العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الحجرات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الأولى 1434هـ/23-03-2013م, 06:12 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي تفسير سورة الحجرات [ من الآية (14) إلى الآية (18) ]

{قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)}

روابط مهمة:
- القراءات
- توجيه القراءات
- أسباب نزول الآية رقم (14)
- أسباب نزول الآية رقم (17)
- الوقف والابتداء


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12 جمادى الآخرة 1434هـ/22-04-2013م, 02:39 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف


تفسير قوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا قال لم تعم هذه الآية الأعراب إن من الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله ولكنها الطوائف من الأعراب قال معمر وقال الزهري قل لم تؤمنوا ولكن ولكن قولوا أسلمنا قال نرى أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل). [تفسير عبد الرزاق: 2/233-234]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن عمرو بن قيس الملائي عن زيد السلمي قال: قال النبي للحارث بن مالك كيف أصبحت يا حارث بن مالك قال من المؤمنين قال اعلم ما تقول قال مؤمن حقا قال فإن لكل حق حقيقة فما حقيقة ذلك قال أظمأت نهاري وأسهرت ليلي وعزفت عن الدنيا حتى كأني أنظر إلى العرش حين يجاء به وكأني أنظر إلى عواء أهل النار في النار وتزاور أهل الجنة في الجنة قال عرفت يا حارث بن مالك فالزم عبدا نور الله الإيمان في قلبه قال يا رسول الله ادع لي بالشهادة فدعا له قال فأغير على سرح المدينة فخرج فقاتل حتى قتل). [تفسير عبد الرزاق: 2/234]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري عن عامر بن سعد بن وقاص عن أبيه قال أعطى النبي رجالا ولم يعط رجلا منهم شيئا فقال سعد يا نبي الله أعطيت فلانا وفلانا ولم تعط فلانا شيئا وهو مؤمن فقال النبي أو مسلم حتى أعادها ثلاثا والنبي يقول أو مسلم ثم قال النبي إني أعطي رجالا وأدع من هو أحب إلي منهم لا أعطيهم شيئا مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم). [تفسير عبد الرزاق: 2/234]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن صالح بن مسمار قال بلغني أن النبي قال ما أنت يا حارث بن مالك قال مؤمن يا نبي الله قال مؤمن حقا قال مؤمن حقا قال فإن لكل حق حقيقة فما حقيقة ذلك قال عزفت نفسي عن الدنيا وأظمأت نهاري وأسهرت ليلي وكأني أنظر إلى عرش ربي وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وكأني أسمع عواء أهل النار فقال النبي مؤمن نور الله قلبه). [تفسير عبد الرزاق: 2/235]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن زيادٍ عن قيس بن سعدٍ عن مجاهدٍ في قوله: {قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} قال: استسلموا حين خشوا القتل والسبا [الآية: 14]). [تفسير الثوري: 279]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({يلتكم} [الحجرات: 14] : " ينقصكم ألتنا: نقصنا "). [صحيح البخاري: 6/137]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله يلتكم ينقصكم ألتنا نقصنا وصله الفريابيّ عن مجاهدٍ بلفظه وبه في قوله وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ قال ما نقصنا الآباء للأبناء تنبيهٌ هذا الثّاني من سورة الطّور ذكره هنا استطرادًا وإنّما يتناسب ألتنا مع الآية الأخرى على قراءة أبي عمرٍو هنا فإنّه قرأ لا يألتكم بزيادة همزةٍ والباقون بحذفها وهو من لات يليت قاله أبو عبيدة قال وقال رؤبة وليلة ذات ندا سريت ولم يلتني عن سراها ليت وتقول العرب ألاتني حقّي وألاتني عن حاجتي أي صرفني وأما قوله وما ألتناهم فهو من ألت يألت أي نقص). [فتح الباري: 8/589]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مجاهد لا تقدموا لا تفتاتوا على رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى يقضي الله على لسانه امتحن اخلص ولا تنابزوا يدعى بالكفر بعد الإسلام يلتكم ينقصكم ألتنا نقصنا
قرأت على فاطمة بنت محمّد بن عبد الهادي بصالحية دمشق أن أحمد بن أبي طالب أخبرهم عن عبد الله بن عمر أن أبا الوقت أخبره أنا أبو إسماعيل عبد الله ابن محمّد الهرويّ أنا محمّد بن محمّد بن محمود أنا عبد الله بن أحمد أنا إبراهيم بن خريم ثنا عبد بن حميد قال أخبرني شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 1 الحجرات {لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} قال لا تفتاتوا على رسول الله بشيء حتّى يقضيه الله على لسانه
وقال الفريابيّ ثنا ورقاء مثله
وبه في قوله 3 الحجرات {أولئك الّذين امتحن الله قلوبهم للتّقوى} قال أخلص
وبه في قوله 11 الحجرات {ولا تنابزوا} قال لا تدعوا الرجل بالكفر وهو مسلم
وبه في قوله 49 الحجرات {لا يلتكم من أعمالكم شيئا} قال لا ينقصكم
وبه في قوله 21 الطّور {وما ألتناهم من عملهم من شيء} قال ما نقصنا الآباء للأبناء). [تغليق التعليق: 4/314-316]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (يلتكم ينقصكم ألتنا: نقصنا
أشار به إلى قوله تعالى: {وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم} (الحجرات: 41) وفسّر: (يلتكم) بقوله: (ينقصكم) وهو من لات يليت ليتا. وقال الجوهري: لاته عن وجهه يليته ويلوته ليتا أي: حبسه عن وجهه وصرفه، وكذلك ألاته عن وجهه فعل وأفعل بمعنى: ويقال أيضا: ما ألاته من عمله شيئا. أي: ما انقصه. مثل ألته. قوله: (ألتنا: نقصنا) ، هذا في سورة الطّور ذكره هنا استطرادًا). [عمدة القاري: 19/182]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (يلتكم) قال مجاهد فيما وصله الفريابي أي (ينقصكم) من أجوركم (ألتنا) أي (نقصنا) وهذا الأخير من سورة الطور وذكره استطرادًا). [إرشاد الساري: 7/350]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه تعالى: {لا يلتكم من أعمالكم شيئاً} قال: لا يظلمكم من أعمالكم شيئًا). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 119]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا}
- أخبرنا موسى بن سعيدٍ، حدّثنا مسدّد بن مسرهدٍ، حدّثنا المعتمر بن سليمان، حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن عامر بن سعدٍ، عن أبيه، أنّ سعدًا، قال: يا رسول الله، أعطيت فلانًا وفلانًا، ومنعت فلانًا وهو مؤمنٌ، قال: «مسلمٌ»، قال: أعطيت فلانًا، قالها مرّتين أو ثلاثةً، كلّ ذلك يقول: «مسلمٌ»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/268]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا اللّه ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئًا إنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره: قالت الأعراب: صدّقنا باللّه ورسوله، فنحن مؤمنون قال اللّه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهم لم تؤمنوا ولستم مؤمنين ولكن قولوا أسلمنا.
وذكر أنّ هذه الآية نزلت في أعراب بني أسدٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {قالت الأعراب آمنّا} قال: أعراب بني أسد بن خزيمة.
واختلف أهل التّأويل في السّبب الّذي من أجله قيل للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهؤلاء الأعراب: قولوا أسلمنا، ولا تقولوا آمنّا، فقال بعضهم: إنّما أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك، لأنّ القوم كانوا صدّقوا بألسنتهم، ولم يصّدّقوا قولهم بفعلهم، فقيل لهم: قولوا أسلمنا، لأنّ الإسلام قولٌ، والإيمان قولٌ وعملٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، {قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} قال: إنّ الإسلام الكلمة، والإيمان العمل.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، وأخبرني الزّهريّ، عن عامر بن سعدٍ، عن أبيه قال: أعطى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رجالاً، ولم يعط رجلاً منهم شيئًا، فقال سعدٌ: يا رسول اللّه أعطيت فلانًا وفلانًا، ولم تعط فلانًا شيئًا، وهو مؤمنٌ، فقال النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم: أو مسلمٌ حتّى أعادها سعدٌ ثلاثًا، والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: أو مسلمٌ، ثمّ قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي أعطي رجالاً وأدع من هو أحبّ إليّ منهم، لا أعطيه شيئًا مخافة أن يكبّوا في النّار على وجوههم.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا} قال: لم يصدّقوا إيمانهم بأعمالهم، فردّ اللّه ذلك عليهم {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} وأخبرهم أنّ المؤمنين {الّذين آمنوا باللّه ورسوله ثمّ لم يرتابوا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه، أولئك هم الصّادقون}، صدّقوا إيمانهم بأعمالهم؛ فمن قال منهم: أنا مؤمنٌ فقد صدق؛ قال: وأمّا من انتحل الإيمان بالكلام ولم يعمل فقد كذب، وليس بصادقٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، {ولكن قولوا أسلمنا} قال: هو الإسلام.
وقال آخرون: إنّما أمر النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم بقيل ذلك لهم، لأنّهم أرادوا أن يتسمّوا بأسماء المهاجرين قبل أن يهاجروا، فأعلمهم اللّه أنّ لهم أسماء الأعراب، لا أسماء المهاجرين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: ثني أبي قال: ثني عمّي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {قالت الأعراب آمنّا} الآية، وذلك أنّهم أرادوا أن يتسمّوا باسم الهجرة، ولا يتسمّوا بأسمائهم الّتي سمّاهم اللّه، وكان هذا في أوّل الهجرة قبل أن تنزل المواريث لهم.
وقال آخرون: قيل لهم ذلك لأنّهم منّوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بإسلامهم، فقال اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهم لم تؤمنوا، ولكن استسلمتم خوف السّباء والقتل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا} ولعمري ما عمّت هذه الآية الأعراب، إنّ من الأعراب من يؤمن باللّه واليوم الآخر، ولكن إنّما أنزلت في حيٍّ من أحياء الأعراب امتنّوا بإسلامهم على نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: أسلمنا، ولم نقاتلك، كما قاتلك بنو فلانٍ وبنو فلانٍ، فقال اللّه: لا تقولوا آمنّا، {ولكن قولوا أسلمنا} حتّى بلغ {في قلوبكم}.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} قال: لم تعمّ هذه الآية الأعراب، إنّ من الأعراب من يؤمن باللّه واليوم الآخر، ويتّخذ ما ينفق قرباتٍ عند اللّه، ولكنّها طوائف من الأعراب.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن رباح بن أبي معروفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، {قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} قال: استسلمنا لخوف السّباء والقتل.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ، {قولوا أسلمنا} قال: استسلمنا.
- حدّثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، وقرأ قول اللّه {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} استسلمنا، دخلنا في السّلم، وتركنا المحاربة والقتال بقولهم: لا إله إلاّ اللّه.
وقال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلاّ اللّه، فإذا قالوا لا إله إلاّ اللّه، عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على اللّه.
وأولى الأقوال بالصّواب في تأويل ذلك القول الّذي ذكرناه عن الزّهريّ، وهو أنّ اللّه تقدّم إلى هؤلاء الأعراب الّذين دخلوا في الملّة إقرارًا منهم بالقول، ولم يحقّقوا قولهم بعملهم أن يقولوا بالإطلاق آمنّا دون تقييد قولهم بذلك بأن يقولوا آمنّا باللّه ورسوله، ولكن أمرهم أن يقولوا القول الّذي لا يشكل على سامعيه والّذي قائله فيه محقٌّ، وهو أن يقولوا أسلمنا، بمعنى: دخلنا في الملّة وحقنّا الدّماء والأموال، بشهادة الحقّ.
قوله: {ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم} يقول تعالى ذكره: ولمّا يدخل العلم بشرائع الإيمان، وحقائق معانيه في قلوبكم.
وقوله: {وإن تطيعوا اللّه ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئًا} يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهؤلاء الأعراب القائلين آمنّا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم، إن تطيعوا اللّه ورسوله أيّها القوم، فتأتمروا لأمره وأمر رسوله، وتعملوا بما فرض عليكم، وتنتهوا عمّا نهاكم عنه {لا يلتكم من أعمالكم شيئًا} يقول: لا يظلمكم من أجور أعمالكم شيئًا ولا ينقصكم من ثوابها شيئًا.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {لا يلتكم} لا ينقصكم.
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {لا يلتكم من أعمالكم شيئًا} يقول: لن يظلمكم من أعمالكم شيئًا.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ في {وإن تطيعوا اللّه ورسوله} قال: إن تصدقوا إيمانكم بأعمالكم يقبل ذلك منكم.
وقرأت قرأة الأمصار {لا يلتكم من أعمالكم} بغير همزٍ ولا ألفٍ، سوى أبي عمرٍو، فإنّه قرأ ذلك (لا يألتكم) بألفٍ، اعتبارًا منه في ذلك بقوله: {وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ} فمن قال: ألت قال: يألت.
وأمّا الآخرون فإنّهم جعلوا ذلك من لات يليت، كما قال رؤبة بن العجّاج:
وليلةٍ ذات ندى سريت ولم يلتني عن سراها ليت.
الصّواب من القراءة عندنا في ذلك، ما عليه قرّاء المدينة والكوفة {لا يلتكم} بغير ألفٍ ولا همزٍ، على لغة من قال: لات يليت، لعلّتين: إحداهما: إجماع الحجّة من القرّاء عليها والثّانية أنّها في المصحف بغير ألفٍ، ولا تسقط الهمزة في مثل هذا الموضع، لأنّها ساكنةٌ، والهمزة إذا سكنت ثبتت، كما يقال: تأمرون وتأكلون، وإنّما تسقط إذا سكن ما قبلها، ولا يحمل حرفٌ في القرآن إذا أتى بلغةٍ على آخر جاء بلغةٍ خلافها إذا كانت اللّغتان معروفتين من كلام العرب وقد ذكرنا أنّ ألت ولات لغتان معروفتان من كلامهم.
وقوله: {إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} يقول تعالى ذكره: إنّ اللّه ذو عفو أيّها الأعراب لمن أطاعه، وتاب إليه من سالف ذنوبه، فأطيعوه، وانتهوا إلى أمره ونهيه، يغفر لكم ذنوبكم، رحيمٌ بخلقه التّائبين إليه أن يعاقبهم بعد توبتهم من ذنوبهم على ما قد تابوا منه، فتوبوا إليه يرحمكم.
- كما: حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} غفورٌ للذّنوب الكثيرة أو الكبيرة، شكّ يزيد، رحيمٌ بعباده). [جامع البيان: 21/388-394]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله قالت الأعراب آمنا قال نزلت هذه الآية في الأعراب أسد بن خزيمة). [تفسير مجاهد: 2/608]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لا يلتكم من أعمالكم شيئا يقول لا ينقصكم من أعمالكم شيئا ولا يظلمكم). [تفسير مجاهد: 2/608]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال إسحاق بن راهويه: أبنا جريرٌ، عن مغيرة قال: "أتيت إبراهيم النّخعيّ، فقلت: إنّ رجلًا خاصمني، يقال له: سعدٌ العنزيّ- فقال إبراهيم: ليس بالعنزي، ولكنه الزبيدي- في قوله عزّ وجلّ (قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) فقال: هو الاستسلام. فقال إبراهيم: لا بل هو الإسلام"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/274]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال إسحاق: أخبرنا جريرٌ، عن مغيرة قال: أتيت إبراهيم النّخعيّ، فقلت: إنّ رجلًا خاصمني يقال له: سعدٌ العنزيّ فقال إبراهيم: ليس بالّعنزيّ ولكنّه الزّبيديّ، في قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا}. فقال: هو الاستسلام. فقال إبراهيم: لا. بل هو الإسلام). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/242]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 14.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {قالت الأعراب آمنا} قال: أعراب بني أسد بن خزيمة وفي قوله {ولكن قولوا أسلمنا} قال: استسلمنا مخافة القتل والسبي). [الدر المنثور: 13/590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله {قالت الأعراب آمنا} قال: نزلت في بني أسد). [الدر المنثور: 13/590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه {قالت الأعراب آمنا} الآية قال: لم تعم هذه الآية الأعراب ولكنها الطوائف من الأعراب). [الدر المنثور: 13/590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا} قال: لعمري ما عمت هذه الآية الأعراب إن من الأعراب لم يؤمن بالله واليوم الآخر ولكن إنما أنزلت في حي من أحياء العرب منوا بالإسلام على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقالوا أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان فقال الله {لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}). [الدر المنثور: 13/590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن داود بن أبي هند أنه سئل عن الإيمان فتلا هذه الآية {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} قال: الإسلام الإقرار والإيمان التصديق). [الدر المنثور: 13/590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الزهري في الآية قال: ترى أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل). [الدر المنثور: 13/590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن جرير، وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص أن نفرا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم إلا رجلا منهم فقلت: يا رسول الله: أعطيتهم وتركت فلانا والله إني لأراه مؤمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مسلم ذلك ثلاثا). [الدر المنثور: 13/590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن قانع، وابن مردويه من طريق الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم قسما فأعطى أناسا ومنع آخرين فقلت يا رسول الله: أعطيت فلانا وفلانا ومنعت فلانا وهو مؤمن فقال: لا تقل مؤمن ولكن قل مسلم، وقال الزهري {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا}). [الدر المنثور: 13/590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن ماجة، وابن مردويه والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان). [الدر المنثور: 13/590-591]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وابن مردويه عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الإسلام علانية والإيمان في القلب ثم يشير بيده إلى صدره ثلاث مرات ويقول: التقوى ههنا التقوى ههنا). [الدر المنثور: 13/591]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا} الآية قال: وذلك أنهم أرادوا أن يتسموا باسم الهجرة ولا يتسموا بأسمائهم التي سماهم الله وكان هذا أول الهجرة قبل أن تترك المواريث لهم). [الدر المنثور: 13/591]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإن تطيعوا الله ورسوله} الآية.
أخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {لا يلتكم} بغير ألف ولا همزة مكسورة اللام). [الدر المنثور: 13/591-592]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شهر رمضان فرض عليكم صيامه والصلاة بالليل بعد الفريضة نافلة لكم والله لا يلتكم من أعمالكم شيئا). [الدر المنثور: 13/592]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {لا يلتكم} قال: لا يظلمكم). [الدر المنثور: 13/592]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد {لا يلتكم} لا ينقصكم). [الدر المنثور: 13/592]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {لا يلتكم} قال: لا ينقصكم بلغة بني عبس، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول الحطيئة العبسي:
أبلغ سراة بني سعد مغلغلة * جهد الرسالة لا ألتا ولا كذبا). [الدر المنثور: 13/592-593]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة {لا يلتكم} لا يظلمكم من أعمالكم شيئا {إن الله غفور رحيم} قال: غفور للذنب الكبير رحيم بعباده). [الدر المنثور: 13/593]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّما المؤمنون الّذين آمنوا باللّه ورسوله ثمّ لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه أولئك هم الصّادقون}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره للأعراب الّذين قالوا آمنّا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم: إنّما المؤمنون أيّها القوم الّذين صدّقوا اللّه ورسوله، ثمّ لم يرتابوا، يقول: ثمّ لم يشكّوا في وحدانيّة اللّه، ولا نبوّة نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وألزم نفسه طاعة اللّه وطاعة رسوله، والعمل بما وجب عليه من فرائض اللّه بغير شكٍّ منه في وجوب ذلك عليه {وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه} يقول: جاهدوا المشركين بإنفاق أموالهم، وبذل مهجهم في جهادهم، على ما أمره اللّه به من جهادهم، وذلك سبيله لتكون كلمة اللّه العليا، وكلمة الّذين كفروا السّفلى.
وقوله: {أولئك هم الصّادقون} يقول: هؤلاء الّذين يفعلون ذلك هم الصّادقون في قولهم: إنّا مؤمنون، لا من دخل في الملّة خوف السّيف ليحقن دمه وماله.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أولئك هم الصّادقون} قال: صدّقوا إيمانهم بأعمالهم). [جامع البيان: 21/395]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 15 - 16.
أخرج أحمد والحكيم الترمذي عن أبي سعيد الخدري أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: المؤمنون في الدنيا على ثلاثة أجزاء: الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذي أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم ثم الذي إذا أشرف على طمع تركه لله). [الدر المنثور: 13/593]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل أتعلّمون اللّه بدينكم واللّه يعلم ما في السّموات وما في الأرض واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل} يا محمّد لهؤلاء الأعراب القائلين آمنّا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم {أتعلّمون اللّه} أيّها القوم بدينكم، يعني بطاعتكم ربّكم {واللّه يعلم ما في السّموات وما في الأرض} يقول: واللّه الّذي تعلّمونه أنّكم مؤمنون، علاّم جميع ما في السّماوات السّبع والأرضين السّبع، لا يخفى عليه منه شيءٌ، فكيف تعلّمونه بدينكم، والّذي أنتم عليه من الإيمان، وهو لا يخفى عليه خافيةٌ، في سماءٍ ولا أرضٍ، فيخفى عليه ما أنتم عليه من الدّين {واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ} يقول: واللّه بكلّ ما كان وما هو كائنٌ، وما يكون ذو علمٍ وإنّما هذا تقدّمٌ من اللّه إلى هؤلاء الأعراب بالنّهي، عن أن يكذبوا ويقولوا غير الّذي هم عليه في دينهم يقول: اللّه محيطٌ بكلّ شيءٍ عالمٌ به، فاحذروا أن تقولوا خلاف ما يعلم من ضمائر صدوركم، فينالكم عقوبته، فإنّه لا يخفى عليه شيءٌ). [جامع البيان: 21/396]

تفسير قوله تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله لا تمنوا علي إسلامكم قال منوا على النبي حين جاءوه فقالوا إنا قد أسلمنا بغير قتال لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان فقال الله تعالى لنبيه قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هدكم للإيمان). [تفسير عبد الرزاق: 2/235]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {يمنّون عليك أن أسلموا}
- أخبرنا سعيد بن يحيى بن سعيدٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن قيسٍ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، وأخبرنا سعيد بن يحيى، عن أبيه، عن محمّد بن قيسٍ، عن رجلٍ، من ثقيفٍ الّذي يقال له أبو عونٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قدم وفد بني أسدٍ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتكلّموا، فقالوا: قاتلتك مضر، ولسنا بأقلّهم عددًا، ولا أكلّهم شوكةً، وصلنا رحمك، فقال لأبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما: «تكلّموا هكذا»، قالوا: لا، قال: «إنّ فقه هؤلاء قليلٌ، وإنّ الشّيطان ينطق على ألسنتهم»، قال عطاءٌ في حديثه: فأنزل الله جلّ وعزّ {يمنّون عليك أن أسلموا} [الحجرات: 17] الآية). [السنن الكبرى للنسائي: 10/269]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يمنّون عليك أن أسلموا قل لا تمنّوا عليّ إسلامكم بل اللّه يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: يمنّ عليك هؤلاء الأعراب يا محمّد أن أسلموا، قل لهم: {قل لاّ تمنّوا عليّ إسلامكم بل اللّه يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان} يقول: بل اللّه يمنّ عليكم أيّها القوم أن وفّقكم للإيمان به وبرسوله {إن كنتم صادقين} يقول: إن كنتم صادقين في قولكم آمنّا، فإنّ اللّه هو الّذي منّ عليكم بأن هداكم له، فلا تمنّوا عليّ بإسلامكم.
وذكر أنّ هؤلاء الأعراب من بني أسدٍ، امتنّوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: آمنّا من غير قتالٍ، ولم نقاتلك كما قاتلك غيرنا، فأنزل اللّه فيهم هذه الآيات:
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في هذه الآية {يمنّون عليك أن أسلموا} أهم بنو أسدٍ؟ قال: قد قيل ذلك.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا سهل بن يوسف قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ قال: قلت لسعيد بن جبيرٍ {يمنّون عليك أن أسلموا} أهم بنو أسدٍ؟ قال: يزعمون ذاك.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة قال: كان بشر بن غالبٍ ولبيد بن عطاردٍ، أو بشر بن عطاردٍ، ولبيد بن غالبٍ عند الحجّاج جالسين، فقال بشر بن غالبٍ للبيد بن عطاردٍ: نزلت في قومك تميمٍ {إنّ الّذين ينادونك من وراء الحجرات} فذكرت ذلك لسعيد بن جبيرٍ، فقال: إنّه لو علم بآخر الآية أجابه {يمنّون عليك أن أسلموا} قالوا: أسلمنا ولم نقاتلك بنو أسدٍ.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {لا تمنّوا عليّ إسلامكم}. قال: منّوا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، حيث جاؤه فقالوا: أنّا أسلمنا، بغير قتالٍ لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلانٍ وبنو فلانٍ، فقال اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل} لهم {لا تمنّوا عليّ إسلامكم بل اللّه يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان}.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {يمنّون عليك أن أسلموا قل لا تمنّوا عليّ إسلامكم} قال: فهذه الآيات نزلت في الأعراب). [جامع البيان: 21/396-398]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {يمنّون عليك أن أسلموا} [الحجرات: 17].
- عن عبد اللّه بن أبي أوفى «أنّ ناسًا من العرب قالوا: يا رسول اللّه، أسلمنا ولم نقاتلك وقاتلتك بنو فلانٍ. فأنزل اللّه - عزّ وجلّ - {يمنّون عليك أن أسلموا} [الحجرات: 17] الآية».
رواه الطّبرانيّ في الكبير والأوسط، وفيه الحجّاج بن أرطاة وهو ثقةٌ ولكنّه مدلّسٌ، وبقيّة رجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 7/111-112]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 17 - 18.
أخرج ابن المنذر والطبراني، وابن مردويه بسند حسن عن عبد الله بن أبي أوفى أن أناسا من العرب قالوا يا رسول الله: أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان فأنزل الله {يمنون عليك أن أسلموا} الآية). [الدر المنثور: 13/593]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج النسائي والبزار، وابن مردويه عن ابن عباس قال: جاءت بنو أسد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله: أسلمنا وقاتلك العرب ولم نقاتلك فنزلت هذه الآية {يمنون عليك أن أسلموا}). [الدر المنثور: 13/593]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه، وابن جرير عن سعيد بن جبير قال: أتى قوم من الأعراب من بني أسد إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالوا: جئناك ولم نقاتلك فأنزل الله {يمنون عليك أن أسلموا}). [الدر المنثور: 13/593]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن الحسن قال: لما فتحت مكة جاء ناس فقالوا يا رسول الله: إنا قد أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان فأنزل الله {يمنون عليك أن أسلموا}). [الدر المنثور: 13/593]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال: قدم عشرة رهط من بني أسد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول سنة تسع وفيهم حضرمي بن عامر وضرار بن الأزور ووابصة بن معبد وقتادة بن القائف وسلمة بن حبيش ونقادة بن عبد الله بن خلف وطلحة بن خويلد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد مع أصحابه فسلموا وقال متكلمهم: يا رسول الله إنا شهدنا أن الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله وجئناك يا رسول الله ولم تبعث إلينا بعثا ونحن لمن وراءنا سلم فأنزل الله {يمنون عليك أن أسلموا} الآية). [الدر المنثور: 13/593]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطاني ربي السبع الطوال مكان التوراة والمئين مكان الإنجيل وفضلت بالمفصل). [الدر المنثور: 13/593]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الضريس، وابن جرير عن أبي قلابة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت السبع مكان التوراة وأعطيت المثاني مكان الإنجيل وأعطيت كذا وكذا مكان الزبور وفضلت بالمفصل). [الدر المنثور: 13/594]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: الطوال مكان التوراة والمئين كالإنجيل والمثاني كالزبور وسائر القرآن بعد فضل على الكتب). [الدر المنثور: 13/594]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) )

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه يعلم غيب السّموات والأرض واللّه بصيرٌ بما تعملون}
يقول تعالى ذكره: إنّ اللّه أيّها الأعراب لا يخفى عليه الصّادق منكم من الكاذب، ومن الدّاخل منكم في ملّة الإسلام رغبةً فيه، ومن الدّاخل فيه رهبةً من رسولنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وجنده، فلا تعلّمونا دينكم وضمائر صدوركم، فإنّ اللّه يعلم ما تكنّه ضمائر صدوركم، وتحدّثون به أنفسكم، ويعلم ما غاب عنكم، فاستسرّ في خبايا السّماوات والأرض، لا يخفى عليه شيءٌ من ذلك {واللّه بصيرٌ بما تعملون} يقول: واللّه ذو بصرٍ بأعمالكم الّتي تعملونها، أجهرًا تعملون أم سرًّا، طاعةً تعملون أو معصيةً؟ وهو مجازيكم على جميع ذلك، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ وكفؤه.
و {أن} في قوله: {يمنّون عليك أن أسلموا} في موضع نصبٍ بوقوع يمنّون عليها، وذكر أنّ ذلك في قراءة عبد اللّه يمنّون عليك إسلامهم، وذلك دليلٌ على صحّة ما قلنا، ولو قيل: هي نصبٌ بمعنى: يمنّون عليك لأن أسلموا، لكان وجهًا يتّجه وقال بعض أهل العربيّة: هي في موضع خفضٍ بمعنى: لأن أسلموا.
وأمّا {أن} الّتي في قوله: {بل اللّه يمنّ عليكم أن هداكم} فإنّها في موضع نصبٍ بسقوط الصّلة لأنّ معنى الكلام: بل اللّه يمنّ عليكم بأن هداكم للإيمان). [جامع البيان: 21/398-399]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12 جمادى الآخرة 1434هـ/22-04-2013م, 02:39 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا...}.
فهذه نزلت في أعاريب بني أسد؛ قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بعيالاتهم طمعا في الصدقة، فجعلوا يروحون ويغدون، ويقولون: أعطنا فإنا أتيناك بالعيال والأثقال، وجاءتك العرب على ظهور رواحلها؛ فأنزل الله جل وعز {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا...}؛ (وأن) في موضع نصب لأنها في قراءة عبد الله: يمنون عليك إسلامهم، ولو جعلت: يمنّون عليك لأن أسلموا، فإذا ألقيت اللام كان نصباً مخالفا للنصب الأول). [معاني القرآن: 3/73]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لَا يَلِتْكُمْ...}.
لا ينقصكم، ولا يظلمكم من أعمالكم شيئاً، وهي من لات يليت، والقراء مجمعون عليها، وقد قرأ بعضهم: لا يألتكم، ولست أشتهيها؛ لأنها بغير ألف كتبت في المصاحف، وليس هذا بموضع يجوز فيه سقوط الهمز؛ ألا ترى قوله: {يأتون}، و{يأمرون}، و{يأكلون} لم تلق الألف في شيء منه لأنها ساكنة، وإنما تلقى الهمزة إذا سكن ما قبلها، فإذا سكنت هي تعني الهمزة ثبتت فلم تسقط، وإنما اجترأ على قراءتها "يألتكم" أنه وجد {وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ} في موضع، فأخذ ذا من ذلك؛ فالقرآن يأتي باللغتين المختلفتين؛ ألا ترى قوله: {تملى عليه}. وهو في موضع آخر: {فليكتب وليملل}. ولم تحمل إحداهما على الأخرى فتتفقا ولات يليت، وألت يألت لغتان ). [معاني القرآن: 3/74]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( " {لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} " أي لا ينقصكم لا يحبس وهو من ألت يألت وقوم يقولون: لات يليت وقال رؤبة:
وليلةٍ ذات ندى سريت... ولم يلتني عن سارها ليت
وبعضهم يقول: ألاتني حقي وألاتني عن وجهي وعن حاجتي أي صرفني عنها قال الحطيئة:
أبلغ سراة بني كعبٍ مغلغلةً... جهد الرسالة لا ألتاً ولا كذبا). [مجاز القرآن: 2/221]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({لا يألتكم} و{لا يلتكم}: بمعنى واحد. من قرأ يلتكم فهي لات يليت. أي ينقصكم أعمالكم. ومن قرأ {يألتكم} فهي أكثر من يلت). [غريب القرآن وتفسيره: 344]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {قُولُوا أَسْلَمْنَا}، أي استسلمنا من خوف السيف، وأنقذنا.
{ لَا يَلِتْكُمْ } أي لا ينقصكم وهو من «لات يليت [ويلوت]».
ومنها لغة أخرى: «ألت يألت [التا]».
وقد جاءت اللغتان جميعا في القرآن، قال: {وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ} [سورة الطور آية: 21].
والقرآن يأتي باللغتين المختلفتين، كقوله [سورة الفرقان آية: 5] و[سورة البقرة آية: 282] في موضع: {تملى عليه}، وفي موضع آخر: {فليملل وليّه بالعدل}). [تفسير غريب القرآن: 416]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه عام يراد به خاص:
كقوله سبحانه حكاية عن النبي، صلّى الله عليه وسلم: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 163]، وحكاية عن موسى: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143] ولم يرد كل المسلمين والمؤمنين، لأن الأنبياء قبلهما كانوا مؤمنين ومسلمين، وإنما أراد مؤمني زمانه ومسلميه.
وكقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33]، ولم يصطفهم على محمد صلّى الله عليه وسلم ولا أممهم على أمّته، ألا تراه يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، وإنما أراد عالمي أزمنتهم.
وكقوله سبحانه: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} [الحجرات: 14]، وإنما قاله فريق من الأعراب.
وقوله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224] ولم يرد كل الشعراء.
[تأويل مشكل القرآن: 281]
ومنه قوله سبحانه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: 173]، وإنما قاله نعيم بن مسعود لأصحاب محمد، صلّى الله عليه وسلم إنّ النّاس قد جمعوا لكم، يعني: أبا سفيان، وعيينة بن حصن، ومالك بن عوف). [تأويل مشكل القرآن: 282] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الإسلام: هو الدخول في السّلم، أي: في الانقياد والمتابعة.
قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94] أي: انقاد لكم وتابعكم.
والاستسلام مثله. يقال: سلّم فلان لأمرك واستسلم وأسلم. أي دخل في السّلم.
كما تقول: أشتى الرجل: إذا دخل في الشتاء، وأربع: دخل في الربيع، وأقحط: دخل في القحط.
فمن الإسلام متابعة وانقياد باللّسان دون القلب.
ومنه قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] أي: أنقذنا من خوف السيف.
وكذلك قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: 83]، أي: انقاد له وأقرّ به المؤمن والكافر.
ومن الإسلام: متابعة وانقياد باللسان والقلب، ومنه قوله حكاية عن إبراهيم: {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: 131]. وقوله: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [آل عمران: 20] أي: انقدت لله بلساني وعقدي.
[تأويل مشكل القرآن: 479]
والوجه زيادة. كما قال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، يريد: إلا هو. وقوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان: 9]، أي لله. قال زيد بن عمرو بن نفيل في الجاهلية:
أسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا
أي: انقادت له المزن). [تأويل مشكل القرآن: 480] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله - عزّ وجلّ - ( {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)}
وهذا موضع يحتاج الناس إلى تفهمه، وأين ينفصل المؤمن من المسلم. وأين يستويان.
والإسلام إظهار الخضوع والقبول لما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبذلك يحقن الدّم.
فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الإيمان الذي من هو صفته فهو مؤمن مسلم، وهو المؤمن باللّه ورسوله غير مرتاب ولا شاكّ.
وهو الذي يرى أن أداء الفرائض واجب عليه، وأن الجهاد بنفسه وماله واجب عليه لا يدخله في ذلك ريب، فهو المؤمن وهو المسلم حقا، كما قال عز وجلّ: ({إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} ). [معاني القرآن: 5/38]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - عزّ وجلّ - ({وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا}).
{لا يألتكم} ويقرأ {لا يلتكم}،
فمن قرأ {يألتكم} فدليله {وما ألتناهم من عملهم من شيء} ومعناه وما نقصناهم، وكذلك {لا يألتكم} لا ينقصكم.
ومن قرأ {لا يلتكم}فهو من لات يليت، يقال: لاته يليته. وألاته يليته إذا نقصه أيضا، والمعنى فيهما واحد. أعني {يألتكم} و {يلتكم}.
والقراءة {لا يلتكم}أكثر، والأخرى أعني {يألتكم)}جيدة بالغة، ودليلها في القرآن على ما وصفنا). [معاني القرآن: 5/39]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {لا يلتكم}أي: لا ينقصكم، وكذلك: يألتكم). [ياقوتة الصراط: 475]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَا يَلِتْكُم}: لا ينقصكم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 236]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَلِتْكُم}: ينقصكم). [العمدة في غريب القرآن: 278]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" {ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} " لم يشكوا). [مجاز القرآن: 2/221]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ({إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)}.
أي إذا قالوا إنا مؤمنون فهم الصادقون، فأما من أظهر قبول الشريعة واستسلم لدفع المكروه فهو في الظاهر مسلم، وباطنه غير مصدق، فذلك الذي يقول أسلمت لأن الإيمان لا بد من أن يكون صاحبه صديقا، لأنّ قولك آمنت بكذا وكذا معناه صدقت به، فأخرج اللّه هؤلاء من الإيمان فقال: {ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم}).
أي لم تصدقوا إنما أسلمتم تعوذا من القتل، فالمؤمن مبطن من التصديق مثل ما يظهر، والمسلم التام الإسلام وهو مظهر الطاعة مع ذلك مؤمن بها، والمسلم الذي أظهر الإسلام تعوذا غير مؤمن في الحقيقة، إلا أن حكمه في الظاهر حكم المسلمين). [معاني القرآن: 5/38]


تفسير قوله تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أَنْ هَدَاكُمْ...}، وفي قراءة عبد الله: إذ هداكم.
فـ (أن) في موضع نصب لا بوقع الفعل، ولكن بسقوط الصفة). [معاني القرآن: 3/74]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)}
قيل إن هذه نزلت في المنافقين. فاعلموا أنكم إن كنتم صادقين فإنكم قد أسلمتم فلله المنّ عليكم لإخراجه إياكم من الضلالة إلى الهدى.
وقد قيل: إنها نزلت في غير المنافقين، في قوم من المسلمين قالوا آمنا وهاجرنا وفعلنا وصنعنا فمنوا على رسول الله بذلك.
والأشبه - واللّه أعلم - أن يكون في قوم من المنافقين). [معاني القرآن: 5/39]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) )

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12 جمادى الآخرة 1434هـ/22-04-2013م, 02:40 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وقال قوم يقولون لاته يليته ولغة أخرى يلوته عن وجهه ومعناه حبسه عن وجهه قال رؤبة
(وليلة ذات ندى سريت = ولم يلتني عن سراها ليت)
تقديرها لم يبعني بيع وفي القرآن {لا يلتكم من أعمالكم شيئا} أي لا ينقصكم وقرئ (يألتكم) من ألت يألت تقديرها أبق يأبق وقوم يقولون في هذا المعنى يليته). [إصلاح المنطق: 136]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وكل بابٍ فأصله شيءٌ واحدٌ، ثم تدخل عليه دواخل؛ لاجتماعها في المعنى. وسنذكر إن كيف صارت أحق بالجزاء? كما أن الألف أحق بالاستفهام، وإلا أحق بالاستثناء، والواو أحق بالعطف مفسراً إن شاء الله في هذا الباب الذي نحن فيه.
فأما إن فقولك: إن تأتني آتك، وجب الإتيان الثاني بالأول، وإن تكرمني أكرمك، وإن تطع الله يغفر لك، كقوله عز وجل: {إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم} {وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم}.
والمجازاة ب إذما قولك: إذما تأتني آتك؛ كما قال الشاعر:
إذ ما أنيت على الرسول فقل له = حقاً عليك إذا اطمأن المجلـس
ولا يكون الجزاء في إذ ولا في حيث بغير ما؛ لأنهما ظرفان يضافان إلى الأفعال. وإذا زدت على كل واحد منهما ما منعتا الإضافة فعملتا. وهذا في آخر الباب يشرح بأكثر من هذا الشرح إن شاء الله.
وأما المجازاة بـ (من) فقوله عز وجل: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً} وقوله: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً}.
وبـ (ما) قوله: {ما يفتح الله للناس من رحمةٍ فلا ممسك لها}.
وبـ أين قوله عز وجل: {أينما تكونوا يدرككم الموت}. وقال الشاعر:
أين تضرب بنا العداة تجـدنـا = نصرف العيس نحوها للتلاقي
وبـ أنى قوله:
فأصبحت أنى تأتها تلتبس بـهـا = كلا مركبيها تحت رجليك شاجر
ومن حروف المجازاة مهما. وإنما أخرنا ذكرها؛ لأن الخليل زعم أنها ما مكررة، وأبدلت من الألف الهاء. وما الثانية زائدة على ما الأولى؛ كما تقول: أين وأينما، ومتى ومتى ما، وإن وإما، وكذلك حروف المجازاة إلا ما كان من حيثما وإذما. فإن ما فيهما لازمة. لا يكونان للمجازاة إلا بها، كما تقع رب على الأفعال إلا بـ ما في قوله: {ربما يود الذين كفروا}، ولو حذفت منها ما لم تقع إلا على الأسماء النكرات، نحو: رب رجل يا فتى.
والمجازاة بـ(أي) قوله: {أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} ). [المقتضب: 2/45-48] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 صفر 1440هـ/8-11-2018م, 09:30 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 صفر 1440هـ/8-11-2018م, 09:31 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 صفر 1440هـ/8-11-2018م, 09:36 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا}، قال مجاهد: نزلت في بنى أسد بن خزيمة، وهى قبيلة كانت تجاور المدينة، وكانوا قد أظهروا الإسلام، وكانت نفوسهم مع ذلك- دخلة، إنما يحبون المغانم وعرض الدنيا، قال ابن عباس رضي الله عنهما: وذهبوا مرة إلى أن يتسموا بالمهاجرين، فنزلت هذه الآية مسمية لهم بالأعراب، معرفة لهم بذلك أقدارهم، ومخرجة ما في صدورهم من صور معتقدهم، وهم أعراب مخصوصون كما ذكرنا، قال أبو حاتم عن ابن الزبير: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ: "قالت الأعراب" بغير همز، فرد عليه بهمز قطع. وقد أخبر الله تعالى أن يقول لهؤلاء المدعين في الإيمان: "لم تؤمنوا"، أي: لم تصدقوا بقلوبكم، ولكن قولوا أسلمنا.
والإسلام يقال بمعنيين: أحدهما الذي يعم الإيمان والأعمال، وهو الذي في قوله تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام}، والذي في قوله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس"، والذي في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام حين قال: ما الإسلام؟ قال: "أن تعبد الله وحده ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا"، والذي في قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "أو مسلما، إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه" الحديث، فهذا الإسلام ليس هو في قوله تعالى: {ولكن قولوا أسلمنا} والمعنى الثاني للفظ الإسلام هو الاستسلام والإظهار الذي يستعصم به ويحقن الدم، وهذا هو الإسلام في قوله تعالى: {ولكن قولوا أسلمنا}، والإيمان الذي هو التصديق أخص من الأول.
ثم صرح تعالى لهم بأن الإيمان لم يدخل قلوبهم، ثم فتح تعالى لهم باب التوبة بقوله سبحانه: {وإن تطيعوا الله ورسوله} الآية، وطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في ضمنها الإيمان والأعمال.
وقرأ جمهور القراء: "لا يلتكم"، من "لات يليت" إذا نقص، يقال: "لاته حقه" إذا نقصه منه، وقرأ أبو عمرو، والأعرج، والحسن، وعمرو: "لا يألتكم" من "ألت يألت" وهو بمعنى "لات"، وكذلك يقال: "ألت" بكسر اللام "يألت"، ويقال أيضا في معنى "لات: "ألت يولت"، ولم يقرأ بهذه اللغة. وباقي الآية بين في الترجية). [المحرر الوجيز: 8/ 25-27]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون * قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم * يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين * إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون}
"إنما" في هذه الآية حاصرة تعطي ذلك المعنى. وقوله تعالى: {ثم لم يرتابوا} أي: لم يشكوا في إيمانهم، ولم يداخلهم ريب، وهم الصادقون إذ جاء فعلهم مصدقا لقولهم). [المحرر الوجيز: 8/ 27]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بتوبيخهم بقوله: {أتعلمون الله بدينكم} أي بقولكم: "آمنا" وهو يعلم منكم خلاف ذلك لأنه العليم بكل شيء).[المحرر الوجيز: 8/ 27]

تفسير قوله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يمنون عليك أن أسلموا} نزلت في بني أسد أيضا، وذلك أنهم قالوا في بعض الأوقات للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا آمنا بك واتبعناك ولم نحاربك كما فعلت محارب وحصفة وهوازن وغطفان وغيرهم، فنزلت هذه الآية، حكاه الطبري وغيره. وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه: "يمنون عليك إسلامه".
وقوله تعالى: "أن" يحتمل أن يكون مفعولا من أجله، وقوله تعالى: {بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان} أي: بزعمكم إذ تقولون آمنا، فقد لزمكم أن الله تعالى مان عليكم، ويدلك على هذا المعنى قوله تعالى: {إن كنتم صادقين}، فعلق عليهم الحكمين: هم ممنون عليهم على الصدق، وأهل أن يقولوا أسلمنا من حيث هم كذبة، وقرأ ابن مسعود: "إذ هداكم".
وقوله تعالى: "يمن عليكم" يحتمل أن يكون بمعنى: ينعم، كما تقول: من الله عليك، ويحتمل أن يكون بمعنى: يذكر إحسانه فيجيء معادلا لـ "يمنون عليك"، وقال الناس قديما: إذا كفرت النعمة حسنت المنة، وإنما المنة المبطلة للصدقة المكروهة ما وقع دون كفر النعمة). [المحرر الوجيز: 8/ 27]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ أبو جعفر، ونافع، وشيبة، وقتادة، وابن وثاب: "تعملون" بالتاء على الخطاب، وقرأ ابن كثير، وعاصم -في رواية أبي بكر -: "بما يعملون" بالياء من تحت على ذكر الغائب.
كمل تفسير سورة الحجرات والحمد لله رب العالمين).[المحرر الوجيز: 8/ 28]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 1 ربيع الأول 1440هـ/9-11-2018م, 05:57 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 1 ربيع الأول 1440هـ/9-11-2018م, 06:01 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولـمّا يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا اللّه ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئًا إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (14) إنّما المؤمنون الّذين آمنوا باللّه ورسوله ثمّ لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه أولئك هم الصّادقون (15) قل أتعلّمون اللّه بدينكم واللّه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ (16) يمنّون عليك أن أسلموا قل لا تمنّوا عليّ إسلامكم بل اللّه يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين (17) إنّ اللّه يعلم غيب السّماوات والأرض واللّه بصيرٌ بما تعملون (18) }
يقول تعالى منكرًا على الأعراب الّذين أوّل ما دخلوا في الإسلام ادّعوا لأنفسهم مقام الإيمان، ولم يتمكّن الإيمان في قلوبهم بعد: {قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولـمّا يدخل الإيمان في قلوبكم}. وقد استفيد من هذه الآية الكريمة: أنّ الإيمان أخصّ من الإسلام كما هو مذهب أهل السّنّة والجماعة، ويدلّ عليه حديث جبريل، عليه السّلام، حين سأل عن الإسلام، ثمّ عن الإيمان، ثمّ عن الإحسان، فترقّى من الأعمّ إلى الأخصّ، ثمّ للأخصّ منه.
قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن الزّهريّ، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاصٍ، عن أبيه قال: أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجالًا ولم يعط رجلًا منهم شيئًا، فقال سعدٌ: يا رسول اللّه، أعطيت فلانًا وفلانًا ولم تعط فلانًا شيئًا، وهو مؤمنٌ؟ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أو مسلمٌ" حتّى أعادها سعدٌ ثلاثًا، والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "أو مسلمٌ" ثمّ قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي لأعطي رجالًا وأدع من هو أحب إليّ منهم فلم أعطيه شيئًا؛ مخافة أن يكبّوا في النّار على وجوههم".
أخرجاه في الصّحيحين من حديث الزّهريّ، به.
فقد فرّق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بين المسلم والمؤمن، فدلّ على أنّ الإيمان أخصّ من الإسلام. وقد قرّرنا ذلك بأدلّته في أوّل شرح كتاب الإيمان من "صحيح البخاريّ" وللّه الحمد والمنّة. ودلّ ذلك على أنّ ذاك الرّجل كان مسلمًا ليس منافقًا؛ لأنّه تركه من العطاء ووكله إلى ما هو فيه من الإسلام، فدلّ هذا على أنّ هؤلاء الأعراب المذكورين في هذه الآية ليسوا بمنافقين، وإنّما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم، فادّعوا لأنفسهم مقامًا أعلى ممّا وصلوا إليه، فأدّبوا في ذلك. وهذا معنى قول ابن عبّاسٍ وإبراهيم النّخعيّ، وقتادة، واختاره ابن جريرٍ. وإنّما قلنا هذا لأنّ البخاريّ، رحمه اللّه، ذهب إلى أنّ هؤلاء كانوا منافقين يظهرون الإيمان وليسوا كذلك. وقد روي عن سعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٍ، وابن زيدٍ أنّهم قالوا في قوله: {ولكن قولوا أسلمنا} أي: استسلمنا خوف القتل والسّباء. قال مجاهدٌ: نزلت في بني أسد بن خزيمة. وقال قتادة: نزلت في قومٍ امتنّوا بإيمانهم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
والصّحيح الأوّل؛ أنّهم قومٌ ادّعوا لأنفسهم مقام الإيمان، ولم يحصل لهم بعد، فأدّبوا وأعلموا أنّ ذلك لم يصلوا إليه بعد، ولو كانوا منافقين لعنّفوا وفضحوا، كما ذكر المنافقون في سورة براءة. وإنّما قيل لهؤلاء تأديبًا: {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولـمّا يدخل الإيمان في قلوبكم} أي: لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد.
ثمّ قال: {وإن تطيعوا اللّه ورسوله لا يلتكم من أعمالكم [شيئًا]} أي: لا ينقصكم من أجوركم شيئًا، كقوله: {وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ} [الطّور: 21].
وقوله: {إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} أي: لمن تاب إليه وأناب).[تفسير ابن كثير: 7/ 388-389]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {إنّما المؤمنون} أي: إنّما المؤمنون الكمّل {الّذين آمنوا باللّه ورسوله ثمّ لم يرتابوا} أي: لم يشكّوا ولا تزلزلوا، بل ثبتوا على حالٍ واحدةٍ، وهي التّصديق المحض، {وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه} أي: وبذلوا مهجهم ونفائس أموالهم في طاعة اللّه ورضوانه، {أولئك هم الصّادقون} أي: في قولهم إذا قالوا: "إنّهم مؤمنون"، لا كبعض الأعراب الّذين ليس معهم من الدّين إلّا الكلمة الظّاهرة.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن غيلان، حدّثنا رشدين، حدّثني عمرو بن الحارث، عن أبي السّمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ قال: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "المؤمنون في الدّنيا على ثلاثة أجزاءٍ: [الّذين] آمنوا باللّه ورسوله ثمّ لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه. والّذي يأمنه النّاس على أموالهم وأنفسهم. ثمّ الّذي إذا أشرف على طمعٍ تركه للّه، عزّ وجلّ"). [تفسير ابن كثير: 7/ 390]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {قل أتعلّمون اللّه بدينكم} أي: أتخبرونه بما في ضمائركم، {واللّه يعلم ما في السّموات وما في الأرض} أي: لا يخفى عليه مثقال ذرّةٍ في الأرض ولا في السّماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، {واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ}). [تفسير ابن كثير: 7/ 390]

تفسير قوله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال [تعالى]: {يمنّون عليك أن أسلموا}، يعني: الأعراب [الّذين] يمنّون بإسلامهم ومتابعتهم ونصرتهم على الرّسول، يقول اللّه ردًّا عليهم: {قل لا تمنّوا عليّ إسلامكم}، فإنّ نفع ذلك إنّما يعود عليكم، وللّه المنّة عليكم فيه، {بل اللّه يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين} أي: في دعواكم ذلك، كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للأنصار يوم حنينٍ: "يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلّالًا فهداكم اللّه بي؟ وكنتم متفرّقين فألّفكم اللّه بي؟ وعالةً فأغناكم اللّه بي؟ " كلّما قال شيئًا قالوا: اللّه ورسوله أمنّ.
وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا إبراهيم بن سعيدٍ الجوهريّ، حدّثنا يحيى بن سعيدٍ الأمويّ، عن محمّد بن قيسٍ، عن أبي عونٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ [رضي اللّه عنهما] قال: جاءت بنو أسدٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول اللّه، أسلمنا وقاتلتك العرب، ولم تقاتلك، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ فقههم قليلٌ، وإنّ الشّيطان ينطق على ألسنتهم". ونزلت هذه الآية: {يمنّون عليك أن أسلموا قل لا تمنّوا عليّ إسلامكم بل اللّه يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين}
ثمّ قال: لا نعلمه يروى إلّا من هذا الوجه، ولا نعلم روى أبو عونٍ محمّد بن عبيد اللّه، عن سعيد بن جبيرٍ، غير هذا الحديث).[تفسير ابن كثير: 7/ 390-391]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ كرّر الإخبار بعلمه بجميع الكائنات، وبصره بأعمال المخلوقات فقال: {إنّ اللّه يعلم غيب السّموات والأرض واللّه بصيرٌ بما تعملون}).[تفسير ابن كثير: 7/ 391]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة