العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 03:19 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (49) إلى الآية (53) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (49) إلى الآية (53) ]

{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 08:49 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ نجّيناكم من آل فرعون}.
وأمّا تأويل قوله: {وإذ نجّيناكم} فإنّه عطفٌ على قوله: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي} فكأنّه قال: اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم، واذكروا إنعامنا عليكم إذ نجّيناكم من آل فرعون بإنجائنا لكم منهم.
وأمّا آل فرعون فإنّهم أهل دينه وقومه وأشياعه.
وأصل آل أهل، أبدلت الهاء همزةً، كما قالوا ماء، فأبدلوا الهاء همزةً، فإذا صغّروه قالوا مويهٌ، فردّوا الهاء في التّصغير وأخرجوه على أصله. وكذلك إذا صغّروا آل، قالوا: أهيلٌ. وقد حكي سماعًا من العرب في تصغير آل: أويلٌ. وقد يقال: فلانٌ من آل النّساء، يراد به أنّه منهنّ خلق، ويقال ذلك أيضًا بمعنى أنّه يريدهنّ ويهواهنّ، كما قال الشّاعر:

فإنّك من آل النّساء وإنّما ....... يكنّ لأدنى لا وصال لغائب

وأحسن أماكن آل أن ينطق به مع الأسماء المشهورة، مثل قولهم: آل النّبيّ محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وآل عليٍّ، وآل عبّاسٍ، وآل عقيلٍ. وغير مستحسنٍ استعماله مع المجهول، وفي أسماء الأرضين وما أشبه ذلك؛ غير حسنٍ عند أهل العلم بلسان العرب أن يقال: رأيت آل الرّجل، وزارني آل المرأة، ولا رأيت آل البصرة، وآل الكوفة. وقد ذكر عن العرب سماعًا أنّها تقول: رأيت آل مكّة وآل المدينة، وليس ذلك في كلامهم بالمستعمل الفاشي.
وأمّا فرعون فإنّه يقال: إنّه اسمٌ كانت ملوك العمالقة بمصر تسمّى به كما كانت ملوك الرّوم يسمّي بعضهم قيصرٌ وبعضهم هرقلٌ، وكما كانت ملوك فارس تسمّى الأكاسرة واحدهم كسرى وملوك اليمن تسمّى التّبابعة واحدهم تبّعٌ.
وأمّا فرعون موسى الّذي أخبر اللّه تعالى عن بني إسرائيل أنّه نجّاهم منه فإنّه يقال: إنّ اسمه الذى هو اسمه الوليد بن مصعب بن الرّيّان، وكذلك ذكر محمّد بن إسحاق أنّه بلغه عن اسمه.
- حدّثنا بذلك، محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وقد قيل: إنّ اسمه مصعب بن الرّيّان.
وإنّما جاز أن يقال: {وإذ نجّيناكم من آل فرعون} والخطاب به لمن لم يدرك فرعون ولا المنجّين منه، لأنّ المخاطبين بذلك كانوا أبناء من نجّاهم من فرعون وقومه، فأضاف ما كان من نعمه على آبائهم إليهم، وكذلك ما كان من كفران آبائهم على وجه الإضافة، كما يقول القائل لآخر: فعلنا بكم كذا وكذا، وفعلنا بكم كذا، وقتلناكم وسبيناكم، والمخبر إمّا أن يكون يعني قومه وعشيرته بذلك أو أهل بلده ووطنه كان المقول له ذلك أدرك ما فعل بهم من ذلك أو لم يدركه، كما قال الأخطل يهاجي جرير بن عطيّة:

ولقد سما لكم الهذيل فنالكم ....... بإراب حيث يقسّم الأنفالا.
في فيلقٍ يدعو الأراقم لم تكن ....... فرسانه عزلاً ولا أكفالا

ولم يلق جريرٌ هذيلاً ولا أدركه، ولا أدرك إراب ولا شهده. ولكنّه لمّا كان يومًا من أيّام قوم الأخطل على قوم جريرٍ، أضاف الخطاب إليه وإلى قومه، فكذلك خطاب اللّه عزّ وجلّ من خاطبه بقوله: {وإذ نجّيناكم من آل فرعون} لمّا كان فعله ما فعل من ذلك بقوم من خاطبه بالآية وآبائهم، أضاف فعله ذلك الّذي فعله بآبائهم إلى المخاطبين بالآية وقومهم). [جامع البيان: 1 / 640 - 643]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يسومونكم سوء العذاب}
قال أبو جعفرٍ: وفي قوله: {يسومونكم} وجهان من التّأويل، أحدهما: أن يكون خبرًا مستأنفًا عن فعل فرعون ببني إسرائيل، فيكون معناه حينئذٍ: واذكروا نعمتي عليكم إذ نجّيناكم من آل فرعون، وكانوا من قبل يسومونكم سوء العذاب.
وإذا كان ذلك تأويله كان موضع يسومونكم رفعًا.
والوجه الثّاني: أن يكون يسومونكم حالاً، فيكون تأويله حينئذٍ: وإذ نجّيناكم من آل فرعون سائميكم سوء العذاب، فيكون حالاً من آل فرعون.
وأمّا تأويل قوله: {يسومونكم} فإنّه يوردونكم، ويذيقونكم، ويولونكم، يقال منه: سامه خطّة ضيمٍ: إذا أولاه ذلك وأذاقه، كما قال الشّاعر:

إن سيم خسفًا ....... وجهه تربّدا

فأمّا تأويل قوله: {سوء العذاب} فإنّه يعني: ما ساءهم من العذاب. وقد قال بعضهم: أشدّ العذاب؛ ولو كان ذلك معناه لقيل: أسوأ العذاب.
فإن قال لنا قائلٌ: وما ذلك العذاب الّذي كانوا يسومونهم الّذي كان يسومونهم؟
قيل: هو ما وصفه اللّه تعالى في كتابه فقال: {يذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم}.
- وقد قال محمّد بن إسحاق في ذلك ما حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: أخبرنا ابن إسحاق، قال: «كان فرعون يعذّب بني إسرائيل فيجعلهم خدمًا وخولاً، وصنّفهم في أعماله، فصنفٌ يبنون، وصنفٌ يزرعون له، فهم في أعماله، ومن لم يكن منهم في صنعةٍ من عمله فعليه الجزية، فسامهم كما قال اللّه عزّ وجلّ: {سوء العذاب}».
- وقال السّدّيّ: «جعلهم في الأعمال القذرة، وجعل يقتّل أبناءهم، ويستحيي نساءهم» حدّثني بذلك، موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ). [جامع البيان: 1 / 644 - 645]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم}.
فأضاف اللّه جلّ ثناؤه ما كان من فعل آل فرعون ببني إسرائيل، من سومهم إيّاهم سوء العذاب وذبحهم أبناءهم واستحيائهم نساءهم، إليهم دون فرعون، وإن كان فعلهم ما فعلوا من ذلك كان بقوّة فرعون وعن أمره، لمباشرتهم ذلك بأنفسهم. فبيّن بذلك أنّ كلّ مباشرٍ قتل نفسٍ أو تعذيب حيٍّ بنفسه وإن كان عن أمر غيره، ففاعله المتولّي ذلك هو المستحقّ إضافة ذلك إليه، وإن كان الآمر قاهرًا الفاعل المأمور بذلك سلطانًا كان الآمر أو لصًّا حاربًا أو متغلّبًا فاجرًا، كما أضاف جلّ ثناؤه ذبح أبناء بني إسرائيل واستحياء نسائهم إلى آل فرعون دون فرعون، وإن كانوا بقوّة فرعون وأمره إيّاهم بذلك فعلوا ما فعلوا مع غلبته إيّاهم وقهره لهم. فكذلك كلّ قاتلٍ نفسًا بأمر غيره ظلمًا فهو المقتول عندنا به قصاصًا، وإن كان قتله إيّاها بإكراه غيره له على قتله.
وأمّا تأويل ذبحهم أبناء بني إسرائيل، واستحيائهم نساءهم، فإنّه كان فيما ذكر لنا عن ابن عبّاسٍ وغيره.
- كالّذي حدّثنا به العبّاس بن الوليد الآمليّ، وتميم بن المنتصر الواسطيّ، قالا: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيدٍ، قال: حدّثنا القاسم بن أبى أيّوب، قال: حدّثنا سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان اللّه وعد إبراهيم خليله أن يجعل في ذرّيّته أنبياء وملوكًا وائتمروا، وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالاً معهم الشّفار، يطوفون في بني إسرائيل، فلا يجدون مولودًا ذكرًا إلاّ ذبحوه، ففعلوا. فلمّا رأوا أنّ الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، وأنّ الصّغار يذبحون، قال: توشكون أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة ما كانوا يكفونكم، فاقتلوا عامًا كلّ مولودٍ ذكرٍ فقيلّ أبناؤهم ودعوا عامًا. فحملت أمّ موسى بهارون في العام الّذي لا يذبح فيه الغلمان، فولدته علانيةً أمّنه، حتّى إذا كان القابل حملت بموسى».
- وقد حدّثنا عبد الكريم بن الهيثم، قال: حدّثنا إبراهيم بن بشّارٍ الرّماديّ، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، قال: حدّثنا أبو سعيدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قالت الكهنة لفرعون: إنّه يولد في هذه العام مولودٌ يذهب بملكك. قال: فجعل فرعون على كلّ ألف امرأةٍ مائة رجلٍ، وعلى كلّ مائةٍ عشرةً، وعلى كلّ عشرةٍ رجلاً؛ فقال: انظروا كلّ امرأةٍ حاملٍ في المدينة، فإذا وضعت حملها فانظروا إليه، فإن كان ذكرًا فاذبحوه، وإن كان أنثى فخلّوا عنها. وذلك قوله: {يذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ}».
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: في قوله: {وإذ نجّيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب} قال: «إنّ فرعون ملكهم أربعمائة سنةٍ، فقالت الكهنة: إنّه سيولد العام بمصر غلامٌ يكون هلاكك على يديه. فبعث في أهل مصر نساءً قوابل، فإذا ولدت امرأةٌ غلامًا أتي به فرعون فقتله ويستحيي الجواري».
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق بن الحجّاج، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ: في قوله: {وإذ نجّيناكم من آل فرعون} الآية، قال: «إنّ فرعون ملكهم أربعمائة سنةٍ، وإنّه أتاه آتٍ، فقال: إنّه سينشأ في مصر غلامٌ من بني إسرائيل فيظهر عليك ويكون هلاكك على يديه. فبعث في مصر نساءً فذكر نحو حديث آدم».
- وحدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ، قال: «كان من شأن فرعون أنّه رأى رؤيا في منامه أنّ نارًا أقبلت من بيت المقدس حتّى اشتملت على بيوت مصر، فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل وأخربت بيوت مصر، فدعا السّحرة والكهنة والقافة والحازة، فسألهم عن رؤياه، فقالوا له: يخرج من هذا البلد الّذي جاء بنو إسرائيل منه، يعنون بيت المقدس، رجلٌ يكون على وجهه هلاك مصر. فأمر ببني إسرائيل أن لا يولد لهم غلامٌ إلاّ ذبحوه، ولا تولد لهم جاريةٌ إلاّ تركت. وقال للقبط: انظروا مملوكيكم الّذين يعملون خارجًا فأدخلوهم، واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة. فجعل بني إسرائيل في أعمال غلمانهم، وأدخلوا غلمانهم؛ فذلك حين يقول اللّه تبارك وتعالى: {إنّ فرعون علا في الأرض} يقول: تجبّر في الأرض: {وجعل أهلها شيعًا}، يعني بني إسرائيل، حين جعلهم في الأعمال القذرة {يستضعف طائفةً منهم يذبّح أبناءهم} فجعل لا يولد لبني إسرائيل مولودٌ إلاّ ذبح فلا يكبر الصّغير. وقذف اللّه في مشيخة بني إسرائيل الموت، فأسرع فيهم. فدخل رءوس القبط على فرعون، فكلّموه، فقالوا: إنّ هؤلاء القوم قد وقع فيهم الموت، فيوشك أن يقع العمل على غلماننا بذبح أبنائهم فلا تبلغ الصّغار وتفنى الكبار، فلو أنّك كنت تبقي من أولادهم. فأمر أن يذبحوا سنةً ويتركوا سنةً. فلمّا كان في السّنة الّتي لا يذبحون فيها ولد هارون، فترك؛ فلمّا كان في السّنة الّتي يذبحون فيها حملت بموسى».
- حدّثنا بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: «ذكر لي أنّه لمّا تقارب زمان موسى أتى منجّمو فرعون وحزاته إليه، فقالوا: تعلم أنّا نجد في علمنا أنّ مولودًا من بني إسرائيل قد أظلّك زمانه الّذي يولد فيه، يسلبك ملكك ويغلبك على سلطانك، ويخرجك من أرضك، ويبدّل دينك. فلمّا قالوا له ذلك، أمر بقتل كلّ مولودٍ يولد من بني إسرائيل من الغلمان، وأمر بالنّساء يستحيين. فجمع القوابل من نساء أهل مملكته، فقال لهنّ: لا يسقطن على أيديكنّ غلامٌ من بني إسرائيل إلاّ قتلتموه. فكنّ يفعلن ذلك، وكان يذبح من فوق ذلك من الغلمان، ويأمر بالحبالى فيعذّبن حتّى يطرحن ما في بطونهنّ».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: «لقد ذكر أنّه كان ليأمر بالقصب فيشقّ حتّى يجعل أمثال الشّفار، ثمّ يصفّ بعضه إلى بعضٍ، ثمّ يؤتى بالحبالى من بني إسرائيل، فيوقفن عليه فيحزّ أقدامهنّ، حتّى إنّ المرأة منهنّ لتمصع بولدها فيقع من بين رجليها، فتظلّ تطؤه تتّقي به حدّ القصب عن رجليها لما بلغ من جهدها. حتّى أسرف في ذلك وكاد يفنيهم، فقيل له: أفنيت النّاس وقطعت النّسل، وإنّهم خولك وعمّالك. فأمر أن يقتل الغلمان عامًا ويستحيوا عامًا. فولد هارون في السّنة الّتي يستحيا فيها الغلمان، وولد موسى في السّنة الّتي فيها يقتلون».
فالّذي قاله من ذكرنا قوله من أهل العلم كان ذبح آل فرعون أبناء بني إسرائيل واستحياؤهم نساءهم فتأويل قوله إذًا على ما تأوّله الّذين ذكرنا قولهم: {ويستحيون نساءكم} يستبقونهنّ فلا يقتلونهنّ.
وقد يجب على تأويل من قال بالقول الّذي ذكرنا عن ابن عبّاسٍ وأبي العالية والرّبيع بن أنسٍ والسّدّيّ في تأويل قوله: {ويستحيون نساءكم}.
أنّه تركهم الإناث من القتل عند ولادتهنّ إيّاهنّ أن يكون جائزًا أن تسمّى الطّفل من الإناث في حال صباها وبعد ولادتها امرأةً، والصّبايا الصّغار وهنّ أطفالٌ: نساءٌ، لأنّهم تأوّلوا قول اللّه جلّ وعزّ: {ويستحيون نساءكم} يستبقون الإناث من الولدان عند الولادة فلا يقتلونهنّ.
وقد أنكر ذلك من قولهم ابن جريجٍ.
- فقال بما حدّثنا به القاسم بن الحسن، قال: حدّثنا الحسين بن داود، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: قوله: {ويستحيون نساءكم} قال: «يسترقّون نساءكم».
فحاد ابن جريجٍ بقوله هذا عمّا قاله من ذكرنا قوله في قوله: {ويستحيون نساءكم} إنّه استحياء الصّبايا الأطفال، قال: «إذ لم نجدهنّ يلزمهنّ اسم نساءٍ». ثمّ دخل فيما هو أعظم ممّا أنكر بتأويله ويستحيون يسترقّون، وذلك تأويلٌ غير موجودٍ في لغةٍ عربيّةٍ ولا عجميّةٍ، وذلك أنّ الاستحياء إنّما هو استفعالٌ من الحياة نظير الاستبقاء من البقاء والاستسقاء من السّقي، وهو معنى من الاسترقاق بمعزلٍ.
وقد تأول آخرون: قوله {يذبّحون أبناءكم} بمعنى يذبحون رجالكم آبناء أبائكم. وأنكروا أن يكون المذبوحون الأطفال، وقد قرن بهم النّساء. فقالوا: في إخبار اللّه جلّ ثناؤه أنّ المستحين هم النّساء الدّلالة الواضحة على أنّ الّذين كانوا يذبحون هم الرّجال دون الصّبيان، لأنّ المذبّحين لو كانوا هم الأطفال لوجب أن يكون المستحيون هم الصّبايا. قالوا: وفي إخبار اللّه عزّ وجلّ أنّهم النّساء ما يبيّن عن أنّ المذبّحين هم الرّجال.
وقد أغفل قائلو هذه المقالة مع خروجهم من تأويل أهل التّأويل من الصّحابة والتّابعين موضع الصّواب، وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه قد أخبر عن وحيه إلى أمّ موسى أنّه أمرها أن ترضع موسى، فإذا خافت عليه أن تلقيه في التّابوت ثمّ تلقيه في اليمّ. فمعلومٌ بذلك أنّ القوم لو كانوا إنّما كانوا يقتلون الرّجال ويتركون النّساء لم يكن بأمّ موسى حاجةٌ إلى إلقاء موسى في اليمّ، أو لو أنّ موسى كان رجلاً لم تجعله أمّه في التّابوت.
ولكنّ ذلك عندنا على ما تأوّله ابن عبّاسٍ ومن حكينا قوله قبل من ذبح آل فرعون الصّبيان وتركهم من القتل الصّبايا. وإنّما قيل: {ويستحيون نساءكم} إذ كان الصّبايا داخلاتٍ مع أمّهاتهنّ، وأمّهاتهنّ لا شكّ نساءٌ في الاستحياء، لأنّهم لم يكونوا يقتلون صغار النّساء ولا كبارهنّ، فقيل: {ويستحيون نساءكم} يعني بذلك الوالدات والمولودات كما يقال: قد أقبل الرّجال وإن كان فيهم صبيانٌ، فكذلك قوله: {ويستحيون نساءكم} وأمّا من الذّكور فإنّه لمّا لم يكن يذبح إلاّ المولودون قيل: يذبّحون أبناءكم، ولم يقل يذبّحون رجالكم). [جامع البيان: 1 / 645 -652]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ}.
قال أبو جعفرٍ: أمّا قوله: {وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ} فإنّه يعني: وفي الّذي فعلنا بكم من إنجائنا كم ممّا كنتم فيه من عذاب آل فرعون إيّاكم على ما وصفت بلاءٌ لكم من ربّكم عظيمٌ.
ويعني بقوله بلاءٌ: نعمةٌ.
- كما حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ} قال: «نعمةٌ».
- وحدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: في قوله: {وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ} «أمّا البلاء: فالنّعمة».
- وحدّثنا سفيان، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ: {وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ} قال: «نعمةٌ من ربّكم عظيمةٌ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثل حديث سفيان.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ} قال: «نعمةٌ عظيمةٌ».
وأصل البلاء في كلام العرب: الاختبار والامتحان، ثمّ يستعمل في الخير والشّرّ لأنّ الامتحان والاختبار قد يكون بالخير كما يكون بالشّرّ، كما قال اللّه جلّ ثناؤه: {وبلوناهم بالحسنات والسّيّئات لعلّهم يرجعون}
يقول: اختبرناهم، وكما قال جلّ ذكره: {ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنةً} ثمّ تسمّي العرب الخير بلاءً والشّرّ بلاءً، غير أنّ الأكثر في الشّرّ أن يقال: بلوته أبلوه بلاءً، وفي الخير: أبليته أبليه إبلاءً وبلاءً؛ ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:

جزى اللّه بالإحسان ما فعلا بكم ........ فأبلاهما خير البلاء الّذي يبلو

فجمع بين اللّغتين لأنّه أراد: فأنعم اللّه عليهما خير النّعم الّتي يختبر بها عباده). [جامع البيان: 1 / 652 - 654]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {وإذ نجّيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ (49)}
قوله تعالى: {وإذ نجّيناكم من آل فرعون}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية في قوله:{وإذ نجّيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب} قال: «إنّ فرعون ملكهم أربعمائة سنةٍ فقالت له الكهنة: سيولد العام غلامٌ بمصر يكون هلاكك على يديه، فبعث في أهل مصر نساءً قوابل فإذا ولدت امرأةٌ غلامًا أتى به فرعون فقتله».
ويستحيي الجواري.
قال أبو محمّدٍ: يعني البنات.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: {وإذ نجّيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم} «كان من شأن فرعون أنّه رأى رؤيا في منامه أنّ نارًا أقبلت من بيت المقدس حتّى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل، وأحرقت بيوت مصر، فدعا السحرة والكهنة والقافة والحازة- وأما القافة: فهم العافة. وأمّا الحازة: فهم الّذين يزجرون الطّير- فسألهم عن رؤياه فقالوا له: يخرج من هذا البلد الّذي جاء بنو إسرائيل منه يعني بيت المقدس رجلٌ يكون على وجهه هلاك مصر، فأمر بني إسرائيل أن لا يولد غلامٌ إلا ذبحوه ولا يولد لهم جاريةٌ إلا تركت، وقال للقبط: انظروا مملوكيكم الّذين يعملون خارجًا فأدخلوهم واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة. فجعل بني إسرائيل في أعمال غلمانهم. فجعل لا يولد لبني إسرائيل مولودٌ إلا ذبح، فلا يكبر الصّغير، وقذف اللّه في مشيخة بني إسرائيل الموت فأسرع فيهم، فدخل رؤوس القبط على فرعون فكلّموه فقالوا: إنّ هؤلاء القوم قد وقع فيهم الموت فيوشك أن يقع العمل على غلماننا بذبح أبنائهم فلا يبلغ الصّغار فيفنى الكبار، فلو أنّك كنت تبقي من أولادهم؟ فأمر أن يذبحوا سنةً ويتركوا سنةً».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 105 - 106]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ} «يقول نعمةٌ». وروي عن مجاهدٍ وأبي مالكٍ والسّدّيّ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 106]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساؤكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: « قالت الكهنة لفرعون: أنه يولد في هذا العام مولود يذهب بملكك، فجعل فرعون على كل ألف امرأة مائة رجل وعلى كل مائة عشرة وعلى كل عشر رجلا فقال: أنظروا كل امرأة حامل في المدينة فإذا وضعت حملها ذكرا فاذبحوه وإن أتت أنثى فخلوا عنها وذلك قوله {يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} الآية».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {يسومونكم سوء العذاب} الآية، قال: « إن فرعون ملكهم أربعمائة سنة فقال له الكهنة: سيولد العام بمصر غلام يكون هلاكك على يديه، فبعث في أهل مصر للنساء قوابل فإذا ولدت أمرأة غلاما أتى به فرعون فقتله ويستحي الجواري».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {بلاء من ربكم عظيم} « يقول: نعمة».
وأخرج وكيع عن مجاهد في قوله: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم} قال: « نعمة من ربكم عظيمة». ). [الدر المنثور: 1 / 364 - 365]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن أبي إسحق الهمداني عن عمرو بن ميمون الأودي في قوله: {وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون} قال: لما خرج موسى ببني إسرائيل بلغ ذلك فرعون فقال لا تتبعوهم حتى يصيح الديك، قال: فوالله ما صاح ليلتئذ ديك حتى أصبحوا فدعا بشاة فذبحت، ثم قال: لا أفرغ من كبدها حتى يجتمع إلي ستمائة ألف من القبط، فلم يفرغ من كبدها حتى اجتمع إليه ستمائة ألف من القبط ثم سار موسى بمن معه، فلما أتى البحر قال له رجل من أصحابه يقال له يوشع بن نون أين أمرك ربك يا موسى؟ قال: أمامك -يشير إلى البحر- فأقحم يوشع فرسه في البحر حتى بلغ الغمر فذهب به، ثم رجع فقال أين أمرك ربك يا موسى فوالله ما كذبت ولا كذبت فقال ذلك ثلاث مرات، ثم أوحى الله جل ثناؤه إلى موسى أن اضرب بعصاك الحجر فضربه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم مثل جبل نخلة، ثم سار موسى ومن معه وأتبعهم فرعون في طريقهم حتى إذا تتاموا فيه أطبقه الله عليهم فذلك قوله: {وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون}، قال معمر وقال قتادة قال كان مع موسى ستمائة ألف وأتبعه فرعون على ألفي ألف ومائتي ألف حصان). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 45 - 46]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ فرقنا بكم البحر}.
أمّا تأويل قوله: {وإذ فرقنا بكم} فإنّه عطفٌ على: {وإذ نجّيناكم} بمعنى: واذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم، واذكروا إذ نجّيناكم من آل فرعون، وإذ فرقنا بكم البحر.
ومعنى قوله: {فرقنا بكم} فصلنا بكم البحر، لأنّهم كانوا اثني عشر سبطًا، ففرق البحر اثني عشر طريقًا، فسلك كلّ سبطٍ منهم طريقًا منها. فذلك فرق اللّه بهم جلّ ثناؤه البحر، وفصله بهم بتفريقهم في طريق الاثنى عشر.
- كما حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ: « لمّا أتى موسى البحر كنّاه أبا خالدٍ، وضربه فانفلق فكان كلّ فرقٍ كالطّود العظيم، فدخلت بنو إسرائيل، وكان في البحر اثنا عشر طريقًا في كلّ طريقٍ سبطٌ».
وقد قال بعض نحويّي البصرة: معنى قوله: {وإذ فرقنا بكم البحر} فرقنا بينكم وبين الماء: يريد بذلك: فصلنا بينكم وبينه وحجزناه حيث مررتم به.
وذلك خلاف ما في ظاهر التّلاوة؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه إنّما أخبر أنّه فرق البحر بالقوم، ولم يخبر أنّه فرق بين القوم وبين البحر، فيكون التّأويل ما قاله قائل هذه المقالة، وفرقه البحر بالقوم، إنّما هو تفريقه البحر بهم على ما وصفنا من افتراق سبله بهم على ما جاءت به الآثار). [جامع البيان: 1 / 654 - 655]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون}
إن قال لنا قائلٌ: وكيف غرّق اللّه جلّ ثناؤه آل فرعون، ونجّى بني إسرائيل؟.
- قيل: له كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، عن عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد، قال: لقد ذكر لي أنّه خرج فرعون في طلب موسى على سبعين ألفًا من دهم الخيل سوى ما في جنده من شيه الخيل؛ وخرج موسى، حتّى إذا قابله البحر ولم يكن له عنه منصرفٌ، طلع فرعون في جنده من خلفهم {فلمّا تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنّا لمدركون قال} موسى: {كلاّ إنّ معي ربّي سيهدين} أي للنّجاة، وقد وعدني ذلك ولا خلف لوعده.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق، قال: أوحى اللّه إلى البحر فيما ذكر إذا ضربك موسى بعصاه فانفلق له، قال: فبات البحر يضرب بعضه بعضًا فرقًا من اللّه وانتظاره أمره، فأوحى اللّه جلّ وعزّ إلى موسى: {أن اضرب بعصاك البحر} فضربه بها وفيها سلطان اللّه الّذي أعطاه، {فانفلق فكان كلّ فرقٍ كالطّود العظيم} أي كالجبل على نشز من الأرض. يقول اللّه لموسى: {فاضرب لهم طريقًا في البحر يبسًا لا تخاف دركًا ولا تخشى} فلمّا استقرّ له البحر على طريقٍ قائمةٍ يبسٍ سلك فيه موسى ببني إسرائيل، وأتبعه فرعون بجنوده.
- وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، عن عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد اللّيثيّ، قال: حدّثت أنّه، لمّا دخلت بنو إسرائيل البحر، فلم يبق منهم أحدٌ، أقبل فرعون وهو على حصانٍ له من الخيل حتّى وقف على شفير البحر، وهو قائمٌ على حاله، فهاب الحصان أن ينفذه؛ فعرض له جبريل على فرسٍ أنثى وديقٍ، فقرّبها منه فشمّها الفحل، فلمّا شمّها قدّمها، فتقدّم معه الحصان عليه فرعون، فلمّا رأى جند فرعون فرعون قد دخل دخلوا معه وجبريل أمامه، وهم يتّبعون فرعون وميكائيل على فرسٍ من خلف القوم يشحذهم، يقول: الحقوا بصاحبكم. حتّى إذا فصل جبريل من البحر ليس أمامه أحدٌ، ووقف ميكائيل على ناحيته الأخرى وليس خلفه أحدٌ، طبق عليهم البحر، ونادى فرعون حين رأى من سلطان اللّه عزّ وجلّ وقدرته ما رأى وعرف ذلّه وخذلته نفسه: {آمنت أنّه لا إله إلاّ الّذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن عمرو بن ميمونٍ الأوديّ: في قوله: {وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون} قال: لمّا خرج موسى ببني إسرائيل بلغ ذلك فرعون، فقال: لا تتّبعوهم حتّى يصيح الدّيك. قال: فواللّه ما صاح ليلتئذٍ ديكٌ حتّى أصبحوا فدعا بشاةٍ فذبحت، ثمّ قال: لا أفرغ من كبدها حتّى يجتمع إليّ ستّمائة ألفٍ من القبط. فلم يفرغ من كبدها حتّى اجتمع إليه ستّمائة ألفٍ من القبط.
ثمّ سار، فلمّا أتى موسى البحر، قال له رجلٌ من أصحابه يقال له يوشع بن نونٍ: أين أمرك ربّك يا موسى؟ قال: أمامك. يشير إلى البحر. فأقحم يوشع فرسه في البحر حتّى بلغ الغمر، فذهب به ثمّ رجع، فقال: أين أمرك ربّك يا موسى؟ فواللّه ما كذبت ولا كذبت. ففعل ذلك ثلاث مرّاتٍ، ثمّ أوحى اللّه جلّ ثناؤه إلى موسى: {أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كلّ فرقٍ كالطّود العظيم} يقول: مثل جبلٍ. قال: ثمّ سار موسى ومن معه وأتبعهم فرعون في طريقهم، حتّى إذا تتامّوا فيه أطبقه اللّه عليهم، فلذلك قال: {وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون} قال معمرٌ: قال قتادة: « كان مع موسى ستّمائة ألفٍ، وأتبعه فرعون على ألف ألفٍ ومائتى ألف حصانٍ».
- وحدّثني عبد الكريم بن الهيثم، قال: حدّثنا إبراهيم بن بشّارٍ الرّماديّ، قال: حدّثنا سفيان قال: قال أبو سعدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: « أوحى اللّه جلّ وعزّ إلى موسى أن أسر بعبادي ليلاً إنّكم متّبعون. قال: فسرى موسى ببني إسرائيل ليلاً، فأتبعهم فرعون في ألف ألف حصانٍ سوى الإناث وكان موسى في ستّمائة ألفٍ، فلمّا عاينهم فرعون قال: {إنّ هؤلاء لشرذمةٌ قليلون وإنّهم لنا لغائظون وإنّا لجميعٌ حاذرون} فسرى موسى ببني إسرائيل حتّى هجموا على البحر، فالتفتوا فإذا هم برهج دوابّ فرعون فقالوا: يا موسى {أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا} هذا البحر أمامنا، وهذا فرعون قد رهقنا بمن معه {قال عسى ربّكم أن يهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون} قال: فأوحى اللّه جلّ ثناؤه إلى موسى {أن اضرب بعصاك البحر} وأوحى إلى البحر: أن اسمع لموسى وأطع إذا ضربك. قال: فبات البحر له أفكلٌ، يعني له رعدةٌ، لا يدري من أيّ جوانبه يضربه، قال: فقال يوشع لموسى: بماذا أمرت؟ قال: أمرت أن أضرب البحر. قال: فاضربه. قال: فضرب موسى البحر بعصاه، فانفلق، فكان فيه اثنا عشر طريقًا، كلّ طريقٍ كالطّود العظيم، فكان لكلّ سبطٍ منهم طريقٌ يأخذون فيه. فلمّا أخذوا في الطّريق، قال بعضهم لبعضٍ: ما لنا لا نرى أصحابنا؟ قالوا لموسى: أين أصحابنا لا نراهم؟ قال: سيروا فإنّهم على طريقٍ مثل طريقكم. قالوا: لا نرضى حتّى نراهم».
- قال سفيان، قال عمّارٌ الدّهنيّ: « قال موسى: اللّهمّ أعنّي على أخلاقهم السّيّئة. قال: فأوحى اللّه إليه: أن قل بعصاك هكذا وأومأ إبراهيم بيده يديرها على البحر قال موسى بعصاه على الحيطان هكذا، فصار فيها كوًى ينظر بعضهم إلى بعضٍ».
- قال سفيان: قال أبو سعدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: « فساروا حتّى خرجوا من البحر، فلمّا جاز آخر قوم موسى هجم فرعون على البحر هو وأصحابه، وكان فرعون على فرسٍ أدهم ذنوبٍ حصانٍ. فلمّا هجم على البحر هاب الحصان أن يقتحم في البحر، فتمثّل له جبريل على فرسٍ أنثى وديقٍ. فلمّا رآها الحصان تقحّم خلفها، وقيل لموسى: اترك البحر رهوًا، قال: طرقًا على حاله، قال: ودخل فرعون وقومه في البحر، فلمّا دخل آخر قوم فرعون وجاز آخر قوم موسى أطبق البحر على فرعون وقومه فأغرقوا».
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ: أنّ اللّه أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل، فقال: {أن أسر بعبادي ليلاً إنّكم متّبعون} فخرج موسى وهارون في قومهما، وألقي على القبط الموت فمات كلّ بكرٍ رجلٍ. فأصبحوا يدفنونهم، فشغلوا عن طلبهم حتّى طلعت الشّمس، فذلك حين يقول اللّه جلّ ثناؤه: {فأتبعوهم مشرقين} فكان موسى على ساقة بني إسرائيل، وكان هارون أمامهم يقدمهم. فقال المؤمن لموسى: يا نبيّ اللّه، أين أمرت؟ قال: البحر. فأراد أن يقتحم، فمنعه موسى. وخرج موسى في ستّمائة ألفٍ وعشرين ألف مقاتلٍ، لا يعدّون ابن العشرين لصغره ولا ابن السّتّين لكبره، وإنّما عدّوا ما بين ذلك سوى الذّرّيّة. وتبعهم فرعون وعلى مقدمته هامان في ألف ألفٍ وسبعمائة ألف حصانٍ ليس فيها ماديانه، يعني الأنثى؛ وذلك حين يقول اللّه جلّ ثناؤه: {فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إنّ هؤلاء لشرذمةٌ قليلون}
يعني بني إسرائيل. فتقدّم هارون، فضرب البحر، فأبى البحر أن ينفتح، وقال: من هذا الجبّار الّذي يضربني؟ حتّى أتاه موسى، فكنّاه أبا خالدٍ وضربه فانفلق {فكان كلّ فرقٍ كالطّود العظيم} يقول: كالجبل العظيم. فدخلت بنو إسرائيل. وكان في البحر اثنا عشر طريقًا، في كلّ طريقٍ سبطٌ، وكانت الطّرق انفلقت بجدرانٍ، فقال كلّ سبطٍ: قد قتل أصحابنا. فلمّا رأى ذلك موسى، دعا اللّه، فجعلها لهم قناطر كهيئة الطّيقان. فنظر آخرهم إلى أوّلهم، حتّى خرجوا جميعًا. ثمّ دنا فرعون وأصحابه، فلمّا نظر فرعون إلى البحر منفلقًا، قال: ألا ترون البحر فرق منّي قد انفتح لي حتّى أدرك أعدائي فأقتلهم؟ فذلك حين يقول اللّه جلّ ثناؤه: {وأزلفنا ثمّ الآخرين} يقول: قرّبنا ثمّ الآخرين؛ يعني آل فرعون. فلمّا قام فرعون على أفواه الطّرق أبت خيله أن تقتحم، فنزل جبريل على ماذبانه، فشامّت الحصان ريح الماديانه، فاقتحمت في أثرها، حتّى إذا همّ أوّلهم أن يخرج ودخل آخرهم، أمر البحر أن يأخذهم، فالتطم عليهم.
- وحدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: « لمّا أخذ عليهم فرعون الأرض إلى البحر قال لهم فرعون: قولوا لهم يدخلون البحر إن كانوا صادقين. فلمّا رآهم أصحاب موسى، قالوا: {إنّا لمدركون قال كلاّ إنّ معي ربّي سيهدين} فقال موسى للبحر: ألست تعلم أنّي رسول اللّه؟ قال: بلى. قال: وتعلم أنّ هؤلاء عبادٌ من عباد اللّه أمرني أن آتي بهم؟ قال: بلى. قال: أتعلم أنّ هذا عدوّ اللّه؟ قال: بلى. قال: فافرق لي طريقًا ولمن معي. قال: يا موسى، إنّما أنا عبدٌ مملوكٌ ليس لي أمرٌ إلاّ أن يأمرني اللّه تعالى. فأوحى اللّه عزّ وجلّ إلى البحر: إذا ضربك موسى بعصاه فانفرق، وأوحى إلى موسى أن يضرب البحر، وقرأ قول اللّه تعالى: {فاضرب لهم طريقًا في البحر يبسًا لا تخاف دركًا ولا تخشى} وقرأ قوله: {واترك البحر رهوًا} سهلاً ليس فيه تعدٍّ. فانفرق اثنتي عشرة فرقةً، فسلك كلّ سبطٍ في طريقٍ. قال: فقالوا لفرعون: إنّهم قد دخلوا البحر. قال: ادخلوا عليهم، قال: وجبريل في آخر بني إسرائيل يقول لهم: ليلحق آخركم أوّلكم. وفي أوّل آل فرعون، يقول لهم: رويدًا يلحق آخركم أوّلكم. فجعل كلّ سبطٍ في البحر يقولون للسّبط الّذين دخلوا قبلهم: قد هلكوا. فلمّا دخل ذلك قلوبهم، أوحى اللّه جلّ وعزّ إلى البحر، فجعل لهم قناطر ينظر هؤلاء إلى هؤلاء، حتّى إذا خرج آخر هؤلاء ودخل آخر هؤلاء أمر اللّه البحر فأطبق على هؤلاء».
ويعني بقوله: {وأنتم تنظرون} أي تنظرون إلى فرق اللّه لكم البحر وإهلاكه آل فرعون في الموضع الّذي نجّاكم فيه، وإلى عظيم سلطانه في الّذي أراكم من طاعة البحر إيّاه من مصير ركامًا فلقًا كهيئة الأطواد الشّامخة غير زائلٍ عن حدّه، انقيادًا لأمر اللّه وإذعانًا لطاعته، وهو سائلٌ ذائبٌ قبل ذلك.
يوقفهم بذلك جلّ ذكره على موضع حججه عليهم، ويذكّرهم آلاءه عند أوائلهم، ويحذّرهم بتكذيبهم نبيّنا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يحلّ بهم ما حلّ بفرعون وآله في تكذيبهم موسى صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقد زعم بعض أهل العربيّة أنّ معنى قوله: {وأنتم تنظرون} كمعنى قول القائل: ضربت وأهلك ينظرون، فما أتوك ولا أغاثوك، بمعنى: وهم قريبٌ بمرأى ومسمعٍ، وكقول اللّه تعالى: {ألم تر إلى ربّك كيف مدّ الظّلّ} وليس هناك رؤيةٌ، إنّما هو علمٌ.
والّذي دعاه إلى هذا التّأويل أنّه وجّه قوله: {وأنتم تنظرون} أي وأنتم تنظرون إلى غرق فرعون. فقال: قد كانوا في شغلٍ من أن ينظروا ممّا اكتنفهم من البحر إلى فرعون وغرقه.
وليس التّأويل الّذي تأوّله تأويل الكلام، إنّما التّأويل: وأنتم تنظرون إلى فرق اللّه البحر لكم على ما قد وصفنا آنفًا، والتطام أمواج البحر بآل فرعون في الموضع الّذي صيّر لكم في البحر طريقًا يبسًا، وذلك كان لا شكّ نظر عيانٍ لا نظر علمٍ كما ظنّه قائل هذا القول الّذي حكينا قوله). [جامع البيان: 1 / 655 - 663]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون (50)}
قوله: {وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون}
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ عن أبي إسحاق الهمدانيّ عن عمرو بن ميمونٍ الأوديّ في قوله: {وإذ فرقنا بكم البحر} إلى قوله: {تنظرون} قال: لمّا خرج موسى ببني إسرائيل، بلغ ذلك فرعون فقال: لا تتّبعوهم حتّى يصيح الديك. قال فو الله ما صاح ليلتئذٍ ديكٌ حتّى أصبحوا، فدعا بشاةٍ فذبحت ثمّ قال: لا أفرغ من كبدها حتّى يجتمع إليّ ستّمائة ألفٍ من القبط. فلم يفرغ حتّى اجتمع إليه ستّمائة ألفٍ من القبط، ثمّ سار فلمّا أتى موسى قال له رجلٌ من أصحابه يقال له يوشع بن نونٍ: أين أمر ربّك يا موسى؟ قال: أمامك يشير إلى البحر. فاقتحم يوشع فرسه في البحر حتّى بلغ الغمر فذهب به الغمر ثمّ رجع فقال: أين أمر ربك يا موسى، فو الله ما كذبت ولا كذّبت ففعل ذلك ثلاث مرارٍ، ثمّ أوحى اللّه إلى موسى: أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق فكان كلّ فرقٍ كالطّود العظيم. يقول مثل الجبل، ثمّ سار موسى ومن معه واتّبعهم فرعون في طريقهم حتّى إذا تتامّوا فيه أطبقه اللّه عليهم، فلذلك قال أغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون.
- أخبرنا محمّد بن عبيد اللّه بن المنادي فيما كتب إليّ ثنا يونس بن محمّدٍ المؤدّب ثنا شيبان النّحويّ عن قتادة: قوله: {وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون} قال: « أي واللّه لفرق لهم البحر حتّى صار طريقًا يبسًا يمشون فيه فأنجيناهم وأغرق آل فرعون عدوّهم، نعمًا من اللّه يعرّفهم بها لكي ما يشكروا ويعرفوا حقّه».
- أخبرنا عمّار بن خالدٍ ثنا محمّد بن الحسن ويزيد بن هارون عن أصبغ بن زيدٍ عن القاسم بن أبي أيّوب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: « فلمّا جاوز أصحاب موسى- عليه السّلام- البحر قالوا: إنّا نخاف أن لا يكون فرعون غرق، ولا نؤمن بهلاكه، فدعا ربّه تبارك وتعالى فأخرجه لهم ببدنه حتّى يستيقنوا». ). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 106 - 107]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون}
أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون} قال: « أي والله لفرق بهم البحر حتى صار طريقا يبسا يمشون فيه (فأنجاهم وأغرق آل فرعون) عدوهم نعم من عند الله يعرفهم لكيما يشكروا ويعرفوا حقه».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي عن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال: « ما هذا اليوم الذي تصومون؟»قالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصومه».
وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير، إن هرقل كتب إلى معاوية وقال: إن كان بقي فيهم شيء من النبوة فسيخبرني عما أسالهم عنه، قال: وكتب إليه يسأله عن المجرة وعن القوس وعن البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة واحدة قال: فلما أتى معاوية الكتاب والرسول قال: « إن هذا شيء مل كنت آبه له أن أسال عنه إلى يومي هذا، من لهذا؟» قالوا: ابن عباس، وطوى معاوية كتاب هرقل وبعثه إلى ابن عباس فكتب إليه: « إن القوس أمان لأهل الأرض من الغرق والمجرة باب السماء الذي تشق منه وأما البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من نهار فالبحر الذي أفرج عن بني إسرائيل».
وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: « فلق البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء».). [الدر المنثور: 1 / 365 - 367]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ واعدنا}.
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأ بعضهم: {واعدنا} بمعنى أنّ اللّه تعالى واعد موسى موافاة الطّور لمناجاته، فكانت المواعدة من اللّه لموسى، ومن موسى لربّه.
وكان من حجّتهم على اختيارهم قراءة {واعدنا} على (واعدنا ) أن قالوا: كلّ إتعادٍ كان بين اثنين للالتقاء أو للاجتماع، فكلّ واحدٍ منهما مواعدٌ صاحبه ذلك، فلذلك زعموا أنّه وجب أن يقضي لقراءة من قرأ: {واعدنا} بالاختيار على قراءة من قرأ (واعدنا ).
وقرأ بعضهم: (وعدنا ) بمعنى أنّ اللّه الواعد موسى، والمنفرد بالوعد دونه. وكان من حجّتهم في اختيارهم ذلك، أن قالوا: إنّما تكون المواعدة بين البشر، فأمّا اللّه جلّ ثناؤه فإنّه المنفرد بالوعد والوعيد في كلّ خيرٍ وشرٍّ. قالوا: وبذلك جاء التّنزيل في القرآن كلّه، فقال جلّ ثناؤه: {إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ} وقال: {وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم} قالوا: فكذلك الواجب أن يكون هو المنفرد بالوعد في قوله: (وإذ وعدنا موسى ).
قال أبو جعفرٍ: والصّواب عندنا في ذلك من القول، أنّهما قراءتان قد جاءت بهما الأمّة وقرأت بهما القرّاء، وليس في القراءة بإحداهما إبطال معنى الأخرى، وإن كان في إحداهما زيادة معنى على الأخرى من جهة الظّاهر والتّلاوة. فأمّا من جهة المفهوم بهما فهما متّفقتان، وذلك أنّ من أخبر عن شخصٍ أنّه وعد غيره اللّقاء بموضعٍ من المواضع، فمعلومٌ أنّ الموعود ذلك واعد صاحبه من لقائه بذلك المكان، مثل الّذي وعده من ذلك صاحبه إذا كان راضيا مجيبا صاحبه إلى ما وعده مثل الذى وعده من ذلك صاحبه إذا كان وعده ما وعده إيّاه من ذلك عن اتّفاقٍ منهما عليه.
ومعلومٌ أنّ موسى صلوات اللّه عليه لم يعده ربّه الطّور إلاّ عن رضا موسى بذلك، إذ كان موسى غير مشكوكٍ فيه أنّه كان بكلّ ما أمر اللّه به راضيًا، وإلى محبّته فيه مسارعًا. ومعقولٌ أنّ اللّه تعالى لم يعد موسى ذلك إلاّ وموسى عليه السلام له مستجيبٌ. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنّ اللّه عزّ ذكره قد كان وعد موسى الطّور، ووعده موسى اللّقاء، وكان اللّه عزّ ذكره لموسى واعدًا ومواعدًا له المناجاة على الطّور، وكان موسى واعدًا لربّه مواعدًا له اللّقاء. فبأيّ القراءتين من وعد وواعد قرأ القارئ، فهو للحقّ في ذلك من جهة التّأويل واللّغة، مصيبٌ لما وصفنا من العلل قبل.
ولا معنى لقول القائل: إنّما تكون المواعدة بين البشر، وأنّ اللّه بالوعد والوعيد منفردٌ في كلّ خيرٍ وشرٍّ؛ وذلك أنّ انفراد اللّه بالوعد والوعيد في الثّواب والعقاب والخير والشّرّ والنّفع والضّرّ الّذي هو بيده وإليه دون سائر خلقه، لا يحيل الكلام الجاري بين النّاس في استعمالهم إيّاه عن وجوهه ولا يغيّره عن معانيه. والجاري بين النّاس من الكلام المفهوم ما وصفنا من أنّ كلّ إيعادٍ كان بين اثنين فهو وعدٌ من كلّ واحدٍ منهما صاحبه ومواعدةٌ بينهما، وأنّ كلّ واحدٍ منهما واعدٌ صاحبه مواعدٌه، وأنّ الوعد الّذي يكون به الانفراد من الواعد دون الموعود إنّما هو ما كان بمعنى الوعد الّذي هو خلاف الوعيد). [جامع البيان: 1 / 663 - 665]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {موسى}.
قال أبو جعفرٍ: وموسى فيما بلغنا بالقبطيّة كلمتان، يعني بهما: ماءٌ وشجرٌ، فمو: هو الماء، وسا: هو الشّجر.
وإنّما سمّي بذلك فيما بلغنا، لأنّ أمّه لمّا جعلته في التّابوت حين خافت عليه من فرعون وألقته في اليمّ كما أوحى اللّه إليها، وقيل: إنّ اليمّ الّذي ألقته فيه هو النّيل، دفعته أمواج اليمّ، حتّى أدخلته بين أشجارٍ عند بيت فرعون، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن، فوجدن التّابوت، فأخذنه، فسمّي باسم المكان الّذي أصيب فيه. وكان ذلك بمكان فيه ماءٌ وشجرٌ، فقيل: موسى ماءٌ وشجرٌ.
- كذلك حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، عن أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ.
قال أبو جعفرٍ: وهو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب إسرائيل اللّه ابن إسحاق ذبيح اللّه ابن إبراهيم خليل اللّه فيما زعم ابن إسحاق حدّثني بذلك ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عنه). [جامع البيان: 1 / 665 - 666]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أربعين ليلةً}.
قال أبو جعفرٍ: ومعنى ذلك {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً} بتمامها، فالأربعون اليلةً كلّها داخلةٌ في الميعاد.
وقد زعم بعض نحويّي البصرة أنّ معناه: وإذ واعدنا موسى انقضاء أربعين ليلةً أي رأس الأربعين، ومثّل ذلك بقوله: {واسأل القرية} وبقولهم اليوم أربعون منذ خرج فلانٌ، واليوم يومان، أي اليوم تمام يومين وتمام أربعين.
قال أبو جعفرٍ: وذلك خلاف ما جاءت به الرّواية عن أهل التّأويل وخلاف ظاهر التّلاوة، فأمّا ظاهر التّلاوة، فإنّ اللّه جلّ ثناؤه قد أخبر أنّه واعد موسى أربعين ليلةً، فليس لأحدٍ إحالة ظاهر خبره إلى باطنٍ بغير برهانٍ دالٍّ على صحّته.
وأمّا أهل التّأويل فإنّهم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره وهو ما حدّثني به المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، قوله: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً} قال: « يعني ذا القعدة وعشرًا من ذي الحجّة. وذلك حين خلف موسى أصحابه واستخلف عليهم هارون، فمكث على الطّور أربعين ليلةً، وأنزل عليه التّوراة في الألواح، وكانت الألواح من بردٍ. فقرّبه الرّبّ نجيًّا، وكلّمه، وسمع صريف القلم. وبلغنا أنّه لم يحدث حدثًا في الأربعين ليلةً حتّى هبط من الطّور».
- وحدّثت عن عمّار بن الحسن، حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، بنحوه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، قال: وعد اللّه موسى حين أهلك فرعون وقومه، ونجّاه وقومه ثلاثين ليلةً، ثمّ أتمّها بعشرٍ، فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلةً، يلقّاه فيها بما شاء. واستخلف موسى هارون على بني إسرائيل، وقال: إنّي متعجّلٌ إلى ربّي فاخلفني في قومي ولا تتّبع سبيل المفسدين. فخرج موسى إلى ربّه متعجّلاً للقائه شوقًا إليه، وأقام هارون في بني إسرائيل ومعه السّامريّ يسير بهم على أثر موسى ليلحقهم به.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: انطلق موسى واستخلف هارون على بني إسرائيل، وواعدهم ثلاثين ليلةً وأتمّها اللّه بعشرٍ). [جامع البيان: 1 / 666 - 668]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون}.
قال أبو جعفرٍ: وتأويل قوله: {ثمّ اتّخذتم العجل من بعده} ثمّ اتّخذتم في أيّام مواعدة موسى العجل إلهًا من بعد أن فارقكم موسى متوجّهًا إلى الموعد. والهاء في قوله: {من بعده} عائدةٌ على ذكر موسى.
فأخبر جلّ ثناؤه المخالفين نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم من يهود بني إسرائيل المكذّبين به المخاطبين بهذه الآية، عن فعل آبائهم وأسلافهم وتكذيبهم رسلهم وخلافهم أنبياءهم، مع تتابع نعمه عليهم وسبوغ آلائه لديهم، معرّفهم بذلك أنّهم من خلافهم محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وتكذيبهم به وجحودهم لرسالته، مع علمهم بصدقه على مثل منهاج آبائه وأسلافهم، ومحذّرهم من نزول سطوته بهم بمقامهم على ذلك من تكذيبهم ما نزل بأوائلهم المكذّبين بالرّسل من المسخ واللّعن وأنواع النّقمات.
وكان سبب اتّخاذهم العجل ما حدّثني به عبد الكريم بن الهيثم، قال: حدّثنا إبراهيم بن بشّارٍ الرّماديّ، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، قال: حدّثنا أبو سعيدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: « لمّا هجم فرعون على البحر هو وأصحابه، وكان فرعون على فرسٍ أدهم ذنوبٍ حصانٍ؛ فلمّا هجم على البحر هاب الحصان أن يتقحم في البحر، فتمثّل له جبريل على فرسٍ أنثى وديقٍ، فلمّا رآها حصان فرعون تقحّم خلفها. قال: وعرف السّامريّ جبريل لأنّ أمّه حين خافت أن يذبح خلّفته في غارٍ وأطبقت عليه، فكان جبريل يأتيه فيغذوه بأصابعه، فيجد في إحدى أصابعه لبنًا، وفي الأخرى عسلاً، وفي الأخرى سمنًا. فلم يزل يغذوه حتّى نشأ، فلمّا عاينه في البحر عرفه، فقبض قبضةً من أثر فرسه. قال: أخذ من تحت الحافر قبضةً». قال سفيان: « فكان ابن مسعودٍ يقرؤها: فقبضت قبضةً من أثر فرس الرّسول».
- قال أبو سعيدٍ، قال عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: « وألقي في روع السّامريّ أنّك لا تلقيها على شيءٍ فتقول كن كذا وكذا إلاّ كان. فلم تزل القبضة معه في يده حتّى جاوز البحر. فلمّا جاوز موسى وبنو إسرائيل البحر، وأغرق اللّه آل فرعون، قال موسى لأخيه هارون: {اخلفني في قومي وأصلح} ومضى موسى لموعد ربّه. قال: وكان مع بني إسرائيل حليٌّ من حليّ آل فرعون قد تعوّروه، فكأنّهم تأثّموا منه، فأخرجوه لتنزل النّار فتأكله، فلمّا جمعوه، قال السّامريّ بالقبضة الّتي كانت في يده هكذا، فقذفها فيه، وأومأ أبو إسحاق بيده هكذا، وقال: كن عجلاً جسدًا له خوارٌ. فصار عجلاً جسدًا له خوارٌ. وكان يدخل الرّيح في دبره ويخرج من فيه يسمع له صوتٌ، فقال: هذا إلهكم وإله موسى. فعكفوا على العجل يعبدونه، فقال هارون: {يا قوم إنّما فتنتم به وإنّ ربّكم الرّحمن فاتّبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتّى يرجع إلينا موسى}».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ: لمّا أمر اللّه موسى أن يخرج ببني إسرائيل، يعني من أرض مصر، أمر موسى بني إسرائيل أن يخرجوا وأمرهم أن يستعيروا الحليّ من القبط. فلمّا نجّى اللّه موسى ومن معه من بني إسرائيل من البحر، وغرق آل فرعون، أتى جبريل إلى موسى يذهب به إلى اللّه، فأقبل على فرسٍ فرآه السّامريّ، فأنكره، ويقال: إنّه فرس الحياة. فقال حين رآه: إنّ لهذا لشأنًا. فأخذ من تربة الحافر حافر الفرس. فانطلق موسى، واستخلف هارون على بني إسرائيل، وواعدهم ثلاثين ليلةً، وأتمّها اللّه بعشرٍ. فقال لهم هارون: يا بني إسرائيل. إنّ الغنيمة لا تحلّ لكم، وإنّ حليّ القبط إنّما هو غنيمةٌ، فاجمعوها جميعًا، واحفروا لها حفرةً فادفنوها، فإن جاء موسى فأحلّها أخذتموها، وإلاّ كان شيئًا لم تأكلوه. فجمعوا ذلك الحليّ في تلك الحفرة، وجاء السّامريّ بتلك القبضة، فقذفها، فأخرج اللّه من الحليّ عجلاً جسدًا له خوارٌ. وعدّت بنو إسرائيل موعد موسى، فعدّوا اللّيلة يومًا واليوم يومًا، فلمّا كان تمام العشرين خرج لهم العجل؛ فلمّا رأوه قال لهم السّامريّ: {هذا إلهكم وإله موسى فنسي} يقول: ترك موسى إلهه ههنا وذهب يطلبه. فعكفوا عليه يعبدونه. وكان يخور ويمشي، فقال لهم هارون: يا بني إسرائيل {إنّما فتنتم به} يقول: إنّما ابتليتم به، يقول: بالعجل، وإنّ ربّكم الرّحمن. فأقام هارون ومن معه من بني إسرائيل لا يقاتلونهم. وانطلق موسى إلى إلهه يكلّمه، فلمّا كلّمه قال له: {وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك ربّ لترضى} {قال فإنّا قد فتنّا قومك من بعدك وأضلّهم السّامريّ} فأخبره خبرهم، قال موسى: يا ربّ هذا السّامريّ أمرهم أن يتخّذوا العجل، أرأيت الرّوح من نفخها فيه؟ قال الرّبّ: أنا. قال: ربّ أنت إذًن أضللتهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان فيما ذكر لي أنّ موسى قال لبني إسرائيل فيما أمره اللّه عزّ وجلّ به: استعيروا منهم، يعني من آل فرعون، الأمتعة والحليّ والثّياب، فإنّي منفّلكم أموالهم مع هلاكهم. فلمّا أذّن فرعون في النّاس، كان ممّا يحرّض به على بني إسرائيل أن قال: حين ساروا: لم يرضوا أن يخرجوا بأنفسهم حتّى ذهبوا بأموالكم معهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن حكيم بن جبيرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «كان السّامريّ رجلاً من أهل باجرما، وكان من قومٍ يعبدون البقر، وكان حبّ عبادة البقر في نفسه، وكان قد أظهر الإسلام في بني إسرائيل. فلمّا فصل هارون في بني إسرائيل وفصل موسى إلى ربّه، قال لهم هارون: أنتم قد حمّلتم أوزارًا من زينة القوم، آل فرعون، وأمتعةً وحليًّا، فتطهّروا منها، فإنّها نجسٌ. وأوقد لهم نارًا، فقال: اقذفوا ما كان معكم من ذلك فيها. قالوا: نعم. فجعلوا يأتون بما كان فيهم من تلك الأمتعة وذلك الحليّ، فيقذفون به فيها، حتّى إذا تكسّر الحليّ فيها ورأى السّامريّ أثر فرس جبريل أخذ ترابًا من أثر حافره، ثمّ أقبل إلى النّار فقال لهارون: يا نبيّ اللّه ألقي ما في يدي؟ قال: نعم. ولا يظنّ هارون إلاّ أنّه كبعض ما جاء به غيره من ذلك الحليّ والأمتعة. فقذفه فيها فقال: كن عجلاً جسدًا له خوارٌ. فكان للبلاء والفتنة، فقال: {هذا إلهكم وإله موسى} فعكفوا عليه، وأحبّوه حبًّا لم يحبّوا مثله شيئًا قطّ. يقول اللّه عزّ وجلّ: {فنسي} أي ترك ما كان عليه من الإسلام، يعني السّامريّ {أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولاً ولا يملك لهم ضرًّا ولا نفعًا} قال: وكان اسم السّامريّ موسى بن ظفرٍ، وقع في أرض مصر، فدخل في بني إسرائيل. فلمّا رأى هارون ما وقعوا فيه: قال {يا قوم إنّما فتنتم به وإنّ ربّكم الرّحمن فاتّبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتّى يرجع إلينا موسى} فأقام هارون فيمن معه من المسلمين ممّن لم يفتتن، وأقام من يعبد العجل على عبادة العجل. وتخوّف هارون إن سار بمن معه من المسلمين أن يقول له موسى: {فرّقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي} وكان له هائبًا مطيعًا».
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «لمّا أنجى اللّه عزّ وجلّ بني إسرائيل من فرعون، وأغرق فرعون ومن معه، قال موسى لأخيه هارون: {اخلفني في قومي وأصلح ولا تتّبع سبيل المفسدين} قال: لمّا خرج موسى وأمر هارون ما أمره وخرج موسى متعجّلاً مسرورًا إلى اللّه. قد عرف موسى أنّ المرء إذا أنجح في حاجة سيّده كان يسرّه أن يتعجّل إليه. قال: وكان حين خرجوا استعاروا حليًّا وثيابًا من آل فرعون، فقال لهم هارون: إنّ هذه الثّياب والحليّ لا تحلّ لكم، فاجمعوا نارًا، فألقوه فيها فأحرقوه.
قال: فجمعوا نارًا. قال: وكان السّامريّ قد نظر إلى أثر دابّة جبريل، وكان جبريل على فرسٍ أنثى، وكان السّامريّ في قوم موسى. قال: فنظر إلى أثره فقبض منه قبضةً، فيبست عليها يده؛ فلمّا ألقى قوم موسى الحليّ في النّار، وألقى السّامريّ معهم القبضة، صوّر اللّه جلّ وعزّ ذلك لهم عجلاً ذهبًا، فدخلته الرّيح، فكان له خوارٌ، فقالوا: ما هذا؟ فقال السّامريّ الخبيث: {هذا إلهكم وإله موسى فنسي} الآية، إلى قوله: {حتّى يرجع إلينا موسى} قال: حتّى إذا أتى موسى الموعد، قال اللّه: {وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري} فقرأ حتّى بلغ: {أفطال عليكم العهد}».
- حدّثنا القاسم بن الحسن، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: في قوله: {ثمّ اتّخذتم العجل من بعده} قال: « العجل حسيل البقرة. قال: حليٌّ استعاروه من آل فرعون، فقال لهم هارون: أخرجوه فتطهّروا منه وأحرقوه. وكان السّامريّ قد أخذ قبضةً من أثر فرس جبريل، فطرحه فيه فانسبك، وكان له كالجوف تهوي فيه الرّياح».
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: «إنّما سمّي العجل، لأنّهم عجلوا فاتّخذوه قبل أن يأتيهم موسى».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو الباهليّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثني عيسى، حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ جميعا عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: {ثمّ اتّخذتم العجل} «حسيل البقرة. قال: حليٌّ استعاروه من آل فرعون، فقال لهم هارون: أخرجوه فتطهّروا منه وأحرقوه. وكان السّامريّ أخذ قبضةً من أثر فرس جبريل، فطرحه فيه فانسبك، وكان له كالجوف تهوي فيه الرّياح».
وتأويل قوله: {وأنتم ظالمون} يعني وأنتم واضعو العبادة في غير موضعها؛ لأنّ العبادة لا تنبغي إلاّ للّه عزّ وجلّ وعبدتم أنتم العجل ظلمًا منكم ووضعًا للعبادة في غير موضعها.
وقد دلّلنا في غير هذا الموضع ممّا مضى من كتابنا أنّ أصل كلّ ظلمٍ وضع الشّيء في غير موضعه فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 1 / 668 - 675]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً ثمّ اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (51)}
قوله: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية في قوله: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً} «يعني ذا القعدة وعشرًا من ذي الحجّة، وذلك حين خلّف موسى أصحابه واستخلف عليهم هارون، فمكث على الطّور أربعين ليلةً، وأنزل عليه التّوراة في الألواح، فقرّبه الرّبّ نجيًّا وكلّمه، وسمع صريف القلم، وبلغنا أنّه لم يحدث في الأربعين ليلةً حتّى هبط من الطور».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 107]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ثمّ اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون}
- به عن الرّبيع قال: قال أبو العالية: «وإنّما سمّي العجل لأنّهم عجّلوا فاتّخذوه قبل أن يأتيهم موسى».
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: قوله: «العجل حسيل البقرة- ولد البقرة».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 108]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وأنتم ظالمون}
- به عن مجاهد قوله: {ظالمون}، قال: «أصحاب العجل».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 108]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون}.
أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة} قال: «ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة وذلك حين خلف موسى أصحابه واستخلف عليهم هارون فمكث على الطور أربعين ليلة وأنزل عليهم التوراة في اللوح فقربه الرب نجيا وكلمه وسمع صرير القلم وبلغنا أنه لم يحدث حدثا في الأربعين ليلة حتى هبط الطور ».
أما قوله {ثم اتخذتم}.أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: «اسم عجل بني سرائيل الذي عبدوه يهبوب».). [الدر المنثور: 1 / 367]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ عفونا عنكم من بعد ذلك لعلّكم تشكرون}.
قال أبو جعفرٍ: وتأويل قوله: {ثمّ عفونا عنكم من بعد ذلك} يقول: ثم تركنا معاجلتكم بالعقوبة من بعد ذلك، أي من بعد اتّخاذكم العجل إلهًا.
- كما حدّثني به المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا آدم العسقلانيّ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {ثمّ عفونا عنكم من بعد ذلك} «يعني من بعد ما اتّخذتم العجل».
وأمّا تأويل قوله: {لعلّكم تشكرون} فإنّه يعني به: لتشكروا. ومعنى لعلّ في هذا الموضع معنى كي، وقد بيّنت فيما مضى قبل أنّ أحد معاني لعلّ كي بما فيه الكفاية عن إعادته في هذا الموضع.
فمعنى الكلام إذًا: ثمّ عفونا عنكم من بعد اتّخاذكم العجل إلهًا لتشكروا لي على عفوي عنكم، إذ كان العفو يوجب الشّكر على أهل اللّبّ والعقل). [جامع البيان: 1 / 675 - 676]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {ثمّ عفونا عنكم من بعد ذلك لعلّكم تشكرون (52) وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلّكم تهتدون (53)}
قوله: {ثمّ عفونا عنكم من بعد ذلك}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع عن أبي العالية في قوله: {ثمّ عفونا عنكم من بعد ذلك} «يعني من بعد ما اتّخذوا العجل». وروي ذلك عن الرّبيع بن أنسٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 108]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لعلّكم}
- حدّثنا أبي ثنا ابن أبي عمر العدنيّ ثنا سفيان عن مسعرٍ عن عون بن عبد اللّه في قوله: {لعلّكم} قال: « إنّ لعلّ من اللّه واجبٌ».
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى الكوفيّ ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ عن أسباطٍ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ: قوله: {لعلّكم} «يعني كي».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 108]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {تشكرون}
- أخبرنا محمّد بن حبالٍ القهندزيّ فيما كتب إليّ ثنا عمر- يعني ابن عبد الغفّار- قال: قال سفيان بن عيينة: «على كلّ مسلمٍ أن يشكر ربّه عزّ وجلّ: لأنّ اللّه قال: {لعلّكم تشكرون}».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 108]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون}
أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {ثم عفونا عنكم من بعد ذلك} «يعني من بعد ما اتخذتم العجل».). [الدر المنثور: 1 / 367 - 368]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلّكم تهتدون}.
قال أبو جعفرٍ: يعني بقوله: {وإذ آتينا موسى الكتاب} واذكروا أيضًا إذ آتينا موسى الكتاب والفرقان. ويعني بالكتاب: التّوراة، وبالفرقان: الفصل بين الحقّ والباطل.
- كما حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية: في قوله: {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان} قال: «فرّق فيه بين الحقّ والباطل».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو الباهليّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قول اللّه: {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان} قال: «الكتاب: هو الفرقان، فرقان بين الحقّ والباطل».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- وحدّثني القاسم بن الحسن، قالا: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ قوله: {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان} قال: «الكتاب: هو الفرقان، فرّق بين الحقّ والباطل».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: وقال ابن عبّاسٍ: «الفرقان: جماع اسم التّوراة والإنجيل والزّبور والفرقان».
وقال ابن زيدٍ في ذلك بما حدّثني به، يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سألته، يعني ابن زيدٍ، عن قول اللّه عزّ وجلّ: {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان} فقال: «أمّا الفرقان الّذي قال اللّه جلّ وعزّ: {يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} فذلك يوم بدرٍ، يوم فرّق اللّه بين الحقّ والباطل، والقضاء الّذي فرّق به بين الحقّ والباطل. قال: فكذلك أعطى اللّه موسى الفرقان، فرّق اللّه بينهم، وسلّمه اللّه وأنجاه فرّق بينهم بالنّصر، فكما جعل اللّه ذلك بين محمّدٍ والمشركين، فكذلك جعله بين موسى وفرعون».
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذين التّأويلين بتأويل الآية ما روي عن ابن عبّاسٍ وأبي العالية ومجاهدٍ، من أنّ الفرقان الّذي ذكر اللّه أنّه آتاه موسى في هذا الموضع هو الكتاب الّذي فرّق به بين الحقّ والباطل، وهو نعتٌ للتّوراة وصفةٌ لها. فيكون تأويل الآية حينئذٍ: وإذ آتينا موسى التّوراة الّتي كتبناها له في الألواح، وفرّقنا بها بين الحقّ والباطل. فيكون الكتاب نعتًا للتّوراة أقيم مقامها استغناءً به عن ذكر التّوراة، ثمّ عطف عليه الفرقان، إذ كان من نعتها. وقد بيّنّا معنى الكتاب فيما مضى من كتابنا هذا، وأنّه بمعنى المكتوب.
وإنّما قلنا هذا التّأويل أولى بالآية وإن كان محتملاً غيره من التّأويل، لأنّ الّذي قبله من ذكر الكتاب، وأنّ معنى الفرقان الفصل، وقد دلّلنا على ذلك فيما مضى من كتابنا هذا، فإلحاقه إذ كان كذلك بصفة ما وليه أولى من إلحاقه بصفة ما بعد منه.
وأمّا تأويل قوله: {لعلّكم تهتدون} فنظير تأويل قوله تعالى: {لعلّكم تشكرون} ومعناه لتهتدوا. وكأنّه قال: واذكروا أيضًا إذ آتينا موسى التّوراة الّتي تفرّق بين الحقّ والباطل لتهتدوا بها وتتّبعوا الحقّ الّذي فيها لأنّي جعلتها كذلك هدًى لمن اهتدى بها واتّبع ما فيها). [جامع البيان: 1 / 676 - 678]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإذ آتينا موسى الكتاب}
- حدّثنا أبي ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ أنبأ عمران أبو العوّام- القطّان عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «نزّل صحف إبراهيم في أوّل ليلةٍ من رمضان، وأنزل التّوراة لستٍّ مضين من رمضان».
- حدّثنا أبي ثنا نصر بن عليٍّ، أخبرنا أبي عن خالد بن قيسٍ عن قتادة في قوله: {الكتاب}. قال: «التوراة».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 108 - 109]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {والفرقان لعلكم تهتدون}
[الوجه الأوّل]
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية في قوله: {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان} قال: «فرّق فيه بين الحقّ والباطل». وروي عن مجاهدٍ والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- ذكر لي عن سعيد بن أبي مريم عن ابن لهيعة عن عطاء بن دينارٍ عن سعيد ابن جبيرٍ: {آتينا موسى الكتاب والفرقان} «علم الكتاب وتبيانه وحكمته».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 109]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لعلّكم تهتدون}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء ابن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: {لعلّكم} «يعني لكي».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 109]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وإذ آتينا موسى الكتاب} قال: «هو القرآن والفرقان فرق فيه بين الحق والباطل».). [تفسير مجاهد: 75]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون}.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان} قال: «الكتاب هو الفرقان فرق بين الحق والباطل».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس قال: «الفرقان جماع اسم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان».). [الدر المنثور: 1 / 368]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 07:52 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({يسومونكم سوء العذاب (49)}: يولونكم أشدّ العذاب.
{وفي ذلكم بلاءٌ من ربكم عظيم (49)} أي: ما ابتليتم من شدة، وفي موضع آخر: البلاء الابتلا، يقال: الثناء بعد البلاء، أي: الاختبار، من بلوته، ويقال: له عندي بلاء عظيم، أي: نعمة ويد، وهذا من: ابتليته خيراً). [مجاز القرآن: 1 / 40]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ نجّيناكم مّن آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاءٌ مّن رّبّكم عظيمٌ}
أما قوله: {وإذ نجّيناكم مّن آل فرعون} و{وإذ فرقنا بكم البحر} وأمكنة كثيرة، فإنما هي على ما قبلها، إنما يقول: "اذكروا نعمتي" و"اذكروا إذ نجّيناكم" و"اذكروا إذ فرقنا بكم البحر" و"اذكروا إذ قلتم يا موسى لن نصبر".
وقال بعضهم: "فرّقنا".
باب أهل وآل:
وقوله: {مّن آل فرعون يسومونكم سوء العذاب} وقد قال: {وإذ نجّيناكم مّن آل فرعون} فإنما حدث عما كانوا يلقون منهم.
و{يسومونكم} في موضع رفع، وإن شئت جعلته في موضع نصب على الحال، كأنه يقول "وإذ نجّيناكم من آل فرعون سائمين لكم"، والرفع على الابتداء.
وأما "آل" فإنها تحسن إذا أضيفت إلى اسم خاص نحو: "أتيت آل زيد" و"أهل زيد"، و"أهل مكة" و"آل مكة" و"أهل المدينة" و"آل المدينة". ولو قلت: "أتيت آل الرجل" و"آل المرأة" لم يحسن، ولكن: "أتيت آل اللّه" وهم زعموا: أهل مكة. وليس "آل" بالكثير في أسماء الأرضين وقد سمعنا من يقول ذلك، وإنما هي همزة أبدلت مكان الهاء، مثل "هيهات" و"أيهات"). [معاني القرآن: 1 / 71]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {من آل فرعون} فقالوا: قومه وأهل دينه؛ وصغره يونس فقال: أويل. وأما أهيل، فكأنها الأصل عندنا؛ وهي المقولة.
[معاني القرآن لقطرب: 306]
قال بشر:
لعمرك ما يطلبن من آل نعمة = ولكنما يطلبن قيسا ويشكرا
كأنه يريد: أهل نعمة؛ لإضافته إلى النعمة.
وزعم معمر: أنهم يقولون: أل فعلت؛ يريدون: هل فعلت، فأبدل منها الهمزة). [معاني القرآن لقطرب: 307]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({آل فرعون}: قومه وأهل دينه. {يسومونكم سوء العذاب}: يولونكم.
{وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}: أي نعمة عظيمة، ويقال: لي عنده بلاء عظيم، أي: نعمة ويد، والبلاء -في موضع آخر-: الاختبار، من قوله: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا}). [غريب القرآن وتفسيره: 69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يسومونكم سوء العذاب} قال أبو عبيدة: يولونكم أشد العذاب. يقال: فلان يسومك خسفا، أي: يوليك إذلالا واستخفافا.
{وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ} أي: في إنجاء اللّه إياكم من آل فرعون نعمة عظيمة. و"البلاء" يتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 48]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ نجّيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربّكم عظيم (49)}
موضع {إذ} نصب، كأنه قال: "واذكروا إذ نجيناكم من آل فرعون".
و"آل فرعون": أتباعه ومن كان على دينه، وكذلك "آل الأنبياء" -صلوات اللّه عليهم-: من كان على دينهم، وكذلك قولنا: "صلى اللّه على محمد وآله" معنى "آله": من اتبعه من أهل بيته وغيرهم، ومعنى خطابهم ههنا: تذكيرهم بالنعمة عليهم في أسلافهم كما وصفنا.
وقوله عزّ وجلّ: {يسومونكم سوء العذاب} معنى {يسومونكم} في اللغة: يولونكم، ومعنى {سوء العذاب}: شديد العذاب، وإن كان العذاب كله سوءًا، فإنما نكر في هذا الموضع لأنه أبلغ ما يعامل به مرعيّ، فلذلك قيل: {سوء العذاب}، أي: ما يبلغ في الإساءة ما لا غاية بعده.
وفسره بقوله: {يذبّحون أبناءكم} والقراءة المجمع عليها {يذبّحون} -بالتشديد-، ورواية شاذة (يذبحون أبناءكم)، والقراءة المجمع عليها أبلغ، لأن {يذبّحون} للتكثير، و(يذبحون) يصلح أن يكون للقليل وللكثير، فمعنى التكثير ههنا أبلغ.
و{أبناءكم} جمع: ابن، والأصل كأنه إنما جمع "بني" و"بنو"، ويقال: ابن بيّن البنوة، فهي تصلح أن تكون "فعَل" و "فِعْل" كأنه أصله "بناية"، والذين قالوا: "بنون" كأنّهم جمعوا "بَنا" وبنون، فأبناء جمع "فعَل" و"فِعْل".
و "بنت" يدل على أنه يستقيم أن يكون فعلا، ويجوز أن يكون "فعل" نقلت إلى "فعل" كما نقلت "أخت" من "فَعَل" إلى "فُعْل"، فأمّا "بنات" فهو ليس بجمع "بنت" على لفظها، إنما ردت إلى أصلها فجمعت "بنات" على أن الأصل في بنت "فِعْله" كأنّها مما حذفت لامه،
والأخفش يختار أن يكون المحذوف من "ابن" الواو، قال: لأن أكثر ما تحذف الواو بثقلها. والياء تحذف أيضا للثقل.
قال أبو إسحاق: والدليل على ذلك أن "يدا" قد أجمعوا على أن المحذوف منه الياء، ولهم دليل قاطع على الإجماع قال: يديت إليه يدا، و"دم" محذوف منه الياء، يقال: "دم" و"دميان".
قال الشاعر:


فلـو أنّـا عـلـى حـجـر ذبحـنـا جرى الدّميان بالخبر اليقين


والبنوة ليست بشاهد قاطع في الواو، لأنهم يقولون الفتوة والفتيان في التثنية، قال عزّ وجلّ: {ودخل معه السجن فتيان}.
فـ"ابن" يجوز أن يكون المحذوف منه الواو أو الياء. وهما عندي متساويان.
وقوله عزّ وجل: {وفي ذلكم بلاء من ربّكم عظيم} يعني: في النجاة من آل فرعون، والبلاء ههنا: النعمة، يروي عن الأحنف أنه قال: «البلاء ثم الثناء»، أي الأنعام ثمّ الشكر.
قال زهير:


جزى اللّه بالإحسان ما فعلا بنا وأبلاهما خيـر البـلاء الـذي يبلـو


وقال الله عزّ وجلّ: {وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا}). [معاني القرآن: 1 / 130-132]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({يستحيون} أي: يستبقون). [ياقوتة الصراط: 172]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يسومونكم} أي: يولونكم بلا نقمة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 27]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({آلِ فِرْعَوْنَ}: قومه.{يَسُومُونَكُمْ}: يولونكم.{سُوَءَ الْعَذَابِ}: أشده.{بَلاءٌ}: نقمة).
[العمدة في غريب القرآن: 75]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({آل فرعون (50)} قومه وأهل دينه، ومثلها: {أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب}
[غافر: 46]). [مجاز القرآن: 1 / 40]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون}
{وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم} يقول: فرقنا بين الماءين حين مررتم فيه). [معاني القرآن: 1 / 72]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و"آل فرعون": أهل بيته وأتباعه وأشياعه. و"آل محمد": أهل بيته وأتباعه وأشياعه. قال اللّه عز وجل: {أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب} [غافر: 46]). [تفسير غريب القرآن: 48]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون (50)}
موضع {إذ} نصب كالتي قبلها.
ومعنى {فرقنا بكم البحر}: جاء تفسيره في آية أخرى، وهو قوله عزّ وجلّ: {فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كلّ فرق كالطّود العظيم (63)} أي: فانفرق البحر فصار كالجبال العظام، وصاروا في قراره، وكذلك قوله عزّ وجلّ: {فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى (77)} معناه: طريقا ذا يبس.
وقوله: {وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون} فيه قولان:
قالوا: وأنتم ترونهم يغرقون. ويجوز أن يكون: {وأنتم تنظرون} أي: وأنتم مشاهدون تعلمون ذلك، وإن شغلهم عن أن يروه في ذلك الوقت شاغل، يقال من ذلك: دور آل فلان تنظر إلى دور بني فلان، أي: هي بإزائها والدّور يعلم أنها لا تبصر شيئا). [معاني القرآن: 1 / 132 -133]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً...}
ثم قال في موضع آخر: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلةً وأتممناها بعشرٍ فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلةً}، فيقول القائل: كيف ذكر الثلاثين وأتمّها بالعشر، والأربعون قد تكمل بعشرين وعشرين، أو خمسةٍ وعشرين وخمسة عشر؟
قيل: كان ذلك -والله أعلم- أنّ الثّلاثين كانت عدد شهر، فذكرت الثلاثون منفصلة لمكان الشّهر، وأنّها ذو القعدة، {وأتممناها بعشر} من ذي الحجة، كذلك قال المفسّرون. ولهذه القصّة خصّت العشر والثلاثون بالانفصال). [معاني القرآن: 1 / 36]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً ثمّ اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون}
قال: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً} أي: واعدناه انقضاء أربعين ليلة، أي: رأس الأربعين، كما قال: {وسأل القرية}، وهذا مثل قولهم: "اليوم أربعون يوماً منذ خرج" و"اليوم يومان" أي: "اليوم تمام الأربعين" و"تمام يومين"). [معاني القرآن: 1 / 72]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {وإذ وعدنا موسى} بغير ألف.
عاصم والأعمش {واعدنا}، وهي قراءة العامة). [معاني القرآن لقطرب: 246]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {وإذا واعدنا موسى أربعين ليلة} أي تمام أربعين ليلة، كقولك: اليوم خمس من الشهر؛ أي تمام خمس). [معاني القرآن لقطرب: 306]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثمّ اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (51)}
ويقرأ: (وإذ وعدنا موسى)، وكلاهما جائز حسن، واختار جماعة من أهل اللغة (وإذ وعدنا) بغير ألف، وقالوا: إنما اخترنا هذا لأن المواعدة إنما تكون لغير الآدميين، فاختاروا (وعدنا) وقالوا دليلنا قوله عزّ وجلّ {إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ} وما أشبه هذا، وهذا الذي ذكروه ليس مثل هذا و{واعدنا} هنا جيد بالغ، لأن الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة، فهو من اللّه عزّ وجلّ: وعد، ومن موسى: قبول واتباع، فجرى مجرى المواعدة.
وقوله عزّ وجلّ: {ثمّ اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون} ذكرهم بكفر آبائهم مع هذه الآيات العظام، وأعلمهم أن كفرهم بالنبي -صلى الله عليه وسلم- مع وضوح أمره وما وقفوا عليه من خبره في كتبهم ككفر آبائهم.
وكان في ذكر هذه الأقاصيص دلالة على تثبيت نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأن هذه الأقاصيص ليست من علوم العرب، وإنما هي من علوم أهل الكتاب، فأنبأهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بما في كتبهم، وقد علموا أنه من العرب الذين لم يقرأوا كتبهم، فعلموا أنّه لم يعلم هذه الأقاصيص إلا من جهة الوحي، ففي هذه الآيات إذكارهم بالنعمة عليهم في أسلافهم، وتثبيت أمر الرسالة كما وصفنا). [معاني القرآن: 1 / 133 -134]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلّكم تهتدون} ففيه وجهان:
أحدهما: أن يكون أراد {وإذ آتينا موسى الكتاب} يعني: التوراة، ومحمدا صلى الله عليه وسلم {الفرقان}، {لعلّكم تهتدون}. وقوله: {وإذ آتينا موسى الكتاب} كأنّه خاطبهم فقال: قد آتيناكم علم موسى ومحمد عليهما السلام {لعلكم تهتدون}؛ لأن التوراة أنزلت جملةً ولم تنزل مفرّقة كما فرّق القرآن؛ فهذا وجه.
والوجه الآخر: أن تجعل التوراة هدىً والفرقان كمثله، فيكون: ولقد آتينا موسى الهدى كما آتينا محمّدا -صلى الله عليه وسلم- الهدى. وكلّ ما جاءت به الأنبياء فهو هدىً ونورٌ. وإنّ العرب لتجمع بين الحرفين وإنّهما لواحدٌ إّذا اختلف لفظاهما؛ كما قال عدي بن زيد:


وقدّمت الأديم لراهشيه وألفى قولها كذبـاً ومينـا


وقولهم: "بعداً وسحقاً"، و"البعد" و"السّحق" واحدٌ، فهذا وجهٌ آخر.
وقال بعض المفسّرين: {الكتاب}: التّوراة، {والفرقان}: انفراق البحر لبنى إسرائيل.
وقال بعضهم: {الفرقان}: الحلال والحرام الذي في التّوراة). [معاني القرآن: 1 / 36 -37]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({آتينا موسى الكتاب (53)} أي: التوراة. {والفرقان (53)}: ما فرّق بين الحق والباطل). [مجاز القرآن: 1 /40]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الفرقان}: ما فرق بين الحق والباطل). [غريب القرآن وتفسيره: 70]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلّكم تهتدون (53)}
{آتينا} بمعنى: أعطينا، و{الكتاب} مفعول به، و{الفرقان} عطف عليه. ويجوز أن يكون {الفرقان}: الكتاب بعينه إلا إنّه أعيد ذكره، وعنى به: أنه يفرق بين الحق والباطل.
وقد قال بعض النحويين -وهو قطرب-: المعنى: وآتينا محمدا الفرقان، ودليله قوله عزّ وجلّ {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} يعني به: القرآن.
والقول الأول هو القول؛ لأن "الفرقان" قد ذكر لموسى في غير هذا الموضع، قال الله عزّ وجلّ: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتّقين (48)}.
وقوله عزّ وجلّ: {لعلّكم تهتدون} "لعل" إنما ذكرت هنا -واللّه يعلم أيهتدون أم لا يهتدون- على ما يفعل العباد ويتخاطبون به، أي إن هذا يرجى به الهداية، فخوطبوا على رجائهم. ومثله قوله: {لعلّه يتذكّر أو يخشى}، إنما المعنى: اذهبا على رجائكما، واللّه عزّ وجلّ عالم بما يكون وهو من ورائه). [معاني القرآن: 1 / 134]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({والفرقان}: ما فرق بين الحق والباطل، وقيل: هو القرآن، على إضمار اسم النبي -صلى الله عليه وسلم-). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 27]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَالْفُرْقَانَ}: بين الحق والباطل). [العمدة في غريب القرآن: 75]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11 جمادى الأولى 1434هـ/22-03-2013م, 02:20 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وما كان من جمع من الواو والياء على أفعال فهو ممدود مثل آباء وأبناء وأحياء). [المقصور والممدود: 8] (م)
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (باب الممدود المفتوح أوله من ذلك العطاء والثناء والغناء والسماء والبلاء والسواء والبواء). [المقصور والممدود: 86] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال أبو العباس: قوله: "سيما الخسف"، قال: هكذا حدثوناه، وأظنه"سيم الخسف" يا هذا، من قول الله عز وجل: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} ومعنى قوله: سيما الخسف تأويله علامة، هذا أصل ذا، قال الله عز وجل: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}، وقال عز وجل: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ}
وقال أبو عبيدة في قوله عز وجل: {مُسَوِّمِينَ} " قال: معلمين واشتقاقه من السيما التي ذكرنا. ومن قال: (مُسَوَّمِينَ)، فإنما أراد مرسلين: من الإبل السائمة: أي المرسلة في مراعيها، وإنما أخذ هذا من التفسير. قال المفسرون في قوله تعالى: " {وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ}، القولين جميعًا، مع العلامة والإرسال، وأما في قوله عز وجل: {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ} فلم يقولوا فيه إلا قولاً واحدًا، قالوا: "معلمة"، وكان عليها أمثال الخواتيم، ومن قال: "سيما" قصر. ويقال في هذا المعنى: سيمياء، ممدود، قال الشاعر:


غـــلام رمـــاه الله بالـحـسـن يـافـعًــا ....... له سيمياء لا تشق على البصر

).[الكامل: 1 / 31 -33]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وفرعون أخذ من الفرعون: الرجل إذا بلغ الغاية من العتو. وإذا تمرد سمي نمرودا. ونمروذ بالذال وأهل البصرة يقولون نمرود بالدال). [مجالس ثعلب: 180-181]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (

إن ترى شيبًا فإني ماجد ذو بلاء حسن غير غمـر

يقول لا يغمك ما ترين من شيبي ولا تعيبيني فإني مع ما ترين من شيبي ناجد، أي كثير أفعال الخير واسعها، ومنه قولهم أمجد الدابة علفًا أي زده منه، قوله ذو بلاء والبلاء الاختبار، والبلاء من البلوى ومنه: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}، قال الفراء: يقول فيما كان يصنع بكم فرعون من أصناف العذاب بلاء عظيم من البلية، ويقال نعم عظيمة من ربكم إذا نجاكم منهم، قال والبلاء يكون نعمًا وعذابًا ألا ترى أنك تقول إن فلانًا لحسن البلاء عندي تريد الإنعام عليك، ذو بلاء ذو نعم وآثار جميلة). [شرح المفضليات: 143]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) }
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقالوا الأنهار كلها بحار والنَّهْر بحر، ويقال للماء إذا غلظ بعد عذوبة قد استبحر واستبحرت بئركم إذا غلظ ماؤها). [كتاب المطر: 20]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) )
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (ويقال لولد البقر: العجل، والأنثى: عجلة). [كتاب الفَرْق: 92]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (قال أبو العباس: و(وَعدْنا) يكون من واحد، و{وَاعَدْنَا} من اثنين. ويقال: وعدته خيرًا وشرا، وإذا لم يذكر الخير ولا الشر قيل في معنى الخير: وعدته، وفي الشر: وعدته. وفي بعض اللغات أوعدته بالشر. وأنشد:

أوعدنـي بالسـجـن والأداهــم رجلى ورجلى شثنة المناسم

). [مجالس ثعلب: 227]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) }
[لا يوجد]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذ نجّيناكم من آل فرعون} أي خلصناكم، وآل أصله أهل، قلبت الهاء ألفا كما عمل في ماء، ولذلك ردها التصغير إلى الأصل، فقيل أهيل، مويه، وقد قيل في آل إنه اسم غير أهل، أصله أول وتصغيره أويل، وإنما نسب الفعل إلى آل فرعون وهم إنما كانوا يفعلونه بأمره وسلطانه لتوليهم ذلك بأنفسهم.
وقال الطبري رحمه الله: «ويقتضي هذا أن من أمره ظالم بقتل أحد فقتله المأمور فهو المأخوذ به، وآل الرجل قرابته وشيعته وأتباعه».
ومنه قول أراكة الثقفي:

فلا تبك ميتا بعد ميت أجنّه ....... عليّ وعباس وآل أبي بكر

يعني المؤمنين الذين قبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأشهر في آل أن يضاف إلى الأسماء لا إلى البقاع والبلاد، وقد يقال آل مكة، وآل المدينة، وفرعون اسم لكل من ملك من العمالقة مصر، وفرعون موسى قيل اسمه مصعب بن الريان.
وقال ابن إسحاق: «اسمه الوليد بن مصعب».
وروي أنه كان من أهل إصطخر، ورد مصر فاتفق له فيها الملك، وكان أصل كون بني إسرائيل بمصر نزول إسرائيل بها زمن ابنه يوسف عليهما السلام.
و{يسومونكم} معناه يأخذونكم به ويلزمونكم إياه ومنه المساومة بالسلعة، وسامه خطة خسف ويسومونكم إعرابه رفع على الاستئناف والجملة في موضع نصب على الحال، أي سائمين لكم سوء العذاب، ويجوز أن لا تقدر فيه الحال، ويكون وصف حال ماضية، وسوء العذاب أشده وأصعبه.
قال السدي: «كان يصرفهم في الأعمال القذرة ويذبح الأبناء، ويستحيي النساء».
وقال غيره: صرفهم على الأعمال: الحرث والزراعة والبناء وغير ذلك، وكان قومه جندا ملوكا، وقرأ الجمهور «يذبّحون» بشد الباء المكسورة على المبالغة، وقرأ ابن محيصن: «يذبحون» بالتخفيف، والأول أرجح إذ الذبح متكرر. كان فرعون على ما روي قد رأى في منامه نارا خرجت من بيت المقدس فأحرقت بيوت مصر، فأولت له رؤياه أن مولودا من بني إسرائيل ينشأ فيخرب ملك فرعون على يديه.
وقال ابن إسحاق وابن عباس وغيرهما: «إن الكهنة والمنجمين قالوا لفرعون: قد أظلك زمن مولود من بني إسرائيل يخرب ملكك».
وقال ابن عباس أيضا: «إن فرعون وقومه تذاكروا وعد الله لإبراهيم أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا، فأمر عند ذلك بذبح الذكور من المولودين في بني إسرائيل، ووكل بكل عشر نساء رجلا يحفظ من يحمل منهن».
وقيل: «وكل بذلك القوابل».
وقالت طائفة: معنى يذبّحون أبناءكم يذبحون الرجال ويسمون أبناء لما كانوا كذلك، واستدل هذا القائل بقوله تعالى: {نساءكم}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والصحيح من التأويل أن الأبناء هم الأطفال الذكور، والنساء هم الأطفال الإناث، وعبر عنهن باسم النساء بالمئال، وليذكرهن بالاسم الذي في وقته يستخدمن ويمتهنّ، ونفس الاستحياء ليس بعذاب، لكن العذاب بسببه وقع الاستحياء، ويذبّحون بدل من «يسومون».
وقوله تعالى: {وفي ذلكم} إشارة إلى جملة الأمر، إذ هو خبر فهو كمفرد حاضر، وبلاءٌ معناه امتحان واختبار، ويكون البلاء في الخير والشر.
وقال قوم: الإشارة بـــــ ذلكم إلى التنجية من بني إسرائيل، فيكون البلاء على هذا في الخير، أي وفي تنجيتكم نعمة من الله عليكم.
وقال جمهور الناس: الإشارة إلى الذبح ونحوه، والبلاء هنا في الشر، والمعنى وفي الذبح مكروه وامتحان.
وحكى الطبري وغيره في كيفية نجاتهم: أن موسى عليه السلام أوحي إليه أن يسري من مصر ببني إسرائيل فأمرهم موسى أن يستعيروا الحلي والمتاع من القبط، وأحل الله ذلك لبني إسرائيل، فسرى بهم موسى من أول الليل، فأعلم فرعون فقال لا يتبعنهم أحد حتى تصيح الديكة، فلم يصح تلك الليلة بمصر ديك حتى أصبح، وأمات الله تلك الليلة كثيرا من أبناء القبط فاشتغلوا في الدفن وخرجوا في الأتباع مشرقين، وذهب موسى إلى ناحية البحر حتى بلغه، وكانت عدة بني إسرائيل نيفا على ستمائة ألف، وكانت عدة فرعون ألف ألف ومائتي ألف.
وحكي غير هذا مما اختصرته لقلة ثبوته، فلما لحق فرعون موسى ظن بنو إسرائيل أنهم غير ناجين، فقال يوشع بن نون لموسى أين أمرت؟ فقال هكذا وأشار إلى البحر فركض يوشع فرسه فيه حتى بلغ الغمر، ثم رجع فقال لموسى أين أمرت؟ فو الله ما كذبت ولا كذبت، فأشار إلى البحر، وأوحى الله تعالى إليه: أن اضرب بعصاك البحر [الشعراء: 63]. وأوحى إلى البحر أن انفرق لموسى إذا ضربك، فبات البحر تلك الليلة يضطرب فحين أصبح ضرب موسى البحر، وكناه أبا خالد فانفرق وكان ذلك في يوم عاشوراء). [المحرر الوجيز: 1 / 205 -208]
...
تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون (50) وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً ثمّ اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (51) ثمّ عفونا عنكم من بعد ذلك لعلّكم تشكرون (52) وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلّكم تهتدون (53)}
{فرقنا} معناه: جعلناه فرقا، وقرأ الزهري «فرّقنا» بتشديد الراء، ومعنى {بكم} بسببكم، وقيل لما كانوا بين الفرق وقت جوازهم فكأنه بهم فرق، وقيل معناه لكم، والباء عوض اللام وهذا ضعيف، والبحر هو بحر القلزم، ولم يفرق البحر عرضا جزعا من ضفة إلى ضفة، وإنما فرق من موضع إلى موضع آخر في ضفة واحدة، وكان ذلك الفرق بقرب موضع النجاة، ولا يلحق في البر إلا في أيام كثيرة بسبب جبال وأوعار حائلة.
وذكر العامري أن موضع خروجهم من البحر كان قريبا من برية فلسطين وهي كانت طريقهم.
وقيل انفلق البحر عرضا وانفرق البحر على اثني عشر طريقا، طريق لكل سبط فلما دخلوها قالت كل طائفة غرق أصحابنا وجزعوا، فقال موسى: اللهم أعني على أخلاقهم السيئة، فأوحى الله إليه أن أدر عصاك على البحر، فأدارها فصار في الماء فتوح كالطاق يرى بعضهم بعضا، وجازوا، وجبريل صلى الله عليه وسلم في ساقتهم على ماذيانة يحث بني إسرائيل ويقول لآل فرعون: مهلا حتى يلحق آخركم أولكم، فلما وصل فرعون إلى البحر أراد الدخول فنفر فرسه فتعرض له جبريل بالرمكة فاتبعها الفرس، ودخل آل فرعون وميكائيل يحثهم، فلما لم يبق إلا ميكائيل في ساقتهم على الضفة وحده انطبق البحر عليهم فغرقوا.
و{تنظرون} قيل معناه بأبصاركم، لقرب بعضهم من بعض.
وقيل معناه ببصائركم للاعتبار لأنهم كانوا في شغل عن الوقوف والنظر بالأبصار.
وقيل: إن آل فرعون طفوا على الماء فنظروا إليهم.
وقيل المعنى وأنتم بحال من ينظر لو نظر، كما تقول: هذا الأمر منك بمرأى ومسمع، أي بحال تراه وتسمعه إن شئت.
قال الطبري رحمه الله: وفي إخبار القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم بهذه المغيبات التي لم تكن من علم العرب ولا وقعت إلا في خفي علم بني إسرائيل، دليل واضح عند بني إسرائيل وقائم عليهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم). [المحرر الوجيز: 1 / 208 -209]
...
تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور «واعدنا».
وقرأ أبو عمرو «وعدنا»، ورجحه أبو عبيد، وقال: إن المواعدة لا تكون إلا من البشر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وليس هذا بصحيح، لأن قبول موسى لوعد الله والتزامه وارتقابه يشبه المواعدة، وموسى اسم أعجمي لا ينصرف للعجمة والتعريف، والقبط على ما يروى يقولون للماء «مو»، وللشجر «سا»، فلما وجد موسى في التابوت عند ماء وشجر سمّي «موسى».
قال ابن إسحاق: هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، ونصب أربعين على المفعول الثاني، ولا يجوز نصبها على الظرف في هذا الموضع، وهي فيما روي ذو القعدة وعشر ذي الحجة، وخص الليالي دون الأيام بالذكر إذ الليلة أقدم من اليوم وقبله في الرتبة، ولذلك وقع بها التاريخ.
قال النقاش: «وفي ذلك إشارة إلى صلة الصوم، لأنه لو ذكر الأيام لأمكن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل، فلما نص على الليالي اقتضت قوة الكلام أنه عليه السلام واصل أربعين ليلة بأيامها».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: حدثني أبي رضي الله عنه قال: سمعت الشيخ الزاهد الإمام الواعظ أبا الفضل بن الجوهري رحمه الله يعظ الناس بهذا المعنى في الخلوة بالله والدنو منه في الصلاة ونحوه، وأن ذلك يشغل عن كل طعام وشراب ويقول: أين حال موسى في القرب من الله ووصال ثمانين من الدهر من قوله حين سار إلى الخضر لفتاه في بعض يوم: «آتنا غداءنا» ؟ وكل المفسرين على أن الأربعين كلها ميعاد.
وقال بعض البصريين: وعده رأس الأربعين ليلة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف: وقوله تعالى: {ثمّ اتّخذتم}. قرأ أكثر السبعة بالإدغام.
وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه بإظهار الذال وثمّ للمهلة، ولتدل على أن الاتخاذ بعد المواعدة، واتخذ وزنه افتعل من الأخذ.
قال أبو علي: «هو من تخذ لا من أخذ» وأنشد [المخرق العبدي]:

وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها ....... نسيفا كأفحوص القطاة المطرق

ونصب العجل ب اتّخذتم، والمفعول الثاني محذوف، تقديره اتخذتم العجل إلها، واتخذ قد يتعدى إلى مفعول واحد، كقوله تعالى: يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلًا [الفرقان: 27] وقد يتعدى إلى مفعولين أحدهما هو الآخر في المعنى كقوله تعالى: {اتّخذوا أيمانهم جنّةً} [المجادلة: 16، المنافقون: 2]، وكهذه الآية وغيرها. والضمير في بعده يعود على موسى.
وقيل: على انطلاقه للتكليم، إذ المواعدة تقتضيه.
وقيل: على الوعد، وقصص هذه الآية أن موسى صلى الله عليه وسلم لما خرج ببني إسرائيل من مصر، قال لهم: إن الله تعالى سينجيكم من آل فرعون وينفلكم حليهم ومتاعهم الذي كان أمرهم باستعارته، وروي أنهم استعاروه برأيهم، فنفلهم الله ذلك بعد خروجهم، وقال لهم موسى عن الله تعالى: إنه ينزل عليّ كتابا فيه التحليل والتحريم والهدى لكم، فلما جازوا البحر طالبوا موسى بما قال لهم من أمر الكتاب، فخرج لميعاد ربه وحده، وقد أعلمهم بالأربعين ليلة، فعدوا عشرين يوما بعشرين ليلة، ثم قالوا هذه أربعون من الدهر، وقد أخلفنا الموعد، وبدا تعنتهم وخلافهم.
وكان السامري رجلا من بني إسرائيل يسمى موسى بن ظفر، وقيل لم يكن من بني إسرائيل بل كان غريبا فيهم، وكان قد عرف جبريل عليه السلام وقت عبرهم البحر، فقالت طائفة: أنكر هيئته فعرف أنه ملك.
وقال طائفة: كانت أم السامري ولدته عام الذبح فجعلته في غار وأطبقت عليه، فكان جبريل صلى الله عليه وسلم يغذوه بأصابع نفسه فيجد في إصبع لبنا، وفي إصبع عسلا، وفي إصبع سمنا، فلما رآه وقت جواز البحر عرفه، فأخذ من تحت حافر فرسه قبضة تراب، وألقي في روعه أنه لن يلقيها على شيء ويقول له كن كذا إلا كان، فلما خرج موسى لميعاده قال هارون لبني إسرائيل: إن ذلك الحلي والمتاع الذي استعرتم من القبط لا يحل لكم، فجيئوا به حتى تأكله النار التي كانت العادة أن تنزل على القرابين.
وقيل: بل أوقد لهم نارا وأمرهم بطرح جميع ذلك فيها، فجعلوا يطرحون.
وقيل: بل أمرهم أن يضعوه في حفرة دون نار حتى يجيء موسى، وجاء السامري فطرح القبضة، وقال كن عجلا.
وقيل: إن السامري كان في أصله من قوم يعبدون البقر، وكان يعجبه ذلك.
وقيل: بل كانت بنو إسرائيل قد مرت مع موسى على قوم يعبدون البقر فــ {قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهةٌ} [الأعراف: 138]، فوعاها السامري وعلم أن من تلك الجهة يفتنون، ففتنت بنو إسرائيل بالعجل، وظلت منهم طائفة يعبدونه، فاعتزلهم هارون بمن تبعه، فجاء موسى من ميعاده فغضب حسبما يأتي قصصه في مواضعه من القرآن إن شاء الله.
ثم أوحى الله إليه أنه لن يتوب على بني إسرائيل حتى يقتلوا أنفسهم، ففعلت بنو إسرائيل ذلك، فروي أنهم لبسوا السلاح، من عبد منهم ومن لم يعبد وألقى الله عليهم الظلام، فقتل بعضهم بعضا يقتل الأب ابنه والأخ أخاه، فلما استحر فيهم القتل وبلغ سبعين ألفا عفا الله عنهم وجعل من مات منهم شهيدا، وتاب على البقية، فذلك قوله: {ثمّ عفونا عنكم}.
وقال بعض المفسرين: وقف الذين عبدوا العجل صفا ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح فقتلوهم.
وقالت طائفة: جلس الذين عبدوا بالأفنية، وخرج يوشع بن نون ينادي: ملعون من حل حبوته، وجعل الذين لم يعبدوا يقتلونهم، وموسى في خلال ذلك يدعو لقومه ويرغب في العفو عنهم، وإنما عوقب الذين لم يعبدوا بقتل أنفسهم على أحد الأقوال أو بقتلهم قراباتهم على الأقوال الأخر لأنهم لم يغيروا المنكر حين عبدوا العجل، وإنما اعتزلوا وكان الواجب عليهم أن يقاتلوا من عبده، وأنتم ظالمون مبتدأ وخبر في موضع الحال، وقد تقدم تفسير الظلم). [المحرر الوجيز: 1 / 209 -213]
...
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والعفو: تغطية الأثر وإذهاب الحال الأولى من الذنب أو غيره، ولا يستعمل العفو بمعنى الصفح إلا في الذنب وعفا عنهم عز وجل أي عمن بقي منهم لم يقتل، ولعلّكم ترج لهم في حقهم وتوقع منهم لا في حق الله عز وجل، لأنه كان يعلم ما يكون منهم). [المحرر الوجيز: 1 / 213]
...
تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذ آتينا موسى الكتاب}، إذ عطف على ما ذكر من النعم، و{الكتاب} هو التوراة بإجماع من المتأولين.
واختلف في الفرقان هنا فقال الزجاج وغيره هو التوراة أيضا كرر المعنى لاختلاف اللفظ، ولأنه زاد معنى التفرقة بين الحق والباطل، ولفظة الكتاب لا تعطي ذلك.
وقال آخرون: الكتاب التوراة، والفرقان سائر الآيات التي أوتي موسى صلى الله عليه وسلم، لأنها فرقت بين الحق والباطل.
وقال آخرون: الفرقان: النصر الذي فرق بين حالهم وحال آل فرعون بالنجاة والغرق.
وقال ابن زيد: «الفرقان انفراق البحر له حتى صار فرقا».
وقال الفراء وقطرب: معنى هذه الآية: آتينا موسى الكتاب ومحمدا الفرقان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف.
و{لعلّكم تهتدون} ترج وتوقع مثل الأول). [المحرر الوجيز: 1 / 213 -214]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وإذ نجّيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ (49) وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون (50) }
يقول تعالى واذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم "إذ نجّيناكم مّن آل فرعون" أي: خلّصتكم منهم وأنقذتكم من أيديهم صحبة موسى، عليه السّلام، وقد كانوا يسومونكم، أي: يوردونكم ويذيقونكم ويولّونكم سوء العذاب. وذلك أنّ فرعون -لعنه اللّه-كان قد رأى رؤيا هالته، رأى نارًا خرجت من بيت المقدس فدخلت دور القبط ببلاد مصر، إلّا بيوت بني إسرائيل، مضمونها أنّ زوال ملكه يكون على يدي رجلٍ من بني إسرائيل، ويقال: بل تحدّث سمّاره عنده بأنّ بني إسرائيل يتوقّعون خروج رجلٍ منهم، يكون لهم به دولةٌ ورفعةٌ، وهكذا جاء في حديث الفتون، كما سيأتي في موضعه [في سورة طه] إن شاء اللّه، فعند ذلك أمر فرعون -لعنه اللّه-بقتل كلّ [ذي] ذكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل، وأن تترك البنات، وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاقّ الأعمال وأراذلها.
وهاهنا فسّر العذاب بذبح الأبناء، وفي سورة إبراهيم عطفٌ عليه، كما قال: {يسومونكم سوء العذاب ويذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} [إبراهيم] وسيأتي تفسير ذلك في أوّل سورة القصص، إن شاء اللّه تعالى، وبه الثّقة والمعونة والتّأييد.
ومعنى {يسومونكم} أي: يولّونكم، قاله أبو عبيدة، كما يقال سامه خطّة خسفٍ إذا أولاه إيّاها، قال عمرو بن كلثومٍ:

إذا ما الملك سام النّاس خسفًا ....... أبينا أن نقرّ الخسف فينا

وقيل: معناه: يديمون عذابكم، كما يقال: سائمة الغنم من إدامتها الرّعي، نقله القرطبيّ، وإنّما قال هاهنا: {يذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} ليكون ذلك تفسيرًا للنّعمة عليهم في قوله: {يسومونكم سوء العذاب} ثمّ فسّره بهذا لقوله هاهنا {اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم} وأمّا في سورة إبراهيم فلمّا قال: {وذكّرهم بأيّام اللّه} [إبراهيم:5]، أي: بأياديه ونعمه عليهم فناسب أن يقول هناك: {يسومونكم سوء العذاب ويذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} فعطف عليه الذّبح ليدلّ على تعدّد النّعم والأيادي.
وفرعون علمٌ على كلّ من ملك مصر، كافرًا من العماليق وغيرهم، كما أنّ قيصر علمٌ على كلّ من ملك الرّوم مع الشّام كافرًا، وكسرى لكلّ من ملك الفرس، وتبّع لمن ملك اليمن كافرًا [والنّجاشيّ لمن ملك الحبشة، وبطليموس لمن ملك الهند] ويقال: كان اسم فرعون الّذي كان في زمن موسى، عليه السّلام، الوليد بن مصعب بن الرّيّان، وقيل: مصعب بن الرّيّان، أيًّا ما كان فعليه لعنة اللّه، [وكان من سلالة عمليق بن داود بن إرم بن سام بن نوحٍ، وكنيته أبو مرّة، وأصله فارسيٌّ من استخر].
وقوله تعالى: {وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ} قال ابن جريرٍ: وفي الّذي فعلنا بكم من إنجائنا إيّاكم ممّا كنتم فيه من عذاب آل فرعون بلاءٌ لكم من ربّكم عظيمٌ. أي: نعمةٌ عظيمةٌ عليكم في ذلك.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ [في] قوله: {بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ} قال: نعمةٌ. وقال مجاهدٌ: {بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ} قال: نعمةٌ من ربّكم عظيمةٌ. وكذا قال أبو العالية، وأبو مالكٍ، والسّدّيّ، وغيرهم.
وأصل البلاء: الاختبار، وقد يكون بالخير والشّرّ، كما قال تعالى: {ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنةً} [الأنبياء: 25]، وقال: {وبلوناهم بالحسنات والسّيّئات} [الأعراف: 168].
قال ابن جريرٍ: وأكثر ما يقال في الشّرّ: بلوته أبلوه بلاءً، وفي الخير: أبليه إبلاءً وبلاءً، قال زهير بن أبي سلمى:

جزى اللّه بالإحسان ما فعلا بكم ...... وأبلاهما خير البلاء الّذي يبلو

قال: فجمع بين اللّغتين؛ لأنّه أراد فأنعم اللّه عليهما خير النّعم الّتي يختبر بها عباده.
[وقيل: المراد بقوله: {وفي ذلكم بلاءٌ} إشارةٌ إلى ما كانوا فيه من العذاب المهين من ذبح الأبناء واستحياء النّساء؛ قال القرطبيّ: وهذا قول الجمهور ولفظه بعدما حكى القول الأوّل، ثمّ قال: وقال الجمهور: الإشارة إلى الذّبح ونحوه، والبلاء هاهنا في الشّرّ، والمعنى في الذّبح مكروهٌ وامتحانٌ]). [تفسير ابن كثير: 1 / 257 -259]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون} معناه: وبعد أن أنقذناكم من آل فرعون، وخرجتم مع موسى، عليه السّلام، خرج فرعون في طلبكم، ففرقنا بكم البحر، كما أخبر تعالى عن ذلك مفصّلًا كما سيأتي في مواضعه ومن أبسطها في سورة الشّعراء إن شاء اللّه.
{فأنجيناكم} أي: خلّصناكم منهم، وحجزنا بينكم وبينهم، وأغرقناهم وأنتم تنظرون؛ ليكون ذلك أشفى لصدوركم، وأبلغ في إهانة عدوّكم.
قال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمر، عن أبي إسحاق الهمداني، عن عمرو بن ميمونٍ الأوديّ في قوله تعالى: {وإذ فرقنا بكم البحر} إلى قوله: {وأنتم تنظرون} قال: لمّا خرج موسى ببني إسرائيل، بلغ ذلك فرعون فقال: لا تتّبعوهم حتّى تصيح الدّيكة. قال: فواللّه ما صاح ليلتئذ ديك حتّى أصبحوا؛ فدعا بشاةٍ فذبحت، ثمّ قال: لا أفرغ من كبدها حتّى يجتمع إليّ ستّمائة ألفٍ من القبط. فلم يفرغ من كبدها حتّى اجتمع إليه ستّمائة ألفٍ من القبط ثمّ سار، فلمّا أتى موسى البحر، قال له رجلٌ من أصحابه، يقال له: يوشع بن نونٍ: أين أمر ربّك؟ قال: أمامك، يشير إلى البحر. فأقحم يوشع فرسه في البحر حتّى بلغ الغمر، فذهب به الغمر، ثمّ رجع. فقال: أين أمر ربّك يا موسى؟ فواللّه ما كذبت ولا كذبت. فعل ذلك ثلاث مرّاتٍ، ثمّ أوحى اللّه إلى موسى: {أن اضرب بعصاك البحر} فضربه {فانفلق فكان كلّ فرقٍ كالطّود العظيم} [الشّعراء: 63]، يقول: مثل الجبل. ثمّ سار موسى ومن معه وأتبعهم فرعون في طريقهم، حتّى إذا تتامّوا فيه أطبقه اللّه عليهم فلذلك قال: {وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون}.
وكذلك قال غير واحدٍ من السّلف، كما سيأتي بيانه في موضعه. وقد ورد أنّ هذا اليوم كان يوم عاشوراء، كما قال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا عبد الوارث، حدّثنا أيّوب، عن عبد اللّه بن سعيد بن جبيرٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا اليوم الّذي تصومون؟»قالوا: هذا يومٌ صالحٌ، هذا يومٌ نجّى اللّه عزّ وجلّ فيه بني إسرائيل من عدوّهم، فصامه موسى، عليه السّلام، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنا أحقّ بموسى منكم»فصامه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأمر بصومه.
وروى هذا الحديث البخاريّ، ومسلمٌ، والنّسائيّ، وابن ماجه من طرقٍ، عن أيّوب السّختيانيّ، به نحو ما تقدّم.
وقال أبو يعلى الموصليّ: حدّثنا أبو الرّبيع، حدّثنا سلّامٌ -يعني ابن سليمٍ-عن زيدٍ العمّيّ عن يزيد الرّقاشيّ عن أنسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «فلق اللّه البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء ».
وهذا ضعيفٌ من هذا الوجه فإنّ زيدًا العمّيّ فيه ضعفٌ، وشيخه يزيد الرّقاشيّ أضعف منه). [تفسير ابن كثير: 1 / 259 -260]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً ثمّ اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (51) ثمّ عفونا عنكم من بعد ذلك لعلّكم تشكرون (52) وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلّكم تهتدون (53)}
يقول تعالى: واذكروا نعمتي عليكم في عفوي عنكم، لمّا عبدتم العجل بعد ذهاب موسى لميقات ربّه، عند انقضاء أمد المواعدة، وكانت أربعين يومًا، وهي المذكورة في الأعراف، في قوله تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلةً وأتممناها بعشرٍ} [الأعراف: 142] قيل: إنّها ذو القعدة بكماله وعشرٌ من ذي الحجّة، وكان ذلك بعد خلاصهم من قوم فرعون وإنجائهم من البحر). [تفسير ابن كثير: 1 / 261]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) }


تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإذ آتينا موسى الكتاب} يعني: التّوراة {والفرقان} وهو ما يفرق بين الحقّ والباطل، والهدى والضّلال {لعلّكم تهتدون} وكان ذلك -أيضًا-بعد خروجهم من البحر، كما دلّ عليه سياق الكلام في سورة الأعراف. ولقوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للنّاس وهدًى ورحمةً لعلّهم يتذكّرون} [القصص: 43].
وقيل: الواو زائدةٌ، والمعنى: ولقد آتينا موسى الكتاب والفرقان وهذا غريبٌ، وقيل: عطف عليه وإن كان المعنى واحدًا، كما في قول الشّاعر:

وقدّمت الأديم لراقشيه ....... فألفى قولها كذبًا ومينا

وقال الآخر:

ألا حبّذا هندٌ وأرضٌ بها هند ....... وهندٌ أتى من دونها النّأي والبعد

فالكذب هو المين، والنّأي: هو البعد. وقال عنترة:
حيّيت من طللٍ تقادم عهده ........ أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثم

فعطف الإقفار على الإقواء وهو هو). [تفسير ابن كثير: 1 / 261]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة