التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وسخّر لكم ما في السّماوات وما في الأرض جميعا منه}.
ويقرأ (منّة), (جميعا) منصوب على الحال، والمعنى كل ذلك منه تفضّل وإحسان.
و(منّة) على معنى المفعول له، والمعنى فعل ذلك منّة، أي: منّ منّة؛ لأن تسخيره بمعنى منّ عليكم). [معاني القرآن: 4/436]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه}
روى إسرائيل , عن سماك عن عكرمة, عن ابن عباس قال: منه النور , ومنه الشمس , ومنه القمر .
ويقرأ جميعا منة بمعنى: من به منة
ويقرأ منة, بمعنى ذلك منة
ويجوز منه على أنه مصدر كما قال تعالى: {صنع الله} ). [معاني القرآن: 6/422-423]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله:{قل لّلّذين آمنوا يغفروا...}.
معناه في الأصل: حكاية بمنزلة الأمر، كقولك: قل للذين آمنوا اغفروا؛ فإذا ظهر الأمر مصرحا فهو مجزوم؛ لأنه أمر، وإذا كان على الخبر مثل قوله: {قل للذين آمنوا يغفروا}، {وقل لّعبادي يقولوا} ,و{قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة}: فهذا مجزوم بالتشبيه بالجزاء والشرط كأنه قولك: قم تصب خيرا، وليس كذلك، ولكن العرب إذا خرج الكلام في مثال غيره وهو مقارب له عرّبوه بتعريبه، فهذا من ذلك، وقد ذكرناه في غير موضع، ونزلت قوله: {قل للّذين آمنوا يغفروا للّذين لا يرجون أيّام اللّه} في المشركين قبل أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال أهل مكة.
وقوله: {ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون...}.
قرأها يحيى بن وثاب: لنجزي بالنون، وقرأها الناس بعد {ليجزي قوما} بالياء وهما سواء بمنزلة قوله: {وقد خلقتك من قبل}، {وقد خلقناك من قبل} , وقد قرأ بعض القراء فيما ذكر لي: {ليجزي قوماً} , وهو في الظاهر لحن، فإن كان أضمر في {يجزي} فعلا يقع به الرفع كما تقول: أعطي ثوبا ليجزي ذلك الجزاء قوما فهو وجه). [معاني القرآن: 3/45-46]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ للّذين لا يرجون أيّام اللّه }: لا يخافون). [مجاز القرآن: 2/210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (ومن ذلك قوله في سورة الأنبياء: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88] كتبت في المصاحف بنون واحدة، وقرأها القرّاء جميعا ننجي بنونين إلا عاصم بن أبي النّجود فإنه كان يقرؤها بنون واحدة، ويخالف القرّاء جميعا، ويرسل الياء فيها على مثال (فعل).
فأما من قرأها بنونين، وخالف الكتاب، فإنه اعتل بأن النون تخفى عند الجيم، فأسقطها كاتب المصحف لخفائها، ونيّته إثباتها.
واعتلّ بعض النحويين لعاصم فقالوا: أضمر المصدر، كأنه قال: نجّي النجاء المؤمنين، كما تقول: ضرب الضرب زيدا، ثم تضمر الضّرب، فتقول: ضرب زيدا.
وكان أبو عبيد يختار في هذا الحرف مذهب عاصم كراهية أن يخالف الكتاب، ويستشهد عليه حرفا في سورة الجاثية، كان يقرأ به أبو جعفر المدني، وهو قوله: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثية: 14] أي ليجزى الجزاء قوما.
وأنشدني بعض النحويين:
ولو ولدت فقيرةُ جروَ كلب = لسُبَّ بذلك الجرو الكلابا
). [تأويل مشكل القرآن: 54-55] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله}
قال مجاهد : أي : لا يبالون نعم الله أي لا يعلمون أنه أنعم بها عليهم كما قال تعالى: {وذكرهم بأيام الله}
قال أبو جعفر: يجوز أن يكون المعنى لا يرجون البعث , أي: لا يؤمنون به .
وقال قتادة هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} ). [معاني القرآن: 424-6/423]