العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:48 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة التوبة [ من الآية (101) إلى الآية (106) ]

تفسير سورة التوبة
[ من الآية (101) إلى الآية (106) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) }



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:53 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وممن حولكم من الأعراب منافقون إلى قوله تعالى لا تعلمهم نحن نعلمهم قال فما بال أقوام يتكلفون علم الناس قال فلان في الجنة وفلان في النار فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال لا أدري لعمري لأنت بنفسك أعلم منك بأعمال الناس و لقد تكلفت شيئا ما تكلفته الأنبياء قبلك قال نبي الله نوح وما علمي بما كانوا يعملون وقال نبي الله شعيب بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ وقال لنبيه لا نعلمهم نحن نعلمهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/285]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى سنعذبهم مرتين قال القتل و السباء.
قال معمر وقال الحسن عذاب الدنيا وعذاب القبر). [تفسير عبد الرزاق: 1/286]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (101) : قوله تعالى: {وممّن حولكم من الأعراب منافقون} إلى قوله تعالى: {سنعذّبهم مرّتين ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيمٍ] }
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عتّاب بن بشيرٍ، عن خصيف، عن مجاهدٍ - في قوله: {سنعذّبهم مرّتين} - قال: عذّبوا بالجوع مرتين). [سنن سعيد بن منصور: 5/273]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذّبهم مّرّتين ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيمٍ}.
يقول تعالى ذكره: ومن القوم الّذين حول مدينتكم من الأعراب منافقون، ومن أهل مدينتكم أيضًا أمثالهم أقوامٌ منافقون.
وقوله: {مردوا على النّفاق} يقول: مرنوا عليه ودربوا به، ومنه شيطانٌ ماردٌ ومريدٌ: وهو الخبيث العاتي، ومنه قيل: تمرّد فلانٌ على ربّه: أي عتا ومرد على معصيته واعتادها.
وقال ابن زيدٍ في ذلك، ما:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق} قال: أقاموا عليه لم يتوبوا كما تاب الآخرون.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، {ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق} أي لجّوا فيه وأبوا غيره.
{لا تعلمهم} يقول لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تعلم يا محمّد أنت هؤلاء المنافقين الّذين وصفت لك صفتهم ممّن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة، ولكنّا نحن نعلمهم كما:
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وممّن حولكم من الأعراب منافقون} إلى قوله: {نحن نعلمهم} قال: فما بال أقوامٍ يتكلّفون علم النّاس، فلانٌ في الجنّة وفلانٌ في النّار، فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال لا أدري لعمري أنت بنفسك أعلم منك بأعمال النّاس، ولقد تكلّفت شيئًا ما تكلّفته الأنبياء قبلكم قال نبيّ اللّه نوحٌ عليه السّلام: {وما علمي بما كانوا يعملون}، وقال نبيّ اللّه شعيبٌ عليه السّلام: {بقيّة اللّه خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظٍ}، وقال اللّه لنبيّه عليه الصّلاة والسّلام: {لا تعلمهم نحن نعلمهم}.
وقوله: {سنعذّبهم مرّتين} يقول: سنعذّب هؤلاء المنافقين مرّتين: إحداهما في الدّنيا، والأخرى في القبر.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في الّتي في الدّنيا ما هي؛ فقال بعضهم: هي فضيحتهم فضحهم اللّه بكشف أمورهم وتبيين سرائرهم للنّاس على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسين بن عمرٍو العنقزيّ، قال: حدّثنا أبي قال، حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه: {وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق}.. إلى قوله: {عذابٍ عظيمٍ} قال: قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطيبًا يوم الجمعة، فقال اخرج يا فلان فإنّك منافقٌ اخرج يا فلان فإنّك منافقٌ فأخرج من المسجد ناسًا منهم فضحهم.
فلقيهم عمر وهم يخرجون من المسجد، فاختبأ منهم حياءً أنّه لم يشهد الجمعة، وظنّ أنّ النّاس قد انصرفوا واختبئوا هم من عمر، ظنّوا أنّه قد علم بأمرهم. فجاء عمر فدخل المسجد، فإذا النّاس لم يصلّوا، فقال له رجلٌ من المسلمين: أبشر يا عمر، فقد فضح اللّه المنافقين اليوم فهذا العذاب الأوّل حين أخرجهم من المسجد، والعذاب الثّاني: عذاب القبر.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، {سنعذّبهم مرّتين} قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب، فيذكر المنافقين فيعذّبهم بلسانه، قال: وعذاب القبر.
وقال آخرون: هي ما يصيب الإنسان من الخوف والجوع القتل والسّباء وغير ذلك، وعذاب القبر.
ذكر من قال ذلك.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {سنعذّبهم مرّتين} قال: القتل والسّباء.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {سنعذّبهم مرّتين} بالجوع، وعذاب القبر. قال: {ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيمٍ} يوم القيامة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا جعفر بن عونٍ، والقاسم، ويحيى بن آدم، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {سنعذّبهم مرّتين} قال: بالجوع والقتل وقال يحيى: بالخوف والقتل.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: بالجوع والقتل.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن سفيان، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، {سنعذّبهم مرّتين} قال: بالجوع، وعذاب القبر.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {سنعذّبهم مرّتين} قال: بالجوع والقتل.
وقال آخرون: معنى ذلك: سنعذّبهم عذابًا في الدّنيا، وعذابًا في الآخرة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {سنعذّبهم مرّتين} عذاب الدّنيا، وعذاب القبر {ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيمٍ} ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أسرّ إلى حذيفة باثني عشر رجلاً من المنافقين، فقال: ستّةٌ منهم تكفيكهم الدّبيلة، سراجٌ من نار جهنّم يأخذ في كتف أحدهم حتّى يفضي إلى صدره، وستّةٌ يموتون موتًا ذكر لنا أنّ عمر بن الخطّاب رحمه اللّه كان إذا مات رجلٌ يرى أنّه منهم نظر إلى حذيفة، فإن صلّى عليه وإلاّ تركه. وذكر لنا أنّ عمر قال لحذيفة: أنشدك اللّه أمنهم أنا؟ قال: لا واللّه، ولا أؤمّن منها أحدًا بعدك.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن، {سنعذّبهم مرّتين} قال: عذاب الدّنيا وعذاب القبر.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، ومحمّد بن العلاء، قالا: حدّثنا بدل بن المحبّر، قال: حدّثنا شعبة، عن قتادة، {سنعذّبهم مرّتين} قال: عذابًا في الدّنيا، وعذابًا في القبر.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: عذاب الدّنيا وعذاب القبر؛ ثمّ يردّون إلى عذاب النّار.
وقال آخرون: كان عذابهم إحدى المرّتين مصائبهم في أموالهم وأولادهم، والمرّة الأخرى في جهنّم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {سنعذّبهم مرّتين} قال: أما عذابًا في الدّنيا: فالأموال والأولاد، وقرأ قول اللّه: {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنّما يريد اللّه ليعذّبهم بها في الحياة الدّنيا} بالمصائب فيهم، هي لهم عذابٌ وهي للمؤمنين أجرٌ. قال: وعذابًا في الآخرة في النّار. {ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيمٍ} قال: النّار وقال آخرون: بل إحدى المرّتين: الحدود، والأخرى: عذاب القبر. ذكر ذلك عن ابن عبّاسٍ من وجهٍ غير مرضيٍّ.
وقال آخرون: بل إحدى المرّتين: أخذ الزّكاة من أموالهم، والأخرى: عذاب القبر. ذكر ذلك عن سليمان بن أرقم، عن الحسن.
وقال آخرون: بل إحدى المرّتين عذابهم بما يدخل عليهم من الغيظ في أمر الإسلام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، {سنعذّبهم مرّتين} قال: العذاب الّذي وعدهم مرّتين فيما بلغني عنهم ما هم فيه من أمر الإسلام، وما يدخل عليهم ذلك على غير حسبةٍ، ثمّ عذابهم في القبر إذ صاروا إليه، ثمّ العذاب العظيم الّذي يردّون إليه عذاب الآخرة ويخلّدون فيه.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب عندي أن يقال: إنّ اللّه أخبر أنّه يعذّب هؤلاء الّذين مردوا على النّفاق مرّتين، ولم يضع لنا دليلاً نتوصّل به إلى علم صفة ذينك العذابين؛ وجائزٌ أن يكون بعض ما ذكرنا عن القائلين ما أنبئنا عنهم، وليس عندنا علمٌ بأيّ ذلك من أيٍّ. على أنّ في قوله جلّ ثناؤه: {ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيمٍ} دلالةً على أنّ العذاب في المرّتين كلتيهما قبل دخولهم النّار، والأغلب من إحدى المرّتين أنّها في القبر. وقوله: {ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيمٍ} يقول: ثمّ يردّ هؤلاء المنافقون بعد تعذيب اللّه إيّاهم مرّتين إلى عذابٍ عظيمٍ، وذلك عذاب جهنّم). [جامع البيان: 11/643-649]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذّبهم مرّتين ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيمٍ (101)
قوله تعالى: وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: قوله: وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق أي: لجّوا فيه وأبوا.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قول اللّه: ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق قال: أقاموا عليه لم يتوبوا كما تاب آخرون.
قوله تعالى: لا تعلمهم نحن نعلمهم.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ ثنا بشرٌ بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ، في قوله: لا تعلمهم نحن نعلمهم يقول: نعرفهم.
- أخبرنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ أنبأ عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة في قوله: وممّن حولكم من الأعراب إلى قوله: لا تعلمهم نحن نعلمهم قال قتادة: فما بال أقوامٍ يتكلّفون على النّاس؟ يقول: فلانٌ في الجنّة، وفلانٌ في النّار، فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال: لا أدري، لعمري لأنت بنفسك أعلم منك بأعمال النّاس، ولقد تكلّفت شيئًا ما تكلّفه نبيّ، قال نبيّ اللّه نوحٌ- صلّى اللّه عليه وسلّم- وما علمي بما كانوا يعملون وقال نبيّ اللّه شعيبٌ- صلّى اللّه عليه وسلّم- بقيّت اللّه خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظٍ وقال اللّه لنبيّه محمّدٍ- صلّى اللّه عليه وسلّم- لا تعلمهم نحن نعلمهم.
قوله تعالى: سنعذبهم مرتين.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان ثنا عمرٌو العنقزيّ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ عن ابن عبّاسٍ، وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذّبهم مرّتين قال: قام النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- خطيبًا يوم جمعةٍ فقال: يا فلان، اخرج فإنّك منافقٌ، يا فلان اخرج فإنّك منافقٌ، فأخرجهم بأسمائهم ففضحهم، وكان عمر ابن الخطّاب لم يشهد الجمعة يومئذٍ لحاجةٍ كانت، فلقيهم وهم يخرجون من المسجد، فاختبأ منهم استحياءً أنّه لم يشهد الصّلاة، وظنّ أنّ النّاس قد انصرفوا، واختبئوا هم منه، وظنّوا أنّه علم بأمرهم، فدخل عمر المسجد فإذا النّاس لم يصلّوا، فقال له رجالٌ من المسلمين: أبشر يا عمر، فقد فضح اللّه المنافقين فهذا العذاب الأوّل حين أخرجهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- من المسجد، والعذاب الثّاني: عذاب القبر.
- حدّثنا محمّد بن إسحاق الصّاغانيّ، ثنا أبو نوحٍ، أنبأ شعبة عن قتادة في قوله: سنعذّبهم مرتين قال: عذاب القبر وعذاب النّار.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا يحيى بن اليمان عن سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، سنعذّبهم مرّتين قال: الجوع والقتل.
والوجه الثّالث:
وهو أحد أقوال مجاهدٍ:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، سنعذّبهم مرّتين قال: القتل والسّباء.
والوجه الرّابع:
وهو أحد أقوال مجاهدٍ:
- حدّثنا أبي ثنا ابن نفيلٍ ثنا خطّابٌ عن خصيفٍ عن مجاهدٍ قوله: سنعذّبهم مرّتين قال: عذّبوا بالجوع مرّتين.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي ثنا عبيد اللّه بن موسى أنبأ أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع بن أنسٍ في قوله: سنعذّبهم مرّتين قال: يبتلون في الدّنيا.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قول اللّه: سنعذّبهم مرّتين قال: عذابٌ في الدّنيا بالأموال والأولاد.
والوجه السّادس:
- حدّثنا أبي ثنا عبد اللّه بن عمران، أنبأ يحيى بن يمانٍ عن سفيان عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ سنعذّبهم مرّتين قال: الجوع وعذاب القبر.
قوله تعالى: ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيمٍ
- حدّثنا أبي ثنا عبيد اللّه بن موسى أنبأ أبو جعفرٍ عن الرّبيع بن أنسٍ في قوله: ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيمٍ قال: عذاب جهنّم- وروي عن قتادة: نحو ذلك.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: العذاب العظيم الّذي يردّون إليه عذاب النّار والخلد فيه). [تفسير القرآن العظيم: 6/1869-1871]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وممّن حولكم من الأعراب منافقون} [التوبة: 101].
- عن ابن عبّاسٍ «في قوله تعالى: {وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذّبهم مرّتين ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيمٍ} [التوبة: 101] قال: قام رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يوم جمعةٍ خطيبًا، فقال: " قم يا فلان فاخرج فإنّك منافقٌ، اخرج يا فلان، فإنّك منافقٌ ". فأخرجهم بأسمائهم ففضحهم، ولم يكن عمر بن الخطّاب شهد تلك الجمعة لحاجةٍ كانت له، فلقيهم عمر وهم يخرجون من المسجد، فاختبأ منهم استحياءً أنّه لم يشهد الجمعة، وظنّ أنّ النّاس قد انصرفوا واختبؤوا هم من عمر، وظنّوا أنّه قد علم بأمرهم، فدخل عمر المسجد، فإذا النّاس لم ينصرفوا، فقال له رجلٌ: أبشر يا عمر، فقد فضح اللّه المنافقين اليوم، فهذا العذاب الأوّل، والعذاب الثّاني عذاب القبر».
رواه الطّبرانيّ في الأوسط، وفيه الحسين بن عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/33-34]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 101.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وممن حولكم من الأعراب منافقون} الآية، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة خطيبا فقال: قم يا فلان فاخرج فإنك منافق، فأخرجهم بأسمائهم ففضحهم ولم يكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شهد تلك الجمعة لحاجة كانت له فلقيهم عمر رضي الله عنه وهم يخرجون من المسجد فاختبأ منهم استحياء أنه لم يشهد الجمعة وظن الناس قد انصرفوا واختبأوا هم من عمر وظنوا أنه قد علم بأمرهم فدخل عمر رضي الله عنه المسجد فإذا الناس لم ينصرفوا، فقال له رجل: أبشر يا عمر فقد فضح الله المنافقين اليوم فهذا العذاب الأول والعذاب الثاني عذاب القبر
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {وممن حولكم من الأعراب} قال: جهينة ومزينة وأشجع وأسلم وغفار.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {مردوا على النفاق} قال: أقاموا عليه لم يتوبوا كما تاب آخرون.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {مردوا على النفاق} قال: ماتوا عليه عبد الله بن أبي وأبو عامر الراهب والجد بن قيس.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {نحن نعلمهم} يقول: نحن نعرفهم.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {لا تعلمهم نحن نعلمهم} قال: فما بال أقوام يتكلمون على الناس يقولون: فلان في الجنة وفلان في النار فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال: لا أدري، لعمري لأنت بنفسك أعلم منك بأعمال الناس ولقد تكلفت شيئا ما تكلفه نبي قال نوح عليه السلام (وما علمي بما كانوا يعملون) (الشعراء الآية 112) وقال شعيب عليه السلام
(وما أنا عليكم بحفيظ) (الأنعام الآية 104) وقال الله تعالى لمحمد {لا تعلمهم نحن نعلمهم}.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {سنعذبهم مرتين} قال: بالجوع والقتل.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله {سنعذبهم مرتين} قال: بالجوع وعذاب القبر.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {سنعذبهم مرتين} قال: عذاب في القبر وعذاب في النار.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في (عذاب القبر) عن قتادة رضي الله عنه في قوله {سنعذبهم مرتين} قال: عذاب في القبر وعذاب في النار.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع رضي الله عنه في قوله {سنعذبهم مرتين} قال: يبتلون في الدنيا وعذاب القبر {ثم يردون إلى عذاب عظيم} قال: عذاب جهنم.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله {سنعذبهم مرتين} قال: عذاب في الدنيا بالأموال والأولاد وقرأ (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا) (التوبة الآية 55) بالمصائب فهي لهم عذاب وهي للمؤمنين أجر، قال: وعذاب الآخرة في النار {ثم يردون إلى عذاب عظيم} النار.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه قال: بلغني أن ناسا يقولون {سنعذبهم مرتين} يعني القتل وبعد القتل البرزخ والبرزخ ما بين الموت إلى البعث {ثم يردون إلى عذاب عظيم} يعني عذاب جهنم.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله {سنعذبهم مرتين} قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعذب المنافقين يوم الجمعة بلسانه على المنبر وعذاب القبر.
وأخرج ابن مردويه عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: لقد خطبنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم خطبة ما شهدت مثلها قط فقال أيها الناس إن منكم منافقين فمن سميته فليقم قم يا فلان قم يا فلان حتى قام ستة وثلاثون رجلا، ثم قال: إن منكم وإن منكم وإن منكم فسلوا الله العافية، فلقي عمر رضي الله عنه رجلا كان بينه وبينه إخاء فقال: ما شأنك فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فقال كذا وكذا، فقال عمر رضي الله عنه: أبعدك الله سائر اليوم). [الدر المنثور: 7/502-505]

تفسير قوله تعالى: (وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا قال هم نفر ممن تخلف عن غزوة تبوك منهم أبو لبابة و منهم جد بن قيس ثم تيب عليهم قال قتادة وليسوا بالثلاثة.
عن معمر عن الزهري قال كان أبو لبابة ممن تخلف عن النبي في غزوة تبوك قال الزهري فربط نفسه بسارية ثم قال والله لا أحل نفسي منها ولا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله على قال فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما ولا شرابا حتى كان يخر مغشيا عليه قال ثم تاب الله عليه فقيل له قد تيب عليك يا أبا لبابة فقال والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله هو يحلني قال فجاء النبي فحله بيده ثم قال أبو لبابة يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر داري في قومي التي أصيب فيها الذنب وأن أختلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله قال يجزيك الثلث يا أبا لبابة). [تفسير عبد الرزاق: 1/286]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا الحجّاج بن أبي زينب، قال: سمعت أبا عثمان يقول: ما في القرآن آيةٌ أرجى عندي لهذه الأمّة من قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيّئًا}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 415]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيّئًا، عسى اللّه أن يتوب عليهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} [التوبة: 102]
- حدّثنا مؤمّلٌ هو ابن هشامٍ، حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدّثنا عوفٌ، حدّثنا أبو رجاءٍ، حدّثنا سمرة بن جندبٍ رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لنا: " أتاني اللّيلة آتيان فابتعثاني، فانتهينا إلى مدينةٍ مبنيّةٍ بلبن ذهبٍ، ولبن فضّةٍ، فتلقّانا رجالٌ شطرٌ من خلقهم كأحسن ما أنت راءٍ، وشطرٌ كأقبح ما أنت راءٍ، قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر، فوقعوا فيه، ثمّ رجعوا إلينا، قد ذهب ذلك السّوء عنهم، فصاروا في أحسن صورةٍ، قالا لي: هذه جنّة عدنٍ، وهذاك منزلك، قالا: أمّا القوم الّذين كانوا شطرٌ منهم حسنٌ، وشطرٌ منهم قبيحٌ، فإنّهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيّئًا، تجاوز اللّه عنهم "). [صحيح البخاري: 6/69]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله وآخرون اعترفوا بذنوبهم الآية)
كذا لأبي ذرٍّ وساق غيره الآية إلى رحيمٍ وذكر فيه طرفًا من حديث سمرة بن جندبٍ في المنام الطّويل وسيأتي بتمامه مع شرحه في التّعبير
[4674] قوله حدّثنا مؤمّلٌ زاد في رواية الأصيليّ وغيره هو بن هشامٍ وإسماعيل بن إبراهيم هو المعروف بابن عليّة وقوله فيه كانوا شطرٌ منهم حسنٌ قيل الصّواب حسنًا لأنّه خبر كان وخرّجوه على أنّ كان تامّةٌ وشطرٌ وحسنٌ مبتدأٌ وخبره). [فتح الباري: 8/341]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحا وآخر سيّئا عسى الله أن يتوب عليهم إنّ الله غفورٌ رحيمٌ} (التّوبة: 102)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {وآخرون} الآية وسيقت الآية كلها في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} الآية. ولما أخبر الله تعالى عن حال المنافقين المتخلفين عن الغزاة رغبة عنها وتكذيبا. شرع في بيان حال الّذين تأخّروا عن الجهاد كسلاً وميلاً إلى الرّاحة مع إيمانهم وتصديقهم بالحقّ، فقال: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} أي: أقرّوا بها واعترفوا فيما بينهم وبين ربهم ولهم أعمال أخر صالحة خلطوا هذه بتلك فهؤلاء تحت عفو الله وغفرانه. فهذه الآية وإن كانت نزلت في إناس معينين إلّا أنّها عامّة في كل المذنبين الخطّائين المخلطين المتلوثين وقال مجاهد عن ابن عبّاس، رضي الله تعالى عنهما نزلت في أبي لبابة وجماعة من أصحابه تخلفوا عن غزوة تبوك. فقال بعضهم: أبو لبابة وخمسة معه، وقيل: وسبعة معه، وقيل: وتسعة معه).
- حدّثنا مؤمّلٌ هو ابن هشامٍ حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم حدّثنا عوفٌ حدّثنا أبو رجاءٍ حدّثنا سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا أتاني اللّيلة آتيان فابتعثاني فانتهيا إلى مدينةٍ مبنيّةٍ بلبن ذهب ولبن فضّةٍ فتلقّانا رجالٌ شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راءٍ وشطرٌ كأقبح ما أنت راءٍ قالا لهم اذهبوا فقعوا في ذالك النّهر فوقعوا فيه ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذالك السّوء عنهم فصاروا في أحسن صورةٍ قالا لي هاذه جنّة عدنٍ وهذا منزلك قالا أمّا القوم الّذين كانوا شطرٌ منهم حسنٌ وشطرٌ منهم قبيحٌ فإنّهم خلطوا عملاً صالحا وآخر صيّتا تجاوز الله عنهم.
مطابقته للتّرجمة في قوله: {فإنّهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئًا} ومؤمل بضم الميم وفتح الهمزة وكسر الميم، وفتحها، وإسماعيل ابن إبراهيم هو إسماعيل بن علية، وعوف هو الأعرابي وأبو رجاء ضد اليأس. عمران العطاردي. والحديث أخرجه البخاريّ مقطعا في الصّلاة وفي الجنائز وفي البيوع وفي الجهاد في بدء الخلق وفي صلاة اللّيل وفي الأدب وفي الصّلاة، وفي أحاديث الأنبياء وفي التّفسير وفي التّعبير عن مؤمل بن هشام، وقد ذكرنا في المواضع الماضية ما فيه الكفاية.
قوله: (آتيان) ، أي: ملكان. قوله: (فابتعثاني) أي: من النّوم. قوله: (شطر) أي: نصف. قوله: (أما القوم) قسيمه هو قوله: هذا منزلك. قوله: (الّذين) ويروى: الّذي، بالإفراد ويؤول بما يؤول به. قوله: (وخضتم كالّذي خاضوا) (التّوبة: 69) قوله: (كانوا شطر منهم حسن) ، القياس كان شطر منهم حسنا. ولكن كان تامّة. وشطر مبتدأ: وحسن، خبره والجملة حال بدون الواو وهو فصيح كما في قوله تعالى: {اهبطوا بعضكم لبعض عدو}). [عمدة القاري: 18/275-276]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيّئًا عسى اللّه أن يتوب عليهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} [التوبة: 102]
({وآخرون}) نسق على قوله منافقون أي وممن حولكم قوم آخرون غير المذكورين ولأبي ذر قوله: {وآخرون} ({اعترفوا}) أقروا ({بذنوبهم}) ولم يعتذروا من تخلفهم بالمعاذير الكاذبة ({خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا}) الجهاد والتخلف عنه أو إظهار الندم والاعتراف بآخر سيء وهو التخلف وموافقة أهل النفاق ومجرد الاعتراف ليس بتوبة لكن روي أنهم تابوا وكان الاعتراف مقدمة التوبة وكل منهما مخلوط بالآخر كقولك: خلطت الماء واللبن فكل مخلوط ومخلوط به الآخر، ولو قلت خلطت الماء باللبن كان الماء مخلوطًا واللبن مخلوطًا به وهو استعارة عن الجمع بينهما ({عسى الله أن يتوب عليهم}) جملة مستأنفة وعسى من الله واجب وإنما عبّر بها للإشعار بأن ما يفعله تعالى ليس إلا على سبيل التفضل منه سبحانه حتى لا يتكل المرء بل يكون على خوف وحذر والمعنى: عسى الله أن يقبل توبتهم.
فإن قلت: كيف قال أن يتوب عليهم ولم يسبق للتوبة ذكر؟ أجيب: بأنه مدلول عليها بقوله اعترفوا بذنوبهم قاله في الأنوار كالكشاف.
({إن الله غفور رحيم}) [التوبة: 102] وسقط قوله خلطوا الخ لأبي ذر وقال بعد قوله بذنوبهم الآية. قال ابن كثير: وهذه الآية وإن كانت في أناس معينين إلا أنها عامة في كل المذنبين الخطّائين، وقد قال مجاهد نزلت في أبي لبابة لما قال لبني قريظة أنه الذبح وأشار بيده إلى حلقه.
قال ابن عباس في أبي لبابة وجماعة من أصحابه تخلفوا عن غزوة تبوك وقال بعضهم: أبو لبابة وخمسة معه، وقيل وسبعة، وقيل وتسعة، فلما رجع النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- من غزوته ربطوا أنفسهم بسواري المسجد وحلفوا لا يحلهم إلا رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-، فلما أنزل الله الآية أطلقهم -صلّى اللّه عليه وسلّم- وعفا عنهم.
- حدّثنا مؤمّلٌ، حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، وحدّثنا عوفٌ، حدّثنا أبو رجاءٍ حدّثنا سمرة بن جندبٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- لنا: -صلّى اللّه عليه وسلّم- «أتاني اللّيلة آتيان فابتعثاني فانتهينا إلى مدينةٍ مبنيّةٍ بلبن ذهبٍ ولبن فضّةٍ، فتلقّانا رجالٌ شطرٌ من خلقهم كأحسن ما أنت راءٍ، وشطرٌ كأقبح ما أنت راءٍ، قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر فوقعوا فيه ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السّوء عنهم، فصاروا في أحسن صورةٍ قالا لي: هذه جنّة عدنٍ وهذاك منزلك قالا: أمّا القوم الّذين كانوا شطرٌ منهم حسنٌ وشطرٌ منهم قبيحٌ فإنّهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيّئًا تجاوز اللّه عنهم».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (مؤمل) بضم الميم الأولى وفتح الثانية مشددة وقد تكسر بينهما همزة مفتوحة آخره لام زاد في غير رواية أبي ذر هو ابن هشام وهو اليشكري بتحتية ومعجمة أبو هشام البصري قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بابن علية اسم أمه الأسدي مولاهم البصري قال: (حدّثنا عوف) بفتح العين المهملة وسكون الواو آخره فاء ابن أبي جميلة بفتح الجيم الأعرابي العبدي المصري قال: (حدّثنا أبو رجاء) عمران العطاردي قال: (حدّثنا سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- لنا) في حكاية منامه الطويل: (أتاني الليلة آتيان) بهمزة ممدودة ففوقية مكسورة فتحتية أي ملكان (فابتعثاني) من النوم (فانتهيا) وأنا معهما ولغير أبي ذر: فانتهينا (إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة) بكسر الموحدتين من لبن (فتلقانا رجال شطر) نصف (من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر) أي نصف (كأقبح ما أنت راء قالا) الملكان (لهم) للرجال (اذهبوا فقعوا في ذلك النهر) بفتح الهاء (فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة قالا) الملكان (لي: هذه جنة عدن وهذاك منزلك قالا: أما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح) قيل الصواب حسنًا
وقبيحًا لكن كان تامة وشطر مبتدأ وحسن خبره والجملة حال بدون الواو وهو فصيح كقوله اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ قاله الكرماني وغيره (فإنهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا تجاوز الله عنهم) كذا أورده مختصرًا هنا، ويأتي بتمامه إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته في التعبير). [إرشاد الساري: 7/157-158]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيّئًا}
- أخبرنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا يحيى، وابن أبي عديٍّ، ومحمّد بن جعفرٍ، وعبد الوهّاب، عن عوفٍ، عن أبي رجاءٍ، حدّثنا سمرة بن جندبٍ، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لأصحابه: «هل رأى أحدٌ منكم رؤيا؟» فيقصّ من شاء أن يقصّ، وإنّه قال لنا ذات يومٍ: " إنّه أتاني آتيان اللّيلة، وإنّهما ابتعثاني فقالا لي: انطلق، وإنّي انطلقت معهما، فانتهينا إلى مدينةٍ مبنيّةٍ بلبن ذهبٍ وفضّةٍ، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلنا فتلقّانا فيها رجالٌ شطرٌ من خلقهم كأحسن ما أنت راءٍ، وشطرٌ كأقبح ما أنت راءٍ، فقال لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر، وإذا هو معرضٌ يجري، كأنّ ماءه المحض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السّوء عنهم، وصاروا كأحسن صورةٍ، فقالا لي: هذه جنّة عدنٍ، وذلك منزلك، فبينما بصري صعدًا فإذا قصرٌ، قالا لي: هذا منزلك، قلت لهما: بارك الله فيكما، ذراني أدخله، قالا: أمّا الآن فلا، وأنت داخله، فقال: القوم الّذين كان شطرٌ منهم حسنًا، وشطرٌ منهم قبيحًا فإنّهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيّئًا، فتجاوز الله عنهم " مختصرٌ). [السنن الكبرى للنسائي: 10/118]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيّئًا عسى اللّه أن يتوب عليهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}.
يقول تعالى ذكره: ومن أهل المدينة منافقون مردوا على النّفاق، ومنهم آخرون اعترفوا بذنوبهم، يقول: أقرّوا بذنوبهم. {خلطوا عملاً صالحًا} يعني جلّ ثناؤه بالعمل الصّالح الّذي خلطوه بالعمل السّيّئ: اعترافهم بذنوبهم، وتوبتهم منها، والآخر السّيّئ هو تخلّفهم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين خرج غازيًا، وتركهم الجهاد مع المسلمين.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيّئًا، وإنّما الكلام: خلطوا عملاً صالحًا بآخر سيّئٍ؟
قيل: قد اختلف أهل العربيّة في ذلك، فكان بعض نحويّي البصرة يقول: قيل ذلك كذلك، وجائزٌ في العربيّة أن يكون بآخر كما تقول: استوى الماء والخشبة؛ أي بالخشبة، وخلطت الماء واللّبن. وأنكر آخرون أن يكون نظير قولهم: استوى الماء والخشبة. واعتلّ في ذلك بأنّ الفعل في الخلط عاملٌ في الأوّل والثّاني، وجائزٌ تقديم كلّ واحدٍ منهما على صاحبه، وأنّ تقديم الخشبة على الماء غير جائزٍ في قولهم: استوى الماء والخشبة، وكان ذلك عندهم دليلاً على مخالفة ذلك الخلط.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك عندي أنّه بمعنى قولهم: خلطت الماء واللّبن، بمعنى خلطته باللّبن.
{عسى اللّه أن يتوب عليهم} يقول: لعلّ اللّه أن يتوب عليهم. وعسى من اللّه واجبٌ، وإنّما معناه: سيتوب اللّه عليهم، ولكنّه في كلام العرب على ما وصفت. {إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} يقول: إنّ اللّه ذو صفحٍ وعفوٌ لمن تاب عن ذنوبه وساترٌ له عليها رحيمٌ أن يعذّبه بها.
وقد اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بهذه الآية، والسّبب الّذي من أجله أنزلت فيه، فقال بعضهم: نزلت في عشرة أنفسٍ كانوا تخلّفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة تبوك، منهم أبو لبابة، فربط سبعةٌ منهم أنفسهم إلى السّواري عند مقدم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم توبةً منهم من ذنبهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيّئًا} قال: كانوا عشرة رهطٍ تخلّفوا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة تبوك، فلمّا حضر رجوع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أوثق سبعةٌ منهم أنفسهم بسواري المسجد، وكان ممرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا رجع في المسجد عليهم، فلمّا رآهم قال: من هؤلاء الموثّقون أنفسهم بالسّواري؟ قالوا: هذا أبو لبابة وأصحابٌ له تخلّفوا عنك يا رسول اللّه حتّى تطلقهم وتعذرهم. فقال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: وأنا أقسم باللّه لا أطلقهم ولا أعذرهم حتّى يكون اللّه هو الّذي يطلقهم رغبوا عنّي وتخلّفوا عن الغزو مع المسلمين فلمّا بلغهم ذلك، قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتّى يكون اللّه الّذي يطلقنا فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيّئًا عسى اللّه أن يتوب عليهم} وعسى من اللّه واجبٌ. فلمّا نزلت أرسل إليهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأطلقهم وعذرهم.
وقال آخرون: بل كانوا ستّةً، أحدهم أبو لبابة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيّئًا عسى اللّه}.. إلى قوله: {إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غزا غزوة تبوك، فتخلّف أبو لبابة وخمسةٌ معه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. ثمّ إنّ أبا لبابة ورجلين معه تفكّروا وندموا وأيقنوا بالهلكة، وقالوا: نكون في الكنّ والطّمأنينة مع النّساء، ورسول اللّه والمؤمنون معه في الجهاد؟ واللّه لنوثقنّ أنفسنا بالسّواري، فلا نطلقها حتّى يكون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هو يطلقنا ويعذرنا فانطلق أبو لبابة وأوثق نفسه، ورجلان معه بسواري المسجد، وبقي ثلاثة نفرٍ لم يوثّقوا أنفسهم. فرجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من غزوته، وكان طريقه في المسجد، فمرّ عليهم، فقال: من هؤلاء الموثقو أنفسهم بالسّواري؟ فقالوا: هذا أبو لبابة وأصحابٌ له تخلّفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فعاهدوا اللّه أن لا يطلقوا أنفسهم حتّى تكون أنت الّذي تطلقهم وترضى عنهم، وقد اعترفوا بذنوبهم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: واللّه لا أطلقهم حتّى أومر بإطلاقهم، ولا أعذرهم حتّى يكون اللّه هو يعذرهم، وقد تخلّفوا عنّي ورغبوا بأنفسهم عن غزو المسلمين وجهادهم فأنزل اللّه برحمته: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيّئًا عسى اللّه أن يتوب عليهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} وعسى من اللّه واجبٌ. فلمّا نزلت الآية أطلقهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعذرهم، وتجاوز عنهم.
وقال آخرون: الّذين ربطوا أنفسهم بالسّواري كانوا ثمانيةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن زيد بن أسلم، {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيّئًا عسى اللّه أن يتوب عليهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} قال: هم الثّمانية الّذين ربطوا أنفسهم بالسّواري، منهم كردم ومرداس وأبو لبابة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، قال: الّذين ربطوا أنفسهم بالسّواري: هلالٌ، وأبو لبابة، وكردم، ومرداس، وأبو قيسٍ.
وقال آخرون: كانوا سبعةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيّئًا عسى اللّه أن يتوب عليهم} ذكر لنا أنّهم كانوا سبعة رهطٍ تخلّفوا عن غزوة تبوك، فأمّا أربعةٌ فخلطوا عملاً صالحًا وآخر سيّئًا: جدّ بن قيسٍ، وأبو لبابة، وحرامٌ، وأوسٌ، وكلّهم من الأنصار، وهم الّذين قيل فيهم: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم} الآية.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيّئًا} قال: هم نفرٌ ممّن تخلّف عن تبوك: منهم أبو لبابة، ومنهم جدّ بن قيسٍ؛ تيب عليهم. قال قتادة: وليسوا بثلاثةٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن قتادة: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} قال: هم سبعةٌ، منهم أبو لبابة كانوا تخلّفوا عن غزوة تبوك، وليسوا بالثّلاثة.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيّئًا} نزلت في أبي لبابة وأصحابه تخلّفوا عن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة تبوك؛ فلمّا قفل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من غزوته، وكان قريبًا من المدينة، ندموا على تخلّفهم عن رسول اللّه، وقالوا: نكون في الظّلال والأطعمة والنّساء، ونبيّ اللّه في الجهاد واللّأواء؟ واللّه لنوثقنّ أنفسنا بالسّواري ثمّ لا نطلقها حتّى يكون نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يطلقنا ويعذرنا وأوثقوا أنفسهم، وبقي ثلاثةٌ لم يوثقوا أنفسهم، فقدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من غزوته، فمرّ في المسجد وكان طريقه، فأبصرهم، فسأل عنهم، فقيل له: أبو لبابة وأصحابه تخلّفوا عنك يا نبيّ اللّه، فصنعوا بأنفسهم ما ترى، وعاهدوا اللّه أن لا يطلقوا أنفسهم حتّى تكون أنت الّذي تطلقهم. فقال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا أطلقهم حتّى أومر بإطلاقهم، ولا أعذرهم حتّى يعذرهم اللّه، قد رغبوا بأنفسهم عن غزوة المسلمين. فأنزل اللّه: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} إلى: {عسى اللّه أن يتوب عليهم} وعسى من اللّه واجبٌ. فأطلقهم نبيّ اللّه وعذرهم.
وقال آخرون: بل عني بهذه الآية أبو لبابة خاصّةً وذنبه الّذي اعترف به فتيب عليه منه ما كان من أمره في بني قريظة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} قال: نزلت في أبي لبابة قال لبني قريظة ما قال.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} قال أبو لبابة إذ قال لقريظة ما قال، أشار إلى حلقه: إنّ محمّدًا ذابحكم إن نزلتم على حكم اللّه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} فذكر نحوه، إلاّ أنّه قال: إن نزلتم على حكمه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، ربط أبو لبابة نفسه إلى ساريةٍ، فقال: لا أحلّ نفسي حتّى يحلّني اللّه ورسوله قال: فحلّه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وفيه أنزلت هذه الآية: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا} الآية.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} قال: نزلت في أبي لبابة.
وقال آخرون: بل نزلت في أبي لبابة بسبب تخلّفه عن تبوك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: قال الزّهريّ: كان أبو لبابة ممّن تخلّف عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة تبوك، فربط نفسه بساريةٍ، فقال: واللّه لا أحلّ نفسي منها ولا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتّى أموت أو يتوب اللّه عليّ فمكث سبعة أيّامٍ لا يذوق طعامًا ولا شرابًا حتّى خرّ مغشيًّا عليه. قال: ثمّ تاب اللّه عليه، ثمّ قيل له: قد تيب عليك يا أبا لبابة، فقال: واللّه لا أحلّ نفسي حتّى يكون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هو يحلّني قال: فجاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فحلّه بيده. ثمّ قال أبو لبابة: يا رسول اللّه إنّ من توبتي أن أهجر دار قومي الّتي أصبت فيها الذّنب، وأن أنخلع من مالي كلّه صدقةً إلى اللّه وإلى رسوله. قال: يجزيك يا أبا لبابة الثّلث.
وقال بعضهم: عنى بهذه الآية الأعراب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيّئًا} قال: فقال إنّهم من الأعراب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن حجّاج بن أبي زينب، قال: سمعت أبا عثمان، يقول: ما في القرآن أرجى عندي لهذه الأمّة من قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} إلى: {إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}.
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال بالصّواب في ذلك قول من قال: نزلت هذه الآية في المعترفين بخطأ فعلهم في تخلّفهم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وتركهم الجهاد معه والخروج لغزو الرّوم حين شخص إلى تبوك، وأنّ الّذين نزل ذلك فيهم جماعةٌ أحدهم أبو لبابة.
وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب في ذلك، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه قال: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} فأخبر عن اعتراف جماعةً بذنوبهم، ولم يكن المعترف بذنبه الموثق نفسه بالسّارية في حصار قريظة غير أبي لبابة وحده. فإذ كان ذلك كذلك، وكان اللّه تبارك وتعالى قد وصف في قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} بالاعتراف بذنوبهم جماعةً، علم أنّ الجماعة الّذين وصفهم بذلك السّبب غير الواحد، فقد تبيّن بذلك أنّ هذه الصّفة إذا لم تكن إلاّ لجماعةٍ، وكان لا جماعة فعلت ذلك فيما نقله أهل السّير والأخبار، وأجمع عليه أهل التّأويل إلاّ جماعةٌ من المتخلّفين عن غزوة تبوك؛ صحّ ما قلنا في ذلك، وقلنا: كان منهم أبو لبابة لإجماع الحجّة من أهل التّأويل على ذلك). [جامع البيان: 11/650-658]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيّئًا عسى اللّه أن يتوب عليهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (102)
قوله تعالى: وآخرون اعترفوا بذنوبهم.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، قوله: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيّئًا قال: كان عشرة رهطٍ تخلّفوا عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- في غزوة تبوك، فلما حضر رجع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- أوثق سبعةٌ منهم أنفسهم بسواري المسجد فكان ممرّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- إذا رجع من المسجد عليهم فلمّا رآهم قال: من هؤلاء الموثّقون أنفسهم بالسّواري؟ قالوا: هذا أبو لبابة وأصحابٌ له تخلّفوا عنك يا رسول اللّه أوثقوا أنفسهم حتّى يطلقهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ويعذرهم فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأنا أقسم باللّه لا أطلّقهم ولا أعذرهم حتّى يكون اللّه هو الّذي يطلّقهم ويعذرهم، رغبوا عنّي وتخلّفوا عن الغزو مع المسلمين، فلمّا بلغهم ذلك قالوا: نحن واللّه لا نطلق أنفسنا حتّى يكون اللّه هو الّذين يطلقنا فأنزل اللّه: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيّئًا عسى اللّه أن يتوب عليهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ فلمّا نزلت أرسل إليهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- فأطلقهم وعذرهم.
- حدّثنا أبي ثنا سعيد بن عبد الحميد الرّازيّ ثنا يعقوب عن زيدٍ وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيّئًا قال: هم الثّمانية الّذين ربطوا أنفسهم بالسّواري منهم: كردمٌ ومرداسٌ وأبو لبابة، فلمّا أطلقهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- قالوا: يا نبيّ اللّه، خذ من أموالنا صدقةٌ.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ، قوله: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيّئًا وذلك أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- غزا غزوة تبوك، فتخلّف أبو لبابة ورجلان معه عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- ثمّ إنّ أبا لبابة ورجلين معه تفكّروا وندموا، وأيقنوا بالهلكة، وقالوا: نحن في الظّلّ والطّمأنينة مع النّساء، ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- والمؤمنون معه في الجهاد! واللّه لنوثّقنّ أنفسنا بالسّواري فلا نطلقها حتّى يكون رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- يطلقنا ويعذرنا فانطلق أبو لبابة فأوثق نفسه ورجلان معه بسواري المسجد، وبقي ثلاثةٌ لم يوثّقوا أنفسهم، فرجع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- من غزوته وكان طريقه في المسجد فمرّ عليهم فقال: من هؤلاء الموثّقون أنفسهم بالسّواري؟ فقال رجلٌ: هذا أبو لبابة وأصحابٌ له، تخلّفوا عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- فعاهدوا اللّه أن لا يطلقوا أنفسهم حتي تكون أنت الذين تطلقهم وترضى عنهم وقد اعترفوا بذنوبهم فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- والله: لا أطلقهم حتّى أؤمر بإطلاقهم ولا أعذرهم حتّى يكون اللّه يعذرهم، وقد تخلّفوا ورغبوا عن المسلمين بأنفسهم وجهادهم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيّئًا.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيّئًا قال: ذكر لنا أنّهم كانوا سبعة رهطٍ، تخلفوا عن غزوة تبوك، فأما أربعة: ف خلطوا عملا صالحًا وآخر سيّئًا، جدّ بن قيسٍ، وأبو لبابة وخذامٌ، وأوس وكلّهم من الأنصار.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى أنبأ محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن قتادة: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيّئًا قال: هم نفرٌ ممّن تخلّف عن تبوك، منهم: أبو لبابة، ومنهم: جدّ بن قيسٍ، تيب عليهم، قال قتادة ليسوا بالثّلاثة.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا المحاربيّ عن ليثٍ عن مجاهدٍ، وآخرون اعترفوا بذنوبهم نزلت في رجلٍ واحدٍ في أبي لبابة.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، وآخرون اعترفوا بذنوبهم: أبو لبابة حين قال: لقريظة ما قال، أشار بيده إلى حلقه: إنّ محمّدًا ذابحكم إن نزلتم إليه على حكمه.
والوجه الثّالث:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قوله: وآخرون اعترفوا بذنوبهم قال: هم من الأعراب.
قوله تعالى: خلطوا عملا صالحا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبدة، أنبأ عبد العزيز بن عبد الصّمد العمّيّ ثنا أبو هارون العبديّ عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قلنا: يا رسول الله، ثنا ما رأيت ليلة أسري بك؟ قال: رأيت أمّتي ضربين، ضربٌ عليهم ثيابٌ أشدّ بياضًا من القرطاس، وضربٌ عليهم ثيابٌ رمدٌ، فقلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: أما أصحاب الثّياب الرّمد: فإنّهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيّئًا.
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن هاشم بن الحكم الرّمليّ ثنا ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذبٍ قال: قال الأحنف بن قيسٍ: عرضت نفسي على القرآن فلم أجدني بآيةٍ أشبه منّي بهذه الآية: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيّئًا.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامر بن الفرات عن أسباطٍ عن السّدّيّ، قوله وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيّئًا والصّالح غزوهم مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبى ثنا عبد اللّه بن أبي زيادٍ القطوانيّ، ثنا سيّارٌ ثنا جعفرٌ عن مالكٍ يعني: ابن دينارٍ عن الحسن، في قوله: اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيّئًا قال: تابوا.
قوله تعالى: وآخر سيّئًا
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامر بن الفرات ثنا أسباط عن السدي قوله وآخر سيّئًا قال: السّيّئ: تخلّفه عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم-.
قوله تعالى: عسى اللّه أن يتوب عليهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: عسى اللّه أن يتوب عليهم وعسى من اللّه واجبٌ- وروي عن الضّحّاك والحسن وأبي مالكٍ والسّدّيّ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 6/1872-1874]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد اعترفوا بذنوبهم قال هو قول أبي لبابة إذ قال لقريظة ما قال واشار إلى حلقه بأن محمد يذبحكم إن نزلتم على حكمه). [تفسير مجاهد: 286]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 102.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} قال كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فلما حضر رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد وكان ممر النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا رجع في المسجد عليهم فلما رآهم قال: من هؤلاء الموثقون أنفسهم قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله أوثقوا أنفسهم وحلفوا أنهم لا يطلقهم أحد حتى يطلقهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم ويعذرهم، قال: وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يطلقهم رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين فلما بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا، فأنزل الله عز وجل {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم} وعسى من الله وإنه هو التواب الرحيم فلما نزلت أرسل إليهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأطلقهم وعذرهم فجاؤوا بأموالهم فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا، قال: ما أمرت أن آخذ أموالكم، فأنزل الله عز وجل {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم} يقول: استغفر لهم إن {صلاتك سكن لهم} يقول: رحمة لهم فأخذ منهم الصدقة واستغفر لهم وكان ثلاثة نفر منهم لم يوثقوا أنفسهم بالسواري فأرجئوا سنة لا يدرون أيعذبون أو يتاب عليهم فأنزل الله عز وجل (لقد تاب الله على النّبيّ والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) (التوبة الآية 117) إلى آخر الآية (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) (التوبة الآية 118) إلى (ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم) يعني إن استقاموا.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه، مثله سواء.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن مجاهد في قوله {فاعترفوا بذنبهم} قال: هو أبو لبابة إذ قال لقريظة ما قال وأشار إلى حلقه بأن محمد يذبحكم إن نزلتم على حكمه.
وأخرج البيهقي عن سعيد بن المسيب، أن بني قريظة كانوا حلفاء لأبي لبابة فأطلعوا إليه وهو يدعوهم إلى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا لبابة أتأمرنا أن ننزل فأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح فأخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسبت أن الله غفل عن يدك حين تشير إليهم بها إلى حلقك فلبث حينا حتى غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك - وهي غزوة العسرة - فتخلف عنه أبو لبابة فيمن تخلف فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها جاءه أبو لبابة يسلم عليه فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزع أبو لبابة فارتبط بسارية التوبة التي عند باب أم سلمة سبعا بين يوم وليلة في حر شديد لا يأكل فيهن ولا يشرب قطرة قال: لا يزال هذا مكاني حتى أفارق الدنيا أو يتوب الله علي، فلم يزل كذلك حتى ما يسمع الصوت من الجهد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه بكرة وعشية ثم تاب الله عليه فنودي أن الله قد تاب عليك فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطلق عنه رباطه فأبى أن يطلقه أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلقه عنه بيده فقال أبو لبابة حين أفاق: يا رسول الله إني أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأنتقل إليك فأساكنك وإني أختلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: يجزي عنك الثلث، فهجر أبو لبابة دار قومه وساكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصدق بثلث ماله ثم تاب فلم ير منه في الإسلام بعد ذلك إلا خيرا حتى فارق الدنيا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة تبوك فتخلف أبو لبابة ورجلان معه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثم إن أبا لبابة ورجلين معه تفكروا وندموا وأيقنوا بالهلكة وقالوا: نحن في الظل والطمأنينة مع النساء ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه في الجهاد والله لنوثقن أنفسنا بالسواري فلا نطلقها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقنا ويعذرنا فانطلق أبو لبابة فأوثق نفسه ورجلان معه بسواري المسجد وبقي ثلاثة لم يوثقوا أنفسهم فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته وكان طريقه في المسجد فمر عليهم فقال: من هؤلاء الموثقون أنفسهم بالسواري فقال رجل: هذا أبو لبابة وصاحبان له تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاهدوا الله لا يطلقون أنفسهم حتى تكون الذي أنت تطلقهم وترضى عنهم وقد اعترفوا بذنوبهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لا أطلقهم حتى أؤمر بإطلاقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله يعذرهم وقد تخلفوا ورغبوا عن المسلمين بأنفسهم وجهادهم فأنزل الله تعالى {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} الآية، وعسى من الله واجب فلما نزلت الآية أطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذرهم فانطلق أبو لبابة وصاحباه بأموالهم فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: خذ من أموالنا فتصدق بها عنا وصل علينا، يقولون: استغفر لنا وطهرنا، فقال: لا آخذ منها شيئا حتى أؤمر به، فأنزل الله خذ من أموالهم صدقة، الآية، قال: وبقي الثلاثة الذين خالفوا أبا لبابة ولم يتوبوا ولم يذكروا بشيء ولم ينزل عذرهم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت وهم الذين قال الله {وآخرون مرجون لأمر الله} (التوبة الآية 106) الآية، فجعل الناس يقولون: هلكوا إذا لم ينزل لهم عذر وجعل آخرون يقولون: عسى الله أن يتوب عليهم، فصاروا مرجئين لأمر الله حتى نزلت (لقد تاب الله على النبي) (التوبة الآية 117) إلى قوله (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) (التوبة الآية 118) يعني المرجئين لأمر الله نزلت عليهم التوبة فعملوا بها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} قال: هم الثمانية الذين ربطوا أنفسهم بالسواري منهم كردم ومرداس وأبو لبابة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} قال: ذكر لنا أنهم كانوا سبعة رهط تخلفوا عن غزوة تبوك منهم أربعة خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا: جد بن قيس وأبو لبابة وحرام وأوس كلهم من الأنصار تيب عليهم وهم الذين قيل {خذ من أموالهم صدقة}
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} قال: غزوهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم {وآخر سيئا} قال تخلفهم عنه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا في التوبة، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي عثمان النهدي قال: ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} الآية.
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي عن مطرف قال: إني لأستلقي من الليل على فراشي وأتدبر القرآن فأعرض أعمالي على أعمال أهل الجنة فإذا أعمالهم شديدة (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) (الذاريات الآية 17)، (يبيتون لربهم سجدا وقياما) (الفرقان الآية 64)، (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما) (الزمر الآية 9) فلا أراني منهم، فأعرض نفسي على هذه الآية (ما سلككم في سقر) (قالوا لم نك من المصلين) (المدثر الآية 42 - 46) إلى قوله (نكذب بيوم الدين) فأرى القوم مكذبين فلا أراني منهم فأمر بهذه الآية {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} فأرجو أن أكون أنا وأنتم يا إخوتاه منهم.
وأخرج أبو الشيخ، وابن منده وأبو نعيم في المعرفة، وابن عساكر بسند قوي، عن جابر بن عبد الله قال: كان ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ستة: أبو لبابة وأوس بن جذام وثعلبة بن وديعة وكعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، فجاء أبو لبابة وأوس بن جذام وثعلبة فربطوا أنفسهم بالسواري وجاؤوا بأموالهم فقالوا: يا رسول الله خذ هذا الذي حبسنا عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أحلهم حتى يكون قتال، فنزل القران {خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} الآية، وكان ممن أرجئ عن التوبة وخلف كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، فأرجئوا أربعين يوما فخرجوا وضربوا فساطيطهم واعتزلوهم نساؤهم ولم يتولهم المسلمون ولم يقربوا منهم فنزل فيهم (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) (التوبة الآية 118) إلى قوله (التواب الرحيم) فبعثت أم سلمة إلى كعب فبشرته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شوذب قال: قال الأحنف بن قيس: عرضت نفسي على القرآن فلم أجدني بآية أشبه مني بهذه الآية {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} الآية
وأخرج أبو الشيخ عن مالك بن دينار قال: سألت الحسن عن قول الله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} فقال: يا مالك تابوا عسى الله أن يتوب عليهم وعسى من الله واجبة.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن مردويه عن سمرة بن جندب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم رؤيا وإنه قال لنا ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان فقالا لي: انطلق، فانطلقت معهما فأخرجاني إلى الأرض المقدسة فأتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر ههنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود إليه فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى، قلت لهما: سبحان الله ما هذان، قالا لي: انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وآخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصبح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى، قلت: سبحان الله ما هذان، قالا لي: انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور فإذا فيه لغط وأصوات فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قلت: ما هؤلاء، فقالا لي: انطلق، فانطلقنا فأتينا على نهر أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شاطئ النهر رجل عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجر فينطلق فيسبح ثم يرجع إليه كلما رجع فغر له فاه فألقمه حجرا، قلت لهما: ما هذان، قالا لي: انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء وإذا هو عنده نار يحشها ويسعى حولها، قلت لهما: ما هذا، قالا لي: انطلق، فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قالا لي: انطلق، فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر قط روضة أعظم منها ولا أحسن، قالا لي: ارق فيها، فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء، قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، فإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المخض في البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا فذهب السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة، قالا لي: هذه جنة عدن وهذاك منزلك فسما بصري صعدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء قالا لي: هذا منزلك، قلت لهما: بارك الله فيكما ذراني فأدخله، قالا: أما الآن فلا وأنت داخله، قلت لهما: فإني رأيت منذ الليلة عجبا فما هذا الذي رأيت قالا لي: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة يفعل به إلى يوم القيامة.
وأمّا الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخراه إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة.
وأمّا الرجال والنساء العراة الذين في مثل التنور فإنهم الزناة والزواني.
وأمّا الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة فإنه آكل الربا.
وأمّا الرجل الكريه المرآة الذي عنده النار يحشها فإنه مالك خازن النار.
وأمّا الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم عليه السلام.
وأمّا الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة.
وأمّا القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم وأنا جبريل وهذا ميكائيل
وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت رجالا تقرض جلودهم بمقاريض من نار، قلت: ما هؤلاء قال: هؤلاء الذين يتزينون إلى ما لا يحل لهم، ورأيت خباء خبيث الريح وفيه صباح، قلت: ما هذا قال: هن نساء يتزين إلى ما لا يحل لهن، ورأيت قوما اغتسلوا من ماء الجناة، قلت: ما هؤلاء قال: هم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا.
وأخرج ابن سعد عن الأسود بن قيس العبدي قال: لقي الحسن بن علي يوما حبيب بن مسلمة فقال: يا حبيب رب ميسر لك في غير طاعة الله، فقال: أما ميسري إلى أبيك فليس من ذلك قال: بلى ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة
زائلة فلئن قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك ولو كنت إذ فعلت شرا قلت خيرا كان ذلك كما قال الله {خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} ولكنك كما قال الله (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) (المطففين الآية 14) ). [الدر المنثور: 7/506-516]

تفسير قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({تطهّرهم وتزكّيهم بها} [التوبة: 103] : " ونحوها كثيرٌ، والزّكاة: الطّاعة والإخلاص "، {لا يؤتون الزّكاة} [فصلت: 7] : «لا يشهدون أن لا إله إلّا اللّه). [صحيح البخاري: 6/64]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تطهّرهم وتزكّيهم بها ونحوها كثيرٌ وفي بعض النّسخ ومثل هذا كثيرٌ أي في القرآن ويقال التّزكية والزّكاة الطّاعة والإخلاص وصله بن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاس في قوله تطهرهم وتزكيهم بها قال الزّكاة طاعة اللّه والإخلاص قوله لا يؤتون الزّكاة لا يشهدون أن لا إله إلّا الله وصله بن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في قوله تعالى وويل للمشركين الّذين لا يؤتون الزّكاة قال هم الّذين لا يشهدون أن لا إله إلّا اللّه وهذه الآية من تفسير فصلت ذكرها هنا استطرادًا وفي تفسير بن عبّاسٍ الزّكاة بالطّاعة والتّوحيد دفعٌ لاحتجاج من احتجّ بالآية على أنّ الكفّار مخاطبون بفروع الشّريعة). [فتح الباري: 8/316]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (تطهّرهم وتزكّيهم بها ونحوها كثيرٌ والزّكاة الطاعة والإخلاص
أشار به إلى قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} (التّوبة: 103) أي: خذ يا محمّد، وقال المفسّرون: لما تاب الله على أبي لبابة وأصحابه. قالوا يا رسول الله! هذه أموالنا تصدق بها وطهّرنا واستغفر لنا فقال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا، فنزلت هذه الآية. وفي الصّدقة قولان: أحدهما: التّطوّع. والآخر: الزّكاة، وقال الزّمخشريّ: تطهرهم صفة لصدقة، وقرئ: يطهرهم، من أطهرهم بمعنى: طهرهم، وتطهرهم بالجزم جوابا للأمر والتّاء في تطهرهم للخطاب أو لغيبة المؤنّث، والتزكية مبالغة في التّطهير وزيادة فيه أو بمعنى الإنماء والبركة. قوله: (ونحوها كثيرون) وفي بعض النّسخ. ونحو هذا كثير، وهذه أحسن، وكأنّه أشار بهذا إلى أن اللّفظين المختلفين في المادّة ومتفقين في المعنى كثير في لغات العرب. وذلك لأن الزّكاة والتزكية في اللّغة الطّهارة، ولهذا قال الزّمخشريّ: والتزكية مبالغة في التّطهير، وهذا يشير إلى أن معنى التّزكية التّطهير. ولكن فيه زيادة وتجيء التّزكية أيضا بمعنى النّماء والبركة والمدح، وكل ذلك قد استعمل في القرآن، وعجبي من الشّرّاح كيف أهملوا تحرير مثل هذا ونظائره. قوله: (والزّكاة الطّاعة) ، يعني: تأتي بمعنى الطّاعة وبمعنى الإخلاص، وروى ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس، رضي الله تعالى عنهما، في قوله: (تطهرهم وتزكيهم بها) قال: الزّكاة طاعة الله والإخلاص.
لا يؤتون الزّكاة لا يشهدون أن لا إله إلاّ الله
أشار به إلى قوله تعالى: {وويل للمشركين الّذين لا يؤتون الزّكاة} (فصلت: 7) ولكن هذه الآية من سورة فصلت ذكرها هنا استطرادًا وفسرها بقوله: لا يشهدون أن لا إله إلّا الله وروى ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس أنه فسرها هكذا). [عمدة القاري: 18/258-259]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: {خذ من أموالهم صدقة} ({تطهرهم وتزكيهم بها}) [التوبة: 103] بمعنى واحد لأن الزكاة والتزكية في اللغة الطهارة (ونحوها) وفي نسخة ونحو هذا (كثير) في القرآن أو في لغات العرب (والزكاة الطاعة والإخلاص) أي تأتي بمعناهما رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: ({تطهرهم وتزكيهم بها}) قال الزكاة طاعة الله والإخلاص.
وقوله تعالى في سورة فصلت: {وويل للمشركين الذين} ({لا يؤتون الزكاة}) [فصلت: 6] قال ابن عباس فيما رواه عليّ بن أبي طلحة عنه (لا يشهدون أن لا إله إلا الله) وهذا ذكره استطرادًا). [إرشاد الساري: 7/140]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (وقوله: تطهرهم وتزكيهم هما بمعنى واحد لأن الزكاة والتزكية في اللغة الطهارة). [حاشية السندي على البخاري: 3/52]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكنٌ لهم واللّه سميعٌ عليمٌ}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد خذ من أموال هؤلاء الّذين اعترفوا بذنوبهم فتابوا منها صدقةً تطهّرهم من دنس ذنوبهم {وتزكّيهم بها} يقول: وتنميهم وترفعهم عن خسيس منازل أهل النّفاق بها، إلى منازل أهل الإخلاص. {وصلّ عليهم} يقول: وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم، واستغفر لهم منها. {إنّ صلاتك سكنٌ لهم} يقول: إنّ دعاءك واستغفارك طمأنينةٌ لهم بأنّ اللّه قد عفا عنهم وقبل توبتهم {واللّه سميعٌ عليم} يًقول: واللّه سميعٌ لدعائك إذا دعوت لهم ولغير ذلك من كلام خلقه، عليمٌ بما تطلب بهم بدعائك ربّك لهم وبغير ذلك من أمور عباده.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: جاءوا بأموالهم يعني أبا لبابة وأصحابه حين أطلقوا فقالوا: يا رسول اللّه هذه أموالنا فتصدّق بها عنّا واستغفر لنا قال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئًا. فأنزل اللّه: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها} يعني بالزّكاة: طاعة اللّه والإخلاص. {وصلّ عليهم} يقول: استغفر لهم.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا أطلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبا لبابة وصاحبيه، انطلق أبو لبابة وصاحباه بأموالهم، فأتوا بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: خذ من أموالنا فتصدّق به عنّا، وصلّ علينا يقولون: استغفر لنا وطهّرنا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا آخذ منها شيئًا حتّى أومر فأنزل اللّه: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكنٌ لهم} يقول: استغفر لهم من ذنوبهم الّتي كانوا أصابوا. فلمّا نزلت هذه الآية أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جزءًا من أموالهم، فتصدّق بها عنهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن زيد بن أسلم، قال: لمّا أطلق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أبا لبابة والّذين ربطوا أنفسهم بالسّواري، قالوا: يا رسول اللّه خذ من أموالنا صدقةً تطهّرنا بها فأنزل اللّه: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم} الآية.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قال الّذين ربطوا أنفسهم بالسّواري حين عفا اللّه عنهم يا نبيّ اللّه طهّر أموالنا فأنزل اللّه: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها}، وكان الثّلاثة إذا اشتكى أحدهم اشتكى الآخران مثله، وكان عمي منهم اثنان، فلم يزل الآخر يدعو حتّى عمي.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: الأربعة: جدّ بن قيسٍ، وأبو لبابة، وحرامٌ، وأوسٌ، وهم الّذين قيل فيهم: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكنٌ لهم} أي وقارٌ لهم. وكانوا وعدوا من أنفسهم أن ينفقوا ويجاهدوا ويتصدّقوا.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سلمان، قال: سمعت الضّحّاك، قال: لمّا أطلق نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبا لبابة وأصحابه، أتوا نبيّ اللّه بأموالهم، فقالوا: يا نبيّ اللّه خذ من أموالنا فتصدّق به عنّا، وطهّرنا وصلّ علينا يقولون: استغفر لنا. فقال نبيّ اللّه: لا آخذ من أموالكم شيئًا حتّى أومر فيها. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم} من ذنوبهم الّتي أصابوا. {وصلّ عليهم} يقول: استغفر لهم. ففعل نبيّ اللّه عليه الصّلاة والسّلام ما أمره اللّه به.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، قوله: {خذ من أموالهم صدقةً} أبو لبابة وأصحابه. {وصلّ عليهم} يقول: استغفر لهم لذنوبهم الّتي كانوا أصابوا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكنٌ لهم} قال: هؤلاء ناسٌ من المنافقين ممّن كان تخلّف عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة تبوك، اعترفوا بالنّفاق وقالوا: يا رسول اللّه قد ارتبنا ونافقنا وشككنا، ولكن توبةٌ جديدةٌ وصدقةٌ نخرجها من أموالنا فقال اللّه لنبيّه عليه الصّلاة والسّلام: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها} بعد ما قال: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}.
واختلف أهل العربيّة في وجه رفع تزكّيهم، فقال بعض نحويّي البصرة: رفع تزكّيهم بها في الابتداء وإن شئت جعلته من صفة الصّدقة، ثمّ جئت بها توكيدًا، وكذلك تطهّرهم.
وقال بعض نحويّي الكوفة: إن كان قوله: {تطهّرهم} للنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام فالاختيار أن تجزم بأنّه لم يعد على الصّدقة عائدٌ، {وتزكّيهم} مستأنفٌ، وإن كانت الصّدقة تطهّرهم، وأنت تزكّيهم بها جاز أن تجزم الفعلين وترفعهما.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب في ذلك من القول أنّ قوله: {تطهّرهم} من صلة الصّدقة، لأنّ القرّاء مجمعةٌ على رفعها، وذلك دليلٌ على أنّه من صلة الصّدقة. وأمّا قوله: {وتزكّيهم بها} فخبرٌ مستأنفٌ، بمعنى: وأنت تزكّيهم بها، فلذلك رفع.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {إنّ صلاتك سكنٌ لهم} فقال بعضهم: رحمةٌ لهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، {إنّ صلاتك سكنٌ لهم} يقول: رحمةٌ لهم.
وقال آخرون: بل معناه: إنّ صلاتك وقارٌ لهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {إنّ صلاتك سكنٌ لهم} أي وقارٌ لهم.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته قرّاء المدينة: إنّ صلواتك سكنٌ لهم بمعنى دعواتك.
وقرأ قرّاء العراق وبعض المكّيّين: {إنّ صلاتك سكنٌ لهم} بمعنى إنّ دعاءك. وكأنّ الّذين قرءوا ذلك على التّوحيد رأوا أنّ قراءته بالتّوحيد أصحّ؛ لأنّ في التّوحيد من معنى الجمع وكثرة العدد ما ليس في قوله: إنّ صلواتك سكنٌ لهم إذ كانت الصّلوات هي جمعٌ لما بين الثّلاث إلى العشر من العدد دون ما هو أكثر من ذلك، والّذي قالوا من ذلك عندنا كما قالوا. وبالتّوحيد عندنا القراءة لا لعلّة أنّ ذلك في العدد أكثر من الصّلوات، ولكن المقصود منه الخبر عن دعاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وصلاته أنّه سكنٌ لهؤلاء القوم لا الخبر عن العدد، وإذا كان ذلك كذلك كان التّوحيد في الصّلاة أولى). [جامع البيان: 11/659-664]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكنٌ لهم واللّه سميعٌ عليمٌ (103)
قوله تعالى: خذ من أموالهم صدقةً
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت وآخرون اعترفوا بذنوبهم أرسل إليهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- فأطلقهم وعذرهم فجاءوا بأموالهم فقالوا: يا رسول اللّه، هذه أموالنا فتصدّق بها عنّا واستغفر لنا قال: ما أمرت أن آخذ أموالكم فأنزل اللّه خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها الآية.
- حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة، في قوله: خذ من أموالهم صدقةً قال: من البقر والإبل والغنم، وغيره.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو الجماهر ثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة قوله: خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها قال: ذكر لنا أنّهم سبعة رهطٍ تخلّفوا عن غزوة تبوك، أمّا أربعةٌ: فهم الّذين خلطوا عملا صالحًا وآخر سيّئًا، وفيهم قيل: خذ من أموالهم صدقةً وكانوا وعدوا اللّه أن يجاهدوا ويتصدّقوا.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول الله: خذ من أموالهم صدقةً وكانوا وعدوا اللّه أن يجاهدوا ويتصدّقوا.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول الله: خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكنٌ لهم قال: هؤلاء ناسٌ من المنافقين، ممّن كان تخلّف عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- في غزوة تبوك، اعترفوا بالنّفاق وقالوا: يا رسول اللّه، قد ارتبنا ونافقنا وشككنا، ولكن توبةٌ جديدةٌ وصدقةٌ نخرجها من أموالنا للّه، فقال اللّه- عزّ وجلّ- لنبيّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها.
قوله تعالى: تطهّرهم.
- حدّثنا أبي ثنا عبد العزيز بن منيبٍ، أنبأ أبو معاذٍ النّحويّ عن عبيد بن سليمان عن الضّحّاك: فأنزل اللّه عزّ وجلّ: خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها من ذنوبهم الّتي أصابوا.
قوله تعالى: وتزكّيهم بها.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: وتزكّيهم بها يعني بالزّكاة: طاعة اللّه والإخلاص.
قوله تعالى: وصلّ عليهم.
- وبه عن ابن عبّاسٍ وصلّ عليهم يقول: استغفر لهم.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامر بن الفرات عن أسباطٍ عن السّدّيّ، قوله: وصلّ عليهم يقول: ادع لهم.
قوله تعالى: إنّ صلاتك سكنٌ لهم والله سميع عليم.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ، قوله: سكنٌ لهم يقول: قريةٌ لهم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، قوله: إنّ صلاتك سكن لهم يقول: رحمةٌ.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة، قوله: إنّ صلاتك سكنٌ لهم أي: وقارٌ لهم.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا راشد بن سعيد بن راشدٍ المقدسيّ أنبأ الوليد عن سعيدٍ عن قتادة: إنّ صلاتك سكنٌ لهم قال: أمنٌ لهم). [تفسير القرآن العظيم: 6/1874-1876]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 103.
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} قال: من ذنوبهم التي أصابوا
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {وصل عليهم} قال: استغفر لهم من ذنوبهم التي أصابوها {إن صلاتك سكن لهم} قال: رحمة لهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {وصل عليهم} يقول: ادع لهم {إن صلاتك سكن لهم} قال: استغفارك يسكن قلوبهم ويطمن لهم.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجة، وابن المنذر، وابن مردويه عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بصدقة قال: اللهم صل على آل فلان، فأتاه أبي بصدقة فقال: اللهم صل على آل أبي أوفي.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {سكن لهم} قال: أمن لهم
وأخرج ابن أبي شيبة، عن جابر بن عبد الله قال: أتانا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت له امرأتي: يا رسول الله صل علي وعلى زوجي، فقال صلى الله عليك وعلى زوجك.
وأخرج ابن أبي شيبة عن خارجة بن زيد عن عمه يزيد بن ثابت - وكان أكبر من زيد - قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد فسأل عنه فقالوا: فلانة، فعرفها فقال أفلا آذنتموني بها قالوا: كنت قائلا فكرهنا أن نؤذيك، فقال: لا تفعلوا، ما مات منكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي عليه رحمة.
وأخرج الباوردي في معرفة الصحابة، وابن مردويه عن دلسم السدوسي قال: قلنا لبشير بن الخصاصية: إن أصحاب الصدقة يعتدون علينا أفنكنتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا فقال: إذا جاؤوكم فاجمعوها ثم مروهم فليصلوا عليكم ثم تلا هذه الآية {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم}). [الدر المنثور: 7/516-518]

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا سفيان، عن عبد الله بن السائب، عن عبد الله بن قتادة المحاربي، قال: سمعت ابن مسعود، يقول: ما تصدق رجل بصدقة، إلا وقعت في يد الرب قبل أن تقع في يد السائل، وهو يضعها في يد السائل، قال: وهو في القرآن، فقرأ: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات} [سورة التوبة: 104] ). [الزهد لابن المبارك: 2/389]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن أيوب عن القاسم بن محمد عن أبي هريرة في قوله تعالى ويأخذ الصدقات قال إن الله يقبل الصدقة إذا كانت من طيب ويأخذها بيمينه وإن الرجل ليتصدق بمثل اللقمة فيربيها الله كما يربى أحدكم فصيله أو مهره فتربو في كنف الله أو قال في يده حتى تكون مثل أحد). [تفسير عبد الرزاق: 1/287]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن عبد الله بن السائب عن عبد الله عن قتادة عن عبد الله بن مسعود قال ما تصدق رجل بصدقة إلا وقعت في يد الله قبل أن تقع في يد السائل وهو يضعها في يد السائل ثم قرأ ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عبادة ويأخذ الصدقات). [تفسير عبد الرزاق: 1/287]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ألم يعلموا أنّ الله هو يقبل التّوبة عن عباده}
- أخبرنا سويد بن نصرٍ، أخبرنا عبد الله، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيدٍ المقبريّ، عن أبي الحباب، عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من مؤمنٍ يتصدّق بصدقةٍ من كسبٍ طيّبٍ، ولا يقبل الله إلّا طيّبًا، إلّا كان الله يأخذها منه بيمينه فيربّيها كما يربّي أحدكم فلوّه أو فصيله، حتّى تبلغ الثّمرة مثل أحدٍ»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/119]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات وأنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم}.
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره أخبر المؤمنين به أنّ قبول توبة من تاب من المنافقين، وأخذ الصّدقة من أموالهم إذا أعطوها ليسا إلى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنّ نبيّ اللّه حين أبى أن يطلق من ربط نفسه بالسّواري من المتخلّفين عن الغزو معه وحين ترك قبول صدقتهم بعد أن أطلق اللّه عنهم حين أذن له في ذلك إنّما فعل ذلك من أجل أنّ ذلك لم يكن إليه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنّ ذلك إلى اللّه تعالى ذكره دون محمّدٍ، وأنّ محمّدًا إنّما يفعل ما يفعل من تركٍ وإطلاقٍ، وأخذ صدقةٍ وغير ذلك من أفعاله بأمر اللّه. فقال جلّ ثناؤه: ألم يعلم هؤلاء المتخلّفون عن الجهاد مع المؤمنين الموثقو أنفسهم بالسّواري، القائلون لا نطلق أنفسنا حتّى يكون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هو الّذي يطلقنا، السّائلو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخذ الصّدقة أموالهم؛ أنّ ذلك ليس إلى محمّدٍ، وأنّ ذلك إلى اللّه، وأنّ اللّه هو الّذي يقبل توبة من تاب من عباده أو يردّها، ويأخذ صدقة من تصدّق منهم، أو يردّها عليه دون محمّدٍ، فيوجّهوا توبتهم وصدقتهم إلى اللّه، ويقصدوا بذلك قصد وجهه دون محمّدٍ وغيره، ويخلصوا التّوبة له ويريدوه بصدقتهم، ويعلموا أنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم؟ يقول: المرجع بعبيده إلى العفو عنهم إذا رجعوا إلى طاعته، الرّحيم بهم إذا هم أنابوا إلى رضاه من عقابه.
وكان ابن زيدٍ يقول في ذلك ما:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: قال الآخرون، يعني الّذين لم يتوبوا من المتخلّفين: هؤلاء؛ يعني الّذين تابوا كانوا بالأمس معنا لا يكلّمون ولا يجالسون، فما لهم؟ فقال اللّه: {أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات وأنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم}.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، قال: أخبرني رجلٌ - كان يأتي حمّادًا ولم يجلس إليه قال شعبة: قال العوّام بن حوشبٍ هو قتادة، أو ابن قتادة رجلٌ من محاربٍ - قال سمعت عبد اللّه بن السّائب، وكان جاره، قال: سمعت عبد اللّه بن مسعودٍ يقول: ما من عبدٍ تصدّق بصدقةٍ إلاّ وقعت في يد اللّه، فيكون هو الّذي يضعها في يد السّائل. وتلا هذه الآية: {هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن عبد اللّه بن السّائب، عن عبد اللّه بن أبي قتادة المحاربيّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: ما تصدّق رجلٌ بصدقةٍ إلاّ وقعت في يد اللّه قبل أن تقع في يد السّائل، وهو يضعها في يد السّائل. ثمّ قرأ: {ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده، ويأخذ الصّدقات}.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن عبد اللّه بن السّائب، عن عبد اللّه بن أبي قتادة، عن ابن مسعودٍ، بنحوه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن السّائب، عن عبد اللّه بن أبي قتادة، قال: قال عبد اللّه: إنّ الصّدقة تقع في يد اللّه قبل أن تقع في يد السّائل، ثمّ قرأ هذه الآية: {هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبّاد بن منصورٍ، عن القاسم، أنّه سمع أبا هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه يقبل الصّدقة، ويأخذها بيمينه، فيربّيها لأحدكم كم يربّي أحدكم مهره، حتّى إنّ اللّقمة لتصير مثل أحدٍ، وتصديق ذلك في كتاب اللّه: {أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات} و{يمحق اللّه الرّبا ويربي الصّدقات}.
- حدّثنا سليمان بن عمر بن الأقطع الرّقّيّ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن سفيان، عن عبّاد بن منصورٍ، عن القاسم، عن أبي هريرة، ولا أراه إلاّ قد رفعه، قال: إنّ اللّه يقبل الصّدقة، ثمّ ذكر نحوه.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن أيّوب، عن القاسم بن محمّدٍ، عن أبي هريرة، قال: إنّ اللّه يقبل الصّدقة إذا كانت من طيّبٍ، ويأخذها بيمينه، وإنّ الرّجل يتصدّق بمثل اللّقمة، فيربّيها اللّه له، كما يربّي أحدكم فصيله أو مهره، فتربو في كفّ اللّه أو قال في يد اللّه حتّى تكون مثل الجبل.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات} ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: والّذي نفس محمّدٍ بيده، لا يتصدّق رجلٌ بصدقةٍ فتقع في يد السّائل حتّى تقع في يد اللّه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، {" وأنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم} يعني إن استقاموا). [جامع البيان: 11/665-668]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات وأنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم (104)
قوله تعالى: ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم قال: فقال الآخرون: هؤلاء كانوا معنا بالأمس لا يكلّمون ولا يجالسون فما لهم؟ فقال اللّه- عزّ وجلّ: ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات.
قوله تعالى: ويأخذ الصدقات
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ ثنا وكيعٌ عن عبّاد بن منصورٍ ثنا القاسم بن محمّدٍ قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- «إنّ اللّه يقبل الصّدقات» ، ويأخذها بيمينه فيربّيها لأحدكم كما يربّي أحدكم مهره أو فلوّه حتّى إنّ اللّقمة لتصير مثل أحدٍ، وتصديق ذلك في كتاب اللّه. هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ عن سفيان عن عبد اللّه ابن السّائب عن عبد اللّه بن قتادة المحاربيّ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: ما تصدّق رجلٌ بصدقةٍ حتّى يضعها في يد اللّه قبل أن يضعها في يد السّائل وهو يضعها في يد السّائل، ثمّ قرأ: هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات
قوله تعالى: وأنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عيسى الدّامغانيّ ثنا جريرٌ عن عمارة عن أبي زرعة قال: إنّ أوّل شيءٍ كتبه سبحانه: أنا التّوّاب، أتوب على من تاب). [تفسير القرآن العظيم: 6/1876-1877]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أحمد بن جعفرٍ القطيعيّ، ثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، حدّثني أبي، ثنا عبدٌ، ثنا معمرٌ، عن أيّوب، عن القاسم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، {أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات} [التوبة: 104] قال: إنّ «اللّه يقبل الصّدقة، إذا كانت من طيّبٍ فيأخذها بيمينه، وإنّ الرّجل ليتصدّق بمثل اللّقمة، فيربّيها اللّه له كما يربّي أحدكم فصيله، أو مهره فيربو في كفّ اللّه، أو في يد اللّه حتّى يكون مثل أحدٍ» قد اتّفق الشّيخان على إخراج حديث أبي الحباب سعيد بن يسارٍ عن أبي هريرة بغير هذا اللّفظ «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطهما ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2/363]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 104.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: قال الآخرون: هؤلاء كانوا معنا بالأمس لا يكلمون ولا يجالسون فما لهم فأنزل الله {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده} الآية.
وأخرج عبد الرزاق والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود قال: ما تصدق رجل بصدقة إلا وقعت في يد الله قبل أن تقع في يد السائل، قال: وهو يضعها في يد السائل ثم قرأ {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات}.
وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة في قوله {ويأخذ الصدقات} قال: إن الله هو يقبل الصدقة إذا كانت من طيب ويأخذها بيمينه وإن الرجل ليصدق بمثل اللقمة فيربيها به كما يربي أحدكم فصيله أو مهره فتربوا في كف الله حتى تكون مثل أحد.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ما من عبد يتصدق بصدقة طيبة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا طيبا ولا يصعد إلى السماء إلا طيب - فيضعها في حق إلا كانت كأنما يضعها في يد الرحمن فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى أن اللقمة أو التمرة لتأتي يوم القيامة مثل الجبل العظيم وتصديق ذلك في كتاب الله العظيم {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات}.
وأخرج الدارقطني في الأفراد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقوا فإن أحدكم يعطي اللقمة أو الشيء فتقع في يد الله عز وجل قبل أن تقع في يد السائل ثم تلا هذه الآية {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات} فيربيها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله فيوفيها إياه يوم القيامة). [الدر المنثور: 7/519-520]

تفسير قوله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون وستردّون إلى عالم الغيب والشّهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وقل} يا محمّد لهؤلاء الّذين اعترفوا لك بذنوبهم من المتخلّفين عن الجهاد معك: {اعملوا} للّه بما يرضيه من طاعته وأداء فرائضه، {فسيرى اللّه عملكم ورسوله} يقول: فسيرى اللّه إن عملتم عملكم، ويراه رسوله. {والمؤمنون} في الدّنيا {وستردّون} يوم القيامة إلى من يعلم سرائركم وعلانيتكم، فلا يخفى عليه شيءٌ من باطن أموركم وظواهرها.
{فينبّئكم بما كنتم تعملون} يقول: فيخبركم بما كنتم تعملون؛ وما منه خالصًا وما منه رياء وما منه طاعة وما منه لله معصية فيجازيكم على ذلك كله جزاءكم المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ، {وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون} قال: هذا وعيدٌ). [جامع البيان: 11/668-669]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون وستردّون إلى عالم الغيب والشّهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون (105)
قوله تعالى: وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون.
- حدثنا أبو عبيد الله بن أخي بن وهبٍ ثنا عمّي ثنا يونس عن الزّهريّ أخبرني عروة بن الزّبير: أنّ عائشة كانت تقول: واللّه ما احتقرت أعمال أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- حتّى ينجم القرّاء الّذين طعنوا على عثمان، فقالوا: قولا لا نحسن مثله وقرءوا قراءةً لا نقرأ مثلها وصلّوا صلاةً لا نصلّي مثلها، فلمّا تذكّرت، إذا واللّه- ما يقاربون عمل أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فإذا أعجبك حسن قول امرئٍ منهم فقل: اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشّهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون.
ولا يستخفّنّك أحدٌ.
- حدّثنا الرّبيع بن سليمان أنبأ ابن وهبٍ أنا سليمان بن بلالٍ ثنا موسى ابن عبيدة عن أياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه أنّه قال: بينما نحن مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- إذ مرّ بجنازةٍ فأثنى عليها فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: وجبت، ثمّ مرّ بجنازة أخرى فأثنى عليها بعض النّاس بعض الثّناء فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وجبت، فقالوا يا رسول اللّه، مرّ بجنازة الأولى فقلت:
وجبت، ثمّ مرّ بالآخرة فقلت: وجبت، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ الملائكة شهداء اللّه في السّماء، وأنتم شهداء اللّه في الأرض، فما شهدتم عليه من شيءٍ وجب وذلك قول الله: اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1877-1878]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فسيرى اللّه عملكم ورسوله} [التوبة: 105].
- عن سلمة بن الأكوع «أنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - قرأ {فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون} [التوبة: 105]».
رواه الطّبرانيّ، وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/33]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا معاوية بن هشامٍ، عن سفيان عن موسى بن عبيدة، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه- رضي اللّه عنه- "أن ّرسول اللّه صلى الله عليه وسلم قرأ: (فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) .
هذا إسنادٌ فيه موسى بن عبيدة الرّبذيّ وهو ضعيفٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/217]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو بكرٍ: حدثنا معاوية بن هشامٍ، عن سفيان، (عن) موسى بن عبيدة، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه رضي الله عنهما، قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ: {فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون}). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/708]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 105.
أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله} قال: هذا وعيد من الله عز وجل.
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني وأبو الشيخ، وابن مردويه عن سلمة بن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن سلمة بن الأكوع قال: مر بجنازة فأثنى عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت، ثم مر بجنازة أخرى فأثنى عليها فقال: وجبت، فسئل عن ذلك فقال: إن الملائكة شهداء الله في السماء وأنتم شهداء الله في الأرض فما شهدتم عليه من شيء وجب وذلك قول الله {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت: ما احتقرت أعمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نجم القراء الذين طعنوا على عثمان فقالوا قولا لا نحسن مثله وقرأوا قراءة لا نقرأ مثلها وصلوا صلاة لا نصلي مثلها فلما تذكرت إذن والله ما يقاربون عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أعجبك حسن قول إمرئ منهم {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} ولا يستخفنك أحد.
وأخرج أحمد وأبو يعلى، وابن حبان والحاكم والبيهقي في الشعب، وابن أبي الدنيا في الإخلاص والضياء في المختارة عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لأخرج الله عمله للناس كائنا ما كان والله أعلم). [الدر المنثور: 7/520-521]

تفسير قوله تعالى: (وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وآخرون مرجون لأمر الله قال هم الثلاثة الذين تخلفوا). [تفسير عبد الرزاق: 1/287]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( (مرجئون) : " مؤخّرون). [صحيح البخاري: 6/64]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله مرجون مؤخّرون سقط هذا لأبي ذرٍّ). [فتح الباري: 8/315]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (مرجؤون مؤخّرون
لم يثبت هذا في رواية أبي ذر، وأشار به إلى قوله تعالى: (وآخرون مرجؤون لأمر الله إمّا يعذبهم وإمّا يتوب عليهم) ، (التّوبة: 106) وفسّر مرجؤون، بقوله: مؤخرون أي: يؤخرون لأمر الله ليقضي الله فيهم ما هو قاض، ومرجؤون من أرجأت الأمر وأرجيته بهمز وبغيره وكلاهما بمعنى التّأخير، ومنه المرجئة. وهم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصيّة كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة. أي: آخره عنهم، والمرجئة بهمز ولا تهمز، فالنسبة من الأول مرجىء ومن الثّاني مرجي، والمراد من قوله تعالى: {وآخرون مرجؤون} الثّلاثة الّذين خلفوا في غزوة تبوك، وهم: مرارة بن الرّبيع وكعب بن مالك وهلال بن أميّة قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد كسلاً وميلاً إلى الدعة والخفض وطيب الثّمار والظلال، لا شكا ونفاقا قاله ابن عبّاس ومجاهد وعكرمة والضّحّاك وآخرون). [عمدة القاري: 18/256]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (قوله: {وآخرون} ({مرجون}) [التوبة: 106] أي (مؤخرون) لأمر الله ليقضي فيهم ما هو قاض وهذه ساقطة لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/139]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وآخرون مرجون لأمر اللّه إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم واللّه عليمٌ حكيمٌ}.
يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء المتخلّفين عنكم حين شخصتم لعدوّكم أيّها المؤمنون آخرون.
ورفع قوله آخرون عطفًا على قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيّئًا}.
{وآخرون مرجون} يعني مرجئون لأمر اللّه وقضائه.
يقال منه أرجأته أرجئه إرجاءً وهو مرجأٌ بالهمز وترك الهمز، وهما لغتان معناهما واحدٌ، وقد قرأت القرّاء بهما جميعًا.
وقيل: عني بهؤلاء الآخرين نفرًا ممّن كان تخلّف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة تبوك، فندموا على ما فعلوا ولم يعتذروا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند مقدمه، ولم يوثقوا أنفسهم بالسّواري، فأرجأ اللّه أمرهم إلى أن صحّت توبتهم، فتاب عليهم وعفا عنهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: وكان ثلاثةٌ منهم يعني من المتخلّفين عن غزوة تبوك لم يوثقوا أنفسهم بالسّواري أرجئوا سبتةً لا يدرون أيعذّبون أو يتاب عليهم. فأنزل اللّه: {لقد تاب اللّه على النّبيّ والمهاجرين}.. إلى قوله: {إنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا نزلت هذه الآية يعني قوله: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها} أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أموالهم يعني من أموال أبي لبابة وصاحبيه فتصدّق بها عنهم، وبقي الثّلاثة الّذين خالفوا أبا لبابة، ولم يوثقوا، ولم يذكروا بشيءٍ، ولم ينزل عذرهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت. وهم الّذين قال اللّه: {وآخرون مرجون لأمر اللّه إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم واللّه عليمٌ حكيمٌ} فجعل النّاس يقولون: هلكوا إذ لم ينزل لهم عذرًا وجعل آخرون يقولون: عسى اللّه أن يغفر لهم فصاروا مرجئين لأمر اللّه، حتّى نزلت: {لقد تاب اللّه على النّبيّ والمهاجرين والأنصار الّذين اتّبعوه في ساعة العسرة} الّذين خرجوا معه إلى الشّام.
{من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريقٍ منهم ثمّ تاب عليهم إنّه بهم رءوفٌ رحيمٌ}. ثمّ قال: {وعلى الثّلاثة الّذين خلّفوا} يعني المرجئين لأمر اللّه نزلت عليهم التّوبة فعمّوا بها، فقال: {حتّى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم} إلى قوله: {إنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا سويد بن عمرٍو، عن حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن عكرمة، {وآخرون مرجون لأمر اللّه} قال: هم الثّلاثة الّذين خلّفوا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {وآخرون مرجون لأمر اللّه} قال: هلال بن أميّة، ومرارة بن الرّبيع، وكعب بن مالكٍ من الأوس والخزرج.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وآخرون مرجون لأمر اللّه} هلال بن أميّة، ومرارة بن الرّبيع، وكعب بن مالكٍ من الأوس والخزرج.
- قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، مثله.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وآخرون مرجون لأمر اللّه} هم الثّلاثة الّذين خلّفوا عن التّوبة يريد غير أبي لبابة وأصحابه ولم ينزل اللّه عذرهم، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت. وكان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيهم فرقتين: فرقةٌ تقول: هلكوا حين لم ينزل اللّه فيهم ما أنزل في أبي لبابة وأصحابه، وتقول فرقةٌ أخرى: عسى اللّه أن يعفو عنهم وكانوا مرجئين لأمر اللّه. ثمّ أنزل اللّه رحمته ومغفرته، فقال: {لقد تاب اللّه على النّبيّ والمهاجرين}.. الآية، وأنزل اللّه: {وعلى الثّلاثة الّذين خلّفوا} الآية.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وآخرون مرجون لأمر اللّه} قال: كنّا نحدّث أنّهم الثّلاثة الّذين خلّفوا: كعب بن مالكٍ، وهلال بن أميّة، ومرارة بن الرّبيع، رهطٌ من الأنصار.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {وآخرون مرجون لأمر اللّه} قال: هم الثّلاثة الّذين خلّفوا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، {وآخرون مرجون لأمر اللّه إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم} وهم الثّلاثة الّذين خلّفوا، وأرجأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمرهم حتّى أتتهم توبتهم من اللّه.
وأمّا قوله: {إمّا يعذّبهم} فإنّه يعني: إمّا أن يحجزهم اللّه عن التّوبة بخذلانه إيّاهم، فيعذّبهم بذنوبهم الّتي ماتوا عليها في الآخرة {وإمّا يتوب عليهم} يقول: وإمّا يوفقهم للتّوبة، فيتوبوا من ذنوبهم، فيغفر لهم. {واللّه عليمٌ حكيمٌ} يقول: واللّه ذو علمٍ بأمرهم، وما هم صائرون إليه من التّوبة، والمقام على الذّنب، حكيمٌ في تدبيرهم وتدبير من سواهم من خلقه، لا يدخل حكمه خللٌ). [جامع البيان: 11/669-673]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وآخرون مرجون لأمر اللّه إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم واللّه عليمٌ حكيمٌ (106)
قوله تعالى: وآخرون مرجون لأمر اللّه.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قال: وكان ثلاثة نفرٍ لم يوثّقوا أنفسهم بالسّواري أرجوا سنةً لا يدرون أيعذّبون أو يتاب عليهم؟ فأنزل اللّه تعالى يعني قوله: وآخرون مرجون لأمر اللّه.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة حدّثنا شبابة حدّثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: وآخرون مرجون لأمر اللّه هلال بن أميّة ومرارة بن ربعيّ وكعب بن مالكٍ من الأوس والخزرج.
قوله تعالى: إمّا يعذّبهم.
- يقول: يميتهم على معصيتهم، وإمّا يتوب عليهم فأرجأ أمرهم ولم يذكرهم بتوبةٍ حين تاب على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- وأصحابه ونسخها فقال: وعلى الثلاثة الذين خلفوا الآية.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق قوله: وإمّا يتوب عليهم واللّه عليمٌ حكيمٌ وهم الثّلاثة الّذين خلّفوا، وأرجأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمرهم حتّى أتت توبتهم من اللّه عزّ وجلّ). [تفسير القرآن العظيم: 6/1878]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 106
أخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله {وآخرون مرجون لأمر الله} قال: هم الثلاثة الذين خلفوا.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {وآخرون مرجون} قال: هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكعب بن مالك من الأوس والخزرج.
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب، أن أبا لبابة أشار إلى بني قريظة بأصبعه أنه الذبح فقال: خنت الله ورسوله، فنزلت (لا تخونوا الله والرسول) (الأنفال الآية 27) ونزلت {وآخرون مرجون لأمر الله} فكان ممن تاب الله عليه.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {إما يعذبهم} يقول: يميتهم على معصية {وإما يتوب عليهم} فأرجا أمرهم ثم نسخها فقال (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) (التوبة الآية 118) ). [الدر المنثور: 7/521-522]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 09:58 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) )

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق...}
ومرنوا عليه مرووا عليه؛ كقولك: تمردوا.
وقوله: {سنعذّبهم مّرّتين}. فقال بالقتل وعذاب القبر). [معاني القرآن: 1/450]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مردوا على النّفاق} أي عتوا ومرّنوا عليه وهو من قولهم: تمرّد فلان، ومنه {شيطانٍ مريد} [22: 3] ). [مجاز القرآن: 1/268]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {مردوا على النفاق} و{شيطان مريد} فقالوا مرد مرادة، ومردا أيضًا، وهو مريد ومارد؛ أي شيطان مريد؛ أي خبيث). [معاني القرآن لقطرب: 648]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مردوا على النفاق}: المارد الخبيث). [غريب القرآن وتفسيره: 166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {سنعذّبهم مرّتين} بالقتل والأسر. وقال الحسن: عذاب الدنيا وعذاب القبر). [تفسير غريب القرآن: 192]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذّبهم مرّتين ثمّ يردّون إلى عذاب عظيم}
مقدّم ومؤخر، {مردوا} متصل بقوله منافقون.
{سنعذبهم مرتين}.
أي سنعذبهم بالإنفاق وبالفعل، وقيل بالقتل وعذاب القبر.
{ثم يردون إلى عذاب عظيم}.
أي يعذبون في الآخرة). [معاني القرآن: 2/466-467]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق}
في الكلام تقديم وتأخير المعنى وممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا على النفاق ومن أهل المدينة أي من أهل المدينة مثلهم
ثم قال جل وعز: {لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين}
قال الحسن وقتادة عذاب الدنيا وعذاب القبر
قال قتادة ثم يردون إلى عذاب عظيم أي عذاب جهنم
وقيل سنعذبهم مرتين يعني السباء والقتل
وقال الفراء بالقتل وعذاب القبر
وقال مجاهد بالجوع والقتل). [معاني القرآن: 3/248-249]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {مردوا على النفاق} أي: تطاولوا على النفاق). [ياقوتة الصراط: 247]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} عذاب الآخرة وعذاب الدنيا. وقيل: القتل والأسر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَرَدُواْ}: خبثوا، عتوا). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {خلطوا عملاً صالحاً...}
يقول: خرجوا إلى بدر فشهدوها. ويقال: العمل الصالح توبتهم من تخلفهم عن غزوة تبوك.
{وآخر سيّئاً}: تخلّفهم يوم تبوك {عسى اللّه} عسى من الله واجب إن شاء الله. وكان هؤلاء قد أوثقوا أنفسهم بسواري المسجد، وحلفوا ألا يفارقوا ذلك حتى تنزل توبتهم، فلمّا نزلت قالوا: يا رسول الله خذ أموالنا شكرا لتوبتنا، فقال: لا أفعل حتى ينزل بذلك عليّ قرآن. فأنزل الله عز وجل:
قوله: {خذ من أموالهم صدقةً} ). [معاني القرآن: 1/450-451]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً عسى الله أن يتوب عليهم إنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
وقال: {خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً} فيجوز في العربية أن تكون "بآخر" كما تقول: "استوى الماء والخشبة" أي: "بالخشبة" و"خلطت الماء واللّبن" أي "بالّلبن"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا}
قال الضحاك هؤلاء قوم تخلفوا عن غزوة تبوك منهم أبو لبابة فندموا وربطوا أنفسهم إلى سواري المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا أعذرهم فأنزل الله جل وعز: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم}
وعسى من الله واجبة فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم بأموالهم فأبى أي يقبلها فأنزل الله: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم}
قال أبي وصل عليهم واستغفر لهم
وقيل هم الثلاثة الذين خلفوا والعمل الصالح الذي عملوه أنهم لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وربطوا أنفسهم بسواري المسجد وقالوا لا نقرب أهلا ولا ولدا حتى ينزل الله عذرنا
{وآخر سيئا} هو تخلفهم عن غزوة تبوك حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والأول الصحيح). [معاني القرآن: 3/249-250]

تفسير قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {خذ من أموالهم صدقةً}.
فأخذ بعضا.
ثم قال: {تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم}: استغفر لهم، فإن استغفارك لهم تسكن إليه قلوبهم، وتطمئن بأن قد تاب الله عليهم. وقد قرئت {صلواتك}. والصلاة أكثر). [معاني القرآن: 1/451]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ صلواتك سكنٌ لهم} أي إن دعاءك تثبيت وسكون ورجاء، قال الأعشى:

تقول بنتي وقد قرّبت مرتحلاً..=. يا ربّ جنّب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي.=.. نوماً فإن لجنب المرءٍ مضطجعا
رفعته كرفع قولك: إذا قال السلام عليكم، قلت أنت: وعليك السلام وبعضهم ينصبه على الإغراء والأمر: أن تلزم هذا الذي دعت به فتردده وتدعو به). [مجاز القرآن: 1/268]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكنٌ لّهم واللّه سميعٌ عليمٌ}
وقال: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها} فقوله: {وتزكّيهم بها} على الابتداء وإن شئت جعلته من صفة الصدقة ثم جئت بها توكيداً. وكذلك {تطهّرهم} ). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الصلاة: الدعاء. قال الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}.
أي: ادع لهم، إنّ ذلك مما يسكّنهم وتطمئن إليه قلوبهم.
وقال: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} [التوبة: 99] يعني: دعاءه.
وقال الأعشى يذكر الخمر والخمّار:
وقابلها الرِّيح فِي دَنِّهَا = وَصَلَّى عَلى دَنِّهَا وَارْتَسَمْ
أي: دعا لها بالسلامة من الفساد والتغيّر). [تأويل مشكل القرآن: 460] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم واللّه سميع عليم}
يصلح أن تكون تطهرهم بها نعتا للصدقة، كأنه قال: خذ من أموالهم صدقة مطهرة، والأجود أن يكون تطهرهم للنبي - صلى الله عليه وسلم.
المعنى خذ من أموالهم صدقة فإنك تطهرهم بها، ويجوز " تطهرهم " بالجزم على جواب الأمر. المعنى إن تأخذ من أموالهم تطهرهم وتزكهم.
ولا يجوز في القراءة إلا بإثبات الياء في تزكيهم، اتباعا للمصحف.
{وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم}.
أي ادع لهم.
و{سكن} أي: يسكنون بها). [معاني القرآن: 2/467]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} ادعُ لهم.
{سَكَنٌ لَهُمْ} أي تثبيت لهم وطمأنينة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يقبل التّوبة عن عباده} أي من عبيده، كقولك أخذته منك وأخذته عنك). [مجاز القرآن: 1/268]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ويأخذ الصّدقات} أي يقبلها. ومثله: {خذ العفو} [سورة الأعراف آية: 199] أي أقبله). [تفسير غريب القرآن: 192]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الأخذ: أصله باليد، ثم يستعار في مواضع:
فيكون بمعنى: القبول، قال الله تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: 81] أي: قبلتم عهدي، وقال تعالى: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} [المائدة: 41] أي فاقبلوه.
وقال: {وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104] أي يقبلها). [تأويل مشكل القرآن: 502] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات وأنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم}
تأويله ويقبل الصّدقات، وكذلك ما يروى " إن الصدقة تقع في يد اللّه جلّ وعزّ تأويله أن الصّدقة يتقبلها الله جل ثناؤه ويضاعف عليها). [معاني القرآن: 2/467]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات}
أي ويقبلها
ومنه {خذ العفو وأمر بالعرف}
ومنه الحديث الصدقة تقع في يد الله عز وجل أي يقبلها). [معاني القرآن: 3/250-251]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} أي يقبلها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) )

تفسير قوله تعالى: (وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وآخرون مرجون لأمر اللّه...}
هم ثلاثة نفرٍ مسمّون، تخلّفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فلما رجع قال: "ما عذركم"؟ قالوا: لا عذر لنا إلا الخطيئة، فكانوا موقوفين حتى نزلت توبتهم في قوله: {لقد تاب الله على النّبيّ والمهاجرين والأنصار...}). [معاني القرآن: 1/451]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وآخرون مرجون لأمر الله} أي مؤخرون، يقال: أرجأتك، أي أخّرتك). [مجاز القرآن: 1/269]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وآخرون مرجون لأمر اللّه إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم واللّه عليمٌ حكيمٌ}
وقال: {وآخرون مرجون} لأنه من "أرجأت" وقال بعضهم {مرجون} في لغة من قال {أرجيت} ). [معاني القرآن: 2/30]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو {وآخرون مرجئون لأمر الله} يهمز من: أرجأته.
[معاني القرآن لقطرب: 635]
والأعرج {مرجون} بغير همز، من أرجيته، وهما لغتان). [معاني القرآن لقطرب: 636]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مرجؤن}: مؤخرون). [غريب القرآن وتفسيره: 166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وآخرون مرجون لأمر اللّه} أي مؤخرون على أمره). [تفسير غريب القرآن: 192]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {وآخرون مرجون لأمر اللّه إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم واللّه عليم حكيم}
{وآخرون مرجأون لأمر اللّه}
معنى {مرجأون} مؤخرون.
يقال أرجأت الأمر، إذا أخّرته.
ويقرأ {مرجون} على أرجيت.
و {آخرون} عطف على قوله: {وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة}.
المعنى: من أهل المدينة منافقون ومنهم آخرون مرجون.
ويقال إنهم الثلاثة الذين خلّفوا
{إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم}.
{إمّا} لوقوع أحد الشيئين، واللّه عزّ وجلّ عالم بما يصير إليه أمرهم، إلا أن هذا للعباد، خوطبوا بما يعلمون، فالمعنى لكن أمرهم عندكم على هذا في الخوف والرجاء). [معاني القرآن: 2/467-468]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وآخرون مرجون لأمر الله} أي مؤخرون
يقال أرجأت الأمر وقد حكي أرجيت
ثم قال جل وعز: {إما يعذبهم وإما يتوب عليهم}
وإما لأحد أمرين ليكونوا كذا عندهم
ويقال إن المرجئين ههنا هم الثلاثة الذين خلفوا وذكرهم الله عز وجل في قوله: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا}
وقرأ عكرمة الذين خلفوا بفتح الخاء مخففا وقال أي خلفوا بعقب النبي صلى الله عليه وسلم
ومعنى خلفوا تركوا فلم تقبل توبتهم كما قرئ على بكر بن سهل عن أبي صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه كعب بن مالك وذكر الحديث وقال فيه وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن خلف له واعتذر إليه فقبل منه قال سهل بن سعد وكعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع العمري
قال مجاهد هم من الأوس والخزرج). [معاني القرآن: 3/251-252]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وآخرون مرجون} أي: مؤخرون). [ياقوتة الصراط: 247]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُرْجَؤنَ}: مؤخرون). [العمدة في غريب القرآن: 149]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:11 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) }

تفسير قوله تعالى: {وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "لما أوشكت أن تضلعا": يقول: لما قاربت ذلك، والوشيك القريب من الشيء والسريع إليه، يقال: يوشك فلان أن يفعل كذا وكذا، والماضي منه أوشك، ووقعت بأن وهو أجود، وبغير "أن" كما كان ذلك في" لعل"، تقول: لعل زيدًا يقوم، فهذه الجيدة، قال الله عز وجل: {لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا}، و{لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} و{لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} وقال تميم بن نويرة:

لعلك يومًا أن تلم ملمةٌ = عليك من اللائي يدعنك أجدعا
وعسى، الأجود فيها أن تستعمل بأن، كقولك: عسى زيد أن يقوم، كما قال الله عز وجل: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} وقال جل ثناؤه {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} ويجوز طرح "أن "وليس بالوجه الجيد، قال هدبة:
عسى الكر بالذي أمسيت فيه = يكون وراءه فرجٌ قريب
وقال آخر:
عسى الله يغني عن بلاد ابن قادرٍ = بمنهمرٍ جون الرباب سكوب
وحروف المقاربة لها باب قد ذكرناها فيه على مقاييسها في الكتاب المقتضب بغاية الاستقصاء). [الكامل: 1/253-255] (م)

تفسير قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
فيا قوم هل من حيلة تعرفونها
موضع "تعرفونها" خفضٌ، لأنه نعت للحيلة وليس بجواب، ولو كان ههنا شرط يوجب جوابًا لا نجزم، تقول: ائتني بدابة أركبها، أي بدابةٍ مركوبة، فإذا أردت معنى: فإنك إن أتيتني بدابة ركبتها قلت: "أركبها"، لأنه جواب الأمر، كما أن الأول جواب الاستفهام، وفي القرآن: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، أي مطهرة لهم، وكذلك: {أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا} أي كائنة لنا عيدًا، وفي الجواب: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا}، أي إن تركوا خاضوا ولعبوا، وأما قوله عز وجل: {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} فإنما هو فذرهم في هذه الحال لأنهم كانوا يلعبون، وكذلك: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}، إنما هو ولا تمنن مستكثرًا فمعنى ذا: هل معروفة عندكم?). [الكامل: 1/373-374]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والسكن قال أهل الدار كلهم، قال أحمد: والسكن: كل ما سكنت إليه ووثقت به واطمأننت إليه، قال الله تعالى: {إن صلاتك سكن لهم}، والمرأة سكن للرجل والسكن
النار). [شرح المفضليات: 231-232]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) }

تفسير قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) }

تفسير قوله تعالى: {وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وتقول هذا رجل مرجئ وهم المرجئة وإن شئت قلت مرج وهم المرجية لأنه يقال أرجأت الأمر وأرجيته إذا أخرته قال الله جل ثناؤه: {وآخرون مرجون لأمر الله} أي مؤخرون وقال الله جل وعز: {أرجه وأخاه} وقد قرئ (أرجئه وأخاه) وينسب إلى من قال مرج بلا همز هذا رجل مرجى ومن قال: هذا رجل مرجئ ثم نسب إليه قال: هذا رجل مرجئي). [إصلاح المنطق: 146]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( ومنه أيضا قولهم: قد أرجأت الناقة؛ إذا دنا نتاجها، وقد أرجأت الأمر؛ إذا أخرته، قال الله عز وجل: {وآخرون مرجئون لأمر الله}، أي مؤخرون). [كتاب الأضداد: 422]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:16 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:17 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وممّن حولكم من الأعراب الآية، مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم شرك في بعضها أمته، والإشارة بقوله وممّن حولكم من الأعراب هي إلى جهينة ومزينة وأسلم وغفار وعصية ولحيان وغيرهم من القبائل المجاورة للمدينة، فأخبر الله عن منافقيهم، وتقدير الآية: ومن أهل المدينة قوم أو منافقون هذا أحسن ما حمل اللفظ، ومردوا قال أبو عبيدة: معناه مرنوا عليه ولجوا فيه، وقيل غير هذا مما هو قريب منه، وقال ابن زيد: أقاموا عليه لم يتوبوا كما تاب الآخرون.
والظاهر من معنى اللفظ أن التمرد في الشيء أو المردود عليه إنما هو اللجاج والاستهتار به والعتو على الزاجر وركوب الرأس في ذلك، وهو مستعمل في الشر لا في الخير، ومن ذلك قولهم شيطان مارد ومريد،
ومن هذا سميت مراد لأنها تمردت، وقال بعض الناس: يقال تمرد الرجل في أمر كذا إذا تجرد له، وهو من قولهم شجرة مرداء إذا لم يكن عليها ورق، ومنه صرحٌ ممرّدٌ [النمل: 44] ومنه قولهم: تمرد مارد وعز الأبلق ومنه الأمرد الذي لا لحية له، فمعنى مردوا في هذه الآية لجوا فيه واستهتروا به وعتوا على زاجرهم، ثم نفى عز وجل علم نبيه بهم على التعيين، وأسند الطبري عن قتادة في قوله لا تعلمهم نحن نعلمهم قال: فما بال أقوام يتكلفون علم الناس فلان في الجنة فلان في النار فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال لا أدري، أنت لعمري بنفسك أعلم منك بأعمال الناس، ولقد تكلفت شيئا ما تكلفه الرسل، قال نبي الله نوح صلى الله عليه وسلم وما علمي بما كانوا يعملون [الشعراء: 112] وقال نبي الله شعيب صلى الله عليه وسلم بقيّت اللّه خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظٍ [هود: 86] وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: لا تعلمهم نحن نعلمهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقوله تعالى: سنعذّبهم مرّتين ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيمٍ في مصحف أنس بن مالك «سيعذبهم» بالياء والكلام على القراءتين وعيد، واللفظ يقتضي ثلاثة مواطن من العذاب، ولا خلاف بين المتأولين أن «العذاب العظيم» الذي يردون إليه هو عذاب الآخرة، وأكثر الناس أن العذاب المتوسط هو عذاب القبر، واختلف في عذاب المرة الأولى فقال مجاهد وغيره: هو عذابهم بالقتل والجوع، وهذا بعيد لأن منهم من لم يصبه هذا، وقال ابن عباس أيضا: عذابهم هو بإقامة حدود الشرع عليهم مع كراهيتهم فيه، وقال ابن إسحاق: عذابهم هو همهم بظهور الإسلام وعلو كلمته، وقال ابن عباس وهو الأشهر عنه: عذابهم هو فضيحتهم ووصمهم بالنفاق، وروي في هذا التأويل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم جمعة فندد بالمنافقين وصرح وقال اخرج يا فلان من المسجد فإنك منافق واخرج أنت يا فلان واخرج أنت يا فلان حتى أخرج جماعة منهم، فرآهم عمر يخرجون من المسجد وهو مقبل إلى الجمعة فظن أن الناس انتشروا وأن الجمعة فاتته فاختبأ منهم حياء، ثم وصل إلى المسجد فرأى أن الصلاة لم تقض وفهم الأمر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا بهم هو على جهة التأديب اجتهادا منه فيهم، ولم يسلخهم ذلك من الإسلام وإنما هو كما يخرج العصاة والمتهمون، ولا عذاب أعظم من هذا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يتكلم فيهم على الإجمال دون تعيين، فهذا أيضا من العذاب، وقال قتادة وغيره: العذاب الأول هي علل وأدواء أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنه يصيبهم بها، وأسند الطبري في ذلك عن قتادة أنه قال ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أسرّ إلى حذيفة باثني عشر رجلا من المنافقين وقال «ستة منهم تكفيكهم الدبيلة سراج من نار جهنم تأخذ في كتف أحدهم حتى تقضي إلى صدره، وستة يموتون موتا»، ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا مات رجل ممن يظن أنه منهم نظر إلى حذيفة فإن صلى صلى عمر عليه وإلا ترك.
وذكر لنا أن عمر رضي الله عنه قال لحذيفة أنشدك بالله أمنهم أنا؟ قال لا والله ولا أؤمن منها أحدا بعدك؟ وقال ابن زيد في قوله تعالى: سنعذّبهم مرّتين أما عذاب الدنيا فالأموال والأولاد، لكل صنف عذاب، فهو مرتان، وقرأ قول الله تعالى: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنّما يريد اللّه ليعذّبهم بها في الحياة الدّنيا [التوبة: 55] وقال ابن زيد أيضا «المرتان» هي في الدنيا، الأولى القتل والجوع والمصائب، والثانية الموت إذ هو للكفار عذاب، وقال الحسن: الأولى هي أخذ الزكاة من أموالهم، و «العذاب العظيم» هو جميع ما بعد الموت، وأظن الزجّاج أشار إليه).[المحرر الوجيز: 4/ 393-395]

تفسير قوله تعالى: {وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً عسى اللّه أن يتوب عليهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (102) خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكنٌ لهم واللّه سميعٌ عليمٌ (103)
المعنى ومن هذه الطوائف آخرون اعترفوا بذنوبهم، واختلف في تأويل هذه الآية
فقال ابن عباس فيما روي عنه وأبو عثمان: هي في الأعراب وهي عامة في الأمة إلى يوم القيامة فيمن له أعمال صالحة وسيئة، فهي آية ترج على هذا، وأسند الطبري هذا عن حجاج بن أبي زينب قال سمعت أبا عثمان يقول: ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله وآخرون اعترفوا بذنوبهم، وقال قتادة بل نزلت هذه الآية في أبي لبابة الأنصاري خاصة في شأنه مع بني قريظة، وذلك أنه كلمهم في النزول على حكم الله ورسوله فأشار هو لهم إلى حلقه يريد أن النبي صلى الله عليه وسلم يذبحهم إن نزلوا، فلما افتضح تاب وندم وربط نفسه في سارية من سواري المسجد، وأقسم أن لا يطعم ولا يشرب حتى يعفو الله عنه أو يموت، فمكث كذلك حتى عفا الله عنه ونزلت هذه الآية وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحله، وذكر هذا الطبري عن مجاهد، وذكره ابن إسحاق في كتاب السير أوعب وأتقن، وقالت فرقة عظيمة: بل نزلت هذه الآية في شأن المتخلفين عن غزوة تبوك، فكان عملهم السيّء التخلف بإجماع من أهل هذه المقالة،
واختلفوا في «الصالح» فقال الطبري وغيره الاعتراف والتوبة والندم، وقالت فرقة بل «الصالح» غزوهم فيما سلف من غزو النبي صلى الله عليه وسلم، ثم اختلف أهل هذه المقالة في عدد القوم الذين عنوا بهذه الآية، فقال ابن عباس: كانوا عشرة رهط ربط منهم أنفسهم سبعة، وبقي الثلاثة الذين خلفوا دون ربط المذكورون بعد هذا، وقال زيد بن أسلم كانوا ثمانية منهم كردم ومرداس وأبو قيس وأبو لبابة،
وقال قتادة: كانوا سبعة، وقال ابن عباس أيضا وفرقة: كانوا خمسة، وكلهم قال كان فيهم أبو لبابة، وذكر قتادة فيهم الجد بن قيس وهو فيما أعلم وهم لأن الجد لم يكن نزوله توبة، وأما قوله وآخر فهو بمعنى بآخر وهما متقاربان، وعسى من الله واجبة.
وروي في خبر الذين ربطوا أنفسهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل المسجد فرآهم، قال ما بال هؤلاء؟ فقيل له إنهم تابوا وأقسموا أن لا ينحلوا حتى يحلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعذرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وأنا والله لا أحلهم ولا أعذرهم إلا أن يأمرني الله بذلك، فإنهم تخلفوا عني وتركوا جهاد الكفار مع المؤمنين»). [المحرر الوجيز: 4/ 395-397]

تفسير قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله خذ من أموالهم صدقةً الآية، روي أن أبا لبابة والجماعة التائبة التي ربطت أنفسها وهي المقصودة بقوله خلطوا عملًا صالحاً وآخر سيّئاً جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تيب عليها فقالت يا رسول الله إنّا نريد أن نتصدق بأموالنا زيادة في توبتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أعرض لأموالكم إلا بأمر من الله فتركهم حتى نزلت هذه الآية فهم المراد بها، فروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ ثلث أموالهم مراعاة لقوله تعالى: من أموالهم، فهذا هو الذي تظاهرت به أقوال المتأولين، ابن عباس رضي الله عنه وغيره،
وقالت جماعة من الفقهاء: المراد بهذه الزكاة المفروضة، فقوله على هذا خذ من أموالهم. ضميره لجميع الناس، وهو عموم يراد به الخصوص إذ يخرج من الأموال الأنواع التي لا زكاة فيها كالثياب والرباع ونحوه، والضمير الذي في أموالهم أيضا كذلك عموم يراد به خصوص، إذ يخرج منه العبيد وسواهم، وقوله صدقةً مجمل يحتاج إلى تفسير، وهذا يقتضي أن الإمام يتولى أخذ الصدقات وينظر فيها، ومن في هذه الآية للتبعيض، هذا أقوى وجوهها، وقوله تطهّرهم وتزكّيهم بها أحسن ما يحتمل أن تكون هذه الأفعال مسندة إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن تكون في موضع الحال من الضمير في خذ، ويحتمل أن تكون من صفة «الصدقة»، وهذا مترجح بحسب رفع الفعل ويكون قوله بها أي بنفسها أي يقع تطهيرهم من ذنوبهم بها، ويحتمل أن يكون تطهّرهم صفة «للصدقة»، وتزكّيهم مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون حالا من «الصدقة»، وذلك ضعيف لأنها حال من نكرة، وحكى مكي أن يكون تطهّرهم من صفة الصدقة، وقوله وتزكّيهم بها حالا من الضمير في خذ.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا مردود لمكان واو العطف لأن ذلك يتقدر خذ من أموالهم صدقة مطهرة ومزكيا بها، وهذا فاسد المعنى، ولو لم يكن في الكلام واو العطف جاز، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «تطهرهم» بسكون الطاء،
وقوله وصلّ عليهم معناه ادع لهم فإن في دعائك لهم سكونا لأنفسهم وطمأنينة ووقارا، فهذه عبارة عن صلاح المعتقد، وحكى مكي والنحاس وغيرهما أنه قيل إن هذه الآية منسوخة بقوله ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبداً [التوبة: 84].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا وهم بعيد، وذلك أن تلك في المنافقين الذين لهم حكم الكافرين، وهذه في التائبين من التخلف الذين لهم حكم المؤمنين فلا تناسخ بين الآيتين، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ونافع وابن عامر «إن صلواتك» بالجمع، وكذلك في هود وفي المؤمنين وقرأ حفص عن عاصم وحمزة والكسائي «ان صلاتك» بالإفراد، وكذلك قرأ حمزة والكسائي في هود وفي المؤمنين، وقرأ عاصم في المؤمنين وحدها جمعا، ولم يختلفوا في سورة الأنعام وسأل سائل، وهو مصدر أفردته فرقة وجمعته فرقة، وقوله سميعٌ لدعائك عليمٌ أي بمن يهدي ويتوب عليه وغير ذلك مما تقتضيه هاتان الصفتان، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية فعل ما أمر به من الدعاء والاستغفار لهم، قال ابن عباس سكنٌ لهم رحمه لهم، وقال قتادة سكنٌ لهم أي وقار لهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإنما معناه أن من يدعو له النبي صلى الله عليه وسلم فإنه تطيب نفسه ويقوى رجاؤه، ويروى أنه قد صحت وسيلته إلى الله تعالى وهذا بين). [المحرر الوجيز: 4/ 397-400]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات وأنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم (104) وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون وستردّون إلى عالم الغيب والشّهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون (105)
قرأ جمهور الناس «ألم يعلموا» على ذكر الغائب، وقرأ الحسن بن أبي الحسن بخلاف عنه «ألم تعلموا» على معنى قل لهم يا محمد «ألم تعلموا»، وكذلك هي في مصحف أبي بن كعب بالتاء من فوق، والضمير في يعلموا قال ابن زيد: يراد به الذين لم يتوبوا من المتخلفين، وذلك أنهم لما تيب على بعضهم قال الغير ما هذه الخاصة التي خص بها هؤلاء؟ فنزلت هذه الآية، ويحتمل أن يكون الضمير في يعلموا يراد به الذين تابوا وربطوا أنفسهم، وقوله هو تأكيد لانفراد الله بهذه الأمور وتحقيق لذلك، لأنه لو قال إن الله يقبل التوبة لاحتمل، ذلك أن يكون قبول رسوله قبولا منه فبينت الآية أن ذلك مما لا يصل إليه نبي ولا ملك، وقوله ويأخذ الصّدقات معناه يأمر بها ويشرعها كما تقول أخذ السلطان من الناس كذا إذا حملهم على أدائه.
وقال الزجّاج: معناه ويقبل الصدقات، وقد وردت أحاديث في أخذ الله صدقة عبيده، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه عبد الله بن أبي قتادة المحاربي عن ابن مسعود عنه: «إن العبد إذا تصدق بصدقة وقعت في يد الله قبل أن تقع في يد السائل»، ومنها قوله الذي رواه أبو هريرة: «إن الصدقة تكون قدر اللقمة يأخذها الله بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل الجبل»، ونحو هذا من الأحاديث التي هي عبارة عن القبول والتحفي بصدقة العبد، فقد يحتمل أن تخرج لفظة ويأخذ على هذا،
ويتعلق بهذه الآية القول في قبول التوبة، وتلخيص ذلك أن قبول التوبة من الكفر يقطع به عن الله عز وجل إجماعا، وهذه نازلة هذه الآية، وهذه الفرقة التائبة من النفاق تائبة من كفر، وأما قبول التوبة من المعاصي فيقطع بأن الله تعالى يقبل من طائفة من الأمة توبتهم، واختلف هل تقبل توبة الجميع، وأما إذا عين إنسان تائب فيرجى قبول توبته ولا يقطع بها على الله، وأما إذا فرضنا تائبا غير معين صحيح التوبة فهل يقطع على الله بقبول توبته أم لا، فاختلف فقالت فرقة فيها الفقهاء والمحدثون- وهو كان مذهب أبي رضي الله عنه- يقطع على الله بقول توبته لأنه تعالى أخبر بذلك عن نفسه، وعلى هذا يلزم أن تقبل توبة جميع التائبين، وذهب أبو المعالي وغيره من الأئمة إلى أن ذلك لا يقطع به على الله تعالى بل يقوى فيه الرجاء، ومن حجتهم أن الإنسان إذا قال في الجملة إني لا أغفر لمن ظلمني ثم جاء من قد سبه وآذاه فله تعقب حقه، وبالغفران لقوم يصدق وعده ولا يلزمه الغفران لكل ظالم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ونحو هذا من القول، والقول الأول أرجح والله الموفق للصواب، وقوله تعالى عن عباده هي بمعنى «من»، وكثيرا ما يتوصل في موضع واحد بهذه وهذه، تقول لا صدقة إلا عن غنى ومن غنى، وفعل فلان ذلك من أشره وبطره وعن أشره وبطره، وقوله تعالى ألم يعلموا تقرير، والمعنى حق لهم أن يعلموا). [المحرر الوجيز: 4/ 400-401]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله وقل اعملوا الآية، صيغة أمر مضمنها الوعيد، وقال الطبري: المراد بها الذين اعتذروا من المتخلفين وتابوا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والظاهر أن المراد بها الذين اعتذروا ولم يتوبوا وهم المتوعدون وهم الذين في ضمير قوله ألم يعلموا إلا على الاحتمال الثاني من أن الآيات كلها في الذين خلطوا عملًا صالحاً وآخر سيّئاً [التوبة: 84]، ومعنى فسيرى اللّه أي موجودا معوضا للجزاء عليه بخير أو شر، وأما الرسول والمؤمنون فرؤيتهم رؤية حقيقة لا تجوز، وقال ابن المبارك رؤية المؤمنين هي شهادتهم على المرء بعد موته وهي ثناؤهم عند الجنائز، وقال الحسن ما معناه: إنهم حذروا من فراسة المؤمن التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله»، وقوله تعالى وستردّون إلى عالم الغيب والشّهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون يريد البعث من القبور، والغيب والشّهادة معناه ما غاب وما شوهد، وهي حالتان تعم كل شيء، وقوله فينبّئكم عبارة عن حضور الأعمال وإظهارها للجزاء عليها وهذا وعيد). [المحرر الوجيز: 4/ 401-402]

تفسير قوله تعالى: {وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وآخرون مرجون لأمر اللّه إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم واللّه عليمٌ حكيمٌ (106) والّذين اتّخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب اللّه ورسوله من قبل وليحلفنّ إن أردنا إلاّ الحسنى واللّه يشهد إنّهم لكاذبون (107)
قوله وآخرون عطف على قوله أولا وآخرون [التوبة: 84]، وقرأ نافع والأعرج وابن نصاح وأبو جعفر وطلحة والحسن وأهل الحجاز «مرجون» من أرجى دون همز، وقرأ أبو عمرو وعاصم وأهل البصرة «مرجؤون» من أرجأ يرجئ بالهمز، واختلف عن عاصم، وهما لغتان، ومعناهما التأخير ومنه المرجئة لأنهم أخروا الأعمال أي أخروا حكمها ومرتبتها، وأنكر المبرد ترك الهمز في معنى التأخير وليس كما قال، والمراد بهذه الآية فيما قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة وابن إسحاق الثلاثة الذين خلفوا وهم هلال بن أمية الواقفي ومرارة بن الربيع العامري وكعب بن مالك، ونزلت هذه الآية قبل التوبة عليهم، وقيل إنها نزلت في غيرهم من المنافقين الذين كانوا معرضين للتوبة مع بنائهم مسجد الضرار، وعلى هذا يكون الذين اتخذوا بإسقاط واو العطف بدلا من آخرون، أو خبر ابتداء تقديره هم الذين، فالآية على هذا فيها ترج لهم واستدعاء إلى الإيمان والتوبة، وعليمٌ معناه بمن يهدي إلى الرشد، وحكيمٌ فيما ينفذه من تنعيم من شاء وتعذيب من شاء لا رب غيره ولا معبود سواه). [المحرر الوجيز: 4/ 402-403]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:27 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذّبهم مرّتين ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيمٍ (101)}
يخبر تعالى رسوله، صلوات اللّه وسلامه عليه، أنّ في أحياء العرب ممّن حول المدينة منافقين، وفي أهل المدينة أيضًا منافقون {مردوا على النّفاق} أي: مرنوا واستمرّوا عليه: ومنه يقال: شيطانٌ مريدٌ وماردٌ، ويقال: تمرّد فلانٌ على اللّه، أي: عتا وتجبّر.
وقوله: {لا تعلمهم نحن نعلمهم} لا ينافي قوله تعالى: {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنّهم في لحن القول} الآية [محمّدٍ:30]؛ لأنّ هذا من باب التّوسّم فيهم بصفاتٍ يعرفون بها، لا أنّه يعرف جميع من عنده من أهل النّفاق والرّيب على التّعيين. وقد كان يعلم أنّ في بعض من يخالطه من أهل المدينة نفاقًا، وإن كان يراه صباحًا ومساءً، وشاهد هذا بالصّحّة ما رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن النّعمان بن سالمٍ، عن رجلٍ، عن جبير بن مطعمٍ، رضي اللّه عنه، قال: قلت: يا رسول اللّه، إنّهم يزعمون أنّه ليس لنا أجرٌ بمكّة، فقال: لتأتينّكم أجوركم ولو كنتم في جحر ثعلبٍ وأصغى إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم برأسه فقال: "إنّ في أصحابي منافقين"
ومعناه: أنّه قد يبوح بعض المنافقين والمرجفين من الكلام بما لا صحّة له، ومن مثلهم صدر هذا الكلام الّذي سمعه جبير بن مطعمٍ. وتقدّم في تفسير قوله: {وهمّوا بما لم ينالوا} [التّوبة:74] أنّه عليه السّلام أعلم حذيفة بأعيان أربعة عشر أو خمسة عشر منافقًا، وهذا تخصيصٌ لا يقتضي أنّه اطّلع على أسمائهم وأعيانهم كلّهم، واللّه أعلم.
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة "أبي عمر البيروتيّ" من طريق هشام بن عمّارٍ: حدّثنا صدقة بن خالدٍ، حدّثنا بن جابرٍ، حدّثني شيخ بيروت يكنّى أبا عمر، أظنّه حدّثني عن أبي الدّرداء؛ أنّ رجلًا يقال له "حرملة" أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: الإيمان هاهنا -وأشار بيده إلى لسانه -والنّفاق هاهنا -وأشار بيده إلى قلبه ولم يذكر اللّه إلّا قليلًا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اللّهمّ اجعل له لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وارزقه حبّي، وحبّ من يحبّني، وصيّر أمره إلى خيرٍ". فقال: يا رسول اللّه، إنّه كان لي أصحابٌ من المنافقين وكنت رأسًا فيهم، أفلا آتيك بهم؟ قال: "من أتانا استغفرنا له، ومن أصرّ على دينه فاللّه أولى به، ولا تخرقنّ على أحدٍ سترًا"
قال: وكذا رواه أبو أحمد الحاكم، عن أبي بكرٍ الباغنديّ، عن هشام بن عمّارٍ، به.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في هذه الآية أنّه قال: ما بال أقوام يتكلفون علم النّاس؟ فلانٌ في الجنّة وفلانٌ في النّار. فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال: لا أدري! لعمري أنت بنفسك أعلم منك بأحوال النّاس، ولقد تكلّفت شيئًا ما تكلّفه الأنبياء قبلك. قال نبيّ اللّه نوحٌ: {قال وما علمي بما كانوا يعملون} [الشّعراء: 112] وقال نبيّ اللّه شعيبٌ: {بقيّة اللّه خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظٍ} [هودٍ: 86] وقال اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {لا تعلمهم نحن نعلمهم}.
وقال السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية قال: قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطيبًا يوم الجمعة فقال: "اخرج يا فلان، فإنّك منافقٌ، واخرج يا فلان فإنّك منافقٌ". فأخرج من المسجد ناسًا منهم، فضحهم. فجاء عمر وهم يخرجون من المسجد فاختبأ منهم حياءً أنّه لم يشهد الجمعة وظنّ أنّ النّاس قد انصرفوا، واختبئوا هم من عمر، ظنّوا أنّه قد علم بأمرهم. فجاء عمر فدخل المسجد فإذا النّاس لم يصلّوا، فقال له رجلٌ من المسلمين: أبشر يا عمر، قد فضح اللّه المنافقين اليوم. قال ابن عبّاسٍ: فهذا العذاب الأوّل حين أخرجهم من المسجد، والعذاب الثّاني عذاب القبر
وكذا قال الثّوريّ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ نحو هذا.
وقال مجاهدٌ في قوله: {سنعذّبهم مرّتين} يعني: القتل والسّباء وقال -في روايةٍ -بالجوع، وعذاب القبر، {ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيمٍ}
وقال ابن جريجٍ: عذاب الدّنيا، وعذاب القبر، ثمّ يردّون إلى عذاب النّار.
وقال الحسن البصريّ: عذابٌ في الدّنيا، وعذابٌ في القبر
وقال عبد الرّحمن بن زيدٍ: أمّا عذابٌ في الدّنيا فالأموال والأولاد، وقرأ قول اللّه {فلا تعجبك أموالهم وأولادهم إنّما يريد اللّه أن يعذّبهم بها في الدّنيا} [التّوبة: 85] فهذه المصائب لهم عذابٌ، وهي للمؤمنين أجرٌ، وعذابٌ في الآخرة في النّار {ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيمٍ} قال: النّار.
وقال محمّد بن إسحاق: {سنعذّبهم مرّتين} قال: هو -فيما بلغني -ما هم فيه من أمر الإسلام، وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حسبةٍ، ثمّ عذابهم في القبور إذا صاروا إليها، ثمّ العذاب العظيم الّذي يردّون إليه، عذاب الآخرة والخلد فيه.
وقال سعيدٌ، عن قتادة في قوله: {سنعذّبهم مرّتين} عذاب الدنيا، وعذاب القبر، {ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيمٍ} ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أسرّ إلى حذيفة باثني عشر رجلًا من المنافقين، فقال: "ستّةٌ منهم تكفيكهم الدّبيلة: سراجٌ من نار جهنّم، يأخذ في كتف أحدهم حتّى يفضي إلى صدره، وستّةٌ يموتون موتًا". وذكر لنا أنّ عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، كان إذا مات رجلٌ ممّن يرى أنّه منهم، نظر إلى حذيفة، فإن صلّى عليه وإلّا تركه. وذكر لنا أنّ عمر قال لحذيفة: أنشدك باللّه، أمنهم أنا؟ قال: لا. ولا أومن منها أحدًا بعدك. ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 203-206]

تفسير قوله تعالى: {وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيّئًا عسى اللّه أن يتوب عليهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (102)}
لمّا بيّن تعالى حال المنافقين المتخلّفين عن الغزاة رغبةً عنها وتكذيبًا وشكًّا، شرع في بيان حال المذنبين الّذين تأخّروا عن الجهاد كسلًا وميلًا إلى الرّاحة، مع إيمانهم وتصديقهم بالحقّ، فقال: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} أي: أقرّوا بها واعترفوا فيما بينهم وبين ربّهم، ولهم أعمالٌ أخر صالحةٌ، خلطوا هذه بتلك، فهؤلاء تحت عفو اللّه وغفرانه.
وهذه الآية -وإن كانت نزلت في أناسٍ معيّنين -إلّا أنّها عامّةٌ في كل المذنبين الخاطئين المخلصين المتلوّثين.
وقد قال مجاهدٌ: إنّها نزلت في أبي لبابة لمّا قال لبني قريظة: إنّه الذّبح، وأشار بيده إلى حلقه.
وقال ابن عبّاسٍ: {وآخرون} نزلت في أبي لبابة وجماعةٍ من أصحابه، تخلّفوا عن غزوة تبوك، فقال بعضهم: أبو لبابة وخمسةٌ معه، وقيل: وسبعةٌ معه، وقيل: وتسعةٌ معه، فلمّا رجع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من غزوته ربطوا أنفسهم بسواري المسجد، وحلفوا لا يحلّهم إلّا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا أنزل اللّه هذه الآية: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} أطلقهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وعفا عنهم.
وقال البخاريّ: حدّثنا مؤمّل بن هشامٍ، حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدّثنا عوفٌ، حدّثنا أبو رجاءٍ، حدّثنا سمرة بن جندب قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لنا: "أتاني اللّيلة آتيان فابتعثاني فانتهينا إلى مدينةٍ مبنيّةٍ بلبنٍ ذهبٍ ولبن فضّةٍ، فتلقّانا رجالٌ شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطرٌ كأقبح ما أنت راءٍ، قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر. فوقعوا فيه، ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السّوء عنهم، فصاروا في أحسن صورةٍ، قالا لي: هذه جنّة عدنٍ، وهذا منزلك. قالا أمّا القوم الّذين كانوا شطر منهم حسن وشطرٌ منهم قبيحٌ، فإنّهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيّئًا، فتجاوز اللّه عنهم".
هكذا رواه مختصرًا، في تفسير هذه الآية). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 206]

تفسير قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكنٌ لهم واللّه سميعٌ عليمٌ (103) ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات وأنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم (104)}
أمر اللّه تعالى رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بأن يأخذ من أموالهم صدقة يطهّرهم ويزكّيهم بها، وهذا عامٌّ وإن أعاد بعضهم الضّمير في "أموالهم" إلى الّذين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا عملًا صالحًا وآخر سيّئًا؛ ولهذا اعتقد بعض مانعي الزّكاة من أحياء العرب أنّ دفع الزّكاة إلى الإمام لا يكون، وإنّما كان هذا خاصًّا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ ولهذا احتجّوا بقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكنٌ لهم} وقد ردّ عليهم هذا التّأويل والفهم الفاسد الصّديق أبو بكرٍ وسائر الصّحابة، وقاتلوهم حتّى أدّوا الزّكاة إلى الخليفة، كما كانوا يؤدونها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حتّى قال الصّدّيق: واللّه لو منعوني عقالا -وفي روايةٍ: عناقًا -يؤدّونه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأقاتلنّهم على منعه.
وقوله: {وصلّ عليهم} أي: ادع لهم واستغفر لهم، كما رواه مسلمٌ في صحيحه، عن عبد اللّه بن أبي أوفى قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أتي بصدقة قومٍ صلّى عليهم، فأتاه أبي بصدقته فقال: "اللّهمّ صل على آل أبي أوفى" وفي الحديث الآخر: أنّ امرأةً قالت: يا رسول اللّه، صلّ عليّ وعلى زوجي. فقال: "صلّى اللّه عليك، وعلى زوجك".
وقوله: {إنّ صلاتك}: قرأ بعضهم: "صلواتك" على الجمع، وآخرون قرءوا: {إنّ صلاتك} على الإفراد.
{سكنٌ لهم} قال ابن عبّاسٍ: رحمةٌ لهم. وقال قتادة: وقارٌ.
وقوله: {واللّه سميعٌ} أي: لدعائك {عليمٌ} أي: بمن يستحقّ ذلك منك ومن هو أهلٌ له.
قال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، حدّثنا أبو العميس، عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة، عن ابنٍ لحذيفة، عن أبيه؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا دعا لرجلٍ أصابته، وأصابت ولده، وولد ولده.
ثمّ رواه عن أبي نعيم، عن مسعر، عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة، عن ابنٍ لحذيفة -قال مسعر:وقد ذكره مرّةً عن حذيفة -: إنّ صلاة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لتدرك الرّجل وولده وولد ولده). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 207-208]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات} هذا تهييجٌ إلى التّوبة والصّدقة اللّتين كلّ منها يحطّ الذّنوب ويمحّصها ويمحقها.
وأخبر تعالى أنّ كلّ من تاب إليه تاب عليه، ومن تصدّق بصدقةٍ من كسب حلالٍ فإنّ اللّه تعالى يتقبّلها بيمينه فيربّيها لصاحبها، حتّى تصير التّمرة مثل أحدٍ. كما جاء بذلك الحديث، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -كما قال الثّوريّ ووكيعٌ، كلاهما عن عبّاد بن منصورٍ، عن القاسم بن محمّدٍ أنّه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه يقبل الصّدقة ويأخذها بيمينه فيربّيها لأحدكم، كما يربّي أحدكم مهره، حتّى إنّ اللّقمة لتصير مثل أحدٍ"، وتصديق ذلك في كتاب اللّه، عزّ وجلّ: {[ألم يعلموا أنّ اللّه] هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات} و [قوله] {يمحق اللّه الرّبا ويربي الصّدقات} [البقرة: 276].
وقال الثّوريّ والأعمش كلاهما، عن عبد اللّه بن السّائب، عن عبد اللّه بن أبي قتادة قال: قال عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه: إنّ الصّدقة تقع في يد اللّه عزّ وجلّ قبل أن تقع في يد السّائل. ثمّ قرأ هذه الآية: {ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات}.
وقد روى ابن عساكر في تاريخه، في ترجمة عبد اللّه بن الشّاعر السّكسكي الدّمشقيّ -وأصله حمصيٌّ، وكان أحد الفقهاء، روى عن معاوية وغيره، وحكى عنه حوشب بن سيفٍ السّكسكيّ الحمصيّ -قال: غزا النّاس في زمان معاوية، رضي اللّه عنه، وعليهم عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد، فغلّ رجلٌ من المسلمين مائة دينارٍ روميّةٍ. فلمّا قفل الجيش ندم وأتى الأمير، فأبى أن يقبلها منه، وقال: قد تفرّق النّاس ولن أقبلها منك، حتّى تأتي اللّه بها يوم القيامة فجعل الرّجل يستقرئ الصّحابة، فيقولون له مثل ذلك، فلمّا قدم دمشق ذهب إلى معاوية ليقبلها منه، فأبى عليه. فخرج من عنده وهو يبكي ويسترجع، فمرّ بعبد اللّه بن الشّاعر السّكسكيّ، فقال له: ما يبكيك؟ فذكر له أمره، فقال أمطيعني أنت؟ فقال: نعم، فقال: اذهب إلى معاوية فقل له: اقبل منّي خمسك، فادفع إليه عشرين دينارًا، وانظر الثّمانين الباقية فتصدّق بها عن ذلك الجيش، فإنّ اللّه يقبل التّوبة عن عباده، وهو أعلم بأسمائهم ومكانهم ففعل الرّجل، فقال معاوية، رضي اللّه عنه: لأن أكون أفتيته بها أحبّ إليّ من كل شيء أملكه، أحسن الرجل"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 208]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون وستردّون إلى عالم الغيب والشّهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون (105)}
قال مجاهدٌ: هذا وعيد، يعني من اللّه تعالى للمخالفين أوامره بأنّ أعمالهم ستعرض عليه تبارك وتعالى، وعلى الرّسول، وعلى المؤمنين. وهذا كائنٌ لا محالة يوم القيامة، كما قال: {يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافيةٌ} [الحاقّة: 18]، وقال تعالى: {يوم تبلى السّرائر} [الطّارق: 9]، وقال {وحصّل ما في الصّدور} [العاديات: 10] وقد يظهر ذلك للنّاس في الدّنيا، كما قال الإمام أحمد: حدّثنا حسن بن موسى، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا درّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "لو أنّ أحدكم يعمل في صخرةٍ صماء ليس لها بابٌ ولا كوّة، لأخرج اللّه عمله للنّاس كائنًا ما كان"..
وقد ورد: أنّ أعمال الأحياء تعرض على الأموات من الأقرباء والعشائر في البرزخ، كما قال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا الصّلت بن دينارٍ، عن الحسن، عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "إن أعمالكم تعرض على أقربائكم وعشائركم في قبورهم، فإن كان خيرًا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: "اللّهمّ، ألهمهم أن يعملوا بطاعتك".
وقال الإمام أحمد: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن سفيان، عمّن سمع أنسًا يقول: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيرًا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللّهمّ، لا تمتهم حتّى تهديهم كما هديتنا".
وقال البخاريّ: قالت عائشة، رضي اللّه عنها: إذا أعجبك حسن عمل امرئٍ، فقل: {اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون}.
وقد ورد في الحديث شبيهٌ بهذا، قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، حدّثنا حميد، عن أنسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا عليكم أن تعجبوا بأحدٍ حتّى تنظروا بم يختم له؟ فإنّ العامل يعمل زمانًا من عمره -أو: برهة من دهره -بعملٍ صالحٍ لو مات عليه لدخل الجنّة، ثمّ يتحوّل فيعمل عملًا سيّئًا، وإنّ العبد ليعمل البرهة من دهره بعملٍ سيّئٍ، لو مات عليه دخل النّار، ثمّ يتحوّل فيعمل عملًا صالحًا، وإذا أراد اللّه بعبدٍ خيرًا استعمله قبل موته". قالوا: يا رسول اللّه وكيف يستعمله: قال: "يوفّقه لعملٍ صالحٍ ثمّ يقبضه عليه" تفرّد به أحمد من هذا الوجه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 209-210]

تفسير قوله تعالى: {وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وآخرون مرجون لأمر اللّه إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم واللّه عليمٌ حكيمٌ (106)}
قال ابن عبّاسٍ ومجاهد وعكرمة، والضّحّاك وغير واحدٍ: هم الثّلاثة الّذين خلّفوا، أي: عن التّوبة، وهم: مرارة بن الرّبيع، وكعب بن مالكٍ، وهلال بن أميّة، قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد، كسلًا وميلًا إلى الدّعة والحفظ وطيّب الثّمار والظّلال، لا شكًّا ونفاقًا، فكانت منهم طائفةٌ ربطوا أنفسهم بالسّواري، كما فعل أبو لبابة وأصحابه، وطائفةٌ لم يفعلوا ذلك وهم هؤلاء الثّلاثة المذكورون، فنزلت توبة أولئك قبل هؤلاء، وأرجى هؤلاء عن التّوبة حتّى نزلت الآية الآتية، وهي قوله: {لقد تاب اللّه على النّبيّ والمهاجرين والأنصار} الآية [التّوبة: 117]، {وعلى الثّلاثة الّذين خلّفوا حتّى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت [وضاقت عليهم أنفسهم]} الآية [التّوبة: 118]، كما سيأتي بيانه في حديث كعب بن مالكٍ.
وقوله: {إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم} أي: هم تحت عفو اللّه، إن شاء فعل بهم هذا، وإن شاء فعل بهم ذاك، ولكنّ رحمته تغلب غضبه، وهو {عليمٌ حكيمٌ} أي: عليمٌ بمن يستحقّ العقوبة ممّن يستحقّ العفو، حكيمٌ في أفعاله وأقواله، لا إله إلّا هو، ولا ربّ سواه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 210]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:54 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة