الابتداء بالألفات
أنواع الألفات في الابتداء
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (الألفات في الابتداء بها ثلاثة: مضموم ومكسور ومفتوح). [جمال القراء : 2/607]
الألفات المضمومة
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (فالمضموم: ألف الأمر في كل فعل، ثالث حروفه في المستقبل مضموم، كقوله عز وجل: {انظروا ماذا في السموات} الآية [يونس: 101]، {ادخلوا عليهم الباب} الآية [المائدة: 23]،
{أخرج عليهن} الآية [يوسف: 31]، {ادخلوا الجنة لا خوف عليكم} الآية [الأعراف: 49]، {انقص منه} الآية [المزمل: 3]، {اسجدوا لآدم} الآية [البقرة: 34]، {ادعهن} الآية [البقرة: 260]، {اغدوا} الآية [القلم: 22]، {انفخوا} الآية [الكهف: 96]، {اشدد به أزري} الآية [طه: 31]، وكذلك {انشزوا} الآية [المجادلة: 11] على قراءة الضم.
وإنما ضمت إتباعا لضمة ثالث الفعل، وذلك الخاء في يدخل؛ لأن الساكن الذي بينهما ليس بحاجز قوي، فكأنهما قد اجتمعا، وشرط هذا الضم في ثالث الفعل أن يكون لازما، وهذا مذهب جميع القراء والنحاة وفصحاء العرب.
وقد حكى قطرب عن العرب: اخرج بكسر الهمزة، وهو شاذ لا يعول عليه، وإنما اختير الإتباع على الكسر الذي هو الأصل كراهة الخروج من كسر إلى ضم لازم مستثقل، ألا ترى أنه لا يوجد في كلامهم ضمة لازمة بعد كسرة، وأما كبد فإنها ضمة إعراب تتغير وتنتقل، فكان إتباع الضمة الضمة أخف عليهم.
وقال أهل الكوفة: ليس ذلك الإتباع مخصوصا بالمضموم العين، وإنما همزة الوصل مبنية على عين الفعل من مستقبل الثلاثي، فإن كانت العين مكسورة كسرت ألف الوصل، وتضم إذا كانت مضمومة، تقول: اضرب، اخرج، فيتبع الكسر الكسر والضم الضم، وكان القياس أن تتبع الفتح الفتح، فتقول: اذهب لكنهم كسروا في ذلك أيضا على قول الكوفيين خشية الإلباس، بقولك أذهب إذا أخبرت عن نفسك ووقفت.
وأما أهل البصرة فإنهم قالوا: إن همزة الوصل هذه لا حظ لها في الحركة وإنما اجتلبت ساكنة؛ لأن الأصل في كل حرف السكون، ثم كسرت تشبيها بكسرة الساكن إذا لقي ساكنا، كقولك: اضرب الرجل وقامت الجارية.
وقال الأنباري: هذا غلط؛ لأنها إذا كانت ساكنة لا حركة لها فمحال أن يدخلوها للابتداء؛ لأن العرب لا تبتدئ بساكن، فلا يجوز أن يدخلوا حرفا ينوي به السكون.
والجواب عن هذا: أنهم اجتلبوه ساكنا على ما عليه الحروف في أصلها ولم ينووا به السكون لحصول العلم بأنه لا بد أن يتحرك في هذا الموضع.
قال البصريون: وكان القياس في الموضع الذي ضمت فيه الكسر أيضا ولكنهم عدلوا عن ذلك لما ذكرناه من الاستثقال؛ ولأنهم لو فعلوا ذلك لنطقوا بما اجتنبوه في أبنية الأسماء، فضموا لأن قولهم: ادخل، نظير أبلم، وقالوا: اضرب، ونظيره في الأسماء إذخر، وقالوا: اعلم ونظيره فيها إصبع.
وقوله عز وجل: {وأمر بالعرف} الآية [الأعراف: 199]، {وأمر قومك} الآية [الأعراف: 145]، {وأمر أهلك} الآية [طه: 132]، فلو لم يدخل حرف العطف لقلت: أؤمر، فتبدل الهمزة الثانية واوا لانضمام همزة الوصل قبلها.
وإنما انضمت لضم ثالث الفعل الضم اللازم، وجاء هذا الفعل في الأمر بالهمزة وبحذفها، كقوله:
مريهم في أحبتهم بذاكا
ومثله أكل، وأخذ، حذف ألف الوصل من هذه الثلاثة تخفيفا لكثرة الاستعمال، والقياس إثباتها، وأن يقال: أأكل، أأخذ، أأمر، ثم أوكل، أوخذ، أومر، إلا أنهم عدلوا إلى ما هو أخف من هذا فأسقطوا الهمزة الثانية استثقالا لها مع الأولى، ثم أسقطوا الأولى وهي همزة الوصل استغناء عنها لما تحرك ما بعدها فقالوا: كل، خذ، مر.
قال الله عز وجل: {خذوا حذركم} الآية [النساء: 71]، {خذ من أموالهم} الآية [التوبة: 103]، وقال عز وجل: {كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم} الآية [الحاقة: 24].
وأما سوى هذه الثلاثة من هذا القبيل فالأمر فيه بهمزة الوصل، وقلب فاء الفعل وهي الهمزة الثانية واوا كما سبق، على أن سيبويه حكى عن بعض العرب: أؤكل.
فإذا وقع حرف العطف قبل الأفعال الثلاثة المذكورة فلك إبقاء الهمزة نحو وأكل، كما قال الله عز وجل: {وأمر بالعرف}؛ لأن حرف العطف أغنى عن همزة الوصل، فلم يجتمع همزتان، ولك حذفها كما قال الله عز وجل: {وخذ بيدك} الآية [ص: 44].
فإن قيل: فما لهم لم يقرءوا {امشوا} الآية [ص: 6]، {ابنوا له بنيانا} الآية [الصافات: 97]، {اقضوا إلي} الآية [يونس: 71]، بالضم مع أن ثالث الفعل مضموم في ذلك؟ قيل: الثالث الذي تراه مضموما إنما هو مكسور في الأصل؛ لأن الأصل: امشيوا، واقضيوا، وابنيوا، فاستثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها، فاجتمع ساكنان: الياء والواو فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، فالأمر من ذلك: امشوا، اقضوا، ابنوا بكسر الهمزة؛ لأن ثالث الفعل في الأصل مكسور، ومثل ذلك قوله عز وجل: {ايتوني بكتاب} الآية [الأحقاف: 4].
ومن الألفات المضمومة: ألفات الأفعال المبنية لما لم يسم فاعله، ولا تكون هذه الألف إلا مضمومة، وذلك في قوله عز وجل: {اتبعوا} الآية [البقرة: 166]، {اؤتمن} الآية [البقرة: 283]، فأبدلت الهمزة الثانية واوا لسكونها وانضمام ما قبلها،{ابتلي المؤمنون} الآية [الأحزاب: 11]، {اضطر} الآية [البقرة: 173]، {اجتثت} الآية [إبراهيم: 26]، {استهزئ} الآية [الأنعام : 10]، {استحفظوا} الآية [المائدة: 44]، {استضعفوا} الآية [الأعراف: 75]، {استحق} الآية [المائدة: 107]، {استجيب له} الآية [الشورى: 16]، ونحو ذلك، وهذه كلها ألفات وصل تسقط في الدرج وتثبت في الابتداء مضمومة.
وأما قوله عز وجل: {أخرجنا} الآية [البقرة: 246]، {أعطوا} الآية [التوبة: 58]، {أحصرتم} الآية [البقرة: 196]، {أكره} الآية [النحل: 106]، {أمروا} الآية [النساء: 60]، {أخذوا} الآية [الأحزاب: 61]، {أوحي} الآية [الأنعام: 93]، {أوتي} الآية [البقرة: 136]، وشبه ذلك، فإنها ألفات ثابتة في الدرج، والابتداء مضمومة في الحالين، وقد يسقط في الدرج منها ما يلقى حركته على ساكن قبله نحو: {وقد أخرجنا} الآية [البقرة: 246]، {ولقد أوحى} الآية [الزمر: 65]، و{قل أوحي} الآية [الجن: 1]، {وقد أمروا} الآية [النساء: 60]، و{من أكره} الآية [النحل: 106] .
فإذا ابتدأ القارئ الكلمة أتي بالهمزة مضمومة.
ومن ذلك ألف المتكلم الداخلة على الفعل المبني لما لم يسم فاعله، وذلك في قوله عز وجل: {أخرج حيا} الآية [مريم: 66]، وكذلك {أبعث حيا} الآية [مريم: 33]، {أخرج وقد خلت القرون} الآية [الأحقاف: 17]، {أوت كتابيه} الآية [الحاقة: 25].
ومن المضمومة أيضا ألف المتكلم في الفعل المبني للفاعل نحو: {أفرغ عليه} الآية [الكهف: 96]، {أحيي وأميت} الآية [البقرة: 258]، {أصيب به من أشاء} الآية [الأعراف: 156]، {أنبئكم} الآية [المائدة: 60]، {أريكم إلا ما أرى} الآية [غافر: 29]، {أبلغكم رسالات ربي} الآية [الأعراف: 62]، {أبرئ نفسي} الآية [يوسف: 53]، ونحو ذلك مما يكون الماضي فيه على أربعة أحرف، نحو (أفرغ) أو ما هو في معنى الأربعة وهو المشدد نحو بين، وبلغ، ونبأ). [جمال القراء : 2/607-611]
الألفات المكسورة
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وأما الألفات المكسورة:
فمنها ألفات الأمر الداخلة على الفعل الذي ثالث حروفه في المستقبل مكسور أو مفتوح، وأول المستقبل منه مفتوح نحو: {اضرب بعصاك} الآية [البقرة: 60]، {اذهب إلى فرعون} الآية [طه: 24]، {اركب معنا} الآية [هود: 42]، {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون} [المرسلات: 29]، {استقم كما أمرت} الآية [الشورى: 15].
وإنما دخلت ألف الأمر في هذا؛ لأن الحرف الثاني من المستقبل ساكن، فإذا أمرت منه سقط حرف الاستقبال ولم يمكن الابتداء بما بعده لأنه ساكن، فدخلت الألف ليبتدأ بها، ألا ترى أن الثاني من الفعل إذا كان متحركا لم تدخل الألف في الأمر كقولك: سر، وقم، وخف، وقد تقدم القول في علة كسرها والخلاف في ذلك.
ومن هذا قوله عز وجل: {انشزوا} الآية [المجادلة: 11] في قراءة الكسر، وقوله تعالى {اسر} الآية [الرعد: 10]، فيمن قرأ من سرى يسرى، وقوله عز وجل: و{اعلم أن الله} الآية [البقرة: 259] في قراءة حمزة والكسائي.
فإن كان الثاني من المستقبل من هذا القبيل همزة فأمر من ذلك دخلت همزة الأمر لسكون فاء الفعل، أعني الهمزة، وأبدلت ياء لسكونها وكسر همزة الأمر قبلها نحو: (ايت بقرآن)، (ايذن لي).
وحكى الكسائي عن بعض العرب أنه يبقي الهمزة الساكنة ولا يبدلها فيجمع بين همزتين: الأولى مكسورة والثانية ساكنة فيقول (اإت)، (اإذن لي).
وهذا مردود عند العلماء ولم يقرأ به أحد.
ومن ذلك ألفات الوصلة الداخلة على الأفعال الثلاثية المزيدة نحو: {اشتروا بآيات الله} الآية [التوبة: 9]، {اكتسب} الآية [النور: 11]، {اصطفى} الآية [البقرة: 132]، من قوله عز وجل: {وسلام على عباده الذين اصطفى} الآية [النمل: 59]، وكذلك قوله عز وجل: {اصطفى آدم} الآية [آل عمران: 33]، {اصطفاك وطهرك} الآية [آل عمران: 42]، {وابتغ فيما آتاك الله} الآية [القصص: 77]، {افترينا على الله كذبا} الآية [الأعراف: 89]، وكذلك في المصدر نحو: {ابتغاء مرضاة الله} الآية [البقرة: 207]، {افتراء على الله} الآية [الأنعام: 140].
ومن ذلك: {انكدرت} الآية [التكوير: 1]، {انشقت} الآية [الإنشقاق: 1]، {انفطرت} الآية [الإنفطار: 1]، {اسودت وجوههم} الآية [آل عمران: 106]، {ابيضت} الآية [آل عمران: 107]،
{انبعث أشقاها} [الشمس: 12].
وألف الوصل داخلة على هذه الأفعال: الماضي والأمر والمصدر لسكون (الفاء) في جميع ذلك، والابتداء في جميعها بالكسر.
ومثال الأمر: {استهزءوا} الآية [التوبة: 64] و{انتظروا} الآية [الأنعام: 158]، {اتبعوا ما أنزل} الآية [البقرة: 170]، ومن هذه الأفعال قوله عز وجل: {اثاقلتم إلى الأرض} الآية [التوبة: 38]، {اداركوا} الآية [الأعراف: 38]، {ادارك علمهم} الآية [النمل: 66]، {اهتزت} الآية [الحج: 5]، {اطيرنا بك} الآية [النمل: 47]، تبتدئ الألف في ذلك كله بالكسر على الأصل المقرر، وكان الأصل: تثاقلتم، تداركوا، وتطيرنا بكم، فأدغمت التاء، فلم يمكن الابتداء بها لسكونها، فجيء بهمزة الوصل وكسرت على ما سبق.
- ومن المكسور في الابتداء ألف الوصل في الأسماء، فمن ذلك (اسم) في قوله عز وجل: {اسمه المسيح} الآية [آل عمران: 45] يبتدأ بالكسر، وفيه لغة أخرى وهي أن يبتدأ بضم الهمزة ولم يقرأ بذلك أحد، وكذلك سُم وسِم، أربع لغات، والقراءة بالهمزة المكسورة لا غير.
ومن ذلك {امرؤ هلك} الآية [النساء: 176]، بكسر الهمزة في الابتداء، وكذلك نحو {امرأة العزيز} الآية [يوسف: 30]، {امرأتين تذودان} الآية [القصص: 23]، وكذلك {اثنان} الآية [المائدة: 106]، و{اثنين}، من قوله عز وجل: {إلهين اثنين} الآية [النحل: 51]، و{من كل زوجين اثنين} الآية [هود: 40]، و{اثنتين} الآية [النساء: 11]، من قوله عز وجل: {كانتا اثنتين} الآية [النساء: 176].
ومن ذلك ألف {ابن} في نحو قوله عز وجل: {ابن مريم} الآية [البقرة: 87]، {ابنه وكان في معزل} الآية [هود: 42]، {ابني من أهلي} الآية [هود: 45].
وإنما ابتدئت هذه الأسماء بالكسر على الأصل.
فإن قيل: فما لها لم تضم في نحو: {إن امرؤ} الآية [النساء: 176]، و{ابن مريم} و{اسمه} والثالث مضموم؟
قيل: الضمة في ذلك ضمة إعراب أو تابعة لضمة الإعراب، فهي متغيرة منتقلة غير لازمة وإنما انضمت همزة الوصل بناء على ما لا يتغير وينتقل، وكسرت على الأصل). [جمال القراء : 2/607-614].
الألفات المفتوحة
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وأما المفتوح من الألفات: فالألف التي تصحب لام التعريف، وهي ألف وصل تسقط في الدرج كما تسقط ألف الوصل، وتثبت في الابتداء مفتوحة.
وإنما خولف بها همزات الوصل ففتحت لأنها دخلت هاهنا على حرف فأرادوا الفرق بين ما دخل من همزات الوصل على الأفعال والأسماء، وبين ما دخل على الحرف، وأيضا فإن اللام المصاحبة لها قد يكون ما بعدها مضموما كـ (الجنب) ومكسورا نحو (البر)، فلو ضمت الهمزة فقيل: الجنب لكان ذلك مستثقلا لتوالي الضمات واللام لسكونها ليست بالحاجز القوي، وكذلك لو كسرت فقيل: البر.
وأما قوله عز وجل: {آلذكرين} الآية [الأنعام: 143]، {آلله أذن لكم} الآية [يونس: 59]، {آلان وقد عصيت} الآية [يونس: 91]، {آلان وقد كنتم به تستعجلون} الآية [يونس: 51]، فإنها همزة الاستفهام داخلة على همزة الوصل التي مع اللام، وكان من حقها أن تسقط لما دخلت عليها همزة الاستفهام؛ لأنها إنما ثبتت في الابتداء دون الوصل، لكن لو حذفت لالتبس الاستفهام بالخبر؛ لأنها مفتوحة وهمزة الاستفهام مفتوحة، وحذف همزة الوصل مع همزة الاستفهام في غير ذلك نحو: {أتخذتم} الآية [البقرة: 80]، {أستغفرت لهم} الآية [المنافقون: 6]، لعدم الإلباس؛ لأن همزة الوصل في هذا لا تكون مفتوحة فتلتبس بهمزة الاستفهام.
وإنما قيل لهذه الهمزات همزات وصل؛ لأنها تسقط في الدرج فيتصل ما بعدها بما قبلها، وقيل: سميت بذلك؛ لأنها وصل بها اللسان إلى النطق بالساكن). [جمال القراء : 2/615]