العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الثاني 1434هـ/21-02-2013م, 11:18 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة النساء [ الآية (25) ]

تفسير سورة النساء
[ الآية (25) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 03:05 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (قال أبو سعيد في هذه الآية: {ولا متخذات أخدانٍ}، قال: « وهو الصديق»). [الجامع في علوم القرآن: 1/98]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدّثني عبد الجبّار بن عمر عن ربيعة أنه قال في قول الله: {من لم يستطع منكم طولا أن ينكح}، قال ربيعة: «الطول الهوى؛ قال: ينكح الأمة إذا كان هواه فيها»). [الجامع في علوم القرآن: 2/89]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه في قوله تعالى وأن تصبروا خير لكم قال عن نكاح الأمة). [تفسير عبد الرزاق: 2/57]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولًا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} إلى قوله تعالى: {ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خيرٌ لكم والله غفورٌ رحيمٌ}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا مغيرة، عن إبراهيم، أنّه كان يقرأ: {فإذا أحصنّ}، قال: إذا أسلمن، وكان مجاهدٌ يقرأ: {فإذا أحصنّ}، يقول: إذا تزوّجن، (ما لم) تزوّج، فلا حدّ عليها.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة - أو غيره، شكّ داود - عن ابن عبّاسٍ
« أنّه كان لا يرى على الأمة حدًّا حتّى تزوّج زوجًا حرًّا».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا داود بن أبي هندٍ، قال: حدّثني ثمامة بن عبد اللّه بن أنسٍ، قال:
« شهدت أنس بن مالكٍ يضرب إماءه الحدّ إذا زنين، تزوّجن، أو لم يتزوجن ».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن مجاهدٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ:
«ليس على الأمة حدٌّ حتّى تحصّن».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن مسعر، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقول:
« ليس على الأمة حدٌّ حتّى تحصن»؛ لأنّ اللّه يقول: {فإذا أحصنّ فإن أتين بفاحشةٍ}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ قال: نا أبو بشر، عن سعيد بن جبيرٍ - في قوله عزّ وجلّ: {ومن لم يستطع منكم طولًا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم}، قال: الطّول: الغنى، إذا لم يجد ما ينكح به الحرّة، تزوّج أمةً.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: أخبرني أبو بشر، عن سعيد بن جبيرٍ قال: ما ازلحفّ ناكح الإماء عن الزّنا إلّا قليلًا، {وأن تصبروا خير لكم} قال:
« عن نكاح الإماء».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ قال: لا يصلح نكاح إماء أهل الكتاب؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: {من فتياتكم المؤمنات}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ قال: نا العوّام، عمّن حدّثه، عن ابن عبّاسٍ، قال:
« ما تزحّف ناكح الإماء عن الزّنا إلّا قليلًا».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبيرٍ، وجويبر، عن الضّحّاك أنّهما قالا:
« العنت: الزّنا»). [سنن سعيد بن منصور: 4/1223-1231]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {ولا متخذات أخذانٍ} قال:
« الخليلة يتّخذها الرّجل حليلةً»). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 82]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {ومن لم يستطع منكم طولاً} قال:
«ينكح أمة مؤمنة»).[جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 82-83]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قول الله عز وجل: {وأن تصبروا} عن نكاح الإماء {خيرٌ لكم} وهو يحل).[جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 83]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن مّا ملكت أيمانكم مّن فتياتكم المؤمنات واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم مّن بعضٍ فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف محصناتٍ غير مسافحاتٍ ولا متّخذات أخدانٍ فإذا أحصنّ فإن أتين بفاحشةٍ فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خيرٌ لّكم واللّه غفورٌ رّحيمٌ}.
اختلف أهل التّأويل في معنى الطّول الّذي ذكره اللّه تعالى في هذه الآية، فقال بعضهم:
«هو الفضل والمال والسّعة».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ومن لم يستطع منكم طولاً} قال: الغنى.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ومن لم يستطع منكم طولاً} يقول:
«من لم يكن له سعةٌ».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ومن لم يستطع منكم طولاً} يقول:
«من لم يستطع منكم سعةً».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: حدّثنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {ومن لم يستطع منكم طولاً} قال:
«الطّول: الغنى».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا حبّان بن موسى قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا هشيمٌ عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {ومن لم يستطع منكم طولاً} قال:
«الطّول: السّعة».
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ومن لم يستطع منكم طولاً} أمّا قوله طولاً: فسعةٌ من المال.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ومن لم يستطع منكم طولاً} الآية، قال:
«طولاً: لا يجد ما ينكح به حرّةً».
وقال آخرون:
« معنى الطّول في هذا الموضع: الهوى».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني عبد الجبّار بن عمر، عن ربيعة أنّه قال في قول اللّه: {ومن لم يستطع منكم طولاً} قال:
«الطّول: الهوى، قال: ينكح الأمة إذا كان هواه فيها».
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ: كان ربيعة يليّن فيه بعض التّليين، كان يقول:
« إذا خشي على نفسه إذا أحبّها أي الأمة وإن كان يقدر على نكاح غيرها فإنّي أرى أن ينكحها».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حبّان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ: أنّه سئل عن الحرّ، يتزوّج الأمة، فقال:
«إن كان ذا طولٍ فلا. قيل: إن وقع حبّ الأمة في نفسه؟ قال: إن خشي العنت فليتزوّجها».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن عبيدة، عن الشّعبيّ، قال:
«لا يتزوّج الحرّ الأمة إلاّ أن لا يجد. وكان إبراهيم يقول: لا بأس به».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حبّان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: سمعت عطاءً، يقول:
«لا نكره أن ينكح، ذو اليسار الأمة إذا خشي أن يشقى بها».
قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى الطّول في هذا الموضع: السّعة والغنى من المال، لإجماع الجميع على أنّ اللّه تبارك وتعالى لم يحرّم شيئًا من الأشياء سوى نكاح الإماء لواجد الطّول إلى الحرّة، فأحلّ ما حرّم من ذلك عند غلبته المحرّم عليه له لقضاء لذّةٍ. فإن كان ذلك إجماعًا من الجميع فيما عدا نكاح الإماء لواجد الطّول، فمثله في التّحريم نكاح الإماء لواجد الطّول: لا يحلّ له من أجل غلبة هوًى عند فيها، لأنّ ذلك مع وجوده الطّول إلى الحرّة منه قضاء لذّةٍ وشهوةٍ وليس بموضع ضرورةٍ تدفع برخّصه كالميتة للمضطرّ الّذي يخاف هلاك نفسه فيترخّص في أكلها ليحيي بها نفسه، وما أشبه ذلك من المحرّمات اللّواتي رخّص اللّه لعباده في حال الضّرورة والخوف على أنفسهم الهلاك منه ما حرّم عليهم منها في غيرها من الأحوال. ولم يرخّص اللّه تبارك وتعالى لعبدٍ في حرامٍ لقضاء لذّةٍ، وفي إجماع الجميع على أنّ رجلاً لو غلبه هوى امرأةٍ حرّة أوامة أنّها لا تحلّ له إلاّ بنكاحٍ أو شراءٍ على ما أذن اللّه به، ما يوضّح فساد قول من قال: معنى الطّول في هذا الموضع: الهوى، وأجاز لواجد الطّول لحرّةٍ نكاح الإماء.
فتأويل الآية إذ كان الأمر على ما وصفنا: ومن لم يجد منكم سعةً من مالٍ لنكاح الحرائر فلينكح ممّا ملكت أيمانكم.
وأصل الطّول: الإفضال، يقال منه: طال عليه يطول طولاً في الإفضال، وطال يطول طولاً في الطّول الّذي هو خلاف القصر). [جامع البيان: 6/591-595]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات}.
يعني بذلك: ومن لم يستطع منكم أيّها النّاس طولاً، يعني: من الأحرار أن ينكح المحصنات وهنّ الحرائر المؤمنات اللّواتي قد صدّقن بتوحيد اللّه وبما جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الحقّ.
وبنحو ما قلنا في المحصنات قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أن ينكح المحصنات،} يقول: أن ينكح الحرائر، فلينكح من إماء المؤمنين.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {أن ينكح المحصنات}، المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم قال:
«المحصنات الحرائر، فلينكح الأمة المؤمنة».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أمّا فتياتكم فإماؤكم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: أخبرنا هشيمٌ، قال: أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {أن ينكح المحصنات المؤمنات، فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} قال:
«أمّا من لم يجد ما ينكح به الحرّة تزوّج الأمة».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {أن ينكح، المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} قال:
«من لا يجد ما ينكح به حرّةً فينكح هذه الأمة فيتعفّف بها ويكفيه أهلها مؤنتها، ولم يحلّ اللّه ذلك لأحدٍ إلالاّ لمن لا يجد ما ينكح به حرّةً وينفق عليها، ولم يحلّ له حتّى يخشى العنت».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا حبّان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا سفيان، عن هشامٍ الدّستوائيّ، عن عامرٍ الأحول، عن الحسن: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى أن تنكح الأمة على الحرّة وتنكح الحرّة على الأمة، ومن وجد طولاً لحرّةٍ فلا ينكح أمةً.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته جماعةٌ من قرّاء الكوفيّين والمكّيّين: (أن ينكح المحصنات) بكسر الصّاد مع سائر ما في القرآن من نظائر ذلك سوى قوله: {والمحصنات من النّساء إلاّ ما ملكت أيمانكم} فإنّهم فتحوا الصّاد منها، ووجّهوا تأويله إلى أنّهنّ محصناتٌ بأزواجهنّ، وأنّ أزواجهنّ هم أحصنوهنّ. وأمّا سائر ما في القرآن فإنّهم تأوّلوا في كسرهم الصّاد منه إلى أنّ النّساء هنّ أحصنّ أنفسهنّ بالعفّة.
وقرأت عامّة قرّاء المدينة والعراق ذلك كلّه بالفتح، بمعنى أنّ بعضهنّ أحصنهنّ أزواجهنّ، وبعضهنّ أحصنهنّ حرّيتهنّ أو إسلامهنّ.
وقرأ بعض المتقدّمين كلّ ذلك بالكسر، بمعنى أنّهنّ عففن وأحصنّ أنفسهنّ. وذكرت هذه القراءة أعنّي بكسر الجميع عن علقمة على الاختلاف في الرّواية عنه.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب عندنا من القول في ذلك أنّهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار مع اتّفاق ذلك في المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب، إلاّ في الحرف الأوّل من سورة النّساء، وهو قوله: {والمحصنات من النّساء إلاّ ما ملكت أيمانكم} فإنّي لا أستجيز الكسر في صاده لاتّفاق قراءة الأمصار على فتحها. ولو كانت القراءة بكسرها مستفيضةً استفاضتها بفتحها كان صوابًا القراءة بها كذلك لما ذكرنا من تصرّف الإحصان في المعاني الّتي بيّنّاها، فيكون معنى ذلك لو كسر: والعفائف من النّساء حرامٌ عليكم، إلاّ ما ملكت أيمانكم، بمعنى أنّهنّ أحصنّ أنفسهنّ بالعفّة.
وأمّا الفتيات فإنّهنّ جمع فتاةٍ، وهنّ الشّوابّ من النّساء، ثمّ يقال لكلّ مملوكةٍ ذات سنٍّ أو شابّةٍ فتاة، والعبد فتًى ثمّ اختلف أهل العلم في نكاح الفتيات غير المؤمنات، وهل عنى اللّه بقوله: {من فتياتكم المؤمنات} تحريم ما عدا المؤمنات منهنّ، أم ذلك من اللّه تأديبٌ للمؤمنين؟ فقال بعضهم: ذلك من اللّه تعالى ذكره دلالةٌ على تحريم نكاح إماء المشركين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: أخبرنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {من فتياتكم المؤمنات} قال:
«لا ينبغي أن يتزوّج مملوكةً نصرانيّةً».
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {من فتياتكم المؤمنات} قال:
«لا ينبغي للحرّ المسلم أن ينكح المملوكة من أهل الكتاب».
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، قال: سمعت أبا عمرٍو، وسعيد بن عبد العزيز، ومالك بن أنسٍ وأبا بكر, ومالك بن عبد اللّه بن أبي مريم، يقولون: لا يحلّ لحرٍّ مسلمٍ ولا لعبدٍ مسلمٍ الأمة النّصرانيّة، لأنّ اللّه يقول: {من فتياتكم المؤمنات} يعني بالنّكاح.
وقال آخرون:
«ذلك من اللّه على الإرشاد والنّدب، لا على التّحريم». وممّن قال ذلك جماعةٌ من أهل العراق.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مغيرة، قال:
«قال أبو ميسرة أمّا أهل الكتاب بمنزلة الحرائر».
ومنهم أبو حنيفة وأصحابه. واعتلّوا لقولهم بقول اللّه: {أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهنّ أجورهنّ} قالوا: فقد أحلّ اللّه محصنات أهل الكتاب عامًا، فليس لأحدٍ أن يخصّ منهنّ أمةً ولا حرّةً. قالوا: ومعنى قوله: {فتياتكم المؤمنات} غير المشركات من عبدة الأوثان.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: هو دلالةٌ على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب فإنّهنّ لا يحللن إلاّ بملك اليمين؛ وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه أحلّ نكاح الإماء بشروطٍ، فما لم تجتمع الشّروط الّتي سمّاهن فيهنّ، فغير جائزٍ لمسلمٍ نكاحهنّ.
فإن قال قائلٌ: فإنّ الآية الّتي في المائدة تدلّ على إباحتهنّ بالنّكاح؟
قيل: إنّ الّتي في المائدة قد أبان أنّ حكمها في خاصٍّ من محصناتهم، وأنّها معنيّ بها حرائرهم دون إمائهم، قوله: {من فتياتكم المؤمنات} وليست إحدى الآيتين دافعا حكمها حكم الأخرى، بل إحداهما مبيّنةٌ حكم الأخرى، وإنّما تكون إحداهما دافعةٌ حكم الأخرى لو لم يكن جائزًا اجتماع حكميهما على صحّة، فأمّا وهما جائزٌ اجتماع حكميهما على الصّحّة، فغير جائزٍ أن يحكم لإحداهما بأنّها دافعةٌ حكم الأخرى إلاّ بحجّة التّسليم لها من خبرٍ أو قياسٍ، ولا خبر بذلك ولا قياس، والآية محتملةٌ ما قلنا: والمحصنات من حرائر الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم دون إمائهم). [جامع البيان: 6/595-601]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم من بعضٍ}وهذا من المؤخّر الّذي معناه التّقديم
وتأويل ذلك: ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات، فممّا ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات، فلينكح بعضكم من بعضٍ، بمعنى: فلينكح هذا فتاة هذا. فالبعض مرفوعٌ بتأويل الكلام، ومعناه إذ كان قوله: {فمن ما ملكت أيمانكم} في تأويل: فلينكح ممّا ملكت أيمانكم، ثمّ ردّ بعضكم على ذلك المعنى فرفع.
ثمّ قال جلّ ثناؤه: {واللّه أعلم بإيمانكم} أي: واللّه أعلم بإيمان من آمن منكم باللّه ورسوله وما جاء به من عند اللّه، فصدّق بذلك كلّه منكم.
يقول: فلينكح من لم يستطع منكم طولاً لحرّةٍ من فتياتكم المؤمنات، لينكح هذا المقتّر الّذي لا يجد طولاً لحرّةٍ من هذا الموسر فتاته المؤمنة الّتي قد أبدت الإيمان فأظهرته وكلوا سرائرهنّ إلى اللّه، فإنّ علم ذلك إلى اللّه دونكم، واللّه أعلم بسرائركم وسرائرهنّ). [جامع البيان: 6/601-602]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {فانكحوهنّ} فتزوّجوهنّ، وبقوله: {بإذن أهلهنّ} بإذن أربابهنّ وأمرهم إيّاكم بنكاحهنّ ورضاهم ويعني بقوله: {وآتوهنّ أجورهنّ} وأعطوهنّ مهورهنّ: كما:.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {وآتوهنّ أجورهنّ} قال:
« الصّداق».
ويعني بقوله {بالمعروف} على ما تراضيتم به ممّا أحلّ اللّه لكم وأباحه لكم أن تجعلوه مهورًا لهنّ). [جامع البيان: 6/602]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله: {محصناتٍ غير مسافحاتٍ ولا متّخذات أخدانٍ}
يعني بقوله: {محصناتٍ} عفيفاتٍ {غير مسافحاتٍ} غير مزانياتٍ {ولا متّخذات أخدانٍ} يقول: ولا متّخذات أصدقاءٍ على السّفّاح.
وقد ذكر أنّ ذلك قيل كذلك، لأنّ الزّواني كنّ في الجاهليّة في العرب المعلنات بالزّنا، والمتّخذات الأخدان: اللّواتي قد حبسن أنفسهنّ على الخليل والصّديق للفجور بها سرًّا دون الإعلان بذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {محصناتٍ غير مسافحاتٍ ولا متّخذات أخدانٍ} يعني: تنكحوهنّ عفائف غير زوان في سرٍّ ولا علانيةٍ. {ولا متّخذات أخدانٍ} يعني أخلاء.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {غير مسافحاتٍ} المسافحات: المعالنات بالزّنا. {ولا متّخذات أخدانٍ} ذات الخليل الواحد. قال: كان أهل الجاهليّة يحرّمون ما ظهر من الزّنا، ويستحلّون ما خفي، يقولون: أمّا ما ظهر منه فهو لؤمٌ، وأمّا ما خفي فلا بأس بذلك. فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}.
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا معتمرٌ، قال: سمعت داود، يحدّث عن عامرٍ، قال: الزّنا زنيان: تزني بالخدن ولا تزني بغيره، وتكون المرأة شؤمًا. ثمّ قرأ: {محصناتٍ غير مسافحاتٍ ولا متّخذات أخدانٍ}.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ:
«أمّا المحصنات: فالعفائف، فلتنكح الأمة بإذن أهلها محصنةً، والمحصنات: العفائف، غير مسافحةٍ، والمسافحة: المعالنة بالزّنا، ولا متّخذةً صديقًا».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا متّخذات أخدانٍ} قال:
« الخليلة يتّخذها الرّجل، والمرأة تتّخذ الخليل».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {محصناتٍ غير مسافحاتٍ ولا متّخذات أخدانٍ} المسافحة: البغيّ الّتي تؤاجر نفسها من عرضٍ لها، وذات الخدن: ذات الخليل الواحد. فنهاهم اللّه عن نكاحهما جميعًا.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ، يقول في قوله: {محصناتٍ غير مسافحاتٍ ولا متّخذات أخدانٍ} أمّا المحصنات، فهنّ الحرائر، يقول: تزوّج حرّةً. وأمّا المسافحات: فهنّ المعلنات بغير مهرٍ. وأمّا متّخذات أخدانٍ: فذات الخليل الواحد المستسرّة به. نهى اللّه عن ذلك.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالمٍ، عن الشّعبيّ، قال: الزّنا وجهان قبيحان، أحدهما أخبث من الآخر: فأمّا الّذي هو أخبثهما فالمسافحة الّتي تفجر بمن أتاها، وأمّا الآخر فذات الخدن.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {محصناتٍ غير مسافحاتٍ ولا متّخذات أخدانٍ} قال: المسافح: الّذي يلقى المرأة فيفجر بها، ثمّ يذهب وتذهب. والمخادن: الّذي يقيم معها على معصية اللّه وتقيم معه، فذاك الأخدان). [جامع البيان: 6/602-605]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإذا أحصنّ} اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: (فإذا أحصنّ)، بفتح الألف، بمعنى: إذا أسلمن فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالإسلام.
وقرأه آخرون: {فإذا أحصنّ} بمعنى: فإذا تزوّجن فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالأزواج.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك عندي أنّهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في أمصار الإسلام، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ في قراءته الصّواب.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ ما قلنا في ذلك غير جائزٍ إذ كانتا مختلفتي المعنى، وإنّما تجوز القراءة بالوجهين فيما اتّفقت عليه المعاني فقد أغفل؛ وذلك أنّ معنيي ذلك وإن اختلفا فغير دافعٍ أحدهما صاحبه، لأنّ اللّه قد أوجب على الأمة ذات الإسلام وغير ذات الإسلام على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم الحدّ.
فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها كتاب اللّه ولا يثرّب عليها، ثمّ إذا عادت فليضربها كتاب اللّه ولا يثرّب عليها، ثمّ إن عادت فليضربها كتاب اللّه ولا يثرّب عليها، ثمّ إن زنت الرّابعة فليضربها كتاب اللّه وليبعها ولو بحبلٍ من شعرٍ.
وقال صلّى اللّه عليه وسلّم:
« أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم».
فلم يخصّص بذلك ذات زوجٍ منهنّ ولا غير ذات زوجٍ، فالحدود واجبةٌ على موالي الإماء إقامتها عليهنّ إذا فجرن بكتاب اللّه وأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
فإن قال قائلٌ: فما أنت قائلٌ فيما: حدّثكم به ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا مالك بن أنسٍ، عن الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن أبي هريرة، وزيد بن خالدٍ: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سئل عن الأمة تزني ولم تحصن قال: اجلدها، فإن زنت فاجلدها فإن زنت فاجلدها، فإن زنت فقال في الثّالثة أو الرّابعة فبعها ولو بضفيرٍ والضّفير: الشّعر.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا ابن عيينة، عن الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن أبي هريرة وزيد بن خالدٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سئل، فذكر نحوه
فقد بيّن أنّ الحدّ الّذي وجب إقامته بسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الإماء هو ما كان قبل إحصانهنّ؛ فأمّا ما وجب من ذلك عليهنّ بالكتاب، فبعد إحصانهنّ؟
قيل له: قد بيّنّا أنّ أحد معاني الإحصان: الإسلام، وأنّ الآخر منه التّزويج وأنّ الإحصان كلمةٌ تشتمل على معانٍ شتّى، وليس في رواية من روى عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه سئل عن الأمة تزني قبل أن تحصن بيان أنّ الّتي سئل عنها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم هي الّتي تزني قبل التّزويج، فيكون ذلك حجّةٌ لمحتجٍّ في أنّ الإحصان الّذي سنّ صلّى اللّه عليه وسلّم حدّ الإماء في الزّنا هو الإسلام دون التّزويج، ولا أنّه هو التّزويج دون الإسلام.
وإذ كان لا بيان في ذلك، فالصّواب من القول، أنّ كلّ مملوكةٍ زنت فواجبٌ على مولاها إقامة الحدّ عليها، متزوّجةً كانت أو غير متزوّجةٍ، بظاهر كتاب اللّه والثّابت من سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، إلاّ من أخرجه من وجوب الحدّ عليه منهنّ بما يجب التّسليم له. وإذ كان ذلك كذلك تبيّن به صحّة ما اخترنا من القراءة في قوله: {فإذا أحصنّ}.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ في قول اللّه تعالى ذكره: {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} دلالةٌ على أنّ قوله: {فإذا أحصنّ} معناه: تزوّجن، إذ كان ذكر ذلك بعد وصفهنّ بالإيمان بقوله: {من فتياتكم المؤمنات} وحسب أنّ ذلك لا يحتمل معنًى غير معنى التّزويج، مع ما تقدّم ذلك من وصفهنّ بالإيمان، فقد ظنّ خطأً؛ وذلك أنّه غير مستحيلٍ في الكلام أن يكون معنى ذلك: ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات، فإذا هنّ آمنّ فإن أتين بفاحشةٍ، فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب، فيكون الخبر مبتدأ عمّا يجب عليهنّ من الحدّ إذا أتين بفاحشةٍ بعد إيمانهنّ بعد البيان عمّا لا يجوز لناكحهنّ من المؤمنين من نكاحهنّ وعمّن يجوز نكاحه له منهنّ.
فإذ كان ذلك غير مستحيلٍ في الكلام فغير جائزٍ لأحدٍ صرف معناه إلى أنّه التّزويج دون الإسلام، من أجل ما تقدّم من وصف اللّه إيّاهنّ بالإيمان غير أنّ الّذي نختار لمن قرأ: محصناتٍ غير مسافحاتٍ، بفتح الصّاد في هذا الموضع أن يقرأ {فإذا أحصنّ فإن أتين بفاحشةٍ} بضمّ الألف، ولمن قرأ: محصناتٍ، بكسر الصّاد فيه، أن يقرأ: فإذا أحصنّ بفتح الألف، لتأتلف قراءة القارئ على معنًى واحدٍ وسياقٍ واحدٍ، لقرب قوله: {محصناتٍ} من قوله: {فإذا أحصنّ} ولو خالف من ذلك لم يكن لحنًا، غير أنّ وجه القراءة ما وصفت.
وقد اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك نظير اختلاف القرّاء في قراءته، فقال بعضهم: معنى قوله {فإذا أحصنّ} فإذا أسلمن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، عن سعيدٍ، عن أبي معشرٍ، عن إبراهيم، أنّ ابن مسعودٍ، قال: إسلامها إحصانها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني جرير بن حازمٍ، أنّ سليمان بن مهران، حدّثه عن إبراهيم بن يزيد، عن همّام بن الحارث:عن عمرو بن شرحبيل أن معقل أنّ النّعمان بن عبد اللّه بن مقرّنٍ سأل عبد اللّه بن مسعودٍ، فقال:
« أمتي زنت؟ فقال: اجلدها خمسين جلدةً. قال: إنّها لم تحصن. فقال ابن مسعودٍ: إحصانها إسلامها ».
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا سفيان، عن حمّادٍ، عن إبراهيم: أنّ معقل بن مقرّنٍ سأل ابن مسعودٍ عن: أمةٍ زنت وليس لها زوجٌ، فقال: إسلامها إحصانها.
- حدثني ابن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدّثنا شعبة عن حماد عن إبراهيم أن معقلا قال قولت لابن مسعود أمتي زنت قال اجلدها قلت فإنها لم تحصن قال إحصانها إسلامها.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: كان عبد اللّه يقول:
«إحصانها إسلامها».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالمٍ، عن الشّعبيّ، أنّه تلا هذه الآية: {فإذا أحصنّ} قال:
«يقول: إذا أسلمن».
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن أبي زائدة، عن أشعث، عن الشّعبيّ، قال: قال عبد اللّه:
«الأمة إحصانها: إسلامها ».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال مغيرة: أخبرنا عن إبراهيم، أنّه كان يقول: {فإذا أحصنّ} يقول:
« إذا أسلمن».
- حدّثنا أبو هشامٍ قال: حدّثنا يحيى بن أبي زائدة، عن أشعث، عن الشّعبيّ قال:
«الإحصان: الإسلام».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن برد بن سنانٍ، عن الزّهريّ، قال:
«جلد عمر رضي اللّه عنه ولائد أبكارًا من ولائد الأمارة في الزّنى».
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فإذا أحصنّ} يقول:
«إذا أسلمن».
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن سالمٍ، والقاسم، قالا:
« إحصانها: إسلامها وعفافها»، في قوله: {فإذا أحصنّ}.
وقال آخرون: معنى قوله: {فإذا أحصنّ} فإذا تزوّجن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فإذا أحصنّ} يعني: إذا تزوّجن حرًّا.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثنا هشيمٌ قال: أخبرنا حصينٌ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرأ: {فإذا أحصنّ} يقول: إذا تزوّجن.
- حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن عكرمة أنّ ابن عبّاسٍ كان يقرأ: {فإذا أحصنّ} يقول: تزوّجن.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت: ليثًا، عن مجاهدٍ، قال:
«إحصان الأمة أن ينكحها، الحرّ، وإحصان العبد أن ينكح الحرّة ».
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، أنّه سمع سعيد بن جبيرٍ، يقول:
« لا تضرب الأمة إذا زنت ما لم تتزوّج ».
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، في قوله: {فإذا أحصنّ} قال:
«أحصنتهنّ البعولة».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فإذا أحصنّ} قال:
«أحصنتهنّ البعولة».
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني عياض بن عبد اللّه، عن أبي الزّناد، أنّ الشّعبيّ، أخبره، أنّ ابن عبّاسٍ أخبره:
«أنّه، أصاب جاريةً له قد كانت زنت، وقال: أحصنتها».
قال أبو جعفرٍ: وهذا التّأويل على قراءة من قرأ: {فإذا أحصنّ} بضمّ الألف، وعلى تأويل من قرأ: فإذا أحصنّ، بفتحها. وقد بيّنّا الصّواب من القول والقراءة في ذلك عندنا). [جامع البيان: 6/605-612]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن أتين بفاحشةٍ فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب} يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فإن أتين بفاحشةٍ} فإن أتت فتياتكم، وهنّ إماؤكم، بعد ما أحصنّ بإسلام، أو أحصنّ بنكاحٍ بفاحشةٍ، وهي الزّنا {فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب} يقول: فعليهنّ نصف ما على الحرائر من الحدّ إذا هنّ زنين قبل الإحصان بالأزواج.
والعذاب الّذي ذكره اللّه تبارك وتعالى في هذا الموضع هو الحدّ. وذلك النّصف الّذي جعله اللّه عذابًا لمن أتى بالفاحشة من الإماء إذا هنّ أحصنّ خمسون جلدةً، ونفي ستّة أشهرٍ، وذلك نصف عامٍ، لأنّ الواجب على الحرّة إذا هي أتت بفاحشةٍ قبل الإحصان بالزّوج: جلد مائةٍ ونفي حولٍ، فالنّصف من ذلك خمسون جلدةً، ونفي نصف سنةٍ، وذلك الّذي جعله اللّه عذابًا للإماء المحصنات إذا هنّ أتين بفاحشةٍ. كما:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فإن أتين بفاحشةٍ فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب} خمسون جلدةً، ولا نفي ولا رجم.
فإن قال قائلٌ: وكيف {فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب} وهل يكون الجلد على أحدٍ؟
قيل: إنّ معنى ذلك فلازم أبدانهنّ أن تجلد نصف ما يلزم أبدان المحصنات، كما يقال: عليّ صلاة يومٍ، بمعنى: لازمٌ عليّ أن أصلّي صلاة يومٍ، وعليّ الحجّ والصّيام مثل ذلك، وكذلك عليه الحدّ بمعنى لازمٌ له إمكان نفسه من الحدّ ليقام عليه). [جامع البيان: 6/612-613]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك لمن خشي العنت منكم}يعني تعالى ذكره بقوله ذلك: هذا الّذي أبحت أيّها النّاس من نكاح فتياتكم المؤمنات لمن لا يستطيع منكم طولاً لنكاح المحصنات المؤمنات، أبحته لمن خشي العنت منكم دون غيره ممّن لا يخشى العنت.
واختلف أهل التّأويل في هذا الموضع، فقال بعضهم:
«هو الزّنا».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثًا، عن مجاهدٍ، قوله: {لمن خشي العنت منكم} قال:
« الزّنا».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن العوّام، عمّن حدّثه، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال:
«ما ازلحفّ ناكح الأمة عن الزّنا إلا قليلا ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال:
«العنت: الزّنا ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبيد بن يحيى، قال: حدّثنا شريكٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال:
«العنت»:.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال:
«ما ازلحفّ ناكح الأمة عن الزّنا، إلاّ قليلاً، ذلك لمن خشي العنت منكم».
- حدّثنا أبو سلمة قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، نحوه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حبّان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة، في قوله: {ذلك لمن خشي العنت منكم} قال:
« الزّنا».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا ابن أبي حمّادٍ قال: حدّثنا فضيلٌ، عن عطيّة العوفيّ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: {لمن خشي العنت منكم} قال:
«الزّنا».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عبيدة، عن الشّعبيّ وجويبرٍ، عن الضّحّاك، قالا:
« العنت: الزّنا ».
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة: {ذلك لمن خشي العنت منكم} قال:
«العنت: الزّنا ».
وقال آخرون:
«معنى ذلك: العقوبة الّتي تعنته، وهي الحدّ».
والصّواب من القول في قوله: {ذلك لمن خشي العنت منكم} ذلك لمن خاف منكم ضررًا في دينه وبدنه.
وذلك أنّ العنت هو ما ضرّ الرّجل، يقال منه: قد عنت فلانٌ فهو يعنت عنتًا: إذا أتى ما يضرّه في دينٍ أو دنيا، ومنه قول اللّه تبارك وتعالى: {ودّوا ما عنتّم} ويقال: قد أعنتني فلانٌ فهو يعنتني: إذا نالني بمضرّةٍ؛ وقد قيل: العنت: الهلاك. فالّذين وجّهوا تأويل ذلك إلى الزّنا قالوا: الزّنا ضررٌ في الدّين، وهو من العنت.
والّذين وجّهوه إلى الإثم، قالوا: الآثام كلّها ضررٌ في الدّين وهي من العنت. والّذين وجّهوه إلى العقوبة الّتي تعنته في بدنه من الحدّ، فإنّهم قالوا: الحدّ مضرّةٌ على بدن المحدود في دنياه، وهو من العنت.
وقد عمّ اللّه بقوله: {لمن خشي العنت منكم} جميع معاني العنت، ويجمع جميع ذلك الزّنا لأنّه يوجب العقوبة على صاحبه في الدّنيا بما يعنت بدنه، ويكتسب به إثمًا ومضرّةً في دينه ودنياه. وقد اتّفق أهل التّأويل الّذي هم أهله، على أنّ ذلك معناه. فهو وإن كان في عينه لذّةٌ وقضاء شهوةٍ فإنّه بأدائه إلى العنت منسوبٍ إليه موصوفٌ به إذ كان للعنت سببًا). [جامع البيان: 6/614-616]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأن تصبروا خيرٌ لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ} يعني جلّ ثناؤه بذلك: وأن تصبروا أيّها النّاس عن نكاح الإماء خيرٌ لكم، واللّه غفورٌ لكم نكاح الإماء أن تنكحوهنّ على ما أحلّ لكم وأذن لكم به، وما سلف منكم في ذلك إن أصلحتم أمور أنفسكم فيما بينكم وبين اللّه، رحيمٌ بكم، إذ أذن لكم في نكاحهنّ عند الافتقار وعدم الطّول للحرّة.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {وأن تصبروا خيرٌ لكم} قال:
« عن نكاح الأمة».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثًا، عن مجاهدٍ: {وأن تصبروا خيرٌ لكم} قال:
«عن نكاح الإماء».
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وأن تصبروا خيرٌ لكم} يقول: وأن تصبر ولا تنكح الأمة فيكون ولدك مملوكين فهو خيرٌ لك.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد: {وأن تصبروا خيرٌ لكم} يقول: وأن تصبروا عن نكاح الإماء خيرٌ لكم، وهو حلٌّ.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وأن تصبروا خيرٌ لكم} يقول: وأن تصبروا عن نكاحهنّ، يعني: نكاح الإماء خيرٌ لكم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حبّان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة، في قوله: {وأن تصبروا خيرٌ لكم} قال:
«أن تصبروا عن نكاح الإماء خيرٌ لكم».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حبّانٌ، قال: حدّثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: أخبرنا ابن طاووسٍ، عن أبيه: {وأن تصبروا خيرٌ لكم} قال:
«أن تصبروا عن نكاح الأمة خيرٌ لكم».
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وأن تصبروا خيرٌ لكم} قال:
« وأن تصبروا عن نكاح الأمة خيرٌ فهو خير لكم ».
وأن في قوله: {وأن تصبروا} في موضع رفعٍ بخيرٍ، بمعنى: والصّبر عن نكاح الإماء خيرٌ لكم). [جامع البيان: 6/616-618]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ومن لم يستطع منكم طولًا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم من بعضٍ فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف محصناتٍ غير مسافحاتٍ ولا متّخذات أخدانٍ فإذا أحصنّ فإن أتين بفاحشةٍ فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خيرٌ لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ (25)}.
قوله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولا}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ومن لم يستطع منكم طولا } يقول:
« » من لم يكن له سعةٌ».
- وروي عن مجاهدٍ وسعيد بن جبيرٍ، وأبي مالكٍ والسّدّيّ وعطاءٍ الخراسانيّ قالوا: الطّول: الغنى.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو الطّاهر، ثنا ابن وهبٍ، أخبرني عبد الجبّار، عن ربيعة، أنّه قال في قول اللّه تعالى:{ ومن لم يستطع منكم طولا } قال ربيعة:
«الطّول: الهوى، قال: ينكح الأمة إذا كان هواه فيها».
قوله تعالى: {أن ينكح المحصنات المؤمنات}.
[الوجه الأول]:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله:{أن ينكح المحصنات المؤمنات} يقول: أن ينكح الحرائر- وروي عن عطيّة ومجاهدٍ ومقاتل بن حيّان وقتادة نحو ذلك.
[الوجه الثّاني]:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله:{ أن ينكح المحصنات المؤمنات} قال:
«أمّا المحصنات فالعفائف».
- حدّثنا أبي، ثنا ابن نفيلٍ، ثنا محمّد بن سلمة، عن خصيفٍ قال: كتب عبد الحميد بن عبد الرّحمن إلى الشّعبيّ، يسأله عن تزويج الأمة، فقال:
« إذا وجد الرّجل طول الحرّة، فتزويج الأمة عليه بمنزلة الميتة والدّم ولحم الخنزير».
قوله تعالى: {فمن ما ملكت أيمانكم}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله:
«فمن ما ملكت أيمانكم فكانوا في حلال ما ملكت أيمانهم من الإماء كلّهنّ، ثمّ أنزل اللّه سبحانه بعد هذا تحريم نكاح المرأة وأمّها، ونكاح ما نكح الآباء والأبناء، وأن يجمع بين الأختين، والأخت من الرّضاعة، والأمّ من الرّضاعة، والمرأة لها زوج حرم الله ذلك حرمن حرّةٍ أو أمةٍ».
قوله تعالى: {من فتياتكم المؤمنات}.
- وبه عن ابن عبّاسٍ، قوله: {من فتياتكم المؤمنات } فلينكح من إماء المؤمنين- وروي عن السّدّيّ ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {من فتياتكم المؤمنات} قال:
« لا ينبغي للحرّ المسلم أن يتزوّج المملوكة من أهل الكتاب»- وروي عن الحسن ومكحولٍ وقتادة نحو ذلك
قوله تعالى: {واللّه أعلم بإيمانكم}.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، ثمّ قال في التّقديم: واللّه أعلم بإيمانكم.
قوله تعالى: {بعضكم من بعضٍ}.
- وبه عن مقاتل بن حيّان قوله: بعضكم من بعضٍ يقول: بعضكم من بعضٍ.
قوله تعالى: {فانكحوهنّ}.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ } قال:
« فلتنكح الأمة بإذن أهلها»- وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك.
قوله تعالى: {بإذن أهلهنّ}.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قوله:{ بإذن أهلهنّ } قال:
«يعني: بإذن أربابهنّ ».
قوله تعالى: {وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف}.
- وبه عن مقاتل بن حيّان قوله: {وآتوهنّ أجورهنّ} يعني: مهورهنّ بالمعروف.
قوله تعالى: {محصناتٍ}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {محصناتٍ غير مسافحاتٍ }يعني:
«تنكحوهنّ حرائر عفائف».
قوله تعالى: {غير مسافحاتٍ}.
- وبه عن ابن عبّاسٍ قوله:
«غير مسافحاتٍ غير زوانٍ في السّرّ والعلانية»- وروي عن مقاتل بن حيّان، ومجاهدٍ نحوه.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {غير مسافحات} والمسافحة: المعالنة بالزّنا- وروي عن الضّحّاك نحو ذلك.
قوله تعالى: {ولا متّخذات أخدانٍ}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا متّخذات أخدانٍ} يعني: أخلاء
- وروي عن أبي هريرة ومجاهدٍ والشّعبيّ- والضّحّاك وعطاءٍ الخراسانيٍّ ويحيى بن أبي كثيرٍ ومقاتل بن حيّان والسّدّيّ قالوا: أخلاء، وقال الحسن: الصّديق.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو الدّرداء عبد العزيز بن منيبٍ، ثنا أبو معاذٍ النّحويّ، ثنا عبيد بن سليمان، سمعت الضّحّاك قوله: {ولا متخذات أخدان} فذات الخليل الواحد المستسرة به، نهى اللّه عن ذلك.
قوله تعالى:{ فإذا أحصن}.
[الوجه الأول]:
- حدّثنا عليّ بن الحسين بن الجنيد، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه الدّشتكيّ، ثنا أبي، عن أبيه، عن أبي حمزة، عن جابرٍ، عن رجلٍ، عن أبي عبد الرّحمن، عن عليٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«فإذا أحصنّ قال: إحصانها: إسلامها » قال: وقال عليٌّ: «اجلدوهنّ»
- قال أبو محمّدٍ: هو حديثٌ منكرٌ،
وروي عن ابن مسعودٍ، وابن عمر، والأسود بن يزيد، وسعيد بن جبيرٍ، والشّعبيّ، وعطاءٍ- وإبراهيم النّخعيّ في أحد قوليه، وزرّ بن حبيشٍ أنّهم قالوا:
«إحصانها: إسلامها».
وقال سالمٌ، والقاسم: إسلامها وعفافها.
[الوجه الثّاني]:
- حدّثنا عبيد اللّه بن إسماعيل البغداديّ، ثنا خلفٌ يعني: ابن هشامٍ، ثنا الخفّاف، عن هارون، عن أبان بن تغلب، عن الحكم، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: فإذا أحصنّ يعني: بالأزواج- وروي عن الحسن، ومجاهدٍ وعكرمة الخراسانيّ، وقتادة نحو ذلك.
وروي عن الشّعبيّ والنّخعيّ، ومجاهدٍ قالوا: لا يحصن الحرّ إلا بالمسلمة الحرّة، ولا يحصن بالمملوكة، ولا باليهوديّة، ولا بالنّصرانيّة.
قوله تعالى: {فإن أتين}.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله:{ فإن أتين بفاحشةٍ } يقول: فإن جئن بالزنا.
قوله تعالى: {بفاحشةٍ}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {فإن أتين بفاحشةٍ } يعني: إذا تزوّجت حرّاً ثمّ زنت- وروي عن الشّعبيّ، وسعيد بن جبيرٍ ومجاهدٍ والحسن وقتادة نحو ذلك
قوله تعالى: {فعليهنّ}.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: فعليهنّ قال: فعلى الولاية- وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
قوله تعالى: {نصف ما على المحصنات}.
- حدّثنا أبو زرعة، بإسناده عن سعيد بن جبيرٍ قوله: نصف ما على المحصنات قال: فعلى الولاية نصف ما على الحرّة من الجلد وهي خمسون جلدةً- وروي عن السّدّيّ ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
قوله تعالى: {من العذاب}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب } قال:
«من الجلد » - وروي عن سعيد بن جبيرٍ نحو ذلك.
قوله تعالى: {ذلك لمن خشي العنت منكم}.
- وبه عن ابن عبّاسٍ قوله: {ذلك لمن خشي العنت منكم} قال:
« العنت»: الزّنا وهو الفجور، فليس لأحدٍ من الأحرار أن ينكح أمةً إلا ألا يقدر على حرّةٍ وهو يخشى العنت- وروي عن مجاهدٍ والحسن وسعيد بن جبيرٍ وعطيّة والسّدّيّ والضّحّاك، وقتادة وعمرو بن دينارٍ ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
قوله تعالى: {وأن تصبروا}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وأن تصبروا خيرٌ لكم} قال:
«وأن تصبروا عن نكاح الأمة فهو خيرٌ لكم» - وروي عن مجاهدٍ وطاوس والحسن، وسعيد ابن جبيرٍ والسّدّيّ وجابر بن زيدٍ وعطيّة وقتادة ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
قوله تعالى: {خيرٌ لكم}.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {
وأن تصبروا خيرٌ لكم}قال: « إن تصبروا » ، فلا ينكح أمةً، فيكون ولده مملوكين فهو خيرٌ لكم.
قوله تعالى: {واللّه غفورٌ رحيمٌ}.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق واللّه غفورٌ رحيمٌ أي: غفر الذّنب.
قوله تعالى: {رحيمٌ}.
- وبه قال: قال محمّد بن إسحاق قوله: رحيمٌ قال: يرحم العباد على ما فيهم). [تفسير القرآن العظيم: 3/920-925]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولا متخذات أخدان قال يعني الأخلاء). [تفسير مجاهد: 152]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات يقول من لم يجد غنى أن ينكح المحصنات يعني الحرائر فلينكح الأمة المؤمنة وإن تصبروا عن نكاح الإماء خير لكم وهو حلال).[تفسير مجاهد: 152]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس {ومن لم يستطع منكم طولا} يقول: من لم يكن له سعة أن ينكح المحصنات يقول: الحرائر {فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} فلينكح من إماء المؤمنين {محصنات غير مسافحات} يعني عفائف غير زوان في سر ولا علانية {ولا متخذات أخدان} يعني أخلاء {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة} يعني إذا تزوجت حرا ثم زنت {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} قال: من الجلد {ذلك لمن خشي العنت} هو الزنا فليس لأحد من الأحرار أن ينكح أمة إلا أن لا يقدر على حرة وهو يخشى العنت {وإن تصبروا} عن نكاح الإماء {فهو خير لكم}.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن جرير عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح الأمة على الحرة وتنكح الحرة على الأمة ومن وجد طولا لحرة فلا ينكح أمة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد {ومن لم يستطع منكم طولا} يعني من لم يجد منكم غنى {أن ينكح المحصنات} يعني الحرائر فلينكح الأمة المؤمنة {وإن تصبروا} عن نكاح الإماء {خير لكم} وهو حلال.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن جابر بن عبد الله أنه سئل عن الحر يتزوج الأمة فقال إذا كان ذا طول فلا، قيل إن وقع حب الأمة في نفسه قال: إن خشي العنت فليتزوجها.
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود قال:
«إنما أحل الله نكاح الإماء إن لم يستطع طولا وخشي العنت على نفسه».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن مجاهد قال:
«مما وسع الله به على هذه الأمة نكاح اليهودية والنصرانية وإن كان موسرا ».
وأخرج ابن جرير عن السدي {من فتياتكم} قال:
« من إمائكم».
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة والبيهقي عن مجاهد قال: لا يصلح نكاح إماء أهل الكتاب إن الله يقول {من فتياتكم المؤمنات}.
وأخرج ابن المنذر والبيهقي عن الحسن قال:
« إنما رخص في الأمة المسلمة لمن لم يجد طولا».
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال:
«إنما رخص لهذه الأمة في نكاح نساء أهل الكتاب ولم يرخص لهم في الإماء».
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن عباس قال:
«لا يتزوج الحر من الإماء إلا واحدة».
وأخرج ابن أبي شيبة عن قتادة قال:
«إنما أحل الله واحدة لمن خشي العنت على نفسه ولا يجد طولا».
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان ثم قال في التقديم: {والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض}.
وأخرج ابن المنذر عن السدي {فانكحوهن بإذن أهلهن} قال:
« بإذن مواليهن » {وآتوهن أجورهن} قال:« مهورهن ».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال:
« المسافحات: المعلنات بالزنا والمتخذات أخدان ذات الخليل الواحد قال: كان أهل الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا ويستحلون ما خفي يقولون: أما ما ظهر منه فهو لؤم وأما ما خفي فلا بأس بذلك»، فأنزل الله {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {فإذا أحصن} قال:
«إحصانها إسلامها »، وقال علي:« اجلدوهن » ، قال ابن أبي حاتم حديث منكر.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود أنه سئل عن أمة زنت وليس لها زوج فقال:
« اجلدوها خمسين جلدة قال: إنها لم تحصن، قال: إسلامها إحصانها ».
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر قال: في الأمة إذا كانت ليست بذات زوج فزنت جلدت {نصف ما على المحصنات من العذاب}.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قرأ {فإذا أحصن} بفتح الألف وقال:
«إحصانها إسلامها ».
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم {فإذا أحصن} قال:
« إذا أسلمن ».
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد عن إبراهيم أنه كان يقرأ {فإذا أحصن} قال: إذا أسلمن وكان مجاهد يقرأ {فإذا أحصن} يقول: إذا تزوجن ما لم تزوج فلا حد عليها.
وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس أنه قرأها {فإذا أحصن} يعني برفع الألف يقول: أحصن بالأزواج، يقول: لا تجلد أمة حتى تزوج.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن عباس قال: إنما قال الله {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن} فليس يكون عليها حد حتى تحصن.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن خزيمة والبيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ليس على الأمة حد حتى تحصن بزوج فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات»، قال ابن خزيمة والبيهقي: رفعه خطأ، والصواب وقفه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن ابن عباس أنه كان يقرأ {فإذا أحصن} يقول:
«فإذا تزوجن».
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور عن ابن عباس أنه كان لا يرى على الأمة حدا حتى تزوج زوجا حرا.
وأخرج عبد الرزاق والبخاري ومسلم عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال:
« اجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير».
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن أنس بن مالك
« أنه كان يضرب إماءه الحد إذا زنين تزوجن أو لم يتزوجن ».
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: في بعض القراءة فإن أتوا أو أتين بفاحشة.
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في قوله {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} قال:
«خمسون جلدة ولا نفي ولا رجم ».
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن ابن عباس قال:
« حد العبد يفتري على الحر أربعون ».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال:
« العنت الزنا ».
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن العنت قال:
« الإثم » ، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
رأيتك تبتغي عنتي وتسعى ..... على الساعي علي بغير دخل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد {وأن تصبروا خير لكم} قال: «عن نكاح الإماء».
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود {وأن تصبروا خير لكم} قال:
«عن نكاح الإماء».
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة {وإن تصبروا} عن نكاح الأمة خير وهو حل لكم إسترقاق أولادهن.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال:
« إن تصبر ولا تنكح الأمة فيكون أولادك مملوكين فهو خير لك».
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة عن ابن عباس قال:
« ما تزحف ناكح الإماء عن الزنا إلا قليلا».
وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة وعن سعيد بن جبير، مثله.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب قال: إذا نكح العبد الحرة فقد أعتق نصفه وإذا نكح الحر الأمة فقد أرق نصفه، وأخرد ابن أبي شيبة عن مجاهد قال نكاح الأمة كالميتة والدم ولحم الخنزير لا يحل إلا للمضطر). [الدر المنثور: 4/337-345]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 08:07 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): ( وقوله:
{ذلك لمن خشي العنت منكم...}
يقول: إنما يرخص لكم في تزويج الإماء إذا خاف أحدكم أن يفجر، ثم قال: وأن تتركوا تزويجهن أفضل). [معاني القرآن: 1/261]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {طولاً} الطول: السّعة والفضل، تقول للرجل: مالك على فضلٌ ولا طولٌ.

{فتياتكم} إماءكم، وكذلك العبيد، يقال للعبد: فتى فلانٍ.
{واءاتوهنّ أجورهنّ}، أي: مهورهنّ.
{نصف ما على المحصنات من العذاب} من عقوبة الحدّ.
{العنت}كل ضررٍ، تقول: أعنتني). [مجاز القرآن: 1/123]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{ومن لّم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن مّا ملكت أيمانكم مّن فتياتكم المؤمنات واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم مّن بعضٍ فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف محصناتٍ غير مسافحاتٍ ولا متّخذات أخدان فإذا أحصنّ فإن أتين بفاحشةٍ فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خيرٌ لّكم واللّه غفورٌ رّحيمٌ}
قال:
{ومن لّم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات} على "ومن لم يجد طولا أن ينكح" يقول "إلى أن ينكح" لأن حرف الجر يضمر مع "أن".

وقال: {واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم مّن بعضٍ} فرفع {بعضكم} على الابتداء.
وقال: {بإذن أهلهنّ} لأن: "الأهل" جماعة ولكنه قد يجمع فيقال: "أهلون" كما تقول: "قومٌ" و"أقوامٌ" فتجمع الجماعة وقال: {شغلتنا أموالنا وأهلونا} فجمع، وقال: {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً} فهذه الياء ياء جماعة فلذلك سكنت وهكذا نصبها وجرها بإسكان الياء وذهبت النون للإضافة.
وقال: {وأن تصبروا خيرٌ لّكم} يقول: "والصبر خيرٌ لكم".

قال: {واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم مّن بعضٍ} أي: اللّه أعلم بإيمان بعضكم من بعض). [معاني القرآن: 1/198]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({طولا}: الطول والسعة والفضل، تطول عليه لإذا تفضل عليه.
{من فتياتكم}: إمائكم.
{العنت}: الضرر.

قال المفسرون: الزنا). [غريب القرآن وتفسيره:116-117]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ومن لم يستطع منكم طولًا} أي: لم يجد سعة.

{أن ينكح المحصنات} يعني: الحرائر.
{فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} يعني: الإماء.
{وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف محصناتٍ} عفائف.
{غير مسافحاتٍ} غير زوان.
{ولا متّخذات أخدانٍ} أي: متخذات أصدقاء.
{فإذا أحصنّ} أي: تزوجن.
وقال بعضهم: أسلمن.
والإحصان: يتصرف على وجوه قد ذكرتها في كتاب «المشكل».
{فإن أتين بفاحشةٍ} أي: زنين.
{فعليهنّ نصف} ما على المحصنات، يعني: البكر الحرة، سماها محصنة وإن لم تتزوج، لأن الإحصان يكون لها وبها إذا كانت حرة ولا يكون بالأمة إحصان.
{من العذاب} يعني: الحد، وهو مائة جلدة ونصفها خمسون على الأمة.
{ذلك لمن خشي العنت منكم} أي: خشي على نفسه الفجور.
وأصل العنت: الضرر والفساد). [تفسير غريب القرآن: 124]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الإحصان: هو أن يحمى الشيء ويمنع منه...،
والمحصنات: الحرائر وإن لم يكنّ متزوجات، لأن الحرّة تُحصِن وتُحصَن، وليست كالأَمَة.
قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ}وقال: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} يعني: الحرائر). [تأويل مشكل القرآن: 511]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:
{ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متّخذات أخدان فإذا أحصنّ فإن أتين بفاحشة فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم واللّه غفور رحيم}
المحصنات: هن الحرائر، وقيل أيضا العفائف، وقد قال بعض أصحابنا: إنهن الحرائر خاصة، وزعم من قال إنهن العفائف: حرّم على الناس أن يتزوجوا بغير العفيفة، وليس ينبغي للإنسان أن يتزوج بغير عفيفة، واحتج قائل هذا القول بأن قوله عزّ وجلّ: {الزّاني لا ينكح إلّا زانية أو مشركة والزّانية لا ينكحها إلّا زان أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين}
منسوخ، وأن قوله: {وأنكحوا الأيامى منكم} يصلح أن يكون يتزوج الرجل من أحب من النساء.
والدليل على أن المحصنات هن العفائف: قوله {ومريم ابنت عمران الّتي أحصنت فرجها} أي: أعفّت فرجها.
والطول: القدرة على المهر. فقوله: {ومن لم يستطع منكم طولا}أي: من لم يقدر على مهر الحرة، يقال: قد طال فلان على فلات طولا، أي: كان له فضل عليه في القدرة، وقد طال الشيء يطول طولا، وأطلته إطالة، وقد طال طولك وطيلك، وطيلك، أي: طالت مدتك.
قال الشاعر:
إنا محيوك فاسلم أيها الطلل... وإن بلغت وإن طالت بك الطّيل
والطول: الحبل.

وقال الشاعر:
(تعرض المهرة بالطول
اللام مشددة للقافية.
وقوله عزّ وجلّ:
{فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات}
الفتيات: المملوكات، العرب تقول للأمة فتاة، وللعبد فتى، أي: من لم يقدر أن يتزوج الحرة جاز له أن يتزوج المملوكة إذا خاف على نفسه الفجور.

{واللّه أعلم بإيمانكم}أي: اعملوا على ظاهركم في الإيمان، فإنكم متعبدون بما ظهر من بعضكم لبعض.
وقوله - عزّ وجلّ -
{بعضكم من بعض}
قيل في الحسب،
أي: كلكم ولد آدم.

ويجوز أن يكون قوله {بعضكم من بعض}: دينكم واحد لأنه ذكر ههنا المؤمنات من العبيد.
وإنما قيل لهم ذلك لأن العرب كانت تطعن في الأنساب، وتفخر بالأحساب وتعير بالهجنة، كانوا يسمّون ابن الأمة الهجين، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن أمر العبيد وغيرهم مستوفى الإيمان، وإنما كره التزوج بالأمة إذا وجد إلى الحرّة سبيل، لأن ولد الحر من الأمة يصيرون رقيقا، ولأن الأمة مستخدمة ممتهنة تكثر عشرة الرجال، وذلك شاق على الزوج، فلذلك كره تزوج الحر بالأمة.
فأما المفاخرة بالأحساب والتعيير بالأنساب فمن أمر الجاهلية.
يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال:
((ثلاث من أمر الجاهلية، الطعن في الأنساب، والمفاخرة بالأحساب، والاستسقاء بالأنواء)) ولن تترك في الإسلام.
وقوله:
{فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ}أمر الله أن تنكح بإذن مولاها.
وقوله:
{فإذا أحصنّ}
وتقرأ
{أحصنّ} بضم الألف.
{فإن أتين بفاحشة فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب
}أي: عليهن نصف الحد، والحد مائة جلدة على الحر والحرة غير المحصنين، وعلى المحصنين الرجم، إلا أن الرجم قتل، والقتل لا نصف له، فإنما عليهن نصف الشيء الذي له نصف وهو الجلد.
وقوله عزّ وجلّ:
{ذلك لمن خشي العنت منكم}أي: تزوج الإماء جائز لمن خاف العنت.

والعنت في اللغة: المشقة الشديدة، يقال من ذلك: أكمة عنوت إذا كانت شاقة.
قال أبو العباس:
{العنت} ههنا الهلاك.
وقال غيره، معناه: ذلك لمن خشي أن تحمله الشهوة على الزنا، فيلقى الإثم العظيم في الآخرة والحدّ في الدنيا.
وقال بعضهم، معناه: أن يعشق الأمة، وليس في الآية عشق، ولكنّ ذا العشق يلقى عنتا.
وقوله:
{وأن تصبروا خير لكم}أي: الصبر خير لكم لما وصفنا من أن الولد يصيرون عبيدا). [معاني القرآن: 2/39-42]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{ومن لم يستطع منكم طولا} أي: قدرة على المهر.

والطول في اللغة: الفضل ومنه تطول الله علينا والطول في القامة فضل والطول الحبل ويقال لا أكلمه طوال الدهر). [معاني القرآن: 2/62]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وفي قوله عز وجل:
{أن ينكح المحصنات} قولان:
أحدهما: أنهن العفائف.
والآخر: أنهن الحرائر والأشبه أن يكن الحرائر لقوله: {فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} يعني: المملوكات، والعرب تقول للمملوك فتى وللملوكة فتاة). [معاني القرآن: 2/63]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل:
{بعضكم من بعض} في معنى هذا قولان:

أحدهما: بنو آدم.
والقول الآخر: إنكم مؤمنون فأنتم إخوة وإنما قيل لهم هذا فيما روي لأنهم في الجاهلية كانوا يعيرون بالهجنة ويسمون ابن الأمة هجينا فقال عز وجل: {بعضكم من بعض}). [معاني القرآن: 2/63-64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات} متزوجات {غير مسافحات} أي: غير زانيات {ولا متخذات أخدان} الخدن: الصديق، أي: غير زانيات بواحد ولا مبذولات). [معاني القرآن: 2/64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{فإذا أحصن} قال الشعبي، معناه: فإذا أسلمن.

وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: الإحصان الإسلام ويقرأ {فإذا أحصن}.
قال ابن عباس: تزوجن إذا كانت غير متزوجة.
وقال الزهري، معناه: فإذا تزوجن.
قال الزهري: تحد الأمة إذا زنت وهي متزوجة بالكتاب وتحد إذا زنت ولم تتزوج بالسنة.
والاختيار عند أهل النظر: فإذا أحصن بالضم لأنه قد تقدم ذكر إسلامهن في قوله عز وجل:
{ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات} فدل ذلك على أن: الإحصان الثاني غير الإسلام فالاختيار على هذا أحصن بالضم، أي: تزوجن .
وقيل: أحصن تزوجن وذا أولى لأنه قال من فتياتكم المؤمنات فيبعد أن يقول فإذا أسلمن). [معاني القرآن: 2/65-66]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} يعني: نصف الحد.

ويعني بالمحصنات ههنا: الأبكار الحرائر لأن الثيب عليها الرجم ولا يتبعض
قيل وإنما قيل للبكر محصنة وإن لم تكن متزوجة لأن الإحصان يكون لها كما يقال أضحية قبل أن يضحى بها وكما يقال للبقرة مثيرة قبل أن تثير
وقيل المحصنات المتزوجات لأن عليهن الضرب والرجم في الحديث والرجم لا يتبعض فصار عليهن نصف الضرب). [معاني القرآن: 2/66-67]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ذلك لمن خشي العنت منكم}
قال الشعبي:
الزنا.
والعنت في اللغة: المشقة يقال أكمة عنوت إذا كانت شاقة).
[معاني القرآن: 2/67]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وأن تصبروا خير لكم} أي: وإن تصبروا عن نكاح الإماء خير لكم وإنما شدد في الإماء لأن ولد الرجل منها يكون مملوكا وهي تمتهن في الخدمة وهذا شاق على الزوج). [معاني القرآن: 2/68]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{طَوْلاً} أي: سعة.
{أَخْدَانٍ} أي: أصدقاء.
{فَإِذَا أُحْصِنَّ} قيل تزوجن، وقيل أسلمن، وبفتح الهمزة على معنى الإسلام.
{لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ} أي: الفجور، وأصله: الضر والفساد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 59]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الطَّوْلُ}: الفضل في المال.

{الفَتَيَاتِ}: الإماء. {أَخْدَانٍ}: أصدقاء.
{أُحْصِنَّ}: تزوجن.
{مِنَ الْعَذَابِ}: من الجلد.
{الْعَنَتَ}: الزنا). [العمدة في غريب القرآن:108-109]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم من بعضٍ فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف محصناتٍ غير مسافحاتٍ ولا متّخذات أخدانٍ فإذا أحصنّ فإن أتين بفاحشةٍ فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خيرٌ لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ (25)
قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والسدي وابن زيد ومالك بن أنس في المدونة، الطول هنا السعة في المال، وقال ربيعة وإبراهيم النخعي: الطول هنا الجلد والصبر لمن أحب أمة وهويها حتى صار لذلك لا يستطيع أن يتزوج غيرها، فإن له أن يتزوج الأمة إذا لم يملك هواها، وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة، ثم يكون قوله تعالى: لمن خشي العنت على هذا التأويل بيانا في صفة عدم الجلد، وعلى التأويل الآخر يكون تزوج الأمة معلقا بشرطين: عدم السعة في المال وخوف العنت، فلا يصح إلا باجتماعهما، وهذا هو نص مذهب مالك في المدونة من رواية ابن نافع وابن القاسم وابن وهب وابن زياد.
ان الحر لا يتزوج الأمة على حال إلا ألا يجد سعة في المال لمهر حرة، وأن يخشى العنت مع ذلك، وقال مالك في كتاب محمد: إذا وجد المهر ولكنه لا يقدر على النفقة فإنه لا يجوز له أن يتزوج أمة، وقال أصبغ: ذلك جائز، إذ نفقة الأمة على أهلها إذا لم يضمها إليه، وقال مطرف وابن الماجشون: لا يحل للحر أن ينكح أمة، ولا يقر إن وقع، إلا أن يجتمع الشرطان كما قال الله تعالى، وقاله أصبغ، قال: وقد كان ابن القاسم يذكر أنه سمع مالكا يقول: نكاح الأمة حلال في كتاب الله عز وجل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهو في المدونة، وقال سحنون في غيرها: ذلك في قوله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصّالحين من عبادكم وإمائكم [النور: 32]. وقاله ابن مزين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وليس في الآية ما يلزم منه تحليل الأمة لحر دون الشرطين، وقال مالك في المدونة: ليست الحرة بطول تمنع من نكاح الأمة إذا لم يجد سعة لأخرى وخاف العنت، وقال في كتاب محمد: ما يقتضي أن الحرة بمثابة الطول، قال الشيخ أبو الحسن اللخمي: وهو ظاهر القرآن، وروي نحو هذا عن ابن حبيب، وقاله أبو حنيفة: فمقتضى هذا أن من عنده حرة فلا يجوز له نكاح أمة، وإن عدم السعة وخاف العنت، لأنه طالب شهوة وعنده امرأة، وقال به الطبري واحتج له، وطولًا- يصح في إعرابه أن يكون مفعولا بالاستطاعة، وأن ينكح في موضع نصب بدل من قوله طولًا أو في موضع نصب بتقدير لأن ينكح، وفي هذا نظر، ويصح أن يكون طولًا نصبا على المصدر، والعامل فيه الاستطاعة لأنها بمعنى يتقارب، وأن ينكح على هذا مفعول بالاستطاعة أو بالمصدر، تقول: طال الرجل طولا بفتح الطاء إذا تفضل ووجد واتسع عرفه، وطولًا بضم الطاء في ضد القصر والمحصنات في هذا الموضع الحرائر، يدل على ذلك التقسيم بينهن وبين الإماء، وقالت فرقة: معناه العفائف وهو ضعيف لأن الإماء يقعن تحته،
وقد تقدم الذكر للقراءة في المحصنات، والمؤمنات صفة، فأما من يقول في الرجل يجد طولا لحرة كتابية لا لمؤمنة: إنه يمتنع عن نكاح الإماء، فهي صفة غير مشترطة، وإنما جاءت لأنها مقصد النكاح، إذ الأمة مؤمنة، وهذا هو المذهب المالكي، نص عليه ابن الماجشون في الواضحة ومن قال في الرجل لا يجد طولا إلا الكتابية: إنه يتزوج الأمة إن شاء، فصفة المؤمنات عنده في الآية مشترطة في إباحة نكاح الإماء، والمسألة مختلف فيها حسبما ذكرناه، وما في قوله: فمن ما ملكت أيمانكم يصح أن تكون مصدرية، تقديره: فمن ملك أيمانكم ويصح أن يراد بها النوع المملوك، فهي واقعة عليه، والفتاة- وإن كانت واقعة في اللغة على الشابة أية كانت، فعرفها في الإماء، وفتى- كذلك، وهذه المخاطبات بالكاف والميم عامة، أي: منكم الناكحون ومنكم المالكون، لأن الرجل ينكح فتاة نفسه، وهذا التوسع في اللغة كثير، والمؤمنات في هذا الموضع صفة مشترطة عند مالك وجمهور أصحابه، لأنهم يقولون: لا يجوز زواج أمة غير مسلمة بوجه، وقالت طائفة من أهل العلم منهم أصحاب الرأي: نكاح الأمة الكتابية جائز، وقوله المؤمنات على جهة الوجه الفاضل، واحتجوا بالقياس على الحرائر، وذلك أنه لما لم يمنع قوله المؤمنات في الحرائر من نكاح الكتابيات الحرائر، فكذلك لا يمنع قوله المؤمنات في الإماء من نكاح الكتابيات الإماء، وقال أشهب في المدونة: جائز للعبد المسلم أن يتزوج أمة كتابية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فالمنع عنده أن يفضل الزوج في الحرية والدين معا، وقوله تعالى: واللّه أعلم بإيمانكم معناه: أن الله عليم ببواطن الأمور ولكم ظواهرها، فإذا كانت الفتاة ظاهرها الإيمان فنكاحها صحيح، وعلم باطنها إلى الله، وإنما هذا لئلا يستريب متحير بإيمان بعض الإماء، كالقريبة عهد بالسباء، أو كالخرساء وما أشبهه. وفي اللفظ أيضا تنبيه على أنه ربما كان إيمان أمة أفضل من إيمان بعض من الحرائر، أي: فلا تعجبوا بمعنى الحرية، وقوله: بعضكم من بعضٍ قالت طائفة: هو رفع على الابتداء والخبر، والمقصد بهذا الكلام أي إنكم أيها الناس سواء بنو الحرائر وبنو الإماء، أكركم عند الله أتقاكم، فهذه توطئة لنفوس العرب التي كانت تستهجن ولد الأمة، فلما جاء الشرع بجواز نكاحها، أعلموا مع ذلك أن ذلك التهجين لا معنى له، وقال الطبري: هو رفع بفعل تقديره: فلينكح مما ملكت «أيمانكم بعضكم من بعض» فعلى هذا في الكلام تقديم وتأخير. وهذا قول ضعيف.
قوله: بإذن أهلهنّ معناه: بولاية أربابهن المالكين، وقوله: وآتوهنّ أجورهنّ يعني مهورهن، قاله ابن زيد وغيره، وبالمعروف معناه: بالشرع والسنة، وهذا يقتضي أنهن أحق بمهورهن من السادة، وهو مذهب مالك قال في كتاب الرهون: ليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز. قال سحنون في غير المدونة: كيف هذا؟ وهو لا يبوئه معها بيتا. وقال بعض الفقهاء: معنى ما في المدونة: أنه بشرط التبوئة، فعلى هذا لا يكون قول سحنون خلافا ومحصناتٍ وما بعده حال، فالظاهر أنه بمعنى عفيفات إذ غير ذلك من وجوه الإحصان بعيد إلا مسلمات فإنه يقرب، والعامل في الحال فانكحوهنّ ويحتمل أن يكون فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ كلاما تاما، ثم استأنف «وآتوهن أجورهن مزوجات غير مسافحات»، فيكون العامل وآتوهنّ، ويكون معنى الإحصان: التزويج، و «المسافحات» من الزواني: المبتذلات اللواتي هن سوق للزنا، «ومتخذات الأخدان»: هن المتسترات اللواتي يصحبن واحدا واحدا ويزنين خفية، وهذان كانا نوعين في زنا الجاهلية، قاله ابن عباس وعامر الشعبي والضحاك وغيرهم، وأيضا فهو تقسيم عقلي لا يعطي الوجود إلا أن تكون الزانية إما لا ترديد لامس وإما أن تختص من تقتصر عليه، وقوله تعالى: فإذا أحصنّ الآية قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «أحصن» على بناء الفعل للمفعول، وقرأ حمزة والكسائي على بناء الفعل للفاعل، واختلف عن عاصم، فوجه الكلام أن تكون القراءة الأولى بالتزوج، والثانية بالإسلام أو غيره مما هو من فعلهن، ولكن يدخل كل معنى منهما على الآخر، واختلف المتأولون فيما هو الإحصان هنا، فقال الجمهور: هو الإسلام، فإذا زنت الأمة المسلمة حدت نصف حد الحرة- وإسلامها هو إحصانها الذي في الآية، وقالت فرقة: إحصانها الذي في الآية هو التزويج لحر، فإذا زنت الأمة المسلمة التي لم تتزوج فلا حد عليها، قاله سعيد بن جبير والحسن وقتادة، وقالت فرقة: الإحصان- في الآية التزوج، إلا أن الحد واجب على الأمة المسلمة بالسنة، وهي الحديث الصحيح في مسلم والبخاري، أنه قيل: يا رسول الله، الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ فأوجب عليها الحد. قال الزهري:
فالمتزوجة محدودة بالقرآن والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الحديث والسؤال من الصحابة يقتضي أنهم فهموا من القرآن أن معنى أحصنّ تزوجن، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يقتضي تقرير المعنى ومن أراد أن يضعف قول من قال: إنه الإسلام بأن الصفة لهن بالإيمان قد تقدمت وتقررت فذلك غير لازم، لأنه جائز أن يقطع في الكلام ويزيد، فإذا كن على هذه الحالة المتقدمة من الإيمان فإن أتين بفاحشةٍ فعليهنّ، وذلك سائغ صحيح، والفاحشة هنا: الزنى بقرينة إلزام الحد، والمحصنات في هذه الآية الحرائر، إذ هي الصفة المشروطة في الحد الكامل، والرجم لا يتنصف، فلم يرد في الآية بإجماع، ثم اختلف، فقال ابن عباس والجمهور: على الأمة نصف المائة لا غير ذلك، وقال الطبري وجماعة من التابعين: على الأمة نصف المائة ونصف المدة، وهي نفي ستة أشهر، والإشارة بذلك إلى نكاح الأمة، والعنت في اللغة: المشقة، وقالت طائفة: المقصد به هاهنا الزنا، قاله مجاهد: وقال ابن عباس: ما ازلحف ناكح الأمة عن الزنا إلا قريبا، قال: والعنت الزنا، وقاله عطية العوفي والضحاك، وقالت طائفة: الإثم، وقالت طائفة: الحد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والآية تحتمل ذلك كله، وكل ما يعنت عاجلا وآجلا. وقوله تعالى: وأن تصبروا خيرٌ لكم يعني عن نكاح- الإماء- قاله سعيد بن جبير ومجاهد والسدي وابن عباس رضي الله عنهما، وهذا ندب إلى الترك، وعلته ما يؤدي إليه نكاح الإماء من استرقاق الولد ومهنتهن، وهذه الجملة ابتداء وخبر تقديره: وصبركم خير لكم واللّه غفورٌ، أي لمن فعل وتزوج). [المحرر الوجيز: 2/518-524]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم من بعضٍ فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف محصناتٍ غير مسافحاتٍ ولا متّخذات أخدانٍ فإذا أحصنّ فإن أتين بفاحشةٍ فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خيرٌ لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ (25)}
يقول [تعالى] ومن لم يجد {طولا} أي: سعةً وقدرةً {أن ينكح المحصنات المؤمنات} أي الحرائر.
وقال ابن وهب: أخبرني عبد الجبّار، عن ربيعة: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات} قال ربيعة الطول الهوى، ينكح الأمة إذا كان هواه فيها. رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ.
ثمّ شرع يشنّع على هذا القول ويردّه {فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} أي: فتزوّجوا من الإماء المؤمنات اللّاتي يملكهنّ المؤمنون، ولهذا قال: {من فتياتكم المؤمنات} قال ابن عبّاسٍ وغيره: فلينكح من إماء المؤمنين، وكذا قال السّدّيّ ومقاتل بن حيّان.
ثمّ اعترض بقوله: {واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم من بعضٍ} أي: هو العالم بحقائق الأمور وسرائرها، وإنّما لكم أيّها النّاس الظّاهر من الأمور.
ثمّ قال: {فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ} فدلّ على أنّ السّيّد هو وليّ أمته لا تزوّج إلّا بإذنه، وكذلك هو وليّ عبده، ليس لعبده أن يتزوّج إلّا بإذنه، كما جاء في الحديث: "أيّما عبدٍ تزوّج بغير إذن مواليه فهو عاهر" أي زان.
فإن كان مالك الأمة امرأةٌ زوّجها من يزوّج المرأة بإذنها؛ لما جاء في الحديث: "لا تزوّج المرأة [المرأة، ولا المرأة نفسها] فإنّ الزّانية هي الّتي تزوّج نفسها".
وقوله: {وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف} أي: وادفعوا مهورهنّ بالمعروف، أي: عن طيب نفسٍ منكم، ولا تبخسوا منه شيئًا استهانةً بهنّ؛ لكونهنّ إماءً مملوكاتٍ.
وقوله: {محصناتٍ} أي: عفائف عن الزّنا لا يتعاطينه؛ ولهذا قال: {غير مسافحاتٍ} وهنّ الزّواني اللّاتي لا يمتنعن من أرادهنّ بالفاحشة.
وقوله: {ولا متّخذات أخدانٍ} قال ابن عبّاسٍ: المسافحات، هنّ الزّواني المعالنات يعني الزّواني اللّاتي لا يمنعن أحدًا أرادهنّ بالفاحشة. (ومتّخذات أخدانٍ) يعني: أخلّاء.
وكذا روي عن أبي هريرة، ومجاهدٍ والشّعبيّ، والضّحّاك، وعطاءٍ الخراسانيّ، ويحيى بن أبي كثيرٍ، ومقاتل بن حيّان، والسّدّيّ، قالوا: أخلّاء. وقال الحسن البصريّ: يعني: الصّديق. وقال الضّحّاك أيضًا: {ولا متّخذات أخدانٍ} ذات الخليل الواحد [المسيس] المقرّة به، نهى اللّه عن ذلك، يعني [عن] تزويجها ما دامت كذلك.
وقوله: {فإذا أحصنّ فإن أتين بفاحشةٍ فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب} اختلف القراء في {أحصنّ} فقرأه بعضهم بضمّ الهمزة وكسر الصّاد، مبنيٌّ لما لم يسمّ فاعله، وقرئ بفتح الهمزة والصّاد فعلٌ لازمٌ ثمّ قيل: معنى القراءتين واحدٌ. واختلفوا فيه على قولين:
أحدهما: أنّ المراد بالإحصان هاهنا الإسلام. روي ذلك عن عبد اللّه بن مسعودٍ، وابن عمر، وأنسٍ، والأسود بن يزيد، وزرّ بن حبيش، وسعيد بن جبير، وعطاء، إبراهيم النّخعي، والشّعبيّ، والسّدّي. وروى نحوه الزّهريّ عن عمر بن الخطّاب، وهو منقطعٌ. وهذا هو القول الّذي نصّ عليه الشّافعيّ [رحمه اللّه تعالى] في رواية الرّبيع، قال: وإنّما قلنا [ذلك] استدلالًا بالسّنّة وإجماع أكثر أهل العلم.
وقد روى ابن أبي حاتمٍ في ذلك حديثًا مرفوعًا، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين بن الجنيد، حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن بن عبد اللّه [الدّمشقيّ] حدّثنا أبي، عن أبيه، عن أبي حمزة، عن جابرٍ، عن رجلٍ، عن أبي عبد الرّحمن، عن عليٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى عليه وسلّم: {فإذا أحصنّ} قال: "إحصانها إسلامها وعفافها". وقال المراد به هاهنا التّزويج، قال: وقال عليٌّ: اجلدوهن.
[ثمّ] قال ابن أبي حاتمٍ: وهو حديثٌ منكرٌ.
قلت: وفي إسناده ضعفٌ، ومنهم من لم يسمّ، و [مثله] لا تقوم به حجّةٌ.
وقال القاسم وسالمٌ: إحصانها: إسلامها وعفافها.
وقيل: المراد به هاهنا: التّزويج. وهو قول ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وعكرمة، وطاوسٍ، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة وغيرهم. ونقله أبو عليٍّ الطّبريّ في كتابه "الإيضاح" عن الشّافعيّ، فيما رواه أبو الحكم بن عبد الحكم عنه وقد رواه ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ أنّه قال: إحصان الأمة أن ينكحها الحرّ، وإحصان العبد أن ينكح الحرّة. وكذا روى ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، رواهما ابن جريرٍ في تفسيره، وذكره ابن أبي حاتمٍ عن الشّعبيّ والنّخعيّ.
وقيل معنى القراءتين متباينٌ فمن قرأ {أحصنّ} بضمّ الهمزة، فمراده التّزويج، ومن قرأ "أحصنّ" بفتحها، فمراده الإسلام اختاره الإمام أبو جعفر ابن جريرٍ في تفسيره، وقرّره ونصره.
والأظهر -واللّه أعلم-أنّ المراد بالإحصان هاهنا التّزويج؛ لأنّ سياق الآية يدلّ عليه، حيث يقول سبحانه وتعالى: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم} واللّه أعلم. والآية الكريمة سياقها كلّها في الفتيات المؤمنات، فتعيّن أنّ المراد بقوله: {فإذا أحصنّ} أي: تزوّجن، كما فسّره ابن عبّاسٍ ومن تبعه.
وعلى كلٍّ من القولين إشكالٌ على مذهب الجمهور؛ وذلك أنّهم يقولون: إنّ الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدةً، سواءٌ كانت مسلمةً أو كافرةً، مزوّجةً أو بكرًا، مع أنّ مفهوم الآية يقتضي أنّه لا حدّ على غير المحصنة ممّن زنا من الإماء، وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك، فأمّا الجمهور فقالوا: لا شكّ أنّ المنطوق مقدّمٌ على المفهوم. وقد وردت أحاديث عامّةٌ في إقامة الحدّ على الإماء، فقدّمناها على مفهوم الآية، فمن ذلك ما رواه مسلمٌ في صحيحه، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، أنّه خطب فقال: يا أيّها النّاس، أقيموا على أرقّائكم الحدّ من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإنّ أمةً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زنت فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديثة عهدٍ بنفاسٍ، فخشيت إن جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: "أحسنت، اتركها حتّى تماثل ".
وعند عبد اللّه بن أحمد، عن غير أبيه: "فإذا تعالت من نفسها حدّها خمسين".
وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم يقول: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها، فليجلدها الحدّ ولا يثرّب عليها، ثمّ إن زنت الثّانية فليجلدها الحدّ ولا يثرّب عليها، ثمّ إن زنت الثالثة فتبين زناها، فليبعها ولو بحبل من شعر" ولمسلمٍ إذا زنت ثلاثًا فليبعها في الرّابعة".
وقال مالكٌ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سليمان بن يسار، عن عبد اللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة المخزوميّ قال: أمرني عمر بن الخطّاب في فتيةٍ من قريشٍ، فجلدنا من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزّنا.
الجواب الثّاني: جواب من ذهب إلى أنّ الأمة إذا زنت ولم تحصن فلا حدّ عليها، وإنّما تضرب تأديبًا، وهو المحكيّ عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، رضي اللّه عنه، وإليه ذهب طاوسٌ، وسعيد بن جبير، وأبو عبيد القاسم بن سلّامٍ، وداود بن عليٍّ الظّاهريّ في روايةٍ عنه. وعمدتهم مفهوم الآية وهو من مفاهيم الشّرط، وهو حجّةٌ عند أكثرهم فهو مقدّمٌ على العموم عندهم. وحديث أبي هريرة وزيد بن خالدٍ، رضي اللّه عنهما، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: "إن زنت فحدّوها ثمّ إنّ زنت فاجلدوها ثمّ بيعوها ولو بضفيرٍ" قال ابن شهابٍ: لا أدري أبعد الثّالثة أو الرّابعة.
أخرجاه في الصّحيحين وعند مسلمٍ: قال ابن شهابٍ: الضّفير الحبل.
قالوا: فلم يؤقّت في هذا الحديث عددٌ كما وقّت في المحصنة بنصف ما على المحصنات من العذاب، فوجب الجمع بين الآية والحديث بذلك واللّه أعلم.
وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصورٍ، عن سفيان، عن مسعرٍ، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ليس على أمةٍ حدٌّ حتّى تحصن -أو حتّى تزوّج-فإذا أحصنت بزوجٍ فعليها نصف ما على المحصنات".
وقد رواه ابن خزيمة، عن عبد اللّه بن عمران العابديّ عن سفيان به مرفوعًا. وقال: رفعه خطأٌ، إنّما هو من قول ابن عبّاسٍ، وكذا رواه البيهقيّ من حديث عبد اللّه بن عمران، وقال مثل ما قاله ابن خزيمة.
قالوا: وحديث عليٍّ وعمر [رضي اللّه عنهما] قضايا أعيانٍ، وحديث أبي هريرة عنه أجوبةٌ:
أحدها: أنّ ذلك محمولٌ على الأمة المزوّجة جمعًا بينه وبين هذا الحديث.
الثّاني: أنّ لفظ الحدّ في قوله: فليجلدها الحدّ، لفظٌ مقحمٌ من بعض الرّواة، بدليل الجواب الثّالث وهو:
أنّ هذا من حديث صحابيّين وذلك من رواية أبي هريرة فقط، وما كان عن اثنين فهو أولى بالتّقدّم من رواية واحدٍ، وأيضًا فقد رواه النّسائيّ بإسنادٍ على شرط مسلمٍ، من حديث عبّاد بن تميمٍ، عن عمّه -وكان قد شهد بدرًا-أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إذا زنت الأمة فاجلدوها، ثمّ إذا زنت فاجلدوها، ثمّ إذا زنت فاجلدوها، ثمّ إذا زنت فبيعوها ولو بضفيرٍ".
الرّابع: أنّه لا يبعد أنّ بعض الرّواة أطلق لفظ الحدّ في الحديث على الجلد؛ لأنّه لمّا كان الجلد اعتقد أنّه حدٌّ، أو أنّه أطلق لفظة الحدّ على التّأديب، كما أطلق الحدّ على ضرب من زنى من المرضى بعثكال نخلٍ فيه مائة شمراخٍ، وعلى جلد من زنى بأمة امرأته إذا أذنت له فيها مائةً، وإنّما ذلك تعزيرٌ وتأديبٌ عند من يراه كالإمام أحمد وغيره من السّلف. وإنّما الحدّ الحقيقيّ هو جلد البكر مائةً، ورجم الثّيّب أو اللّائط، واللّه أعلم.
وقد روى ابن جريرٍ في تفسيره: حدّثنا ابن المثنّى، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة؛ أنّه سمع سعيد بن جبيرٍ يقول: لا تضرب الأمة إذا زنت ما لم تتزوّج.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ عنه، ومذهبٌ غريبٌ إن أراد أنّها لا تضرب أصلًا لا حدًّا، وكأنّه أخذ بمفهوم الآية ولم يبلغه الحديث، وإن كان أراد أنّها لا تضرب حدًّا، ولا ينفي ضربها تأديبًا، فهو كقول ابن عبّاسٍ ومن تبعه في ذلك، واللّه أعلم.
الجواب الثّالث: أنّ الآية دلّت على أنّ الأمة المحصنة تحدّ نصف حدّ الحرّة، فأمّا قبل الإحصان فعمومات الكتاب والسّنّة شاملةٌ لها في جلدها مائةً، كقوله تعالى {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} [النّور:2] وكحديث عبادة بن الصّامت: "خذوا عنّي، خذوا عنّي، قد جعل اللّه لهنّ سبيلا البكر بالبكر جلد مائةٍ وتغريب عامٍ، والثّيّب جلد مائةٍ ورجمها بالحجارة" والحديث في صحيح مسلمٍ وغير ذلك من الأحاديث.
وهذا القول هو المشهور عن داود بن عليٍّ الظّاهريّ، وهو في غاية الضّعف؛ لأنّ اللّه تعالى إذا كان أمر بجلد المحصنة من الإماء بنصف ما على الحرّة من العذاب وهو خمسون جلدةً، فكيف يكون حكمها قبل الإحصان أشدّ منه بعد الإحصان. وقاعدة الشّريعة في ذلك عكس ما قال، وهذا الشّارع عليه السّلام يسأله أصحابه عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، فقال: "اجلدوها" ولم يقل مائةً، فلو كان حكمها كما قال داود لوجب بيان ذلك لهم؛ لأنّهم إنّما سألوا عن ذلك لعدم بيان حكم جلد المائة بعد الإحصان في الإماء، وإلّا فما الفائدة في قولهم: "ولم تحصن" لعدم الفرق بينهما لو لم تكن الآية نزلت، لكن لمّا علموا حكم أحد الحكمين سألوا عن حكم الحال الآخر، فبيّنه لهم. كما [ثبت] في الصّحيحين أنّهم لمّا سألوه عن الصّلاة عليه، فذكرها لهم ثمّ قال: "والسّلام ما قد علمتم" وفي لفظٍ: لمّا أنزل اللّه قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا} [الأحزاب:56] قالوا: هذا السّلام عليك قد عرّفناه، فكيف الصّلاة عليك؟ وذكر الحديث، وهكذا هذا السّؤال.
الجواب الرّابع -عن مفهوم الآية-: جواب أبي ثورٍ، فإنّ من مذهبه ما هو أغرب من قول داود من وجوهٍ، ذلك أنّه يقول فإذا أحصن فإنّ عليهنّ نصف ما على المحصنات المزوّجات وهو الرّجم، وهو لا يتناصف فيجب أن ترجم الأمّة المحصنة إذا زنت، وأمّا قبل الإحصان فيجب جلدها خمسين. فأخطأ في فهم الآية وخالف الجمهور في الحكم، بل قد قال أبو عبد اللّه الشّافعيّ، رحمه اللّه: ولم يختلف المسلمون في أن لا رجم على مملوكٍ في الزّنا؛ وذلك لأنّ الآية دلّت على أنّ عليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب، والألف واللّام في المحصنات للعهد، وهنّ المحصنات المذكورات في أوّل الآية: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات} والمراد بهنّ الحرائر فقط، من غير تعرّضٍ لتزويج غيره، وقوله: {نصف ما على المحصنات من العذاب} يدلّ على أنّ المراد من العذاب الّذي يمكن تنصيفه وهو الجلد لا الرّجم، واللّه أعلم.
ثمّ قد روى الإمام أحمد [حديثًا] نصا في ردّ مذهب أبي ثورٍ من رواية الحسن بن سعدٍ عن أبيه أنّ صفيّة كانت قد زنت برجلٍ من الحمس، فولدت غلامًا، فادّعاه الزّاني، فاختصما إلى عثمان [بن عفّان] فرفعهما إلى عليّ بن أبي طالبٍ، فقال عليٌّ: أقضي فيهما بقضاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" وجلدهما خمسين خمسين.
وقيل: بل المراد من المفهوم التّنبيه بالأعلى على الأدنى، أي: أنّ الإماء على النّصف من الحرائر في الحدّ وإن كنّ محصناتٍ، وليس عليهنّ رجمٌ أصلًا لا قبل النّكاح ولا بعده، وإنّما عليهنّ الجلد في الحالتين بالسّنّة. قال ذلك صاحب الإفصاح عن الشّافعيّ، فيما رواه ابن عبد الحكم، عنه. وقد ذكره البيهقيّ في كتاب السّنن والآثار، وهو بعيدٌ عن لفظ الآية؛ لأنّا إنّما استفدنا تنصيف الحدّ من الآية لا من سواها، فكيف يفهم منها التّنصيف فيما عداها، وقال: بل أريد بأنّها في حال الإحصان لا يقيم الحدّ عليها إلّا الإمام، ولا يجوز لسيّدها إقامة الحدّ عليها والحالة هذه -وهو قولٌ في مذهب الإمام أحمد رحمه اللّه-فأمّا قبل الإحصان فله ذلك، والحدّ في كلا الموضعين نصف حدّ الحرّة. وهذا أيضًا بعيدٌ؛ لأنّه ليس في لفظ الآية ما يدل عليه.
ولولا هذه لم ندر ما حكم الإمام في التّنصيف، ولوجب دخولهنّ في عموم الآية في تكميل الحدّ مائةً أو رجمهنّ، كما أثبت في الدّليل عليه، وقد تقدّم عن عليٍّ أنّه قال: أيّها النّاس أقيموا على أرقّائكم الحدّ من أحصن منهم ومن لم يحصن، وعموم الأحاديث المتقدّمة ليس فيها تفصيلٌ بين المزوّجة وغيرها، لحديث أبي هريرة الّذي احتجّ به الجمهور: "إذا زنت أمة أحدكم فتبيّن زناها فليجلدها الحدّ ولا يثرّب عليها".
ملخّص الآية: أنّها إذا زنت أقوالٌ: أحدها: أنها بجلد خمسين قبل الإحصان وبعده، وهل تنفى؟ فيه ثلاثة أقوالٍ:
[أحدها] أنّها تنفى عنه والثّاني: لا تنفى عنه مطلقًا. [وهو قول عليٍّ وفقهاء المدينة] والثّالث: أنّها تنفى نصف سنةٍ وهو نفي نصف الحرّة. وهذا الخلاف في مذهب الشّافعيّ، وأمّا أبو حنيفة فعنده أنّ النّفي تعزيرٌ ليس من تمام الحدّ، وإنّما هو رأي الإمام، إن شاء فعله وإن شاء تركه في حقّ الرّجال والنّساء، وعند مالكٍ أنّ النّفي إنّما هو على الرّجال، وأمّا النّساء فلا ؛ لأنّ ذلك مضادٌّ لصيانتهنّ، [وما ورد شيءٌ من النّفي في الرّجال ولا في النّساء نعم حديث عبادة وحديث أبي هريرة] أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عامٍ وبإقامة الحدّ عليه، رواه البخاريّ، و [كلّ] ذلك مخصوصٌ بالمعنى، وهو أنّ المقصود من النّفي الصّون وذلك مفقودٌ في نفي النّساء واللّه أعلم.
والثّاني: أنّ الأمة إذا زنت تجلد خمسين بعد الإحصان، وتضرب [قبله] تأديبًا غير محدودٍ بعددٍ محصورٍ، وقد تقدّم ما رواه ابن جريرٍ عن سعيد بن جبيرٍ: أنّها لا تضرب قبل الإحصان، وإن أراد نفيه فيكون مذهبًا بالتّأويل وإلّا فهو كالقول الثّاني.
القول الآخر: أنّها تجلد قبل الإحصان مائةً وبعده خمسين، كما هو المشهور عن داود، و [هو] أضعف الأقوال: أنّها تجلد قبل الإحصان خمسين وترجم بعده، وهو قول أبي ثورٍ، وهو ضعيفٌ أيضًا واللّه سبحانه وتعالى أعلم بالصّواب.
وقوله: {ذلك لمن خشي العنت منكم} أي: إنّما يباح نكاح الإماء بالشّروط المتقدّمة لمن خاف على نفسه الوقوع في الزّنا، وشقّ عليه الصّبر عن الجماع، وعنت بسبب ذلك [كلّه، فحينئذٍ يتزوّج الأمة، وإن ترك تزوّج الأمة] وجاهد نفسه في الكفّ عن الزّنا، فهو خيرٌ له؛ لأنه إذا تزوجها جاء أولاده أرقّاء لسيّدها إلّا أن يكون الزّوج عربيًّا فلا تكون أولاده منها أرقّاء في قولٍ قديمٍ للشّافعيّ، ولهذا قال: {وأن تصبروا خيرٌ لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ}
ومن هذه الآية الكريمة استدلّ جمهور العلماء في جواز نكاح الإماء، على أنّه لا بدّ من عدم الطّول لنكاح الحرائر ومن خوف العنت؛ لما في نكاحهنّ من مفسدة رقّ الأولاد، ولما فيهنّ من الدّناءة في العدول عن الحرائر إليهن. وخالف الجمهور أبو حنيفة وأصحابه في اشتراط الأمرين، فقالوا: متى لم يكن الرّجل مزوّجًا بحرّة جاز له نكاح الأمة المؤمنة والكتابيّة أيضًا، سواءٌ كان واجدًا الطّول لحرّةٍ أم لا وسواءٌ خاف العنت أم لا وعمدتهم فيما ذهبوا إليه [عموم] قوله تعالى: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5] أي: العفائف، وهو يعمّ الحرائر والإماء، وهذه الآية عامّةٌ، وهذه أيضًا ظاهرةٌ في الدّلالة على ما قاله الجمهور واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 2/260-267]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:16 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة