العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 رمضان 1439هـ/3-06-2018م, 07:19 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي مقدمات توجيه القراءات من كتاب الموضح في وجوه القراءات وعللها للفسوي

مقدمة توجيه القراءات من كتاب الموضح في وجوه القراءات وعللها
لنصر بن علي بن أبي مريم الفسوي (ت: بعد 565هـ)
متبوعة بتوجيه ما ذكر من أصول
أبواب وعناصر مقدمات الكتاب:
- المقدمة
-الفصل الأول: في ذكر أئمة القراء الثمانية وأسمائهم وكُناهم وأنسابهم وأمصارهم وأسانيدهم
-الفصل الثاني: في ذكر الرواة، وذكر الرّاوين عنهم، والعلامات الدالة على أساميهم
-الفصل الثالث: في تجويد اللفظ بالقرآن وذكر ضروبه، وصفة اللحن
-الفصل الرابع: في حروف المعجم ووصف مخارجها
-الفصل الخامس: في انقسام الحروف إلى أنواعها المختلفة
-الفصل السادس: في أحياز الحروف التي تخرج منها ونسبتها إليها
-الفصل السابع: في الهمزة وأحكامها
-الفصل الثامن: في الإدغام
-الفصل التاسع: في الإمالة
-الفصل العاشر: في الوقف
-فصل في الإمالة
-[فصل] في الاستفهامين إذا اجتمعا


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ربيع الأول 1440هـ/26-11-2018م, 07:24 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

المقدمة
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، وأوسعه فيه الحكمة والصواب، وحير ببديع رصفه وعجيب نظمه الألباب، وجعله حلوة مجانية، محكمة مبانيه، معجزة ألفاظه ومعانيه، وأنعم علينا إذ يسره لتاليه، وأنزله على سبعة أحرف؛ إتمامًا لفضله علينا الذي لم يزل يواليه، وحثنا على الاعتناء بنظمه، والرعاية للفظه ورسمه، كما حثنا على اتباع حكمه ومطاوعة أمره وحتمه؛ محافظة منه سبحانه على كلامه القديم الذي هو شرعة لدينه
[الموضح: 99]
القويم، وعلم لصراطه المستقيم، ومعجزة لنبيه الذي ابتعثه داعيًا لخلقه، وهاديًا إلى حقه.
وصلى الله على محمد المصطفى أفضل ما صلى على أحد من رسله وهداة سبله والمصطفين من عباده والدالين على طرق رشاده، وعلى آله الأبرار وصحابته الأخيار.
وبعد: فإني لما جمعت كتابي الموجز الموسوم بالمنتقى في شواذ القرأة، سألني قوم لما أعجبهم من كثرة جدواه مع قلة حجمه، وعظم نفعه مع صغر جرمه، أن أجمع لهم كتابًا يشتمل على وجوه قراءات القراء المشهورين؛ إذ كانت حاجة الناس إليها أكثر، واهتمامهم بها أوفر، وأن أسلك طريق الاختصار فيه، وأنقاد لباعث الإيجاز وداعيه، وأن أجعل كلامي فيه أشد انحيازًا إلى جهة التلخيص والإيضاح، وأكثر انتظامًا في سلك الإبانة والإفصاح، فدعتني نفسي إلى إسعافهم بمطلوبهم، وإجابتهم إلى ما التمسوه استمالة لقلوبهم، فابتدأت بتأليف هذا الكتاب، فحين ارتفع شطر منه، صارت حوائل الدهر تحول دون إتمام، وشواغل الوقت تعوق عن بغية القلب من هذا المراد واهتمامه، حتى ألهم الله تعالى الأمير الأصفهسلار
[الموضح: 100]
الأجل الكبير أبا سعيد سنقر بن مودودٍ، أعز الله نصره، وجعل من مواسم الفتح والظفر عصره، الأمر بنصبي في جامعه المبارك الذي بناه في شيراز لمذكرة المقتبسين لشيء من العلم فيه، وحفظ رسمه في اندراسه وتعفيه؛ إشبالًا منه أدام الله أيامه على العلم وذويه، وشعفًا على إعلاء مبانيه، فأمتع الله تعالى الدهر بجلالته، ومدّ على الكافة ظل إيالته، فهي غرةٌ شاذخةٌ في جبين الإسلام، وشمس في أفق الدين صادعة للإظلام،
[الموضح: 101]
فوجدت بما شملني من لطف الله سبحانه، وإنعام هذا المنعم، فسحة في حالي، وفراغًا لبالي، فشرعت في إتمام الكتاب بيمن همته العلية إملاء، وأعليت منار شكره إعلاء، وقصرت الكتاب على ذكر علل ما أورده الشيخ أبو الحسن علي بن جعفر بن محمد الرازي السعيدي رحمه الله، من القراءات في كتابه الموسوم باختلاف القراء الثمانية، إذ وجدت أهل بلادنا يقبلون عليه، ويرجعون في هذه الصنعة إليه، وفيه قراءات ثمانية من أئمة القراء ومشاهير العلماء، وهم الذين علت في هذا الفن أقدامهم، وانصرفت إلى إتقانه أعمارهم وأيامهم، وبعدت فيه غاياتهم، ورفعت به في الإسلام راياتهم.
وهم: أبو معبد عبد الله بن كثير الكناني، وأبو عبد الرحمن نافع بن عبد الرحمن المدني، وأبو عمران بعد الله بن عامر الشامي، وأبو عمرو بن العلاء البصري، وأبو بكر عاصم بن بهدلة الأسدي، وأبو عمارة حمزة بن حبيب الزيات الكوفي، وأبو الحسن علي بن حمزة الكسائي، وأبو محمد يعقوب بن إسحاق الحضرمي.
[الموضح: 102]
وإنما ألحق يعقوب بهؤلاء السبعة أخيرًا لكثرة روايته وحسن اختياره ودرايته.
ولهؤلاء الأئمة الثمانية رواة مشهورون نقلت عنهم قراءات الأئمة، وانتشرت وظهرت من جهتهم واشتهرت، وربما تختلف في القراءة الواحدة الروايات فتختلف بها المعاني والجهات، وأنا بمعونة الله قد ذكرت وجوه جميع ذلك وعلله، وكسوته ثوب البيان وحلله، ونحوت فيه المختار من طرق نحاة البصرة ومذاهبهم، واستنرت فيما أوردت بأضواء كواكبهم، ولم أعد في جل ما ذكرته أو كله قول أبي علي الفارسي رحمه الله، مما أودعه
[الموضح: 103]
الحجة وغيرها من كتبه، ولم أعدل عن طريقه ومذهبه، وسميته الكتاب الموضح، إلا أني أوجزت فيه المقالة، وتجنبت الإطالة، وعينت فيه أسامي أئمة القراء، لكني اقتصرت من ذكر الرواة على حروفٍ تكون دالة على أسمائهم أو أسماء آبائهم حرصًا على الاختصار وتفاديًا على الإكثار، ولأفرق بين الأئمة ورواتهم، ولأقصر فيه على المبتدئين طرق مسعاتهم، وبينت دلالة هذه الحروف في الفصل الثاني من التقدمة، فإني قدمت أمام الفرش من هذا الكتاب فصولًا عشرة جعلتها تمهيدًا لهذا العلم وتأصيلًا، وتوطئة لسبله وتسهيلًا.
الفصل الأول في ذكر أئمة القراء الثمانية وأسمائهم وكناهم وأنسابهم وأمصارهم وأسانيدهم.
الفصل الثاني في ذكر الرواة وذكر الراوين عنهم العلامات الدالة على أساميهم.
الفصل الثالث في تجويد اللفظ بالقرآن، وذكر ضروبه وصفة اللحن.
الفصل الرابع في حروف المعجم ووصف مخارجها.
الفصل الخامس في انقسام الحروف إلى أنواعها المختلفة.
الفصل السادس في أحياز الحروف التي تخرج منها، ونسبتها إليها.
[الموضح: 104]
الفصل السابع في الهمزة وأحكامها.
الفصل الثامن في الإدغام.
الفصل التاسع في الإمالة.
الفصل العاشر في الوقف). [الموضح: 105]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 05:49 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الفصل الأول: في ذكر أئمة القراء الثمانية وأسمائهم وكُناهم وأنسابهم وأمصارهم وأسانيدهم
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الفصل الأول: في ذكر أئمة القراء الثمانية وأسمائهم وكُناهم وأنسابهم وأمصارهم وأسانيدهم
(1) أولهم: إمام حرم الله تعالى وهو أبو معبد عبد الله بن كثير بن المطلب الداري الكناني، نُسب إلى دارين مدينة بالبحرين يجلب منها الطيب، وقيل بل إلى دارٍ وهو بطن من لخمٍ، وابن كثير كان أبوه من أبناء
[الموضح: 107]
فارس الذين كانوا بصنعاء، وإنما نسب إلى كنانة لأنه كان مولى لعمرو بن علقمة الكناني.
وكان ابن كثير من التابعين؛ لأنه قرأ على عبد الله بن السائب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مع ذلك فاضلًا عالمًا زاهدًا مشتهرًا بعلم النحو واللغة.
وقال الأصمعي: قلت لأبي عمرو بن العلاء:
أقرأ على ابن كثير بعد أن قرأت على مجاهد بن جبرٍ؟ فقال: نعم، قرأت على ابن كثيرٍ؛ لأنه كان أعلم من مجاهد باللغة.
وكان ابن كثير يقص، وكان يبيع العطر.
[الموضح: 108]
وهو قرأ على مجاهد بن جبر، وعطاء بن السائب، ودرباس مولى ابن عباس، وكلهم قرؤوا على ابن عباس، وقرأ ابن عباس على أبي بن كعب، وقرأ أبي على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي: «إني أمرت أن أقرأ عليك القرآن».
فقال له أبي: أليس بك آمنت، وعلى يدك أسلمت؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «إني أُمرت بذلك» فقال: افعل ما أمرت به.
[الموضح: 109]
قال ابن أبي: وإنما أمر بذلك ليأخذ أبي من ألفاظه صلى الله عليه وسلم.
وابن كثير مات بمكة سنة عشرين ومائةٍ في أيام هشام بن عبد الملك، ويقال: إن كنية ابن كثير أبو بكر، ويقال: أبو عباد، وكان من الطبقة الثانية.
(2)- ثم إمام حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عبد الرحمن نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، مولى جعونة بن شعوب الليثي، حليف حمزة بن عبد المطلب
[الموضح: 110]
رضي الله عنه. وقيل: إن كنيته أبو رويم.
ونافع أصله من أصفهان، ونشأ بالمدينة وأقام بها، وكان يتصدر للإقراء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصلي بالناس فيه ستين سنة، وكان من الطبقة الثالثة.
وقرأ على إمامه في القراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع المدني، وقرأ هو على ابن عباس، وأبي هريرة، وعبد الله بن عياش بن أ[ي ربيعة المخزومي، وقرؤوا على أبي، وقرأ هو على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ نافع أيضًا
[الموضح: 111]
على ابن هرمز الأعرج، وقرأ هو على أبي هريرة وابن عباس، وقرأ نافع أيضًا على مسلم بن جندب الهذلي، وقرأ هو على الزبير بن العوّام وعلى ابن عمر، وقرءا على أبي، وقرأ نافع أيضًا على شيبة بن نصاح مولى أم سلمة، وقرأ هو على ابن عباس.
وقال نافع: أدركت سبعين رجلًا من التابعين، وقرأت عليهم، فما اجتمع
[الموضح: 112]
عليه نفسان أخذت، وما تفرد به واحد تركت.
ومات نافع في سنة تسع وخمسين ومائة في خلافة المهدي، وقيل بل في سنة تسع وستين ومائة في خلافة الهادي.
(3)- ثم إمام أهل الشام، وهو أبو عمران عبد الله بن عامر اليحصبي، ويحصب بطن من حمير، وهو يحصب بن دهمان بن عامر بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرف بن قحطان، ومن شجرته ملوك العرب في الجاهلية.
ولم يكن من الأئمة الثمانية من هو من العرب إلا ابن عامر وأبو عمرو. وكان ابن عامر مشتهرًا بالفضائل والعلم والزهد والبراعة وعلم النحو واللغة، وولى القضاء بدمشق، فأعتق ثلاثين نسمة كفارة لذلك.
وكان على عمارة مسجد دمشق لا يرى فيه بدعة إلا غيرها.
وكان من التابعين؛ لأنه لقي جماعة من الصحابة.
[الموضح: 113]
وذكر ابن مجاهد في كتابه: أنه قرأ على عثمان نفسه.
والمشهور أنه قرأ على المغيرة بن (أبي) شهاب المخزومي، وقرأ المغيرة على عثمان رضي الله عنه.
وقرأ ابن عامر أيضًا على أبي الدرداء عويمر بن قيس، وقيل عويمر بن زيدٍ، وقيل عويمر بن عامر بن قيس، وقرأ أيضًا على واثلة بن الأسقع بن
[الموضح: 114]
عبد العزّي، وقرأ هو على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وابن عامر أقدم القراء موتًا؛ لأنه مات سنة ثماني عشرة ومائةٍ في أيام هشام ابن عبد الملك.
ويقال: إن كنيته أبو نعيم.
(4) ثم أبو عمرو زبان بن العلاء التميمي المازني البصري، إمام أهل زمانه في علم العربية، وكان متفقًا على أنه أوحد عصره في عصره، وكان في زمانه جماعة من العلماء، وقد سبقهم هو في العلم، وقرأ القرآن على جميع شيوخ المكيين والمدنيين والبصريين في ذلك الزمان، ومعظم قراءته هي على أهل الحجاز، وعنهم أخذ، وبهم اقتدى.
فمن شيوخه المكيين: أبو الحجاج مجاهد بن جبر مولى عبد الله بن السائب المخزومي، وأبو عبد الله سعيد بن جبير، وعكرمة بن خالد بن
[الموضح: 115]
سليمان، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد بن جبر، وأبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي، وأبو صفوان حميد بن قيس الأعرج، وأبو معبد عبد الله بن كثير الداري.
ومن شيوخه المدنيين: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، وشيبة بن نصاح بن سرجس بن يعقوب مولى أم سلمة.
[الموضح: 116]
ومن شيوخه البصريين: أبو سعيد الحسن بن سعيد البصري، ويحيى بن يعمر، ويزيد بن رومان، وجميعهم أعني هؤلاء البصريين قرؤوا على ابن عباس.
وولد أبو عمرو بمكة سنة سبعين، ونشأ بالبصرة، ومات بالكوفة سنة أربع وخمسين ومائة عند عبد الله بن محمد بن سليمان الهاشمي في خلافة أبي جعفر المنصور.
(5)- ثم أبو بكر عاصم بن أ[ي النجود الأسدي الكوفي، واسم أبي النجود بهدلة مولى بني خزيمة بن مالك بن نصر بن قعين بن أسد.
وإنما نسب عاصم إلى بني أسدٍ لذلك.
[الموضح: 117]
وكان عاصم عالمًا مشهورًا بحفظ القراءات وعلومهم والفهم فيها، وكان حسن التلاوة، كثير الرواية للحديث، وكان من التابعين؛ لأنه أدرك الحارث بن حسان وكان صحابيًا؛ ولأنه روى عن أبي رمثة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.
وممن قرأ عليه عاصم: أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي، وقرأ هو على أميري المؤمنين عثمان وعلي رضي الله عنهم، وقيل: إن (أبا) عبد الرحمن السلمي تعلم القرآن من عثمان وعرضه على علي، وقيل بل تعلم القرآن من علي، وقرأه على أبي المنذر أبي بن كعب الأنصاري، وقرأ السلمي أيضًا على أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن الحارث الهذلي، وعلى أبي سعيدٍ زيد بن ثابت بن الضحاك.
[الموضح: 118]
وقرأ هؤلاء الخمسة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقرأ عاصم أيضًا على أبي مريم زر بن حبيش الأسدي، وقرأ زر على أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود.
وحكي أن عاصمًا قال: كنت أرجع من عند أبي عبد الرحمن السلمي فأعرض ما قرأته على زر بن حبيش.
قال أبو بكر بن عياش: قلت لعاصم: لقد استوثقت، أخذت القرآن من جهتين.
ومات عاصم في طريق الشام سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل بل في سنة تسع وعشرين ومائة في أيام مروان بن محمد.
(6)- ثم أبو عمارة حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الزيات
[الموضح: 119]
الفرضي، وكان مولى لبني عجل من ولد أكثم بن صيفي، وقيل بل مولى آل عكرمة بن الربعي التيمي.
وكان حمزة عالمًا فاضلًا، مجيدًا للقراءة، مشتهرًا بالزهد، وكان يجلب الزيت من حلوان إلى الكوفة، ولذلك يدعى الزيات، وكان حمزة من الطبقة الرابعة.
وقرأ القرآن على أ[ي محمد سليمان بن مهران الأعمش، وقرأ الأعمش على يحيى وثاب الأسدي، وقرأ يحيى على عبيدة بن عمرو السلماني،
[الموضح: 120]
وعلى علقمة بن قيس النخعي، وعلى الأسود بن يزيد، وعلى (مسروق بن) عبد الرحمن الأجدع الوادعي، وهؤلاء الأربعة قرؤوا على عبد الله بن مسعود بن الحارث رضي الله عنه، وقرأ هو على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقرأ حمزة أيضًا على حمران بن أعين، وقرأ حمران على عبيد بن نضيلة
[الموضح: 121]
الخزاعي، وقرأ عبيد على علقمة بن قيس، وقرأ علقمة على عبد الله بن مسعود.
وقرأ حمران أيضًا على أ[ي الأسود الدؤلي، واسمه ظالم بن عمرو، وقرأ أبو الأسود على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، وقرأ علي على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقرأ حمران أيضًا على زر بن حبيش، وقرأ زر على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقرأ عثمان على النبي صلى الله عليه وسلم.
وقرأ حمزة أيضًا على جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه، وهو يروي عن آبائه رضوان الله عليهم.
ومات حمزة بن حبيب بالكوفة في سنة ست وخمسين ومائة في خلافة
[الموضح: 122]
المنصور، وقيل بل في سنة ثمانٍ، وقيل مات بحلوان.
(7)- ثم أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي، أعلم أهل الكوفة في زمانه بعلم العربية، ومنه نشأ علم الكوفيين، وكان علمًا مشهورًا في زمانه، رشيدًا مذكورًا في علم النحو واللغة، إمامًا فيهما، وكان اصدق اللهجة، وكان يؤدب الأمين والمأمون ابني الرشيد.
وقرأ الكسائي القرآن على أبي عمارة حمزة بن حبيب الزيات، وقد ذكرنا من قرأ عليهم حمزة.
وقرأ الكسائي أيضًا على إسماعيل بن جعفر عن نافع، وقرأ أيضًا على
[الموضح: 123]
المفضل بن محمد الضبي عن عاصم، وكان الكسائي من الطبقة الرابعة لقراءته على المفضل عن عاصم، وكان عاصم تابعيًا، وكان الكسائي قد سافر مع الرشيد ثم انفصل عنه، ومات في قرية من أعمال الري تعرف بأرنبويه في سنة تسع وثمانين ومائة.
(8)- ثم أبو محمد يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وكان حسن القراءة، كثير الرواية، مشتهرًا بجودة التلاوة، عالمًا بالنحو واللغة.
[الموضح: 124]
وقرأ القرآن على أبي المنذر سلام بن المنذر، وقرأ هو على عاصم وأبي عمرو يرفعانها بإسنادهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ يعقوب أيضًا على أبي عمرو نفسه، وقرأ أيضًا على ابن محيصن، وقرأ هو على مجاهد عن ابن عباس، وقرأ يعقوب أيضًا على مهدي بن مهران عن شعيب بن الحبحاب عن أبي العالية عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ يعقوب أيضًا على (أبي الأشهب) عن أبي
[الموضح: 125]
رجاء العطاردي عن ابن عباس، وقرأ أبو رجاء أيضًا على أبي، ولقي أبو رجاء أبا بكر الصديق رضي الله عنهم، وقرأ يعقوب أيضًا على يونس بن عبيد عن الحسن عن حطاب بن عبد الله بن الرقاشي عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يعقوب من الطبقة الخامسة، مات بالبصرة في سنة خمس ومائتين.
وأما ذكر أمصارهم:
فابن كثير مكي، ونافع مدني، وابن عامر شامي، وأبو عمرو ويعقوب بصريان، وعاصم وحمزة والكسائي كوفيّون). [الموضح: 126]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 05:50 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الفصل الثاني: في ذكر الرواة، وذكر الرّاوين عنهم، والعلامات الدالة على أساميهم
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الفصل الثاني: في ذكر الرواة، وذكر الرّاوين عنهم، والعلامات الدالة على أساميهم
أعلم أني أذكر في هذا الفصل رواة الأئمة المذكورين، وهم الثمانية الذين ذكرنا أسمائهم وأوصافهم، وأذكر أيضًا رواة الرواة، وليس الجميع مذكورًا في الكتاب الذي أنا ذاكر وجوه القراءات فيه؛ لأنه كتاب مختصرٌ، لكني أوردت جميع ذلك ليقع علم الناظر في كتابي هذا به.

(1)- رواة ابن كثير:
يروي عنه شبل بن عباد مولى عبد الله بن عامر بن كريز الأموي، ومعروف بن مشكان، وإسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين.
[الموضح: 127]
أما شبل ومعروف فيروي عنهما إسماعيل بن عبد الله القسط، ورواية قنبل تستند إليه بطريق القواس.
وقنبل اسمه محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خالد المخزومي المكي، والقنابل أهل بيت بمكة، وقنبل يروي عن القواس وهو أبو الحسن أحمد بن محمد بن عون النبال، وقرأ هو على أبي الإخريط وهب بن واضح، وقرأ هو على إسماعيل القسط، وقرأ إسماعيل على
[الموضح: 128]
شبل بن عباد ومعروف بن مشكان، ويروي عن شبل أيضًا عكرمة بن سليمان، ويروي عن عكرمة أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزّة مولى بني مخزوم، مؤذِّن المسجد الحرام، وهذه هي رواية البزي.
وأما إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين فيستند إليه رواية ابن فليح وهو عبد الوهاب بن فليح مولى عبد الله بن عامر بن كريز، وقرأ ابن فليح على محمد بن سبعون، وقرأ هو على إسماعيل، وقرأ ابن فليح أيضًا
[الموضح: 129]
على الحسن وحمزة ابني عتبة الهاشميين، ومحمد بن عبد الله الخالدي، وابن بنت عفراء، وكلهم قرؤوا على ابن القسط، وقرأ هو على شبل.

(2)- رواة نافع:
يروي عنه ورش، واسمه عثمان بن سعيد المصري، أبو القاسم وقيل أبو سعيد وقيل أبو عمرو، وسمي ورشًا لبياضه، والورش دقيق يطبخ باللبن فيتخذ حساء، شبه به.
وإسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري.
وقالون واسمه عيسى بن مينا المدني النحوي، وإنما لقب قالون لجودة
[الموضح: 130]
تلاوته، لقبه بذلك نافعٌ، وقالون كلمة رومية يقولون للجيد من الأشياء هو قالون.
والمسيبي واسمه إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن المسيب.
أما ورش فيروي عنه يوسف بن عمرو بن يسار الأزرق، وأبو الربيع بن أخي الرشديني، ويروي عن أبي الربيع أبو بكر بن شبيب الأصفهاني،
[الموضح: 131]
وهذه الرواية تعرف بطريق الأصفهاني، وقرأ الأصفهاني أيضًا على أ[ي القاسم مواس بن أخت أبي الربيع، وقرأ هو على أبي موسى يونس بن عبد الأعلى الصدفي، وقرأ هو على ورش، وقرأ الأصفهاني أيضًا على أبي مسعود الأسود اللؤلؤي الفسطاطي بمصر، وقرأ هو على أبي القاسم سليمان بن داود بن أ[ي طيبة، وقرأ هو على أبيه، وأبوه على ورش.
ويروي عن الأزرق أبو إبراهيم إسماعيل بن عبد الله المُودّب، وأبو بكر
[الموضح: 132]
عبد الله بن مالك بن سيف.
وأما إسماعيل فيروي عنه أبو عمر حفص (بن عمر) بن عبد العزيز بن صهبان الأزدي الدوري، وإليه تنتهي طرقٌ عدة، فمنها طريق البلخي وهو أبو العباس عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الهيثم البلخي، قرأ على الدوري، ومنها طريق ابن مجاهد، قرأ على أبي الزعراء عبد الرحمن بن
[الموضح: 133]
عبدوس، وهو قرأ على الدوري، ومنها طريق ابن فرح، قرأ هو على الدوري، وأما المسيبي فيروي عنه ابنه أبو عبد الله محمد، ويروي عنه أيضًا ابن سعدان واسمه محمد بن سعدان الكوفي النحوي، وإليه ينسب طريق ابن سعدان، ويروي عن ابن المسيبي أيضًا النبقي، والعمري
[الموضح: 134]
الهاشميان، وكلهم قرؤوا على ابن المسيبي، وقرأ هو على أبيه، ويروي عنه أيضًا أبو العباس أحمد بن الصقر السكري، وإليه ينسب طريق السكري، وكذلك أ[و حمدون الطيب بن إسماعيل الذهلي، يروي عن ابنه أعني ابن المسيبي، وإليه ينسب طريق ابن حمدون، وكذلك أحمد بن زهير، يروي عن أبي محمد خلف بن هشام البزار عن المسيبي، وإليه ينسب طريق ابن
[الموضح: 135]
زهير، وكذلك يروي أبو علي إسماعيل بن يحيى المروزي عن ابن المسيبي عن أبيه عن نافع، وإليه يُنسب طريق ابن المروزي.

(3)- رواة ابن عامر:
يروي عنه يحيى بن الحارث الذماري، ويروي عن يحيى أيوب بن تميم الداري، وعنه يروي ابن ذكوان، ويروي عن ابن ذكوان جماعة لهم طرق، منهم هارون بن موسى بن شريك الأخفش، ويروي عنه ابن زياد
[الموضح: 136]
وسلامة وابن الهيثم، ومنهم أبو بكر محمد بن موسى الدمشقي، يروي عنه الداجوني، وله طريقٌ، وممن يروي عن يحيى أيضًا سويد بن عبد العزيز، وقرأ على سويد هشام بن عمار السلمي، ويروي عن هشام
[الموضح: 137]
أبو الحسن أحمد بن يزيد الحلواني وله طريق.

(4)- رواة عاصم:
يروي عنه أبو بكر شعبة بن عياش، وحفص بن سليمان بن المغيرة البزّاز الأسدي الغاضري أبو عمر، وحماد بن أبي زياد، والمفضل بن محمد الضبي.
أما أبو بكر بن عياش فيروي عنه يحيى بن آدم الحاسب، ومن رواة
[الموضح: 138]
يحيى جماعة لهم طرقٌ، منهم البجلي وهو الحسين بن الأسود، ومنهم الوكيعي وهو إبراهيم بن أحمد بن عمر عن أبيه عن يحيى، ومنهم ابن شاكر وهو عبد الله بن محمد، ومنهم شعيب بن أيوب الصريفيني، ومنهم خلف بن هشام البزار أبو محمد، ومن رواة أبي بكر بن عياش أيضًا الكسائي، ويروي عن الكسائي الدوري، ومنهم أيضًا عبد الحميد بن صالح البرجمي، ومنهم إسحاق بن عيسى بن جبير، ومنهم حماد بن أبي
[الموضح: 139]
زياد، قرؤوا كلهم على أبي بكر، وحماد قرأ أيضًا قبله على عاصم.
وقرأ على أبي بكر أيضًا الحسين بن عبد الرحمن الاحتياطي، وأبو يوسف يعقوب بن محمد بن خليفة بن سعد بن هلال الأعشى مولى بني عطارد، فهؤلاء رواة أبي بكر.
وأما حفصٌ بن سليمان فيروي عنه أبو محمد عبيد بن الصباح، وأخوه عمرو، وعن عبيد يروي الأشناني وهو أبو العباس أحمد بن سهل بن
[الموضح: 140]
الفيروزان وله طريق، ويروي عن أخيه عمرو بن الصباح عبد الصمد بن محمد الهمذاني، ويروي عنه أيضًا أبو الحسن زرعان بن أحمد الدقاق وله طريق، وأحمد بن حميد الملقب بالفيل، وله طريق.
ومن رواة حفص أيضًا أبو محمد هبيرة بن محمد التمار الأبرش، ورواية هبيرة تنسب إليه.
وأما الفضل فيروي عنه جبلة بن مالك بن جبلة، والكسائي علي بن حمزة.
[الموضح: 141]
(5)- رواة أبي عمرو بن العلاء:
يروي عنه أبو محمد يحيى بن المبارك العدوي اليزيدي، وإنما نُسب إلى يزيد بن منصور الحميري خال المهدي لانقطاعه إيله، وأبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري، وأبو الفضل عباس بن الفضل الأنصاري قاضي الموصل، وأبو نعيم شجاع بن أبي نصر الفقيه البلخي.
أما اليزيدي فيروي عنه جماعة كلهم له طريقٌ، منهم أبو الفتح عامر بن
[الموضح: 142]
عمر أوقيَّه، ومنهم غلام سجادة، واسمه جعفر، ومنهم أبو شعيب صالح بن زياد بن عبد الله بن الجارود السوسي القواس، ومنهم أبو أيوب سليمان بن أيوب الخياط، ومنهم الدوري ييروي عنه جماعة كأبي الزعراء والسراويلي وعمر بن برزة، ومنهم ابن اليزيدي (أبو)
[الموضح: 143]
عبد الرحمن، ومنهم أبو خلاد سليم بن خلاد، ومنهم أبو حمدون.
وأما أبو زيد الأنصاري فيروي عنه محمد بن يحيى القطعي، ومحمد بن شجاع البلخي، والحسن بن رضان.
وأما عباس بن الفضل، فيروي عنه أوقية، وعبد الرحمن البيروتي. وأما شجاع الفقيه فيروي عنه ابن غالب.
[الموضح: 144]
(6)- رواة حمزة:
يروي عنه عبيد الله بن موسى العبسي، وعبد الله (أبو) أحمد العجلي، وسليم بن عيسى الحنفي، وقراءة حمزة انتشرت منه؛ لأن أكثر الروايات تنتهي إليه.
أما العبسي فيروي عنه أبو حمدون (و) إبراهيم بن سليمان الأبزاري.
[الموضح: 145]
وأما العجلي فيروي عنه أبو حمدون.
وأما سليم فيروي عنه محمد بن حرب، وإبراهيم بن زربي، ويحيى بن علي الخزاز، وخلف بن هشام وله طريق، وخلاد بن خالد، والدوري وله طريق، وأبو حمدون وله طريق، وعلي بن سلم النخعي الحارثي البزاز وله طريق.
[الموضح: 146]
(7)- رواة الكسائي:
يروي عنه الدوري وهو حفص بن عمر، وأبو الحارث الليث بن خالد، وأبو المنذر نصير بن يوسف الرازي النحوي، وقتيبة بن خمهران الأزاذاني أبو عبد الرحمن، وأبو موسى عيسى بن سليمان الشيزري، وأبو حمدون وهاشم بن عبد العزيز البربري، وإسماعيل نب مدان، وحمدويه بن ميمون هؤلاء كلهم قرؤوا على الكسائي.
[الموضح: 147]
أما الدوري فيروي عنه جماعة منهم ابن فرح، ومنهم أبو الحسن الحداد، ومنهم أبو عثمان سعيد بن عبد الرحيم الخياط، ومنهم أبو الزعراء.
وأما أبو الحارث فيروي عنه محمد بن يحيى الكسائي الصغير.
وأما نصير بن يوسف فيروي عنه أبو جعفر أحمد بن محمد بن رستم الطبري.
وأما قتيبة بن مهران فيروي عنه العباس بن الوليد بن مرادس، وبشر بن
[الموضح: 148]
إبراهيم، وأبو الجهم جرير بن عبد الوهاب الصبي.
وأما أبو موسى الشيزري فيروي عنه محمد بن عامر القرشي العامري. وأما أبو حمدون فيروي عنه الصواف، وعنه ابن بكار.
وأما هاشم وإسماعيل وابن ميمون فيروي عنهم أبو العباس أحمد بن يعقوب ابن أخي العرق.
(8)- رواة يعقوب:
يروي عنه أبو الحسن روح بن عبد المؤمن، وأبو عبد الله محمد بن
[الموضح: 149]
المتوكل اللؤلؤي المعروب برويس، والوليد بن حسان.
أما روح فيروي عنه أبوبكر محمد بن وهب الثقفي.
وأما رويس فيروي عنه محمد بن هارون بن نافع التمار أبو بكر.
وأما الوليد بن حسان فيروي عنه أبو عبد الله محمد بن الجهم.
[الموضح: 150]
وهذه علامات الرواة:
معروف: ف، قالون: ن، قنبل: ل، ورش: ش، إسماعيل: يل، أبو بكر بن عياش: ياش، حفص: ص، سليم: م، وربما يذكر باسمه، اليزيدي: يد، وربما يذكر باسمه، الدوري: ري، وربما يذكر باسمه، (أبو) الحارث: ث، نصير: ر، روح: ح، رويس: يس، الوليد بن حسان: ان، الأصمعي: عي، ومن عدا هؤلاء من الرواة ورواة الرواة يذكرون بأساميهم). [الموضح: 151]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 05:51 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الفصل الثالث: في تجويد اللفظ بالقرآن وذكر ضروبه، وصفة اللحن
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الفصل الثالث: في تجويد اللفظ بالقرآن وذكر ضروبه، وصفة اللحن
اعلم أن القراءة المتفق على ارتضائها ضربان:
أحدهما: الترتيل، والثاني: الحدر.
[الموضح: 153]
أما الترتيل فهو التمكث في القراءة، وفيه التحقيق، وهو إنما يكون للإفهام أو للرياضة أو للتدبر.
وأما الحدر فهو الاسترسال في القراءة من غير مكث ولا عجلة، وفيه التسهيل، وهو إنما يكون للاستكثار من القراءة.
ومن لم يمكنه حسن الأداء بالحدر فلا ينبغي أن يقرأ إلا بالترتيل، فإنه هو الأصل، وهو المأمور به في قوله تعالى {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} وقوله عز وجل {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} وقوله سبحانه {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}.
وإنما أمر به ليسلم اللفظ بالقرآن عن التغيير، ويتوفر حظه من التجويد والتقويم، ولئلا تبخس الحروف حظ التمام، ولا تحرف عن جهة مخارجها، ولا يزاحم بعضها بعضًا في مسالكها.
والترتيل هو من قولهم: ثغر رتل، إذا كان مفلجًا وذلك إذا انفرج ما بين الأسنان على استواءٍ فيها، وترتل في مسيره إذا تتابعت خطاه من غير سرعة.
فكذلك الترتيل هو التأني في القراءة مع تفصيل الكلم بعضها من بعض جامعًا لشرائط التجويد والتقويم، وروي أن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم كان ترتيلًا على ما ورد من حديث أم سلمة أنها وصفت قراءته عليه السلام كالمفسرة لها ومقطعة آية آية وحرفًا حرفًا.
[الموضح: 154]
فالترتيل إذا هو تبيين القراءة وإتباع بعضها بعضًا على تأنٍ وتؤدةٍ مع تجويد اللفظ وحسن تأديته وتقويمه.
وعن علي رضي الله عنه أنه قال: تنوق رجل في (بسم الله الرحمن الرحيم) فغفر له، فقيل إن تنوقه كان بتجويد القراءة وترتيلها، وقيل بل بتجويد الخط وتحسينه.
وروي عن علي رضي الله عنه أيضًا أنه قال: كان نبيكم حسن الصوت مادًا له ترجيع، أراد بالترجيع ما ذكرنا من الترتيل، ولم يرد به ترجيع الصوت بالغناء به؛ لأن ذلك منهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم:
"إياكم ولحون أهل الفسق والكتابين فإنه سيأتي قوم يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم".
وأما قوله عليه السلام: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" فإن معناه من لم
[الموضح: 155]
يستغن به، كما قال صلى الله عليه وسلم "القرآن غنى لا غنى دونه ولا فقر بعده" والمراد به الاستكفاف به عن حُطام الدنيا، وقيل: أراد بقوله "لم يتغن" أي لم يحسن صوته به مع التبيين ولزوم الترتيل. كما قال صلى الله عليه وسلم "ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن" أي يجهر به فيطيب صوته به ويحسنه مع تجويد اللفظ وتقويمه.
وكيف يجوز ترجيع الغناء في القرآن، وفيه خروج كثير من الحروف عن مخارجها، كالزيادة في المد على حروف المد، وإنشاء المد حيث لا مد هناك، وزيادة الصوت بحروف لا تكون فيها تلك الزيادة؟
فلهذا نهي عنه.
وأما الحدر فهو تسهيل القراءة، وهو يراد للتحفظ والاستكثار من الدرس وهو أيضًا يرتضى إذا لم يفارق التجويد، وذلك بأن تعطى الحروف حقوقها من مخارجها ومسالكها، ويوفر عليها حظوظها من حركاتها وسكناتها من غير زيادة مجاوزة للحد، ولا نقصان مؤد إلى القدح.
فإن حسن الأداء فرض في القراءة، ويجب على القارئ أن يتلو القرآن حق تلاوته صيانة للقرآن عن أن يجد التغير واللحن إليه سبيلًا، على أن
[الموضح: 156]
العلماء قد اختلفوا في وجوب حسن الأداء في القرآن:
فبعضهم ذهب إلى أن ذلك مقصورٌ على ما يلزم المكلف قراته في المفترضات، فإن تجويد اللفظ وتقويم الحروف وحسن الأداء واجب فيه فحسب.
وذهب الآخرون إلى أن ذلك واجب على كل من قرأ شيئًا من القرآن كيفما كان؛ لأنه لا رخصة في تغيير اللفظ بالقرآن وتعويجه واتخاذ اللحن سبيلًا إليه إلا عند الضرورة، قال الله تعالى {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ}.
وقد وردت الرخصة في الهذ والزمزمة وهما نوعان من القراءة:
أما الهد فهو سرعة القراءة، يصدق ذلك ما رواه عطاء بن ميسرة عن معاذ قال: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فقرأتها قراءة سقرتها أي
[الموضح: 157]
هذذتها، فقال "هكذا فاقرأ يا معاذ"، فقد وردت فيه الرخصة، لكن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يكرهون دوام القراءة بذلك وأن لا تكون القراءة إلا كذلك.
وأما الزمزمة فهي القراءة في النفس خاصة، وهي أن يكون الصوت بها محسوسًا ولكنه غير مستبان للمخافتة التي فيها، يشهد لذلك ما رواه مكحول عن أنس قال: كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل الزمزمة قال: فقيل: يا رسول الله لو رفعت صوتك، قال: "إني أكره أن أوذي جليسي أو أهل بيتي".
وهذان النوعان اللذان وردت الرخصة فيهما، أعني الهذّ والزمزمة، فلا يجوز واحد منهما إلا مع تقويم الحروف وإتمامها وإخراجها من مخارجها وصيانتها من سوء الأداء وما يخرجها من صفاتها التي تجب لها، وإلا بعد الاجتناب من اللحن جليه وخفيه.
أما اللحن الجلي فهو تغيير الحركات والسكنات وتصحيف الحروف
[الموضح: 158]
وزيادتها ونقصانها، وهذا هو الذي يستوي في معرفته حفظة القرآن سواء كانوا من العلماء به أم غيرهم.
وأما اللحن الخفي فهو تغيير صفات الحروف دون ذواتها، وهو ضربان: أحدهما لا يكاد يعرف بالوصف والخط، وإنما يدرك باللفظ إذا أوضحته الملاسنة والمشافهة، وذلك لا يتأتى لأحد إلا بالتلقف، وهو نحو الفرق بين ما إذا كان للنفي وبينه إذا كان للإثبات، ونحو إبانة الخبر عن الاستخبار، ونحو معرفة قدر المد، وتمييز الإشباع من الاختلاس، والروم من الإشمام، والمدغم من المخفى، وكالفرق بين الحروف المتجانسة كحرف مهموس هو أشد همسًا من مهموس آخر، وكمجهور هو أشد جهرًا، وشديد هو أكثر شدة، ورخوٍ هو أشد رخاوة، ولا يتصور مثل ذلك إلا بالمشافهة.
والضرب الثاني قد يدرك بالوصف لفظًا وخطًا، لكن متعاطيه محتاجٌ إلى
[الموضح: 159]
معرفة مخارج الحروف وأحيازها ومعرفة ألقابها وما يتجانس منها، وما يفترق، وما يتقارب، وما يكتسي الواحد من الآخر من الوصف وما يصير إليه إذا ألف مع غيره، ليخرج كل حرف من مخرجه الذي هو له ولا يعدل عنه، ولا يبخس المتحرك والساكن حق الحركة والسكون فيقع اللحن الخفي كما ذكرنا). [الموضح: 160]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 05:51 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الفصل الرابع: في حروف المعجم ووصف مخارجها
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الفصل الرابع: في حروف المعجم ووصف مخارجها

اعلم أن حروف التهجي يقال لها حروف المعجم، والمراد بذلك أنها الحروف التي أزيل عنها الخفاء بعلامات خصت بها، إما بنقط أو تركه.
والإعجام هو سلب الخفاء، يقال أعجمت الكتاب إذا سلبته الخفاء وبيته، وقد يأتي أفعل بمعنى السلب، نحو قولك: أشكيته إذا سلبت شكايته. فالمعجم مفعل بمعنى المصدر، فهو بمعنى الإعجام، كما تقول: أكرمته إكرامًا ومكرمًا، فالمراد حروف الإعجام أي حروف سلب الخفاء، يعني من شأنها أن تجم ويزال خفاؤها، كما تقول: مطية ركوب، أي من شأنها أن تركب، ولا يجوز أن يكون المعجم صفة الحروف؛ لأن الحروف مضافة إلى المعجم، ولا يجوز إضافة الموصوف إلى صفته؛ لأن الصفة هي الموصوف بعينه عند النحويين، ومحالٌ إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن الإضافة تفيد
[الموضح: 161]
تعريفًا وتخصيصًا، والشيء لا يعرف نفسه إنما يعرف غيره، وأيضًا فليس في المعجم تاء تأنيث ولو كان صفة لقيل المعجمة. وأما قوله: صلاة الأولى، ومسجد الجامع، فليس الإضافة فيهما إضافة الشيء إلى نفسه، إنما الأولى والجامع صفتان حذف موصوفاهما وأقيمتا مقامهما، والتقدير: صلاة الساعة الأولى ومسجد الوقت الجامع، وقولنا حروف المعجم ليس من هذا القبيل أيضًا؛ لأن المراد أن الحروف نفسها هي المعجمة، فلا يتخرج إلا على ما ذكرنا.
وحروف المعجم عند جميع النحويين تسعة وعشرون حرفًا، إلا عند أبي العباس محمد بن يزيد المبرد، فإنها عنده ثمانية وعشرون حرفًا، وذلك لأنه كان لا يعد الهمزة حرفًا منها، وكان يقول: إن الهمزة ليس لها صورة؛ لأنها لا تثبت على صفة، فإنها تخفف تارة بالحذف وتارة بالقلب وتارة بالتليين، ولم يرتض ذلك أصحاب سيبويه، وذهبوا إلى أن الألف هي صورة الهمزة، يدل على ذلك أنها إذا وقعت موقعًا لا سبيل فيها إلى التخفيف لم تكتب إلا ألفًا، وذلك إذا وقعت أولًا نحو: أخذ وأكل وأمر، فإنها في هذه الحالة
[الموضح: 162]
أعني كونها أولًا لا تخفف ألبتة، فلما لم يتطرق إليها التخفيف في هذا الموضع لم تكتب إلا على أصلها وهو الألف، فدل على أن أصل صورتها الألف، ودليلٌ آخر، أن كل حرف من حروف التهجي يكون أول حروف تسميته لفظه بعينه، ألا ترى أن أول حروف الباء باء، وأول حروف الجيم جيم، وأول حروف الدال دال، وكذلك كل حرف منها يبدأ تسميته بما هو الحرف المقصود، وكذلك الألف بدئ فيه بالهمزة، فعلمنا أن الألف هو صورة الهمزة.
وأما المدة التي في قام وسار فصورتها مشاركة لصورة الهمزة من حيث إنها تسمى ألفًا إلا أنه ينبغي أن تقيد باللين، فيقال الألف اللينة، وإنما يقال لها لينة؛ لأنها مدّة فلا تكون إلا ساكنة.
فحروف التهجي إذًا تسعة وعشرون حرفًا، ولها ستة عشر مخرجًا، وهي في مخارجها على هذا الترتيب:
الهمزة والألف والهاء والعين والحاء والغين والخاء والقاف والكاف والجيم والشين والياء والضاد واللام والراء والنون والطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين والظاء والذال والثاء والفاء والباء والميم والواو.
فأقصى الحروف مخرجًا الهمزة والألف والهاء، كذا ذكر سيبويه، وإنما رتب هذه الثلاثة على هذا الترتيب وقدم الألف على الهاء؛ لأن الألف إذا حركت انقلبت همزة، فكلاهما شيء واحد، والهمزة أقصى الحروف مخرجًا؛ لأنها تخرج من الصدر، فهذه الثلاثة إذًا من أقصى حروف الحلق مخرجًا.
ومن وسط الحلق مخرج العين والحاء.
[الموضح: 163]
وفوق ذلك من أول الفم مخرج الغين والخاء.
وفوق ذلك من أقصى اللسان وما حاذاه من الحنك مخرج القاف.
وفوق ذلك قليلًا مما هو أدنى إلى مقدم الفم مخرج الكاف.
ومن وسط اللسان بينه وبين الحنك الأعلى مخرج الجيم والشين والياء.
ومن مبدأ حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد، وبعضهم يجعل مخرج الضاد قبل مخرج الجيم والشين والياء، وأنت في إخراج الضاد مخير فمن أي حافتي اللسان شئت أخرجته، وإخراجه من اليسرى أيسر.
ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى مما فوق الضاحك والناب والرباعية والثنيتين مخرج اللام.
ومن طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا مخرج النون إلا أنها تخرج في غنة.
ومن مخرج النون لكنه أكثر دخولًا في ظهر اللسان؛ لانحرافه إلى جهة
[الموضح: 164]
اللام مخرج الراء، إلا أن فيها تكريرًا.
ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا مخرج الطاء والدال والتاء.
ومما بين الثنايا وطرف اللسان مخرج الصاد والسين والزاي لكنها متجافية قليلًا عن مخرج الطاء بحيث لا يلصق اللسان بالثنايا عند إخراجها.
ومما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا مخرج الظاء والذال والثاء.
ومن باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العلى مخرج الفاء.
ومما بين الشفتين مخرج الباء والميم والواو.
ومن الخياشيم مخرج النون الخفية، وأعني بالخفية الساكنة، ويدل على أنها من الخياشيم أنها تختل إذا أمسكت بأنفك عند النطق بها، ويقال لها الخفيفة أيضًا.
وأما النون المتحركة فقد بينا مخرجها، وأنها أيضًا لا تخلو من غنية، لكنها إذا كانت متحركة فهي من الفم، وإذا كانت ساكنة فهي من الخياشيم.
ولها أعني إذا كانت ساكنة أربعة أحوال:-
أحدها: أن تدغم، والثاني: أن تخفى، والثالث: أن تقلب، والرابع أن تبين.
أما الإدغام: فاعلم أن النون قد تدغم في خمسة أحرف: الراء واللام والميم والواو والياء، ويجمعها قولك: ليروم.
[الموضح: 165]
وإدغامها في هذه الحروف على وجهين:
أحدهما: أن يكون بغنة، والاخر: بغير غنة.
فأما الذي بغير غنة فهو أن تدغمها في اللام والراء، هذا مذهب أبي عمرو فيه، وهو الصواب؛ لأن الحرف عند الإدغام ينقلب إلى حيز ما أدغم فيه، وكل واحد من الراء واللام بعيد من الغنة، فإنهما يتميزان عن النون بعدم الغنة فيهما.
وأما الذي يكون بالغنة فهو أن تدغم النون في الواو والياء والميم، فالنون عند إدغامها في هذه الحروف تكون معها غنة، إلا أنها عند إدغامها في الميم فالغنة مختلف في أنها للنون أو الميم، فالميم أيضًا فيها غنة، فمثال إدغامها
[الموضح: 166]
في الراء: "من راق"، وفي اللام: "أن لم" وفي الواو: "من واق"، وفي الياء: "من يقول" وفي الميم: "مم".
وأما إخفاء النون فهو مع حروف الفم، وذلك أن تخفى مع حروف الفم جميعًا ولا تبين، ويكون مخرجها معها من الخياشيم، كما هو الأصل في النون الساكنة، نحو: "من قتل" "ومن كفر".
قال أبو عثمان: وبيانها مع حروف الفم لحن.
[الموضح: 167]
وأما قلب النون: فهو أن تقلب قبل الباء ميمًا، وذلك نحو: شمباء وعمبر، والأصل: سنباء وعنبر، وإنما قلبتها ميمًا مع الباء؛ لأن النون مقاربة للميم في الغنة، والميم يشارك الباء في المخرج من جهة أنهما جميعًا من وسط الشفتين، وإذا اجتمعت النون مع الباء حصل منهما ما هو مشارك لهما وهو الميم.
وأما تبيين النون فإنما هو مع حخروف الحلق، فإذا وقعت هذه النون الساكنة قبل حرف من حروف الحلق وجب تبيين النون ولم يجز إخفاؤها، وذلك نحو {مِنْ آيَاتِهِ} و{مَّنْ هُوَ} و{مِنْ عَيْنٍ} و{مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} و{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله}.
والنون الساكنة لا تقع قبل الألف أعني الألف اللينة؛ لأن الألف لا يكون ما قبلها ساكنًا.
وهذه الحروف التسعة والعشرون قد يلحقها ستة أحرف أخر هي متفرعة عنها حتى تبلغ خمسة وثلاثين حرفًا، وهذه الستة مستحسنة، يقع أكثرها في القرآن، ويجيء كلها في الفصيح من كلام العرب:
[الموضح: 168]
أحدها: النون الخفية، وقد تقدم ذكرها.
والثاني: الهمزة المخففة، وسيجيء حكمها.
والثالث: الألف الممالة، وسيجيء أيضًا.
والرابع: الصاد التي هي كالزاي، وهي التي تسمى المضارعة بين الزاي والصاد نحو "الزراط" إذا لم تجعلها زايًا خالصة ولا صادًا خالصة.
والخامس: ألف التفخيم، وهي التي ينحى بها نحو الواو كالصلوة والزكوة.
والسادس: الشين التي هي كالجيم.
وهذان الحرفان أعني ألف التفخيم والشين التي هي كالجيم قل ما يقرأ بهما في القرآن؛ لأنه لم يرد بهما أثر يعتمد عليه.
وقد تلحق بها بعد ذلك ثمانية أحرف، هي فروعٌ مأخوذة من الحروف المذكورة غير مستحسنة، لا يجيء واحد منها في القرآن ولا في الشعر ولا في الفصيح من الكلام، ولا تكاد توجد إلا في لغة لا يعتد بها، كذا ذكره سيبويه وهي: الكاف التي بين الجيم والكاف، والجيم التي هي كالكاف،
[الموضح: 169]
(والجيم التي كالشين)، والضاد الضعيفة وهي التي تقرب من الذال، والصاد التي هي كالسين، والطاء التي هي كالتاء، والظاء التي هي كالثاء، والباء التي هي كالميم.
وهذه ثمانية أحرف قد بلغت بها الحروف ثلاثة وأربعين، وإن كانت هذه الثمانية غير معتد بها). [الموضح: 170]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 05:52 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الفصل الخامس: في انقسام الحروف إلى أنواعها المختلفة
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الفصل الخامس: في انقسام الحروف إلى أنواعها المختلفة

اعلم أن الحروف قد تنقسم في اختلاف أنواعها أقسامًا مختلفة:
(1)- فمنها أن تنقسم إلى الهمس والجهر:
فالحروف المهموسة هي حروفٌ ضعف الاعتماد في مواضعها حتى جرى معها النفس، وإنما سميت مهموسةً؛ لأنها اخفض صوتًا من المجهورة، والهمس: الصوت الخفي، وهي عشرة أحرف:
الهاء والحاء والخاء والكاف والشين والصاد والتاء والسين والثاء والفاء، وهي مجموعة في قولك: ستشحثك خصفه.
وتعرف المهموسة بأنه يمكنك تكرير الحروف مع جري النفس به، ولا يمكنك ذلك في المجهورة.
وبيان ذلك أنك إذا قلت في المجهور: إد، فلا تجد معه نفسًا، وإذا قلت في المهموس: إس، فتجد نفسًا جرى معه.
وأما المجهورة فهي ما عدا المهموسة من الحروف، وهي تسعة عشر حرفًا، وأنها حروفٌ أشبع الاعتماد في مواضعها، ومنع النفس أن يجري معها
[الموضح: 171]
حتى ينقضي الاعتماد ويجري الصوت، غير أن الميم والنون منها قد يعتمد لهما في الفم والخياشيم فيصير فيهما غنة، ولهذا لو أمسكت بأنفك ورمت التكلم بهذين الحرفين لخرجا ناقصين.
وقد تتفاوت الحروف في الجهر والهمس، فبعض المجهورة أجر من بعض، وبعض المهموسة أهمس من بعض، والذوق يعرفك ذلك.
(2)- ومنها أن تنقسم إلى الشدة والرخاوة:
فالحروف الشديدة ثمانية أحرف: وهي الهمزة والقاف والكاف والجيم والطاء والدال والتاء والباء، وهي مجموعة في قولك: أجدت طبقك.
وسميت شديدة لصلابتها ومنعها الصوت من أن يجري فيها، ألا ترى أن قولك: الحق والشط لو أردت مدًّا في القاف والطاء لامتنع ذلك.
وأما الرخوة فهي ثلاثة عشر حرفًا، أربعة منها حلقية وهي الهاء والحاء والغين والخاء، وثلاثة أسلية وهي الصاد والسين والزاي، وثلاثة لثوية وهي الظاء والثاء والذال، وثلاثة شجرية وهي الضاد والشين (والفاء).
وسميت هذه الحروف الثلاثة عشر رخوة لرخاوة الصوت بها، ولأن الصوت
[الموضح: 172]
يجري فيها كلها فلا يمتنع من ذلك، ألا ترى أنك تقول: ألمس والرش والشح ونحو ذلك فتجد الصوت يجري ممتدًا مع السين والشين والحاء.
وتبقى بعد الشديدة والرخوة حروف هي بين الرخاوة والشدة وهي ثمانية أحرف:- الألف والعين والياء واللام والراء والميم والواو والنون، وهي مجموعة في قولك: لم يرو عنا.
وإنما صارت بين الشدة والرخاوة؛ لأن الصوت وإن كان يجري فيها فلم يجر جريانه في الحروف الرخوة.
(3)- ومنها أن تنقسم إلى الإطباق والانفتاح:
فالحروف المطبقة أربعة: وهي الصاد والضاد والطاء والظاء، وإنما سميت مطبقة؛ لأنك ترفع ظهر لسانك إلى الحنك الأعلى مطبقًا له فيصير الصوت بذلك محصورًا فيما بين اللسان والحنك إلى موضع الحرف، ولولا الإطباق لصارت الطاء دالًا والظاء ذالًا والصاد سينًا ولخرجت الضاد من الكلام؛ لأنه ليس من موضعها شيء غيرها، وموضعها موضع الإطباق، فإذا عدم الإطباق عدمت الضاد، ولأجل أنها غير مشاركة في المخرج لم توجد أعني الضاد في شيء من كلام الأمم إلا في العربية.
وأما الحروف المنفتحة فهي ما عدا المطبقة.
[الموضح: 173]
(4)- ومنها أن تنقسم إلى الاستعلاء والانخفاض:
ومعنى الاستعلاء أن يتصعد الصوت في الحنك الأعلى.
والحروف المستعلية سبعة: الخاء والغين والقاف والصاد والطاء والضاد والظاء، فأربعة منها ينضم الإطباق فيها إلى الاستعلاء، وقد ذكرنا حروف الإطباق، وثلاثة ليس فيها مع الاستعلاء إطباق وهي الخاء والغين والقاف.
وأهل المدينة ألحقوا العين والحاء بالحروف المستعلية، فصارت الحروف المستعلية عندهم تسعة.
وأما حروف الانخفاض فما عدا الحروف المستعلية.
(5)- ومنها أن تنقسم إلى الزوائد والأصول:
فالحروف الزوائد عشرة: وهي الهمزة والألف والياء والواو والميم والنون والسين والتاء واللام والهاء، وهي مجموعة في قولك: اليوم تنساه، وفي قولك: سألتمونيها، وقولك: هويت السمان.
[الموضح: 174]
وأما الأصول فما عدا الزوائد.
(6)- ومنها أن تنقسم إلى الصحة والاعتلال:-
فأما حروف الاعتلال فهي ثلاثة: الألف والواو والياء، وتسمى حروف المدّ واللين أيضًا إذا كان الواو والياء كل واحد منهما ساكنًا وحركة ما قبله من جنسه، فأما الألف فلا تكون إلا ساكنة، وحركة ما قبلها لا تكون إلا من جنسها، وهي الفتحة. وتسمى هذه الحروف أيضًا الذوائب، وإنما سميت ذوائب؛ لأنها تذوب وتلين وتمتد، وتسمى هذه الحروف أيضًا الهوائية؛ لأنها تخرج في هواء الفم، وقد يقال لها أيضًا الهاوية؛ لأنها تهوى في الفم وليس لها أحيازٌ من الفم تعتمد في خروجها عليها، وبعض النحويين يجعل الألف وحده هو الهاوي، ولا شك في أن الألف أشد هويًا في الفم؛ لأنه أشد امتدادًا واستطالة فهو يتمحض في كونه للمد.
[الموضح: 175]
وأما الواو والياء فإذا كانت حركة ما قبلهما من جنسهما فهما ممتدان مستطيلان، وإذا لم يكونا كذلك فليس فيهما مد، غير أن الحذاق منهم ذهبوا إلى أنهما وإن لم يكن حركة ما قبلهما من جنسهما، فلا يخلوان من مد، والدليل على ذلك أنه لا يجوز وقوع أحدهما قبل حرف الروي مع حروف الصحة في القافية السليمة نحو قول مع أكل، بل يكون القول مردفًا والأكل سليمًا فيسمى السناد وهو عيب في القافية، فلولا ما في الواو من المد لجاز مجيئه في القوافي السليمة وكذلك الياء.
وما عدا حروف الاعتلال فإنها حروف الصحة.
(أ)- ومن الحروف أيضًا ما يسمى حروف القلقلة ويقال اللقلقة أيضًا، وهي حروف مشربة في مخارجها، إلا أنها تضغط ضغطًا شديدًا، فإن لها أصواتًا كالحركات تتقلقل عند خروجها أي تضطرب، ولهاذ مسيت حروف القلقلة، وهي خمسة: القاف والجيم والطاء والدال والباء، وهي مجموعة من قولك: قد طبج، وزعم بعضهم أن الضاد والزاي والذال والظاء منها لنتوها وضغطها في مواضعها، إلا أنها وإن كانت
[الموضح: 176]
مشربة في المخارج فإنها غير مضغوطة كضغط الحروف الخمسة التي ذكرناها، لكن يخرج معها عند الوقوف عليها شبه النفخ.
وامتحان حروف القلقة أن تقف عليها، فإذا وقفت خرج منها صويت مثل النفخ؛ لنتوها في اللها واللسان.
(ب)- ومنها حروف الصفير: وهي الصاد والسين والزاي، وهي الحروف الأسلية التي تخرج من أسلة اللسان.
ومنهم من ألحق بها الشين، وإنما يقال لها حروف الصفير لأنك تصفر عند اعتماد على مواضعها.
(ج)- ومنها حروف التفشي: وهي أربعة مجموعة في قولك: مشفرٌ، وهي حروف فيها غنة وتفش وتأفف وتكرار، وإنما قيل لها حروف التفشي وإن كان التفشي في الشين خاصة؛ لأن الباقية مقاربة له؛ لأن الشين بما فيها من التفشي ينتشر الصوت منه ويتفشى حتى يصل إلى مخارج الباقية.
(د)- ومنها حروف الغنة وهي النون والميم، سميتا بذلك؛ لأن فيهما غنة تخرج من الخياشيم، وهي الصوت المحصور فيها كأصوات الحمائم والقماري.
[الموضح: 177]
(هـ)- ومنها حروف الذلاقة وهي ستة: اللام والراء والنون والفاء والباء والميم، وهي مجموعة من قولك: رب منفل، ويقال لها: الحروف المذلقة، وإنما سميت بذلك؛ لأنه يعتمد عليها بذلق اللسان وهو طرفه.
ولا توجد كلمة من أبنية كلام العرب مما زاد على الثلاثة معراة من أحد هذه الستة إذا كانت حروفها أصلية، اللهم إلا أن تكون الكلمة دخيلًا في كلام العرب.
وما عدا المذلقة تسمى المصمتة، وإنما دعيت مصمتة؛ لأنها
[الموضح: 178]
أصمتت أن تأتي كلمة رباعية أو خماسية أًلية ركبت منها من غير أن يكون فيها من حروف الذلاقة حرف أو حرفان أو ثلاثة، ونأتي في بيان ذلك بمثال، فقولك في الرباعية: جعفرٌ، فيه من المذلقة الفاء والراء، وسلهب، فيه الباء، وفي الخماسية: سفرجل، فيه الفاء والراء، وفرزدق، فيه الفاء والراء أيضًا، فما كان عاريًا من بعض هذه الحروف الستة من رباعي أو خماسي فإنه دخيل في كلام العرب وليس منه.
(و)- ومن الحروف حرفٌ واحد منحرف وهو اللام، وإنما قلنا إنه منحرفٌ؛ لأن اللسان ينحرف فيه مع الصوت ويتجافى في ناحيتي مستدق اللسان عن اعتراضه على الصوت فيخرج الصوت عن الناحيتين وما فوقهما.
(ز)- ومنها حرف واحد مكرر وهو الراء، وذلك لأن الواقف إذا وقف على الراء وجد طرف اللسان يتعثر بما فيه من التكرير، وذلك يعد في
[الموضح: 179]
الإمالة بحرفين، والحركة فيه تنزل منزلة حركتين.
(ح)- ومنها حرف واحد يدعى المتوت، وهو التاء، سمي بذلك لضعفه وخفائه؛ لأنه يقال: هت البكر في صوته إذا ضعفه). [الموضح: 180]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 06:16 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الفصل السادس: في أحياز الحروف التي تخرج منها ونسبتها إليها
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الفصل السادس: في أحياز الحروف التي تخرج منها ونسبتها إليها
ولهذه الحروف التي ذكرنا أصنافها أحيازٌ ثمانية، وهي مواضع من الفم، كل عدة من الحروف لها موضع مخصوص، يسمى حيزًا، تكون تلك الحروف منسوبة إليه لكونها خارجة منه.
1- فمن تلك الأحياز: الحلق، ولها سبعة أحرف تسمى الحلقية، وهي الهمزة والألف والهاء والعين والحاء والغين والخاء، ولهذا الحيز ثلاثة أقسام:
أحدها: أقصى الحلق، ومنه مخرج الهمزة والألف والهاء.
والثاني: أوسط الحلق، ومنه مخرج العين والحاء.
والثالث: أدنى الحلق، ومنه مخرج الغين والخاء.
والكل تسمى الحلقية.
2- ومن تلك الأحياز أيضًا: اللهاة، وهي اللحمة المسترخية التي هي
[الموضح: 181]
كالزنمة في أقصى الفم عند أدنى الحلق، وهي حيز القاف والكاف، فهما لهويتان.
3- ومنها شجر الفم، وهو مفرجه وهو حيز الجيم والشين والياء، وتسمى هذه الحروف شجرية.
والخليل يجعل مكان الياء الضاد فيجعلها شجرية.
4- ومنها ذلق اللسان، وهو تحديد طرفيه كذلق السنان لطرفه المحدّد وهو حيز اللام والنون والراء، فتدعى ذلقية وذولقية، وذلك لأن مبدأ كل واحدٍ منها من ذلق اللسان.
5- ومنها نطع الغار الأعلى وهو سقف الفم، فهو حيز الطاء والدال والتاء، فيقال لها نطعية؛ لأن مبدأها من النطع.
6- ومنها أسلة اللسان، وهي مستدق طرفيه، وهي حيز الصاد والسين والزاي، وتسمى هذه الحروف أسلية؛ لأن مبدأها من أسلة اللسان.
7- ومنها للثة، وهي اللحم الذي فيه مركب الأسنان، وهي حيز الظاء والثاء والذال، وتعرف باللثوية؛ لأن مبدأها من اللثة.
8- ومنها الشفة، وهي حيز الفاء والباء والميم والواو، وهذه الحروف يقال لها الشفوية أو الشفهية؛ لأن مبدأها من الشفة.
[الموضح: 182]
وهذه الحروف لقبها الخليل بن أحمد بهذه الألقاب التي ذكرنا، إلا الهمزة والألف والواو والياء فإنه لقبها بالحروف الهوائية.
فهذه صفات الحروف بمخارجها وأصنافها وأحيازها، ونحن نذكر بعد ذلك شيئًا من أحكام الهمزة لكثرة ما يقع من اختلاف القراء فيها، ثم نتبعه بشيء من أحكام الإدغام وأقسامه، ثم نذكر بعده في الإمالة والوقف ما يقع به الغنيمة في هذا الكتاب، وإنما أوردنا جميع ذلك في هذه التقدمة ليكون ذلك تسهيلًا لإدراك ما يمر بك منه في تضاعيف الكتاب إن شاء الله). [الموضح: 183]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 06:17 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الفصل السابع: في الهمزة وأحكامها
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الفصل السابع: في الهمزة وأحكامها

اعلم أن الهمزة لما كانت خارجة من أقصى الحلق استحبت العرب تخفيفها استثقالًا لإخراج ما هو كالتهوع، فالهمزة عندهم على ضربين:
أحدهما أن تكون محققة، وهي الأصل.
والآخر أن تكون مخففة.
فالأول لا كلام فيه لكونه أصلًا، وأما الثاني وهو تخفيف الهمزة، فإن الهمزة في التخفيف لا تخلو من أن تكون ساكنة أو متحركة.
فإن كانت ساكنة فإن ما قبلها متحرك، ثم لا تخلو حركة ما قبلها من أن تكون ضمة أو كسرة أو فتحة.
فإن كانت حركة ما قبل الهمزة الساكنة ضمة، كان تخفيفها بأن تقلب الهزة واوًا نحو: جونة في جؤنة، ولوم في لؤم، وفي التنزيل: (تسوكم)
[الموضح: 185]
و (سولك).
وإن كانت حركة ما قبلها كسرة قلبت الهمزة ياءً نحو: بير وذيب في بئر وذئب، وفي التنزيل (شيت) و(هيي لنا).
وإن كانت حركة ما قبلها فتحة قلبت الهمزة ألفًا، نحو: راس وفاس في رأس وفأس، وفي التنزيل (ننساها) و(الماوى).
والمنفصل في الأحوال الثلاثة أعني في كون ما قبل الهمزة مضمومًا أو مكسورًا أو مفتوحًا يجري مجرى المتصل في انقلابها واوًا للضمة، وباء للكسرة، وألفًا للفتحة، كقوله تعالى (يقولو ذن) و(اللذيتمن) و(هداتنا) في (يقولو ائذن) و(فليؤد الذي اؤتمن) و(إلى الهدى ائتنا). وإنما
[الموضح: 186]
قلبت الهمزة الساكنة إلى حروف العلة على حسب حركة ما قبلها في حال التخفيف لشبه الهمزة بحروف العلة، فإن حروف العلة الساكنة تنقلب على حسب حركات ما قبلها، فتصير لأجل الضمة واوًا، ولأجل الكسرة ياءً، ولأجل الفتحة ألفًا، نحو: موسر وميعاد وياجل، فكذلك قلبوا الهمزة الساكنة عند التخفيف إلى الحركة من جنسه.
فأما إذا كانت الهمزة متحركة فلا يخلو ما قبلها من أن يكون ساكنًا أو متحركًا، فإن كان ما قبلها ساكنًا فلا يخلو الساكن من أن يكون حرفًا صحيحًا أو حرف علةٍ، فإن كان حرفًا صحيحًا كان تخفيف الهمزة بأن تحذف وتنقل حركتها إلى الساكن الذي قبلها نحو: "يخرج الخب" و"بين المر".
ومن ذلك: أحمر وأولى، إذا أدخلت على كل واحد منهما لام التعريف نحو: الأحمر والأولى، فإذا خففت فإنك تنقل حركة الهمزة إلى لام التعريف فتحذف الهمزة استغناء عنها بحركة اللام، فتقول: ألحمر، ألولي، فإذا فعلت ذلك كان فيه مذهبان:
فمذهب أبي الحسن أن تحذف همزة الوصل لتحرك لام التعريف بنقل حركة الهمزة إليها فتقول: لحمر لولي.
[الموضح: 187]
ومذهب سيبويه أن تبقي همزة الوصل ولا تحذفها؛ لأن لام التعريف وإن تحركت بحركة الهمزة المحذوفة فهي في نية السكون؛ لأن الهمزة في نية الوجود فتقول: الحمر ألولي.
فعلى مذهب أبي الحسن تقول: من لان، و"قالوا لان"، وعلى قياس مذهب سيبويه: قال لان ومن لان، ويجوز ملان، وأبو علي يختاره، فمن حرك النون من: من، فإنه قدر اللام ساكنة؛ لن همزة آن في نية الوجود فحرك نون من بالفتح لالتقاء الساكنين كما تقول: من الرجل، ومن حذف النون من ن وقال ملان فإنه لما قدر اللام ساكنة حذف النون من من لالتقاء الساكنين، وحكم التقاء الساكنين كما (يكون) بتحريك أحدهما، فقد يكون أيضًا بحذف أحدهما.
وإنما جُعل تخفيف الهمزة في هذا الموضع بنقل حركتها إلى ما قبلها
[الموضح: 188]
وحذف الهمزة؛ لأنه لم يكن هاهنا طريقٌ إلى قلب الهمزة حرف لين لسكون ما قبلها كراهة اجتمع الساكنين، ولا إلى جعلها بين بين أيضًا لذلك، فإن الهمزة إذا كانت بين بين كانت قريبة من الساكن فجعل تخفيفها بالحذف لذلك.
وأما إذا كان الساكن الذي قبل الهمزة حرف علة لم يخل ذلك الحرف من أن يكون واوًا أو ياء أو ألفًا:
فإن كان واوًا قلبت الهمزة أيضًا واوًا، وأدغم الواو في الواو نحو: مقروة في مقروءة ومكلو في مكلوء.
وإن كان حرف العلة ياء قلبت الهمزة أيضًا ساءً، وأدغمت الياء في الياء، نحو: خطية؛ والأصل: خطيئة، ونحو: النسي، والأصل: النسيءُ، وإنما قلبت الهمزة هاهنا؛ لأنها لم يمكن نقل حركتها إلى ما قبلها كما تقدم فيما قبل؛ لأن ما قبل الهمزة هاهنا حرف مدّ فلا يحتمل الحركة، ولم تجعل بين بين؛ لأن الهمزة لا تجعل بين بين إلا حيث يمكن أن يقع ساكن، وهاهنا لا يمكن وقوع الساكن؛ لأن الساكن لا يقع بعد الساكن، فقلبت الهمزة حرفًا من جنس ما قبلها فأدغم أحدهما في الآخر، فصار هذا بمنزلة حذف الهمزة، لأن الإدغام يجعل الحرفين في اللفظ كحرفٍ واحد.
وإن كان ما قبل الهمزة ألفًا جعلت الهمزة بين بين أعني بين الهمزة والحرف الذي من جنس حركة الهمزة وهو الألف؛ لأن حركة الهمزة فتحةٌ، وذلك نحو: هباءة ومساءة، ولم يجر الألف على قياس ما ذكرنا من الواو والياء؛ لأن الألف لا تدغم ولا يدغم فيها.
[الموضح: 189]
وإن كان ما قبل الهمزة المتحركة متحركًا، فإن الهمزة لا تخلو من أن تكون مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة، فإن كانت مفتوحة وانضم ما قبلها قُلبت الهمزة واوًا نحو: جون وموذن، وإن انكسر ما قبلها قلبت ياء نحو: ميرٍ وفيه وماية، وإنما لم تجعل الهمزة في هذين الوجهين بين بين؛ لأن قبلها ضمة أو كسرة، والهمزة مفتوحة، فلو جعلت بين بين لجعلت بين الهمزة والألف، والألف لا يكون ما قبلها ضمة ولا كسرة، فقلبت حرفًا من جنس حركة ما قبلها؛ لأن الهمزة المفتوحة تشبه الهمزة الساكنة؛ لأن الفتحة كالسكون في الخفة، والهمزة الساكنة إذا انضم ما قبلها قلبت واوًا، وإذا انكسر ما قبلها قلبت ياءً على ما تقدم، وكذلك هاهنا.
وأما إذا كان ما قبل الهمزة المفتوحة مفتوحًا جعلت الهمزة بين بين أعني بين الهمزة والألف نحو: سأل وقرأ؛ لأنه لما انفتح ما قبلها صح جعلها بين بين؛ لأن في ذلك تقريبًا لها من الألف، والألف يكون ما قبلها مفتوحًا.
وإن كانت الهمزة مكسورة فما قبلها أيضًا لا يخلو من أن يكون مضمومًا أو مكسورًا أو مفتوحًا، وأيًا ما كان فإن الهمزة تجعل بين بين أعني بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركة الهمزة وهو الياء هاهنا نحو: سئل، ولعبد إبلك، و(سئم) الرجل.
وإن كانت الهمزة مضمومة فما قبلها أيضًا لا يخلو من ضمة أو كسرة أو فتحة، وأيًّا ما كانت جعلت الهمزة أيضًا بين بين أعني بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها وهو الواو هاهنا، وذلك نحو: هذا عبد أخته وروفٌ و"مستهزؤن"، فالهمزة في جميع ذلك تجعل بين بين، وجعل الهمزة بين
[الموضح: 190]
بين أجرى على القياس من جميع وجوه التخفيف؛ لأن الهمزة بأن تجعل بين بين لم تخرج عن حدها، وإنما حصل فيها التخفيف فحسب.
وأما الأخفش فإنه يقلب الهمزة في "مستهزؤن" ونحوه ياءً خالصة لأجل كسرة ما قبلها، ويقول: إن الهمزة هاهنا إذا جعلت بين بين صارت بين الهمزة والواو، والواو لا يكون ما قبلها مكسورًا، والذي ذكرناه من جعلها بين بين مذهب سيبويه وهو القياس عند النحويين، وذهبوا إلى بطلان مذهب الأخفش في ذلك؛ لأنه مصيرٌ إلى ما ليس في كلامهم؛ لأنه لا يجوز أن يُقال: يسترضيون، ولا: استرضيوا.
وأما انكسار ما قبل الواو فإن ذلك واقع نحو: ثورة ونحوها.
فأما الهمزتان إذا التقتا، فإن كانتا من كلمة واحدة، وكانت الأولى مفتوحة قلبت الثانية ألفًا سواء كانت ساكنة أو متحركة، فالثانية إذا كانت ساكنة فنحو قولهم: آدم وآخر، وإذا كانت متحركة فنحو: آلد، عند بعض القراء، وكذلك إن كانت الأولى مكسورة، فإن الثانية تقلب ياء نحو: "إيتنا" وجاء، وكذلك أيضًا إن كانت الأولى مضمومة فإن الثانية تقلب واوًا نحو: أومن وأوذن، وإنما تقلب إحدى الهمزتين لاجتماعهما، فإن الهمزة تثقل إذا كانت واحدة، فكيف إذا اجتمع اثنتان، وإنما قلبت الثانية دون الأولى؛ لأنها هي المتكررة، (فالاستثقال) بها أكثر، وأيضًا فقد تقع الهمزتان أولًا، فلو قلبت الأولى لكان فيه الابتداء بالساكن وهذا لا يجوز.
[الموضح: 191]
وإن كانت الهمزتان من كلمتين فإن من يرى تخفيف الهمزة يخفف إحداهما، ثم اختلفوا:-
فبعضهم يخفف الأولى ويحقق الثانية نحو قوله تعالى {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} و{عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ} و{أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ} وإلى هذا ذهب أبو عمرو؛ لأن الهمزة الأولى في آخر كلمة، والتغيير بالأواخر أليق، وبعضهم يحقق الأولى ويخفف الثانية، وهو مذهب الخليل قياسًا على ما إذا كانتا من كلمة واحدة). [الموضح: 192]


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 06:18 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الفصل الثامن: في الإدغام
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الفصل الثامن: في الإدغام

الإدغام: أن تصل حرفًا ساكنًا بحرفٍ متحرك مثله أو مقاربه، فينبؤ اللسان عنهما نبوة واحدة.
والكلمة في اللغة: في الخفاء، ومنه الأدغم من الخيل وهو الذي خفي سواده فلم يصف، وهو الديزج عند العرب، فالحرف المدغم يخفى إذا أدغم في الحرف الآخر فلم يتبين، والفعل منه أدغم يدغم إدغامًا على أفعل، وادغم يدغم إدغامًا على افتعل.
وإنما وقع الإدغام في كلام العرب؛ لأن الكلمة إذا كانت حروفها مختلفة كان أخف على لسان منن أن يكون البعض من حروفها مختلفًا والبعض متفقًا، وذلك أنه إذا وقع في كلمةٍ حرفان مثلان ثقل على المتكلم من جهة
[الموضح: 193]
أنه إذا ترك مخرج حرفٍ وعاد إليه كان بمنزلة من قطع مسافة ثم رجع القهقرى، وهذا ثقيل عندهم، فإذا أمكن أن ينبو اللسان عنهما نبوة واحدة كان أسهل من تحريكهما بحركتين مع اتفاقهما.
والإدغام إنما يكون في حرفين مثلين يكون الأول منهما ساكنًا والثاني متحركًا، وقد يكون في حرفين متقاربين يقلب أحدهما إلى جنس الآخر فيدغم فيه.
والإدغام إذا كان في مثلين، فلا يخلو من أن يكون المثلان في كلمة واحدة أو كلمتين.
فإن كان الحرفان في كلمة واحدة، فلا يخلو من أن تكون الكلمة مُلحقةً أو غير ملحقة، والملحقة: صيغة ألحقت بما يزاد فيها من الحروف الزوائد- بصيغة رباعية أو خماسية أصول، فالملحقة لا يجوز فيها الإدغام ألبتة، وذلك نحو: جلبب جلببه ألحق بدحرج، وفي الأسماء نحو: مهدد، ألحق بجعفر، ونحو قعدد، ألحق ببرثن، ونحو: رمدد، ألحق بعظلم، هذا ما ألحق بالرباعي.
فأما ما ألحق بالخماسي فنحو: ألندد وعفنجج، والألندد: الشديد الخصومة، وليس من لفظ اللدد، والعفنجج: الجافي وهو من العفج وهو الضرب باليد والعصا، ألحق بسفرجل.
[الموضح: 194]
وإنما لم يصح الإدغام في الملحق؛ لأن الإدغام فيه ينافي الإلحاق، ألا ترى أنك لو أدغمته لم يوازن ما ألحق به، فكان في ذلك مخالفة للغرض، فإنك لو قلت: مهدّ لم تلحق ببناء جعفر، وكذلك الأمثلة الباقية.
وأما إذا كانت الكلمة غير ملحقة، فإن الإدغام قد يكون فيها.
ثم لا يخلو من أن يكون الأول من المثلين ساكنًا أو متحركًا:
فإن كان ساكنًا فالإدغام لازمٌ نحو: صدٍ وردٍ في مصدر صد ورد.
وإن كان متحركًا فهو على ضربين:-
متحرك يصح تسكينه، ومتحرك لا يصح تسكينه، فالأول يلزم فيه الإدغام أيضًا، وذلك نحو: صد ورد، أصلهما: صد وردد، فأسكن الدال الأولى إرادة الإدغام، ثم أدغم الأولى في الثانية.
وأما المتحرك الذي لا يصح تسكينه، فإنه لا يجوز فيه الإدغام، وذلك نحو: رددت وصددت، لا يجوز أن تدغم الدال الأولى في الثانية هاهنا؛ لأن الأولى من الدالين لا يصح تسكينها؛ لأن الثانية ساكنة لأجل لحقا الضمير بها، فلم يجز الإدغام؛ لأن في الإدغام يلزم أن يكون الأول من المثلين ساكنًا والثاني متحركًا حتى يحصل الإدغام، وهاهنا بخلافه.
ومما جوزوا فيه الإدغام قولهم: اقتتلوا، فإنه قد اجتمع فيه حرفان مثلان والكلمة واحدة، إلا أن المثلين فيها وإن كانا في كلمة واحدة فإنهما يجريان مجرى ما كانا من كلمتين، فإذا أردت الإدغام أدغمت إحدى التاءين في الأخرى ثم ألقيت الفتحة التي كانت على التاء الأولى قبل الإدغام على القاف، ثم أسقطت همزة الوصل لحركة القاف فيبقى: قتلوا بفتح القاف.
وبعضهم يسقط فتحة التاء ألبتة ولا يلقيها على ما قبلها بل يبقي التاء ساكنة وما قبلها ساكن فيكسر ما قبلها لالتقاء الساكنين فيقول: قتلوا بكسر القاف.
[الموضح: 195]
واسم الفاعل من الأول مقتل بفتح القاف، ومن الثاني مقتل بكسر القاف.
وإنما قلنا إن المثلين في: اقتتلوا، يجريان مجرى ما كانا من كلمتين؛ لأن الأكثرين منهم يظهرون التاءين ولا يدغمون أحدهما في الآخر، ويقولون: إن تاء الافتعال في هذا الموضع لا يلزمها أن تلتقي مع مثلها فصارا كالمنفصلين نحو: نعت تلك.
ومن الإدغام الواقع في الكلمة الواحدة قوله تعالى: {صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله} و{إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} و{فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} و{وَلَا الضَّالِّينَ} و{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ}، ومثله كثير في القرآن.
وأما ما كان المثلان فيه من كلمتين فلا يخلو من أن يكون ما قبل الحرف الأول من المثلين متحركًا أو ساكنًا.
فإن كان متحركًا جاز الإدغام، وذلك نحو قوله تعالى: {إِنَّكِ كُنْتِ} وقوله {يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ}. وازداد الإدغام في "تقع على الأرض" حُسنًا لتوالي خمس متحركات، ونحوه قوله {وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} وهذا ونحوه من الإدغام الكبير لأبي عمرو.
[الموضح: 196]
وأما إذا كان ما قبل الأول من المثلين ساكنًا لم يخل الساكن من أن يكون حرف صحةٍ أو حرف مد ولين، فإن كان حرف صحة لم يجز الإدغام؛ لأن الحرف الأول يصير ساكنًا بالإدغام وما قبله ساكن فيحتاج إلى تحريك الحرف الساكن لأجل الإدغام، ولم يبلغ من قوة المنفصلين أن يحرك لهما الساكن كما فعل ذلك في المتصل نحو: استعد واستمر، وذلك أنك إذا قلت: علم موسى وعبد داود، لم يجز أن تدغم أحد المثلين في الآخر لما ذكرنا، ومثل ذلك قوله تعالى: {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} و{كُنْتُ تُرَابًا} و{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ} و{يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ}.
وإذا كان الساكن الذي قبل المدغم حرف مد ولين كان الإدغام جائزًا؛ لأن المدّ الذي يكون فيه عوض من الحركة فيصير كأن الذي قبله متحرك، وذلك نحو قوله تعالى {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ} و{قِيلَ لَهُمْ}.
وأما إذا كان الحرفان متقاربين وليسا بمثلين: فإن ذلك لا يخلو إما أن يكون في كلمة واحدة أو كلمتين، فإن كان في كلمة واحدة لم يخل أيضًا من أن يكون الأول منهما ساكنًا أو متحركًا، فإن كان ساكنًا جاز الإدغام نحو: {لَبِثْتُ} و{أُورِثْتُمُوهَا} و{بَسَطْتَ} و{أَحَطْتُ} و{لَاتَّخَذْتَ}.
وإنما جاز الإدغام في المتقاربين؛ لأنهما كالمثلين باتفاق المخرجين، وإن كانا أضعف حالًا من المثلين في هذا الباب لما نذكره بعد ذلك.
[الموضح: 197]
وإن كان الأول متحركًا فلا يخلو من أن تكون الحركة حركة عين كلمةٍ أو لا تكون كذلك، فالأول نحو: عتدٍ ووتدٍ فإن ذلك لا يجوز فيه الإدغام؛ لأن حركة عين الكلمة مرادة لحفظ الصيغة، ومن قال: ود فإنه يذهب إلى تسكين الأوسط من: وتد، كفخذٍ في فخذ، وقالوا: وطد ووتد فلم يدغموا لما قلنا.
وأما إذا لم تكن حركة عين فإنهم يسكنون الأول ويدغمونه في الثاني، وذلك نحو قوله تعالى {فَادَّارَأْتُمْ} والأصل: تدارأتم، قلبت التاء دالًا وأدغمت الدال في الدال، ولما سكنت الأولى بالإدغام اجتلبت لها ألف الوصل لسكون أول الكلمة فبقي: ادرأتم، ومثله: {ادَّارَكُوا} وأصله: تداركوا، و{اطَّيَّرْنَا} وأصله: تطيرنا، و{وَازَّيَّنَتْ} وأصله تزينت، ففعل بالجميع مثل ما قدمناه.
واسم الفاعل مما ذكرنا: مدارك ومزين ومطير بالإدغام.
ولا يلحق الإدغام المضارع لا تقول: اذكرون ولا اتذكرون في: {تَتَذَكَّرُونَ}؛ لأن حرف المضارعة يلزمه الحركة فلا يجوز إسكانه.
وأما إذا كان المتقاربان من كلمتين: فإما أن يكون ما قبلهما متحركًا أو ساكنًا، فإن كان متحركًا كان الإدغام وتركه جائزين نحو: {بَيَّتَ طَائِفَةٌ}، وليس يجب الإدغام وجوبه في مكان في مثلين ومن كلمة واحدة؛ لأن الأولى
[الموضح: 198]
من الكلمتين هاهنا منفصلة عن الثانية، فليس يلزم اجتماعهما، والمتقاربان أدون حالًا من المثلين في الإدغام؛ لأن الحرفين إذا لم يكونا مثلين فليس المتلفظ بهما كأنه قطع مسافة ثم ارتد راجعًا عليها فلهذا لم يكن المتقاربان كالمثلين.
وأما إذا كان ما قبلهما ساكنًا فإن الساكن لا يخلو من أن يكون حرف صحةٍ أو حرف مدٍّ ولين، فإن كان الساكن حرف صحة لم يصح الإدغام عند النحويين نحو: {خَلَقْتَ طِينًا}، وإن كان حرف مد فإن الإدغام قد يصح عندهم قياسًا؛ لأن المد في الحرف يجري مجرى الحركة كما ذكرنا، وذلك نحو قوله تعالى: {الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} و{فَآتِ ذَا الْقُرْبَى} و{جِئْتَ شَيْئًا}، وهذا قياسٌ عندهم.
واعلم أن من الحروف ما لا يصح حصول الإدغام فيه:-
فمنها: الألف، وهو لا يدغم في مثله ولا في مقاربه، ولا يدغم مقاربه فيه أيضًا، وإنما كان كذلك لأن الألف حرف مد، فلو أدغم لذهب المد الذي فيه، وأيضًا فإن الألف لا يكون إلا ساكنًا، ولا يدغم ساكن في ساكن، إنما يدغم ساكن في متحرك، وأيضًا فإنه ليس في القدرة الجمع بين ألفين.
ومنها: الهمزة وهي لا تدغم في مثلها إلا قليلًا كسأل ورأسٍ ونحوهما، ولا تدغم أيضًا في مقاربها، وإنما لم تدغم في مثلها إلا قليلًا
[الموضح: 199]
لأن الهمزتين في الأمر العام إذا اجتمعتا ألزمت الثانية القلب، فإذا قلبت إلى الياء أو الواو أو الألف لم يجز إدغام الهمزة فيها؛ لأن الواو والياء ليسا من أمثال الهمزة ولا من مقاربتها، وأما الألف وإن كانت مقاربة للهمزة فلا تدغم الهمزة فيها؛ لأن الألف فيها مدة، فلو أدغمت فيها لذهبت المدة التي فيها، ولا تدغم الألف في الهمزة أيضًا لما ذكرنا، ولا في الهاء أيضًا، ولا الهاء فيها؛ لأن ما فيها من المد باعد بينها وبين هذه الحروف، وكذلك حالها مع الواو والياء.
ومن الحروف أيضًا ما لا يصح إدغامها في بعض الحروف دون بعضٍ:-
فمنها الياء، وهي لا تدغم في الجيم، وإن قاربتها لتنافر ما بينهما لأجل اللين الذي في الياء.
وكذلك الواو لا تدغم في الميم أيضًا وإن قاربتها لهذه العلة.
ومنها ما لا يدغم في مقاربه، ويدغم مقاربه فيه، وهو أربعة أحرف: الميم والراء والفاء والشين، ويجمعها قولك: مشفر، وقد ألحق بها الضاد أيضًا فصارت خمسة، وإنما لم تدغم هذه الأحرف في مقاربها؛ لأن كل واحد منها فيه زيادة صوت على مقاربه، ألا ترى أن في الميم غنة ليست في الباء، وفي الراء تكرارًا ليس في اللام، وفي الشين تفشيًا ليس في الجيم، وفي الفاء صوتًا من باطن الشفة السفلى لا يشاركه فيه حرف، وفي الضاد نوع إطباق ليس في غيرها من الحروف.
وكذلك كل حرفٍ فيه زيادة صوت لا يجوز أن يدغم فيما هو أنقص صوتًا
[الموضح: 200]
منه؛ لأن الصوت الزائد الذي يكون فيه يذهب في الإدغام.
وحروف الحلق أصلها أن لا تدغم، فإن أصل الإدغام أن يكون لحروف الفم لا لحروف الحلق؛ لأن إخراج الحرف الواحد من الحلق ثقيل، فإذا اجتمع حرفان حلقيان كان أثقل، والإدغام يشتد به اللفظ ويغلظ فاشتداد اللفظ بالثقيل أثقل، فلهذا كان الحرف كلما كان أدخل في الحلق كان من الإدغام أبعد، وكلما كان أدنى إلى الفم كان مجيء الإدغام فيه أكثر، وما كان من الحروف الحلقية أدخل في الفم لم يدغم في الأدخل في الحلق، بل الأدخل في الحلق يدغم في الأدخل في الفم، ألا ترى أن الهاء يدغم في الحاء نحو: إجبه حملًا، ولا يدغم الحاء في الهاء نحو: امدح هلالًا؛ لأن الهاء أدخل في الحلق، والحاء أقرب من الفم، وتقول: اقطع حملًا فتدغم العين في الحاء، ولا يدغم الحاء في العين؛ لأن الحاء أدخل في الفم، ولكن إن أردت ذلك فاقلب العين حاءً ثم أدغم الحاء في الحاء، وذلك أن تقول: امدح حرفة في: امدح عرفة، وعلى هذا فقس ما يرد عليك من ذلك.
وكذلك حروف الفم لا تدغم في حروف الشفتين للبعد في المخارج،
[الموضح: 201]
والأولى في الإدغام أن يدغم الأضعف صوتًا في الأقوى صوتًا، ثم الأضعف في الأضعف، ثم الأقوى في الأقوى، فأمنا الأقوى في الأضعف فلا.
وحروف الشفتين لا تدغم في حروف الفم ولا في حروف الحلق، ولا يدغمن فيها لما ذكرناه من البعد في المخارج.
واعلم أن بعض القراء قسموا الحروف المتقاربة في الإدغام على خمسة أقسام:
القسم الأول: ما يدغم في المثل ولا يدغم في المقارب، وهو خمسة عشر حرفًا: الهمزة والهاء والعين والفاء والميم والضاد والخاء والغين والصاد والظاء والشين والطاء والزاي والياء والواو، وإنما لم تدغم هذه الحروف في مقاربها؛ لأن كل واحد منها يختص بوصف لا يشاركه فيه مقارب، وإذا تأملت ذلك فيما ذكرناه من وصف المخارج عرفت صحة ذلك.
والقسم الثاني: سبعة أحرف كل واحد منها يدغم في مثله وفي حرف آخر، وهي: الحاء والقاف والكاف والجيم واللام والراء والباء.
فأما الحاء فيدغم في الحاء وفي العين أيضًا على أن تقلب الحاء عينًا، ثم يدغم في العين، وهكذا تفعل في كل حرفٍ لا يجوز أن يدغم في آخر تقلبه إلى جنس الآخر فتدغمه فيه، والقاف يدغم في مثله وفي الكاف نحو {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}، والكاف يدغم في مثله وفي القاف أيضًا نحو {رَبُّكَ قَدِيرًا}، والجيم يدغم في مثله وفي التاء نحو (المعارج تعرج)، واللام
[الموضح: 202]
يدغم في مثله وفي الراء نحو {فَيَقُولُ رَبِّ} والراء يدغم في مثله في اللام عند بعضهم إذا تحرك ما قبل الراء نحو {الْعُمُرِ لِكَيْلَا}، وفي إدغام الراء في اللام بعد؛ لأن الراء أزيد صوتًا من اللام لما فيه من التكرير، إلا أن وجهه أن يقلب الراء لامًا ثم يدغم اللام في اللام، والباء يدغم في مثله وفي الميم وذلك نحو {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}.
والقسم الثالث: ثلاثة أحرف، يدغم كل واحد منها في مثله وفي حرفين آخرين وهن: الذال والنون والسين.
فالذال يدغم في مثله وفي السين والصاد نحو {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ} و{مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً}، وإنما أدغم الذال فيهما؛ لأنها لثوبة وهما أسليتان فهي متقاربة.
والنون تدغم في مثله وفي اللام والراء نحو: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ} و{مَنْ رَاقٍ}، وإنما أدغم النون فيهما لتقارب الجميع في المخرج.
والسين تدغم في مثله وفي الزاي والشين نحو {النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} و{اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}، والعلة في إدغام السين في الزاي أنهما متشاركان في المخرج، وأما إدغامه في الشين، فلأجل أن في الشين تفشيًا بلغ به مخرج أكثر الحروف.
[الموضح: 203]
والقسم الرابع: حرفٌ واحدٌ يدغم في خمسة أحرف: وهو الثاء يدغم في مثله وفي التاء والذال والسين والضاد والسين نحو {الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} و{الْحَرْثِ ذَلِكَ} و{الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ} و{حَدِيثُ ضَيْفِ} و{حَيْثُ شِئْتُمَ}، والعلة في ذلك تقارب المخارج.
والقسم الخامس: حرفان يدغم كل واحد منهما في مثله وفي عشرة أحرف، وهما: الدال والتاء، والحروف العشرة هي: الشين والسين والزاي والثاء والتاء والذال والصاد والجيم والطاء والضاد، فهذان الحرفان أعني الدال والتاء مشتركان في الإدغام في هذه العشرة، وإنما اشتركا لاتفاقهما في المخرج.
أما إدغامهما في الشين فللتفشي الذي ذكرنا.
وأما إدغامهما في الصاد والسين فلاتفاقهن في طرف اللسان.
وأما إدغامهما في الزاي والذال فلاشتراكهن في الجهر وفي لام التعريف.
وأما إدغامهما في الثاء والتاء فلاشتراكهن في طرف اللسان وأصول الثنايا.
[الموضح: 204]
وأما إدغامهما في الجيم فلاجتماعهن في الفم والجهر والشدة.
وأما إدغامهما في الطاء فلقربه من مخرجيهما، ولاتفاقهن في الجهر.
وأما إدغامهما في الضاد فللاستطالة الحاصلة في الضاد التي بها يتصل الضاد بمخرجيهما، ولاشتراكهن في الام التعريف.
ثم اعلم أن هذه الحروف العشرة التي ذكرنا هي حروف طرف اللسان وأصول الثنايا، إلا الشين والضاد والجيم، فالسبعة الباقية مع الدال والتاء كلهن حروف طرف اللسان وأصول الثنايا وهن تسعة، وتدغم بعضهن في بعض نحو: اضبط دراهمنا، وانقد تلك، وأعذ داسمًا.
ومن هذه الحروف التسعة ثلاثة مهموسة وهي التاء والصاد والثاء، ويحسن إدغام بعضها في بعض، والباقية ستة ثلاثة منها من مخرج واحد وهي الطاء والدال والذال، فهذه إدغام بعضها في بعض حسن، والباقية من الستة من مخرج واحد، وإدغام بعضها في بعض حسن أيضًا.
وعلى الجملة إد=غام بعض هذه الستة في بعض أحسن من إدغامها في الثلاثة الأولى، وتدغم هذه الحروف الستة في الصاد والسين والزاي، ولا تدغم الصاد والسين والزاي فيهن؛ لأن ما في الأحرف الثلاثة من الصفير يزول بالإدغام، وكل واحد من الثلاثة يدغم في الآخر.
وهذه الحروف المذكورة كلها أعني حروف طرف اللسان التي ذكرنا يدغمن في الشين والضاد؛ لأنهما استطالتا حتى اتصلتا بمخارج هذه
[الموضح: 205]
الحروف.
واعلم أنك إذا بنيت مفتعلًا من الظلم، فإنه يجوز لك فيه ثلاثة أوجه:
أحدهما: مظطلم بالظاء والطاء، وأصله: مظتلم على مفتعل، فقلبت التاء طاء؛ ليوافق الظاء في الإطباق، وفي هذا الوجه يظهر الظاء والطاء.
والثاني: أن يدغم الظاء في الطاء فيصير الظاء أيضًا طاء في الإدغام فيبقى: مظلم.
والثالث: أن يقلب الطاء المنقلب عن تاء مفتعل ظاء للظاء الذي قبله، ثم يدغم الظاء في الظاء، فيبقى: مظلم.
قال زهير:
1- هو الجواد الذي يعطيك نائله = عفوًا ويظلم أحيانًا فيظلم
[الموضح: 206]
ومثل مظطلم: مضطر.
واعلم أن لام التعريف تدغم في ثلاثة عشر حرفًا، منها أحد عشر حرفًا حروف طرف اللسان، وحرفان مخالطان طرف اللسان، وهما الضاد والشين لما ذكرنا من استطالتهما حتى اتصلتا بمخارج الباقية.
والحروف الأحد عشر هي: النون والراء والدال والتاء والصاد والطاء والزاي والسين والظاء والذال والثاء، وإنما أدغمت لام المعرفة في هذه الحروف لمقاربتها لها، ولم يدغم سواها من اللامات فيها كلها؛ لكثرة استعمالهم لام التعريف في الكلام؛ ولشدة ملازمتها الكلمة حتى صارت مع الكلمة كبعض أجزائها، ألا ترى أنها لا تنفصل عن الكلمة بحالٍ، ولهذا ألزمت السكون ألبتة لتلزم الكلمة فلا تنفك عنها، ولهذا تدغم لام المعرفة في هذه الحروف، ولا تدغم فيها لام هل وبل، فإنهما منفصلتان عن الكلمة، وبعض القراء يذهب إلى إدغام لام هل وبل في هذه الحروف كلها، والأصل ما ذكرنا). [الموضح: 207]


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 06:18 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الفصل التاسع: في الإمالة
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الفصل التاسع: في الإمالة

الإمالة: أن نحو بالفتحة نحو الكسرة لتميل الألف التي بعدها نحو الياء ليتناسب الصوت بمكانها ويتجانس ولا يختلف، فهذا غرضهم من الإمالة، وأما إمالتهم الألف المنقلبة عن الياء والتي في حكم المنقلب عنها فهي أيضًا لإرادة التناسب، وذلك لأنهم اعتقدوا وجود الياء في الكلمة، فكرهوا أن يقع مكانها ما هو مخالفٌ لها فأمالوا الألف لما ذكرنا من إرادة التناسب لما في وهمهم من حصول الياء؛ وليدلوا بذلك أيضًا على أن الألف منقلبة عن الياء أو في حكم ما هو منقلب عن الياء، وسيجيئ فصل فيما أمالته القراء في القرآن عند قوله تعالى: {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} في سورة البقرة، لكنّا نذكر هاهنا في الإمالة قولًا وجيزًا إذا تدبرته عرفت وجه ما يرد عليك منها بمشيئة الله وعونه.
[الموضح: 209]
ثم اعلم أن الإمالة وإن ذكرنا أنها قصد بها تناسب الحركات والحروف فليست بواجبةٍ؛ لأن الأصل هو ترك الإمالة؛ فإن الألف لا يلزم أن مال نحو الياء؛ لأن الإمالة في الألف عدول بها عن أصلها وتصييرها إلى جهة حرف آخر، فإذن هي غير واجبةٍ لكنها جائزة.
وللإمالة أسباب تجلبها:-
(1) فمنها وقوعُ الياء أو الكسرة قبل الألف أو بعده، فما وقعتا فيه قبل الألف فنحو: شيبان وعيلان وعماد وكتاب وسربالٍ، وما وقعتا فيه بعد الألف فنحو: عالم ومسافر ومبايع.
(2) ومنها أن تكون الكلمة فعلًا على فعل، مما لامه ألف، وألفه لا يخلو إما أن يكون من الياء أو من الواو: فإن كان من الياء أميل؛ ليعلم أن الألف من الياء، وذلك نحو: رمى وسعى، وإن كان من الواو جازت إمالته أيضًا؛ لأن ألفه قد تنقلب ياءً إذا رُدّ الفعل إلى ما لم يسم فاعله نحو: غزي ودعي.
وأما إذا كانت الكلمة التي (لامها) ألف اسمًا، فلا يخلو من أن يكون على ثلاثة أحرف أو على أكثر منها، فإن كان على ثلاثة، فإما أن يكون من الواو أو من الياء، فإن كان من الواو لم يجز الإمالة فيه، وذلك نحو: عصا وقفا وقنا؛ لأن الاسم ما دام على هذه العلة لا يصير إلى الياء، ثم إن الاسم أبعدُ من الإمالة من الفعل؛ لأن الفعل لما فيه من التصرف أولى بالإمالة، فالإمالة نوعٌ من التصرف.
[الموضح: 210]
وإن كان الاسم الثلاثي الذي لامه ألفٌ من بنات الياء جازَت الإمالة فيه دلالةً على الياء نحو: رحى ونوى.
وأما ما كان من الأسماء على أربعة أحرفٍ فصاعدًا، فإن الإمالة جائزةٌ فيه إذا كان أخره ألفًا سواء كان الألف من الواو أو من الياء أو للتأنيث نحو: مرمى ومغزى ومشترى ومسترشي وحُبْلى؛ لأن ألفها تنقلب ياءاتٍ في التثنية.
والألف في الاسم الثلاثي إذا كانت ثانية وكانت من الياء فإنها تمال أيضًا نحو: ناب؛ لأجل أن ألفه من الياء، ألا ترى أن جمعه أنيابٌ.
(3) ومنها الإمالة للإمالة، وهي قولك: رأيت عمادي، فيميلون الألف المبدلة من التنوين في حال النصب؛ لإمالة ألف عماد التي بعد الميم، وهي التي أُميلت لأجل الكسرة.
وأما ما يمنع الإمالة:
(أ) فمنه: الحروف المستعلية وهي سبعة أحرف:
(ب) الصاد والضاد والطاء والظاء والغين والقاف والخاء، وقد ذكرناها قبل، فهذه الحروف تمنع الإمالة إذا وقعت قبل الألف وهي تلي الألف، أو وقعت بعد الألف سواء وليها الألف أو وقعت بعده بحرفٍ أو حرفين نحو: صابر وناصر وهابط ومنافيخ، وإنما امتنعت الإمالة مع الحروف المستعلية؛ لأن هذه الحروف صاعدة إلى الحنك الأعلى كما صعدت الألف فغلبت على الألف فمنعتها عن أن تصير إلى جهة الياء، فلا يتناسب الصوت فيها، فلحرصهم
[الموضح: 211]
على تناسب الصوت امتنعوا على إمالة الألف مع الحروف المستعلية، كما أمالوها مع الكسرات والياءات إرادة لتناسب الصوت.
فإذا كان الحرف المستعلي قبل الألف بحرفٍ وكان مكسورًا فإنه لا يمنع الإمالة نحو: ضبابٍ وقفافٍ وصفافٍ وطلاب، وإنما لم يمنع الحرف المستعلي الإمالة هاهنا؛ لأنه مكسور؛ ولأنه قبل الألف ولا يلي الألف فيقع اللسان على موضع المستعلي فيصوبه بالكسرة، ثم ينحدر بالإمالة، وهذا غير مستبعد، ولو أمال الألف في نحو: ناشط وواقد لصوب لسانه بإمالة الألف ثم صعده بالحرف المستعلي فكان في ذلك تصعد بعد تسفلٍ، وكان يثقل فهذا بعيدٌ، ألا ترى أنهم قالوا: صقت في سقت، وصويق في سويق، والصراط في السراط، فأبدلوا من السين حرفًا مستعليًا ليوافق المستعلي، ولا يقع تصعدٌ بعد تسفل، وقالوا: قست وقسوت وقسور، فلم يبدلوا من السين الصاد؛ لأن فيه التسفّل بعد التصعد، وهذا لا يستثقل، لأن الانحدار بعد التصعد غير ثقيل، فلهذا لا يستنكر وإنما المستنكر عكسه وهو التصعد بعد التسفُّل.
ثم اعلم أن الأفعال لما كان بابها التصرف جوز في بعض منها الإمالة مع وجود الحرف المستعلي فيما يلي الألف منه، وذلك نحو: طاب وخاف وصار، وإنما جوزوا الإمالة في هذه الأفعال لأجل الكسرة في: خفت وطبت وصرت، ووقوع هذه الكسرة في هذه الحالة غلب الحرف المستعلي كما
[الموضح: 212]
غلبت أعني الكسرة أيضًا كون الألف من الواو في خاف، فلهذه الكسرة صار الحرفُ المستعلي غير مؤثر؛ لأن جانب الكسرة قوي فيها حتى صار غالبًا للحرف المستعلي، كما أن الاسم الذي على أربعة أحرفٍ قوي جانب الياء فيه، حتى غلب الحرف المستعلي، فقالوا: معطى ومرخى فأمالوهما مع المستعلي.
(ب) ومما يمنع الإمالة أيضًا الراءُ إذا وقعت مفتوحة قبل الألف أو بعدها نحو: راشد ورادف ومقارب ومطارد ورأيت حمارًا، وإنما منعت الراء المفتوحة الإمالة؛ لأن الراء فيها تكرير، فالفتحة فيها تجري مجرى فتحتين، كما أن الكسرة في الراء تجلب الإمالة؛ لأن الكسرة فيها تجري مجرى كسرتين فتغلب الحرف المستعلي ف ينحو: صارم وطارد، والدليل على وجود التكرير في الراء: أنها لا تدغم في مقاربها وإن كان مقاربها يدغم فيها؛ لأن ما فيها من التكرير يزول بإدغامها في غيرها، وقد ذكرنا ذلك فيما قبل، ففتحة الراء في منع الإمالة تجري مجرى الحرف المستعلي لكونها بمنزلة فتحتين، كما أن كسرتها في جلب الإمالة بمنزلة كسرتين.
وأما قولهم: في قرارك، بالإمالة، فقد غلبت الراء المكسورة الراء المفتوحة، كما غلبت الحرف المستعلي في: قارب؛ لأن الراء المفتوحة لا تكون أقوى من الحرب المستعلي، وقد غلبته الراء المكسورة.
وينبغي أن يعلم أن الراء المفتوحة إنما تمنع الإمالة إذا وليت الألف نحو: راشد، كما أن المكسورة إنما تجلب الإمالة إذا وليتها الألف نحو: حارث.
[الموضح: 213]
وقد تُمال الفتحة قبل الهاء كما تُمال قبل الألف لشبه الهاء بالألف من جهة الخفاء ومن جهة اتفاقهما في المخرج، وذلك نحو ما قرأ به الكسائي في قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}.
وقد روي عن العرب: أخذت أخذه وضربت ضربه، وسيأتي مثله، فنتكلم عليه بمشيئة الله وعونه). [الموضح: 214]


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 06:19 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الفصل العاشر: في الوقف
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الفصل العاشر: في الوقف
اعلم أن الوقف هو: سكون يلحق آخر الكلمة استراحة عن الكلال الذي يلحق من تتابع حروفها وحركاتها.
ولهذا يكون الوقف في آخر الكلمة دون غيره.
وآخر الكلمة الموقوف عليها إذا كان اسمًا صحيحًا معربًا، لا يخلو من أن تكون حركته رفعًا أو نصبًا أو جرًا.
فالاسم المرفوع يكون في الوقف على أربعة أضرب:
أحدها: السكون نحو: هذا خالد وفرج، وعلامته: خاء فوق الحرف المسكن أرادوا به الإبانة عن أنه خفف، وربما عملوا دائرة صغيرة أرادوا بها
[الموضح: 215]
أن الحركات تدور على هذا الحرف، وإنما تدور عليه الحركات الثلاث إذا كان ساكنًا.
هذا الضرب أعني السكون هو الأصل في الوقف، وليس فيه تعرض للدلالة على الحركة.
والثاني: الإشمام: وهو أن تضم شفيتك عند إسكان الحرف وتهيئهما للفظ بالضمة لكن لست تتبعه صوتًا، وإنما يدركه البصير دون الأعمى؛ لأنه يتعلق بالبصر إذ هو صورة مرئية وليس بصوتٍ، فلا يكون للأعمى فيه حظ.
وعلامة الإشمام في الخط نقطة، يريدون أنها تهيؤ للحركة، فهو أول أحوال التلفظ بالحركة، كما أن النقطة أول الخط.
والثالث: الروم: هو أن تتبع الحرف بعد إسكانه صوتًا ضعيفًا يسمع، فهو كحركة ضعيفة من غير إشباع، وفيه حظ للأعمى؛ لأنه مدرك بحاسة السمع. وعلامة الروم في الكتابة خط بين يدي الحرف-، وأرادوا بهذا الخط المدة؛ لأن الروم صوت فهو أزيد من التهيؤ للصوت، فلذلك زادوا على النقطة حتى جعلوها خطًا.
هذا مذهب سيبويه في الإشمام والروم.
وذهب الكوفيون ومن تابعهم إلى أن الإشمام هو الصوت، وهو الذي يُسمع؛ لأنه عندهم بعض حركة، والروم هو الذي لا يسمع، لأنه روم الحركة من غير تفوه به.
والأول هو المشهور عند أهل العربية.
وإنما أرادت العرب بالإشمام والروم الدلالة على الحركة الموجودة
[الموضح: 216]
(التي) كانت قبل الوقف، فإن التمييز بين الوصل والوقف يحصل بالسكون.
والرابع: التضعيف، وهو أن تشدد آخر الكلمة فتقف عليه بالتشديد نحو: هذا فرج.
وهذا القسم أبلغ في البيان من الذي تقدم؛ لأنه قد زيد فيه حرفٌ من اللذين أدغم أحدهم في الآخر، والحرف أزيد لفظًا من تهيؤ اللفظ بالحركة ومن طلب النطق بالصوت المسموع، فلذلك صار أشد إبانة عن وجود الحركة من الإشمام والروم، إلا أنه ليس بإشارة إلى الحركة، بل هو تعويضٌ عنها، فكأنهم جعلوا أحد الحرفين في المشدد عوضًا عما زال من الحركة بالوقف.
وهذا التضعيف في الموقوف عليه إنما يكون فيما قبل آخره متحركًا من الأسماء نحو: فرج وخالدٌ، فأما الذي يكون ما قبل آخره ساكنًا فلا يقع فيه التضعيف حالة الوقف؛ لأنه لو وقع لاجتمع في الكلمة ثلاث سواكن، وهذا مما لا يقع في كلامهم. وعلامة التضعيف شين فوق الحرف ش- أرادوا به أنه مشدّد.
وأما المجرور فهو مثل المرفوع في الوقف، إلا أن الإشمام لا يكون فيه؛ لأن الإشمام تهيؤ اللفظ بالضمة وضم الشفتين استعدادًا لإخراج ما كان من جنس الواو، وهذا لا يمكن مع الإشارة إلى الكسرة، لكن الروم يقع في
[الموضح: 217]
المجرور؛ لأنه صوت فيمكن إخراجه مع الإشارة إلى الكسرة، ومن جعل الإشمام هو الذي يسمع، والروم هو طلب الحركة من غير نطقٍ، فإنه يجوز في المجرور الإشمام ويمنع الروم، على العكس مما ذكرناه.
وأما المنصوب فإن كان منصرفًا ولا لام فيه للتعريف، فإنه يبدل من التنوين فيه الألف نحو: ركبت فرسًا ورأيت فرجًا، وإن لم يكن منصرفًا أو كان فيه لام التعريف فإنه يوقف عليه بالسكون نحو: رأيت زينب وركبت الفرس.
وليس في المنصوب إشمام ولا روم، وإنما لم يدخلا فيه؛ لأن حالة النصب يقع فيها في الأغلب ألف في بدل عن التنوين، وذلك إذا كان الاسم منونًا فيظهر مع الألف الحركة التي هي الفتحة، ولا تزول في حال الوقف.
وبعض الناس يجيز الروم في المنصوب إذا كان غير منون.
وإن كان الموقوف عليه ما قبل آخره ساكنٌ، فإنهم يجوزون فيه حالة الوقف نقل حركة الإعراب إلى الساكن الذي قبل آخره في الرفع والجر دون النصب، فيقولون: هذا بكر ومررت ببكر، والأصل: بكر وبكرٍ، فنقلت حركة الراء إلى الكاف، وأما في النصب فلا ينقلونها؛ لأن الحركة غير زائلة حالة النصب في الاسم المنون.
وإن كان آخر الاسم تاء التأنيث، وكان الاسم موحدًا، أبدل من التاء في حال الوقف هاءً في الرفع والنصب والجر، تقول: هذه رحمة ونعمة و"جاعل في الأرض خليفة" وإنما أبدل فرقًا بين تاء الأصل وتاء التأنيث على ما ذكره سيبويه.
[الموضح: 218]
وخُص الهاء بالإبدال عن التاء؛ لأن كل واحد منهما من حروف الزيادة، وكل واحد منهما قد يلحقه التغيير والحذف، ألا ترى أن التاء قد يأتي عليها القلب في نحو: مصطبر ومضطغن ومدّكر، ويأتي عليه الحذف أيضًا في نحو: السه، والأصل: الستة، وكذلك الهاء قد يأتي عليه القلبُ في نحو: أهل تقلب الهاء منه همزة ثم تقلب الهمزة ألفًا فقول: آل، ويأتي عليه الحذف أيضًا في نحو: شفةٍ وسنةٍ، والأصل: شفهة وسنهة بدليل: الشفاه وسنة سنهاء، فلما اشترك التاء والهاء في الزيادة والقلب والحذف أبدل الهاء من التاء في حال الوقف.
وعند الكوفيين أن الهاء هو الأصل ثبت في الوقف هاء وأُبدل منه في الوصل التاء، وهذا فاسدٌ؛ لأن الوصل مما تجري فيه الأشياء على أصولها، والوقف موضع تغيير، فادّعاء الشيء أنه أصل في حال الوقف ومغير في حال الوصل خلاف القياس، على أن من العرب من يجري الوقف مجرى الوصل، فتقول: هذا طلحت وعليه السلام والرحمت، قال الشاعر:
2- دار لسلمى بعد حولٍ قد عفت = بل جوز تيهاء كظهر الحجفت
وقال آخر:
[الموضح: 219]
3- الله نجاك بكفي مسلمت = من بعد ما وبعد ما وبعد مت
وإن كان التاء في الجمع المؤنث نحو: مسلماتٍ وصلواتٍ لم تبدل منه في الوقف شيئًا بأن تثبته تاءً فيه، وإنما لم تبدل من التاء في الجمع الهاء لئلا يلتبس الجمع بالواحد في: بناتٍ وحصاةٍ، وأيضًا فإن الهاء حرف هوائي قريبٌ من الألف فيثقل وقوعها بعد الألف، ألا ترى أنك تقلب الهاء همزة في نحو: شاءٍ وماءٍ، لما وقعت بعد الألف، فلهذا لم تقلب التاء هاءً في الجمع حالة الوقف.
فهذه أحكام الوقف في الأسماء الصحيحة.
فأما الوقف على ما كان آخره الهمزة أو حرف العلة، فسنبين أحكامه إذا ورد في أُناء الكتاب بمشيئة الله تعالى وعونه). [الموضح: 220]


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 06:20 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

فصل في الإمالة
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (فصل في الإمالة
وأما ما كان نحو {الهدى} و{العَمى} و{اسْتَوى} و{أعْطى} و{أَكْدى} و{يَحْيى} و{مُوسى} و{عِيسى} و{الأنْثى} و{اليُسرى} و{رأى} و{نَأى}، فإن ابن كثير فتح جميع ذلك ولم يمله، وكذلك كل ما جازت الإمالة فيه، فإنه ترك فيه الإمالة.
[الموضح: 249]
وإنما فعل ذلك؛ لأن الأصل أن لا يمال شيء، إذ الإمالة تقريب الألف من الياء، والأصل في الألف أن لا يقرب إلى الياء، وكثير من العرب لا يميلون شيئًا من ذلك في الكلام؛ لأنهم كرهوا أن يعودوا إلى الياء، وقد فروا عنها حتى قلبوها ألفًا؛ إذ الإمالة إنما تقع من هذا الضرب فيما كان منقلبًا عن الياء أو في حكم ذلك.
وقد وافق ابن كثير عاصم ص- في جميع القرآن إلا في قوله: {مَجْريها} فإنه أمال الألف فيه مع فتح الميم؛ لأنه مع اتباع الأثر استحب الإعلام بحسن إمالة ما آخره ألف منقلبة عن ياء، وإن كان قبل الألف راء مفتوحة؛ لأنه اجتمع ههنا شيئان كلاهما يحسن الإمالة:-
أحدهما كون الألف منقلبة عن الياء، والثاني كون الكلمة على أكثر من ثلاثة أحرف، وفتحة الراء لا تتقوى على منع الإمالة مع اجتماع السببين الجالبين لها.
وإنما قلنا: إن فتحة الراء مانعة عن الإمالة؛ لأن الراء حرف فيه تكرير، فإذا كانت مكسورة أوجبت الإمالة؛ لأن الكسرة فيها بمنزلة كسرتين، وإذا كانت مفتوحة أو مضمومة منعت الإمالة؛ لأن الفتحة والضمة فيها بمنزلة فتحتين وضمتين لتكررها، والفتحة والضمة تمنعان الإمالة، فإذا تكررتا كانتا أولى بذلك.
[الموضح: 250]
وأما حمزة والكسائي فإنهما قرءا جميع ما ذكرناه بالإمالة، لتدل الإمالة على أن أصل هذه الحروف الياء أو بمنزلة ما أصله الياء، فإن ما كان من ذلك من ذوات الياء فإنه يمال لأجل الياء، وما لم تكن من ذوات الياء فإنه يمال؛ لأنه في حكم المنقلب عن الياء؛ لأنك تقول في: أعطى أعطيت، وفي: استوى استويت، وفي عيسى ويحيى عيسيان ويحييان، وفي الأنثى واليسرى: أنثيان ويسريان.
وأما ما كان من الواو وليس من الياء في شيء فإنهما لا يميلانه، إلا إذا كان رأس آية فإن الكسائي يميله، وإنما لا يميلان ما كان من الواو ولم يكن رأس آية؛ لأن الإمالة إنما تقع ليدل على الياء، فإذا كانت الكلمة من الواو وليست من الياء في شيء، وجب أن لا تمال إذا الإمالة قد تترك فيما كان من الياء فلأن تترك فيما كان من الواو أولى.
وإنما أماله الكسائي إذا كان رأس آيةٍ، وإن كان من الواو؛ لأن الألف المنقلبة عن الواو قد تمال في نحو: غزا ودعا؛ لأنها قد تنقلب في بعض الأحوال ياء، وذلك نحو: غزي ودعي.
ورؤوس الآي مواضع وقوف، فهي مواضع تغيير، فلهذا أمال الكسائي
[الموضح: 251]
ما كان من الواو إذا كان راس آية.
وأما نافع فإنه يجعل ذلك كله بين الفتح والإمالة، وهو إلى الفتح أقرب؛ لأنه كره أن يشبع الإمالة فيصير كالعائد إلى الياء التي هربوا منها، حتى أبدلوا منها الألف، وهكذا عادة نافع في كل ما حسنت الإمالة فيه.
وأما أبو عمرو فإنه يقرأ من ذلك ما كان رأس آية بين الفتح والكسر مثل آيات سورة طه والنجم وعبس والشمس والليل والضحى، وما لم يكن رأس آية بالفتح نحو {بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ} وأمثاله.
وإذا كان الاسم مؤنثًا على وزن فعلى أو فعلى أو فعلى، نحو {شتى} و{أُنْثَى} و{ذِكْرى} فيجعله بين الفتح والكسر، وإلى الفتح أقرب، ولا يميل مفعلاً كـ {مثنى}، ويقرأ مثل {مُوسى} و{يا حسرتي} و{بلى} متوسطة، ويكسر مثل {التوراة} و{النصارى} و{أرى} و{ترى}، وما تقدمه راء، ويميل {أعمى} الأول في بني إسرائيل.
[الموضح: 252]
وكذلك يفعل يعقوب في هذا، ولا يميل غيره في القرآن.
أما اختصاص أبي عمرو لرؤوس الآي فلما ذكرناه قبل من أنها فواصل، وهي تجري مجرى القوافي في أنها مواضع وقوف، فهي مواضع التغيير للفصل، فكما يفصلون بين الوقف والوصل بالإمالة في نحو قولهم: يريد أن يضربها، فيميلون إذا وقفوا، ويفتحون إذا وصلوا، كذلك فصل أبو عمرو بين رؤوس الآي التي هي مواضع الوقف وبين غيرها بأن قرب هذه الياءات شيئًا إلى الألفات.
وأما إمالته لما كان في آخره ألف التأنيث فمن أجل أن ألفاتها تبدل منها الياء، ولا تبدل منها الواو، كقولك: أنثيان وأنثيات وذكريان وذكريات، وجعلها إلى الفتح أقرب؛ محافظة على الألف؛ لأنها بمنزلة المنقلبة عن الياء وليست منقلبة عن الياء.
وأما إمالته لما كان قبل ألفه راء مفتوحة؛ فللإيذان بأن الراء المفتوحة وإن كانت مانعة من الإمالة في المعهود، فههنا لا تمنع؛ لأن الألفات في ذلالك منقلبة عن الياءات، أو في حكم ذلك، وهذا سبب قوي في استدعاء الإمالة، فلا تغلبه الراء المفتوحة على منع الإمالة، بل يغلبها هذا السبب على جلبها؛ لأن الراء المفتوحة لا تكون أقوى في منع الإمالة من الحرف المستعلي، وقد تغلبه الألف المنقلبة عن الياء كطغي ويطغى ويرقى.
[الموضح: 253]
وأما قراءته لـ {مُوسى} و{يا حَسْرَتى} بالإمالة المتوسطة؛ فلأن {مُوسى} وإن كان اسمًا أعجميًا فإن ألفه تجري مجرى ما أصله الياء ألبتة؛ لأنه على عدة ما لو كان منه فعل لظهر فيه الياء، وتنقلب ألفه ياءً في التثنية، و{يا حَسْرَتا} أصل ألفه الياء؛ لأن أصله: حسرتي بالإضافة إلى ياء الضمير، فأبدلت الكسرة فتحة، فانقلب الياء ألفًا، فقرأ أبو عمرو بالتوسط؛ لأنه أراد رعاية جانب الإمالة لأجل الياء، وأراد المحافظة على الألف فاختار التوسط على سواء.
وأما {أَعْمى} الأول في بني إسرائيل؛ فإنما أمالها للعلة التي ذكرناها، وإنما لم يمل الثاني؛ لأنه أراد به التفضيل، بدلالة قوله: {وَأَضَلُّ سَبِيلًا} فإذن لا تتم الكلمة دون: منه؛ لأن التقدير فيها: فهو في الآخرة أعمى منه في الدنيا، فلا تكون الألف حينئذ آخرًا، والإمالة في مثل هذا إنما تحسن في الأواخر.
وما فتحه أبو عمرو ولم يمله فإنه فتحه تمسكًا بالأصل، وقد ذكرنا أن ترك الإمالة أصل.
أما إذا لقي الألفات التي تقدمها الراء ساكن نحو قوله تعالى: {حَتَّى نَرَى الله جَهْرَةً} و{يَرَى الَّذِينَ} فإن أبا عمرو يفتح جميع ذلك، وكذلك غيره من القراء، في ذلك وفي جميع ما جازت فيه الإمالة،
[الموضح: 254]
إذا لقيه ساكن؛ لأن الإمالة في ذلك إنما هي إمالة الألف نحو الياء، فلما سقطت الألف لالتقاء الساكنين زالت الإمالة بزوال محلها؛ لأن الإمالة محلها الألف، ومن العرب من يميل الفتحة التي قبل الألف مع سقوط الألف؛ لأن الألف وإن كانت قد سقطت فإنها في حكم الوجود؛ لأن سقوطها إنما هو لالتقاء الساكنين، فهو عارض غير لازم، هذا مذهب بعض من العرب، لكن القراءة سنة متبعة.
وكان حمزة يميل مثل {أَعْطَى} {وأَحْيى} ويترك إمالة {أحياكم} إلا إذا كان قبل الفعل واو، كأنه لما كان الإمالة وتركها جائزين عنده، قرأ بعضًا بالإمالة وبعضًا بتركها، ليكون قد أخذ بالوجهين.
وقد توافق هو والكسائي على إمالة كل ما كان على أفعل اسمًا كان أم فعلاً من الياء كان الألف أم من الواو نحو {أَدْنى} و{أَزْكى} و{أَعْلى}؛ لأن دخول الألف في مثل هذه الصيغ قد صير الكلمة وإن لم تكن من الياء في حكم المنقلب عن الياء؛ لأنك تقول: أزكيت وأعليت والأعليان والأزكيان.
وأما ابن عامرٍ، فإنه لا يميل شيئًا من القرآن إلا {التَوْراة}،
[الموضح: 255]
و {المِحْراب} في موضع الخفض، و{الر} و{المر} والحواميم.
أما «التَوْرية» فلأنها إما أن تكون تفعلة من وري الزند، أو فوعلة منها وأصلها وورية.
فإن كانت تفعلة، فأصلها تورية، فأبدلت من كسرة الراء فتحة، فانقلبت الياء ألفًا فقيل: تورية، كما قالوا في ناصيةٍ: ناصاة، فالراء وإن كانت مفتوحة الآن فإنها في نية الكسر؛ لأن الأصل فيها الكسر، والراء المكسورة تقوي جانب الإمالة وتغلبة، فأمال ابن عامر هذه الكلمة نظرًا إلى الأصل من الكسرة في الراء؛ ولأن الألف فيه منقلبة عن الياء، وهذا أيضًا مقتض للإمالة، فلهذين السببين اختار إمالة هذه الكلمة.
وإن كانت التورية فوعلة، فأصلها: وورية فانقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فالألف منقلبة عن الياء على ما ترى، فعلى هذا يكون السبب الجالب للإمالة واحدًا، لكنه سبب قوي يغلب فتحة الراء في جلب الإمالة.
[الموضح: 256]
ويجوز أن تكون التورية اسمًا أعجميًا، فتكون ألفه حينئذٍ بمنزلة المنقلب؛ لأنها رابعة، فيحسن أيضًا فيها الإمالة.
وإنما أمالها ابن عامر ولم يمل غيرها؛ ليكون آخذًا بالوجهين.
وأما «المحراب» في حال الخفض، فإنما أمالها لكسرة الإعراب، ولا تمنع إمالتها فتحة الراء؛ لأنها ليست كالحرف المستعلي في منع الإمالة، ثم إن الألف في هذه الكلمة قد تنقلب ياءً في الجمع والتصغير، كقولك: محاريب ومحيريب، فأجراها مجرى ما أصله الياء، ثم إنه إذا كانت الإمالة تحسن لكسرة الإعراب فيما أصله من الواو ولا شبه فيه من الياء نحو: باب ومالٍ وناسٍ، فلأن تحسن فيما ليس أصله من الواو وفيه شبه من الياء أولى.
وأما {الر} والحواميم، فإن الإمالة في حروف التهجي كالمصطلح عليها، وذلك كالباء والحاء والخاء والراء والطاء والفاء، ألا ترى أن الإمالة فيها لا يمنعها الحرف المستعلي الموجود في بعضها، والألفات فيها تجري مجرى المنقلب عن الياء بدلالة قوله بييت باءً، فلهذا أمالها ابن عامر مع ترك إمالة غيرها.
وأما إمالة {الكافرين}: فقد قرأ بها أبو عمرو و-ري- عن الكسائي ويس- عن يعقوب في موضع النصب والخفض في كل القرآن إذا كان جمعًا، وتركوا إمالته إذا كان واحدًا أو جمعًا مرفوعًا مثل قوله تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}.
[الموضح: 257]
وإنما اختصوه بالإمالة إذا كان جمعًا مجرورًا أو منصوبًا؛ لأن كسرة الراء تلزم حينئذ بعد كسرة الفاء فيتقوى سبب الإمالة؛ لكون الكسرة التي في الراء بمنزلة الكسرتين لما في الراء من التكرير، وكأن الكسرات تجتمع ههنا فتقوى الإمالة بمكانها.
وإنما لم يميلوا الواحد المجرور نحو {أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} كما أمالوا الجمع المنصوب أو المجرور نحو {كافرين}؛ لأن كسرة الإعراب التي في «كافرٍ» لا تلزم لزوم كسرة راء {كافِرِين}.
وأما الجمع المرفوع والواحد المرفوع فلا سبب للإمالة فيهما، بل فيهما مانع عنها؛ لأن الضمة في الراء والفتحة فيها تمنعان عن الإمالة لما ذكرناه من التكرير الذي في الراء.
وفتح هذه الكلمة الباقون، و-ث- عن الكسائي، و-ح- عن يعقوب إلا في النمل {مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} بالإمالة.
وإنما فتحوها ولم يميلوها؛ لأن الفتح أصل على ما قدمنا، فاختار هؤلاء التمسك بالأصل.
[الموضح: 258]
وأما نافع فإنه يشمها الإمالة في موضع الخفض والنصب قليلاً؛ لأن الإمالة عدول عن الأصل وتقريب حرف هو الأصل في الصيغة إلى حرف آخر ليس بالأصل لسبب، فأراد المحافظة على الأصل، ولم يرد أيضًا إلغاء السبب مع قوته، فاختار الإشمام.
وأما إمالة الألف التي تليها الراء المكسورة نحو {أبْصَارِهِم} و{النّار} و{القَرار} ونحوها، فإن أبا عمروٍ والكسائي ري- يميلانها إذا كانت الراء المكسورة بعدها في موضع اللام من الفعل، والكلمة في موضع خفض سواء كانت قبلها راء كالقرار أم لم تكن، لكن أبا عمرو قد خالف في {الْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ} فلم يملهما، والكسائي خالف في {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} وهي في موضع نصب فأمالها.
وإنما اختار الإمالة في جميع ذلك لمكان الراء المكسورة بعد الألف، وقد قدمنا أن الكسر فيها تنزل منزلة كسرتين فيتجانس الصوت بتكرر الكسر فتزداد الإمالة حسنًا، يدل عليه أن هذه الراء المكسورة تغلب الحرف المستعلي المانع عن الإمالة في نحو قارب وطارد، فيجوز الإمالة مع المستعلي بمكانها.
وأما ترك أبي عمرو الإمالة في {الجَار} و{الجَارِ} فلإرادةِ الأخذ باللغتين.
وأما إمالة الكسائي «جبارين» وهي نصب؛ فلأن الياء في الجمع
[الموضح: 259]
الصحيح أصل في الجر، وإنما حمل النصب عليه، فالياء علم للجر، وحال النصب دخيل فيه؛ لأنه محمول عليه كما حمل الجر على النصب فيما لا ينصرف نحو إبراهيم، فنظر الكسائي إلى الياء وكونها علمًا للجر إذ هي أصل، ولم يلتفت إلى انتصاب الاسم معه.
وأما إذا كانت الراء المكسورة عين الفعل فإنهما لا يميلان الألف قبلها نحو {بخَارِجِينَ} و{بِطَارِدِ} و{الطارِق}.
وخالفه الكسائي في أحرفٍ يأتي ذكرها إن شاء الله.
والقول في ذلك أن الإمالة في هذا الموضع حسنة قوية، وهي أقوى مما اللام فيه مكسورة للجر؛ لأن هذه الكسرة التي في العين لازمة غير منتقلةٍ، وتلك التي في اللام منتقلة في حالي الرفع والنصب، فالإمالة في مقل هذه أحسن، إلا أنه لا تثريب على من تمسك بالأصل وترك الإمالة وإن كانت حسنة؛ لأنه ليس إذا حسنت الإمالة قبح الأصل، ثم إنه لابد من اتباع الأثر فيه.
وحمزة لا يميل شيئًا من ذلك، إلا ما تكررت فيه الراء فقط نحو: {الأبْرَار} و{الأشْرار}، وكذلك يروي ث- عن الكسائي، وزاد هو {هِار} فأمالها.
وعلة ذلك أن الراء المكسورة غالبة للراء المفتوحة في جلب الإمالة واقتضائها؛ لأنها إذا غلبت المستعلي في نحو: قارب وطارد، فيجوز معها الإمالة فلأن تغلب الراء المفتوحة التي ليست كالمستعلي في منع الإمالة أولى.
[الموضح: 260]
ونافع يجعل جميع ذلك بين الفتح والكسر، وهو إلى الفتح أقرب، وهكذا عادته في الإمالة، وق تقدم ذكر هذا النحو.
وابن كثير وابن عامر وعاصم ويعقوب يقرءون جميع ذلك بالفتح على الأصل، إلا «هار» فإن عاصمًا في رواية ياش- يميلها، وقد سبق القول في مثله). [الموضح: 261]


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 06:21 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

[فصل] في الاستفهامين إذا اجتمعا
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : ( [فصل] في الاستفهامين إذا اجتمعا
نحو قوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ... إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ}، {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا}، {أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا}، {أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ أَإِذَا} وما أشبهها.
[الموضح: 536]
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة بالاستفهامين، إلا في سورة العنكبوت {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ}فإن ابن كثير وعاصمًا -ص- يجعلانه خبرًا، و-ص- زاد في الأعراف {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ} فجعلها خبرًا.
والوجه أن كل واحد من الاستفهامين كلام مستقل لا حاجة لأحير الكلامين إلى الآخر، فمن ألحق حرف الاستفهام جعل الكلام استخبارًا، ومن لم يلحقها جعله خبرًا.
ويجوز أن يكون على معنى الإخبار وإن كان على لفظ الاستفهام، وذلك في قوله تعالي {أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ} يجعل تفسيرًا للفاحشة، كما أن قوله تعالى {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} تفسيرًا للوصية.
وأما قوله تعالى {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا}، فليس مثل ما قدمناه؛ لأن الاستفهامين هناك قد استقلا وليس كذلك ههنا، فإن {إِذَا} من قوله {أَإِذَا كُنَّا} ظرف من الزمان يقتضي أن يكون متعلقًا بشيء، وليس في الكلام ما يصح أن يتعلق به، فهو إذًا يتعلق بمحذوف، والتقدير: أنبعث أو ونحشر إذا
[الموضح: 537]
كنا ترابًا، فحذف الفعل من اللفظ؛ لأن قوله {إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} يدل عليه، وكذلك قوله {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} قوله {إِذَا} متعلق بفعل مضمر يدل عليه قوله {إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي أيجدد خلقنا إذا كنا ترابًا، وقوله {إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} يدل عليه، ولا يعمل فيه {جَدِيدٍ}؛ لأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها.
وأما قوله {أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَإِذَا} بالاستفهام في إذا، فلا بد من إضمار فعل يتعلق بإذا، وهو ما يدل عليه {مَرْدُودُونَ}، كأنه قال: أنرد في الحافرة إذا كنا. ومن حذف الاستفهام من إذا فقرأ {لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ إِذَا} بغير استفهام، فإذا يتعلق بمردودون عنده.
ووجه الذي في العنكبوت كوجه الذي في الأعراف، فمن جمع بين الاستفهامين؛ فلإن كل واحدة من الجملتين مستقلة بنفسها، ومن اقتصر من الاستفهامين على واحد؛ فلأنه نقل إحدى الجملتين من الخبر إلى الاستخبار، وأبقى الأخرى على أصلها.
ونافع والكسائي ويعقوب يستفهمون بالأولى منهما في جميع القرآن، ويجعلون الثانية خبرًا إلا في ثلاثة مواضع:
أحدها: في الأعراف {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ}، (فنافع)بكسر الألف جعله خبرًا، والكسائي ويعقوب يستفهمان بهما.
والثاني: في النمل {إِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَإِنَّا} فنافع يستفهم بالثانية ويجعل الأولى خبرًا، وقرأ الكسائي على استفهام الأولى وجعل الثانية خبرًا وبإثبات النونين، واستفهم يعقوب بهما.
والثالث: في العنكبوت، فنافع ويعقوب يستفهمان بالثانية ويجعلان الأولى {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ} خبرًا، واستفهم الكسائي بهما جميعًا.
[الموضح: 538]
وأما ابن عامر فإنه كان يستفهم بالثانية ويجعل الأولى خبرًا، إلا في أربعة مواضع: أحدها: في الأعراف {أَئِنّكم}، وفي الواقعة {أَئِذا} استفهم بهما جميعًا، وفي النمل والنازعات استفهم بالأولى فيهما وجعل الثانية خبرًا.
والوجه قد تقدم، إلا أن الكلام الأول إذا دخل عليه الاستفهام وأظهر حرفه فيه وحذف من الثاني وأريد معناه كان أحسن؛ لأنه يدل على الاستفهام بالكلام الأول، ومن استفهم بالثاني وترك الأول على الخبر، أن الدليل المذكور بعد كالدليل المذكور قبل، فإذا ذكر الاستفهام بعد كان دالاً على إرادته فيما قبل، ألا ترى أن قوله تعالى {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ}، تقديره: ولا تحسبن بخل الذين يبخلون خيرا لهم، فأضمر البخل لدلالة ما بعده، وهو قوله {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} عليه.
ثم اختلفوا في الهمز فيها:
فابن عامر والكوفيون ويعقوب -ح- يهمزون ذلك كله بهمزتين.
والوجه أنه على الأصل من تحقيق الهمز؛ لأن الأصل في الهمزة أن تكون محققة ولا تكون مخففة، وقد اجتمعت همزتان، فاختار هؤلاء تحققهما على الأصل.
وكان ابن كثير ونافع -ش- ويعقوب -يس- يهمزون الجميع بهمزة واحدة مقصورة ويلينون الثانية.
والوجه أنه لما اجتمعت الهمزتان خففت الثانية منهما، وتخفيفها أن تجعل بين بين، أعني بين الهمزة والياء ههنا، وإنما هذا التخفيف لاستثقال اجتماع الهمزتين.
[الموضح: 539]
وعن ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي أيضا أنهم قرءوا بتحقيق الهمزتين وإدخال ألف بينهما.
والوجه أن ذلك لكراهة اجتماع الهمزتين أيضًا، أدخلوا بينهما ألفًا ليفصلوا بينهما به، فلا تجتمع الهمزتان.
وكان -ن و-يل- عن نافع وأبو عمرو يدخلون بين الهمزتين ألفًا مع تخفيف الثانية منهما.
والوجه أنه لما أدخل بين الهمزتين ألف كراهة اجتماع الهمزتين خففت الثانية كما خففت إذا لم يفصل بينهما بالألف؛ لأن الهمزة المخففة في حكم المحققة، فشأنها في حال التخفيف كشأنها في حال التحقيق، فكما فصل بالألف مع التحقيق، فكذلك فصل مع التخفيف، وقد سبق مثله). [الموضح: 540]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:31 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة