تفاسير القرن السادس الهجري
تفسير قوله تعالى: {كَلَّا وَالْقَمَرِ (32)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله عز وجل: كلّا رد على الكافرين وأنواع الطاغين على الحق، ثم أقسم ب القمر، تخصيص تشريف وتنبيه على النظر في عجائبه وقدرة الله تعالى في حركاته المختلفة التي هي مع كثرتها واختلافها على نظام واحد لا يختل، وكذلك هو القسم ب اللّيل وب الصّبح، فيعود التعظيم في آخر الفكرة وتحصيل المعرفة إلى الله تعالى مالك الكل وقوام الوجود ونور السماء والأرض، لا إله إلا هو العزيز القهار). [المحرر الوجيز: 8/ 461]
تفسير قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو والكسائي وأبو بكر عن عاصم: «إذ أدبر» بفتح الدال والباء، وهي قراءة ابن عباس وابن المسيب وابن الزبير ومجاهد وعطاء ويحيى بن يعمر وأبي جعفر وشيبة وأبي الزناد وقتادة وعمر بن عبد العزيز والحسن وطلحة. وقرأ نافع وحمزة وحفص عن عاصم، «إذا أدبر» بسكون الدال وبفعل رباعي، وهي قراءة سعيد بن جبير وأبي عبد الرحمن والحسن بخلاف عنهم والأعرج وأبي شيخ وابن محيصن وابن سيرين، قال يونس بن حبيب: «دبر» معناه انقضى و «أدبر» معناه تولى. وفي مصحف ابن مسعود وأبيّ بن كعب «إذ أدبر» بفتح الدال وألف وبفعل رباعي وهي قراءة الحسن وأبي رزين وأبي رجاء ويحيى بن يعمر. وسأل مجاهد ابن عباس عن دبر الليل فتركه حتى إذا سمع المنادي الأول للصبح قال له: يا مجاهد، هذا حين دبر الليل، وقال قتادة: دبر الليل ولى. قال الشاعر [الأصمعي]: [الكامل]
وأبي الذي ترك الملوك وجمعهم = بهضاب هامدة كأمس الدابر
والعرب تقول في كلامها كأمس المدبر، قال أبو علي الفارسي: فالقراءتان جميعا حسنتان). [المحرر الوجيز: 8/ 461-462]
تفسير قوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و «أسفر الصبح» أضاء وانتشر ضوءه قبل طلوع الشمس بكثير والإسفار رتب أول ووسط وآخر، ومن هذه اللفظة السّفر، والسفر بفتح السين، والسفير وسفرت المرأة عن وجهها كلها ترجع إلى معنى الظهور والانجلاء، وقرأ عيسى بن الفضيل وابن السميفع: «إذا أسفر»، فكأن المعنى طرح الظلمة عن وجهه وضعفها أبو حاتم). [المحرر الوجيز: 8/ 462]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إنّها لإحدى الكبر قال قتادة وأبو رزين وغيره: الضمير لجهنم، ويحتمل أن يكون الضمير للنذارة، وأمر الآخرة فهو للحال والقصة، وتكون هذه الآية مثل قوله عز وجل قل هو نبأٌ عظيمٌ أنتم عنه معرضون [ص: 68]، و «الكبر»، جمع كبيرة، وقرأ جمهور القراء «لإحدى» بهمزة في ألف إحدى، وروي عن ابن كثير أنه قرأ «لاحدى» دون همزة، وهي قراءة نصر بن عاصم، قال أبو علي: التخفيف في إحدى الكبر، أن تجعل الهمزة فيها بين بين، فأما حذف الهمزة فليس بقياس وقد جاء حذفها. قال أبو الأسود الدؤلي: [الكامل]
يا أبا المغيرة رب أمر معضل = فرجته بالنكر مني والدّها
وأنشد ثعلب: [الكامل]
إن لم أقاتل فالبسوني برقعا = وفتخات في اليدين أربعا
). [المحرر الوجيز: 8/ 462-463]
تفسير قوله تعالى: {نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: نذيراً للبشر قال الحسن بن أبي الحسن: لا نذير إذ هي من النار. وهذا القول يقتضي أن نذيراً حال من الضمير في إنّها. أو من قوله لإحدى، وكذلك أيضا على الاحتمال في أن تكون إنّها يراد بها قصة الآخرة وحال العالم، وقال أبو رزين: الله جل ذكره هو النذير، فهذا القول يقتضي أن نذيراً معمول الفعل تقديره: ليس نذيرا للبشر أو ادعوا نذيرا للبشر، وقال ابن زيد محمد عليه السلام هو النذير: فهذا القول يقتضي أن نذيراً معمول لفعل. وهذا اختيار الخليل في هذه الآية ذكره الثعلبي قال: ولذلك يوصف به المؤنث، وقرأ ابن أبي عبلة «نذير» بالرفع على إضمار هو). [المحرر الوجيز: 8/ 463]
تفسير قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: لمن شاء منكم أن يتقدّم أو يتأخّر، قال الحسن هو وعيد نحو قوله تعالى: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر [الكهف: 29]، وقوله تعالى: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين [الحجر: 24].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: هو بيان في النذارة وإعلام أن كل أحد يسلك طريق الهدى والحق إذا حقق النظر، أي هو بعينه يتأخر عن هذه الرتبة بغفلته وسوء نظره ثم قوي هذا المعنى بقوله: كلّ نفسٍ بما كسبت رهينةٌ إذ ألزم بهذا القول أن المقصر مرتهن بسوء عمله. وقال الضحاك: المعنى كل نفس حقت عليها كلمة العذاب، ولا يرتهن تعالى أحدا من أهل الجنة إن شاء الله، والهاء في رهينةٌ للمبالغة، أو على تأنيث اللفظ لا على معنى الإنسان). [المحرر الوجيز: 8/ 463-464]
تفسير قوله تعالى: {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إلّا أصحاب اليمين، استثناء ظاهر الانفصال، وتقديره لكن أصحاب اليمين، وذلك لأنهم لم يكتسبوا ما هم به مرتهنون، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أصحاب اليمين في هذه الآية، أطفال المسلمين، وقال ابن عباس: هم الملائكة، وقال الضحاك: هم الذين سبقت لهم من الله الحسنى، وقال الحسن وابن كيسان: هم المسلمون المخلصون وليسوا بمرتهنين). [المحرر الوجيز: 8/ 464]
تفسير قوله تعالى: {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم ذكر تعالى حال أصحاب اليمين وأنهم في جنات يسأل بعضهم بعضا عمن غاب من معارفه، فإذا علموا أنهم مجرمون في النار، قالوا لهم أو قالت الملائكة: ما سلككم في سقر؟
وسلك معناه: أدخل، ومنه قول أبي وجزة السعدي:
حتى سلكن الشوى منهن في مسك = من نسل جوابة الآفاق مهداج
). [المحرر الوجيز: 8/ 464]
تفسير قوله تعالى: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: قالوا لم نك من المصلّين (43) ولم نك نطعم المسكين (44) وكنّا نخوض مع الخائضين (45) وكنّا نكذّب بيوم الدّين (46) حتّى أتانا اليقين (47) فما تنفعهم شفاعة الشّافعين (48) فما لهم عن التّذكرة معرضين (49) كأنّهم حمرٌ مستنفرةٌ (50) فرّت من قسورةٍ (51) بل يريد كلّ امرئٍ منهم أن يؤتى صحفاً منشّرةً (52) كلاّ بل لا يخافون الآخرة (53) كلاّ إنّه تذكرةٌ (54) فمن شاء ذكره (55) وما يذكرون إلاّ أن يشاء اللّه هو أهل التّقوى وأهل المغفرة (56)
هذا هو اعتراف الكفار على أنفسهم وفي نفي الصلاة يدخل الإيمان بالله تعالى والمعرفة به والخشوع والعبادة. والصلاة تنتظم على معظم الدين وأوامر الله تعالى وواجبات العقائد، وإطعام المساكين ينتظم الصدقة فرضا وطواعية، وكل إجمال ندبت إليه الشريعة بقول أو فعل). [المحرر الوجيز: 8/ 464-465]
تفسير قوله تعالى: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والخوض مع الخائضين عرفه في الباطل، قال قتادة: المعنى كلما غوى غاو غووا معه). [المحرر الوجيز: 8/ 465]
تفسير قوله تعالى: {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والتكذيب بيوم الدّين كفر صراح وجهل بالله تعالى). [المحرر الوجيز: 8/ 465]
تفسير قوله تعالى: {حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واليقين معناه عندي صحة ما كانوا يكذبون به من الرجوع إلى الله تعالى والدار الآخرة، وقال المفسرون: اليقين الموت، وذلك عندي هنا متعقب لأن نفس الموت يقين عند الكافر وهو حي، فإنما اليقين الذي عنوا في هذه الآية الشيء الذي كانوا يكذبون به وهم أحياء في الدنيا فتيقنوه بعد الموت.
وإنما يتفسر اليقين بالموت في قوله تعالى: واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين [الحجر: 99]). [المحرر الوجيز: 8/ 465]
تفسير قوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى أن شفاعة الشّافعين لا تنفعهم فتقرر من ذلك أن ثم شافعين، وفي صحة هذا المعنى أحاديث:قال صلى الله عليه وسلم: «يشفع الملائكة ثم النبيون ثم العلماء ثم الشهداء ثم الصالحون، ثم يقول الله تعالى: شفع عبادي وبقيت شفاعة أرحم الراحمين، فلا يبقى في النار من كان له إيمان»، وروى الحسن أن الله تعالى يدخل الجنة بشفاعة رجل من هذه الأمة مثل ربيعة ومضر وفي رواية أبي قلابة أكثر من بني تميم، وقال الحسن كنا نتحدث أن الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته). [المحرر الوجيز: 8/ 465-466]