التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم...}, وهي في قراءة عبد الله :{إلى كلمة عدل بيننا وبينكم}, وقد يقال في معنى عدل: سوىً وسوىً، قال الله تبارك وتعالى في سورة طه: {فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوىً} , وسوىً؛ يراد به عدل ونصف بيننا وبينك.
ثم قال: {ألاّ نعبد إلاّ اللّه},
فأن في موضع خفض على معنى: تعالوا إلى ألاّ نعبد إلا الله, ولو أنك رفعت {ما نعبد} مع العطوف عليها على نية: تعالوا نتعاقد لا نعبد إلا الله؛ لأن معنى الكلمة: القول، كأنك حكيت: تعالوا نقول: لا نعبد إلا الله. ولو جزمت العطوف؛ لصلح على التوهّم؛ لأن الكلام مجزوم لو لم تكن فيه أن؛ كما تقول: تعالوا لا نقل إلا خيراً.
ومثله مما يرد على التأويل: {قل إنّي أمرت أن أكون أوّل من أسلم ولا تكوننّ} , فصيّر {ولا تكونن} نهياً في موضع جزم، والأول منصوب، ومثله: {وأمرنا لنسلم لربّ العالمين. وأن أقيموا الصّلاة} , فردّ أن على لام كي؛ لأن (أن) تصلح في موقع اللام, فردّ أن على أن مثلها يصلح في موقع اللام؛ ألا ترى أنه قال في موضع: {يريدون ليطفئوا}, وفي موضع : {يريدون أن يطفئوا}). [معاني القرآن: 1/221]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({سواء بيننا وبينكم} أي: النّصف، يقال: قد دعاك إلى السواء فاقبل منه.
{إلى كلمةٍ} مفسرة بعد {أن لا نعبد إلاّ الله، ولاّ نشرك به شيئاً}, بهذه الكلمة التي دعاهم إليها). [مجاز القرآن: 1/96]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ اللّه ولا نشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً مّن دون اللّه فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون} , قال سبحانه وتعالى: {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم} , فجر {سواء}؛ لأنها من صفة الكلمة, وهو "العدل", أراد "مستويةٍ" , ولو أراد:"استواءً", لكان النصب, وإن شاء أن يجعله على الاستواء , ويجرّ جاز، ويجعله من صفة الكلمة مثل :"الخلق"؛ لأن "الخلق" , قد يكون صفة, ويكون اسماً, قال الله تعالى: {الّذي جعلناه للنّاس سواء العاكف فيه والباد}؛ لأن "السّواء" للآخر , وهو اسم ليس بصفة, فيجرى على الأول، وذلك إذا أراد به الاستواء, فإن أراد "مستوياً" جاز أن يجري على الأول، فالرفع في ذا المعنى جيد؛ لأنها صفة لا تغير عن حالها, ولا تثنى, ولا تجمع على لفظها, ولا تؤنث، فأشبهت الأسماء, وقال تعالى: {أن نّجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواء مّحياهم ومماتهم} , فـ"السواء" للمحيا , والممات، فهذا المبتدأ, وإن شئت أجريته على الأول, وجعلته صفة مقدمة من سبب الأول, فجرى عليه، فذا إذا جعلته في معنى مستو , فالرفع وجه الكلام كما فسرته لك من قوله: {ألاّ نعبد إلاّ اللّه}, فهو بدل كأنه قال "تعالوا إلى أن لا نعبد إلاّ اللّه"). [معاني القرآن: 1/172-173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({كلمة سواء}: نصف وعدل.
تقول العرب: قد دعاك إلى السواء فاقبل منه). [غريب القرآن وتفسيره: 106]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم} ,أي: نصف, يقال: دعاك إلى السواء، أي: إلى النّصفة, وسواء كلّ شيء: وسطه, ومنه يقال للنصفة: سواء، لأنها عدل, وأعدل الأمور: أوساطها). [تفسير غريب القرآن: 106]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا اللّه ولا نشرك به شيئا ولا يتّخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللّه فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون}
معنى{سواء}: معنى:عدل، ومعنى كلمة : كلام فيه شرح قصة , وإن طال, وكذلك يقول العرب للقصيدة:كلمة.
يروى أن حسان بن ثابت الأنصاري كان إذا قيل له: أنشد , قال للقائل: هل أنشدت كلمة الحويدرة؟, يعني قصيدته التي أولها:
بكرت سمية بكرة فتمتعي= ويقال للعدل سواء وسوى وسوى.
قال زهير بن أبي سلمى:
أروني خطة لا ضيم فيها= يسوي بيننا فيها السواء
فإن ترك السّواء فليس بيني= وبينكم بني حصن بناء
يريد بالسواء: العدل , كذا يقول أهل اللغة، وهو الحق, وهو من استواء الشيء، ولو كان في غير القرآن لجاز: سواء بيننا وبينكم، فمن قال:سواء جعله نعتاً للكلمة , يريد: ذات سواء، ومن قال: سواء, جعله مصدراً في معنى: استواء، كأن قال: استوت استواء.
وموضع {ألّا نعبد إلّا اللّه}, موضع " أن " خفض على البدل من كلمة.
المعنى: تعالوا إلى أن لا نعبد إلا اللّه، وجائز أن تكون أن في موضع رفع، كأن قائلاً قال: ما الكلمة؟.
فأجيب: فقيل: هي ألا نعبد إلا اللّه، ولو كان ألّا نعبد إلّا اللّه, ولا نشرك به شيئاً؛لجاز على أن يكون تفسيراً للقصة في تأويل أي: كأنهم قالوا: أي: لا نعبد إلا الله كما قال عزّ وجلّ: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا}, وقال قوم معنى أن ههنا معنى يقولون امشوا، والمعنى واحد لأن القول ههنا تفسير لما قصدوا له وكذلك " أي يفسّر بها، ولو كان {ألّا نعبد إلّا اللّه} بالجزم, لجاز على أن يكون " أن " كما فسّرنا في تأويل: أي ويكون {ألّا نعبد} على جهة النهي، والمنهي هو الناهي في الحقيقة؛ كأنّهم نهوا أنفسهم.
ومعنى {ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللّه},أي: نرجع إلى أن معبودنا اللّه، وأن عيسى بشر، كما أننا بشر؛ فلا نتخذه , ومعنى {فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون}, أي: مقرون بالتوحيد, مستسلمون لما أتتنا به الأنبياء من قبل اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 1/424-426]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} , معنى كلمة قصة فيها شرح , ثم بين الكلمة بقوله: {ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} , السواء:النصفة, قال زهير:
أروني خطة لا ضيم فيها = يسوى بيننا فيها السواء). [معاني القرآن:1/417-418]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({إلى كلمة سواء}, أي: إلى نصفة). [ياقوتة الصراط: 189]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({سواء بيننا} أي: نصف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سَوَاء}: نصفة وعدل). [العمدة في غريب القرآن: 100]
تفسير قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لم تحاجّون في إبراهيم...}, فإن أهل نجران قالوا: كان إبراهيم نصرانيّاً على ديننا، وقالت اليهود: كان يهودياً على ديننا، فأكذبهم الله فقال: {وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلاّ من بعده} , أي: بعد إبراهيم بدهر طويل، ثم عيّرهم أيضاً.
فقال: {هاأنتم هؤلاء حاججتم...}, إلى آخر الآية, ثم بيّن ذلك.
فقال: {ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مّسلماً...}, إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/221] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين}, ومعنى {حنيفاً مسلماً}, معنى الحنف في اللغة: إقبال صدور القدمين كل واحدة على أختها إقبالاً, يكون خلقة لا رجوع فيه أبداً، فمعنى الحنيفية في الإسلام: الميل إليه, والإقامة على ذلك العقد). [معاني القرآن: 1/427]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده}
لأن اليهود قالوا كان إبراهيم منا وقالت النصارى كان منا فأعلم الله أن اليهودية والنصرانية كانتا بعد إبراهيم عليه السلام وأن دين إبراهيم الإسلام لأن الإسلام هو التوحيد فهو دين جميع الأنبياء
ثم قال تعالى: {ولكن كان حنيفا مسلما} والحنف في اللغة: إقبال صدر القدم على الأخرى إذا كان ذلك خلقه
فمعنى الحنيف: المائل إلى الإسلام على حقيقته). [معاني القرآن: 1/418-419]
تفسير قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لم تحاجّون في إبراهيم...}
فإن أهل نجران قالوا: كان إبراهيم نصرانيّا على ديننا، وقالت اليهود: كان يهوديا على ديننا، فأكذبهم الله فقال {وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلاّ من بعده} أي: بعد إبراهيم بدهر طويل، ثم عيّرهم أيضا فقال: {هاأنتم هؤلاء حاججتم...} إلى آخر الآية. ثم بيّن ذلك فقال: {ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مّسلماً...} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/221] (م)
تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لم تحاجّون في إبراهيم...}
فإن أهل نجران قالوا: كان إبراهيم نصرانيّا على ديننا، وقالت اليهود: كان يهوديا على ديننا، فأكذبهم الله فقال {وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلاّ من بعده} أي: بعد إبراهيم بدهر طويل، ثم عيّرهم أيضا فقال: {هاأنتم هؤلاء حاججتم...}إلى آخر الآية. ثم بيّن ذلك فقال: {ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مّسلماً...} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/221] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {ما كان إبراهيم يهوديّا ولا نصرانيّا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين}
ومعنى {حنيفا مسلما}.
معنى الحنف في اللغة: إقبال صدور القدمين كل واحدة على أختها إقبالا يكون خلقة لا رجوع فيه أبدا، فمعنى الحنيفية في الإسلام الميل إليه والإقامة على ذلك العقد). [معاني القرآن: 1/427]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُواوَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين}, أي: فهم الذين ينبغي لهم أن يقولوا: إنا على دين إبراهيم, ولهم ولاية.
{واللّه وليّ المؤمنين}, أي: يتولى نصرهم؛ لأن حزبهم هم الغالبون، ويتولى مجازاتهم بالحسنى). [معاني القرآن: 1/427]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}, والمعنى: والنبي, والذين آمنوا أولى بإبراهيم , ويعني بالنبي: محمد صلى الله عليه وسلم , ومعنى: {والله ولي المؤمنين}: ناصرهم). [معاني القرآن: 1/419]