التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)} قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يتلون كتاب اللّه وأقاموا الصّلاة} [فاطر: 29] المفروضة.
{وأنفقوا ممّا رزقناهم سرًّا وعلانيةً} [فاطر: 29] السّرّ التّطوّع، والعلانية الزّكاة المفروضة، يستحبّ أن تعطى الزّكاة المفروضة علانيةً والتّطوّع سرًّا.
[تفسير القرآن العظيم: 2/786]
ويقال: صدقة السّرّ تطوّعًا أفضل من صدقة العلانية.
- المعلّى، عن زبيدٍ الياميّ، عن مرّة الهمذانيّ، عن ابن مسعودٍ قال: إنّ فضل صلاة اللّيل على صلاة النّهار كفضل صدقة السّرّ على العلانية.
قال: {يرجون تجارةً لن تبور} [فاطر: 29] لن تفسد، وهي تجارة الجنّة، يعملون للجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/787]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يرجون تجارةً لّن تبور...}
جواب لقوله: {إنّ الّذين يتلون كتاب اللّه وأقاموا الصّلاة} , {أولئك يرجون تجارةً لّن تبور} , فـ {يرجون}: جواب لأوّل الكلام.). [معاني القرآن: 2/369]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ وأقاموا الصّلاة }: مجازه: ويقيمون الصلاة , ومعناه: وأداموا الصلاة لمواقيتها , وحدودها.
{ تجارةً لن تبور }: أي : لن تكسد وتهلك , ويقال: نعوذ بالله من بوار الأيم , ويقال: بار الطعام , وبارت السوق.). [مجاز القرآن: 2/155]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {إنّ الّذين يتلون كتاب اللّه وأقاموا الصّلاة وأنفقوا ممّا رزقناهم سرّا وعلانية يرجون تجارة لن تبور (29)}
{يرجون تجارة لن تبور}: أي: لن تفسد , ولن تكسد.). [معاني القرآن: 4/269]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لَّن تَبُورَ}: لن تكسد.). [العمدة في غريب القرآن: 249]
تفسير قوله تعالى: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)} قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ليوفّيهم أجورهم} [فاطر: 30] ثوابهم في الجنّة.
{ويزيدهم من فضله} [فاطر: 30] يضاعف لهم الثّواب.
قال الحسن: تضاعف لهم الحسنات، يثابون عليها في الجنّة.
{إنّه غفورٌ شكورٌ} [فاطر: 30] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/787]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({ليوفّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنّه غفور شكور (30)}: غفور لذنوبهم , شكور لحسناتهم.). [معاني القرآن: 4/269]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31)} قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {والّذي أوحينا إليك من الكتاب} [فاطر: 31]، يعني: القرآن.
{هو الحقّ مصدّقًا لما بين يديه} [فاطر: 31] التّوراة والإنجيل.
{إنّ اللّه بعباده لخبيرٌ بصيرٌ} [فاطر: 31] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/787]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({مصدّقا لما بين يديه}: أي: لما كان قبله, وما مضى.). [مجاز القرآن: 2/155]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({والّذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحقّ مصدّقاً لّما بين يديه إنّ اللّه بعباده لخبيرٌ بصيرٌ}
وقال: {هو الحقّ مصدّقاً}: لأن الحق معرفة.). [معاني القرآن: 3/36]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {مصدّقاً لما بين يديه}: أي: لما قبله.). [تفسير غريب القرآن: 361]
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)} قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا} [فاطر: 32] اخترنا.
{من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير {32} جنّات عدنٍ يدخلونها} [فاطر: 32-33]
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن صالحٍ مولى التّوءمة، عن أبي الدّرداء قال: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية فقال: «أمّا السّابق فيدخل الجنّة بغير حسابٍ والمقتصد يحاسب حسابًا يسيرًا، وأمّا الظّالم فيحبس في طول المحبس ثمّ يتجاوز اللّه عنه».
- الخليل بن مرّة، وإسرائيل بن يونس، عن جعفر بن يزيد العبديّ، وحدّثنيه النّضر بن بلالٍ، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن جعفر بن يزيد أنّ رجلا بلغه، قال
[تفسير القرآن العظيم: 2/787]
الخليل: لا أدري، يعني: نفسه وقد كان كبيرًا أو، يعني: غيره، أنّ رجلا بلغه أنّه من أتى بيت المقدس ليصلّي فيه لم يشخصه ولم يعمله إلا الصّلاة فيه، فصلّى فيه ركعتين خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، قال:
فأتى بيت المقدس فصلّى فيه ما قضى اللّه له أن يصلّي ثمّ انصرف إلى ساريةٍ، فقال: اللّهمّ ارحم غربتي، وآنس وحشتي، وصل وحدتي، وسق إليّ جليسًا صالحًا تنفعني به، فبينما أنا كذلك إذ دخل رجلٌ شيخٌ موسومٌ فيه الخير من بعض أبواب المسجد حتّى انتهى إلى السّارية الّتي أنا عندها، فصلّى ما قضى اللّه له أن يصلّي ثمّ انصرف فقال: يا عبد اللّه من أنت وما جاء بك؟ قلت: رجلٌ
غريبٌ من أهل العراق بلغني أنّه من أتى هذا المسجد لم يعمله ولم يشخصه إلا الصّلاة فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، قال: فإنّ الأمر على ما بلغك، قلت: من أنت يا عبد اللّه؟ قال: أنا أبو الدّرداء، فرفعت يدي أحمد اللّه، فقال: يا عبد اللّه أذعرة أنا؟ قلت: لست بذعرةٍ ولكنّي رجلٌ غريبٌ قلت: اللّهمّ ارحم غربتي، وآنس وحشتي، وصل وحدتي، وسق عليّ جليسًا صالحًا
تنفعني به، فقد سمعت بالاسم، ولم أكن أعرف الوجه، قال: فأنا أحقّ بالحمد منك إذ أشركني اللّه في دعائك وجعلني ذلك الجليس، لا جرم لأحدّثنّك بحديثٍ سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم أحدّثه أحدًا قبلك ولا أحدّث به أحدًا بعدك.
سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول في هذه الآية: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير {32} جنّات عدنٍ يدخلونها} [فاطر: 32-33] حتّى أتمّ الآية، قال: فيجيء هذا السّابق بالخيرات فيدخل الجنّة بلا حسابٍ، ويجيء هذا المقتصد فيحاسب حسابًا يسيرًا ثمّ يتجاوز اللّه عنه، ويجيء هذا الظّالم
[تفسير القرآن العظيم: 2/788]
لنفسه فيوقف، ويعيّر، ويخزى، ويعرف ذنوبه ثمّ يدخله اللّه الجنّة بفضل رحمته، فهم الّذين قالوا: {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ} [فاطر: 34] غفر الذّنب الكبير وشكر العمل اليسير). [تفسير القرآن العظيم: 2/789]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وقال السّدّيّ: {فمنهم ظالمٌ لنفسه} [فاطر: 32]، يعني: أصحاب الكبائر من أهل التّوحيد ظلموا أنفسهم بذنوبهم من غير شركٍ.
الحسن بن دينارٍ، عن الحسن، قال: أهل الكبائر لا شفاعة لهم، أي: لا يشفعون لأحدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/789]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فمنهم ظالمٌ لّنفسه...}: هذا الكافر , {ومنهم مّقتصدٌ}: فهؤلاء أصحاب اليمين , {ومنهم سابقٌ بالخيرات}: وهذه موافقٌ تفسيرها تفسير التي في الواقعة, فأصحاب الميمنة هم المقتصدون, ويقال: هم الولدان, وأصحاب المشأمة: الكفّار, والمشأمة النار, والسّابقون السّابقون : هؤلاء أهل الدرجات العلى , أولئك المقرّبون في جنات عدن.). [معاني القرآن: 2/370]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير (32) جنّات عدن يدخلونها}
قال عمر بن الخطاب رحمه اللّه يرفعه: ((سابقنا سابق, ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له.)).
والآية: تدل على أن المؤمنين مغفور لهم، لمقتصدهم , الظالم لنفسه منهم بعد صحة العقد.
وقد جاء في التفسير أن قوله: {فمنهم ظالم}: الكافر , وهو قول ابن عباس، وقد روي عن الحسن : أنه المنافق.
واللفظ يدل على ما قاله عمر , عن النبي صلى الله عليه وسلم , وما عليه أكثر المفسرين، لأن قوله: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه} : يدل على أن جملة المصطفين هؤلاء, وقال اللّه عزّ وجلّ: {قل الحمد للّه وسلام على عباده الّذين اصطفى}. ). [معاني القرآن: 4/268]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله}
قيل : إن الناجي هو : المقتصد , والسابق , وأن قوله تعالى: {جنات عدن يدخلونها}: للمقتصد , والسابق : هذا مذهب ابن عباس , ومجاهد , وعكرمة , والحسن , وقتادة.
روى ابن عيينة , عن عمرو بن دينار , عن عطاء , عن ابن عباس :{فمنهم ظالم لنفسه }, قال : (كافر) .
وعن ابن عباس : قال : (الكتاب : كل كتاب أنزل). وعنه : (كلهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم) , من رواية ابن أبي طلحة عنه , وهذا أولى ما قيل فيها .
وروى الثوري , عن جابر , عن مجاهد , عن ابن عباس في قوله عز وجل: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} إلى آخر الآية
قال: (هذا مثل قوله جل وعز: {فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون})
قال : (فنجت فرقتان)
قال مجاهد:{ فمنهم ظالم لنفسه}: أصحاب المشأمة . {ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله}: السابقون : من الناس كلهم) .
وقال عكرمة:{ فمنهم ظالم لنفسه } : (كما قال :{فذوقوا فما للظالمين من نصير })
وقال الحسن , وقتادة : {فمنهم ظالم لنفسه }: (المنافق) .
قال قتادة : (الكتاب : شهادة أن لا إله إلا الله) .
وقيل : (إن الفرق الثلاث ناجية) , قال ذلك عمر, وأبو الدرداء , وإبراهيم النخعي , وكعب الأحبار .
وقال عثمان: (هم أهل باديتنا) , يعني : الظالم لنفسه .
قال عمر : (( سابقنا سابق , ومقتصدنا ناج , وظالمنا مغفور له.)).
وقال أبو الدرداء : السابق : (يدخل الجنة بغير حساب , والمقتصد : يحاسب حسابا يسيرا , والظالم لنفسه : يؤخذ منه , ثم ينجو فذلك).). [معاني القرآن: 5/455-458]
تفسير قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) } قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا} [فاطر: 32] اخترنا.
{من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير {32} جنّات عدنٍ يدخلونها} [فاطر: 32-33]
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن صالحٍ مولى التّوءمة، عن أبي الدّرداء قال: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية فقال: «أمّا السّابق فيدخل الجنّة بغير حسابٍ والمقتصد يحاسب حسابًا يسيرًا، وأمّا الظّالم فيحبس في طول المحبس ثمّ يتجاوز اللّه عنه».
- الخليل بن مرّة، وإسرائيل بن يونس، عن جعفر بن يزيد العبديّ، وحدّثنيه النّضر بن بلالٍ، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن جعفر بن يزيد أنّ رجلا بلغه، قال
[تفسير القرآن العظيم: 2/787]
الخليل: لا أدري، يعني: نفسه وقد كان كبيرًا أو، يعني: غيره، أنّ رجلا بلغه أنّه من أتى بيت المقدس ليصلّي فيه لم يشخصه ولم يعمله إلا الصّلاة فيه، فصلّى فيه ركعتين خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، قال:
فأتى بيت المقدس فصلّى فيه ما قضى اللّه له أن يصلّي ثمّ انصرف إلى ساريةٍ، فقال: اللّهمّ ارحم غربتي، وآنس وحشتي، وصل وحدتي، وسق إليّ جليسًا صالحًا تنفعني به، فبينما أنا كذلك إذ دخل رجلٌ شيخٌ موسومٌ فيه الخير من بعض أبواب المسجد حتّى انتهى إلى السّارية الّتي أنا عندها، فصلّى ما قضى اللّه له أن يصلّي ثمّ انصرف فقال: يا عبد اللّه من أنت وما جاء بك؟ قلت: رجلٌ
غريبٌ من أهل العراق بلغني أنّه من أتى هذا المسجد لم يعمله ولم يشخصه إلا الصّلاة فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، قال: فإنّ الأمر على ما بلغك، قلت: من أنت يا عبد اللّه؟ قال: أنا أبو الدّرداء، فرفعت يدي أحمد اللّه، فقال: يا عبد اللّه أذعرة أنا؟ قلت: لست بذعرةٍ ولكنّي رجلٌ غريبٌ قلت: اللّهمّ ارحم غربتي، وآنس وحشتي، وصل وحدتي، وسق عليّ جليسًا صالحًا
تنفعني به، فقد سمعت بالاسم، ولم أكن أعرف الوجه، قال: فأنا أحقّ بالحمد منك إذ أشركني اللّه في دعائك وجعلني ذلك الجليس، لا جرم لأحدّثنّك بحديثٍ سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم أحدّثه أحدًا قبلك ولا أحدّث به أحدًا بعدك.
سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول في هذه الآية: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير {32} جنّات عدنٍ يدخلونها} [فاطر: 32-33] حتّى أتمّ الآية، قال: فيجيء هذا السّابق بالخيرات فيدخل الجنّة بلا حسابٍ، ويجيء هذا المقتصد فيحاسب حسابًا يسيرًا ثمّ يتجاوز اللّه عنه، ويجيء هذا الظّالم
[تفسير القرآن العظيم: 2/788]
لنفسه فيوقف، ويعيّر، ويخزى، ويعرف ذنوبه ثمّ يدخله اللّه الجنّة بفضل رحمته، فهم الّذين قالوا: {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ} [فاطر: 34] غفر الذّنب الكبير وشكر العمل اليسير). [تفسير القرآن العظيم: 2/789] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وحدّثنا حمّاد بن سلمة، عن القاسم الرّحّال، عن أبي قلابة أنّه تلا هذه الآية إلى قوله: {جنّات عدنٍ يدخلونها} [فاطر: 33] فقال: دخلوها كلّهم.
إسماعيل بن مسلمٍ، عن أبي المتوكّل النّاجيّ أنّ حبرًا من الأحبار أتى كعبًا فقال: يا كعب، تركت دين موسى واتّبعت دين محمّدٍ؟ قال: لا، أنا على دين موسى واتّبعت دين محمّدٍ عليه السّلام، قال: ولم فعلت ذلك؟ قال: إنّي وجدت أمّة محمّدٍ يقسّمون يوم القيامة ثلاثة أثلاثٍ: فثلثٌ يدخلون الجنّة بغير حسابٍ، وثلثٌ يحاسبون حسابًا يسيرًا، وثلثٌ يقول اللّه لملائكته: قلّبوا عبادي
فانظروا ما كانوا يعملون، فيقلّبونهم، فيقولون: ربّنا نرى ذنوبًا كثيرةً وخطايا عظيمةً، فيقول: قلّبوا عبادي فانظروا ما كانوا يعملون، فيقلّبونهم إلى ثلاث مرارٍ فيقول في الرّابعة: قلّبوا ألسنتهم فانظروا ما كانوا يقولون فيقلّبون ألسنتهم فيقولون: ربّنا نراهم كانوا يخلصون لك لا يشركون بك شيئًا فيقول: عبادي أخلصوا لي ولم يشركوا بي شيئًا، اشهدوا يا ملائكتي أنّي قد غفرت لعبادي بما أخلصوا لي ولم يشركوا بي شيئًا، فقال
[تفسير القرآن العظيم: 2/789]
الحبر لكعبٍ: إن كنت صادقًا فأخبرني ما كسوة ربّ العالمين؟ فقال كعبٌ: واللّه لئن أخبرتك وأخذ عليه، لتؤمننّ، قال: نعم، قال: رداؤه الكبر، قال: صدقت، قال: وقميصه الرّحمة سبقت، وإزاره العزّة اتّزر بها أو قال: استتر بها، قال: صدقت فآمن.
- وحدّثني الصّلت بن دينارٍ، عن عقبة بن صهبان، قال: سألت عائشة عن هذه الآية فقالت: نعم يا بنيّ، كلّهم من أهل الجنّة، السّابق من مضى على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فشهد له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالحياة والرّزق، والمقتصد من اتّبع أثره من أصحابه حتّى لحق به، والظّالم لنفسه مثلي ومثلك ومن اتّبعنا، فألحقت نفسها بنا من أجل الحدث الّذي أصابها.
- أبو أميّة، عن ميمون بن سياهٍ، عن شهر بن حوشبٍ، أنّ عمر بن الخطّاب قال: سابقنا سابقٌ، ومقتصدنا ناجٍ، وظالمنا مغفورٌ له.
وحدّثني الحسن بن دينارٍ، عن الحسن، قال: السّابقون أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، والمقتصد رجلٌ سأل عن أثار أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم فاتّبعهم، والظّالم لنفسه منافقٌ قطع به دونهم، قال يحيى نراه، يعني: أنّ المنافق أقرّ به المؤمن فلم يدخل في الآية.
وحدّثني قرّة بن خالدٍ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ أنّه قرأ هذا الحرف {فمنهم
[تفسير القرآن العظيم: 2/790]
ظالمٌ لنفسه} [فاطر: 32] فقال: سقط هذا.
قال يحيى: فلا أدري أيعني ما قال الحسن أنّه المنافق أم، يعني به: الجاحد.
وأخبرني عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: هو الجاحد والمنافق.
وقال: هي في سورة الواقعة، السّابقون هم السّابقون، يعني: {والسّابقون السّابقون} [الواقعة: 10] قال: من النّاس كلّهم، وهو تفسير السّدّيّ، فوصف صفتهم في أوّل سورة الواقعة، والمقتصد أصحاب اليمين، وهو المنزل الآخر في سورة الواقعة {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين} [الواقعة: 27] فوصف صفتهم، والظّالم لنفسه أصحاب المشأمة.
قال يحيى: تفسير النّاس أنّ أصحاب اليمين هم الّذين يحاسبون حسابًا يسيرًا، وهو المقتصد في حديث أبي الدّرداء عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: وهم أصحاب المنزل الآخر في سورة الرّحمن حيث يقول: {ومن دونهما جنّتان} [الرحمن: 62] فوصفهما ومنزل السّابقين المنزل الآخر في سورة الرّحمن في قوله: {ولمن خاف مقام ربّه جنّتان} [الرحمن: 46] فوصفهما، حدّثنا بذلك عثمان، عن قتادة.
قوله عزّ وجلّ: {جنّات عدنٍ} [فاطر: 33] قد فسّرنا ذلك في غير هذه السّورة.
قوله: {يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا} [فاطر: 33] ليس من أهل
[تفسير القرآن العظيم: 2/791]
الجنّة أحدٌ إلا في يديه ثلاثة أسورةٍ: سوارٌ من ذهبٍ، وسوارٌ من فضّةٍ، وسوارٌ من لؤلؤٍ، قال هاهنا: {من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا} [فاطر: 33] وقال في آيةٍ أخرى: {وحلّوا أساور من فضّةٍ} [الإنسان: 21].
وحدّثني ابن لهيعة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لو أنّ رجلا من أهل الجنّة بدا سواره لغلب على ضوء الشّمس».
قال عزّ وجلّ: {ولباسهم فيها حريرٌ} [فاطر: 33].
- حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن أبي المهزّم، عن أبي هريرة قال: دار المؤمن درّةٌ مجوّفةٌ، فيها أربعون بيتًا، في وسطها شجرةٌ تنبت الحلل، ويأخذ بأصبعه أو قال بأصبعيه سبعين حلّةً منطّقةً باللّؤلؤ والمرجان.
وحدّثني يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن عمرو بن ميمونٍ الأوديّ قال: إنّ المرأة من نساء أهل الجنّة من الحور العين ليرى مخّ ساقها من فوق سبعين حلّةً كما يبدو الشّراب الأحمر في الزّجاجة البيضاء). [تفسير القرآن العظيم: 2/792]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {جنّات عدنٍ...}
ومعنى عدنٍ : إقامة بة, عدن بالموضع.). [معاني القرآن: 2/370]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({جنّات عدن يدخلونها يحلّون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير (33)}
فيها وجهان:
أحدهما : يحلّون فيها من أساور من ذهب , ومن لؤلؤ.
ويجوز : ولؤلؤا , على معنى: يحلون أساور؛ لأن معنى من أساور , كمعنى أساور., والتفسير على الخفض أكثر، على معنى : يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ.
وجاء في التفسير : أن ذلك الذهب في صفاء اللؤلؤ، كما قال عزّ وجلّ:{قوارير قوارير من فضة}، أي : هي قوارير ولكن بياضها كبياض الفضة، والفضة أصله.
ويجوز أن يكون يحلّون من أساور من ذهب، ويحلّون من لؤلؤ.
ويجوز على معنى : ويحلّون لؤلؤا.
وأساور : جمع إسورة , وأساور : وواحدها سوار, والأسوار من أساورة الفرس، وهو الجيّد الرمي بالسهام.
قال الشاعر:
ووتّر الأساور القياسا= صغديّة تنتزع الأنفاسا.). [معاني القرآن: 4/270]
تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) } قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا} [فاطر: 32] اخترنا.
{من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير {32} جنّات عدنٍ يدخلونها} [فاطر: 32-33]
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن صالحٍ مولى التّوءمة، عن أبي الدّرداء قال: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية فقال: «أمّا السّابق فيدخل الجنّة بغير حسابٍ والمقتصد يحاسب حسابًا يسيرًا، وأمّا الظّالم فيحبس في طول المحبس ثمّ يتجاوز اللّه عنه».
- الخليل بن مرّة، وإسرائيل بن يونس، عن جعفر بن يزيد العبديّ، وحدّثنيه النّضر بن بلالٍ، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن جعفر بن يزيد أنّ رجلا بلغه، قال
[تفسير القرآن العظيم: 2/787]
الخليل: لا أدري، يعني: نفسه وقد كان كبيرًا أو، يعني: غيره، أنّ رجلا بلغه أنّه من أتى بيت المقدس ليصلّي فيه لم يشخصه ولم يعمله إلا الصّلاة فيه، فصلّى فيه ركعتين خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، قال:
فأتى بيت المقدس فصلّى فيه ما قضى اللّه له أن يصلّي ثمّ انصرف إلى ساريةٍ، فقال: اللّهمّ ارحم غربتي، وآنس وحشتي، وصل وحدتي، وسق إليّ جليسًا صالحًا تنفعني به، فبينما أنا كذلك إذ دخل رجلٌ شيخٌ موسومٌ فيه الخير من بعض أبواب المسجد حتّى انتهى إلى السّارية الّتي أنا عندها، فصلّى ما قضى اللّه له أن يصلّي ثمّ انصرف فقال: يا عبد اللّه من أنت وما جاء بك؟ قلت: رجلٌ
غريبٌ من أهل العراق بلغني أنّه من أتى هذا المسجد لم يعمله ولم يشخصه إلا الصّلاة فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، قال: فإنّ الأمر على ما بلغك، قلت: من أنت يا عبد اللّه؟ قال: أنا أبو الدّرداء، فرفعت يدي أحمد اللّه، فقال: يا عبد اللّه أذعرة أنا؟ قلت: لست بذعرةٍ ولكنّي رجلٌ غريبٌ قلت: اللّهمّ ارحم غربتي، وآنس وحشتي، وصل وحدتي، وسق عليّ جليسًا صالحًا
تنفعني به، فقد سمعت بالاسم، ولم أكن أعرف الوجه، قال: فأنا أحقّ بالحمد منك إذ أشركني اللّه في دعائك وجعلني ذلك الجليس، لا جرم لأحدّثنّك بحديثٍ سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم أحدّثه أحدًا قبلك ولا أحدّث به أحدًا بعدك.
سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول في هذه الآية: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير {32} جنّات عدنٍ يدخلونها} [فاطر: 32-33] حتّى أتمّ الآية، قال: فيجيء هذا السّابق بالخيرات فيدخل الجنّة بلا حسابٍ، ويجيء هذا المقتصد فيحاسب حسابًا يسيرًا ثمّ يتجاوز اللّه عنه، ويجيء هذا الظّالم
[تفسير القرآن العظيم: 2/788]
لنفسه فيوقف، ويعيّر، ويخزى، ويعرف ذنوبه ثمّ يدخله اللّه الجنّة بفضل رحمته، فهم الّذين قالوا: {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ} [فاطر: 34] غفر الذّنب الكبير وشكر العمل اليسير). [تفسير القرآن العظيم: 2/789] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وقالوا الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ} [فاطر: 34] وقد فسّرناه في حديث الخليل بن مرّة، عن جعفر بن زيدٍ، عن أبي الدّرداء، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّهم الصّنف الثّالث الّذي يوقف ويخزى، ويعيّر، ثمّ يتجاوز اللّه عنه فيدخله الجنّة.
[تفسير القرآن العظيم: 2/792]
وأخبرنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كانوا في الدّنيا وهم محزونون مثل قوله: {إنّا كنّا قبل في أهلنا مشفقين} [الطور: 26].
وقوله: {إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ} [فاطر: 34] غفر الذّنب الكبير وشكر العمل اليسير.
قال يحيى بلغني أنّ هؤلاء أصحاب الكبائر). [تفسير القرآن العظيم: 2/793]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أذهب عنّا الحزن...}
الحزن للمعاش , وهموم الدنيا, ويقال: الحزن : حزن الموت, ويقال الحزن : بالجنة , والنار , لا ندري إلى أيّهما نصير.). [معاني القرآن: 2/370]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أذهب عنّا الحزن }: وهو الحزن مثل البخل والبخل , والنّزل والنّزل.). [مجاز القرآن: 2/155]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وقالوا الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفور شكور (34)}
ويجوز الحزن : مثل الرّشد , والرّشد، والعرب والعرب، ومعنى:{ أذهب عنا الحزن}: أذهب عنا كل ما يحزن، من حزن في مقاس.
وحزن لعذاب، أو حزن للموت، وقد أذهب اللّه عن أهل الجنة كل حزن.). [معاني القرآن: 4/270]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (قوله جل وعز: {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن}
وقال كعب: (هذه الأمة على ثلاث فرق كلها في الجنة) , ثم تلا : {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه }, إلى قوله: {جنات عدن يدخلونها}, فقال : (ادخلوها ورب الكعبة , وبعد هذا للكفار) .
وهو قوله جل وعز: {والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا}
قال محمد بن يزيد : الرجال أربعة: جواد , وبخيل, ومسرف , ومقتصد , فالجواد : الذي وجه نصيب آخرته , ونصيب دنياه جميعا إلى آخرته , والبخيل : الذي لا يعطي واحدة منهما حقا , والمسرف : الذي يجمعهما للدنيا , والمقتصد الذي يلحق بكل واحدة نصيبها , أي : عمله قصد , ليس بمجتهد .
قال أبو إسحاق : معنى: { أذهب عنا الحزن }: أي: الهم بالمعيشة , والخوف من العذاب , وتوقع الموت .
وكل ما قاله قد جاء في التفسير : فهو عام لجميع الحزن , والمقامة , والمقام واحد , والنصب :التعب , واللغوب: الإعياء واللغوب بفتح اللام ما يلغب منه
وقرأ الحسن : لا يقضى عليهم , فيموتون.
والمعنى على قراءته : لا يقضى عليهم الموت , ولا يموتون.). [معاني القرآن: 5/458-460]
تفسير قوله تعالى: {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)} قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {الّذي أحلّنا} [فاطر: 35] يعني أنزلنا.
{دار المقامة من فضله لا يمسّنا} [فاطر: 35] قال السّدّيّ: لا يصيبنا.
{فيها نصبٌ} [فاطر: 35] تعبٌ.
{ولا يمسّنا فيها لغوبٌ} [فاطر: 35] إعياءٌ.
- وحدّثني خالدٌ، عن نفيعٍ مولى أمّ سلمة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، عن عبد اللّه بن أبي أوفى، أنّ رجلا قال: يا رسول اللّه، ما راحة أهل الجنّة فيها؟ فقال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " مه، مه، أو هل فيها لغوبٌ؟ كلّ أمرهم راحةٌ، فأنزل اللّه عند ذلك هذه الآية: {لا يمسّنا فيها نصبٌ ولا يمسّنا فيها لغوبٌ} [فاطر: 35] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/793]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {دار المقامة...}
هي الإقامة., والمقامة: المجلس الذي يقام فيه, فالمجلس مفتوح لا غير؛ كما قال الشاعر:
يومان يوم مقاماتٍ وأندية = ويوم سير إلى الأعداء تأويب
وقرأ السّلميّ : {لغوب} : كأنه جعله ما يلغب، مثل : لغوب , والكلام لغوب بضم اللام، واللغوب: والإعياء.). [معاني القرآن: 2/370]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {دار المقامة}: ودار المقام واحد، وهما بمعنى الإقامة, (اللغوب): الإعياء.). [تفسير غريب القرآن: 361]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {الّذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسّنا فيها نصب ولا يمسّنا فيها لغوب (35)}
مثل الإقامة، تقول: أقمت بالمكان إقامة ومقامة ومقاما, أي: أحلّنا دار الخلود من فضله، أي : ذلك بتفضله لا بأعمالنا.
{لا يمسّنا فيها نصب}: أي : تعب.
{ولا يمسّنا فيها لغوب}:واللغوب : الإعياء من التعب.
وقد قرأ أبو عبد الرحمن السّلّمي لغوب - بفتح اللام - والضمّ أكثر، ومعنى لغوب شيء يلغب منه، أي لا نتكلف شيئا نعيا منه). [معاني القرآن: 4/270-271]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (قال أبو إسحاق : معنى : {أذهب عنا الحزن }: أي: الهم بالمعيشة , والخوف من العذاب , وتوقع الموت .
وكل ما قاله , قد جاء في التفسير : فهو عام لجميع الحزن , والمقامة , والمقام واحد , والنصب التعب .
واللغوب : الإعياء, واللغوب بفتح اللام : ما يلغب منه.).[معاني القرآن: 5/460] (م)
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {نصب}: أي: كلال وتعب, و{لغوب}:فترة , وتوان.). [ياقوتة الصراط: 418]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((اللغوب): الإعياء.).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 200]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لُغُوبٌ}: تعب الإعياء). [العمدة في غريب القرآن: 249]