تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن أبي مجلزٍ {لا تتّبعوا خطوات الشيطان} قال: النذر في المعصية [الآية: 21]). [تفسير الثوري: 222]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّبعوا خطوات الشّيطان ومن يتّبع خطوات الشّيطان فإنّه يأمر بالفحشاء والمنكر}.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: يا أيّها الّذين صدّقوا اللّه ورسوله، لا تسلكوا سبيل الشّيطان وطرقه، ولا تقتفوا آثاره، بإشاعتكم الفاحشة في الّذين آمنوا، وإذاعتكموها فيهم، وروايتكم ذلك عمّن جاء به، فإنّ الشّيطان يأمر بالفحشاء وهي الزّنا والمنكر من القول.
وقد بيّنّا معنى الخطوات والفحشاء فيما مضى بشواهد ذلك، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
القول في تأويل قوله تعالى: {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحدٍ أبدًا ولكنّ اللّه يزكّي من يشاء واللّه سميعٌ عليمٌ}.
يقول تعالى ذكره: ولولا فضل اللّه عليكم أيّها النّاس ورحمته لكم، ما تطهّر منكم من أحدٍ أبدًا من دنس ذنوبه وشركه، ولكنّ اللّه يطهّر من يشاء من خلقه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحدٍ أبدًا} يقول: ما اهتدى منكم من الخلائق لشيءٍ من الخير ينفع به نفسه، ولم يتّق شيئًا من الشّرّ يدفعه عن نفسه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحدٍ أبدًا} قال: ما زكى: ما أسلم وقال: كلّ شيءٍ في القرآن من زكى أو تزكّى فهو الإسلام.
وقوله: {واللّه سميعٌ عليمٌ} يقول: واللّه سميعٌ لما تقولون بأفواهكم، وتلقّونه بألسنتكم وغير ذلك من كلامكم، عليمٌ بذلك كلّه، وبغيره من أموركم، محيطٌ به، محصيه عليكم، ليجازيكم بكلّ ذلك). [جامع البيان: 17/221-222]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: يا أيّها الّذين آمنوا.
- حدّثنا زيد بن إسماعيل الصّائغ، ثنا معاوية بن هشامٍ، حدّثني عيسى بن راشدٍ، عن عليّ بن بذيمة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: ما في القرآن آية يا أيّها الّذين آمنوا إلا أنّ عليّاً شريفها وسيّدها وأميرها، وما من أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أحدٌ إلا قد عوتب في القرآن إلّا عليا بن أبي طالبٍ، فإنّه لم يعاتب في شيءٍ منه، وقد تقدّم تفسيره غير مرّةٍ.
قوله تعالى: لا تتبعوا خطوات الشيطان.
[الوجه الأول]
- حدّثني أبي، ثنا حسّان بن عبد اللّه المصريّ، ثنا السّريّ بن يحيى، عن سليمان التّيميّ، عن أبي رافعٍ قال: غضبت على امرأتي فقالت: هي يوم يهودية، ويوم نصرانيّةٌ، وكلّ مملوكٍ لها حرٌّ إن لم تطلّق امرأتك، فأتيت عبد اللّه بن عمر فقال: إنّما هذه من خطوات الشّيطان، وكذلك قالت زينب بنت أمّ سلمة يومئذٍ أفقه امرأةٍ بالمدينة، وأتيت عاصم بن عمر فقال مثل ذلك.
- حدّثنا عبد الرّحمن بن خلف بن عبد الرّحمن الحمصي، ثنا محمد ابن شعيب بن شأبور، ثنا شيبان بن عبد الرّحمن، ثنا منصور ابن المعتمر، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ قال: أتي عبد اللّه بضرعٍ وملحٍ فجعل يأكل، فاعتزل رجلٌ من القوم، فقال ابن مسعودٍ: ناولوا صاحبكم، فقال: لا أريده فقال: أصائمٌ أنت؟ قال: لا، قال: فما شأنك؟ قال: حرّمت أن آكل ضرعًا أبدًا، فقال ابن مسعودٍ: هذا من خطوات الشّيطان فاطعم وكفّر، عن يمينك.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: خطوات الشّيطان يقول: عمله.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، عن داود، عن الشّعبيّ، في رجلٍ نذر أن يذبح ابنه، قال: أفتاه مسروقٌ قال: هي من خطوات الشّيطان، وأفتاه بكبشٍ.
- حدّثني أبو عبد اللّه الطّهرانيّ، حدّثني حفص بن عمر، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة خطوات الشّيطان قال: نزعات الشّيطان.
- حدّثنا أبي، ثنا ثابت بن محمّدٍ الزّاهد، ثنا حسينٌ الجعفيّ، عن القاسم ابن الوليد الهمدانيّ قال: سألت قتادة، عن قول اللّه عزّ وجلّ قلت: أرأيت قول اللّه: لا تتّبعوا خطوات الشّيطان. قال: «كلّ معصيةٍ فهي من خطوات الشّيطان».
- حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجانيّ، ثنا مسدّدٌ، ثنا خالد ابن عبد اللّه الواسطيّ، ثنا التّيميّ، عن أبي مجلزٍ في قول اللّه: لا تتّبعوا خطوات الشّيطان قال: النّذور في المعاصي أو بالمعاصي.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء ابن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: لا تتّبعوا خطوات الشّيطان يًعنى: تزيين الشّيطان في قذف عائشة رضي اللّه عنها، وعن أبيها، وفي قوله: ومن يتّبع خطوات الشّيطان يًعنى: تزيين الشّيطان.
- وروي، عن أبي مالكٍ مثل ذلك، وفي قوله: فإنّه يأمر بالفحشاء والمنكر بالفحشاء يعني بالمعاصي، والمنكر يعني: ما لا يعرف، مثل ما قيل لعائشة.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: بالفحشاء يقول: الزّنا والمنكر: يقول: الشّرك، وروى، عن الحسن، وعكرمة مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 8/2551-2552]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرو زنيج، ثنا محمد ابن الفضل، قال: قال محمّد بن إسحاق: قوله: ولولا فضل اللّه أي من اللّه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته يًعنى ونعمته). [تفسير القرآن العظيم: 8/2553]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ما زكى منكم من أحدٍ أبدًا.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ما زكى منكم من أحدٍ أبدًا يقول: ما اهتدى أحدٌ من الخلائق بشيءٍ من الخير ينفع به نفسه، ولم يتّق شيئًا من الشّرّ يدفع، عن نفسه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء ابن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول الله: ما زكى يًعنى ما صلح منكم من أحدٍ أبدًا.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، أنبأ أصبغ، قال: سمعت ابن زيدٍ في قول الله: ما زكى منكم من أحدٍ أبدًا، قال: ما أسلم، قال: وكلّ شيءٍ في القرآن من زكى، أو تزكّى، فهو الإسلام.
قوله تعالى: ولكنّ اللّه يزكّي من يشاء.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: ولكنّ اللّه يزكّي من يشاء يعنى يصلح من يشاء.
قوله: واللّه سميعٌ عليم.
قد تقدم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 8/2553]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (وعن سعيد بن جبيرٍ {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّبعوا خطوات الشّيطان} [النور: 21] يعني تزيين الشّيطان ومن يتّبع خطوات الشّيطان يعني تزيين الشّيطان {فإنّه يأمر بالفحشاء} [النور: 21] يعني بالمعاصي والمنكر ما لا يعرف مثل ما قيل لعائشة {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته} [النور: 21] يعني نعمته {ما زكا منكم من أحدٍ أبدًا} [النور: 21] ما صلح منكم من أحدٍ أبدًا {ولكنّ اللّه يزكّي من يشاء} [النور: 21] يعني يصلح من يشاء.
رواه الطّبرانيّ، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعفٌ). [مجمع الزوائد: 7/79]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ما زكا منكم} قال: ما اهتدى أحد من الخلائق لشيء من الخير). [الدر المنثور: 10/688]
تفسير قوله تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسّعة أن يؤتوا} قال: كانت أمّ مسطحٍ عند عائشة فقالت: أمّ مسطحٍ تعس مسطحٌ فقالت عائشة: لم تقولين هذا لرجل من المهاجرين؟ فقالت أمّ مسطحٍ: أما تعلمين ما قد قيل؟ وكان مسطحٌ في من قال في عائشة وكان يتيمًا في حجر أبي بكرٍ فقال أبو بكرٍ: لا أنفعه بقليل ولا كثيرٍ قال: فنزلت هذه الآية {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسّعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا} إلى آخر الآية [الآية: 22]). [تفسير الثوري: 222-223]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقوله: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل اللّه، وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ}
- وقال أبو أسامة: عن هشام بن عروة، قال: أخبرني أبي، عن عائشة، قالت: لمّا ذكر من شأني الّذي ذكر، وما علمت به قام رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فيّ خطيبًا، فتشهّد فحمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله، ثمّ قال: «أمّا بعد أشيروا عليّ في أناسٍ أبنوا أهلي، وايم اللّه ما علمت على أهلي من سوءٍ، وأبنوهم بمن واللّه ما علمت عليه من سوءٍ قطّ، ولا يدخل بيتي قطّ إلّا وأنا حاضرٌ، ولا غبت في سفرٍ إلّا غاب معي» ، فقام سعد بن معاذٍ فقال: ائذن لي يا رسول اللّه أن نضرب أعناقهم، وقام رجلٌ من بني الخزرج، وكانت أمّ حسّان بن ثابتٍ من رهط ذلك الرّجل، فقال: كذبت أما واللّه أن لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم، حتّى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج شرٌّ في المسجد، وما علمت فلمّا كان مساء ذلك اليوم، خرجت لبعض حاجتي، ومعي أمّ مسطحٍ فعثرت، وقالت: تعس مسطحٌ، فقلت: أي أمّ تسبّين ابنك؟ وسكتت ثمّ عثرت الثّانية، فقالت: تعس مسطحٌ، فقلت لها: أي أمّ أتسبّين ابنك؟ فسكتت ثمّ عثرت الثّالثة، فقالت: تعس مسطحٌ فانتهرتها، فقالت: واللّه ما أسبّه إلّا فيك، فقلت في أيّ شأني؟ قالت: فبقرت لي الحديث، فقلت: وقد كان هذا، قالت: نعم، واللّه فرجعت إلى بيتي كأنّ الّذي خرجت له لا أجد منه قليلًا ولا كثيرًا، ووعكت، فقلت لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: أرسلني إلى بيت أبي، فأرسل معي الغلام فدخلت الدّار، فوجدت أمّ رومان في السّفل، وأبا بكرٍ فوق البيت يقرأ، فقالت أمّي: ما جاء بك يا بنيّة؟ فأخبرتها وذكرت لها الحديث، وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ منّي، فقالت: يا بنيّة، خفّفي عليك الشّأن فإنّه واللّه لقلّما كانت امرأةٌ حسناء عند رجلٍ يحبّها لها ضرائر إلّا حسدنها، وقيل فيها: وإذا هو لم يبلغ منها ما بلغ منّي، قلت: وقد علم به أبي؟ قالت: نعم، قلت: ورسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قالت: نعم، ورسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم واستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكرٍ صوتي، وهو فوق البيت يقرأ، فنزل فقال لأمّي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الّذي ذكر من شأنها، ففاضت عيناه، قال: أقسمت عليك أي بنيّة إلّا رجعت إلى بيتك فرجعت، ولقد جاء رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بيتي فسأل عنّي خادمتي، فقالت: لا واللّه ما علمت عليها عيبًا إلّا أنّها كانت ترقد حتّى تدخل الشّاة، فتأكل خميرها - أو عجينها – وانتهرها بعض أصحابه، فقال: اصدقي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حتّى أسقطوا لها به، فقالت: سبحان اللّه واللّه ما علمت عليها إلّا ما يعلم الصّائغ على تبر الذّهب الأحمر، وبلغ الأمر إلى ذلك الرّجل الّذي قيل له، فقال: سبحان اللّه واللّه ما كشفت كنف أنثى قطّ، قالت عائشة: فقتل شهيدًا في سبيل اللّه، قالت: وأصبح أبواي عندي، فلم يزالا حتّى دخل عليّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، وقد صلّى العصر، ثمّ دخل وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال: «أمّا بعد، يا عائشة إن كنت قارفت سوءًا أو ظلمت فتوبي إلى اللّه، فإنّ اللّه يقبل التّوبة من عباده» قالت: وقد جاءت امرأةٌ من الأنصار فهي جالسةٌ بالباب، فقلت: ألا تستحي من هذه المرأة، أن تذكر شيئًا، فوعظ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فالتفتّ إلى أبي، فقلت له: أجبه، قال: فماذا أقول؟ فالتفتّ إلى أمّي، فقلت: أجيبيه، فقالت: أقول ماذا؟ فلمّا لم يجيباه تشهّدت فحمدت اللّه وأثنيت عليه، بما هو أهله، ثمّ قلت: أمّا بعد فواللّه لئن قلت لكم إنّي لم أفعل، واللّه عزّ وجلّ يشهد إنّي لصادقةٌ، ما ذاك بنافعي عندكم، لقد تكلّمتم به وأشربته قلوبكم، وإن قلت إنّي قد فعلت، واللّه يعلم أنّي لم أفعل لتقولنّ قد باءت به على نفسها، وإنّي واللّه ما أجد لي ولكم مثلًا، والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه إلّا أبا يوسف حين قال: {فصبرٌ جميلٌ واللّه المستعان على ما تصفون} [يوسف: 18] ، وأنزل على رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم من ساعته فسكتنا فرفع عنه، وإنّي لأتبيّن السّرور في وجهه، وهو يمسح جبينه، ويقول: «أبشري يا عائشة، فقد أنزل اللّه براءتك» ، قالت: وكنت أشدّ ما كنت غضبًا، فقال لي أبواي: قومي إليه، فقلت: لا واللّه لا أقوم إليه، ولا أحمده ولا أحمدكما، ولكن أحمد اللّه الّذي أنزل براءتي، لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيّرتموه، وكانت عائشة تقول: أمّا زينب ابنة جحشٍ فعصمها اللّه بدينها، فلم تقل إلّا خيرًا، وأمّا أختها حمنة فهلكت فيمن هلك، وكان الّذي يتكلّم فيه مسطحٌ وحسّان بن ثابتٍ والمنافق عبد اللّه بن أبيٍّ وهو الّذي كان يستوشيه ويجمعه، وهو الّذي تولّى كبره منهم، هو وحمنة قالت: فحلف أبو بكرٍ أن لا ينفع مسطحًا بنافعةٍ أبدًا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ولا يأتل أولو الفضل منكم} إلى آخر الآية - يعني أبا بكرٍ - {والسّعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين} [النور: 22] : يعني مسطحًا إلى قوله: {ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ} [النور: 22] حتّى قال أبو بكرٍ: بلى واللّه يا ربّنا، إنّا لنحبّ أن تغفر لنا، وعاد له بما كان يصنع). [صحيح البخاري: 6/106-109]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين إلى قوله والله غفور رحيم سقط لغير أبي ذرٍّ فصارت الآيات موصولًا بعضها ببعض فأما قوله ولا يأتل فقال أبو عبيدة معناه لا يفتعل من آليت أي أقسمت وله معنًى آخر من ألوت أي قصّرت ومنه لا يألونكم خبالًا وقال الفرّاء الائتلاء الحلف وقرأ أهل المدينة ولا يتألّ بتأخير الهمزة وتشديد اللّام وهي خلاف رسم المصحف وما نسبه إلى أهل المدينة غير معروفٍ وإنّما نسبت هذه القراءة للحسن البصريّ وقد روى بن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في قوله ولا يأتل يقول لا يقسم وهو يؤيّد القراءة المذكورة
- قوله وقال أبو أسامة عن هشام بن عروة إلخ وصله أحمد عنه بتمامه وقد ذكرت ما فيه من فائدةٍ في أثناء حديث الإفك الطّويل قريبًا ووقع في رواية المستملي عن الفربريّ حدّثنا حميد بن الرّبيع حدّثنا أبو أسامة فظنّ الكرمانيّ أنّ البخاريّ وصله عن حميد بن الرّبيع وليس كذلك بل هو خطأٌ فاحشٌ فلا يغترّ به). [فتح الباري: 8/489]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
- وقال أبو أسامة عن هشام بن عروة أخبرني أبي عن عائشة قالت لما ذكر من شأني الّذي ذكر وما علمت به قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في خطيبًا فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال أما بعد أشيروا علّي في أناس أبنوا أهلي وأيم الله ما علمت على أهلي من سوء وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوء قطّ ولا يدخل بيتي قطّ إلّا وأنا حاضر الحديث بطوله
وقد أسنده الحافظ أبو ذر في روايتنا من طريقه فقال أنا به أحمد بن الصّلت ثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول ثنا جدي ثنا أبو أسامة به بطوله
وأخبرنا عبد الله بن عمر الحلاوي أنا أحمد بن محمّد بن عمر أنا أبو الفرج بن نصر أنا أبو محمّد بن صاعد أنا أبو القاسم بن الحصين أنا أبو علّي بن المذهب أنا أحمد بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن محمّد حدثني أبي ثنا أبو أسامة ثنا هشام عن عروة عن أبيه واللّفظ له
وقرئ على محمّد بن علّي بن محمّد بن عقيل وأنا أسمع أخبركم عبد الرّحمن بن محمّد التلبنتي أنا أحمد بن عبد الدّائم أنا محمّد بن علّي أنا محمّد بن الفضل أنا عبد الغافر بن محمّد أنا محمّد بن عيسى أنا إبراهيم بن سفيان ثنا الحسن بن بشر ح وأخبرنا أبو الفرج بن الغزّي أنا أبو الحسن بن قريش أنا النجيب الحرّاني أنا مسعود الجمال كتابة أنا أبو علّي الحداد أنا أبو نعيم أنا أبو بكر الطلحي ثنا عبيد بن غنّام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالا ثنا أسامة ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللّه عنها قالت لما ذكر من شأني الّذي ذكر وما علمت به قام رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في خطيبًا وما علمت فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وقال أما بعد أشيروا علّي في ناس أبنوا أهلي وأيم الله ما علمت على أهلي سوءا قطّ وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوء قطّ ولا دخل بيتي قطّ إلّا وأنا حاضر ولا غبت في سفر إلّا غاب معي فقام سعد ابن معاذ فقال نرى يا رسول الله أن تضرب أعناقهم فقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان من رهط ذلك الرجل فقال كذبت أما والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم حتّى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج في المسجد شرّ وما علمت به فلمّا كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح فعثرت فقالت تعس مسطح فقلت علام تسبين ابنك فسكتت عني ثمّ عثرت الثّانية فقالت تعس مسطح فقلت علام تسبين ابنك فسكتت عني وعثرت الثّالثة فقلت تعس مسطح فانتهرتها وقلت علام تسبين ابنك فقالت والله ما أسبه إلّا فيك فقلت في أي شأني فذكرت لي الحديث فقلت أو قد كان هذا قالت نعم والله فرجعت إلى بيتي وكأن الّذي خرجت له لم أخرج له لا أجد منه لا قليلا ولا كثيرا ووعكت فقلت لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أرسلني إلى بيت أبي فأرسل معي الغلام فدخلت الدّار فإذا بأم رومان فقالت ما جاء بك يا بنية فأخبرتها فقالت خفضي عليك الشّأن فإنّه والله لقلما كانت امرأة جميلة تكون عند رجل يحبها ولها ضرائر إلّا حسدنها وقلن فيها قلت وقد علم به أبي قالت نعم قلت ورسول الله قالت ورسول الله فاستعبرت فبكيت فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ فنزل فقال لأمي ما شأنها فقالت بلغها الّذي ذكر من أمرها ففاضت عيناه فقال أقسمت عليك يا بنية إلّا رجعت إلى بيتك فرجعت وأصبح أبواي عندي فلم يزالا عندي حتّى دخل رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بعد العصر وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي فتشهد النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم فحمدالله وأثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال أما بعد يا عائشة إن كنت قارفت سوءا أو ظلمت نفسك فتوبي إلى الله فإن الله يقبل التّوبة من عباده وقد جاءت امرأة من الأنصار فهي جالسة بالباب فقلت ألا تستحي من هذه المرأة أن تقول شيئا فقلت لأبي أجبه فقال أقول ماذا يا بنية فقلت لأمي أجيبيه فقالت أقول ماذا فلمّا لم لم يجيباه تشهدت فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله ثمّ قلت أما بعد فواللّه لئن قلت لكم إنّي لم أفعل والله يشهد إنّي صادقة ما ذاك بنافعي عندكم لقد تكلمتم به وأشربته قلوبكم ولئن قلت لكم إنّي قد فعلت والله يعلم إنّي لم أفعل لتقولن قد باءت به على نفسها فإنّي والله ما أجد لي ولكم إلّا أبا يوسف وما أحفظ اسمه {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} فأنزل الله تعالى على رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ساعتئذ فرفع عنه وإنّي لأستبين في السرو وجهه وهو يمسح جبينه وهو يقول ابشري يا عائشة فقد أنزل الله براءتك فكنت أشد ما كنت غضبا فقال لي أبواي قومي إليه قلت والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما لقد سمعتموه فما انكرتموه ولا غيرتموه ولكن أحمد الله الّذي أنزل براءتي ولقد جاء رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بيتي فسأل الجارية عني فقالت لا والله ما أعلم عليها عيبا إلّا أنّها كانت تنام حتّى تدخل الشّاة فتأكل خميرتها أو عجينتها شكّ هشام فأنتهرها بعض أصحابه وقال اصدقي رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى أسقطوا لها به قال عروة فعبت ذلك على من قاله فقالت لا والله ما أعلم عليها إلّا ما يعلم الصّائغ على تبر الذّهب الأحمر وبلغ ذلك الرجل الّذي قيل فيه فقال سبحان الله والله ما كشفت كنف أنثى قطّ فقتل شهيدا في سبيل الله قالت عائشة فأما زينب بنت جحش فعصمها الله بدينها فلم تقل إلّا خيرا وأما أختها حمنة فهلكت فيمن هلك وكان الّذي تكلموا فيه المنافق عبد الله بن أبي كان يستوشيه ويجمعه وهو الّذي تولى كبره ومسطح وحسان بن ثابت فحلف أبو بكر رضي اللّه عنه أن لا ينفع مسطحًا بنافعة أبدا فأنزل الله عزّ وجلّ 22 النّور {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين} يعني مسطحًا {ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} فقال أبو بكر رضي اللّه عنه بلى والله إنّا لنحب أن يغفر الله لنا وعاد أبو بكر لمسطح بما كان يصنع به
رواه مسلم عن أبي بكر وأبي كريب كلاهما عن أبي أسامة فوافقناه بعلو في أبي بكر
ورواه التّرمذيّ عن محمود بن غيلان عن أبي أسامة وقال حسن صحيح غريب من حديث هشام
ورواه الإسماعيليّ من حديث عثمان بن أبي شيبة وأبي موسى وهارون الجمال كلهم عن أبي أسامة
وأصل الحديث عند المصنّف متّصلا من طريق الزّهريّ عن عروة وغيره لكنه أدمج لفظ عروة معهم وفي سياقه زيادة ليست في حديثهم فآثرت سياق حديثه بلفظه للزّيادة الّتي فيه مع أن المصنّف قد وصله من حديث هشام بن عروة عن أبيه في الاعتصام لكنه ساق منه قطعة مختصرة ولم يسقه بتمامه). [تغليق التعليق: 4/265-269]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسّعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر الله لكم والله غفورٌ رحيمٌ} (النّور: 22)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {ولا يأتل} إلى آخره، وليس في كثير من النّسخ لفظ: باب، ولم تثبت هذه الآية هنا إلّا لأبي ذر وحده. قوله: (ولا يأتل) قال أبو عبيدة: معناه ولا يفتعل، من آليت أي: أقسمت، وعن ابن عبّاس: (لا يأتل) أي: لا يقسم، وقد مر الكلام فيه عن قريب، وقال الأخفش: وإن شئت جعلته من قول العرب: ما ألوت جهدي في شأن فلان، أي: ما تركته ولا قصرت فيه.
- (وقال أبو أسامة)
وفي بعض النّسخ: قال أبو عبد الله: قال أبو أسامة. وهو حمّاد بن أسامة وأبو عبد الله هو البخاريّ نفسه، وفي: (التّلويح) : يريد بهذا التّعليق ما رواه مسلم في: (صحيحه) عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب عن أبي أسامة به، وقال الكرماني: وفي بعض النّسخ حدثنا إسحاق قال: نا حميد بن الرّبيع الخراز، وقال بعضهم: ووقع في رواية المستملي عن الفربري: حدثنا حميد ابن الرّبيع. نا أبو أسامة، فظن الكرماني أن البخاريّ وصله عن حميد بن الرّبيع، وليس كذلك، بل هو خطأ فاحش فلا تعتبر به. انتهى. قلت: هذا حط على الكرماني بغير فهم كلامه، فإنّه لم يقل مثل ما نسبه إليه، وإنّما قاله مثل ما نقلت عنه، ولم يقل: حدثنا حميد بن الرّبيع، وإنّما قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا حميد بن الرّبيع، نقل ذلك على ما رآه في بعض النّسخ، وليس عليه في ذلك شيء.
عن هشام بن عروة قال أخبرني أبي عن عائشة قالت لمّا ذكر من شأني الّذي ذكر وما علمت به قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيّ خطيباً فتشهّد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال أمّا بعد أشيروا عليّ في أناسٍ أبنوا أهلي وأيم الله ما علمت على أهلي من سوءٍ وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوءٍ قطّ ولا يدخل بيتي قطّ إلاّ وأنا حاضرٌ ولا غبت في سفرٍ إلاّ غاب معي فقام سعد بن معاذ فقال ائذن لي يا رسول الله أن نضرب أعناقهم وقام رجلٌ من بني الخزرج وكانت أمّ حسّان بن ثابتٍ من رهط ذالك الرّجل فقال كذبت أما والله أن لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم حتّى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج شرٌّ في المسجد وما علمت فلمّا كان مساء ذالك اليوم خرجت لبعض حاجتي ومعي أمّ مسطحٍ فعثرت وقالت تعس مسطحٌ فقلت أي أمّ تسبّين ابنك وسكتت ثمّ عثرت الثّانية فقالت تعس مسطحٌ فقلت لها تسبّين ابنك ثمّ عثرت الثالثة فقالت تعس مسطحٌ فانتهرتها فقالت والله ما أسبّه إلاّ فيك فقلت في أيّ شأني قالت فبقرت لي الحديث فقلت وقد كان هاذا قالت نعم والله فرجعت إلى بيتي كأنّ الّذي خرجت له لا أجد منه قليلاً ولا كثيراً ووعكت فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إلى بيت أبي فأرسل معي الغلام فدخلت الدّار فوجدت أمّ رومان في السّفل وأبا بكرٍ فوق البيت يقرأ فقالت أمّي ما جاء بك يا بنيّة فأخبرتها وذكرت لها الحديث وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ منّي فقالت يا بنيّة خفّضي عليك الشأن فإنّه والله لقلّما كانت امرأةٌ قطّ حسناء عند رجلٍ يحبّها لها ضرائر إلاّ حسدنها وقيل فيها وإذا هو لم يبلغ منها ما بلغ منّي قلت وقد علم به أبي قالت نعم قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قالت نعم ورسول الله صلى الله عليه وسلم واستعبرت وبكيت فسمع أبو بكرٍ صوتي وهو فوق البيت يقرأ فنزل فقال لأمّي ما شأنها قالت بلغها الّذي ذكر من شأنها ففاضت عيناه قال أقسمت عليك أي بنيّة إلاّ رجعت إلى بيتك فرجعت ولقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي فسأل عنّي خادمتي فقالت لا والله ما علمت عليها عيباً إلاّ أنّها كانت ترقد حتّى تدخل الشّاة فتأكل خميرها أو عجينها وانتهرها بعض أصحابه فقال اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى أسقطوا لها به فقالت سبحان الله والله ما علمت عليها إلاّ ما يعلم الصّائغ على تبر الذّهب الأحمر وبلغ الأمر إلى ذلك الرجل الّذي قيل له فقال سبحان الله والله ما كشفت كنف أنثى قط قالت عائشة فقتل شهيداً في سبيل الله قالت وأصبح أبواي عندي فلم يزالا حتّى دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلّى العصر ثمّ دخل وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال أمّا بعد يا عائشة إن كنت قارفت سوءاً أو ظلمت فتوبي إلى الله فإنّ الله يقبل التّوبة عن عباده قالت وقد جاءت امرأةٌ من الأنصار فهي جالسةٌ بالباب فقلت ألا تستحي من هاذه المرأة أن تذكر شيئاً فوعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفتّ إلى أبي فقلت أجبه قال فماذا أقول فالتفتّ إلى أمّي فقلت أجيبيه فقالت أقول ماذا فلمّا لم يجيباه تشهّدت فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله ثمّ قلت أمّا بعد فوالله لئن قلت لكم إنّي لم أفعل والله عزّ وجلّ يشهد إنّي لصادقةٌ ما ذاك بنافعي عندكم لقد تكلّمتم به وأشربته قلوبكم وإن قلت إنّي فعلت والله يعلم أنّي لم أفعل لتقولنّ قد باءت به على نفسها وإنّي والله ما أجد لي ولكم مثلاً والتمست إسم يعقوب فلم أقدر عليه إلاّ أبا يوسف حين قال فصبرٌ جميلٌ والله المستعان على ما تصفون وأنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ساعته فسكتنا فرفع عنه وإنّي لأتبيّن السّرور في وجهه وهو يمسح جبينه ويقول أبشري يا عائشة فقد أنزل الله براءتك قالت وكنت أشدّ ما كنت غضباً فقال لي أبواي قومي إليه فقلت والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما ولاكن أحمد الله الّذي أنزل براءتي لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيّرتموه وكانت عائشة تقول أمّا زينب ابنة جحشٍ فعصمها الله بدينها فلم تقل إلاّ خيراً وأمّا أختها حمنة فهلكت فيمن هلك وكان الّذي يتكلّم فيه مسطحٌ وحسّان بن ثابتٍ والمنافق عبد الله بن أبيّ وهو الّذي كان يستوشيه ويجمعه وهو الّذي تولّى كبره منهم هو وحمنة قالت فحلف أبو بكرٍ أن لا ينفع مسطحاً بنافعةٍ أبداً فأنزل الله عزّ وجلّ ولا يأتل أولوا الفضل منكم إلى آخر الآية يعني أبا بكرٍ والسّعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين يعني مسطحاً إلى قوله ألا تحبّون أن يغفر الله لكم والله غفورٌ رحيمٌ حتّى قال أبو بكرٍ بلى والله يا ربّنا إنّا لنحبّ أن تغفر لنا وعاد له بما كان يصنع..
هذا طريق آخر في قصّة الإفك، وهو معلّق كما ذكرنا، وأسنده مسلم في كتاب التّوبة مختصرا. قوله: (لما ذكر من شأني) ، على صيغة المجهول، والشأن الأمر، والحال. قاله الجوهري. قوله: (وما علمت به) الواو فيه للحال. قوله: (قام) جواب: لما. قوله: (في) : بكسر الفاء وتشديد الياء. قوله: (أبنوا) بفتح الباء الموحدة وروي بالتّخفيف والتّشديد والتّخفيف أشهر، ومعناه اتهموا أهلي، والابن بفتح الهمزة التّهمة، يقال: ابنه يأبنه، بضم الباء وكسرها إذا اتهمه ورماه بخلة سوء فهو مأبون، قالوا: وهو مشتقّ من الابن، بضم الهمزة وفتح الباء وهي العقد في القسي تفسدها. قوله: (وابنوهم بمن) ، كلمة: من، هنا عبارة عن صفوان. قوله: (والله) إلى قوله: (فقام سعد بن معاذ) في براءة صفوان وبيان دينه المتين، وقام رجل هو سعد بن عبادة. قوله: (أم حسان) ، وهي الفريعة بنت خالد بن حسر بن لوذان بن عبدود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن كعب بن ساعدة الأنصاريّة، والفريعة بضم الفاء وبالعين المهملة. قوله: (فيك) ، كلمة: في، هنا للتّعليل أي: لأجلك. قوله: (فنقرت) ، بالنّون والقاف، أي أظهرت وقررت بعجزه وبجره، قاله الكرماني: وقال ابن الأثير في باب الباء الموحدة مع القاف: ومنه فبقرت لها الحديث، أي: فتحته وكشفته. قوله: (لا أجد منه لا قليلا ولا كثيرا) معناه: أنّي دهشت بحيث ما عرفت لأي أمر خرجت من البيت. قوله: (ووعكت) ، بضم الواو أي: مرضت بحمى. قوله: (أم رومان) قد ذكرنا أنه بضم الرّاء وفتحها، وقال الكرماني: اسمها زينب. قوله: (في السّفل) ، بكسر السّين وضمّها. قوله: (أقسمت عليك) ، هذا مثل قولهم. نشدتك باللّه إلاّ فعلت أي: ما أطلب منك إلاّ رجوعك إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (عن خادمتي) ، ويروى: عن خادمي، والخادم يطلق على الذّكر والأنثى والمراد بها بريرة بفتح الباء الموحدة. قوله: (حتّى أسقطوا لها به) ، قال النّوويّ: هكذا هو في جميع النّسخ: ببلادنا، بالباء الّتي هي حرف الجرّ، كذا نقله القاضي عن رواية الجلودي، وفي رواية ابن هامان: لهاتها، بالتّاء المثنّاة من فوق. قال الجمهور: هذا غلط والصّواب الأول، ومعناه: صرّحوا لها بالأمر، ولهذا قالت: سبحان الله استعظاماً لذلك، وقيل: معناه أتوا بسقط من القول في سؤالها وانتهارها، ويقال: أسقط وسقط في كلامه إذا أتى فيه بساقط، وقيل: إذا أخطأ فيه وعلى رواية ابن ماهان: إن صحت معناه أسكتوها، وهذا ضعيف، لأنّها لم تسكت بل قالت: سبحان الله، والضّمير في به عائد إلى الانتهار أو السّؤال، وقال الكرماني: ويروى: (الهابة)، بلفظ المصدر من اللهيب. قوله: (على تبر الذّهب) ، بكسر التّاء المثنّاة من فوق وسكون الباء الموحدة وهو القطعة الخالصة. قوله: (وبلغ الأمر) . أي: أمر الإفك. قوله: (إلى ذلك الرجل) ، وهو صفوان. قوله: (كنف أنثى) ، بفتح الكاف والنّون وهو السّاتر وأراد به الثّوب. قوله: (فقتل شهيدا في سبيل الله) وهو صفوان بن المعطل السّلميّ، وقال ابن إسحاق: قتل صفوان بن المعطل في غزوة أرمينية شهيدا. وأميرهم يومئذٍ عثمان بن العاص سنة تسع عشرة في خلافة عمر رضي الله عنه، وقيل: إنّه مات بالجزيرة في ناحية شمشاط ودفن هناك، وقيل غير ذلك. قوله: (قارفت) ، بالقاف والرّاء والفاء، أي: كسبت. قوله (وقد جاءت امرأة)
قوله: (أقول ماذا) ، فإن قلت: الاستفهام يقتضي الصدارة. قلت: هو متعلق بفعل مقدّر بعده. قوله: (وأشربته) ، على صيغة المجهول والضّمير المنصوب فيه يرجع إلى أمر الإفك، (وقلوبكم) مرفوع بقوله: أشربت. قوله: (باءت به على نفسها) ، أي: أقرّت به. قوله: (أشد ما كنت غضبا) نحو قولهم: أخطب ما يكون الأمير قائما. قال الكرماني قلت: ليس كذلك لأن قوله: أخطب، في قوله: (أخطب ما يكون) مبتدأ. وقوله (قائما) حال سد مسد الخبر. والتّقدير: أخطب كون الأمير قائما حاصل. وقوله: (أشد ما كنت) خبر قوله: (وكنت أشد ما كنت) ، وقوله: (غضبا) خبر: كنت الثّاني، والمعنى: وكنت حين أخبر النّبي صلى الله عليه وسلم ببراءتي أشد أي أقوى ما كنت غضبا من غضبي، قبل ذلك. قوله: (ذلك) ، لأن أفعل التّفضيل يستعمل إمّا بالإضافة أو بمن أو بالألف واللّام، وهنا يقتضي الحال استعماله بمن على ما لا يخفى. قوله: (فعصمها الله) أي: حفظها ومنعها. قوله: (فهلكت فيمن هلك) ، أي: حدت فيمن حد. قوله: (يستوشيه) ، أي: يطلب ما عنده ليزيده ويريبه. قوله: (ولا يأتل) أي: ولا يحلف، ومضى الكلام فيه في قصّة الإفك مستوفى في كتاب الشّهادات). [عمدة القاري: 19/89-92]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({ولا يأتل}) ولأبي ذر وقوله ولا يأتل أي يفتعل من الآلية وهي الحلف أي ولا يحلف ({أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا}) أي على أن لا يؤتوا ({أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله}) يعني مسطحًا ولا تحذف في اليمين كثيرًا قال الله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لإيمانكم} {أن تبروا} يعني أن لا تبروا وقال امرؤ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدًا. أي لا أبرح.
({وليعفوا وليصفحوا}) عمن خاض في أمر عائشة ({ألا تحبون أن يغفر الله لكم}) يخاطب أبا بكر ({والله غفور رحيم}) [النور: 22] أي فإن الجزاء من جنس العمل فإذا غفرت يغفر لك وإذا صفحت يصفح عنك وسقط لأبي ذر من قوله والمهاجرين إلى آخر قوله: {أن يغفر الله لكم} وقال بعد قوله: ({والمساكين}) إلى قوله: {والله غفور رحيم}.
- وقال أبو أسامة عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن عائشة قالت: لمّا ذكر من شأني الّذي ذكر وما علمت به، قام رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فيّ خطيبًا فتشهّد فحمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال: «أمّا بعد أشيروا عليّ في أناسٍ أبنوا أهلي، وايم اللّه ما علمت على أهلي من سوءٍ، وأبنوهم بمن واللّه ما علمت عليه من سوءٍ قطّ ولا يدخل بيتي قطّ إلاّ وأنا حاضرٌ، ولا غبت في سفرٍ إلاّ غاب معي». فقام سعد بن معاذٍ فقال: ائذن لي يا رسول اللّه أن نضرب أعناقهم، وقام رجلٌ من بني الخزرج، وكانت أمّ حسّان بن ثابتٍ من رهط ذلك الرّجل، فقال: كذبت، أما واللّه أن لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم، حتّى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج شرٌّ في المسجد وما علمت. فلمّا كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي ومعي أمّ مسطحٍ، فعثرت وقالت: تعس مسطحٌ، فقلت أي أمّ تسبّين ابنك؟ وسكتت. ثمّ عثرت الثّانية فقالت: تعس مسطحٌ، فقلت لها: تسبّين ابنك؟ ثمّ عثرت الثّالثة، فقالت: تعس مسطحٌ فانتهرتها، فقالت: واللّه ما أسبّه إلاّ فيك. فقلت: في أيّ شأني؟ قالت فبقرت لي الحديث. فقلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم واللّه، فرجعت إلى بيتي كأنّ الّذي خرجت له لا أجد منه قليلًا ولا كثيرًا. ووعكت فقلت لرسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: أرسلني إلى بيت أبي، فأرسل معي الغلام. فدخلت الدّار فوجدت أمّ رومان في السّفل وأبا بكرٍ فوق البيت يقرأ. فقالت أمّي: ما جاء بك يا بنيّة؟ فأخبرتها وذكرت لها الحديث، وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ منّي. فقالت: يا بنيّة خفّضي عليك الشّأن، فإنّه واللّه لقلّما كانت امرأةٌ حسناء عند رجلٍ يحبّها لها ضرائر إلاّ حسدنها وقيل فيها. وإذا هو لم يبلغ منها ما بلغ منّي. قلت: وقد علم به أبي؟ قالت: نعم. قلت: ورسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-؟ قالت: نعم ورسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-. واستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكرٍ صوتي وهو فوق البيت يقرأ. فنزل فقال لأمّي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الّذي ذكر من شأنها، ففاضت عيناه. قال: أقسمت عليك أي بنيّة إلاّ رجعت إلى بيتك فرجعت. ولقد جاء رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- بيتي فسأل عنّي خادمتي فقالت: لا واللّه ما علمت عليها عيبًا إلاّ أنّها كانت ترقد حتّى تدخل الشّاة فتأكل خميرها، أو عجينها. وانتهرها بعض أصحابه فقال: أصدقي رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- حتّى أسقطوا لها به. فقالت: سبحان اللّه، واللّه ما علمت عليها إلاّ ما يعلم الصّائغ على تبر الذّهب الأحمر.
وبلغ الأمر إلى ذلك الرّجل الّذي قيل له، فقال: سبحان اللّه، واللّه ما كشفت كنف أنثى قطّ. قالت عائشة: فقتل شهيدًا في سبيل اللّه. قالت: وأصبح أبواي عندي، فلم يزالا حتّى دخل عليّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- وقد صلّى العصر، ثمّ دخل وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالى فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: «أمّا بعد يا عائشة، إن كنت قارفت سوءًا أو ظلمت فتوبي إلى اللّه، فإنّ اللّه يقبل التّوبة من عباده». قالت: وقد جاءت امرأةٌ من الأنصار فهي جالسةٌ بالباب، فقلت: ألا تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيئًا. فوعظ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فالتفتّ إلى أبي فقلت: أجبه، قال: فماذا أقول، فالتفتّ إلى أمّي فقلت: أجيبيه، فقالت: أقول ماذا؟ فلمّا لم يجيباه، تشهّدت فحمدت اللّه وأثنيت عليه بما هو أهله ثمّ قلت: أمّا بعد فواللّه لئن قلت لكم إنّي لم أفعل، واللّه عزّ وجلّ يشهد إنّي لصادقةٌ ما ذاك بنافعي عندكم، لقد تكلّمتم به وأشربته قلوبكم وإن قلت إنّي فعلت واللّه يعلم أنّي لم أفعل، لتقولنّ قد باءت به على نفسها. وإنّي واللّه ما أجد لي ولكم مثلًا، والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه، إلاّ أبا يوسف حين قال: {فصبرٌ جميلٌ واللّه المستعان على ما تصفون} وأنزل على رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- من ساعته، فسكتنا، فرفع عنه، وإنّي لأتبيّن السّرور في وجهه وهو يمسح جبينه ويقول: «أبشري يا عائشة، فقد أنزل اللّه براءتك»، قالت: وكنت أشدّ ما كنت غضبًا، فقال لي أبواي: قومي إليه. فقلت: واللّه لا أقوم إليه، ولا أحمده ولا أحمدكما، ولكن أحمد اللّه الّذي أنزل براءتي لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيّرتموه. وكانت عائشة تقول: أمّا زينب ابنة جحشٍ فعصمها اللّه بدينها فلم تقل إلاّ خيرًا، وأمّا أختها حمنة فهلكت فيمن هلك. وكان الّذي يتكلّم فيه مسطحٌ وحسّان بن ثابتٍ والمنافق عبد اللّه بن أبيٍّ وهو الّذي كان يستوشيه ويجمعه، وهو الّذي تولّى كبره منهم هو وحمنة. قالت: فحلف أبو بكرٍ أن لا ينفع مسطحًا بنافعةٍ أبدًا. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ولا يأتل أولو الفضل منكم} إلى آخر الآية يعني أبا بكرٍ {والسّعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين} يعني مسطحًا إلى قوله: {ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ} [النور: 22] حتّى قال أبو بكرٍ: بلى واللّه يا ربّنا، إنّا لنحبّ أن تغفر لنا، وعاد له بما كان يصنع.
(وقال أبو أسامة) حماد بن أسامة مما وصله أحمد عنه بتمامه (عن هشام بن عروة) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: لمما ذكر من شأني) بضم الذال المعجمة مبنيًّا للمفعول أي من أمري وحالي (الذي ذكر) بضم الذال المعجمة أيضًا من الإفك (و) الحال أني (ما علمت به) وجواب لما قوله (قام رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فيّ) بكسر الفاء وتشديد التحتية حال كونه (خطيبًا فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال): (أما بعد أشيروا عليّ في أناس) يريد أهل الإفك (أبنوا) بهمزة وموحدة مخففة مفتوحتين فنون فواو وقد تمدّ الهمزة وللأصيلي مما حكاه عياض أبنوا بتشديد الموحدة أي اتهموا (أهلي) وذكروهم بالسوء قال ثابت التأبين ذكر الشيء وتتبعه قال الشاعر:
فرفع أصحابي المطي وأبنوا
أي ذكروها والتخفيف بمعناه لكن قال النووي التخفيف أشهر وقال القاضي عياض: وروي أنبوا بتقديم النون وتشديدها كذا قيده عبدوس بن محمد، وكذا ذكره بعضهم عن الأصيلي. قال القاضي: وهو في كتابي منقوط من فوق وتحت وعليه بخطي علامة الأصيلي ومعناه إن صح لاموا ووبخوا وعندي أنه تصحيف لا وجه له ها هنا.
(وإيم الله ما علمت على أهلي من سوء وأبنوهم) بالتخفيف اتهموهم (بمن والله ما علمت عليه من سوء قط) يريد صفوان (ولا يدخل بيتي قط إلا وأنا حاضر) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلا أنا بإسقاط الواو (ولا غبت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولا كنت (في سفر إلا غاب معي فقام سعد بن معاذ) الأنصاري الأوسي المتوفى بسبب السهم الذي أصابه فقطع منه الأكحل في غزوة الخندق سنة خمس كما عند ابن إسحاق. وكانت هذه القصة في سنة خمس أيضًا كما هو الصحيح في النقل عن موسى بن عقبة (فقال: ائذن لي يا رسول الله أن نضرب أعناقهم) بنون الجمع والضمير لأهل الإفك وسقط لأبي ذر لفظ لي (وقام رجل من بني الخزرج) هو سعد بن عبادة (وكانت أم حسان بن ثابت) الفريعة بضم الفاء وفتح الراء وبالعين المهملة بنت خالد بن حنيس بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج (من رهط ذلك الرجل فقال) لابن معاذ: (كذبت) أي لا تقدر على قتله (أما) بالتخفيف (والله أن لو كانوا) أي قائلوا الإفك (من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم) تضرب بضم أوّله مبنيًّا للمفعول وأعناقهم رفع نائب عن الفاعل وزاد في الرواية السابقة فتثاور الحيان (حتى كاد أن يكون) ولأبي ذر كاد يكون (بين الأوس والخزرج شرّ في المسجد) وفي الرواية السابقة حتى هموا أن يقتتلوا.
قالت عائشة: (وما علمت) بذلك (فلما كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي) للتبرز جهة المناصع (ومعي أم مسطح) وهي ابنة أبي رهم (فعثرت) أي في مرطها (وقالت: تعس) بكسر العين وتفتح (مسطح) تعني ابنها. قالت عائشة: (فقلت) أي لها: (أي أمّ تسبين ابنك؟) بحذف مرّة الاستفهام وفي الرواية السابقة أتسبين رجلًا شهد بدرًا (وسكتت) أي أم مسطح (ثم عثرت الثانية فقال: تعس مسطح، فقك لها: تسبين ابنك؟ ثم عثرت الثالثة) ولأبي ذر فقلت لها أي أم تسبين ابنك فسكتت ثم عثرت الثالثة (فقالت: تعس مسطح فانتهرتها فقالت: والله ما أسبّه إلا فيك) أي إلا لأجلك (فقلت: في أي شأني قالت: فبقرت) بالفاء والموحدة والقاف والراء المفتوحات آخره فوقية (لي الحديث) قال ابن الأثير أي فتحته وكشفته (فقلت: وقد كان هذا؟) وسقطت الواو لأبي ذر (قالت: نعم والله) قالت عائشة (فرجعت إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلًا ولا كثيرًا) أي دهشت بحيث ما عرفت لأي أمر خرجت من البيت من شدّة ما عراني من الهم وكانت قد قضت حاجتها كما سبق (ووعكت) بضم الواو الثانية وسكون الكاف أي صرت محمومة (فقلت) بالفاء ولأبي ذر وقلت (لرسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) أي لما دخل عليّ (أرسلني إلى بيت أبي فأرسل معي الغلام) لم يسم (فدخلت الدار) بسكون اللام (فوجدت أم رومان) تعني أمها قال الكرماني واسمها زينب (في السفل) من البيت (وأبا بكر فوق البيت يقرأ فقالت أمي: ما جاء بك يا بنية فأخبرتها) خبري (وذكرت لها الحديث) الذي قاله أهل الإفك في شأني (وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما) ولأبي ذر مثل الذي (بلغ مني فقالت: يا بنية) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أي بنية (خفضي) بخاء معجمة مفتوحة وفاء مشدّدة فضاد معجمة مكسورتين وللحموي والكشميهني خففي بفاء ثانية بدل الضاد وفي نسخة خفي بكسر الخاء والفاء وإسقاط الثانية ومعناها متقارب (عليك الشأن فإنه والله لقلما كانت امرأة قط حسناء) صفة امرأة ولمسلم من رواية ابن ماهان حظية (عند رجل يحبها لها ضرائر إلا حسدنها) بسكون الدال المهملة وفتح النون (وقيل فيها) ما يشينها (وإذا هو) تعني الإفك (لم يبلغ منها ما بلغ مني. قلت: وقد علم به أبي؟ قالت: نعم. قلت ورسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-؟ قالت: نعم ورسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- واستعبرت) بسكون الراء ولأبي ذر فاستعبرت بالفاء بدل الواو (وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ فنزل فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذكر من شأنها) بضم ذال ذكر وكسر كافها (ففاضت عيناه. قال) ولأبي ذر فقال: (أقسمت عليك أي بنية) ولأبي ذر عن الكشميهني يا بنية (إلا رجعت إلى بيتك فرجعت) بسكون العين (ولقد جاء رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- بيتي فسأل عني خادمتي) سبق في الرواية التي قبل أنها بريرة مع ما فيه من البحث ولأبي ذر خادمي بلفظ التذكير وهو يطلق على الذكر والأنثى فقال هل رأيت من شيء يريبك على عائشة (فقالت: لا والله ما علمت عليها عيبًا إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرها أو عجينها) بالشك من الراوي (وانتهرها بعض أصحابه فقال: أصدقي رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) وفي رواية أبي أويس عند الطبراني أن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال لعلي شأنك بالجارية فسألها عني وتوعدها فلم تخبره إلا بخير، ثم ضربها وسألها فقالت: والله ما علمت على عامّة سوءًا (حتى أسقطوا لها به) من قولهم أسقط الرجل إذا أتى بكلام ساقط والضمير في قوله به للحديث أو للرجل الذي اتهموها به وقال ابن الجوزي: صرحوا لها بالأمر، وقيل: جاؤوا في خطابها بسقط من القول بسبب ذلك الأمر وضمير لها عائد على الجارية وبه عائد على ما تقدم من انتهارها وتهديدها وإلى هذا التأويل كان يذهب أبو مروان بن سراج، وقال ابن بطال: يحتمل أن يكون من قولهم سقط إلى الخبر إذا علمه فالمعنى ذكروا لها الحديث وشرحوه (فقالت) أي الخادمة (سبحان الله والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر) بالغت في نفي العيب كقوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
البيت.
(وبلغ الأمر) أي أمر الإفك (إلى ذلك الرجل) صفوان ولأبي ذر وبلغ الأمر ذلك الرجل (الذي قيل له) أي عنه من الإفك ما قيل فاللام هنا بمعنى عن كهي في قوله تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرًا ما سبقونا إليه} [الأحقاف: 11] أي عن الذين آمنوا كما قاله ابن الحاجب أو بمعنى في أي قيل فيه ما قيل فهي كقوله: {يا ليتني قدمت لحياتي} [الفجر: 24] أي في حياتي (فقال: سبحان الله والله ما كشفت كنف أنثى قط) بفتح الكاف والنون أي ثوبها يريد ما جامعتها في حرام أو كان حصورًا (قالت عائشة: فقتل) صفوان (شهيدًا في سبيل الله) في غزوة أرمينية سنة تسع عشرة في خلافة عمر كما قاله ابن إسحاق (قالت: وأصبح أبواي عندي فلم يزالا حتى دخل عليّ رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- وقد صلى العصر) في المسجد (ثم دخل) علي (وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال): (أما بعد يا عائشة إن كنت قارفت سوءًا) بالقاف والفاء أي كسبته (أو ظلمت) نفسك (فتوبي الى الله) وفي رواية أي أويس إنما أنت من بنات آدم إن كنت أخطأت فتوبي (فإن الله يقبل التوبة عن عباده قالت: وقد جاءت امرأة من الأنصار) لم تسم (فهي جالسة بالباب فقلت) له عليه الصلاة والسلام: (ألا تستحي) بكسر الحاء ولأبي ذر ألا تستحيي بسكونها وزيادة تحتية (من هذه المرأة) الأنصارية (أن تذكر شيئًا) على حسب فهمها لا يليق بجلالة حرمك (فوعظ رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-). قالت عائشة: (فالتفت إلى أبي فقلت أجبه) عليه السلام عني، ولأبي ذر، فقلت له أجبه (قال: فماذا أقول؟ فالتفت إلى أمي فقلت: أجيبيه) عني عليه السلام (فقالت: أقول ماذا؟) قال ابن مالك فيه شاهد على أن ما الاستفهامية إذا ركبت مع إذا لا يجب تصديرها فيعمل فيها ما قبلها رفعًا ونصبًا (فلما لم يجيباه تشهدت فحمدت الله تعالى وأثنيت عليه بما هو أهله ثم قلت: أما بعد فوالله لئن قلت لكم أني لم أفعل) أي ما قيل (والله عز وجل يشهد أني لصادقة) فيما أقول من براءتي (ما ذاك بنافعي عندكم لقد) ولأبي ذر ولقد (تكلمتم به وأشربته) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول والضمير المنصوب يرجع إلى الإفك (قلوبكم) رفع بأشربت (وإن قلت إني فعلت) ولأبي ذر قد فعلت (والله يعلم أني لم أفعل) ذلك (لتقولن قد باءت) أقرت (به على نفسها وإني والله ما أجد لي ولكم مثلًا والتمست) بسكون السين أي طلبت (اسم يعقوب) عليه السلام (فلم أقدر عليه إلا أبا يوسف حين قال: ({فصبر جميل}) أجمل وهو الذي لا شكوى فيه إلى الخلق ({والله المستعان على ما تصفون}) أي على احتمال ما تصفونه (وأنزل على رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- من ساعته فسكتنا فرفع عنه) الوحي (وإني لأتبين السرور في وجهه وهو يمسح جبينه) من العرق (ويقول): (أبشري) بقطع الهمزة (يا عائشة فقد أنزل الله براءتك) وفي رواية فليح يا عائشة احمدي الله فقد برأك (قالت: وكنت أشد) بالنصب خبران (ما كنت غضبًا) أي وكنت حين أخبر -صلّى اللّه عليه وسلّم- ببراءتي أقوى ما كنت غضبًا من غضبي قبل ذلك قاله العيني (فقال لي أبواي: قومي إليه. فقلت: والله) ولأبي ذر لا والله (لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي لقد سمعتموه) أي الإفك (فما أنكرتموه ولا غيرتموه).
وفي رواية الأسود عن عائشة: وأخذ رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- بيدي فانتزعت يدي منه فنهرني أبو بكر وإنما فعلت ذلك لما خامرها من الغضب من كونهم لم يبادروا بتكذيب من قال فيها ذلك مع تحققهم حسن سيرتها وطهارتها. وقال ابن الجوزي: إنما قالت ذلك إدلالًا كما يدل الحبيب على حبيبه، ويحتمل أن تكون مع ذلك تمسكت بظاهر قوله عليه السلام لها "احمدي الله" ففهمت منه أمرها بإفراد الله بالحمد، فقالت ذلك وأن ما أضافته إليه من الألفاظ المذكورة كان من باعث الغضب قاله في الفتح.
(وكانت عائشة تقول: أما زينب ابنة جحش) أم المؤمنين (فعصمها الله) أي حفظها (بدينها فلم تقل) أي فيّ (إلا خيرًا، وأما أختها حمنة فهلكت فيمن هلك) أي حدّت فيمن حد لخوضها في حديث الإفك لتخفض منزلة عائشة وترفع منزلة أختها زينب (وكان الذي يتكلم فيه) أي في الإفك ولأبي ذر به (مسطح وحسان بن ثابت والمنافق عبد الله بن أبي، وهو الذي كان يستوشيه) أي يطلب إذاعته ليزيده ويريبه (ويجمعه وهو الذي تولى كبره منهم هو وحمنة. قالت) عائشة: (فحلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحًا) ابن خالته (بنافعة أبدًا) بعد الذي قال عن عائشة (فأنزل الله عز وجل: ({ولا يأتل أولو الفضل منكم}) إلى آخر الآية يعني: أبا بكر ({والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين}) يعني مسطحًا إلى قوله: ({ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} حتى قال أبو بكر: بلى والله يا ربنا إنّا لنحب أن تغفر لنا وعاد له) لمسطح (بما كان يصنع) له قبل من النفقة، زاد في الباب السابق وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا وسقط لفظ حتى لأبي ذر.
(لطيفة).
ذكر أنه كان للشيخ إسماعيل بن المقري اليمني مؤلف عنوان الشرف وغيره ولد يجري عليه نفقة في كل يوم فقطعها لشيء بلغه عنه فكتب لأبيه رقعة فيها:
لا تقطعن عادة برّ ولا = تجعل عقاب المرء في رزقه
واعف عن الذنب فإن الذي = نرجوه عفو الله عن خلقه
وإن بدا من صاحب زلة = فاستره بالإغضاء واستبقه
فإن قدر الذنب من مسطح = يحط قدر النجم من أفقه
وقد بدا منه الذي قد بدا = وعوتب الصديق في حقه
فكتب إليه أبوه:
قد يمنع المضطر من ميتة = إذا عصى بالسير في طرقه
لأنه يقوى على توبة = توجب إيصالًا إلى رزقه
لو لم يتب مسطح من ذنبه = ما عوتب الصديق في حقه). [إرشاد الساري: 7/267-270]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي، عن عائشة، قالت لمّا ذكر من شأني الّذي ذكر وما علمت به، قام رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فيّ خطيبًا فتشهّد وحمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال: أمّا بعد: أشيروا عليّ في أناسٍ أبنوا أهلي واللّه ما علمت على أهلي من سوءٍ قطّ وأبنوا بمن واللّه ما علمت عليه من سوءٍ قطّ ولا دخل بيتي قطّ إلاّ وأنا حاضرٌ ولا غبت في سفرٍ إلاّ غاب معي، فقام سعد بن معاذٍ فقال: ائذن لي يا رسول الله أن أضرب أعناقهم، وقام رجلٌ من بني الخزرج وكانت أمّ حسّان بن ثابتٍ من رهط ذلك الرّجل، فقال: كذبت، أما واللّه أن لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم حتّى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج شرٌّ في المسجد وما علمت به، فلمّا كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي ومعي أمّ مسطحٍ فعثرت، فقالت: تعس مسطحٌ، فقلت لها: أي أمّ تسبّين ابنك؟ فسكتت، ثمّ عثرت الثّانية فقالت: تعس مسطحٌ، فقلت لها: أي أمّ تسبّين ابنك؟ فسكتت، ثمّ عثرت الثّالثة فقالت: تعس مسطحٌ فانتهرتها، فقلت لها: أي أمّ تسبّين ابنك؟ فقالت: واللّه ما أسبّه إلاّ فيك، فقلت: في أيّ شيءٍ؟ قالت: فبقرت لي الحديث، قلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم، واللّه لقد رجعت إلى بيتي وكأنّ الّذي خرجت له لم أخرج. لا أجد منه قليلاً ولا كثيرًا، ووعكت، فقلت لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: أرسلني إلى بيت أبي، فأرسل معي الغلام، فدخلت الدّار، فوجدت أمّ رومان في السّفل وأبو بكرٍ فوق البيت يقرأ، فقالت أمّي: ما جاء بك يا بنيّة؟ قالت: فأخبرتها، وذكرت لها الحديث، فإذا هو لم يبلغ منها ما بلغ منّي، قالت: يا بنيّة خفّفي عليك الشّأن، فإنّه واللّه لقلّما كانت امرأةٌ حسناء عند رجلٍ يحبّها، لها ضرائر إلاّ حسدنها وقيل فيها، فإذا هي لم يبلغ منها ما بلغ منّي، قالت: قلت: وقد علم به أبي؟ قالت: نعم، قلت: ورسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قالت: نعم، واستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكرٍ صوتي وهو فوق البيت يقرأ فنزل فقال لأمّي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الّذي ذكر من شأنها، ففاضت عيناه، فقال: أقسمت عليك يا بنيّة إلاّ رجعت إلى بيتك، فرجعت، ولقد جاء رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بيتي فسأل عنّي خادمتي فقالت: لا واللّه ما علمت عليها عيبًا إلاّ أنّها كانت ترقد حتّى تدخل الشّاة فتأكل خميرتها أو عجينتها، وانتهرها بعض أصحابه فقال: أصدقي رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى أسقطوا لها به، فقالت: سبحان الله واللّه ما علمت عليها إلاّ ما يعلم الصّائغ على تبر الذّهب الأحمر، فبلغ الأمر ذلك الرّجل الّذي قيل له، فقال: سبحان الله، واللّه ما كشفت كنف أنثى قطّ، قالت عائشة: فقتل شهيدًا في سبيل الله، قالت: وأصبح أبواي عندي فلم يزالا حتّى دخل عليّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم وقد صلّى العصر، ثمّ دخل وقد اكتنف أبواي عن يميني وعن شمالي، فتشهّد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فحمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله، ثمّ قال: أمّا بعد يا عائشة، إن كنت قارفت سوءًا أو ظلمت فتوبي إلى الله، فإنّ اللّه يقبل التّوبة عن عباده، قالت: وقد جاءت امرأةٌ من الأنصار وهي جالسةٌ بالباب، فقلت: ألا تستحيي من هذه المرأة أن تذكر شيئًا، فوعظ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فالتفتّ إلى أبي فقلت: أجبه، قال: فماذا أقول؟ فالتفتّ إلى أمّي فقلت: أجيبيه، قالت: أقول ماذا؟ قالت: فلمّا لم يجيبا تشهّدت فحمدت اللّه وأثنيت عليه بما هو أهله، ثمّ قلت: أما واللّه لئن قلت لكم إنّي لم أفعل واللّه يشهد إنّي لصادقةٌ ما ذاك بنافعي عندكم لي لقد تكلّمتم وأشربت قلوبكم، ولئن قلت إنّي قد فعلت واللّه يعلم أنّي لم أفعل لتقولنّ إنّها قد باءت به على نفسها، وإنّي واللّه ما أجد لي ولكم مثلاً. قالت: والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه إلاّ أبا يوسف حين قال: {فصبرٌ جميلٌ واللّه المستعان على ما تصفون} قالت: وأنزل على رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم من ساعته، فسكتنا، فرفع عنه وإنّي لأتبيّن السّرور في وجهه وهو يمسح جبينه ويقول: أبشري يا عائشة، فقد أنزل اللّه براءتك قالت: وكنت أشدّ ما كنت غضبًا، فقال لي أبواي، قومي إليه، فقلت: لا واللّه لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما، ولكن أحمد اللّه الّذي أنزل براءتي، لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيّرتموه، وكانت عائشة تقول: أمّا زينب بنت جحشٍ فعصمها اللّه بدينها فلم تقل إلاّ خيرًا، وأمّا أختها حمنة فهلكت فيمن هلك، وكان الّذي يتكلّم فيه مسطحٌ وحسّان بن ثابتٍ والمنافق عبد الله بن أبيٍّ، وهو الّذي كان يستوشيه ويجمعه، وهو الّذي تولّى كبره منهم هو وحمنة، قالت: فحلف أبو بكرٍ أن لا ينفع مسطحًا بنافعةٍ أبدًا، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة إلى آخر الآية، يعني أبا بكرٍ، {أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل اللّه}، يعني مسطحًا، إلى قوله {ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ} قال أبو بكرٍ: بلى واللّه يا ربّنا، إنّا لنحبّ أن تغفر لنا، وعاد له بما كان يصنع.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من حديث هشام بن عروة.
وقد رواه يونس بن يزيد، ومعمرٌ، وغير واحدٍ عن الزّهريّ، عن عروة بن الزّبير، وسعيد بن المسيّب، وعلقمة بن وقّاصٍ اللّيثيّ، وعبيد الله بن عبد الله، عن عائشة، هذا الحديث أطول من حديث هشام بن عروة وأتمّ). [سنن الترمذي: 5/185-188]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل اللّه وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ}.
يقول تعالى ذكره: ولا يحلف باللّه ذوو الفضل منكم، يعني ذوي التّفضّل والسّعة؛ يقول: وذوو الجدة.
واختلف القرّاء في قراءة قوله: {ولا يأتل}؛ فقرأته عامّة قرّاء الأمصار. {ولا يأتل} بمعنى: يفتعل، من الأليّة، وهي القسم باللّه؛ سوى أبي جعفرٍ، وزيد بن أسلم. فإنّه ذكر عنهما أنّهما قرآ ذلك: (ولا يتألّ) بمعنى: يتفعّل، من الأليّة.
والصّواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأ: {ولا يأتل} بمعنى يفتعل، من الأليّة؛ وذلك أنّ ذلك في خطّ المصحف كذلك، والقراءة الأخرى مخالفةٌ خطّ المصحف، فاتّباع المصحف، مع قراءة جماعة القرّاء، وصحّة المقروء به أولى من خلاف ذلك كلّه.
وإنّما عني بذلك أبو بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه في حلفه باللّه، لا ينفق على مسطحٍ، فقال جلّ ثناؤه: ولا يحلف من كان ذا فضلٍ من مالٍ وسعةٍ منكم أيّها المؤمنون باللّه، ألاّ يعطوا ذوي قرابتهم فيصلوا به أرحامهم، كمسطحٍ، وهو ابن خالة أبي بكرٍ {والمساكين} يقول: وذوي خلّة الحاجة، وكان مسطحٌ منهم، لأنّه كان فقيرًا محتاجًا. {والمهاجرين في سبيل اللّه} وهم الّذين هاجروا من ديارهم وأموالهم في جهاد أعداء اللّه، وكان مسطحٌ منهم؛ لأنّه كان ممّن هاجر من مكّة إلى المدينة، وشهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بدرًا {وليعفوا} يقول: وليعفوا عمّا كان منهم إليهم من جرمٍ، وذلك كجرم مسطحٍ إلى أبي بكرٍ في إشاعته على ابنته عائشة ما أشاع من الإفك {وليصفحوا} يقول: وليتركوا عقوبتهم على ذلك، بحرمانهم ما كانوا يؤتونهم قبل ذلك، ولكن ليعودوا لهم إلى مثل الّذي كانوا لهم عليه من الإفضال عليهم. {ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم} يقول: ألا تحبّون أن يستر اللّه عليكم ذنوبكم بإفضالكم عليهم، فيترك عقوبتكم عليها. {واللّه غفورٌ} لذنوب من أطاعه، واتّبع أمره، {رحيمٌ} رحيمٌ بهم أن يعذّبهم مع اتّباعهم أمره، وطاعتهم إيّاه، على ما كان لهم من زلّةٍ وهفوةٍ قد استغفروه منها، وتابوا إليه من فعلها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزّهريّ، عن علقمة بن وقّاصٍ اللّيثيّ، وعن سعيد بن المسيّب، وعن عروة بن الزّبير، وعن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، عن عائشة، قال: وثني ابن إسحاق قال: حدّثنا يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه، عن عائشة، قال: وثني ابن إسحاق قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزمٍ الأنصاريّ، عن عمرة بنت عبد الرّحمن، عن عائشة، قالت: لمّا نزل هذا يعني قوله: {إنّ الّذين جاءوا بالإفك عصبةٌ منكم} في عائشة، وفيمن قال لها ما قال قال أبو بكرٍ، وكان ينفق على مسطحٍ لقرابته وحاجته: واللّه لا أنفق على مسطحٍ شيئًا أبدًا، ولا أنفعه بنفعٍ أبدًا بعد الّذي قال لعائشة ما قال، وأدخل عليها ما أدخل قالت: فأنزل اللّه في ذلك: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة}. الآية. قالت: فقال أبو بكرٍ: واللّه إنّي لأحبّ أن يغفر اللّه لي فرجع إلى مسطحٍ نفقته الّتي كان ينفق عليه، وقال: واللّه لا أنزعها منه أبدًا.
- حدّثني عليّ، قال حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة} يقول: لا تقسموا ألاّ تنفعوا أحدًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة}. إلى آخر الآية قال: كان ناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد رموا عائشة بالقبيح، وأفشوا ذلك، وتكلّموا به، فأقسم ناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فيهم أبو بكرٍ، ألاّ يتصدّق على رجلٍ تكلّم بشيءٍ من هذا ولا يصله، فقال: لا يقسم أولو الفضل منكم والسّعة أن يصلوا أرحامهم، وأن يعطوهم من أموالهم كالّذي كانوا يفعلون قبل ذلك. فأمر اللّه أن يغفر لهم، وأن يعفى عنهم.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة} لمّا أنزل اللّه تعالى ذكره عذر عائشة من السّماء قال أبو بكرٍ وآخرون من المسلمين: واللّه لا نصل رجلاً منهم تكلّم بشيءٍ من شأن عائشة، ولا ننفعه فأنزل اللّه: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة} يقول: ولا يحلف.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة أن يؤتوا أولي القربى} قال: كان مسطحٌ ذا قرابةٍ. {والمساكين} قال: كان مسكينًا. {والمهاجرين في سبيل اللّه} كان بدريًّا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة} قال: أبو بكرٍ حلف أن لا ينفع يتيمًا في حجره كان أشاع ذلك. فلمّا نزلت هذه الآية قال: بلى أنا أحبّ أن يغفر اللّه لي، فلأكوننّ ليتيمي خير ما كنت له قطّ). [جامع البيان: 17/222-226]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل اللّه وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ (22)
قوله: ولا يأتل أولوا الفضل منكم.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ولا يأتل أولوا الفضل منكم يقول: لا يقسموا أن لا ينفعوا أحدًا.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا ابن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ، عن سعيدٍ، فلمّا أنزل اللّه عذر عائشة، وأبرأها وكذّب الّذين قذفوها، حلف أبو بكرٍ أن لا يصل مسطح بن أثاثة بشيءٍ أبدًا، لأنّه كان فيمن ادّعى على عائشة من القذف، وكان مسطحٌ من المهاجرين الأول، وكان ابن خالة أبي بكرٍ، وكان يتيمًا في حجره فقيرًا، فلمّا حلف أبو بكرٍ أن لا يصله، نزلت في أبي بكر ولا يأتل أولوا الفضل أي: ولا يحلف.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمد ابن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قال: فحلف أبو بكرٍ وأناسٌ معه من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وساءهم الّذي قيل لعائشة باللّه الّذي لا إله إلا هو، لا ينفعوا رجلا من الّذين قالوا لعائشة ما قالوا، ولا نصيبهم ولا نبرّهم، وكان مسطح بن أثاثة بينه وبين أبي بكرٍ قرابةٌ من قبل النّساء، فأقبل إلى أبي بكرٍ يعتذر، فقال مسطحٌ: جعلني اللّه فداك، واللّه الّذي أنزل ما قذفتها، وما تكلّمت بشيءٍ ممّا قيل لها، أي خال، وكان أبو بكرٍ خاله، قال أبو بكرٍ: ولكن قد ضحكت، وأعجبك الّذي قيل فيها، قال: لعلّه يكون قد كان بعض ذلك، فأنزل اللّه في شأنه: ولا يأتل أولوا الفضل يقول: لا يحلف.
قوله تعالى: أولوا الفضل منكم والسّعة.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، ثنا هشام بن عروة، حدّثني عروة، عن عائشة، قالت: أنزل اللّه: ولا يأتل أولوا الفضل منكم يعني أبا بكرٍ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: ولا يأتل أولوا الفضل منكم يعني: ولا يحلف أولوا الفضل منكم، يعنى في الغنى، يعنى: أبا بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه، وروى، عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك.
قوله تعالى: والسّعة.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: والسّعة يعنى في الرّزق، يعنى أبا بكرٍ الصّدّيق.
قوله: أن يؤتوا أولي القربى.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أسامة، عن هشام بن عروة، أخبرني عروة، عن عائشة قالت: أنزل اللّه: أن يؤتوا أولي القربى يعني مسطح.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا ابن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: إنّ يؤتوا أولي القربى يعني مسطح بن أثاثة قرابة أبي بكرٍ وابن خالته، وروى، عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك.
قوله: والمساكين.
- به، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: والمساكين يعنى، لأنّ مسطح كان فقيرًا، والمهاجرين في سبيل اللّه يعنى: لأن مسطح كان من المهاجرين في سبيل اللّه، يعني في طاعة اللّه.
قوله: وليعفوا.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن علي، ثنا محمد ابن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، وكان مسطحٌ من المسلمين، وكان من المساكين المهاجرين في سبيل اللّه، فأمر اللّه أبا بكر والّذين حلفوا معه أن ينفقوا على مسطحٍ وليعفوا وليصفحوا.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، ثنا عثمان بن عمر، ثنا شعبة، عن يحيى المجبّر قال: سمعت أبا ماجدٍ قال: رأيت عبد اللّه أتاه رجلٌ برجلٍ نشوان ، فقال: استنكهوه ، مزمزوه ، قال: ففعلوا فوجدوه نشوان، قال: فدعا بسوطٍ، فأمر بثمرته فكسرت، قال وعليه قباءٌ أو قرطقٌ، فقال لرجلٍ: اضرب، وارفع يدك، وأعط كلّ عضوٍ حقّه، ثمّ قال للرّجل الّذي جاء به: ما أنت منه؟ قال: عمّه، قال: ما أحسنت الأدب، ولا سترت وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم الآية، ثمّ قال عبد اللّه: إنّي لأذكر أوّل رجلٍ قطعه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، أتي برجلٍ، فلمّا أمر به ليقطع يده، قال: كأنما شق بياضه، فقيل يا رسول اللّه: هذا.
قال: وما يمنعني ألا تكونوا للشّيطان عونًا على أخيكم، ينبغي للحاكم إذا انتهى إليه حدٌّ أن يقيمه، وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: وليعفوا قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لأبي بكرٍ: فاعف، فقال أبو بكرٍ: قد عفوت وصفحت، لا أمنعه معروفًا بعد اليوم.
قوله: وليعفوا وليصفحوا.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ، عن سعيدٍ في قول اللّه: وليصفحوا يعنى: وليتجاوزوا، عن مسطح بن أثاثة، وروي، عن قتادة مثل ذلك.
قوله تعالى: ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم.
- وبه، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: ألا تحبّون يعنى أبا بكرٍ، أن يغفر اللّه لكم فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكرٍ، أما تحبّ أن يغفر اللّه لك؟ قال: بلى يا رسول اللّه، قال: فاعف واصفح، فقال أبو بكرٍ: قد عفوت وصفحت، لا أمنعه معروفًا بعد اليوم.
قوله تعالى: واللّه غفور رحيم.
[الوجه الأول]
وبه، عن سعيد بن جبيرٍ: واللّه غفورٌ للذّنوب، رحيمٌ يعنى: بالمؤمنين). [تفسير القرآن العظيم: 8/2553-2556]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولا يأتل أولو الفضل منكم وذلك أنه حلف أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن لا ينفع يتيما كان في حجره أشاع ذلك فلما أنزل الله عز وجل ولا يأتل أولو الفضل منكم إلى قوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم قال أبو بكر رضي الله عنه فأنا أحب أن يغفر الله لي ولأكونن ليتيمي خير مما كنت له قط). [تفسير مجاهد: 438]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (وعن مجاهدٍ في قوله {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسّعة} [النور: 22] قال: أبو بكرٍ حلف أن لا ينفع يتيمًا كان في حجره، قال عبد الملك: وهو مسطح بن أثاثة بن عبّاد بن المطّلب أشاع ذلك، فلمّا نزلت هذه الآية ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم قال أبو بكرٍ: بلى أنا أحبّ أن يغفر اللّه لي، وأكون لليتامى خير ما كنت.
رواه الطّبرانيّ، ورجاله ثقاتٌ. ورواه بإسنادٍ آخر عنه ضعيفٍ. وروى نحوه عن قتادة وإسناده جيّدٌ، وروى نحوه عن سعيد بن جبيرٍ إلّا أنّه زاد: «قال النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - لأبي بكرٍ: " ألا تحبّ أن يغفر اللّه لك؟ "، قال: بلى يا رسول اللّه، قال: " فاعف واصفح "، قال: قد عفوت وصفحت، لا أمنعه معروفًا بعد اليوم».
رواه الطّبرانيّ، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعفٌ). [مجمع الزوائد: 7/79]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يأتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا يأتل أولوا الفضل} يقول: لا تقسموا ان لا تنفقوا على أحد). [الدر المنثور: 10/688]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان مسطح بن اثاثة ممن تولى كبره من أهل الأفك وكان قريبا لأبي بكر وكان في عياله فحلف أبو بكر رضي الله عنه ان لا ينيله خيرا أبدا فأنزل الله {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة} قالت: فأعاده أبو بكر إلى عياله وقال: لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا تحللتها وأتيت الذي هو خير). [الدر المنثور: 10/688]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله {ولا يأتل أولوا الفضل منكم} قال: نزلت هذه الآية في رجل من قريش يقال له مسطح كان بينه وبين أبي بكر قرابة وكان يتيما في حجره وكان ممن أذاع على عائشة ما أذاع فلما أنزل الله براءتها وعذرها تألى أبو بكر لا يرزؤه خيرا فأنزل الله هذه الآية، فذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دعا أبا بكر فتلاها عليه فقال: ألا تحب أن يغفر الله لك قال: بلى قال: فاعف عنه وتجاوز فقال أبو بكر: لا جرم، والله لا أمنعه معروفا كنت أوليه قبل اليوم). [الدر المنثور: 10/688-689]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال: كان ذو قرابة لأبي بكر ممن كثر على عائشة فحلف أبو بكر لا يصله بشيء وقد كان يصله قبل ذلك فلما نزلت هذه الآية {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة} إلى آخر الآية فصار أبو بكر يضعف له بعد ذلك بعدما نزلت هذه الآية ضعفي ما كان يعطيه). [الدر المنثور: 10/689]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: حلف أبو بكر لا ينفع مسطح بن أثاثة ولا يصله وكان بينه وبين أبي بكر قرابة من قبل النساء فاقبل إلى أبي بكر يعتذر فقال مسطح: جعلني الله فداءك والله الذي أنزل على محمد ما قذفتها وما تكلمت بشيء مما قيل لها أي خالي - وكان أبو بكر خاله - قال أبو بكر: ولكن قد ضحكت وأعجبك الذي قيل فيها قال: لعله يكون قد كان بعض ذلك فأنزل الله في شأنه {ولا يأتل أولوا الفضل} ). [الدر المنثور: 10/689-690]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن مردويه عن محمد بن سيرين قال: حلف أبو بكر في يتيمين كانا في حجره كانا فيمن خاض في أمر عائشة، أحدهما مسطح بن اثاثة قد شهد بدرا فحلف لا يصلهما ولا يصيبا منه خيرا، فنزلت هذه الآية {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة} ). [الدر المنثور: 10/690]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة} قال: كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رموا عائشة بالقبيح وأفشوا ذلك وتكلموا فيها فأقسم ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر ان لا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من هذا ولا يصلوه قال: لا يقسم أولوا الفضل منكم والسعة ان يصلوا أرحامهم وان يعطوهم من أموالهم كالذي كانوا يفعلون قبل ذلك فأمر الله ان يغفر لهم وان يعفو عنهم). [الدر المنثور: 10/690]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن أبي سلمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نقص مال من صدقة قط، تصدقوا ولا عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله عزا، فاعفوا يعزكم الله ولا فتح رجل على نفسه مسألة الناس إلا فتح الله له باب فقر.
إلا ان العفة خير). [الدر المنثور: 10/690-691]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم، وابن أبي الدنيا في ذم الغضب والخرائطي في مكارم الأخلاق والحاكم والطبراني، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن أبي وائل قال: رأيت عبد الله أتاه رجل برجل نشوان فأقام عليه الحد ثم قال للرجل الذي جاء به: ما أنت منه قال: عمه، قال: ماأحسنت الأدب ولا سترته {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم} ثم قال عبد الله: إني لأذكر أول رجل قطعه النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتى رجل فلما أمر به لتقطع يده كأنما سف وجهه رمادا فقيل: يا رسول الله كان هذا شق عليك قال: لا ينبغي ان تكونوا للشيطان عونا على أخيكم فانه لا ينبغي للحاكم إذا انتهى إليه حد إلا أن يقيمه وان الله عفو يحب العفو ثم قرأ {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم} ). [الدر المنثور: 10/691]