم:
نزلتم منزل الأضياف منا = فعجلنا القرى أن تشتمونا
أراد ألا تشتمونا، فاكتفى بـ (أن) من (لا). وقال الراعي:
أيام قومي والجماعة كالذي = لزم الرحالة أن تميل مميلا
أراد لئلا تميل؛ فاكتفى بـ (أن) من (لا).
وقال بعض الناس: قول الله عز وجل: {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك}، فمعناه: إني أريد ألا تبوء بإثمي فحذف (لا) على ما مضى من التفسير.
قال أبو بكر: وهذا القول خطأ عند الفراء، لأن (لا) لا تضمر من الإرادة، كما لا تضمر مع العلم والظن.
وفي المسألة غير قول:
أحدهن: إني أريد أن تبوء بإثمي إذا قتلتني، وما أحب أن تقتلني، فمتى قتلتني أحببت أن تنصرف بإثم قتلي وإثمك السالف الذي من أجله لم يتقبل الله قربانك.
وقال بعضهم: كان قابيل صاحب زرع، وهابيل صاحب غنم، وكان الله عز وجل أمر آدم عليه السلام أن يزوج هابيل أخت قابيل التي ولدت معه في بطن، وأن يزوج قابيل أخت هابيل التي ولدت معه في بطن، فقال هابيل: رضيت بأمر الله، وقال قابيل: والله لا يتزوج هابيل أختي الحسناء وأتزوج أخته القبيحة أبدا، فقال آدم لهما: قربا قربانا فأيكما قبل قربانه تزوج الحسناء، فقرب هابيل شاة سمينة وزبدا، وقرب قابيل سنبلا من شر
سنبله، وصعدا بالقربان إلى الجبل، فنزلت نار فأخذت قربان هابيل، ولم تعرض لقربان قابيل، وكانت علامة قبول القربان نزول النار عليه، وأخذها إياه، فانصرف هابيل وقابيل، وقد أضمر هابيل في نفسه الطاعة والرضا، وأضمر قابيل في نفسه البلاء والخلاف، فقصد هابيل في غنمه فقال: لم تقبل الله قربانك ولم يتقبل مني؟ فقال له هابيل بعد أن توعده قابيل بالقتل: {إنما يتقبل الله من المتقين . لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين}.
فرماه قابيل بالحجارة حتى قتله، ثم جزع بعد قتله إياه، وظهور عورته. ولم يدر ما يصنع به، فنظر إلى غرابين: أحدهما حي، والآخر ميت، والحي يحثي على الميت التراب، حتى واراه به، فقال قابيل: {يا وليتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي}، فحمل هابيل ميتا فألقاه في غيضة.
وقال الآخرون: بل حثى التراب عليه على سبيل ما رأى من فعل أحد الغرابين بصاحبه.
وقال أصحاب القول المقدم: فدلت الآية والتفسير على أن قابيل لما قال لهابيل: {لأقتلنك} قال له هابيل بعد الموعظة: ما أحب أن أقتلك ولا أحب أن تقتلتني؛ فإن أبيت إلا قتلي كان انصرافك بإثم قتلي أعجب إلي من انصرافي بإثم قتلك، إذا لم يكن من أحد الفعلين بد.
وقال آخرون: معنى الآية: إني أريد بطلان أن تبوء بإثمي وإثمك، فحذف البطلان أو الزوال أو الدفع أو ما أشبههن وأقام (أن) مقام الساقط كما، قال: {واسأل القرية}.
قال أبو بكر: وفي هذا القول عندي بعد؛ لأن المحذوف ليس بمشهور ولا بين الموضع، فالقول الأول هو المختار عندنا لما مضى من الاحتجاج له وإقامة الدليل عليه. والله أعلم). [كتاب الأضداد: 311-314] (م)

تفسير قوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) }

تفسير قوله تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 11:41 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 11:41 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 11:41 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 11:42 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قرباناً فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر قال لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين (27) لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين (28) إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النّار وذلك جزاء الظّالمين (29)
اتل معناه اسرد وأسمعهم إياه، وهذه من علوم الكتب الأول التي لا تعلق لمحمد صلى الله عليه وسلم بها إلا من طريق الوحي، فهو من دلائل نبوته، والضمير في عليهم ظاهر أمره أنه يراد به بنو إسرائيل لوجهين: أحدهما أن المحاورة فيما تقدم إنما هي في شأنهم وإقامة الحجج عليهم بسبب همهم ببسط اليد إلى محمد صلى الله عليه وسلم، والثاني أن علم نبأ ابني آدم إنما هو عندهم وفي غامض كتبهم، وعليهم تقوم الحجة في إيراده والنبأ الخبر. و «ابنا آدم» هما في قول جمهور المفسرين لصلبه. وهما قابيل وهابيل، وقال الحسن بن أبي الحسن البصري «ابنا آدم» ليسا لصلبه ولم تكن القرابين إلا في بني إسرائيل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا وهم، وكيف يجهل صورة الدفن أحد من بني إسرائيل حتى يقتدي بالغراب، والصحيح قول الجمهور وروي أن تقريبهما للقربان إنما كان تحنثا وتطوعا. وكان قابيل صاحب زرع فعمد إلى أرذل ما عنده وأدناه فقربه، وكان هابيل صاحب غنم، فعمد إلى أفضل كباشه فقربه، وكانت العادة حينئذ أن يقرب المقرب قربانه ويقوم يصلي ويسجد، فإن نزلت نار وأكلت القربان فذلك دليل للقبول وإلا كان تركه دليل عدم القبول، فلما قرب هذان كما ذكرت فنزلت النار وأخذت كبش هابيل فرفعته وسترته عن العيون وتركت زرع قابيل، قال سعيد بن جبير وغيره: فكان ذلك الكبش يرتع في الجنة حتى أهبط إلى إبراهيم في فداء ابنه، قال سائقو هذا القصص، فحسد قابيل هابيل وقال له: أتمشي على الأرض يراك الناس أفضل مني؟ وكان قابيل أسن ولد «آدم». وروي أن «آدم» سافر إلى مكة ليرى الكعبة وترك قابيل وصيا على بنيه فجرت هذه القصة في غيابه، وروت جماعة من المفسرين منهم ابن مسعود: أن سبب هذا التقريب أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى فكان الذكر يزوج أنثى البطن الآخر، ولا تحل له أخته توأمته، فولدت مع قابيل أخت جميلة، ومع هابيل أخت ليست كذلك فلما أراد آدم تزويجهما قال قابيل: أنا أحق بأختي، فأمره «آدم» فلم يأتمر، فاتفقوا على التقريب، وروي أن آدم حضر ذلك فتقبل قربان هابيل ووجب أن يأخذ أخت قابيل، فحينئذ قال له لأقتلنّك وقول هابيل: إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين كلام قبله محذوف تقديره ولم تقتلني وأنا لم أجن شيئا ولا ذنب لي في قبول الله قرباني؟ أما إني اتقيته وكنت على لا حب الحق. وإنّما يتقبّل اللّه من المتّقين.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق: وإجماع أهل السنة في معنى هذه الألفاظ أنها اتقاء الشرك، فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة، وأما المتقي للشرك والمعاصي فله الدرجة العليا من القبول والحتم بالرحمة، علم ذلك بأخبار الله تعالى، لا أن ذلك يجب على الله تعالى عقلا، وقال عدي بن ثابت وغيره: قربان متقي هذه الأمة الصلاة). [المحرر الوجيز: 3/144-145]

تفسير قوله تعالى: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف الناس لم قال هابيل: ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك؟ فقال مجاهد: كان الفرض عليهم حينئذ أن لا يسل أحد سيفا وأن لا يمتنع من أريد قتله.. وقال عبد الله بن عمرو وجمهور الناس: كان هابيل أشد قوة من قابيل، ولكنه تحرج.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا هو الأظهر. ومن هنا يقوى أن قابيل إنما هو عاص لا كافر، لأنه لو كان كافرا لم يكن للتحرج وجه، وإنما وجه التحرج في هذا أن المتحرج يأبى أن يقاتل موحدا ويرضى بأن يظلم ليجازى في الآخرة، ونحو هذا فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه). [المحرر الوجيز: 3/145-146]

تفسير قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك الآية، ليست هذه بإرادة محبة وشهوة، وإنما هو تخير في شرين، كما تقول العرب في الشر خيار، فالمعنى إن قتلتني وسبق بذلك قدر فاختياري أن أكون مظلوما سيستنصر الله لي في الآخرة، وتبوء معناه تمضي متحملا. وقوله: بإثمي وإثمك قيل معناه: بإثم قتلي وسائر آثامك التي أوجبت أن لا يتقبل منك، وقيل المعنى: بإثم قتلي وإثمك في العداء علي إذ هو في العداء وإرادة القتل آثم ولو لم ينفذ القتل، وقيل المعنى: بإثمي إن لو قاتلتك وقتلتك وإثم نفسك في قتالي وقتلي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا هو الإثم الذي يقتضيه قول النبي صلى الله عليه وسلم «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه، فكأن هابيل أراد: أني لست بحريص على قتلك، فالإثم الذي كان يلحقني لو كنت حريصا على قتلك أريد أن تحمله أنت مع إثمك في قتلي، وقيل المعنى: بإثمي الذي يختص لي فيما فرط لي أي يؤخذ من سيئاتي فيطرح عليك بسبب ظلمك لي «تبوء بإثمك» في قتلي وهذا تأويل يعضده قول النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بالظالم والمظلوم يوم القيامة فيؤخذ من حسنات الظالم فيزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه، وقوله تعالى: وذلك جزاء الظّالمين يحتمل أن يكون من قول هابيل لأخيه، ويحتمل أن يكون إخبارا من الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم). [المحرر الوجيز: 3/146-147]

تفسير قوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (30) فبعث اللّه غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النّادمين (31)
قراءة الجمهور فطوّعت والمعنى أن القتل في ذاته مستصعب عظيم على النفوس، فرد؟ هـ هذه
النفس اللجوجة الأمارة بالسوء طائعا منقادا حتى واقعه صاحب هذه النفس، وقرأ الحسن بن أبي الحسن والجراح والحسن بن عمران وأبو واقد «فطاوعت» والمعنى كأن القتل يدعو إلى نفسه بسبب الحقد والحسد الذي أصاب قابيل، وكأن النفس تأبى لذلك ويصعب عليها، وكل جهة تريد أن تطيعها الأخرى، إلى أن تفاقم الأمر وطاوعت النفس القتل فواقعته، وروي أنه التمس الغرة في قتله حتى وجده نائما في غنمه فشدخ رأسه بحجر، وروي أنه جهل كيف يقتله فجاء إبليس بطائر أو حيوان غيره فجعل يشدخ رأسه بين حجرين ليقتدي به قابيل ففعل وروي أنه لما انصرف قابيل إلى آدم قال له أين هابيل قال لا أدري كأنك وكلتني بحفظه فقال له آدم أفعلتها والله إن دمه ليناديني من الأرض، اللهم العن أرضا شربت دم هابيل، فروي أنه من حينئذ ما شربت أرض دما، ثم ان آدم صلى الله عليه وسلم بقي مائة عام لم يتبسم حتى جاء ملك فقال له حياك الله يا آدم وبياك فقال آدم: ما بياك؟ قال أضحكك. ويروى أن آدم عليه السلام قال حينئذ:
تغيرت البلاد ومن عليها = فوجه الأرض مغبرّ قبيح
تغير كل ذي طعم ولون = وقل بشاشة الوجه المليح
وكذا هو الشعر بنصب بشاشة وكف التنوين، وروي عن مجاهد أنه قال علقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها من يومئذ إلى يوم القيامة ووجهه إلى الشمس حيث ما دارت عليه حظيرة من نار وعليه في الشتاء حظيرة من ثلج.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فإن صح هذا فهو من خسرانه الذي تضمنه قوله تعالى: فأصبح من الخاسرين: ومن خسرانه ما روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال إنّا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذاب عليه شطر عذابهم، ومن خسرانه ما ثبت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما قتلت نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها، وذلك أنه أول من سن القتل» وقوله:
فأصبح عبارة عن جميع أوقاته أقيم بعض الزمن مقام كله، وخصّ الصباح بذلك لأنه بدء النهار والانبعاث إلى الأمور ومطية النشاط، ومنه قول الربيع بن ضبع: أصبحت لا أحمل السلاح البيت، ومنه قول سعد بن أبي وقاص، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام، إلى غير ذلك من استعمال العرب لما ذكرناه). [المحرر الوجيز: 3/147-148]

تفسير قوله تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: فبعث اللّه غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه روي في معناه أن قابيل جعل أخاه في جراب ومشى به يحمله في عنقه مائة عام. وقيل سنة واحدة، وقيل بل أصبح في ثاني يوم قتله يطلب إخفاء أمر أخيه فلم يدر ما يصنع به، فبعث الله غرابا حيا إلى غراب ميت فجعل يبحث في الأرض ويلقي التراب على الغراب الميت. وروي أن الله تعالى بعث غرابين فاقتتلا حتى قتل أحدهما الآخر، ثم جعل القاتل يبحث ويواري الميت، وروي أن الله تعالى «إنما بعث غرابا» واحدا فجعل يبحث ويلقي التراب على هابيل، وظاهر هذه الآية أن هابيل هو أول ميت من بني آدم، ولذلك جهلت سنة المواراة، وكذلك حكى الطبري عن ابن إسحاق عن بعض أهل العلم بما في الكتب الأول، ويبحث معناه يفتش التراب بمنقاره ويثيره، ومن هذا سميت سورة براءة البحوث لأنها فتشت عن المنافقين ومن ذلك قول الشاعر:
إن الناس غطوني تغطيت عنهم = وإن بحثوني كان فيهم مباحث
وفي مثل: لا تكن كالباحث عن الشفرة، والضمير في قوله: سوأة أخيه يحتمل أن يعود على قابيل ويراد بالأخ هابيل، ويحتمل أن يعود على الغراب الباحث ويراد بالأخ الغراب الميت، والأول أشهر في التأويل، والسوأة العورة، وخصت بالذكر مع أن المراد مواراة جميع الجسد للاهتمام بها، ولأن سترها أوكد، ويحتمل أن يراد «بالسوأة» هذه الحالة التي تسوء الناظر بمجموعها، وأضيفت إلى المقتول من حيث نزلت به النازلة لا على جهة الغض منه بل الغض حق للقاتل وهو الذي أتى «بالسوأة»، وقرأ الجمهور «فأواري» بنصب الياء.
وقرأ طلحة بن مصرف والفياض بن غزوان «فأواري» بسكون الياء، وهي لغة لتوالي الحركات، ولما رأى قابيل فعل الغراب تنبه على ما يجب أن يصنع بأخيه، ورأى قصور نفسه وجهل البشر بالأمور، فقال يا ويلتى أعجزت الآية واحتقر نفسه ولذلك ندم، وقرأ الجمهور «يا ويلتى» والأصل «يا ويلتي» لكن من العرب من يبدل من الياء ألفا ويفتح الياء لذلك فيقولون «يا ويلتى» ويا غلاما ويقف بعضهم على هاء السكت فيقول يا ويلتاه. وقرأ الحسن بن أبي الحسن «يا ويلتى» ونداء الويلة هو على معنى احضري فهذا أوانك، وهذا هو الباب في قوله يا حسرةً [يس: 30] وفي قوله: يا عجبا وما جرى مجراه من نداء هذه الأمور التي لا تعقل وهي معان، وقرأ الجمهور «أعجزت» بفتح الجيم. وقرأ ابن مسعود والحسن والفياض وطلحة بن سليمان «أعجزت» بكسر الجيم، وهي لغة، ثم إن قابيل وارى أخاه وندم على ما كان منه من معصية الله في قتله حيث لا ينفعه الندم، واختلف العلماء في قابيل هل هو من الكفار أو من العصاة، والظاهر أنه من العصاة، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إن الله ضرب لكم ابني آدم مثلا فخذوا من خيرهما ودعوا الشر»). [المحرر الوجيز: 3/148-150]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 11:42 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 11:42 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قربانًا فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر قال لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين (27) لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين (28) إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النّار وذلك جزاء الظّالمين (29) فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (30) فبعث اللّه غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النّادمين (31)}
يقول تعالى مبيّنًا وخيم عاقبة البغي والحسد والظّلم في خبر ابني آدم لصلبه -في قول الجمهور-وهما هابيل وقابيل كيف عدا أحدهما على الآخر، فقتله بغيًا عليه وحسدًا له، فيما وهبه اللّه من النّعمة وتقبّل القربان الّذي أخلص فيه للّه عزّ وجلّ، ففاز المقتول بوضع الآثام والدّخول إلى الجنّة، وخاب القاتل ورجع بالصّفقة الخاسرة في الدّنيا والآخرة، فقال تعالى: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ} أي: واقصص على هؤلاء البغاة الحسدة، إخوان الخنازير والقردة من اليهود وأمثالهم وأشباههم-خبر ابني آدم، وهما هابيل وقابيل فيما ذكره غير واحدٍ من السّلف والخلف.
وقوله: {بالحقّ} أي: على الجليّة والأمر الّذي لا لبس فيه ولا كذب، ولا وهم ولا تبديل، ولا زيادة ولا نقصان، كما قال تعالى: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ} [آل عمران:62] وقال تعالى: {نحن نقصّ عليك نبأهم بالحقّ} [الكهف:13] وقال تعالى: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحقّ الّذي فيه يمترون]} [مريم: 34]
وكان من خبرهما فيما ذكره غير واحدٍ من السّلف والخلف، أنّ اللّه تعالى قد شرع لآدم، عليه السّلام، أن يزوّج بناته من بنيه لضرورة الحال، ولكن قالوا: كان يولد له في كلّ بطن ذكرٌ وأنثى، فكان يزوّج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر، وكانت أخت هابيل دميمةً، وأخت قابيل وضيئةً، فأراد أن يستأثر بها على أخيه، فأبى آدم ذلك إلّا أن يقرّبا قربانًا، فمن تقبّل منه فهي له، فقرّبا فتقبّل من هابيل ولم يتقبّل من قابيل، فكان من أمرهما ما قصّ اللّه في كتابه.
ذكر أقوال المفسّرين هاهنا:
قال السّدي -فيما ذكر-عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ -وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ-وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ أنّه كان لا يولد لآدم مولودٌ إلّا ولد معه جاريةٌ، فكان يزوّج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر، ويزوّج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر، حتّى ولد له ابنان يقال لهما: قابيل وهابيل وكان قابيل صاحب زرعٍ، وكان هابيل صاحب ضرع، وكان قابيل أكبرهما، وكان له أختٌ أحسن من أخت هابيل، وإنّ هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل، فأبى عليه وقال: هي أختي، ولدت معي، وهي أحسن من أختك، وأنا أحقّ أن أتزوّج بها. فأمره أبوه أن يزوّجها هابيل، فأبى، وأنّهما قرّبا قربانًا إلى اللّه عزّ وجلّ أيّهما أحقّ بالجارية، وكان آدم، عليه السّلام، قد غاب عنهما، أتى مكّة ينظر إليها، قال اللّه عزّ وجلّ: هل تعلم أنّ لي بيتًا في الأرض؟ قال: اللّهمّ لا قال: إنّ لي بيتًا في مكّة فأته. فقال آدم للسّماء: احفظي ولدي بالأمانة، فأبت. وقال للأرض، فأبت. وقال للجبال، فأبت. فقال لقابيل، فقال: نعم، تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرّك فلمّا انطلق آدم قربا قربانًا، وكان قابيل يفخر عليه، فقال: أنا أحقّ بها منك، هي أختي، وأنا أكبر منك، وأنا وصيّ والدي. فلمّا قربا، قرّب هابيل جذعة سمنةً، وقرّب قابيل حزمة سنبلٍ، فوجد فيها سنبلةً عظيمةً، ففركها فأكلها. فنزلت النّار فأكلت قربان هابيل، وتركت قربان قابيل، فغضب وقال: لأقتلنّك حتّى لا تنكح أختي. فقال هابيل: إنّما يتقبّل اللّه من المتقين. رواه ابن جرير.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، أخبرني ابن خثيم قال: أقبلت مع سعيد بن جبيرٍ فحدّثني عن ابن عبّاسٍ قال: نهي أن تنكح المرأة أخاها توأمها، وأمر أن ينكحها غيره من إخوتها، وكان يولد له في كلّ بطنٍ رجلٌ وامرأةٌ، فبينما هم كذلك ولد له امرأةٌ وضيئةٌ، وولد له أخرى قبيحةٌ دميمةٌ، فقال أخو الدّميمة: أنكحني أختك وأنكحك أختي. قال: لا أنا أحقّ بأختي فقرّبا قربانًا، فتقبّل من صاحب الكبش، ولم يتقبّل من صاحب الزّرع، فقتله. إسنادٌ جيّدٌ.
وحدّثنا أبي، حدّثنا أبو سلمة، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قوله {إذ قرّبا قربانًا} فقرّبا قربانهما، فجاء صاحب الغنم بكبشٍ أعين أقرن أبيض، وصاحب الحرث بصبرة من طعامٍ، فقبل اللّه الكبش فخزنه في الجنّة أربعين خريفًا، وهو الكبش الّذي ذبحه إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم إسنادٌ جيّدٌ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن بشّار، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا عوف، عن أبي المغيرة، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: إنّ ابني آدم اللّذين قرّبا قربانًا فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر، كان أحدهما صاحب حرثٍ والآخر صاحب غنمٍ، وإنّهما أمرا أن يقرّبا قربانًا، وإنّ صاحب الغنم قرّب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها، طيّبةً بها نفسه، وإنّ صاحب الحرث قرّب أشرّ حرثه الكودن والزّوان غير طيّبةٍ بها نفسه، وإنّ اللّه، عزّ وجلّ، تقبّل قربان صاحب الغنم، ولم يتقبّل قربان صاحب الحرث، وكان من قصّتهما ما قصّ اللّه في كتابه، قال: وايم اللّه، إن كان المقتول لأشدّ الرّجلين، ولكن منعه التّحرّج أن يبسط [يده] إلى أخيه.
وقال إسماعيل بن رافعٍ المدنيّ القاصّ: بلغني أنّ ابني آدم لمّا أمرا بالقربان، كان أحدهما صاحب غنم، وكان أنتج له حمل في غنمه، فأحبّه حتّى كان يؤثره باللّيل، وكان يحمله على ظهره من حبّه، حتّى لم يكن له مالٌ أحبّ إليه منه. فلمّا أمر بالقربان قرّبه للّه، عزّ وجلّ، فقبله اللّه منه، فما زال يرتع في الجنّة حتّى فدى به ابن إبراهيم، عليه السّلام. رواه ابن جريرٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا الأنصاريّ، حدّثنا القاسم بن عبد الرّحمن، حدّثنا محمّد بن عليّ بن الحسين قال: قال آدم، عليه السّلام، لهابيل وقابيل: إنّ ربّي عهد إليّ أنّه كائنٌ من ذرّيّتي من يقرّب القربان، فقرّبا قربانًا حتّى تقر عيني إذا تقبّل قربانكما، فقرّبا. وكان هابيل صاحب غنمٍ فقرّب أكولة غنمه، خير ماله، وكان قابيل صاحب زرعٍ، فقرّب مشاقّةً من زرعه، فانطلق آدم معهما، ومعهما قربانهما، فصعدا الجبل فوضعا قربانهما، ثمّ جلسوا ثلاثتهم: آدم وهما، ينظران إلى القربان، فبعث اللّه نارًا حتّى إذا كانت فوقهما دنا منها عنقٌ، فاحتمل قربان هابيل وترك قربان قابيل، فانصرفوا. وعلم آدم أنّ قابيل مسخوطٌ عليه، فقال: ويلك يا قابيل ردّ عليك قربانك. فقال قابيل: أحببته فصليت على قربانه ودعوت له فتقبل قربانه، وردّ عليّ قرباني. وقال قابيل لهابيل: لأقتلنك فأستريح منك، دعا لك أبوك فصلّى على قربانك، فتقبّل منك. وكان يتواعده بالقتل، إلى أن احتبس هابيل ذات عشيّةٍ في غنمه، فقال آدم: يا قابيل، أين أخوك؟ [قال] قال: وبعثتني له راعيًا؟ لا أدري. فقال [له] آدم: ويلك يا قابيل. انطلق فاطلب أخاك. فقال قابيل في نفسه: اللّيلة أقتله. وأخذ معه حديدةً فاستقبله وهو منقلبٌ، فقال: يا هابيل، تقبّل قربانك وردّ عليّ قرباني، لأقتلنّك. فقال هابيل: قربت أطيب مالي، وقربت أنت أخبث مالك، وإنّ اللّه لا يقبل إلّا الطّيّب، إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين، فلمّا قالها غضب قابيل فرفع الحديدة وضربه بها، فقال: ويلك يا قابيل أين أنت من اللّه؟ كيف يجزيك بعملك؟ فقتله فطرحه في جوبة من الأرض، وحثى عليه شيئًا من التّراب.
وقال محمّد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم بالكتاب الأوّل: إنّ آدم أمر ابنه قينًا أن ينكح أخته توأمة هابيل، وأمر هابيل أن ينكح أخته توأمة قينٍ، فسلّم لذلك هابيل ورضي، وأبى ذلك قينٌ وكره، تكرّمًا عن أخت هابيل، ورغب بأخته عن هابيل، وقال: نحن ولادة الجنّة، وهما من ولادة الأرض، وأنا أحقّ بأختي -ويقول بعض أهل العلم بالكتاب الأوّل: كانت أخت قينٍ من أحسن النّاس، فضنّ بها عن أخيه وأرادها لنفسه، فاللّه أعلم أيّ ذلك كان-فقال له أبوه: يا بنيّ، إنّها لا تحلّ لك، فأبى قابيل أن يقبل ذلك من قول أبيه. فقال له أبوه: يا بنيّ، قرّب قربانًا، ويقرّب أخوك هابيل قربانًا، فأيّكما تقبّل قربانه فهو أحقّ بها، وكان قينٌ على بذر الأرض، وكان هابيل على رعاية الماشية، فقرّب قينٌ قمحًا، وقرّب هابيل أبكارًا من أبكار غنمه -وبعضهم يقول: قرّب بقرةً-فأرسل اللّه نارًا بيضاء، فأكلت قربان هابيل، وتركت قربان قينٍ، وبذلك كان يقبل القربان إذا قبله. رواه ابن جريرٍ.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ قال: كان من شأنهما أنّه لم يكن مسكينٌ يتصدّق عليه، وإنّما كان القربان يقرّبه الرّجل. فبينا ابنا آدم قاعدان إذ قالا لو قرّبنا قربانًا وكان الرّجل إذا قرّب قربانًا فرضيه اللّه، أرسل إليه نارًا فتأكله وإن لم يكن رضيه اللّه خبت النّار، فقرّبا قربانًا، وكان أحدهما راعيًا، وكان الآخر حرّاثا، وإنّ صاحب الغنم قرّب خير غنمه وأسمنها، وقرّب الآخر بعض زرعه، فجاءت النّار فنزلت بينهما، فأكلت الشّاة وتركت الزّرع، وإنّ ابن آدم قال لأخيه: أتمشي في النّاس وقد علموا أنّك قرّبت قربانًا فتقبّل منك وردّ عليّ؟ فلا واللّه لا ينظر النّاس إليك وإليّ وأنت خيرٌ منّي. فقال: لأقتلنّك. فقال له أخوه: ما ذنبي؟ إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين. رواه ابن جريرٍ.
فهذا الأثر يقتضي أنّ تقريب القربان كان لا عن سببٍ ولا عن تدارئٍ في امرأةٍ، كما تقدّم عن جماعةٍ من تقدّم ذكرهم، وهو ظاهر القرآن: {إذ قرّبا قربانًا فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر قال لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين} فالسّياق يقتضي أنّه إنّما غضب عليه وحسده لقبول قربانه دونه.
ثمّ المشهور عند الجمهور أنّ الّذي قرّب الشّاة هو هابيل، وأنّ الّذي قرّب الطّعام هو قابيل، وأنّه تقبل من هابيل شاته، حتّى قال ابن عبّاسٍ وغيره: إنّه الكبش الّذي فدي به الذّبيح، وهو مناسبٌ، واللّه أعلم، ولم يتقبّل من قابيل. كذلك نصّ عليه غير واحدٍ من السّلف والخلف، وهو المشهور عن مجاهدٍ أيضًا، ولكن روى ابن جريرٍ، عنه أنّه قال: الّذي قرّب الزّرع قابيل، وهو المتقبّل منه، وهذا خلاف المشهور، ولعلّه لم يحفظ عنه جيّدًا واللّه أعلم.
ومعنى قوله: {إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين} أي: ممّن اتّقى اللّه في فعله ذلك.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا إبراهيم بن العلاء بن زبريقٍ، حدّثنا إسماعيل بن عيّاش، حدّثني صفوان بن عمرٍو، عن تميم، يعني ابن مالكٍ المقريّ، قال: سمعت أبا الدّرداء يقول: لأن أستيقن أنّ اللّه قد تقبّل منّي صلاةً واحدةً أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها، إنّ اللّه يقول: {إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين}
وحدّثنا أبي، حدّثنا عبد اللّه بن عمران، حدّثنا إسحاق بن سليمان -يعني الرّازيّ-عن المغيرة بن مسلمٍ، عن ميمون بن أبي حمزة قال: كنت جالسًا عند أبي وائلٍ، فدخل علينا رجلٌ -يقال له: أبو عفيفٍ، من أصحاب معاذٍ-فقال له شقيق بن سلمة: يا أبا عفيفٍ، ألا تحدّثنا عن معاذ بن جبلٍ؟ قال: بلى، سمعته يقول: يحبس النّاس في بقيعٍ واحدٍ، فينادي منادٍ: أين المتّقون؟ فيقومون في كنف من الرّحمن، لا يحتجب اللّه منهم ولا يستتر. قلت: من المتّقون؟ قال: قومٌ اتّقوا الشّرك وعبادة الأوثان، وأخلصوا العبادة، فيمرّون إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 3/81-85]

تفسير قوله تعالى: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين} يقول له أخوه الرّجل الصّالح، الّذي تقبّل اللّه قربانه لتقواه حين تواعده أخوه بالقتل على غير ما ذنبٍ منه إليه: {لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك} أي: لا أقابلك على صنيعك الفاسد بمثله، فأكون أنا وأنت سواءٌ في الخطيئة، {إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين} أي: من أن أصنع كما تريد أنّ تصنع، بل أصبر وأحتسب.
قال عبد اللّه بن عمرٍو: وايم اللّه، إن كان لأشدّ الرجلين ولكن منعه التحرج، يعني الورع.
ولهذا ثبت في الصّحيحين، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النّار". قالوا: يا رسول اللّه، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "إنّه كان حريصًا على قتل صاحبه".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا ليث بن سعدٍ، عن عيّاش بن عبّاسٍ، عن بكير بن عبد اللّه، عن بسر بن سعيدٍ ؛ أنّ سعد بن أبي وقّاصٍ قال عند فتنة عثمان: أشهد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: "إنّها ستكون فتنةٌ، القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من السّاعي". قال: أفرأيت إن دخل عليّ بيتي فبسط يده إليّ ليقتلني قال: "كن كابن آدم".
وكذا رواه التّرمذيّ عن قتيبة بن سعيدٍ وقال: هذا الحديث حسنٌ، وفي الباب عن أبي هريرة، وخباب بن الأرتّ، وأبي بكرة وابن مسعودٍ، وأبي واقدٍ، وأبي موسى، وخرشة. ورواه بعضهم عن اللّيث بن سعدٍ، وزاد في الإسناد رجلًا.
قال الحافظ ابن عساكر: الرّجل هو حسينٌ الأشجعيّ.
قلت: وقد رواه أبو داود من طريقه فقال: حدّثنا يزيد بن خالدٍ الرّمليّ، حدّثنا المفضّل، عن عيّاش بن عبّاسٍ عن بكير، عن بسر بن سعيدٍ عن حسين بن عبد الرّحمن الأشجعيّ؛ أنّه سمع سعد بن أبي وقّاصٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في هذا الحديث قال: فقلت: يا رسول اللّه، أرأيت إن دخل عليّ بيتي وبسط يده ليقتلني؟ قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كن كابن آدم" وتلا يزيد: {لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين}
قال أيّوب السّختياني: إنّ أوّل من أخذ بهذه الآية من هذه الأمّة: {لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين} لعثمان بن عفّان رضي اللّه عنه. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا مرحوم، حدّثني أبو عمران الجوني، عن عبد اللّه بن الصّامت، عن أبي ذرٍّ قال: ركب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حمارًا وأردفني خلفه، وقال: "يا أبا ذرٍّ، أرأيت إن أصاب النّاس جوعٌ شديدٌ لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك، كيف تصنع؟ ". قال: قال اللّه ورسوله أعلم. قال: "تعفّف" قال: "يا أبا ذرٍّ، أرأيت إن أصاب النّاس موتٌ شديدٌ، ويكون البيت فيه بالعبد، يعني القبر، كيف تصنع؟ " قلت: اللّه ورسوله أعلم. قال: "اصبر". قال: "يا أبا ذرٍّ، أرأيت إن قتل النّاس بعضهم بعضًا، يعني حتّى تغرق حجارة الزّيت من الدّماء، كيف تصنع؟ ". قال: اللّه ورسوله أعلم. قال: "اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك". قال: فإن لم أترك؟ قال: "فأت من أنت منهم، فكن فيهم قال: فآخذ سلاحي؟ قال: "إذًا تشاركهم فيما هم فيه، ولكن إن خشيت أن يروّعك شعاع السّيف، فألق طرف ردائك على وجهك حتّى يبوء بإثمه وإثمك".
رواه مسلمٌ وأهل السّنن سوى النّسائيّ، من طرقٍ عن أبي عمران الجونيّ، عن عبد اللّه بن الصّامت به ورواه أبو داود وابن ماجه، من طريق حمّاد بن زيدٍ، عن أبي عمران، عن المشعّث بن طريفٍ، عن عبد اللّه بن الصّامت عن أبي ذرٍّ بنحوه.
قال أبو داود: ولم يذكر المشعّث في هذا الحديث غير حمّاد بن زيدٍ.
وقال ابن مردويه: حدّثنا محمّد بن عليّ بن دحيم، حدّثنا أحمد بن حازمٍ، حدّثنا قبيصة بن عقبة، حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن ربعيّ قال: كنّا في جنازة حذيفة، فسمعت رجلًا يقول: سمعت هذا يقول في ناسٍ: ممّا سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لئن اقتتلتم لأنظرنّ إلى أقصى بيتٍ في داري، فلألجنّه، فلئن دخل عليّ فلانٌ لأقولنّ: ها بؤ بإثمي وإثمك، فأكون كخير ابني آدم. [تفسير القرآن العظيم: 3/85-87]

تفسير قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النّار وذلك جزاء الظّالمين} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، والضّحّاك، وقتادة، والسّدّي، في قوله: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} أي: بإثم قتلي وإثمك الّذي عليك قبل ذلك.
قال ابن جريرٍ: وقال آخرون: يعني ذلك أنّي أريد أن تبوء بخطيئتي، فتتحمّل وزرها، وإثمك في قتلك إيّاي. وهذا قولٌ وجدته عن مجاهدٍ، وأخشى أن يكون غلطًا؛ لأنّ الصّحيح من الرّواية عنه خلافه. يعني: ما رواه سفيان الثّوريّ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي} قال: بقتلك إيّاي، {وإثمك} قال: بما كان منك قبل ذلك.
وكذا روى عيسى عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله، وروى شبل عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} يقول: إنّي أريد أن يكون عليك خطيئتي ودمي، فتبوء بهما جميعًا.
قلت: وقد يتوهّم كثيرٌ من النّاس هذا القول، ويذكرون في ذلك حديثًا لا أصل له: ما ترك القاتل على المقتول من ذنبٍ.
وقد روى الحافظ أبو بكرٍ البزّار حديثًا يشبه هذا، ولكن ليس به، فقال: حدّثنا عمرو بن عليٍّ، حدّثنا عامر بن إبراهيم الأصبهانيّ، حدثنا يعقوب بن عبد اللّه، حدّثنا عتبة بن سعيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "قتل الصّبر لا يمرّ بذنبٍ إلّا محاه".
وهذا بهذا لا يصحّ ولو صحّ فمعناه أنّ اللّه يكفّر عن المقتول بألم القتل ذنوبه، فأمّا أن تحمل على القاتل فلا. ولكن قد يتّفق هذا في بعض الأشخاص، وهو الغالب، فإنّ المقتول يطالب القاتل في العرصات فيؤخذ له من حسناته بقدر مظلمته، فإن نفدت ولم يستوف حقّه أخذ من سيّئات المقتول فطرحت على القاتل، فربّما لا يبقى على المقتول خطيئةٌ إلّا وضعت على القاتل. وقد صحّ الحديث بذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المظالم كلّها، والقتل من أعظمها وأشدّها، واللّه أعلم.
وأمّا ابن جريرٍ فقال والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ تأويله: إنّي أريد أن تنصرف بخطيئتك في قتلك إيّاي -وذلك هو معنى قوله: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي} وأمّا معنى {وإثمك} فهو إثمه بغير قتله، وذلك معصيته اللّه، عزّ وجلّ، في أعمالٍ سواه.
وإنّما قلنا هو الصّواب، لإجماع أهل التّأويل عليه، وأنّ اللّه، عزّ وجلّ، أخبرنا أنّ كلّ عاملٍ فجزاء عمله له أو عليه وإذا كان هذا حكمه في خلقه، فغير جائزٍ أن تكون آثام المقتول مأخوذًا بهذا القاتل، وإنّما يؤخذ القاتل بإثمه بالقتل المحرّم وسائر آثام معاصيه الّتي ارتكبها بنفسه دون ما ركبه قتيله.
هذا لفظه ثمّ أورد سؤالًا حاصله: كيف أراد هابيل أن يكون على أخيه قابيل إثم قتله، وإثم نفسه، مع أنّ قتله له محرّمٌ؟ وأجاب بما حاصله أنّ هابيل أخبر عن نفسه بأنّه لا يقاتل أخاه إن قاتله، بل يكفّ يده عنه، طالبًا -إن وقع قتلٌ-أن يكون من أخيه لا منه.
قلت: وهذا الكلام متضمّنٌ موعظةً له لو اتّعظ، وزجرًا له لو انزجر؛ ولهذا قال: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} أي: تتحمّل إثمي وإثمك {فتكون من أصحاب النّار وذلك جزاء الظّالمين}
وقال ابن عبّاسٍ: خوّفه النّار فلم ينته ولم ينزجر). [تفسير القرآن العظيم: 3/87-88]

تفسير قوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين} أي: فحسنت وسوّلت له نفسه، وشجّعته على قتل أخيه فقتله، أي: بعد هذه الموعظة وهذا الزّجر.
وقد تقدّم في الرّواية عن أبي جعفرٍ الباقر، وهو محمّد بن عليّ بن الحسين: أنّه قتله بحديدةٍ في يده.
وقال السّدّي، عن أبي مالكٍ وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ -وعن مرّة، عن عبد اللّه، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {فطوّعت له نفسه قتل أخيه} فطلبه ليقتله، فراغ الغلام منه في رءوس الجبال، فأتاه يومًا من الأيّام وهو يرعى غنمًا له، وهو نائمٌ فرفع صخرةً، فشدخ بها رأسه فمات، فتركه بالعراء. رواه ابن جريرٍ.
وعن بعض أهل الكتاب: أنّه قتله خنقًا وعضًّا، كما تقتل السّباع، وقال ابن جريرٍ لمّا أراد أن يقتله جعل يلوي عنقه، فأخذ إبليس دابّةً ووضع رأسها على حجرٍ، ثمّ أخذ حجرًا آخر فضرب به رأسها حتّى قتلها، وابن آدم ينظر، ففعل بأخيه مثل ذلك. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال عبد اللّه بن وهب، عن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: أخذ برأسه ليقتله، فاضطجع له، وجعل يغمز رأسه وعظامه ولا يدري كيف يقتله، فجاءه إبليس فقال: أتريد أن تقتله؟ قال: نعم. قال: فخذ هذه الصّخرة فاطرحها على رأسه. قال: فأخذها، فألقاها عليه، فشدخ رأسه. ثمّ جاء إبليس إلى حوّاء مسرعًا، فقال: يا حوّاء، إنّ قابيل قتل هابيل. فقالت له: ويحك. أيّ شيءٍ يكون القتل؟ قال: لا يأكل ولا يشرب ولا يتحرّك. قالت: ذلك الموت. قال: فهو الموت. فجعلت تصيح حتّى دخل عليها آدم وهي تصيح، فقال: ما لك؟ فلم تكلّمه، فرجع إليها مرّتين، فلم تكلّمه. فقال: عليك الصّيحة وعلى بناتك، وأنا وبنيّ منها برآء. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقوله: {فأصبح من الخاسرين} أي: في الدّنيا والآخرة، وأيّ خسارة أعظم من هذه؟. وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو معاوية ووكيع قالا حدّثنا الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا تقتل نفسٌ ظلمًا، إلّا كان على ابن آدم الأوّل كفلٌ من دمها، لأنّه كان أوّل من سنّ القتل".
وقد أخرجه الجماعة سوى أبي داود من طرقٍ، عن الأعمش، به.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا القاسم، حدّثنا الحسين، حدّثني حجّاجٌ قال: قال ابن جريج: قال مجاهدٌ: علّقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها من يومئذٍ إلى يوم القيامة، ووجهه في الشّمس حيثما دارت دار، عليه في الصّيف حظيرةٌ من نارٍ، وعليه في الشّتاء حظيرةٌ من ثلجٍ -قال: وقال عبد اللّه بن عمرٍو: إنّا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النّار قسمةً صحيحة العذاب، عليه شطر عذابهم.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميد، حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن حكيم بن حكيمٍ، أنّه حدّث عن عبد اللّه بن عمرٍو أنّه كان يقول: إنّ أشقى أهل النّار رجلًا ابن آدم الّذي قتل أخاه، ما سفك دمٌ في الأرض منذ قتل أخاه إلى يوم القيامة، إلّا لحق به منه شرٌّ، وذلك أنّه أوّل من سنّ القتل.
وقال إبراهيم النّخعيّ: ما من مقتولٍ يقتل ظلمًا، إلّا كان على ابن آدم الأوّل والشيطان كفل منه.
رواه ابن جريرٍ أيضًا). [تفسير القرآن العظيم: 3/88-90]

تفسير قوله تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {فبعث اللّه غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النّادمين} قال السّدّيّ بإسناده المتقدّم إلى الصّحابة: لمّا مات الغلام تركه بالعراء، ولا يعلم كيف يدفن، فبعث اللّه غرابين أخوين، فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه، فحفر له ثمّ حثى عليه. فلمّا رآه قال: {قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي}.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: جاء غرابٌ إلى غرابٍ ميّتٍ، فبحث عليه من التّراب حتّى واراه، فقال الّذي قتل أخاه: {قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي}
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: مكث يحمل أخاه في جرابٍ على عاتقه سنةً، حتّى بعث اللّه الغرابين، فرآهما يبحثان، فقال: {أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب} فدفن أخاه.
وقال ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ: وكان يحمله على عاتقه مائة سنةٍ ميّتًا، لا يدري ما يصنع به يحمله، ويضعه إلى الأرض حتّى رأى الغراب يدفن الغراب، فقال: {يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النّادمين} رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ.
وقال عطيّة العوفيّ: لمّا قتله ندم. فضمّه إليه حتّى أروح، وعكفت عليه الطّيور والسّباع تنتظر متى يرمي به فتأكله. رواه ابن جريرٍ.
وقال محمّد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم بالكتاب الأوّل: لمّا قتله سقط في يديه، ولم يدر كيف يواريه. وذلك أنّه كان، فيما يزعمون، أوّل قتيلٍ في بني آدم وأوّل ميّتٍ {فبعث اللّه غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النّادمين} قال: وزعم أهل التّوراة أنّ قينًا لمّا قتل أخاه هابيل، قال له اللّه، عزّ وجلّ: يا قين، أين أخوك هابيل؟ قال: قال: ما أدري، ما كنت عليه رقيبًا. فقال اللّه: إنّ صوت دم أخيك ليناديني من الأرض، والآن أنت ملعونٌ من الأرض الّتي فتحت فاها فبلعت دم أخيك من يدك، فإن أنت عملت في الأرض، فإنّها لا تعود تعطيك حرثها حتّى تكون فزعًا تائهًا في الأرض.
وقوله: {فأصبح من النّادمين} قال الحسن البصريّ: علاه اللّه بندامةٍ بعد خسرانٍ.
فهذه أقوال المفسّرين في هذه القصّة، وكلّهم متّفقون على أنّ هذين ابنا آدم لصلبه، كما هو ظاهر القرآن، وكما نطق به الحديث في قوله: "إلّا كان على ابن آدم الأوّل كفل من دمها؛ لأنّه أوّل من سنّ القتل". وهذا ظاهرٌ جليّ، ولكن قال ابن جريرٍ:
حدّثنا ابن وكيع، حدّثنا سهل بن يوسف، عن عمرٍو، عن الحسن -هو البصري-قال: كان الرّجلان اللّذان في القرآن، اللّذان قال اللّه: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ} من بني إسرائيل، ولم يكونا ابني آدم لصلبه، وإنّما كان القربان في بني إسرائيل، وكان آدم أوّل من مات. وهذا غريبٌ جدًّا، وفي إسناده نظرٌ.
وقد قال عبد الرّزّاق، عن معمر، عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ ابني آدم، عليه السّلام، ضربا لهذه الأمّة مثلًا فخذوا بالخير منهما
ورواه ابن المبارك عن عاصمٍ الأحول، عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه ضرب لكم ابني آدم مثلًا فخذوا من خيرهم ودعوا الشّرّ".
وكذا أرسل هذا الحديث بكر بن عبد اللّه المزنيّ، روى ذلك كلّه ابن جريرٍ.
وقال سالم بن أبي الجعد: لمّا قتل ابن آدم أخاه، مكث آدم مائة سنةٍ حزينًا لا يضحك، ثمّ أتي فقيل له: حيّاك اللّه وبيّاك. أي: أضحكك.
رواه ابن جريرٍ، ثمّ قال: حدّثنا ابن حميد، حدّثنا سلمة، عن غياث بن إبراهيم عن أبي إسحاق الهمداني قال: قال عليّ بن أبي طالبٍ: لمّا قتل ابن آدم أخاه، بكاه آدم فقال:
تغيّرت البلاد ومن عليها = فلون الأرض مغبر قبيح
تغيّر كلّ ذي لونٍ وطعمٍ = وقلّ بشاشة الوجه المليح
فأجيب آدم عليه السّلام:
أبا هابيل قد قتلا جميعًا = وصار الحيّ كالميت الذّبيح
وجاء بشرةٍ قد كان منها على خوف فجاء بها يصيح والظّاهر أنّ قابيل عوجل بالعقوبة، كما ذكره مجاهد بن جبر أنّه علّقت ساقه بفخذه يوم قتله، وجعل اللّه وجهه إلى الشّمس حيث دارت عقوبةً له وتنكيلًا به. وقد ورد في الحديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم [أنّه] قال: "ما من ذنبٍ أجدر أن يعجّل اللّه عقوبته في الدّنيا مع ما يدّخر لصاحبه في الآخرة، من البغي وقطيعة الرّحم". وقد اجتمع في فعل قابيل هذا وهذا، فإنّا للّه وإنّا إليه راجعون). [تفسير القرآن العظيم: 3/90-92]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:36 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة