تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني شبيبٌ عن أبانٍ عن أنس بن مالكٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: نزلت عليه سورة الحجّ وهو في مسيرٍ له يتعشّون متبدّدين، فرفع بها صوته فنادى: {يا أيها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ (1) يوم ترونها تذهل كلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حملٍ حملها وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديدٌ}؛ فاجتمع إليه أصحابه فقال لهم: هل تدرون أيّ يومٍ ذلك، ذلك يوم يقول اللّه لآدم: يا آدم، ابعث بعثًا إلى النّار من بنيك وبناتك، قال: يا ربّ، من كم، قال: من كلّ ألفٍ تسع مائةٍ وتسعةً وتسعين إلى النّار وواحدٌ إلى الجنّة؛ وإنّ القوم لمّا سمعوا ذلك أبلسوا وكبر عليهم، فلمّا رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ما لقوا قال: أبشروا، فإنّكم مع خليقتين لم يكونا مع شيءٍ قطّ إلا كثّرتاه يأجوج ومأجوج، وهم من كلّ حدبٍ ينسلون، وما أنتم في النّاس إلا كالرّقمة في ذراع الدّابّة أو كالشّامة في جنب البعير، ثم قال: إني لأرجوا أن يكون من يدخل من أمّتي ربع أهل الجنّة، فكبّر القوم، ثمّ قال: إنّي لأرجوا أن يكونوا ثلث أهل الجنّة، ثمّ قال: إني لأرجوا أن يكونوا نصف أهل الجنّة، ثمّ قال: وسبعون ألفاً يدخلون الجنّة بغير حسابٍ؛ وإنّهم لما سمعوا ذلك قالوا: فهؤلاء السّبعون ألفًا ما هم، فتذاكروا بينهم قالوا: هم قومٌ ولدوا في الإسلام ولم يشركوا باللّه شيئًا، حتّى بلغ النّبيّ قولهم، فقال: هم الّذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيّرون، وعلى ربّهم يتوّكلون؛ فقام رجلٌ فقال: يا رسول اللّه، ادع اللّه أن يجعلني بينهم، فقال: اللّهمّ، اجعله منهم، فقام آخر، فقال رسول اللّه: سبقك بها عكاشة). [الجامع في علوم القرآن: 1/40-41]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة وأبان عن أنس بن مالك قال نزلت {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم} إلى {ولكن عذاب الله شديد} قال نزلت على النبي وهو في مسير له فرفع بها صوته حتى ثاب إليه أصحابه فقال أتدرون أي يوم هذا يوم يقول الله لآدم يا آدم قم فابعث بعث النار من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة قال فكبر ذلك على المسلمين فقال النبي سددوا وقاربوا وأبشروا فوالذي نفسي بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير وكالرقمة في ذراع الدابة وإن معكم لخليقتين ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج ومن هلك من كفرة الإنس والجن). [تفسير عبد الرزاق: 2/31]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن إبراهيم عن علقمة في قوله: {إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم} قال: هذا شيء يكون دون الساعة [الآية: 1]). [تفسير الثوري: 208]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم عن علقمة {إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ} قال شريكٌ: هذا في الدّنيا قبل يوم القيامة، قال جريرٌ: هذا بين يدي السّاعة). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 281]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ (1) يوم ترونها تذهل كلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حملٍ حملها وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب اللّه شديدٌ}.
قال أبو جعفرٍ: يقول تعالى ذكره: يا أيّها النّاس احذروا عقاب ربّكم بطاعته، فأطيعوه ولا تعصوه، فإنّ عقابه لمن عاقبه يوم القيامة شديدٌ. ثمّ وصف جلّ ثناؤه هول أشراط ذلك اليوم وبدوّه، فقال: {إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ}.
واختلف أهل العلم في وقت كون الزّلزلة الّتي وصفها جلّ ثناؤه بالشّدّة، فقال بعضهم: هي كائنةٌ في الدّنيا قبل القيامة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، في قوله: {إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ} قال: " قبل السّاعة ".
- حدّثني سليمان بن عبد الجبّار، قال: حدّثنا محمّد بن الصّلت، قال: حدّثنا أبو كدينة، عن عطاءٍ، عن عامرٍ: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ} قال: " هذا في الدّنيا قبل يوم القيامة ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {إنّ زلزلة السّاعة} فقال: " زلزلتها: أشراطها.. الآيات {يوم ترونها تذهل كلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حملٍ حملها وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى}.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن عامرٍ: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ} قال: " هذا في الدّنيا من آيات السّاعة ".
وقد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحو ما قال هؤلاء خبرٌ في إسناده نظرٌ وذلك ما؛
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، عن إسماعيل بن رافعٍ المدنيّ، عن يزيد بن أبي زيادٍ، عن رجلٍ، من الأنصار، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، عن رجلٍ، من الأنصار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " لمّا فرغ اللّه من خلق السّماوات والأرض، خلق الصّور فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه، شاخصٌ ببصره إلى العرش، ينتظر متى يؤمر. " قال أبو هريرة: يا رسول اللّه، وما الصّور؟ قال: " قرنٌ ". قال: وكيف هو؟ قال: " قرنٌ عظيمٌ ينفخ فيه ثلاث نفخاتٍ، الأولى: نفخة الفزع، والثّانية: نفخة الصّعق، والثّالثة: نفخة القيام لربّ العالمين. يأمر اللّه عزّ وجلّ إسرافيل بالنّفخة الأولى، فيقول: انفخ نفخة الفزع فيفزع أهل السّماوات والأرض إلاّ من شاء اللّه، ويأمره اللّه فيديمها ويطوّلها، فلا يفتر، وهي الّتي يقول اللّه: {ما ينظر هؤلاء إلاّ صيحةً واحدةً ما لها من فواقٍ} فيسيّر اللّه الجبال فتكون سرابًا، وترجّ الأرض بأهلها رجًّا، وهي الّتي يقول اللّه: {يوم ترجف الرّاجفة تتبعها الرّادفة قلوبٌ يومئذٍ واجفةٌ}، فتكون الأرض كالسّفينة الموبقة في البحر تضربها الأمواج، تكفّأ بأهلها، أو كالقنديل المعلّق بالعرش، ترجّحه الأرواح فيمدد النّاس على ظهرها، فتذهل المراضع، وتضع الحوامل، وتشيب الولدان، وتطير الشّياطين هاربةً حتّى تأتي الأقطار، فتلقّاها الملائكة فتضرب وجوهها، فترجع، ويولّي النّاس مدبرين، ينادي بعضهم بعضًا، وهو الّذي يقول اللّه: {يوم التّناد يوم تولّون مدبرين ما لكم من اللّه من عاصمٍ ومن يضلل اللّه فما له من هاد} فبينما هم على ذلك، إذ تصدّعت الأرض من قطرٍ إلى قطرٍ، فرأوا أمرًا عظيمًا، وأخذهم لذلك من الكرب ما اللّه أعلم به، ثمّ نظروا إلى السّماء فإذا هي كالمهل، ثمّ خسف شمسها، وخسف قمرها، وانتثرت نجومها، ثمّ كشطت عنهم "، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " والأموات لا يعلمون بشيءٍ من ذلك "، فقال أبو هريرة: فمن استثنى اللّه حين يقول: {ففزع من في السّموات ومن في الأرض إلاّ من شاء اللّه}؟ قال: " أولئك الشّهداء، وإنّما يصل الفزع إلى الأحياء، أولئك أحياءٌ عند ربّهم يرزقون، وقاهم اللّه فزع ذلك اليوم وآمنهم. وهو عذاب اللّه يبعثه على شرار خلقه، وهو الّذي يقول: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ} إلى قوله: {ولكنّ عذاب اللّه شديدٌ} ".
وهذا القول الّذي ذكرناه عن علقمة والشّعبيّ ومن ذكرنا ذلك عنه قولٌ لولا مجيء الصّحاح من الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بخلافه، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أعلم بمعاني وحي اللّه وتنزيله.
والصّواب من القول في ذلك ما صحّ به الخبر عنه.
ذكر الرّواية عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما ذكرنا:
- حدّثني أحمد بن المقدام، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي يحدّث، عن قتادة، عن صاحبٍ، له حدّثه عن عمران بن حصينٍ، قال: بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في بعض مغازيه وقد فاوت السّير بأصحابه، إذ " نادى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بهذه الآية: " {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ} قال: فحثّوا المطيّ، حتّى كانوا حول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " هل تدرون أيّ يومٍ ذلك؟ " قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: " ذلك يوم ينادى آدم، يناديه ربّه: ابعث بعث النّار، من كلّ ألفٍ تسع مائةٍ، وتسعةً وتسعين إلى النّار " قال: فأبلس القوم، فما وضح منهم ضاحكٌ، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " ألا اعملوا وأبشروا، فإنّ معكم خليقتين ما كانتا في قومٍ إلاّ كثّرتاه، فمن هلك من بني آدم، ومن هلك من بني إبليس، ويأجوج ومأجوج ". قال: " أبشروا، ما أنتم في النّاس إلاّ كالشّامة في جنب البعير، أو كالرّقمة في جناح الدّابّة ".
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ قال: حدّثنا هشام بن أبي عبد اللّه، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصينٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- وحدّثنا ابن بشارٍ قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ قال: حدّثنا أبي، وحدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن هشامٍ جميعًا، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصينٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بمثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا محمّد بن بشرٍ، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن العلاء بن زياد عن عمران، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحوه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، قال: بلغني أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا قفل من غزوة العسرة، ومعه أصحابه، بعد ما شارف المدينة، " قرأ: " {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ يوم ترونها} الآية، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " أتدرون أيّ يومٍ ذاكم "؟ قيل: اللّه ورسوله أعلم. فذكر نحوه، إلاّ أنّه زاد: " وإنّه لم يكن رسولان إلاّ كان بينهما فترةٌ من الجاهليّة، فهم أهل النّار، وإنّكم بين ظهراني خليقتين لا يعادّهما أحدٌ من أهل الأرض إلاّ كثروهم، وهم يأجوج ومأجوج، وهم أهل النّار، وتكمل العدّة من المنافقين ".
- حدّثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " يقال لآدم: أخرج بعث النّار قال: فيقول: وما بعث النّار؟ فيقول: من كلّ ألفٍ تسع مائةٍ وتسعةً وتسعين. فعند ذلك يشيب الصّغير، وتضع الحامل حملها، وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى، ولكنّ عذاب اللّه شديدٌ ". قال: قلنا فأين النّاجي يا رسول اللّه؟ قال: " أبشروا فإنّ واحدًا منكم، وألفًا من يأجوج ومأجوج ". ثمّ قال: " إنّي لأطمع أن تكونوا ربع أهل الجنّة " فكبّرنا وحمدنا اللّه. ثمّ قال: " إنّي لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنّة " فكبّرنا وحمدنا اللّه. ثمّ قال: " إنّي لأطمع أن تكونوا نصف أهل الجنّة، إنّما مثلكم في النّاس كمثل الشّعرة البيضاء في الثّور الأسود، أو كمثل الشّعرة السّوداء في الثّور الأبيض ".
- حدّثنا أبو السّائب قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " يقول اللّه لآدم يوم القيامة ". ثمّ ذكر نحوه.
- حدّثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرّمليّ قال: حدّثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ قال: " ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحشر قال: " يقول اللّه يوم القيامة يا آدم فيقول: لبّيك وسعديك والخير بين يديك، فيقول: ابعث بعثًا إلى النّار ". ثمّ ذكر نحوه.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، عن أنسٍ، قال: نزلت {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ} حتّى إلى: {عذاب اللّه شديدٌ} الآية، على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو في مسيرٍ، فرجّع بها صوته، حتّى ثاب إليه أصحابه، فقال: " أتدرون أيّ يومٍ هذا؟ هذا يوم يقول اللّه لآدم: يا آدم، قم فابعث بعث النّار من كلّ ألفٍ تسع مائةٍ وتسعةً وتسعين " فكبر ذلك على المسلمين، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " سدّدوا وقاربوا وأبشروا فوالّذي نفسي بيده ما أنتم في النّاس إلاّ كالشّامة في جنب البعير، أو كالرّقمة في ذراع الدّابّة، وإنّ معكم لخليقتين ما كانتا في شيءٍ قطّ إلاّ كثّرتاه: يأجوج ومأجوج، ومن هلك من كفرة الجنّ والإنس ".
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن أبى إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ، قال: دخلت على ابن مسعودٍ بيت المال، فقال: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنّة؟ " قلنا نعم، قال: " أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنّة؟ " قلنا: نعم، قال: " فوالّذي نفسي بيده، إنّي لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنّة، وسأخبركم عن ذلك، إنّه لا يدخل الجنّة إلاّ نفسٌ مسلمةٌ، وإنّ قلّة المسلمين في الكفّار يوم القيامة كالشّعرة السّوداء في الثّور الأبيض، أو كالشّعرة البيضاء في الثّور الأسود ".
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ} قال: " هذا يوم القيامة ".
والزّلزلة مصدرٌ من قول القائل: زلزلت بفلانٍ الأرض أزلزلها زلزلةً وزلزالاً، بكسر الزّاي من الزّلزال، كما قال اللّه: {إذا زلزلت الأرض زلزالها}، وكذلك المصدر من كلّ سليمٍ من الأفعال إذا جاءت على فعلالٍ فبكسر أوّله، مثل وسوس وسوسةً ووسواسًا، فإذا كان اسمًا كان بفتح أوّله الزّلزال والوسواس وهو ما وسوس إلى الإنسان، كما قال الشّاعر:
يعرف الجاهل المضلّل أنّ الدّ = هر فيه النّكراء والزّلزال). [جامع البيان: 16/446-454]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ} [الحج: 1].
- عن ابن عبّاسٍ قال: «تلا رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - هذه الآية وأصحابه عنده: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ} [الحج: 1] إلى آخر الآية، فقال: " هل تدرون أيّ يومٍ ذلك؟ ". قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: " ذلك يوم يقول اللّه - عزّ وجلّ -: يا آدم قم فابعث بعثًا إلى النّار، فيقول: وما بعث النّار؟ فيقول: من كلّ ألفٍ تسعمائةٍ وتسعةٌ وتسعون إلى النّار وواحدٌ إلى الجنّة ". فشقّ ذلك على القوم، فقال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -: " [إنّي لأرجوا أن تكونوا ربع أهل الجنّة] إنّي لأرجو أن تكونوا شطر الجنّة "، ثمّ قال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -: " اعملوا وأبشروا، فإنّكم بين خليقتين لم يكونا مع أحدٍ إلّا كثّرتاه يأجوج ومأجوج، وإنّما أنتم في الأمم كالشّامة في جنب البعير، أو كالرّقمة في ذراع الدّابّة، أمّتي جزءٌ من ألف جزءٍ» ". قلت: في الصّحيح بعضه.
رواه البزّار، ورجاله رجال الصّحيح غير هلال بن خبّابٍ وهو ثقةٌ.
- وعن ابن عبّاسٍ «أنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - قرأ: {يومًا يجعل الولدان شيبًا} [المزمل: 17] قال: " ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول اللّه - عزّ وجلّ - لآدم: قم فابعث من ذرّيّتك بعثًا إلى النّار، فقال: من كم يا ربّ؟ قال: من ألفٍ تسعمائةٍ وتسعةٌ وتسعون وينجو واحدٌ ". فشقّ ذلك على المسلمين، وعرف ذلك رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - منهم، ثمّ قال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - حين أبصر ذلك في وجوههم: " إنّ بني آدم كثيرٌ، ويأجوج ومأجوج من ولد آدم، وإنّه لا يموت منهم رجلٌ حتّى يرثه لصلبه ألف رجلٍ، ففيهم وفي أشباههم جنّةٌ لكم» ".
رواه الطّبرانيّ، وفيه عثمان بن عطاءٍ الخراسانيّ وهو متروكٌ وضعّفه الجمهور واستحسن أبو حاتمٍ حديثه). [مجمع الزوائد: 7/69-70]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا الحسن بن سفيان حدّثنا محمود بن غيلان حدّثنا عبد الرّزّاق أنبأنا معمرٌ عن قتادة عن أنس بن مالكٍ قال نزلت {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ} على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في مسيرٍ له فرفع بها صوته حتّى ثاب إليه أصحابه ثمّ قال: "أتدرون أيّ يومٍ هذا يوم يقول الله جلّ وعلا يا آدم يا آدم قم فابعث بعث النّار من كل ألف تسعمائة وتسعةً وتسعين" فكبر ذلك على المسلمين فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "سدّدوا وقاربوا وأبشروا فوالّذي نفسي بيده ما أنتم في النّاس إلّا كالشاة في جنب البعير أو كالرّقمة في ذراع الدّابّة وإن معكم لخليقتين ما كانتا في شيءٍ قطّ إلا كثّرتاه يأجوج ومأجوج ومن هلك من كفرة الإنس والجنّ"). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/433-434]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا أبو بكر بن إسحاق، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا عبّادٌ، عن هلال بن خبّابٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية، وأصحابه عنده: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ} [الحج: 1] إلى آخر الآية.
فقال: «هل تدرون أيّ يومٍ ذلك؟» قالوا: اللّه ورسوله أعلم.
قال: " ذلك يوم يقول اللّه عزّ وجلّ: يا آدم قم فابعث بعثًا إلى النّار، فيقول: وما بعث النّار؟ فيقول: من كلّ ألفٍ تسع مائةٍ وتسعٌ وتسعون إلى النّار، وواحدٌ إلى الجنّة " فشقّ ذلك على القوم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّي لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنّة»، ثمّ قال: «إنّي لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنّة»، ثمّ قال: «إنّي لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنّة»، ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " اعملوا وأبشروا فإنّكم بين خليقتين، لم تكونا مع أحدٍ إلا كثّرتاه، يأجوج ومأجوج، وإنّما أنتم فيهم أو قال: - في الأمم - كالشّامة في جنب البعير، وكالرّقمة في ذراع الدّابّة، إنّما أمّتي جزءٌ من ألف جزءٍ ".
قلت: في الصّحيح بعضه.
قال البزّار: لا نعلمه يروى عن ابن عبّاسٍ إلا بهذا الإسناد). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/59-60]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}.
أخرج سعيد بن منصور وأحمد، وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن الحسن وغيره عن عمران بن حصين قال: لما نزلت {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم} إلى قوله: {ولكن عذاب الله شديد} أنزلت عليه هذه وهو في سفر فقال: أتدرون أي يوم ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال: ذلك يوم يقول الله لآدم: ابعث بعث النار، قال: يا رب وما بعث النار قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة) فانشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله: - صلى الله عليه وسلم - قاربوا وسددوا فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية فتؤخذ العدة من الجاهلية فإن تمت وإلا أكملت من المنافقين وما مثلكم: إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبروا ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا ثم قال: إني لأرجوا أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا قال: فلا أدري قال الثلثين أم لا). [الدر المنثور: 10/395-396]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي وصححه، وابن جرير، وابن مردويه عن عمران بن حصين قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فتفاوت بين أصحابه في السير فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوته بهاتين الآيتين {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم} إلى قوله {ولكن عذاب الله شديد} فلما سمع ذلك أصحابه حثوا المطي وعرفوا أنه عند قول يقوله فقال: هل تدرون أي يوم ذلك قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذلك يوم ينادي الله تعالى فيه آدم عليه السلام فيقول: يا آدم ابعث بعث النار فيقول أي رب وما بعث النار فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد في الجنة فتعبس القوم حتى ما أبدوا بضاحكة فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بأصحابه قال: اعملوا وابشروا فو الذي نفس محمد بيده أنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا أكثرتاه يأجوج ومأجوج ومن مات من بني آدم ومن بني إبليس فسري عن القوم بعض الذي يجدون قال اعملوا وابشروا فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة). [الدر المنثور: 10/397-398]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل عن غزوة العسرة ومعه أصحابه بعد ما شارف المدينة قرأ {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم} فذكر نحوه إلا أنه زاد فيه: لم يكن رسولان إلا أن كان بينهما فترة من الجاهلية فهم أهل النار وإنكم بين ظهراني خليقتين لا يعادهما أحد من أهل الأرض إلا كثرتاه وهم يأجوج ومأجوج وهم أهل النار وتكمل العدة من المنافقين). [الدر المنثور: 10/398]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس قال: نزلت {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم} إلى قوله (ولكن عذاب الله شديد) على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في مسير له فرفع بها صوته حتى ثاب إليه أصحابه فقال: أتدرون أي يوم هذا يوم يقول الله لآدم: يا آدم قم فابعث بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فكبر ذلك على المسلمين فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم سددوا وقاربوا وابشروا فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في النار إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة وإن معكم لخليقتين ما كانتا في شيء قط إلا أكثرتاه: يأجوج ومأجوج ومن هلك من كفرة الإنس والجن). [الدر المنثور: 10/398-399]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية – وأصحابه عنده - {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم} فقال: هل تدرون أي يوم ذاك قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذاك يوم يقول الله يا آدم قم فابعث بعث النار، فيقول: يا رب من كم فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة، فشق ذلك على القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ثم قال: اعملوا وأبشروا فإنكم بين خليقتين لم تكونا مع أحد إلا أكثرتاه: يأجوج ومأجوج وإنما أنتم في الأمم كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة وإنما أمتي جزء من ألف جزء). [الدر المنثور: 10/399]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيرة في غزوة بني المصطلق إذ أنزل الله {يا أيها الناس اتقوا ربكم} إلى قوله {ولكن عذاب الله شديد} فلما أنزلت عليه وقف على ناقته ثم رفع بها صوته فتلاها على أصحابه ثم قال لهم: أتدرون أي يوم ذاك قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذاك يوم يقول الله لآدم: يا آدم ابعث بعث النار من ولدك، فيقول: يا رب من كل كم فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة، فبكى المسلمون بكاء شديدا ودخل عليهم أمر شديد، فقال: والذي نفس محمد بيده ما أنتم في الأمم إلا كالشعرة البيضاء في الشاة السوداء واني لأرجوا أن تكونوا نصف أهل الجنة بل أرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة.
وأخرج ابن مردويه عن أبي موسى قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له، فذكر نحوه). [الدر المنثور: 10/399-400]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبخاري ومسلم، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد الخدري قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول الله يوم القيامة: يا آدم ابعث بعث النار، فيقول: يا رب وما بعث النار فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون فعند ذلك يشيب الوليد {وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} قال: فشق ذلك على الناس فقالوا: يا رسول الله من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون ويبقى الواحد فأينا ذلك الواحد فقال: من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم واحد، وهل أنتم في الأمم كالشعرة السوداء في الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود). [الدر المنثور: 10/400-401]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن علقمة في قوله {إن زلزلة الساعة شيء عظيم} قال: الزلزلة قبل الساعة). [الدر المنثور: 10/401]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الشعبي أنه قرأ {يا أيها الناس اتقوا ربكم} إلى قوله {ولكن عذاب الله شديد} قال: هذا في الدنيا من آيات الساعة). [الدر المنثور: 10/401]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن عبيد بن عمير في الآية، قال: هذه الأشياء تكون في الدنيا قبل يوم القيامة). [الدر المنثور: 10/401]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج قال: زلزلتها شرطها). [الدر المنثور: 10/401]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {إن زلزلة الساعة شيء عظيم} قال: هذا بدء يوم القيامة، وفي قوله {يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت} قال: تترك ولدها للكرب الذي نزل بها). [الدر المنثور: 10/401-402]
تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني شبيبٌ عن أبانٍ عن أنس بن مالكٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: نزلت عليه سورة الحجّ وهو في مسيرٍ له يتعشّون متبدّدين، فرفع بها صوته فنادى: {يا أيها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ (1) يوم ترونها تذهل كلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حملٍ حملها وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديدٌ}؛ فاجتمع إليه أصحابه فقال لهم: هل تدرون أيّ يومٍ ذلك، ذلك يوم يقول اللّه لآدم: يا آدم، ابعث بعثًا إلى النّار من بنيك وبناتك، قال: يا ربّ، من كم، قال: من كلّ ألفٍ تسع مائةٍ وتسعةً وتسعين إلى النّار وواحدٌ إلى الجنّة؛ وإنّ القوم لمّا سمعوا ذلك أبلسوا وكبر عليهم، فلمّا رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ما لقوا قال: أبشروا، فإنّكم مع خليقتين لم يكونا مع شيءٍ قطّ إلا كثّرتاه يأجوج ومأجوج، وهم من كلّ حدبٍ ينسلون، وما أنتم في النّاس إلا كالرّقمة في ذراع الدّابّة أو كالشّامة في جنب البعير، ثم قال: إني لأرجوا أن يكون من يدخل من أمّتي ربع أهل الجنّة، فكبّر القوم، ثمّ قال: إنّي لأرجوا أن يكونوا ثلث أهل الجنّة، ثمّ قال: إني لأرجوا أن يكونوا نصف أهل الجنّة، ثمّ قال: وسبعون ألفاً يدخلون الجنّة بغير حسابٍ؛ وإنّهم لما سمعوا ذلك قالوا: فهؤلاء السّبعون ألفًا ما هم، فتذاكروا بينهم قالوا: هم قومٌ ولدوا في الإسلام ولم يشركوا باللّه شيئًا، حتّى بلغ النّبيّ قولهم، فقال: هم الّذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيّرون، وعلى ربّهم يتوّكلون؛ فقام رجلٌ فقال: يا رسول اللّه، ادع اللّه أن يجعلني بينهم، فقال: اللّهمّ، اجعله منهم، فقام آخر، فقال رسول اللّه: سبقك بها عكاشة). [الجامع في علوم القرآن: 1/40-41] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة وأبان عن أنس بن مالك قال نزلت {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم} إلى {ولكن عذاب الله شديد} قال نزلت على النبي وهو في مسير له فرفع بها صوته حتى ثاب إليه أصحابه فقال أتدرون أي يوم هذا يوم يقول الله لآدم يا آدم قم فابعث بعث النار من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة قال فكبر ذلك على المسلمين فقال النبي سددوا وقاربوا وأبشروا فوالذي نفسي بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير وكالرقمة في ذراع الدابة وإن معكم لخليقتين ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج ومن هلك من كفرة الإنس والجن). [تفسير عبد الرزاق: 2/31] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي قال دخلت على ابن مسعود بيت المال قال فقال سمعت النبي يقول أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قلنا نعم قال أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة قلنا نعم فقال والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة وسأخبركم عن ذلك إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن قلة المسلمين في الكفار كالشعرة السوداء في الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود). [تفسير عبد الرزاق: 2/31-32]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا عمر بن زيد الصنعاني قال نا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله يقول إني لأرجو أن تكون أمتي ربع أهل الجنة قال فكبرنا فقال إني لأرجو أن تكون ثلث أهل الجنة قال فكبرنا قال إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة). [تفسير عبد الرزاق: 2/32]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمعت عبيد ابن عمير يقول ما جموع المسلمين يوم القيامة في جموع الكفار إلا كالرقمة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالرقمة السوداء في جلد الثور الأبيض). [تفسير عبد الرزاق: 2/32]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] {وترى الناس سكارى وما هم بسكارى} [الآية: 2]). [تفسير الثوري: 208]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :({تذهل} [الحج: 2] : «تشغل»). [صحيح البخاري: 6/97]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تذهل تشغل روى بن المنذر من طريق الضّحّاك قال في قوله تذهل كل مرضعة أي تسلو من شدّة خوف ذلك اليوم وقال أبو عبيدة في قوله تذهل كلّ مرضعة أي تسلو قال الشّاعر صحا قلبه يا عزّ أو كاد يذهل وقيل الذّهول الاشتغال عن الشّيء مع دهشٍ). [فتح الباري: 8/441]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (تذهل تشغل
أشار به إلى قوله تعالى: {يوم تذهل كل مرضعة} (الحج: 2) وفسّر: (تذهل) بقوله: (تشتغل) قال الثّعلبيّ: كذا فسره ابن عبّاس، وعن الضّحّاك، تسلوا، يقال: ذهلت عن كذا، أي: تركته). [عمدة القاري: 19/67]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({تذهل}) في قوله: {يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت} [الحج: 2] أي (تشغل) بضم أوّله وفتح ثالثه لهول ما ترى عن أحب الناس إليها ويوم نصب بتذهل والضمير للزلزلة وتكون فيما قاله الحسن يوم القيامة أو عند طلوع الشمس من مغربها كما قاله علقمة والشعبي أو الضمير للساعة وعبر بمرضعة دون مرضع لأن المرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبي والمرضع التي من شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به فقيل مرضعة ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته من فيه لما يلحقها من الدهشة). [إرشاد الساري: 7/244]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(باب {وترى النّاس سكارى} [الحج: 2]
- حدّثنا عمر بن حفصٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعمش، حدّثنا أبو صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: " يقول اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة: يا آدم، يقول: لبّيك ربّنا وسعديك، فينادى بصوتٍ: إنّ اللّه يأمرك أن تخرج من ذرّيّتك بعثًا إلى النّار، قال: يا ربّ وما بعث النّار؟ قال: من كلّ ألفٍ - أراه قال - تسع مائةٍ وتسعةً وتسعين، فحينئذٍ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى، ولكنّ عذاب اللّه شديدٌ " فشقّ ذلك على النّاس حتّى تغيّرت وجوههم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من يأجوج ومأجوج تسع مائةٍ وتسعةً وتسعين، ومنكم واحدٌ، ثمّ أنتم في النّاس كالشّعرة السّوداء في جنب الثّور الأبيض - أو كالشّعرة البيضاء في جنب الثّور الأسود - وإنّي لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنّة» فكبّرنا، ثمّ قال: «ثلث أهل الجنّة» فكبّرنا، ثمّ قال: «شطر أهل الجنّة» فكبّرنا قال أبو أسامة عن الأعمش، {ترى النّاس سكارى وما هم بسكارى} [الحج: 2]، وقال: «من كلّ ألفٍ تسع مائةٍ وتسعةً وتسعين» وقال جريرٌ، وعيسى بن يونس، وأبو معاوية: (سكرى وما هم بسكرى) ). [صحيح البخاري: 6/97-98]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله وترى النّاس سكارى)
سقط الباب والتّرجمة لغير أبي ذرٍّ وقدّم عندهم الطّريق الموصول على التّعاليق وعكس ذلك في رواية أبي ذرٍّ وسيأتي شرح الحديث الموصول في كتاب الرّقاق إن شاء اللّه تعالى
- قوله وقال أبو أسامة عن الأعمش سكارى وما هم بسكارى يعني أنّه وافق حفص بن غياثٍ في رواية هذا الحديث عن الأعمش بإسناده ومتنه وقد أخرجه أحمد عن وكيعٍ عن الأعمش كذلك قوله قال من كلّ ألفٍ تسعمائةٍ وتسعةً وتسعين أي أنّه جزم بذلك بخلاف حفصٍ فإنّه وقع في روايته من كلّ ألفٍ أراه قال فذكره ورواية أبي أسامة هذه وصلها المؤلّف في قصّة يأجوج ومأجوج من أحاديث الأنبياء قوله وقال جريرٌ وعيسى بن يونس وأبو معاوية سكرى وما هم بسكرى يعني أنّهم رووه عن الأعمش بإسناده هذا ومتنه لكنّهم خالفوا في هذه اللّفظة فأمّا رواية جريرٍ فوصلها المؤلّف في الرّقاق كما قال وأمّا رواية عيسى بن يونس فوصلها إسحاق بن راهويه عنه كذلك وأمّا رواية أبي معاوية فاختلف عليه فيها فرواها بلفط سكرى أبو بكر بن أبي شيبة عنه وقد أخرجها سعيد بن منصورٍ عن أبي معاوية والنّسائيّ عن أبي كريبٍ عن أبي معاوية فقالا في روايتهما سكارى وما هم بسكارى وكذا عند الإسماعيليّ من طريقٍ أخرى عن أبي معاوية وأخرجها مسلمٌ عن أبي كريبٍ عنه مقرونةً برواية وكيعٍ وأحال بهما على رواية جرير وروى بن مردويه من طريق محاضرٍ والطّبريّ من طريق المسعوديّ كلاهما عن الأعمش بلفظ سكرى وقال الفرّاء أجمع القرّاء على سكارى وما هم بسكارى ثمّ روى بإسناده عن بن مسعودٍ سكرى وما هم بسكرى قال وهو جيّدٌ في العربيّة انتهى ونقله الإجماع عجبٌ مع أنّ أصحابه الكوفيّين يحيى بن وثّابٍ وحمزة والأعمش والكسائيّ قرؤوا بمثل ما نقل عن بن مسعودٍ ونقلها أبو عبيدٍ أيضًا عن حذيفة وأبي زرعة بن عمرٍو واختارها أبو عبيدٍ وقد اختلف أهل العربيّة في سكرى هل هي صيغة جمعٍ على فعلى مثل مرضى أو صيغة مفردٍ فاستغني بها عن وصف الجماعة). [فتح الباري: 8/441-442]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
- ثنا عمر بن حفص ثنا أبي ثنا الأعمش ثنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول الله عزّ وجلّ يوم القيامة يا آدم فيقول لبيك ربنا وسعديك فينادى بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النّار قال يا رب وما بعث النّار قال من كل ألف أراه قال تسعمائة وتسعة وتسعين فحينئذٍ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد الحديث
وقال أبو أسامة عن الأعمش ترى النّاس سكارى وما هم بسكارى وقال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وقال جرير وعيسى بن يونس وأبو معاوية سكرى وما هم بسكرى
أما حديث أبي أسامة فأسنده المؤلف في أحاديث الأنبياء
وأما حديث جرير فأسنده المؤلف في الرقاق
وأما حديث عيسى بن يونس فقال إسحاق بن راهويه في مسنده ثنا عيسى ابن يونس به
وأما حديث أبي معاوية فقال مسلم في صحيحه ثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية
وأخبرناه عاليا على طريقه أبو الفرج بن الغزّي أنا أبو الحسن بن قريش أنا أبو الفرج بن الصيقل أنا أبو الحسن الجمال في كتابه أنا أبو علّي الحداد أنا أبو نعيم ثنا عبد الله بن محمّد ثنا أبو بكر الفريابيّ ثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية ووكيع ثنا الأعمش به
ورواه أبو جعفر الطّبريّ في تفسيره عن أبي السّائب عن معاوية). [تغليق التعليق: 4/261-262]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا عمر بن حفصٍ حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا أبو صالحٍ عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول الله عزّ وجلّ يوم القيامة يا آدم يقول لبّيك ربّنا وسعديك فينادي بصوتٍ إنّ الله يأمرك أن تخرج من ذرّيّتك بعثاً إلى النّار قال يا ربّ وما بعث النار قال من كلّ ألفٍ أراه قال تسعمائةٍ وتسعةً وتسعين فحينئذٍ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد: {وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديدٌ} (الحج: 1) فشقّ ذالك على النّاس حتّى تغيّرت وجوههم فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم من يأجوج ومأجوج تسعمائةٍ وتسعةً وتسعين ومنكم واحدٌ ثمّ أنتم في النّاس كالشّعرة السّوداء في جنب الثّور الأبيض أو كالشّعرة البيضاء في جنب الثّور الأسود وإنّي لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنّة فكبّرنا ثمّ قال ثلث أهل الجنّة فكبّرنا ثمّ قال شطر أهل الجنّة فكبّرنا.
مطابقته للتّرجمة وهي في سورة الحج ظاهرة. وأبو صالح ذكوان السمان. والحديث مضى في أحاديث الأنبياء في: باب قصّة يأجوج ومأجوج، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (ربنا) ، أي: يا ربنا. قوله: (فينادي) ، على صيغة المعلوم. قوله: (بعثاً) . بفتح الباء الموحدة أي: مبعوثًا أي: أخرج من النّاس الّذين هم أهل النّار وابعثهم إليها. قوله: (أراه) ، بضم الهمزة، قوله: (أو كالشعرة) ، كلمة، أو، هنا يحتمل التنويع من رسول الله صلى الله عليه وسلم والشّكّ من الرّاوي (فكبرنا) أي: فعظمنا ذلك أو قلنا: الله أكبر، سرورًا بهذه البشارة. قوله: (شطر أهل الجنّة) ، أي: نصفها.
(بابٌ وترى النّاس سكارى)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {وترى النّاس سكارى} الآية ولم توجد هذه التّرجمة إلاّ في رواية أبي ذر وحده.
قال أبو أسامة عن الأعمش: {ترى النّاس سكارى وما هم بسكارى وما هم بسكارى} وقال: من كلّ ألفٍ تسعمائةٍ وتسعةً وتسعين.
أبو أسامة حمّاد بن أسامة يروي عن سليمان الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدريّ، وقد وصل البخاريّ هذا التّعليق في أحاديث الأنبياء في: باب قصّة يأجوج ومأجوج، عن إسحاق بن نصر عن أبي أسامة إلى آخره.
وقال جريرٌ وعيسى بن يونس وأبو معاوية سكرى وما هم بسكرى
أراد أن هؤلاء رووه عن الأعمش بإسناده ومتنه لكنهم خالفوه في لفظ: سكارى، لأنهم رووه بلفظ: سكرى، بالإفراد دون الجمع، أما قول جرير بن الحميد فوصله البخاريّ في الرقاق في: باب قول الله عز وجل: {إن زلزلة السّاعة شيء عظيم} عن يوسف بن موسى عن جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد إلى آخره، وأما قول عيسى بن يونس فوصله إسحاق ابن راهويه عنه كذلك في مسنده بلفظ الإفراد، وأما قول أبي معاوية محمّد بن خازم فوصله مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن أبي معاوية عن الأعمش إلى آخره، ولكن اختلف فيه على أبي معاوية، ففي رواية مسلم بلفظ الجمع، وفي رواية ابن مردويه عنه بلفظ الإفراد، فافهم). [عمدة القاري: 19/67-68]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {وترى النّاس سكارى} [الحج: 2]
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وترى الناس سكارى}) [الحج: 2] بضم السين وسقط باب وتاليه لغير أبي ذر.
- حدّثنا عمر بن حفصٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعمش، حدّثنا أبو صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «يقول اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة يا آدم يقول: لبّيك ربّنا وسعديك فينادي بصوتٍ إنّ اللّه يأمرك أن تخرج من ذرّيّتك بعثًا إلى النّار قال: يا ربّ وما بعث النّار؟ قال: من كلّ ألفٍ أراه قال: تسعمائةٍ وتسعةً وتسعين فحينئذٍ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد {وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب اللّه شديدٌ}» فشقّ ذلك على النّاس حتّى تغيّرت وجوههم فقال النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «من يأجوج ومأجوج تسعمائةٍ وتسعةً وتسعين ومنكم واحدٌ ثمّ أنتم في النّاس كالشّعرة السّوداء في جنب الثّور الأبيض -أو كالشّعرة البيضاء في جنب الثّور الأسود- وإنّي لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنّة» فكبّرنا ثمّ قال: «ثلث أهل الجنّة» فكبّرنا ثمّ قال: «شطر أهل الجنّة» فكبّرنا. قال أبو أسامة عن الأعمش {ترى النّاس سكارى وما هم بسكارى} وقال: من كلّ ألفٍ تسعمائةٍ وتسعةً وتسعين. وقال جريرٌ وعيسى بن يونس وأبو معاوية: سكرى وما هم بسكرى.
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق الكوفي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان السمان (عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-): (يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم فيقول: لبيك) يا (ربنا وسعديك فينادي) بفتح الدال (بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار) بفتح الموحدة وسكون العين المهملة أي مبعوثًا أي نصيبًا والبعث الجيش والجمع أي أخرج من ذريتك الناس الذين هم أهل النار وابعثهم إليها (قال: يا رب وما بعث النار) أي وما مقدار مبعوث النار (قال من كل ألف أراه) بضم الهمزة أي أظنه (قال تسعمائة وتسعة وتسعين).
وفي حديث أبي هريرة عند المؤلّف في باب كيف الحشر من كتاب الرقاق فيقول: أخرج من كل مائة تسعة وتسعين وهو يدل على أن نصيب أهل الجنة من الألف عشرة، وحديث الباب على أنه واحد والحكم للزائد أو يحمل حديث الباب على جميع ذرية آدم فيكون من كل ألف واحد وحديث أبي هريرة على من عدا يأجوج ومأجوج فيكون من كل ألف عشرة.
(فحينئذٍ تضع الحامل حملها) أي جنينها (ويشيب الوليد) من شدة هول ذلك وهذا على سبيل الفرض أو التمثيل وأصله أن الهموم تضعف القوى وتسرع بالشيب أو يحمل على الحقيقة لأن كل أحد يبعث على ما مات عليه فتبعث الحامل حاملًا والمرضع مرضعة والطفل طفلًا فإذا وقعت زلزلة الساعة، وقيل ذلك لآدم عليه الصلاة والسلام وسمعوا ما قيل له وقع بهم من الوجل ما تسقط معه الحامل ويشيب له الطفل وتذهل المرضعة قاله الحافظ أبو الفضل بن حجر وسبقه إليه القفال (وترى الناس سكارى) أي كأنهم سكارى من شدّة الأمر الذي أصابهم قد دهشت عقولهم وغابت أذهانهم فمن رآهم حسب أنهم سكارى (وما هم بسكارى) على الحقيقة (ولكن عذاب الله شديد) تعليل لإثبات السكر المجازي لما نفي عنهم السكر الحقيقي (فشق ذلك على الناس) الحاضرين (حتى تغيرت وجوههم) من الخوف (فقال النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- من يأجوج ومأجوج) وممن كان على الشرك مثلهم (تسعمائة وتسعة وتسعين) بنصب تسع على التمييز ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف (و) المخرج (منكم) أيها المسلمون وممن كان مثلكم (واحد ثم أنتم في الناس) في المحشر (كالشعرة السوداء) بفتح العين وبسكونها فقط في اليونينية (في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود) أو للتنويع أو شك الراوي. قال السفاقسي أطلق الشعرة وليس المراد حقيقة الواحدة لأنه لا يكون ثور ليس في جلده غير شعرة واحدة من غير لونه (إني) بالواو وسقطت لأبي ذر (لأرجو أن تكونوا) يريد أمته المؤمنين به (ربع أهل الجنة فكبّرنا) أي قلنا الله أكبر سرورًا بهذه البشارة (ثم قال) عليها السلام (ثلث أهل الجنة فكبرنا) سرورًا (ثم قال) عليه السلام: (شطر أهل الجنة) نصفها وثلث وشطر نصب خبر تكون (فكبرنا) سرورًا واستعظامًا في الثلاثة لهذه النعمة العظمى والمنحة الكبرى، فهذا الاستعظام بعد الاستعظام الأوّل إشارة إلى فوزهم بالبغية.
وعند عبد الله ابن الإمام أحمد في زياداته والطبراني من حديث أبي هريرة زيادة أنتم ثلثا أهل الجنة. وفي الترمذي وصححه من حديث بريدة رفعه أهل الجنة عشرون ومائة صف أمتي منها ثمانون والظاهر أنه صلوات الله وسلامه عليه لما رجا من رحمة الله أن تكون أمته نصف أهل الجنة أعطاه ما رجاه وزاده.
(وقال أبو أسامة) حماد بن أسامة مما وصله في أحاديث الأنبياء وسقطت واو وقال لغير أبي ذر (عن الأعمش) سليمان عن أبي صالح عن أبي سعيد (ترى الناس سكارى) وسقط هذا لأبي ذر (وما هم بسكارى) على وزن كسالى (قال): ولأبي ذر قال: (من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين) فوافق حفص بن غياث في روايته عن الأعمش.
(وقال جرير) هو ابن عبد الحميد فيما وصله المؤلّف في الرقاق (وعيسى بن يونس) مما وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عنه (وأبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين مما وصله مسلم (سكرى وما هم بسكرى) بفتح السين وسكون الكاف فيهما من غير ألف وبذلك قرأ حمزة والكسائي على وزن صفة المؤنث بذلك واختلف هل هي صيغة جمع على فعلى كمرضى وقتلى أو صفة مفردة استغني بها في وصف الجماعة خلاف مشهور.
والحديث ذكره في أحاديث الأنبياء في باب قصة يأجوج ومأجوج). [إرشاد الساري: 7/244-246]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن ابن جدعان، عن الحسن، عن عمران بن حصينٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا نزلت {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ}، إلى قوله: {ولكنّ عذاب الله شديدٌ}، قال: أنزلت عليه هذه الآية وهو في سفرٍ، فقال: أتدرون أيّ يومٍ ذلك؟ فقالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: ذلك يوم يقول اللّه لآدم: ابعث بعث النّار، فقال: يا ربّ وما بعث النّار؟ قال: تسع مائةٍ وتسعةٌ وتسعون إلى النّار وواحدٌ إلى الجنّة، قال: فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: قاربوا وسدّدوا، فإنّها لم تكن نبوّةٌ قطّ إلاّ كان بين يديها جاهليّةٌ، قال: فيؤخذ العدد من الجاهليّة فإن تمّت وإلاّ كملت من المنافقين وما مثلكم والأمم إلاّ كمثل الرّقمة في ذراع الدّابّة أو كالشّامة في جنب البعير، ثمّ قال: إنّي لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنّة فكبّروا، ثمّ قال: إنّي لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنّة فكبّروا، ثمّ قال: إنّي لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنّة فكبّروا قال: ولا أدري؟ قال: الثّلثين أم لا؟.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، قد روي من غير وجهٍ عن عمران بن حصينٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم). [سنن الترمذي: 5/174]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا هشام بن أبي عبد الله، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصينٍ، قال: كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في سفرٍ فتفاوت بين أصحابه في السّير فرفع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم صوته بهاتين الآيتين {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ، إلى قوله: {ولكنّ عذاب الله شديدٌ} فلمّا سمع ذلك أصحابه حثّوا المطيّ وعرفوا أنّه عند قولٍ يقوله، فقال: هل تدرون أيّ يومٍ ذلك؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: ذلك يومٌ ينادي اللّه فيه آدم فيناديه ربّه فيقول: يا آدم ابعث بعث النّار، فيقول: أي ربّ، وما بعث النّار؟ فيقول: من كلّ ألفٍ تسع مائةٍ وتسعةٌ وتسعون إلى النّار وواحدٌ في الجنّة فيئس القوم، حتّى ما أبدوا بضاحكةٍ، فلمّا رأى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي بأصحابه قال: اعملوا وأبشروا فوالّذي نفس محمّدٍ بيده إنّكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيءٍ إلاّ كثّرتاه، يأجوج ومأجوج، ومن مات من بني آدم وبني إبليس قال: فسرّي عن القوم بعض الّذي يجدون، فقال: اعملوا وأبشروا فوالّذي نفس محمّدٍ بيده ما أنتم في النّاس إلاّ كالشّامة في جنب البعير أو كالرّقمة في ذراع الدّابّة.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/175]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى}
- أخبرنا محمّد بن العلاء، أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يقول الله تبارك وتعالى لآدم يوم القيامة: يا آدم، قم فابعث من ذرّيّتك بعث النّار، فيقول: يا ربّ، وما بعث النّار؟، فيقول: من كلّ ألفٍ تسعمائةٍ وتسعةٌ وتسعين ويبقى واحدٌ، فعند ذلك يشيب الصّغير، وتضع كلّ ذات حملٍ حملها، {وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديدٌ} [الحج: 2]، فشقّ ذلك على أصحابه، فقالوا: يا رسول الله، من كلّ ألفٍ تسعمائةٍ وتسعةٌ وتسعون ويبقى واحدٌ، فأيّنا ذلك الواحد؟، فدخل منزله ثمّ خرج عليهم، فقال: «من يأجوج ومأجوج ألفٌ ومنكم واحدٌ، وأبشروا فإنّي لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنّة»، فكبّروا وحمدوا الله، قال: «إنّي لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنّة»، فكبّروا وحمدوا الله، فقال: «إنّي لأرجو الله أن تكونوا نصف أهل الجنّة»، فكبّروا وحمدوا الله، قال: «ما أنتم في الأمم إلّا كالشّعرة البيضاء في الثّور الأسود، أو كالشّعرة السّوداء في الثّور الأبيض»
- أخبرنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا يحيى، حدّثنا هشامٌ، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصينٍ، قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في مسيرٍ، فتفاوت بين أصحابه في السّير، فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوته بهاتين الآيتين {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ يوم ترونها تذهل كلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حملٍ حملها وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديدٌ} [الحج: 2]، فلمّا سمع بذلك أصحابه عرفوا أنّه قولٌ يقوله، فقال: «هل تدرون أيّ يومٍ ذاكم؟»، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " ذلك يومٌ ينادي الله فيه: يا آدم ابعث بعث النّار، فيقول: يا ربّ، وما بعث النّار؟ فيقول: من كلّ ألفٍ تسع مائةٍ وتسعةٌ وتسعون في النّار وواحدٌ في الجنّة "، فأبلس القوم حتّى ما أوضحوا بضاحكةٍ، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّذي بأصحابه، قال: " اعملوا وأبشروا، فوالّذي نفس محمّدٍ بيده إنّكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيءٍ إلّا كثّرتاه: يأجوج ومأجوج، ومن مات من بني آدم وبني إبليس "، قال: فسرّي عن القوم بعض الّذي يجدون، فقال: «اعملوا وأبشروا فوالّذي نفس محمّدٍ بيده ما أنتم في النّاس إلّا كالشّامة في جنب البعير، أو كالرّقمة في ذراع الدّابّة»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/188-189]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله تعالى: {يوم ترونها} يقول جلّ ثناؤه: يوم ترون أيّها النّاس زلزلة السّاعة تذهل من عظم هولها كلّ مرضعة مولودٍ عمّا أرضعت.
ويعني بقوله: {تذهل} تنسى وتترك من شدّة كربها، يقال: ذهلت عن كذا أذهل عنه ذهولاً وذهلت أيضًا، وهي قليلةٌ، والفصيح: الفتح في الهاء، فأمّا في المستقبل فالهاء مفتوحةٌ في اللّغتين، لم يسمع غير ذلك، ومنه قول الشّاعر:
صحا قلبه يا عزّ أو كاد يذهل
فأمّا إذا أريد أنّ الهول أنساه وسلاّه، قلت: أذهله هذا الأمر عن كذا يذهله إذهالاً.
وفي إثبات الهاء في قوله: {كلّ مرضعةٍ} اختلافٌ بين أهل العربيّة، وكان بعض نحويّي الكوفيّين يقول: إذا أثبتت الهاء في المرضعة فإنّما يراد أمّ الصّبيّ المرضع، وإذا أسقطت فإنّه يراد المرأة الّتي معها صبيّ ترضعه، لأنّه أريد الفعل بها.
قالوا: ولو أريد بها الصّفة فيما يرى لقال مرضعٌ.
قال: وكذلك كلّ مفعلٍ أو فاعلٍ يكون للأنثى ولا يكون للذّكر، فهو بغير هاء، نحو: مقربٍ، وموقرٍ، ومشدنٍ، وحاملٍ، وحائضٍ.
قال أبو جعفرٍ: وهذا القول عندي أولى بالصّواب في ذلك، لأنّ العرب من شأنها إسقاط هاء التّأنيث من كلّ فاعلٍ ومفعلٍ إذا وصفوا المؤنّث به، ولو لم يكن للمذكّر فيه حظٌّ، فإذا أرادوا الخبر عنها أنّها ستفعله ولم تفعله، أثبتوا هاء التّأنيث، ليفرّقوا بين الصّفة والفعل. منه قول الأعشى فيما هو واقعٌ ولم يكن وقع قبل:
أيا جارتا بيني فإنّك طالقه = كذاك أمور النّاس غادٍ وطارقه
وأمّا فيما هو صفةٌ، نحو قول امرئ القيس:
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعٍ = فألهيتها عن ذي تمائم محول
وربّما أثبتوا الهاء في الحالتين، وربّما أسقطوهما فيهما، غير أنّ الفصيح من كلامهم ما وصفت.
فتأويل الكلام إذن: يوم ترون أيّها النّاس زلزلة السّاعة، تنسى وتترك كلّ والدة مولودٍ ترضع ولدها عمّا أرضعت.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {يوم ترونها تذهل كلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت} قال: " تترك ولدها للكرب الّذي نزل بها ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن الحسن: {تذهل كلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت} قال: " ذهلت عن أولادها بغير فطامٍ. {وتضع كلّ ذات حملٍ حملها} قال: ألقت الحوامل ما في بطونها لغير تمامٍ ".
{وتضع كلّ ذات حملٍ حملها} يقول: وتسقط كلّ حاملٍ من شدّة كرب ذلك حملها.
وقوله: {وترى النّاس سكارى} قرأت قرّاء الأمصار: {وترى النّاس سكارى} على وجه الخطّاب للواحد، كأنّه قال: وترى يا محمّد النّاس سكارى وما هم بسكارى.
وروي عن أبي زرعة بن عمرو بن جريرٍ: " وتري النّاس " بضمّ التّاء ونصب النّاس، من قول القائل: رئيت تري، الّتي تطلب الاسم والفعل، كظنّ وأخواتها.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار، لإجماع الحجّة من القرّاء عليه.
واختلف القرّاء في قراءة قوله: {" سكارى "} فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة: {" سكارى وما هم بسكارى "}.
وقرأته عامّة قرّاء أهل الكوفة: ( وترى النّاس سكرى وما هم بسكرى ).
والصّواب من القول في ذلك عندنا، أنّهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب.
ومعنى الكلام: وترى النّاس يا محمّد من عظيم ما نزل بهم من الكرب وشدّته سكارى من الفزع، وما هم بسكارى من شرب الخمر.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن الحسن: {وترى النّاس سكارى} " من الخوف، {وما هم بسكارى} من الشّراب ".
- قال حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {وما هم بسكارى} قال: " ما هم بسكارى من الشّراب، {ولكنّ عذاب اللّه شديدٌ} ".
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {" وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى} قال: ما شربوا خمرًا " {ولكنّ عذاب الله شديدٌ}.
وقوله: {ولكنّ عذاب الله شديدٌ}.
يقول تعالى ذكره: ولكنّهم صاروا سكارى من خوف عذاب اللّه عند معاينتهم ما عاينوا من كرب ذلك، وعظيم هوله، مع علمهم بشدّة عذاب اللّه). [جامع البيان: 16/454-458]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا محمّد بن إسحاق الصّغانيّ، ثنا الحسن بن موسى الأشيب، ثنا شيبان بن عبد الرّحمن، عن قتادة، قال الصّغانيّ: وحدّثنا روح بن عبادة، حدّثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصينٍ رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: وهو في بعض أسفاره قد فاوت بين أصحابه السّير فرفع بهاتين الآيتين صوته " {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ (1) يوم ترونها تذهل كلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حملٍ حملها وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب اللّه شديدٌ} [الحج: 2] فلمّا سمع ذلك أصحابه حثّوا المطيّ وعرفوا أنّه عنده قولٌ يقوله، فلمّا تأشّبوا حوله قال: «هل تدرون أيّ يومٍ ذاكم؟» قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: " ذاك يوم ينادى آدم عليه السّلام فيناديه ربّه فيقول: يا آدم ابعث بعث النّار. فيقول: يا ربّ وما بعث النّار؟ فيقول: من كلّ ألفٍ تسعمائةٌ وتسعةٌ وتسعون في النّار وواحدٌ في الجنّة " قالوا: فأبلسوا حتّى ما أوضحوا بضاحكةٍ، فلمّا رأى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ذلك قال: «اعملوا وأبشروا فوالّذي نفس محمّدٍ بيده إنّكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيءٍ إلّا كثّرتاه، يأجوج ومأجوج وما هلك من بني آدم ومن بني إبليس» قال: فسرّى ذلك عن القوم فقال: «اعملوا وأبشروا فوالّذي نفس محمّدٍ بيده ما أنتم في النّاس إلّا كالرّقمة في ذراع الدّابّة أو كالشّامة في جنب البعير» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأكثر أئمّة البصرة على أنّ الحسن قد سمع من عمران غير أنّ الشّيخين لم يخرجاه "). [المستدرك: 2/417]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو بكرٍ أحمد بن إسحاق، أنبأ محمّد بن غالبٍ، ثنا الحسن بن بشرٍ، ثنا الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصينٍ رضي اللّه عنه، قال: كان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقرأ {وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب اللّه شديدٌ} [الحج: 2] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/418]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في قوله {يوم ترونها تذهل} قال: تغفل). [الدر المنثور: 10/402]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله {تذهل كل مرضعة عما أرضعت} قال: ذهلت عن أولادها لغير فطام {وتضع كل ذات حمل حملها} قال: ألقت الحوامل ما في بطونها لغير تمام {وترى الناس سكارى} قال: من الخوف {وما هم بسكارى} قال: من الشراب). [الدر المنثور: 10/402]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني والحاكم، وابن مردويه وأبو الحسن أحمد بن يزيد الحلواني في كتاب الحروب عن عمران بن حصين أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ {وترى الناس سكارى وما هم بسكارى} ). [الدر المنثور: 10/402]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه وأبو الحسن الحلواني والحافظ عبد الغني بن سعيد في إيضاح الإشكال عن أبي سعيد قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وترى الناس سكارى وما هم بسكارى} قال الأعمش: وهي قراءتنا). [الدر المنثور: 10/402-403]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور عن حذيفة أنه كان يقرأ {وترى الناس سكارى وما هم بسكارى}.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود أنه كان يقرأ كذلك). [الدر المنثور: 10/403]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي نهيك أنه قرأ {وترى الناس} يعني تحسب الناس، قال: لو كانت منصوبة كانوا سكارى ولكنها {ترى} تحسب). [الدر المنثور: 10/403]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الربيع {وترى الناس سكارى} قال: ذلك عند الساعة يسكر الكبير ويشيب الصغير وتضع الحوامل ما في بطونها). [الدر المنثور: 10/403]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج {وما هم بسكارى} قال: من الشراب، والله أعلم بالصواب). [الدر المنثور: 10/403]