تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل يا أيّها النّاس إنّما أنا لكم نذيرٌ مبينٌ (49) فالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ (50) والّذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لمشركي قومك الّذين يجادلونك في اللّه بغير علمٍ، اتّباعًا منهم لكلّ شيطانٍ مريدٍ: {يا أيّها النّاس إنّما أنا لكم نذيرٌ مبينٌ} أنذركم عقاب اللّه أن ينزل بكم في الدّنيا، وعذابه في الآخرة أن تصلوه {مبينٌ} يقول: أبيّن لكم إنذاري ذلك، وأظهره، لتنيبوا من شرككم، وتحذروا ما أنذركم من ذلك، لا أملك لكم غير ذلك، فأمّا تعجيل العقاب، وتأخيره الّذي تستعجلونني به فإلى اللّه، ليس ذلك إليّ، ولا أقدر عليه). [جامع البيان: 16/599-600]
تفسير قوله تعالى: (فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ثمّ وصف نذارته، وبشارته، ولم يجر للبشارة ذكرٌ، ولمّا ذكرت النّذارة على عملٍ، علم أنّ البشارة على خلافه، فقال: {فالّذين آمنوا} باللّه ورسوله {وعملوا الصّالحات} منكم أيّها النّاس ومن غيركم. {لهم مغفرةٌ} يقول: لهم من اللّه ستر ذنوبهم الّتي سلفت منهم في الدّنيا عليهم في الآخرة. {ورزقٌ كريمٌ} يقول: ورزقٌ حسنٌ في الجنّة.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ قال: قال ابن جريجٍ، قوله: {فالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ} قال: " الجنّة "). [جامع البيان: 16/600]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين * فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم * والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم.
أخرج بن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: إذا سمعت الله يقول {ورزق كريم} فهي الجنة). [الدر المنثور: 10/507-508]
تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى سعوا في آياتنا معاجزين قال كذبوا بآيات الله وظنوا أنهم يعجزون الله ولن يعجزوه). [تفسير عبد الرزاق: 2/40]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {والّذين سعوا في آياتنا معاجزين} يقول: والّذين عملوا في حججنا، فصدّوا عن اتّباع رسولنا، والإقرار بكتابنا الّذي أنزلناه.
وقال {في آياتنا} فأدخلت فيه ( في ) كما يقال: سعى فلانٌ في أمر فلانٍ. واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {معاجزين} فقال بعضهم: معناه: مشاقّين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قرأها: {" معاجزين "} في كلّ القرآن، يعني بألفٍ، وقال: " مشاقّين ".
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنّهم ظنّوا أنّهم يعجزون اللّه، فلا يقدر عليهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {في آياتنا معاجزين} قال: " كذّبوا بآيات اللّه فظنّوا أنّهم يعجزون اللّه، ولن يعجزوه ".
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله.
وهذان الوجهان من التّأويل في ذلك على قراءة من قرأه: {" في آياتنا معاجزين "} بالألف، وهي قراءة عامّة قرّاء المدينة والكوفة. وأمّا بعض قرّاء أهل مكّة والبصرة فإنّه قرأه: ( معجّزين ) بتشديد الجيم، بغير ألفٍ، بمعنى أنّهم عجّزوا النّاس، وثبّطوهم عن اتّباع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والإيمان بالقرآن.
ذكر من قال ذلك كذلك من قراءته
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {معاجزين} قال: " مبطّئين، يبطّئون النّاس عن اتّباع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّهما قراءتان مشهورتان، قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما علماء من القرّاء، متقاربتا المعنى؛ وذلك أنّ من عجّز عن آيات اللّه، فقد عاجز اللّه، ومن معاجزة اللّه التّعجيز عن آيات اللّه، والعمل بمعاصيه، وخلاف أمره. وكان من صفة القوم الّذين أنزل اللّه هذه الآيات فيهم أنّهم كانوا يبطّئون النّاس عن الإيمان باللّه، واتّباع رسوله، ويغالبون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يحسبون أنّهم يعجزونه، ويغلبونه، وقد ضمن اللّه له نصره عليهم، فكان ذلك معاجزتهم اللّه. فإذ كان ذلك كذلك، فبأيّ القراءتين قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب في ذلك.
وأمّا المعاجزة فإنّها المفاعلة، من العجز، ومعناه: مغالبة اثنين أحدهما صاحبه، أيّهما يعجزه فيغلبه الآخر ويقهره.
وأمّا التّعجيز: فإنّه التّضعيف، وهو التّفعيل من العجز.
وقوله: {أولئك أصحاب الجحيم} يقول: هؤلاء الّذين هذه صفتهم هم سكّان جهنّم يوم القيامة، وأهلها الّذين هم أهلها). [جامع البيان: 16/600-602]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله والذين سعوا في آياتنا معاجزين يعني مبطئين يقول يبطئون عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم). [تفسير مجاهد: 427]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ {معاجزين} في كل القرآن يعني بألف وقال: مشاقين). [الدر المنثور: 10/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {معاجزين} قال مراغمين). [الدر المنثور: 10/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن الزبير أنه كان يقرأ (والذين سعوا في آياتنا معجزين) يعني مثبطين). [الدر المنثور: 10/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج بن أبي حاتم عن عروة بن الزبير: أنه كان يعجب من الذين يقرأون هذه الآية {والذين سعوا في آياتنا معاجزين} قال: ليس معاجزين من كلام العرب إنما هي (معجزين) يعني مثبطين). [الدر المنثور: 10/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه {في آياتنا معاجزين} قال: مبطئين يبطئون الناس عن اتباع النّبيّ صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 10/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {والذين سعوا في آياتنا معاجزين} قال: كذبوا بآيات الله وظنوا أنهم يعجزون الله ولن يعجزوه). [الدر المنثور: 10/509]