العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير جزء عم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 جمادى الآخرة 1434هـ/25-04-2013م, 07:57 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البروج [ من الآية (1) إلى الآية (11) ]

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)}


- الوقف والابتداء


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 جمادى الآخرة 1434هـ/1-05-2013م, 10:12 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: {والسّماء ذات البروج (1)}

قال عبد الرّزّاق بن همّامٍ الصّنعانيّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {ذات البروج}؛ قال: النجوم). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 361]
قال أبو جعفرٍ محمّد بن جريرٍ الطّبريّ (ت: 310هـ) : (قال أبو جعفرٍ رحمه اللّه: قوله: {والسّماء ذات البروج}؛ أقسم اللّه جلّ ثناؤه بالسماء ذات البروج.
واختلف أهل التأويل في معنى البروج في هذا الموضع، فقال بعضهم: عني بذلك: والسماء ذات القصور. قالوا: والبروج القصور.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {والسّماء ذات البروج}؛ قال ابن عبّاسٍ: قصورٌ في السّماء. قال غيره: بل هي الكواكب.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ يقول: ثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضحّاك يقول في قوله: {البروج}؛ يزعمون أنّها قصورٌ في السّماء، ويقال: هي الكواكب.
وقال آخرون: عني بذلك: والسماء ذات النّجوم. وقالوا: نجومها: بروجها.
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قول اللّه: {ذات البروج}؛ قال: البروج النّجوم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ: {والسّماء ذات البروج}؛ قال: النّجوم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: {والسّماء ذات البروج}؛ قال: وبروجها نجومها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: والسماء ذات الرمل والماء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحسن بن قزعة، قال: ثنا حصين بن نميرٍ، عن سفيان بن حسينٍ في قوله: {والسّماء ذات البروج}؛ قال: ذات الرمل والماء.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: معنى ذلك: والسماء ذات منازل الشّمس والقمر، وذلك أن البروج: جمع برجٍ، وهي منازل تتّخذ عاليةً عن الأرض مرتفعةً، ومن ذلك قول اللّه: {ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} وهي منازل مرتفعةٌ عاليةٌ في السّماء، وهي اثنا عشر برجاً، فمسير القمر في كلّ برجٍ منها يومان وثلثٌ، فذلك ثمانيةٌ وعشرون منزلاً، ثمّ يستسرّ ليلتين، ومسير الشّمس في كلّ برجٍ منها شهرٌ). [جامع البيان: 24 / 260-262]
قال عبد الرّحمن بن الحسن الهمذانيّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: ثنا محمد بن طلحة، عن زيد الأيامي، عن مجاهد، في قوله: {والسماء}؛ قال: السماء موج مكفوف). [تفسير مجاهد: 2/ 745]
قال محمد بن عبد الله الحاكم النّيسابوريّ (ت: 405هـ): (حدّثنا محمّد بن صالح بن هانئٍ، ثنا السّريّ بن خزيمة، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حمّاد بن سلمة، عن عطاءٍ، عن عرفجة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال قسمٌ: {والسّماء ذات البروج}،{إنّ بطش ربّك لشديدٌ}، إلى آخرها. «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2/ 564]
قال محمود بن أحمد بن موسى العينيّ (ت: 855هـ) : (والبروج الاثنا عشر وهي قصور السّماء على التّشبيه، وقيل: {البروج}؛ النّجوم الّتي هي منازل القمر، وقيل: عظام الكواكب وقيل: أبواب السّماء). [عمدة القاري: 19/ 286]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جريرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: {البروج}: قصورٌ في السماء). [الدر المنثور: 15/ 328]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، عن الأعمش قال: كان أصحاب عبد اللّه يقولون في قوله: {والسّماء ذات البروج}: ذات القصور). [الدر المنثور: 15/ 328]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ وابن المنذر، عن أبي صالحٍ في قوله: {ذات البروج}؛ قال: النّجوم العظام). [الدر المنثور: 15/ 328]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه، عن جابر بن عبد اللّه: أنّ النبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم] سئل عن السّماء ذات البروج؛ فقال: «الكواكب». وسئل عن: {الّذي جعل في السّماء بروجاً}. فقال: «الكواكب». قيل: فبروجٌ مشيّدةٌ. فقال:«قصورٌ» ). [الدر المنثور: 15/ 328]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزّاق وعبد بن حميدٍ، عن قتادة في قوله: {والسّماء ذات البروج}؛ قال: بروجها: نجومها، {واليوم الموعود}؛ قال: يوم القيامة، {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: يومان عظيمان عظّمهما اللّه من أيام الدنيا، كنّا نحدّث أنّ الشّاهد: يوم القيامة، وأن المشهود: يوم عرفة). [الدر المنثور: 15/ 328]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ وابن المنذر، عن الحسن في قوله: {والسّماء ذات البروج}؛ قال: حبكت بالخلق الحسن، ثمّ حبكت بالنّجوم، {واليوم الموعود}؛ قال: يوم القيامة، {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: الشّاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم القيامة). [الدر المنثور: 15/ 329]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ وابن جريرٍ وابن المنذر، عن مجاهدٍ: {والسّماء ذات البروج}؛ قال: ذات النّجوم، {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: الشّاهد: ابن آدم، والمشهود: يوم القيامة). [الدر المنثور: 15/ 329]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر والحاكم وصحّحه، عن ابن مسعودٍ قال: قسمٌ {والسّماء ذات البروج}، إلى قوله: {وشاهدٍ ومشهودٍ} قال: هذا قسمٌ على {إنّ بطش ربّك لشديدٌ} إلى آخرها). [الدر المنثور: 15/ 343]

تفسير قوله تعالى: {واليوم الموعود (2)}

قال عبد الرّزّاق بن همّامٍ الصّنعانيّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {واليوم الموعود}؛ قال: اليوم الموعود: يوم القيامة). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 361]
قال محمد بن عيسى بن سورة التّرمذيّ (ت: 279هـ): (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا روح بن عبادة، وعبيد الله بن موسى، عن موسى بن عبيدة، عن أيّوب بن خالدٍ، عن عبد الله بن رافعٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله [صلّى اللّه عليه وسلّم]: «اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشّاهد يوم الجمعة، وما طلعت الشّمس ولا غربت على يومٍ أفضل منه، فيه ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مؤمنٌ يدعو اللّه بخيرٍ إلاّ استجاب اللّه له، ولا يستعيذ من شيءٍ إلاّ أعاذه اللّه منه».
- حدّثنا عليّ بن حجرٍ، قال: حدّثنا قرّان بن تمّامٍ الأسديّ، عن موسى بن عبيدة، بهذا الإسناد نحوه.
وموسى بن عبيدة الرّبذيّ يكنى أبا عبد العزيز، وقد تكلّم فيه يحيى بن سعيدٍ القطّان وغيره من قبل حفظه.
وقد روى شعبة، وسفيان الثّوريّ، وغير واحدٍ من الأئمّة عن موسى بن عبيدة.
هذا حديثٌ، لا نعرفه إلاّ من حديث موسى بن عبيدة، وموسى بن عبيدة يضعّف في الحديث. ضعّفه يحيى بن سعيدٍ وغيره من قبل حفظه). [سنن الترمذي: 5 / 293]
قال محمّد بن أحمد بن نصرٍ الرّمليّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول الله عز وجل: {اليوم الموعود}؛ قال: يقال هو يوم القيامة). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 108]
قال أبو جعفرٍ محمّد بن جريرٍ الطّبريّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {واليوم الموعود}؛ يقول تعالى ذكره: وأقسم باليوم الذي وعدته عبادي لفصل القضاء بينهم، وذلك يوم القيامة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاء الخبر عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا ابن نميرٍ وإسحاق الرازيّ، عن موسى بن عبيدة، عن أيّوب بن خالدٍ، عن عبد اللّه بن رافعٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم]: «اليوم الموعود: يوم القيامة».
قال ثنا وكيعٌ، عن موسى بن عبيدة، عن أيّوب بن خالدٍ، عن عبد اللّه بن رافعٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم] مثله.
- حدّثنا يعقوب، قال: ثنا ابن عليّة، قال: ثنا يونس، قال أنبأني عمّارٌ، قال: قال أبو هريرة: " اليوم الموعود: يوم القيامة ". قال يونس، وكذلك قال الحسن.
- حدّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة: {واليوم الموعود} يعني: يوم القيامة.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة في قوله: {واليوم الموعود}؛ قال: القيامة.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ {اليوم الموعود}: يوم القيامة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن يونس بن عبيدٍ، عن عمّار بن أبي عمّارٍ، مولى بني هاشمٍ، عن أبي هريرة: {واليوم الموعود} يوم القيامة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا مهران، عن موسى بن عبيدة، عن أيّوب بن خالدٍ، عن عبد اللّه بن رافعٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم]: «اليوم الموعود: يوم القيامة».
- حدّثنا محمّد بن عوفٍ، قال: ثنا محمّد بن إسماعيل بن عيّاشٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيدٍ، عن أبي مالكٍ الأشعريّ، قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «اليوم الموعود: يوم القيامة»). [جامع البيان: 24/ 262-263]
قال عبد الرّحمن بن الحسن الهمذانيّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي بن أبي طالب قال: {اليوم الموعود}؛ يوم القيامة والشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم النحر يوم الحج الأكبر). [تفسير مجاهد: 2/ 745]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: «اليوم الموعود: يوم القيامة، واليوم المشهود، يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة» قال: «وما طلعت الشمس ولا غربت على يومٍ أفضل منه، فيه ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مؤمنٌ يدعو الله بخير إلا استجاب الله له، ولا يستعيذ من شرّ إلا أعاذه الله منه». أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/ 426-427]
قال عليّ بن أبي بكرٍ بن سليمان الهيثميّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛
عن أبي مالكٍ الأشعريّ قال: قال رسول الله [صلّى الله عليه وسلّم]: «اليوم الموعود: يوم القيامة، وأنّ الشّاهد: يوم الجمعة، وأنّ المشهود: يوم عرفة، ويوم الجمعة دخّره الله لنا، وصلاة الوسطى بعد صلاة العصر».
رواه الطبرانيّ، وفيه محمد بن إسماعيل بن عيّاشٍ وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/ 135] (م)
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزّاق وعبد بن حميدٍ، عن قتادة في قوله: {والسّماء ذات البروج}؛ قال: بروجها: نجومها، {واليوم الموعود}؛ قال: يوم القيامة، {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: يومان عظيمان عظّمهما اللّه من أيام الدنيا، كنّا نحدّث أنّ الشّاهد: يوم القيامة، وأن المشهود: يوم عرفة). [الدر المنثور: 15/ 328] (م)
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ وابن المنذر، عن الحسن في قوله: {والسّماء ذات البروج}؛ قال: حبكت بالخلق الحسن، ثمّ حبكت بالنّجوم، {واليوم الموعود}؛ قال: يوم القيامة، {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: الشّاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم القيامة). [الدر المنثور: 15/ 329] (م)
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: {واليوم الموعود(2) وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: اليوم الموعود: يوم القيامة، والشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة، وهو الحجّ الأكبر، فيوم الجمعة جعله اللّه عيداً لمحمدٍ وأمّته، وفضّلهم بها على الخلق أجمعين، وهو سيّد الأيام عند اللّه، وأحبّ الأعمال فيه إلى اللّه، وفيه ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ يصلّي يسأل اللّه فيها خيراً إلاّ أعطاه إيّاه). [الدر المنثور: 15/ 329]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ والتّرمذيّ وابن أبي الدنيا في الأهوال، وابن جريرٍ وابن المنذر وابن أبي حاتمٍ وابن مردويه والبيهقيّ في سننه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم]: «اليوم الموعود: يوم القيامة، واليوم المشهود: يوم عرفة، والشّاهد: يوم الجمعة، وما طلعت الشّمس ولا غربت على يومٍ أفضل منه، فيه ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مؤمنٌ يدعو اللّه بخيرٍ إلاّ استجاب اللّه له، ولا يستعيذ بشيءٍ إلاّ أعاذه اللّه منه» ). [الدر المنثور: 15/ 329-330]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصحّحه، وابن مردويه والبيهقيّ ، عن أبي هريرة رفعه: {وشاهدٍ ومشهودٍ}. قال: ((الشّاهد: يوم عرفة ويوم الجمعة، والمشهود هو الموعود: يوم القيامة)) ). [الدر المنثور: 15/ 330]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ وابن المنذر، عن عليٍّ قال: اليوم الموعود: يوم القيامة، والشّاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم النّحر). [الدر المنثور: 15/ 330]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جريرٍ والطبرانيّ وابن مردويه من طريق شريح بن عبيدٍ، عن أبي مالكٍ الأشعريّ قال: قال رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم]: «اليوم الموعود: يوم القيامة، والشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة، ويوم الجمعة دخره اللّه لنا، والصّلاة الوسطى: صلاة العصر».
وأخرجه سعيد بن منصورٍ، عن شريح بن عبيدٍ مرسلاً). [الدر المنثور: 15/ 330]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ والنّسائيّ وابن أبي الدّنيا في الأهوال والبزّار وابن جريرٍ وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرقٍ، عن ابن عبّاسٍ: {واليوم الموعود}: يوم القيامة، {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: الشاهد: محمدٌ، والمشهود: يوم القيامة. ثم تلا: {ذلك يومٌ مجموعٌ له النّاس وذلك يومٌ مشهودٌ} ). [الدر المنثور: 15/ 332] (م)

تفسير قوله تعالى: {وشاهدٍ ومشهودٍ (3)}

قال عبد الرّزّاق بن همّامٍ الصّنعانيّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله: {وشاهد ومشهود}؛ قال: الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 361]
قال عبد الرّزّاق بن همّامٍ الصّنعانيّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن إسماعيل بن شروس، عن عكرمة، قال: الشاهد الذي يشهد عليه، والمشهود: يوم القيامة). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 361]
قال عبد الرّزّاق بن همّامٍ الصّنعانيّ (ت: 211هـ): (عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، في قوله: {وشاهد ومشهود}؛ قال الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 361]
قال عبد الرّزّاق بن همّامٍ الصّنعانيّ (ت: 211هـ): (عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، قال الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة مثل قول علي). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 361]
قال عبد الرّزّاق بن همّامٍ الصّنعانيّ (ت: 211هـ): (عن محمد بن يحيى المازني، قال: حدثنا عبد الرحمن بن حرملة، عن ابن المسيب، قال: سمعته يقول: سيد الأيام يوم الجمعة الذي قال الله وشاهد ومشهود). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 361-362]
قال محمد بن عيسى بن سورة التّرمذيّ (ت: 279هـ): (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا روح بن عبادة، وعبيد الله بن موسى، عن موسى بن عبيدة، عن أيّوب بن خالدٍ، عن عبد الله بن رافعٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله [صلّى اللّه عليه وسلّم]: «اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشّاهد يوم الجمعة، وما طلعت الشّمس ولا غربت على يومٍ أفضل منه، فيه ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مؤمنٌ يدعو اللّه بخيرٍ إلاّ استجاب اللّه له، ولا يستعيذ من شيءٍ إلاّ أعاذه اللّه منه».
- حدّثنا عليّ بن حجرٍ، قال: حدّثنا قرّان بن تمّامٍ الأسديّ، عن موسى بن عبيدة، بهذا الإسناد نحوه.
وموسى بن عبيدة الرّبذيّ يكنى أبا عبد العزيز، وقد تكلّم فيه يحيى بن سعيدٍ القطّان وغيره من قبل حفظه.
وقد روى شعبة، وسفيان الثّوريّ، وغير واحدٍ من الأئمّة عن موسى بن عبيدة.
هذا حديثٌ، لا نعرفه إلاّ من حديث موسى بن عبيدة، وموسى بن عبيدة يضعّف في الحديث. ضعّفه يحيى بن سعيدٍ وغيره من قبل حفظه). [سنن الترمذي: 5/ 293] (م)
قال محمّد بن أحمد بن نصرٍ الرّمليّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول الله: {وشاهدٍ ومشهودٍ} قال: الشّاهد يوم الجمعة، ويقال إنّها الملائكة، وأمّا المشهود فيقال: الإنسان شهد سمعه وبصره وجسده).[جزء تفسير عطاء الخراساني: 108]
قال أحمد بن شعيبٍ النّسائيّ (ت: 303هـ): (أخبرنا محمّد بن عليّ بن حربٍ، أخبرنا عليّ بن الحسين بن واقدٍ، عن أبيه، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وشاهدٍ ومشهود}، قال: " الشّاهد محمّدٌ [صلّى الله عليه وسلّم]، والمشهود يوم القيامة، وذلك قوله: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا}[النساء: 41]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 332]
قال أبو جعفرٍ محمّد بن جريرٍ الطّبريّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وأقسم بشاهدٍ، قالوا: وهو يوم الجمعة، ومشهودٍ، قالوا: وهو يوم عرفة.
ذكر من قال ذلك
- حدّثني يعقوب، قال: أخبرنا ابن عليّة، قال: أخبرنا يونس، قال: أنبأني عمّارٌ، قال: قال أبو هريرة: الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة؛ قال يونس: وكذلك قال الحسن.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: ثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت حارثة بن مضربٍ، يحدّث عن عليٍّ رضي اللّه عنه، أنه قال في هذه الآية: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: يوم الجمعة، ويوم عرفة.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: الشاهد يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة؛ ويقال: الشاهد: الإنسان، والمشهود: يوم القيامة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وشاهدٍ ومشهودٍ} يومان عظيمان من أيّام الدّنيا، كنّا نحدّث أنّ الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ رضي اللّه عنه: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: الشاهد يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وشاهدٍ} يوم الجمعة، {ومشهودٍ} يوم عرفة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال ثنا وكيعٌ، عن موسى بن عبيدة، عن أيّوب بن خالدٍ، عن عبد اللّه بن رافعٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «{وشاهدٍ}: يوم الجمعة، {ومشهودٍ}: يوم عرفة».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا ابن نميرٍ، وإسحاق الرازيّ، عن موسى بن عبيدة، عن أيّوب بن خالدٍ، عن عبد اللّه بن رافعٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم]: «المشهود يوم عرفة، والشّاهد يوم الجمعة».
- حدّثنا سهل بن موسى، قال: ثنا ابن أبي فديكٍ، عن ابن حرملة، عن سعيدٍ أنّه قال: قال رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم]: «إنّ سيّد الأيّام يوم الجمعة، وهو الشّاهد، والمشهود يوم عرفة».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا مهران، عن موسى بن عبيدٍ، عن أيّوب بن خالدٍ، عن عبد اللّه بن رافعٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم]، قال: «المشهود يوم عرفة، والشّاهد يوم الجمعة، فيه ساعةٌ لا يوافقها مؤمنٌ يدعو اللّه بخيرٍ إلاّ استجاب له، ولا يستعيذه من شرٍّ إلاّ أعاذه». حدّثني محمّد بن عوفٍ، قال: ثنا محمّد بن إسماعيل، قال: ثني أبي، قال: ثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيدٍ، عن أبي مالكٍ الأشعريّ، قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «إنّ الشّاهد يوم الجمعة، وإنّ المشهود يوم عرفة، فيوم الجمعة خيرة اللّه لنا».
- حدّثني سعيد بن الربيع الرازيّ، قال: ثنا سفيان، عن عبد الرّحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيّب، قال: سيّد الأيّام يوم الجمعة، وهو شاهدٌ.
وقال آخرون: الشاهد محمّدٌ، والمشهود يوم القيامة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن شعبة، عن عليّ بن زيدٍ، عن يوسف المكيّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: الشاهد محمّدٌ، والمشهود يوم القيامة. ثمّ قرأ: {ذلك يومٌ مجموعٌ له النّاس وذلك يومٌ مشهودٌ}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن شباكٍ، قال: سأل رجلٌ الحسن بن عليٍّ عن: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: سألت أحداً قبلي؟ قال: نعم سألت ابن عمر، وابن الزبير، فقالا: يوم الذبح ويوم الجمعة. قال: لا، ولكنّ الشاهد محمّدٌ. ثمّ قرأ: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا}: والمشهود يوم القيامة. ثمّ قرأ: {ذلك يومٌ مجموعٌ له النّاس وذلك يومٌ مشهودٌ}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابرٍ، عن أبي الضحى، عن الحسن بن عليٍّ، قال: الشاهد محمّدٌ، والمشهود يوم القيامة.
- حدّثني سعيد بن الربيع، قال: ثنا سفيان، عن عبد الرّحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيّب: {ومشهودٍ}: يوم القيامة. وقال آخرون: الشاهد الإنسان، والمشهود يوم القيامة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبيدٍ المحاربيّ، قال: ثنا أسباط، عن عبد الملك، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: الشاهد ابن آدم، والمشهود يوم القيامة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {وشاهدٍ}؛ قال: الإنسان. وقوله: {ومشهودٍ}؛ قال: يوم القيامة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، قال: الشاهد الإنسان، والمشهود يوم القيامة.
- حدّثني يعقوب، قال: ثنا ابن عليّة، عن خالدٍ الحذّاء، عن عكرمة في قوله: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: {وشاهدٍ}: ابن آدم، {ومشهودٍ}: يوم القيامة.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضحّاك يقول في قوله: {وشاهدٍ}: يعني الإنسان، {ومشهودٍ}: يوم القيامة، قال اللّه: {وذلك يومٌ مشهودٌ}.
وقال آخرون: الشاهد محمّدٌ، والمشهود يوم الجمعة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يحيى بن واضحٍ، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة في قوله: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: الشاهد محمّدٌ، والمشهود يوم الجمعة، فذلك قوله: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا}.
وقال آخرون: الشاهد اللّه، والمشهود يوم القيامة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وشاهدٍ}؛ يقول: اللّه، {ومشهودٍ}؛ يقول: يوم القيامة.
وقال آخرون: الشاهد يوم الأضحى، والمشهود يوم الجمعة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن شباكٍ، قال: سأل رجلٌ الحسن بن عليٍّ عن: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: سألت أحداً قبلي؟ قال: نعم، سألت ابن عمر وابن الزبير، فقالا: يوم الذبح، ويوم الجمعة. وقال آخرون: الشاهد يوم الأضحى، والمشهود يوم عرفة.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: الشاهد يوم عرفة، والمشهود يوم القيامة.
وقال آخرون: المشهود يوم الجمعة، ورووا ذلك عن رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم].
ذكر الرواية بذلك:
- حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن، قال: ثني عمّي عبد اللّه بن وهبٍ، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلالٍ، عن زيد بن أيمن، عن عبادة بن نسيٍّ، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم]:«أكثروا عليّ الصّلاة يوم الجمعة، فإنّه يومٌ مشهودٌ تشهده الملائكة».
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنّ اللّه أقسم بشاهدٍ شهد، ومشهودٍ شهد، ولم يخبرنا مع إقسامه بذلك أيّ شاهدٍ وأيّ مشهودٍ أراد، وكلّ الذي ذكرنا أنّ العلماء قالوا: هو المعنيّ ممّا يستحقّ أن يقال له: شاهدٌ ومشهودٌ). [جامع البيان: 24/ 263-270]
قال عبد الرّحمن بن الحسن الهمذانيّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي بن أبي طالب، قال: {اليوم الموعود}؛ يوم القيامة، والشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم النحر يوم الحج الأكبر). [تفسير مجاهد: 2/ 745] (م)
قال عبد الرّحمن بن الحسن الهمذانيّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: ثنا ورقاء، عن المغيرة، عن شباك، قال: حدثني من سمع ابن عمر وابن الزبير يقولان الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم الذبح). [تفسير مجاهد: 2/ 745]
قال عبد الرّحمن بن الحسن الهمذانيّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: ثنا ورقاء، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: كان أصحابنا يقولون الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم الذبح). [تفسير مجاهد: 2/ 745-746]
قال عبد الرّحمن بن الحسن الهمذانيّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال: نا آدم قال: ثنا ورقاء، عن المغيرة، عن شباك، قال: حدثني من سمع الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، يقول:
«الشاهد: محمد [صلى الله عليه وسلم]، والمشهود: يوم القيامة ثم قرأ {وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}، ثم قرأ {وذلك يوم مشهود}»). [تفسير مجاهد: 2/ 746]
قال عبد الرّحمن بن الحسن الهمذانيّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: نا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الشاهد عيسى [عليه السلام] ويقال أيضا: الشاهد: الإنسان، والمشهود: يوم القيامة). [تفسير مجاهد: 2/ 746]
قال محمد بن عبد الله الحاكم النّيسابوريّ (ت: 405هـ): (أخبرنا الشّيخ أبو بكر بن إسحاق، أنبأ عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، حدّثني أبي، ثنا محمّدٌ وهو ابن جعفرٍ، عن شعبة، قال سمعت عليّ بن زيدٍ، ويونس بن عبيدٍ يحدّثان عن عمّارٍ، مولى بني هاشمٍ، عن أبي هريرة [رضي اللّه عنه] أمّا عليٌّ فرفعه إلى النّبيّ [صلّى الله عليه وسلّم]، وأمّا يونس فلم يعدّ أبا هريرة في هذه الآية: {وشاهدٍ ومشهودٍ}قال: «الشّاهد يوم عرفة ويوم الجمعة، والمشهود هو الموعود يوم القيامة» حديث شعبة عن يونس بن عبيدٍ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/ 564]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: «اليوم الموعود: يوم القيامة، واليوم المشهود، يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة» قال: «وما طلعت الشمس ولا غربت على يومٍ أفضل منه، فيه ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مؤمنٌ يدعو الله بخير إلا استجاب الله له، ولا يستعيذ من شرّ إلا أعاذه الله منه». أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/ 426-427] (م)
قال عليّ بن أبي بكرٍ بن سليمان الهيثميّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛
عن أبي مالكٍ الأشعريّ قال: قال رسول الله [صلّى الله عليه وسلّم]:«اليوم الموعود: يوم القيامة، وأنّ الشّاهد: يوم الجمعة، وأنّ المشهود: يوم عرفة، ويوم الجمعة دخّره الله لنا، وصلاة الوسطى بعد صلاة العصر».
رواه الطبرانيّ، وفيه محمد بن إسماعيل بن عيّاشٍ وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/ 135]
قال عليّ بن أبي بكرٍ بن سليمان الهيثميّ (ت: 807هـ) : (وعن الحسين بن عليٍّ في قوله تعالى: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: الشاهد: جدّي رسول الله [صلّى الله عليه وسلّم]، والمشهود: يوم القيامة. ثم تلا هذه الآية: {إنّا أرسلناك شاهداً ومبشّراً ونذيراً} وتلا: {ذلك يومٌ مجموعٌ له النّاس وذلك يومٌ مشهودٌ}. رواه الطبرانيّ في الصغير والأوسط، وفيه يحيى بن عبد الحميد الحمّانيّ، وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/ 135-136]
قال عليّ بن أبي بكرٍ بن سليمان الهيثميّ (ت: 807هـ) : (وعن ابن عبّاسٍ: {وشاهدٍ ومشهودٍ} قال: الشاهد: محمدٌ [صلّى الله عليه وسلّم]. والمشهود: يوم القيامة.
رواه البزّار ورجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/ 136]
قال عليّ بن أبي بكرٍ بن سليمان الهيثميّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا عمرو بن عليٍّ، ثنا أبو عاصمٍ، عن شبيبٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وشاهدٍ ومشهودٍ} قال: الشّاهد: محمّدٌ [صلّى اللّه عليه وسلّم]، والمشهود يوم القيامة). [كشف الأستار: 3/ 79-80]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزّاق وعبد بن حميدٍ، عن قتادة في قوله: {والسّماء ذات البروج}؛ قال: بروجها: نجومها، {واليوم الموعود}؛ قال: يوم القيامة، {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: يومان عظيمان عظّمهما اللّه من أيام الدنيا، كنّا نحدّث أنّ الشّاهد: يوم القيامة، وأن المشهود: يوم عرفة). [الدر المنثور: 15/ 328] (م)
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ وابن المنذر، عن الحسن في قوله: {والسّماء ذات البروج}؛ قال: حبكت بالخلق الحسن، ثمّ حبكت بالنّجوم، {واليوم الموعود}؛ قال: يوم القيامة، {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: الشّاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم القيامة). [الدر المنثور: 15/ 329] (م)
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ وابن جريرٍ وابن المنذر، عن مجاهدٍ: {والسّماء ذات البروج}؛ قال: ذات النّجوم، {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: الشّاهد: ابن آدم، والمشهود: يوم القيامة). [الدر المنثور: 15/ 329] (م)
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: {واليوم الموعود(2) وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: اليوم الموعود: يوم القيامة، والشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة، وهو الحجّ الأكبر، فيوم الجمعة جعله اللّه عيداً لمحمدٍ وأمّته، وفضّلهم بها على الخلق أجمعين، وهو سيّد الأيام عند اللّه، وأحبّ الأعمال فيه إلى اللّه، وفيه ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ يصلّي يسأل اللّه فيها خيراً إلاّ أعطاه إيّاه). [الدر المنثور: 15/ 329] (م)
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ والتّرمذيّ وابن أبي الدنيا في الأهوال، وابن جريرٍ وابن المنذر وابن أبي حاتمٍ وابن مردويه والبيهقيّ في سننه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم]: «اليوم الموعود: يوم القيامة، واليوم المشهود: يوم عرفة، والشّاهد: يوم الجمعة، وما طلعت الشّمس ولا غربت على يومٍ أفضل منه، فيه ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مؤمنٌ يدعو اللّه بخيرٍ إلاّ استجاب اللّه له، ولا يستعيذ بشيءٍ إلاّ أعاذه اللّه منه» ). [الدر المنثور: 15/ 329-330] (م)
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصحّحه، وابن مردويه والبيهقيّ ، عن أبي هريرة رفعه: {وشاهدٍ ومشهودٍ}، قال:«الشّاهد: يوم عرفة ويوم الجمعة، والمشهود هو الموعود: يوم القيامة» ). [الدر المنثور: 15/ 330] (م)
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ وابن المنذر، عن عليٍّ قال: اليوم الموعود: يوم القيامة، والشّاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم النّحر). [الدر المنثور: 15/ 330] (م)
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جريرٍ والطبرانيّ وابن مردويه من طريق شريح بن عبيدٍ، عن أبي مالكٍ الأشعريّ قال: قال رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم]: «اليوم الموعود: يوم القيامة، والشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة، ويوم الجمعة دخره اللّه لنا، والصّلاة الوسطى: صلاة العصر».
- وأخرجه سعيد بن منصورٍ، عن شريح بن عبيدٍ مرسلاً). [الدر المنثور: 15/ 330] (م)
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه وابن عساكر، عن جبير بن مطعمٍ قال: قال رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] في قوله تعالى: {وشاهدٍ ومشهودٍ}، قال: «الشّاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة».
وأخرج عبد بن حميدٍ، عن ابن عبّاسٍ وأبي هريرة موقوفاً مثله). [الدر المنثور: 15/ 330-331]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصورٍ وابن جريرٍ وعبد بن حميدٍ وابن مردويه، عن سعيد بن المسيّب قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:«إنّ سيّد الأيّام يوم الجمعة، وهو الشّاهد، والمشهود: يوم عرفة» ). [الدر المنثور: 15/ 331]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن ماجه والطّبرانيّ وابن جريرٍ، عن أبي الدّرداء قال: قال رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم]: «أكثروا عليّ من الصّلاة يوم الجمعة؛ فإنّه يومٌ مشهودٌ تشهده الملائكة» ). [الدر المنثور: 15/ 331]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزّاق والفريابيّ وعبد بن حميدٍ وابن جريرٍ وابن المنذر، عن عليّ بن أبي طالبٍ في قوله: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: الشّاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة). [الدر المنثور: 15/ 331]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جريرٍ وابن مردويه، عن الحسن بن عليٍّ أنّ رجلاً سأله عن قوله: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: هل سألت أحداً قبلي؟ قال: نعم، سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا: يوم الذّبح ويوم الجمعة، فقال: لا، ولكنّ الشّاهد: محمدٌ [صلّى اللّه عليه وسلّم]. ثم قرأ: {وجئنا بك على هؤلاء شهيداً}؛ والمشهود: يوم القيامة. ثم قرأ: {ذلك يومٌ مجموعٌ له النّاسوذلك يومٌ مشهودٌ} ). [الدر المنثور: 15/ 331-332]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ والطّبرانيّ في (الأوسط) والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليٍّ في قوله: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال:«الشاهد: جدّي رسول الله [صلّى الله عليه وسلّم]، والمشهود: يوم القيامة». ثم تلا: {إنّا أرسلناك شاهدًا}، و{ذلك يومٌ مشهودٌ} ). [الدر المنثور: 15/ 332]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ والنّسائيّ وابن أبي الدّنيا في الأهوال والبزّار وابن جريرٍ وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرقٍ، عن ابن عبّاسٍ: {واليوم الموعود}: يوم القيامة، {وشاهدٍ ومشهودٍ}. قال: الشاهد: محمدٌ، والمشهود: يوم القيامة. ثم تلا: {ذلك يومٌ مجموعٌ له النّاس وذلك يومٌ مشهودٌ} ). [الدر المنثور: 15/ 332]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جريرٍ، من طريق عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ قال: الشّاهد: اللّه، والمشهود: يوم القيامة). [الدر المنثور: 15/ 332-333]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: الشّاهد: اللّه). [الدر المنثور: 15/ 333]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : ( وأخرج عبد بن حميدٍ، وابن المنذر وابن أبي حاتمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: الشّاهد: اللّه، والمشهود: يوم القيامة). [الدر المنثور: 15/ 333]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، من طريق أبي ظبيان، عن ابن عبّاسٍ قال: الشّاهد: الإنسان، والمشهود يوم القيامة). [الدر المنثور: 15/ 333]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزّاق وسعيد بن منصورٍ، وعبد بن حميدٍ وابن المنذر، عن عكرمة قال: الشّاهد: الذي يشهد على الإنسان بعمله، والمشهود: يوم القيامة). [الدر المنثور: 15/ 333]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر والحاكم وصحّحه، عن ابن مسعودٍ قال: قسمٌ {والسّماء ذات البروج}، إلى قوله: {وشاهدٍ ومشهودٍ} قال: هذا قسمٌ على {إنّ بطش ربّك لشديدٌ} إلى آخرها). [الدر المنثور: 15/ 343] (م)

تفسير قوله تعالى: {قتل أصحاب الأخدود (4)}

قال عبد الرّزّاق بن همّامٍ الصّنعانيّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {قتل أصحاب الأخدود}؛ قال: يعني القاتلين الذين قتلوا ثم قتلوا). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 362]
قال عبد الرّزّاق بن همّامٍ الصّنعانيّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب قال: كان النبي إذا صلى العصر همس، والهمس في قول بعضهم: تحرك شفتيه يتكلم بشيء فقيل له: يا نبي الله إنك إذا صليت العصر همست.
قال:
«إن نبيا من الأنبياء كان أعجب بأمته. فقال: من يقوم لهؤلاء فأوحى الله إليه أن خيرهم بين أن أنتقم منهم وبين أن أسلط عليهم عدوهم فاختاروا النقمة». قال: «فسلط الله عليهم الموت فمات منهم في يوم سبعون ألفا »، قال: وكان إذا حدث بهذا الحديث حدث بهذا الحديث الآخر:
قال: كان ملك من الملوك له كاهن فيتكهن لهم. فقال ذلك الكاهن: انظروا لي غلاما فهما فطنا -أو قال لقنا- فأعلمه علمي هذا فإني أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم ولا يكون فيكم من يعلمه.
قال: فنظروا له غلاما على ما وصف فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن وأن يختلف إليه.
قال: فجعل الغلام يختلف إليه وكان على طريق الغلام راهب في صومعة له.
قال معمر: وأحسب أن أصحاب الصوامع يومئذ كانوا مسلمين.
قال: فجعل الغلام يسأل الراهب كلما مر به فلم يزل به حتى أخبره.
فقال: إنما أعبد الله.
قال: فجعل الغلام يمكث عند الراهب ويبطئ على الكاهن.
قال: فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام إنه لا يكاد يحضرني.
قال فأخبر الغلام الراهب بذلك.
فقال له الراهب: إذا قال لك الكاهن: أين كنت فقل كنت عند أهلي، وإذا قال لك أهلك: أين كنت فأخبرهم أنك كنت عند الكاهن.
قال: فبينما الغلام على ذلك إذ مر بجماعة من الناس كثيرة قد حبستهم دابة فقال بعضهم: إن تلك الدابة كانت أسدا.
قال: فأخذ الغلام حجرا فقال: اللهم إن كان ما يقول الراهب حقا فأسألك أن أقتل هذه الدابة وإن كان ما يقول الكاهن حقا فأسألك ألا أقتلها.
قال: ثم رمى فقتل الدابة فقال الناس: من قتلها؟ قالوا: الغلام. ففزع الناس إليه وقالوا: قد علم هذا الغلام علما لم يعلمه أحد.
قال: فسمع به أعمى فجاءه فقال له الأعمى: إن أنت رددت علي بصري فإن لك كذا وكذا.
فقال له الغلام: لا أريد منك هذا ولكن أرأيت إن رجع إليك بصرك أتؤمن بالذي رده عليك. قال: نعم، فدعا الله فرد إليه بصره.
قال: فآمن الأعمى فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم فقال: لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه.
قال: فأمر بالراهب وبالرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله وقتل الآخر بقتلة أخرى ثم أمر بالغلام فقال: انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه فانطلقوا به إلى ذلك الجبل فلما انتهوا إلى المكان الذي أرادوا جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردون منه حتى لم يبق منهم إلا الغلام.
قال: ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن انطلقوا به إلى البحر فألقوه فيه فانطلقوا به إلى البحر فغرق الله الذين كانوا معه وأنجاه فقال الغلام للملك: أنت لا تقتلني حتى تصلبني ثم ترميني فتقول إذا رميتني: باسم رب الغلام.
قال: فأمر به فصلب ثم رماه فقال: باسم رب الغلام.
قال: فوضع الغلام يده على صدغه حين رمي ثم مات.
قال: فقال الناس: لقد علم هذا الغلام علما ما علمه أحد فإنا نؤمن برب هذا الغلام فقيل للملك: أجزعت أن خالفك ثلاثة فهذا العالم كلهم قد خالفوك فخد أخدودا ثم ألقى فيها الحطب والنار ثم جمع الناس، فقال: من رجع إلى دينه تركناه ومن لم يرجع ألقيناه في النار فجعل يلقيهم في ذلك الأخدود. يقول الله تبارك وتعالى: {قتل أصحب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}
قال: فأما الغلام فإنه دفن فيذكر أنه أخرج في زمان عمر بن الخطاب وأصبعه على صدغه كما كان وضعها حين قتل). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 362-364]
قال محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاريّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {الأخدود}: «شقٌّ في الأرض» ). [صحيح البخاري: 6 / 168]
قال أحمد بن عليّ بن حجرٍ العسقلانيّ (ت: 852هـ) : (قوله: (وقال مجاهدٌ: {الأخدود}؛ شقٌّ في الأرض، وصله الفريابيّ بلفظ: شقٌّ بنجران كانوا يعذّبون النّاس فيه.
- وأخرج مسلمٌ والتّرمذيّ وغيرهما من حديث صهيبٍ قصّة أصحاب الأخدود مطوّلةً، وفيه قصّة الغلام الذي كان يتعلّم من الساحر، فمرّ بالرّاهب فتابعه على دينه، فأراد الملك قتل الغلام لمخالفته دينه فقال: إنّك لن تقدر على قتلي حتّى تقول إذا رميتني: بسم الله ربّ الغلام. ففعل، فقال النّاس: آمنّا بربّ الغلام. فخدّ لهم الملك الأخاديد في السّكك وأضرم فيها النّيران ليرجعوا إلى دينه.
وفيه قصّة الصّبيّ الذي قال لأمّه: اصبري فإنّك على الحقّ.
صرّح برفع القصّة بطولها حمّاد بن سلمة عن ثابتٍ عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى عن صهيبٍ.
ومن طريقه أخرجه مسلمٌ والنّسائيّ وأحمد، ووقفها معمرٌ عن ثابتٍ، ومن طريقه أخرجها التّرمذيّ، وعنده في آخره يقول الله تعالى: {قتل أصحاب الأخدود} إلى {العزيز الحميد} ). [فتح الباري: 8/ 698]
- قال أحمد بن عليّ بن حجرٍ العسقلانيّ (ت: 852هـ) : (وقال مجاهد: {الأخدود}؛ شقّ في الأرض فتنوا عذبوا
قال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {قتل أصحاب الأخدود} شقّ بنجران كانوا يعذبون النّاس فيه
وفي قوله: {إن الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات}؛ قال: عذبوا). [تغليق التعليق: 4 / 364] (م)
- قال محمود بن أحمد بن موسى العينيّ (ت: 855هـ) : ( (وقال مجاهدٌ: {الأخدود}: شقٌّ في الأرض.
أي قال مجاهدٌ في قوله تعالى: {قتل أصحاب الأخدود}؛ قال: الأخدود شقٌّ في الأرض، أخرجه عبد بن حميدٍ عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ). [عمدة القاري: 19/ 286]
- قال أحمد بن محمد بن أبي بكرٍ القسطلاّنيّ (ت: 923هـ) : ( قال ولأبي ذرٍّ: وقال مجاهدٌ فيما رواه عبد بن حميدٍ في قوله: {الأخدود} هو شقٌّ في الأرض، وقال غيره: المستطيل في الأرض. وروى مسلمٌ عن صهيبٍ أنّ رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] قال: «كان فيمن كان قبلكم ملكٌ، وكان له ساحرٌ فلمّا كبر قال للملك: إنّي قد كبرت، فابعث إليّ غلامًا أعلّمه السّحر، فبعث إليه غلامًا يعلّمه، وكان في طريقه إذا سلك راهبٌ، فقعد إليه وسمع كلامه، فأعجبه، فكان إذا أتى السّاحر مرّ بالرّاهب، وقعد إليه، فإذا أتى السّاحر ضربه، فشكا ذلك إلى الرّاهب فقال له: إذا خشيت السّاحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني السّاحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابّةٍ عظيمةٍ قد حبست النّاس فقال: اليوم أعلم السّاحر أفضل أم الرّاهب أفضل، فأخذ حجرًا فقال: اللّهمّ إن كان أمر الرّاهب أحبّ إليك من أمر السّاحر فاقتل هذه الدّابّة حتّى يمضي النّاس، فرماها فقتلها، ومضى النّاس، فأتى الرّاهب فأخبره فقال له الرّاهب: أي بنيّ، أنت اليوم أفضل منّي، قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنّك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدلّ عليّ. وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي النّاس سائر الأدواء، فسمع جليسٌ للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرةٍ، فقال: ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني. قال: إنّي لا أشفي أحدًا إنّما يشفي اللّه عزّ وجلّ، فإن آمنت باللّه دعوت اللّه فشفاك. فآمن باللّه، فشفاه اللّه، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من ردّ عليك بصرك؟ فقال: ربّي. قال: ولك ربٌّ غيري؟ قال: اللّه ربّي وربّك. فأخذه فلم يزل يعذّبه حتّى دلّ على الغلام، فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بنيّ، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص، وتفعل وتفعل؟ قال: إنّي لا أشفي أحدًا إنّما يشفي اللّه. فأخذه فلم يزل يعذّبه حتّى دلّ على الرّاهب، فجيء بالرّاهب فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقّه به حتّى وقع شقّاه، ثمّ جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقّه به حتّى وقع شقّاه، ثمّ جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى فدفعه إلى نفرٍ من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم به ذروته، فإن رجع عن دينه، وإلاّ فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال: اللّهمّ اكفنيهم بما شئت. فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم اللّه. فدفعه إلى نفرٍ من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقورٍ، فتوسّطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلاّ فاقذفوه. فذهبوا به فقال: اللّهمّ اكفنيهم بما شئت. فانكفأت بهم السّفينة، فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم اللّه. فقال للملك: إنّك لست بقاتلي حتّى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع النّاس في صعيدٍ واحدٍ، وتصلبني على جذعٍ، ثمّ خذ سهمًا من كنانتي، ثمّ ضع السّهم في كبد القوس، ثمّ قل: باسم اللّه ربّ هذا الغلام، ثمّ ارمني، فإنّك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع النّاس في صعيدٍ واحدٍ، فصلبه على جذعٍ، ثمّ أخذ سهمًا من كنانته، ثمّ وضع السّهم في كبد القوس ثمّ قال: باسم اللّه ربّ هذا الغلام. ثمّ رماه، فوقع السّهم في صدغه، ووضع يده في صدغه موضع السّهم، فمات، فقال النّاس: آمنّا بربّ الغلام، آمنّا بربّ الغلام. فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذره، قد واللّه نزل بك حذرك، قد آمن النّاس. فأمر بالأخدود بأفواه السّكك، فخدّت وأضرم النّيران، وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها، أو قيل له: اقتحم. ففعلوا حتّى جاءت امرأةٌ ومعها صبيٌّ لها، فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أمّه اصبري فإنّك على الحقّ» ). [إرشاد الساري: 7/ 415-416]
قال محمد بن عيسى بن سورة التّرمذيّ (ت: 279هـ): (حدّثنا محمود بن غيلان، وعبد بن حميدٍ، المعنى واحدٌ، قالا: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن ثابتٍ البنانيّ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن صهيبٍ قال: كان رسول الله [صلّى اللّه عليه وسلّم] إذا صلّى العصر همس، والهمس في قول بعضهم تحرّك شفتيه كأنّه يتكلّم، فقيل له: إنّك يا رسول الله إذا صلّيت العصر همست؟ قال: إنّ نبيًّا من الأنبياء كان أعجب بأمّته فقال: من يقوم لهؤلاء؟ فأوحى اللّه إليه أن خيّرهم بين أن أنتقم منهم وبين أن أسلّط عليهم عدوّهم، فاختاروا النّقمة، فسلّط عليهم الموت، فمات منهم في يومٍ سبعون ألفًا.
- قال: وكان إذا حدّث بهذا الحديث حدّث بهذا الحديث الآخر، قال:
كان ملكٌ من الملوك، وكان لذلك الملك كاهنٌ يكهن له، فقال الكاهن: انظروا لي غلامًا فهمًا، أو قال: فطنًا، لقنًا، فأعلّمه علمي هذا، فإنّي أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه. قال: فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل يختلف، إليه وكان على طريق الغلام راهبٌ في صومعةٍ، قال معمرٌ: أحسب أنّ أصحاب الصّوامع كانوا يومئذٍ مسلمين، قال: فجعل الغلام يسأل ذلك الرّاهب كلّما مرّ به، فلم يزل به حتّى أخبره، فقال: إنّما أعبد اللّه. قال: فجعل الغلام يمكث عند الرّاهب ويبطئ عن الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام إنّه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الرّاهب بذلك، فقال له الرّاهب: إذا قال لك الكاهن: أين كنت؟ فقل: عند أهلي، وإذا قال لك أهلك: أين كنت؟ فأخبرهم أنّك كنت عند الكاهن. قال: فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعةٍ من النّاس كثيرٍ قد حبستهم دابّةٌ، فقال بعضهم: إنّ تلك الدّابّة كانت أسدًا. قال: فأخذ الغلام حجرًا فقال: اللّهمّ إن كان ما يقول الرّاهب حقًّا فأسألك أن أقتلها. قال: ثمّ رمى فقتل الدّابّة. فقال النّاس: من قتلها؟ قالوا: الغلام، ففزع النّاس وقالوا: لقد علم هذا الغلام علمًا لم يعلمه أحدٌ. قال: فسمع به أعمى، فقال له: إن أنت رددت بصري فلك كذا وكذا. قال: لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع إليك بصرك، أتؤمن بالّذي ردّه عليك؟ قال: نعم. قال: فدعا اللّه فردّ عليه بصره، فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم، فبعث إليهم، فأتي بهم، فقال: لأقتلنّ كلّ واحدٍ منكم قتلةً لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالرّاهب والرّجل الّذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلةٍ أخرى. ثمّ أمر بالغلام، فقال: انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلمّا انتهوا إلى ذلك المكان الّذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون، حتّى لم يبق منهم إلاّ الغلام. قال: ثمّ رجع، فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقونه فيه، فانطلق به إلى البحر، فغرّق اللّه الّذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك: إنّك لا تقتلني حتّى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني: بسم الله ربّ هذا الغلام. قال فأمر به، فصلب، ثمّ رماه، فقال: بسم الله ربّ هذا الغلام.
قال: فوضع الغلام يده على صدغه حين رمي، ثمّ مات، فقال أناسٌ: لقد علم هذا الغلام علمًا ما علمه أحدٌ، فإنّا نؤمن بربّ هذا الغلام. قال: فقيل للملك أجزعت أن خالفك ثلاثةٌ، فهذا العالم كلّهم قد خالفوك. قال: فخدّ أخدودًا ثمّ ألقى فيها الحطب والنّار، ثمّ جمع النّاس. فقال: من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النّار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود. قال: يقول اللّه تبارك وتعالى فيه: {قتل أصحاب الأخدود النّار ذات الوقود} حتّى بلغ {العزيز الحميد} قال: فأمّا الغلام فإنّه دفن قال: فيذكر أنّه أخرج في زمن عمر بن الخطّاب وإصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ). [سنن الترمذي: 5 / 294-296]
قال أحمد بن شعيبٍ النّسائيّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {قتل أصحاب الأخدود}؛
- أخبرنا أحمد بن سليمان، حدّثنا عفّان بن مسلمٍ، حدّثنا حمّاد بن سلمة، حدّثنا ثابتٌ البنانيّ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن صهيبٍ، أنّ رسول الله [صلّى الله عليه وسلّم] قال:
«كان ملكٌ ممّن كان قبلكم، وكان له ساحرٌ، فلمّا كبر السّاحر، قال للملك: إنّي قد كبرت سنّي، وحضر أجلي، فادفع إليّ غلامًا فلأعلّمه السّحر، فدفع إليه غلامًا، وكان يعلّمه السّحر، وكان بين السّاحر وبين الملك راهبٌ، فأتى الغلام الرّاهب، فسمع كلامه فأعجبه نحوه وكلامه، فكان إذا أتى على السّاحر ضربه، وقال: ما حبسك؟، فإذا أتى أهله جلس عند الرّاهب، فإذا أتى أهله ضربوه، وقالوا: ما حبسك؟، فشكى ذلك إلى الرّاهب، فقال: إذا أراد السّاحر أن يضربك فقل: حبسني أهلي، وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل: حبسني السّاحر، فبينما هو كذلك إذ أتى يومًا على دابّةٍ فظيعةٍ عظيمةٍ، قد حبست النّاس فلا يستطيعون أن يجوزوا، وقال: اليوم أعلم أمر الرّاهب أحبّ إلى الله أم أمر السّاحر، وأخذ حجرًا، وقال: اللهمّ إن كان أمر الرّاهب أحبّ إليك وأرضى لك من أمر السّاحر فاقتل هذه الدّابّة، حتّى يجوز النّاس، فرماها فقتلها، ومضى النّاس، فأخبر الرّاهب بذلك، فقال: أي بنيّ، أنت أفضل منّي، وإنّك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدلّ عليّ، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم، وكان جليسٌ للملك فعمي، فسمع به فأتاه بهدايا كثيرةٍ، فقال: اشفني ولك ما هاهنا أجمع، فقال: ما أشفي أنا أحدًا، إنّما يشفي الله عزّ وجلّ، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن فدعا الله عزّ وجلّ له فشفاه، ثمّ أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس، فقال له الملك: يا فلان، من ردّ عليك بصرك؟، قال: ربّي، قال: أنا؟، قال: لا، ولكنّ ربّي وربّك الله، قال: ولك ربٌّ غيري؟ قال: نعم، فلم يزل يعذّبه حتّى دلّ على الغلام، فبعث إليه، فقال: أي بنيّ، قد بلغ من سحرك أنّك تبرئ الأكمه والأبرص، وهذه الأدواء، فقال: ما أشفي أنا أحدًا، ما يشفي غير الله، قال: أنا؟، قال: لا، قال: وإنّ لك ربًّا غيري؟، قال: نعم، ربّي وربّك الله، قال: فأخذه أيضًا بالعذاب، فلم يزل به حتّى دلّ على الرّاهب، فأتي الرّاهب، فقيل: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار على مفرق رأسه، حتّى وقع شقّاه إلى الأرض، فقال للأعمى: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار على مفرق رأسه حتّى وقع شقّاه إلى الأرض، فقال للغلام: ارجع عن دينك فأبى، فبعث معه نفرًا إلى جبل كذا وكذا، وقال: إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه، وإلّا فدهدهوه من فوقه، فذهبوا به، فلمّا علوا به الجبل، قال: اللهمّ اكفنيهم بما شئت، فرجف الجبل، فتدهدهوا أجمعون، وجاء الغلام حتّى دخل على الملك، فقال: ما فعل أصحابك؟، قال: كفانيهم الله عزّ وجلّ، فبعث معه نفرًا في قرقورةٍ، وقال: إذا لججتم معه في البحر، فإن رجع عن دينه، وإلّا فغرّقوه - قال أبو عبد الرّحمن: بعض حروف غرّقوه سقط من كتابه - فلجّجوا به في البحر، فقال الغلام: اللهمّ اكفنيهم بما شئت، فغرقوا أجمعون، وجاء الغلام حتّى دخل على الملك، فقال: ما فعل أصحابك؟، قال: كفانيهم الله جلّ وعزّ، ثمّ قال للملك: إنّك لست بقاتلي حتّى تفعل ما آمرك، فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني، قال: وما هو؟، قال: تجمع النّاس في صعيدٍ، ثمّ تصلبني على جذعٍ، فتأخذ سهمًا من كنانتي، ثمّ تقول: باسم ربّ الغلام، فإنّك إن فعلت ذلك قتلتني، ففعل فوضع السّهم في كبد قوسه، ثمّ رمى، وقال: باسم ربّ الغلام، فوقع السّهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السّهم ومات رحمه الله، فقال النّاس: آمنّا بربّ الغلام، فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر، فقد والله نزل بك، قد آمن النّاس كلّهم، فأمر بأفواه السّكك فخدّت فيها الأخاديد، وأضرمت فيها النّيران، وقال: من يرجع عن دينه فدعوه، وإلّا فأقحموه فيها، وكانوا يتنازعون ويتدافعون، فجاءت امرأةٌ بابنٍ لها ترضعه، فكأنّها تقاعست أن تقع في النّيران، فقال الصّبيّ: اصبري فإنّك على الحقّ» ). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 329-331]
قال أبو جعفرٍ محمّد بن جريرٍ الطّبريّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {قتل أصحاب الأخدود}؛ يقول: لعن أصحاب الأخدود.
وكان بعضهم يقول: معنى قوله: {قتل أصحاب الأخدود}؛ خبرٌ من اللّه عن النّار أنّها قتلتهم.
وقد اختلف أهل العلم في أصحاب الأخدود من هم؟ فقال بعضهم: قومٌ كانوا أهل كتابٍ من بقايا المجوس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يعقوب القمّيّ، عن جعفرٍ، عن ابن أبزى، قال: لمّا رجع المهاجرون من بعض غزواتهم، بلغهم نعي عمر بن الخطّاب [رضي اللّه عنه]، فقال بعضهم لبعضٍ: أيّ الأحكام تجري في المجوس، وإنّهم ليسوا بأهل كتابٍ، وليسوا من مشركي العرب؟ فقال عليّ بن أبي طالبٍ [رضي اللّه عنه]: «قد كانوا أهل كتابٍ، وقد كانت الخمر أحلّت لهم، فشربها ملكٌ من ملوكهم، حتى ثمل منها، فتناول أخته فوقع عليها، فلمّا ذهب عنه السّكر قال لها: ويحك! ما المخرج ممّا ابتليت به؟ فقالت: اخطب النّاس، فقل: يا أيّها النّاس إنّ اللّه قد أحلّ نكاح الأخوات، فقام خطيباً، فقال: يا أيّها النّاس إنّ اللّه قد أحلّ نكاح الأخوات، فقال النّاس: إنّا نبرأ إلى اللّه من هذا القول، ما أتانا به نبيٌّ، ولا وجدناه في كتاب اللّه، فرجع إليها نادماً، فقال لها: ويحك! إنّ النّاس قد أبوا عليّ أن يقرّوا بذلك، فقالت: ابسط عليهم السّياط، ففعل، فبسط عليهم السياط، فأبوا أن يقرّوا، فرجع إليها نادماً، فقال: إنّهم أبوا أن يقرّوا، فقالت: اخطبهم فإن أبوا فجرّد فيهم السيف، ففعل، فأبى عليه النّاس، فقال لها: قد أبى عليّ النّاس، فقالت: خدّ لهم الأخدود، ثمّ اعرض عليها أهل مملكتك، فمنّ أقرّ، وإلاّ فاقذفه في النّار، ففعل، ثمّ عرض عليها أهل مملكته، فمن لم يقرّ منهم قذفه في النّار، فأنزل اللّه فيهم: {قتل أصحاب الأخدود النّار ذات الوقود} إلى {أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات}: حرّقوهم {ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم ولهم عذاب الحريق}. فلم يزالوا منذ ذلك يستحلّون نكاح الأخوات والبنات والأمّهات ».
- حدّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: {قتل أصحاب الأخدود}، قال: حدّثنا أنّ عليّ بن أبي طالبٍ -رضي اللّه عنه- كان يقول: هم ناسٌ بمذارع اليمن، اقتتل مؤمنوها وكفّارها، فظهر مؤمنوها على كفّارها، ثمّ اقتتلوا الثانية، فظهر مؤمنوها على كفّارها، ثمّ أخذ بعضهم على بعضٍ عهداً ومواثيق ألاّ يغدر بعضهم ببعضٍ، فغدر بهم الكفّار فأخذوهم أخذاً؛ ثمّ إنّ رجلاً من المؤمنين قال لهم: هل لكم إلى خيرٍ؛ توقدون ناراً ثمّ تعرضوننا عليها، فمن تابعكم على دينكم فذلك الذي تشتهون، ومن لا، اقتحم النّار فاسترحتم منه. قال: فأجّجوا ناراً، وعرضوا عليها، فجعلوا يقتحمونها صناديدهم، حتى بقيت منهم عجوزٌ كأنّها تلكّأت، فقال لها طفلٌ في حجرها: يا أمّاه، امضي ولا تنافقي. قصّ اللّه عليكم نبأهم وحديثهم.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة في قوله: {قتل أصحاب الأخدود}. قال: يعني القاتلين الّذين قتلوهم يوم قتلوا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {قتل أصحاب الأخدود النّار ذات الوقود}. قال: هم ناسٌ من بني إسرائيل، خدّوا أخدوداً في الأرض، ثمّ أوقدوا فيها ناراً، ثمّ أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها، وزعموا أنه دانيال وأصحابه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {قتل أصحاب الأخدود}. قال: كان شقوقٌ في الأرض بنجران، كانوا يعذّبون فيها النّاس.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ يقول: ثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضحّاك يقول في قوله: {قتل أصحاب الأخدود} يزعمون أنّ أصحاب الأخدود من بني إسرائيل، أخذوا رجالاً ونساءً، فخدّوا لهم أخدوداً، ثمّ أوقدوا فيها النيران، فأقاموا المؤمنين عليها، فقالوا: تكفرون أو نقذفكم في النّار.
- حدّثني محمّد بن معمرٍ، قال: ثني حرميّ بن عمارة، قال: ثنا حمّاد بن سلمة، قال: ثنا ثابتٌ البنانيّ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن صهيبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كان فيمن كان قبلكم ملكٌ، وكان له ساحرٌ، فأتى السّاحر الملك، فقال: قد كبرت سنّي، ودنا أجلي، فادفع لي غلاماً أعلّمه السّحر ». قال: «فدفع إليه غلاماً يعلّمه السّحر، قال: فكان الغلام يختلف إلى السّاحر، وكان بين السّاحر وبين الملك راهبٌ. قال: فكان الغلام إذا مرّ بالراهب قعد إليه فسمع من كلامه، فأعجب بكلامه، فكان الغلام إذا أتى السّاحر ضربه وقال: ما حبسك؟ وإذا أتى أهله قعد عند الراهب يسمع كلامه، فإذا رجع إلى أهله ضربوه وقالوا: ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب، فقال له الراهب: إذا قال لك السّاحر: ما حبسك؟ قل: حبسني أهلي، وإذا قال أهلك: ما حبسك؟ فقل: حبسني السّاحر. فبينما هو كذلك إذ مرّ في طريقٍ وإذا دابّةٌ عظيمةٌ في الطريق قد حبست النّاس لا تدعهم يجوزون؛ فقال الغلام: الآن أعلم أمر السّاحر أرضى عند اللّه أم أمر الراهب؟، قال: فأخذ حجراً »، قال: «فقال: اللّهمّ إن كان أمر الراهب أحبّ إليك من أمر السّاحر، فإنّي أرمي بحجري هذا فيقتله ويمرّ النّاس »، قال: «فرماها فقتلها، وجاز النّاس؛ فبلغ ذلك الراهب. قال: وأتاه الغلام فقال الراهب للغلام: إنّك خيرٌ منّي، وإن ابتليت فلا تدلّنّ عليّ. قال: وكان الغلام، يبرئ الأكمه والأبرص، وسائر الأدواء، وكان للملك جليسٌ، قال: فعمي. قال: فقيل له: إنّ هاهنا غلاماً يبرئ الأكمه والأبرص، وسائر الأدواء فلو أتيته؟ قال: فاتّخذ له هدايا. قال: ثمّ أتاه فقال: يا غلام إن أبرأتني فهذه الهدايا كلّها لك، فقال: ما أنا بشافيك، ولكنّ اللّه يشفي، فإن آمنت دعوت اللّه أن يشفيك. قال: فآمن الأعمى، فدعا اللّه فشفاه، فقعد الأعمى إلى الملك كما كان يقعد، فقال له الملك: أليس كنت أعمى؟ قال: نعم. قال: فمن شفاك؟ قال: ربّي. قال: ولك ربٌّ غيري؟ قال: نعم، ربّي وربّك اللّه. قال: فأخذه بالعذاب فقال: لتدلّنّني على من علّمك هذا. قال: فدلّ على الغلام، فدعا الغلام فقال: ارجع عن دينك. قال: فأبى الغلام. قال: فأخذه بالعذاب. قال: فدلّ على الرّاهب، فأخذ الرّاهب، فقال: ارجع عن دينك فأبى. قال: فوضع المنشار على هامته فشقّه حتّى بلغ الأرض، قال: وأخذ الأعمى فقال: لترجعنّ أو لأقتلنّك. قال: فأبى الأعمى، فوضع المنشار على هامته، فشقّه حتّى بلغ الأرض، ثمّ قال للغلام: لترجعنّ أو لأقتلنّك. قال: فأبى. قال: فقال: اذهبوا به حتّى تبلغوا به ذروة الجبل، فإن رجع عن دينه، وإلاّ فدهدهوه، فلمّا بلغوا به ذروة الجبل فوقعوا فماتوا كلّهم. وجاء الغلام يتلمّس حتّى دخل على الملك، فقال: أين أصحابك؟، قال: كفانيهم اللّه. قال: فاذهبوا به فاحملوه في قرقورٍ، فتوسّطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلاّ فغرّقوه. قال: فذهبوا به، فلمّا توسّطوا به البحر قال الغلام: اللّهمّ اكفنيهم، فانكفأت بهم السّفينة. وجاء الغلام يتلمّس حتّى دخل على الملك، فقال الملك: أين أصحابك؟ فقال: دعوت اللّه فكفانيهم. قال: لأقتلنّك. قال: ما أنت بقاتلي حتّى تصنع ما آمرك، قال: فقال الغلام للملك: اجمع النّاس في صعيدٍ واحدٍ، ثمّ اصلبني، ثمّ خذ سهماً من كنانتي فارمني وقل: باسم ربّ الغلام، فإنّك ستقتلني. قال: فجمع النّاس في صعيدٍ واحدٍ. قال: وصلبه وأخذ سهماً من كنانته، فوضعه في كبد القوس، ثمّ رمى، فقال: باسم ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغ الغلام، فوضع يده هكذا على صدغه، ومات الغلام، فقال النّاس: آمنّا بربّ الغلام، فقالوا للملك: ما صنعت؟! الذي كنت تحذر قد وقع، قد آمن النّاس، فأمر بأفواه السّكك فأخذت، وخدّ الأخدود وضرّم فيه النيران، وأخذهم وقال: إن رجعوا وإلاّ فألقوهم في النّار. قال: فكانوا يلقونهم في النّار. قال: فجاءت امرأةٌ معها صبيٌّ لها. قال: فلمّا ذهبت تقتحم وجدت حرّ النّار، فنكصت. قال: فقال لها صبيّها: يا أمّه، امضي فإنّك على الحقّ، فاقتحمت في النّار».
وقال آخرون: بل الّذين أحرقتهم النّار هم الكفّار الّذين فتنوا المؤمنين.
ذكر من قال ذلك
- حدّثت عن عمّارٍ، عن عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيع بن أنسٍ، قال: كان أصحاب الأخدود قوماً مؤمنين، اعتزلوا النّاس في الفترة، وإنّ جبّاراً من عبدة الأوثان أرسل إليهم، فعرض عليهم الدخول في دينه، فأبوا، فخدّ أخدوداً، وأوقد فيه ناراً، ثمّ خيّرهم بين الدخول في دينه، وبين إلقائهم في النّار، فاختاروا إلقاءهم في النّار، على الرجوع عن دينهم، فألقوا في النّار، فنجّى اللّه المؤمنين الّذين ألقوا في النّار من الحريق، بأن قبض أرواحهم قبل أن تمسّهم النّار، وخرجت النّار إلى من على شفير الأخدود من الكفّار فأحرقتهم، فذلك قول اللّه: {فلهم عذاب جهنّم}: في الآخرة، {ولهم عذاب الحريق}: في الدّنيا.
واختلف في موضع جواب القسم بقوله: {والسّماء ذات البروج} فقال بعضهم: جوابه: {إنّ بطش ربّك لشديدٌ}.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: وقع القسم هاهنا: {إنّ بطش ربّك لشديدٌ}.
وقال بعض نحويّي البصرة: موضع قسمها - واللّه أعلم – على: {قتل أصحاب الأخدود}، أضمر اللام كما قال: {والشّمس وضحاها} {قد أفلح من زكّاها} يريد: -إن شاء اللّه-: لقد أفلح من زكّاها، فألقى اللام، وإن شئت قلت: على التقديم، كأنّه قال: {قتل أصحاب الأخدود}، {والسّماء ذات البروج}.
وقال بعض نحويّي الكوفة: يقال في التفسير: إنّ جواب القسم في قوله: {قتل}. كما كان قسم {والشّمس وضحاها} في قوله: {قد أفلح} هذا في التفسير. قال: ولم نجد العرب تدع القسم بغير لامٍ يستقبل بها أو " لا " أو " إنّ " أو " ما "، فإن يكن ذلك كذلك، فكأنّه ممّا ترك فيه الجواب، ثمّ استؤنف موضع الجواب بالخبر، كما قيل: {يا أيّها الإنسان}؛ في كثيرٍ من الكلام.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: جواب القسم في ذلك متروكٌ، والخبر مستأنفٌ؛ لأنّ علامة جواب القسم لا تحذفها العرب من الكلام إذا أجابته.
وأولى التأويلين بقوله: {قتل أصحاب الأخدود}: لعن أصحاب الأخدود الّذين ألقوا المؤمنين والمؤمنات في الأخدود.
وإنّما قلت: ذلك أولى التأويلين بالصواب للّذي ذكرنا عن الربيع من العلّة، وهو أنّ اللّه أخبر أنّ لهم عذاب الحريق مع عذاب جهنّم، ولو لم يكونوا أحرقوا في الدّنيا لم يكن لقوله: {ولهم عذاب الحريق} معنًى مفهومٌ، مع إخباره أنّ لهم عذاب جهنّم، لأنّ عذاب جهنّم هو عذاب الحريق مع سائر أنواع عذابها في الآخرة. والأخدود: الحفرة تحفر في الأرض). [جامع البيان: 24/ 270-278]
قال عبد الرّحمن بن الحسن الهمذانيّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: ثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: «كان أصحاب الأخدود خدوا الخدود وملؤها نارا فألقوا فيها من آمن بالله وتركوا من كفر فألقوا بضعة وثمانين مؤمنا، حتى أتوا على عجوز كبيرة، وابنها خلفها صبي صغير، فلما رأت النار كيف تأخذهم جزعت. قالت: يا بني أما ترى؟ قال لها ابنها: يا أمتاه امضي ولا تنافقي. فمضت واقتحم ابنها على أثرها ». قال الحسن: «كانت لذعة النار ثم لا نار عليهم آخر ما عليهم» ثم قال: «يا سبحان الله ما أصبر الله إنهم يعذبون أولياءه بالنار وهم يدعوهم إلى التوبة». ثم قرأ: «إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات يقول أحرقوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا أي فلو تابوا لتاب الله عز وجل عليهم»). [تفسير مجاهد: 2/ 746-747]
قال عبد الرّحمن بن الحسن الهمذانيّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: نا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: {الأخدود}؛ شق في الأرض بنجران كانوا يعذبون الناس فيها). [تفسير مجاهد: 2/ 747]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتمٍ، من طريق عبد اللّه بن نجيٍّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ قال: كان نبيّ أصحاب الأخدود حبشيًّا). [الدر المنثور: 15 / 333]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتمٍ، من طريق الحسن، عن عليّ بن أبي طالبٍ في قوله: {أصحاب الأخدود}. قال: هم الحبشة). [الدر المنثور: 15/ 333]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جريرٍ وابن المنذر، عن عكرمة: {قتل أصحاب الأخدود}. قال: كانوا من النّبط). [الدر المنثور: 15/ 334]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جريرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {قتل أصحاب الأخدود}. قال: هم ناسٌ من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض، ثمّ أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً فعرضوا عليها). [الدر المنثور: 15/ 334]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابيّ وعبد بن حميدٍ وابن المنذر، عن مجاهدٍ قال: {الأخدود}: شقٌّ بنجران كانوا يعذّبون الناس فيه). [الدر المنثور: 15/ 334]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر، عن عبد الرّحمن بن نفيرٍ قال: كانت الأخدود زمان تبّعٍ). [الدر المنثور: 15/ 334]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، عن الضّحّاك: {قتل أصحاب الأخدود}. قال: هم قومٌ خدّوا أخدودًا في الأرض، ثم أوقدوا فيه ناراً ثمّ جاؤوا بأهل الإسلام؛ فقالوا: اكفروا باللّه واتّبعوا ديننا، وإلاّ ألقيناكم في هذه النار. فاختاروا النار على الكفر؛ فألقوا فيها). [الدر المنثور: 15 / 334]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ وابن المنذر، عن قتادة في قوله: {قتل أصحاب الأخدود}. قال: حدّثنا أنّ عليّ بن أبي طالبٍ كان يقول: هم أناسٌ بمدارع اليمن اقتتل مؤمنوهم وكفّارهم, فظهر مؤمنوهم على كفّارهم، ثم أخذ بعضهم على بعضٍ عهوداً ومواثيق لا يغدر بعضهم ببعضٍ، فغدرهم الكفّار فأخذوهم، ثمّ إنّ رجلاً من المؤمنين قال: هل لكم إلى خيرٍ؟ توقدون ناراً ثمّ تعرضوننا عليها, فمن تابعكم على دينكم، فذلك الذي تشتهون، ومن لا اقتحم فاسترحتم منه. فأجّجوا لهم ناراً وعرضوهم عليها، فجعلوا يقتحمونها حتّى بقيت عجوزٌ فكأنّها تلكّأت، فقال طفلٌ في حجرها: امضي ولا تنافقي. فقصّ اللّه عليكم نبأهم وحديثهم؛ فقال: {النّار ذات الوقود(5) إذهم عليها قعودٌ}. قال: يعني بذلك المؤمنين، {وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ}. قال: يعني بذلك الكفّار). [الدر المنثور: 15 / 334-335]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ، عن الحسن قال: كان بعض الجبابرة خدّ أخدوداً في الأرض، وجعل فيها النّيران، وعرض المؤمنين على ذلك، فمن تابعه على كفره خلّى عنه، ومن أبى ألقاه في تلك النار، فجعل يلقي حتّى أتى على امرأةٍ ومعها بنيٌّ لها صغيرٌ، وكانت اتّقت النّار، فكلّمها الصّبيّ، فقال: يا أمّه قعي ولا تنافقي. فألقيت في النّار، واللّه ما كانت إلاّ نقطةً من نارٍ حتّى أفضوا إلى رحمة اللّه. قال الحسن: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «فما ذكرت أصحاب الأخدود إلاّ تعوّذت باللّه من جهد البلاء» ). [الدر المنثور: 15/ 335-336]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه، عن عبد اللّه بن نجيٍّ قال: شهدت عليًّا وأتاه أسقف نجران فسأله عن أصحاب الأخدود، فقصّ عليه القصّة، فقال عليٌّ: أنا أعلم بهم منك؛ بعث نبيٌّ من الحبشة إلى قومه. ثمّ قرأ عليٌّ: {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك}. فدعاهم فتابعه الناس، فقاتلهم فقتل أصحابه، وأخذ فأوثق، فانفلت فأنس إليه رجالٌ -يقول: اجتمع إليه رجالٌ- فقاتلهم فقتلوا, وأخذ فأوثق فخدّوا أخدوداً في الأرض، وجعلوا فيه النّيران، فجعلوا يعرضون النّاس، فمن تبع النبيّ رمي به فيها، ومن تابعهم ترك، وجاءت امرأةٌ في آخر من جاء، معها صبيٌّ لها، فجزعت؛ فقال الصبيّ: يا أمّه، اطمري ولا تماري. فوقعت). [الدر المنثور: 15/ 336-337]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ، عن سلمة بن كهيلٍ قال: ذكروا أصحاب الأخدود عند عليٍّ؛ فقال: أما إنّ فيكم مثلهم، فلا تكوننّ أعجز من قومٍ). [الدر المنثور: 15/ 337]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ، عن عليّ بن أبي طالبٍ قال: «كان المجوس أهل كتابٍ، وكانوا متمسّكين بكتابهم، وكانت الخمر قد أحلّت لهم، فتناول منها ملكٌ من ملوكهم فغلبته على عقله، فتناول أخته أو ابنته فوقع عليها، فلمّا ذهب عنه السّكر ندم، وقال لها: ويحك ما هذا الذي أتيت؟ وما المخرج منه؟ قالت: المخرج منه أن تخطب النّاس فتقول: يا أيّها النّاس، إنّ اللّه أحلّ لكم نكاح الأخوات أو البنات. فإذا ذهب ذا في النّاس وتناسوه خطبتهم فحرّمته. فقام خطيباً؛ فقال: يا أيّها النّاس، إنّ اللّه أحلّ لكم نكاح الأخوات أو البنات. فقال النّاس جماعتهم: معاذ اللّه، أن نؤمن بهذا أو نقرّ به، أوجاءنا به نبيٌّ، أو نزل علينا في كتابٍ؟! فرجع إلى صاحبته؛ فقال: ويحك، إنّ الناس قد أبوا عليّ ذلك. قالت: إن أبوا عليك ذلك فابسط فيهم السّوط. فبسط فيهم السّوط، فأبى الناس أن يقرّوا، فرجع إليها فقال: قد بسطت فيهم السّوط فأبوا أن يقرّوا. قالت: فجرّد فيهم السّيف. فجرّد فيهم السّيف، فأبوا أن يقرّوا. قالت: خدّ لهم الأخدود، ثمّ أوقد فيه النّيران فمن تابعك فخلّ عنه. فخدّ لهم أخدوداً وأوقد فيه النّيران، وعرض أهل مملكته على ذلك، فمن أبى قذفه في النار، ومن لم يأب خلّى عنه؛ فأنزل اللّه فيهم: {قتل أصحاب الأخدود} إلى قوله: {ولهم عذاب الحريق}» ). [الدر المنثور: 15 / 337-338]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، عن عوفٍ قال: كان رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- إذا ذكر أصحاب الأخدود تعوّذ باللّه من جهد البلاء). [الدر المنثور: 15/ 338]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزّاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميدٍ ومسلمٌ والتّرمذيّ، والنّسائيّ والطبرانيّ عن صهيبٍ قال: كان رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- إذا صلّى العصر همس، فقيل له: إنّك يا رسول اللّه إذا صلّيت العصر همست. فقال: «إنّ نبيًّا من الأنبياء كان أعجب بأمّته؛ فقال: من يقوم لهؤلاء؟! فأوحى اللّه إليه أن خيّرهم بين أن أنتقم منهم، وبين أن أسلّط عليهم عدوّهم، فاختاروا النّقمة، فسلّط عليهم الموت فمات منهم في يومٍ سبعون ألفاً ».
قال: وكان إذا حدّث بهذا الحديث حدّث بهذا الحديث الآخر قال: «كان ملكٌ من الملوك، وكان لذلك الملك كاهنٌ يكهن له، فقال له ذلك الكاهن: انظروا إليّ غلاماً فهماً -أو قال: فطناً- لقناً فأعلّمه علمي هذا؛ فإنّي أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم ، ولا يكون فيكم من يعلمه ». قال: «فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهبٌ في صومعةٍ، فجعل الغلام يسأل ذلك الرّاهب كلّما مرّ به، فلم يزل به حتّى أخبره؛ فقال: إنّما أعبد اللّه. فجعل الغلام يمكث عند الرّاهب ويبطئ على الكاهن؛ فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام إنّه لا يكاد يحضرني. فأخبر الغلام الرّاهب بذلك؛ فقال له الرّاهب: إذا قال لك: أين كنت؟ فقل: عند أهلي. وإذا قال لك أهلك: أين كنت؟ فأخبرهم أنك كنت عند الكاهن.
فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعةٍ من الناس كثيرةٍ قد حبستهم دابّةٌ, يقال: كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال: اللّهمّ، إن كان ما يقول الرّاهب حقًّا فأسألك أن أقتل هذه الدّابّة، وإن كان ما يقول الكاهن حقًّا فأسألك أن لا أقتلها. ثمّ رمى فقتل الدابّة؛ فقال الناس: من قتلها؟ فقالوا: الغلام. ففزع النّاس وقالوا: قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحدٌ. فسمع أعمى فجاءه، فقال له: إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا. فقال الغلام: لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردّه عليك؟ قال: نعم. فدعا اللّه فردّ عليه بصره؛ فآمن الأعمى, فبلغ الملك أمرهم, فبعث إليهم، فأتي بهم فقال: لأقتلنّ كلّ واحدٍ منكم قتلةً لا أقتل بها صاحبه. فأمر بالرّاهب والرّجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلةٍ أخرى، ثمّ أمر بالغلام فقال: انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه.
فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلمّا انتهوا به إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتّى لم يبق منهم إلاّ الغلام، ثمّ رجع الغلام، فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلق به إلى البحر، فغرّق اللّه الذين كانوا معه، وأنجاه اللّه.
فقال الغلام للملك: إنّك لا تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني: بسم اللّه ربّ الغلام. فأمر به فصلب ثمّ رماه، وقال: بسم اللّه ربّ الغلام. فوضع الغلام يده على صدغه حين رمي ثمّ مات.
فقال النّاس: لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحدٌ؛ فإنّا نؤمن بربّ هذا الغلام. فقيل للملك: أجزعت أن خالفك ثلاثةٌ؟! فهذا العالم كلّهم قد خالفوك
». قال: «فخدّ أخدوداً ثمّ ألقى فيها الحطب والنّار، ثمّ جمع النّاس فقال: من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار.فجعل يلقيهم في تلك الأخدود ». فقال: ((يقول اللّه: {قتل أصحاب الأخدود النّار ذات الوقود}. حتّى بلغ: {العزيز الحميد})). فأمّا الغلام فإنّه دفن ثمّ أخرج، فيذكر أنّه أخرج في زمن عمر بن الخطّاب وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل). [الدر المنثور: 15/ 338-340]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ وابن مردويه، عن صهيبٍ أنّ رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] قال: «كان ملكٌ ممّن كان قبلكم، وكان له ساحرٌ، فلمّا كبر السّاحر قال للملك: إنّي قد كبرت سنّي وحضر أجلي، فادفع إليّ غلاماً لأعلّمه السّحر. فدفع إليه غلاماً فكان يعلّمه السّحر, وكان بين السّاحر وبين الملك راهبٌ فأتى الغلام على الرّاهب فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه، فكان إذا أتى على السّاحر ضربه وقال: ما حبسك؟ فإذا أتى أهله جلس عند الرّاهب فيبطئ فإذا أتى أهله ضربوه وقالوا: ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الرّاهب فقال: إذا أراد السّاحر أن يضربك فقل: حبسني أهلي، وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل: حبسني السّاحر.
فبينما هو كذلك إذ أتى ذات يومٍ على دابّةٍ فظيعةٍ عظيمةٍ قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا، فقال الغلام: اليوم أعلم أمر الرّاهب أحبّ إلى اللّه أم أمر السّاحر. فأخذ حجراً فقال: اللّهمّ إن كان أمر الرّاهب أحبّ إليك وأرضى لك من أمر السّاحر فاقتل هذه الدّابّة حتّى يجوز النّاس.
ورماها فقتلها، ومضى الناس، فأخبر الرّاهب بذلك؛ فقال: أي بنيّ، أنت أفضل منّي وإنّك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدلّ عليّ. وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم، وكان جليسٌ للملك فعمي فسمع به، فأتاه بهدايا كثيرةٍ، فقال له: اشفني ولك ما هاهنا أجمع. فقال: ما أشفي أنا أحداً، إنّما يشفي اللّه، فإن آمنت باللّه دعوت اللّه فشفاك، فآمن فدعا له فشفاه.
ثمّ أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس، فقال له الملك: يا فلان، من ردّ عليك بصرك؟ قال: ربّي. قال: أنا؟! قال: لا. قال: أولك ربٌّ غيري؟ قال: نعم. فلم يزل به يعذّبه حتّى دلّ على الغلام، فبعث إليه الملك فقال: أي بنيّ قد بلغ من سحرك أن تبرئ الأكمه والأبرص وهذه الأدواء؟ قال: ما أشفي أنا أحداً ما يشفي غير اللّه. قال: أنا؟ قال: لا. قال: وإنّ لك ربًّا غيري؟ قال: نعم، ربّي وربّك اللّه. فأخذه أيضاً بالعذاب، فلم يزل به حتّى دلّ على الرّاهب. فقال له: ارجع عن دينك. فأبى فوضع المنشار في مفرقه حتّى وقع شقّاه على الأرض، وقال للغلام: ارجع عن دينك فأبى، فبعث به مع نفرٍ إلى جبل كذا وكذا، وقال: إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلاّ فدهدهوه من فوقه. فذهبوا به، فلمّا علوا به الجبل قال: اللّهمّ اكفنيهم بما شئت. فرجف بهم الجبل فتدهدهوا أجمعين.
وجاء الغلام يتلمّس حتّى دخل على الملك فقال: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم اللّه.
فبعث به في قرقورٍ مع نفرٍ فقال: إذا لججتم به البحر، فإن رجع عن دينه وإلاّ فأغرقوه. فلجّجوا به البحر؛ فقال الغلام: اللّهمّ اكفنيهم بما شئت. فغرقوا أجمعين.
وجاء الغلام يتلمّس حتّى دخل على الملك, فقال: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم اللّه. ثمّ قال للملك: إنّك لست بقاتلي حتّى تفعل ما آمرك به، فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني، وإلاّ فإنّك لن تستطيع قتلي.قال: وما هو؟ قال: تجمع النّاس في صعيدٍ، ثمّ تصلبني على جذعٍ، وتأخذ سهماً من كنانتي، ثمّ قل: بسم اللّه ربّ الغلام؛ فإنّك إذا فعلت ذلك قتلتني. ففعل ووضع السّهم في كبد القوس ثمّ رماه، وقال: بسم اللّه ربّ الغلام. فوقع السّهم في صدغه. فوضع الغلام يده على موضع السّهم ومات.
فقال الناس: آمنّا بربّ الغلام. فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد -واللّه- نزل بك هذا من النّاس كلّهم.
فأمر بأفواه السّكك فخدّت فيها الأخدود، وأضرمت فيها النّيران وقال: من رجع عن دينه فدعوه وإلاّ فأقحموه فيها. فكانوا يتقارعون فيها ويتدافعون، فجاءت امرأةٌ بابنٍ لها صغيرٍ فكأنّها تقاعست أن تقع في النّار؛ فقال الصّبيّ: يا أمّه اصبري؛ فإنّك على الحقّ
» ). [الدر المنثور: 15 / 341-343]

تفسير قوله تعالى: {النّار ذات الوقود (5)}
قال أبو جعفرٍ محمّد بن جريرٍ الطّبريّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {النّار ذات الوقود} فقوله: النّار: ردٌّ على {الأخدود}، ولذلك خفضت، وإنمّا جاز ردّها عليه وهي غيره؛ لأنّها كانت فيه، فكأنّها -إذ كانت فيه- هو، فجرى الكلام عليه؛ لمعرفة المخاطبين به بمعناه، وكأنّه قيل: قتل أصحاب النّار ذات الوقود.
ويعني بقوله: {ذات الوقود}: ذات الحطب الجزل، وذلك إذا فتحت الواو، فأمّا الوقود بضمّ الواو، فهو الاتّقاد). [جامع البيان: 24 / 278]

تفسير قوله تعالى: {إذ هم عليها قعودٌ (6)}
قال أبو جعفرٍ محمّد بن جريرٍ الطّبريّ (ت: 310هـ) : (يقول تعالى ذكره: {النّار ذات الوقود}، إذ هؤلاء الكفّار من أصحاب الأخدود {عليها}. يعني: على النّار، فقال: {عليها}، والمعنى: أنّهم قعودٌ على حافة الأخدود، فقيل: على النّار، والمعنى: لشفير الأخدود؛ لمعرفة السامعين معناه.
وكان قتادة يقول في ذلك ما حدّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: {النّار ذات الوقود * إذ هم عليها قعودٌ}: يعني بذلك المؤمنين.
وهذا التأويل الذي تأوّله قتادة على مذهب من قال: قتل أصحاب الأخدود من أهل الإيمان.
وقد دلّلنا على أنّ الصواب من تأويل ذلك غير هذا القول الذي وجّه تأويله قتادة قبل). [جامع البيان: 24 / 278]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ وابن المنذر، عن قتادة في قوله: {قتل أصحاب الأخدود}. قال: حدّثنا أنّ عليّ بن أبي طالبٍ كان يقول: «هم أناسٌ بمدارع اليمن اقتتل مؤمنوهم وكفّارهم, فظهر مؤمنوهم على كفّارهم، ثم أخذ بعضهم على بعضٍ عهوداً ومواثيق لا يغدر بعضهم ببعضٍ، فغدرهم الكفّار فأخذوهم، ثمّ إنّ رجلاً من المؤمنين قال: هل لكم إلى خيرٍ؟ توقدون ناراً ثمّ تعرضوننا عليها, فمن تابعكم على دينكم، فذلك الذي تشتهون، ومن لا اقتحم فاسترحتم منه. فأجّجوا لهم ناراً وعرضوهم عليها، فجعلوا يقتحمونها حتّى بقيت عجوزٌ فكأنّها تلكّأت، فقال طفلٌ في حجرها: امضي ولا تنافقي. فقصّ اللّه عليكم نبأهم وحديثهم؛ فقال: {النّار ذات الوقود(5) إذ هم عليها قعودٌ}. قال: يعني بذلك المؤمنين، {وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ}. قال: يعني بذلك الكفّار »). [الدر المنثور: 15 / 334-335] (م)

تفسير قوله تعالى: {وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ (7)}
قال أبو جعفرٍ محمّد بن جريرٍ الطّبريّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ}؛ يقول تعالى ذكره: والكفّار على ما يفعلون بالمؤمنين، من عرضهم على الرجوع عن دينهم، {شهودٌ} يعني: حضورٌ.
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ}: يعني بذلك الكفّار). [جامع البيان: 24 / 279]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ وابن المنذر، عن قتادة في قوله: {قتل أصحاب الأخدود}. قال: حدّثنا أنّ عليّ بن أبي طالبٍ كان يقول: هم أناسٌ بمدارع اليمن اقتتل مؤمنوهم وكفّارهم, فظهر مؤمنوهم على كفّارهم، ثم أخذ بعضهم على بعضٍ عهوداً ومواثيق لا يغدر بعضهم ببعضٍ، فغدرهم الكفّار فأخذوهم، ثمّ إنّ رجلاً من المؤمنين قال: هل لكم إلى خيرٍ؟ توقدون ناراً ثمّ تعرضوننا عليها, فمن تابعكم على دينكم، فذلك الذي تشتهون، ومن لا اقتحم فاسترحتم منه. فأجّجوا لهم ناراً وعرضوهم عليها، فجعلوا يقتحمونها حتّى بقيت عجوزٌ فكأنّها تلكّأت، فقال طفلٌ في حجرها: امضي ولا تنافقي. فقصّ اللّه عليكم نبأهم وحديثهم؛ فقال: {النّار ذات الوقود(5) إذ هم عليها قعودٌ}. قال: يعني بذلك المؤمنين، {وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ}. قال: يعني بذلك الكفّار). [الدر المنثور: 15 / 334-335] (م)

تفسير قوله تعالى: {وما نقموا منهم إلّا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد (8)}
قال أبو جعفرٍ محمّد بن جريرٍ الطّبريّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وما نقموا منهم إلاّ أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد}. يقول تعالى ذكره: وما وجد هؤلاء الكفّار الّذين فتنوا المؤمنين -على المؤمنين- والمؤمنات بالنار في شيءٍ، ولا فعلوا بهم ما فعلوا بسببٍ إلاّ من أجل أنّهم آمنوا باللّه.
وقال: {إلاّ أن يؤمنوا باللّه}؛ لأنّ المعنى إلاّ إيمانهم باللّه، فلذلك حسن في موضعه {يؤمنوا}. إذ كان الإيمان لهم صفةً.
{العزيز}. يقول: الشّديد في انتقامه ممّن انتقم منه، {الحميد}. يقول: المحمود بإحسانه إلى خلقه). [جامع البيان: 24 / 279]

تفسير قوله تعالى: {الّذي له ملك السّماوات والأرض واللّه على كلّ شيءٍ شهيدٌ (9)}
قال أبو جعفرٍ محمّد بن جريرٍ الطّبريّ (ت: 310هـ) : (يقول تعالى ذكره: الذي له سلطان السماوات السّبع والأرضين وما فيهنّ، {واللّه على كلّ شيءٍ شهيدٌ} يقول تعالى ذكره: واللّه على فعل هؤلاء الكفّار من أصحاب الأخدود بالمؤمنين الّذين فتنوهم -شاهدٌ، وعلى غير ذلك من أفعالهم وأفعال جميع خلقه، وهو مجازيهم جزاءهم). [جامع البيان: 24 / 279-280]

تفسير قوله تعالى: {إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم ولهم عذاب الحريق (10)}
قال محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاريّ (ت: 256هـ) : ({فتنوا} [النحل: 110] : «عذّبوا»). [صحيح البخاري: 6 / 168]
- قال أحمد بن عليّ بن حجرٍ العسقلانيّ (ت: 852هـ) : (قوله: (فتنوا: عذّبوا) وصله الفريابيّ من طريقه، وهذا أحد معاني الفتنة ومثله: يوم هم على النّار يفتنون أي: يعذّبون). [فتح الباري: 8 / 698-699]
- قال أحمد بن عليّ بن حجرٍ العسقلانيّ (ت: 852هـ) : (وقال مجاهد: {الأخدود} شقّ في الأرض فتنوا عذبوا
قال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {قتل أصحاب الأخدود} شقّ بنجران كانوا يعذبون النّاس فيه
وفي قوله: {إن الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} قال: عذبوا). [تغليق التعليق: 4 / 364]
- قال محمود بن أحمد بن موسى العينيّ (ت: 855هـ) : ( (فتنوا: عذّبوا)
أشار به إلى قوله تعالى: {إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} وفسّره بقوله: عذّبوا، والفتنة جاءت لمعانٍ؛ منها: العذاب كما في قوله تعالى: {يوم هم على النّار يفتنون} أي: يعذّبون). [عمدة القاري: 19 / 286]
- قال أحمد بن محمد بن أبي بكرٍ القسطلاّنيّ (ت: 923هـ) : ( {فتنوا} أي: (عذّبوا) قاله مجاهدٌ فيما وصله الفريابيّ). [إرشاد الساري: 7 / 416]
قال أبو جعفرٍ محمّد بن جريرٍ الطّبريّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات}؛ يقول: إنّ الّذين ابتلوا المؤمنين والمؤمنات باللّه بتعذيبهم، وإحراقهم بالنّار.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات}: حرّقوا المؤمنين والمؤمنات.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {إنّ الّذين فتنوا}؛ قال: عذّبوا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: {إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات}؛ قال: حرّقوهم بالنّار.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ يقول: ثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضحّاك يقول في قوله: {فتنوا المؤمنين والمؤمنات}؛ يقول: حرّقوهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن ابن أبزى: {إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات}: حرّقوهم.
وقوله: {ثمّ لم يتوبوا}؛ يقول: ثمّ لم يتوبوا من كفرهم وفعلهم، الذي فعلوا بالمؤمنين والمؤمنات من أجل إيمانهم باللّه، {فلهم عذاب جهنّم}: في الآخرة، {ولهم عذاب الحريق}: في الدّنيا.
- كما حدّثت عن عمّارٍ، قال: ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيع: {فلهم عذاب جهنّم}: في الآخرة، {ولهم عذاب الحريق}: في الدّنيا). [جامع البيان: 24 / 280-281]
قال عبد الرّحمن بن الحسن الهمذانيّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد {إن الذين فتنوا المؤمنين}؛ يعني عذبوا). [تفسير مجاهد: 2/ 748]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدٍ وابن المنذر، عن قتادة: {إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات}. قال: حرّقوا). [الدر المنثور: 15 / 335]
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابيّ وعبد بن حميدٍ وابن جريرٍ وابن المنذر، عن مجاهدٍ: {إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات}. قال: عذّبوا). [الدر المنثور: 15 / 335]

تفسير قوله تعالى: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير (11)}
قال أبو جعفرٍ محمّد بن جريرٍ الطّبريّ (ت: 310هـ) : (يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين أقرّوا بتوحيد اللّه، وهم هؤلاء القوم الّذين حرّقهم أصحاب الأخدود وغيرهم من سائر أهل التوحيد، {وعملوا الصّالحات}. يقول: وعملوا بطاعة اللّه، وأتمروا لأمره، وانتهوا عمّا نهاهم عنه، {لهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار}. يقول: لهم في الآخرة عند اللّه بساتين تجري من تحتها الأنهار والخمر واللبن والعسل، {ذلك الفوز الكبير}. يقول: هذا الذي هو لهؤلاء المؤمنين في الآخرة، هو الظّفر الكبير بما طلبوا والتمسوا بإيمانهم باللّه في الدّنيا، وعملهم بما أمرهم اللّه به فيها ورضيه منهم). [جامع البيان: 24 / 281]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 23 جمادى الآخرة 1434هـ/3-05-2013م, 10:19 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي


تفسير قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {والسّماء ذات البروج...} اختلفوا في البروج، فقالوا: هي النجوم، وقالوا: هي البروج التي تجري فيها الشمس والكواكب المعروفة: اثنا عشر برجاً، وقالوا: هي قصور في السماء، والله أعلم بصواب ذلك). [معاني القرآن: 3/ 252]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({البروج}؛ كل برج يومين وثلث، وهو للشمس شهرٌ وهي اثنا عشر برجاً، يسير القمر في كل برج يومين وثلث.. فذلك ثمانية وعشرون منزلة، ثم يستسر ليلتين ومجرى الشمس في كل برج منها شهر). [مجاز القرآن: 2/ 293]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({البروج}: بروج النجوم، وهي اثنا عشر برجا. ويقال: {البروج}: القصور). [تفسير غريب القرآن: 522]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {والسّماء ذات البروج (1)} جواب القسم: {إنّ بطش ربّك لشديد}.
وقيل: {ذات البروج} ذات الكواكب. وقيل: ذات القصور لقصور في السماء). [معاني القرآن: 5/ 307]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْبُرُوجِ} اثنا عشر بُرجاً، وقيل: هي القصور). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 299]

تفسير قوله تعالى: {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقول جل وعز: {واليوم الموعود...} ذكروا أنه القيامة، {وشاهدٍ...} يوم الجمعة، {ومشهودٍ...} يوم عرفة، ويقال: الشاهد أيضاً يوم القيامة، فكأنه قال: واليوم الموعود والشاهد، فيجعل الشاهد من صلة الموعود، يتبعه في خفضه). [معاني القرآن: 3/ 252]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({واليوم الموعود}: يوم القيامة). [تفسير غريب القرآن: 522]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({واليوم الموعود (2)}؛ يوم القيامة). [معاني القرآن: 5/ 307]

تفسير قوله تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): ({واليوم الموعود...}؛ ذكروا أنه القيامة، {وشاهدٍ...}؛ يوم الجمعة، {ومشهودٍ...}؛ يوم عرفة، ويقال: الشاهد أيضاً يوم القيامة، فكأنه قال: واليوم الموعود والشاهد، فيجعل الشاهد من صلة الموعود، يتبعه في خفضه). [معاني القرآن: 3/ 252](م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وشاهدٍ} في يوم الجمعة. كأنه أقسم بمن يشهده.
{ومشهودٍ}: يوم الجمعة، ويوم عرفة). [تفسير غريب القرآن: 522]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وشاهد ومشهود (3)} شاهد يوم الجمعة، ومشهود يوم عرفة. وقيل: {وشاهد} يعنى به النبي -صلى الله عليه وسلم.
و{مشهود} يوم القيامة، كما قال تعالى: {ذلك يوم مجموع له النّاس وذلك يوم مشهود}). [معاني القرآن: 5/ 307]

تفسير قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله جل وعز: {قتل أصحاب الأخدود...} يقال في التفسير: إن جواب القسم في قوله: {قتل}، كما كان جواب {والشّمس وضحاها} في قوله! {قد أفلح}: هذا في التفسير، ولم نجد العرب تدع القسم بغير لام يستقبل بها أو "لا" أو "إن" أو "ما" فإن يكن كذلك فكأنه مما ترك فيه الجواب: ثم استؤنف موضع الجواب بالخير، كما قيل: يأيها الإنسان في كثير من الكلام). [معاني القرآن: 3/ 253]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله جل وعز: {أصحاب الأخدود...} كان مالك خدّ لقوم أخاديد في الأرض، ثم جمع فيها الحطب، وألهب فيها النيران، فأحرق بها قوما وقعد الذين حفروها حولها، فرفع الله النار إلى الكفرة الذين حفروها فأحرقتهم، ونجا منها المؤمنون، فذلك قوله عز وجل: {فلهم عذاب جهنّم} في الآخرة {ولهم عذاب الحريق} في الدنيا.
ويقال: إنها أحرقت من فيها، ونجا الذين فوقها. واحتج قائل هذا بقوله: {وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ}، والقول الأول أشبه بالصواب، وذلك لقوله: {فلهم عذاب جهنّم، ولهم عذاب الحريق} ولقوله في صفة الذين آمنوا: {ذلك الفوز الكبير}، يقول: فازوا من عذاب الكفار، وعذاب الآخرة، فأكبر به فوزا). [معاني القرآن: 3/ 253]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قتل أصحاب الأخدود}؛ موضع قسمها -والله أعلم- على {قتل أصحاب الأخدود} أضمر اللام كما قال: {والشّمس وضحاها} {قد أفلح من زكّاها} يريد إن شاء الله "لقد أفلح من زكّاها" وألقى اللام.
وإن شئت على التقديم كأنه قال: {قتل أصحاب الأخدود} {والسّماء ذات البروج}، وقال بعضهم {إنّ بطش ربّك لشديدٌ}). [معاني القرآن: 4/ 49]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الأخدود}: الشقّ [العظيم المستطيل] في الأرض. وجمعه: «أخاديد».
وكان رجل من الملوك خدّ لقوم في الأرض أخاديد، وأوقد فيها نارا، ثم ألقي قوما من المؤمنين في تلك الأخاديد). [تفسير غريب القرآن: 522]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قتل أصحاب الأخدود (4)}
{الأخدود}: شق في الأرض، ويجمع أخاديد.
وقيل {أصحاب الأخدود} قوم كانوا يعبدون صنما، وكان معهم قوم يكتمون إيمانهم، يعبدون اللّه عزّ وجلّ ويوحدونه، فعلموا بهم فخدّوا لهم أخدودا وملأوه نارا، وقذفوا بهم في تلك النار فتقحموها ولم يرتدّوا عن دينهم ثبوتا على الإسلام، ويقينا أنهم يصيرون إلى الجنة. فجاء في التفسير أن آخر من ألقي منهم امرأة معها صبي رضيع، فلما رأت النار صدت بوجهها وأعرضت، فقال لها الصبي: يا أمتاه قفي ولا تنافقي، وقيل إنه قال لها: ما هي إلا [غميضة]، فصبرت فألقيت في النار.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ذكر أصحاب الأخدود تعوّذ من جهد البلاء. فأعلم اللّه -عزّ وجلّ- قصة قوم بلغت بصيرتهم وحقيقة إيمانهم إلى أن صبروا على أن يحرقوا بالنار في اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 5/ 307-308]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْأُخْدُودِ}؛ الشقّ في الأرض). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 299]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْأُخْدُودِ}: الشق في الأرض). [العمدة في غريب القرآن: 342]

تفسير قوله تعالى: {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {النار ذات الوقود...} يقول: قتلهم النار، ولو قرئت: "النار ذات الوقود"، بالرفع كان صوابا، وقرأ أبو عبد الرحمن السّلمّي {وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} رفع الشركاء بإعادة الفعل: زينه لهم شركاؤهم.
كذلك قوله: {قتل أصحاب الأخدود} قتلتهم النار ذات الوقود. ومن خفض: (النار ذات الوقود) وهي في قراءة العوام ـ جعل النار هي الأخدود إذ كانت النار فيها كأنه قال: قتل أصحاب النار ذات الوقود). [معاني القرآن: 3/ 253]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({النّار ذات الوقود} جرها على الأول). [مجاز القرآن: 2/ 293]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({النّار ذات الوقود} وأما قوله: {النّار ذات الوقود} فعلى البدل.
وأما {الوَقُودُ} فالحطب و"الوُقُودُ" الفعل وهو "الاتّقاد"). [معاني القرآن: 4/ 49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْوَقُودِ}: الحطب {الوقود} المصدر). [العمدة في غريب القرآن: 343]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6)}

تفسير قوله تعالى: {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وما نقموا منهم إلّا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد (8)} أي ما أنكروا عليهم ذنبا إلا إيمانهم). [معاني القرآن: 5/ 308]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({وما نَقَمُوا منهم} أي: وما أنكروا، و(نَقِمُوا) مثله). [ياقوتة الصراط: 565]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)}

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فتنوا المؤمنين} أي عذبوهم). [تفسير غريب القرآن: 522]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والفتنة: التعذيب. قال: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} أي عذّبوهم بالنار.
وقال عز وجل: { يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13] أي يعذبون. {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} [الذاريات: 14] أي يقال لهم: ذوقوا فتنتكم، يراد هذا العذاب بذاك. وقال عز وجل: {فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: 10] أي: جعل عذاب الناس وأذاهم كعذاب الله). [تأويل مشكل القرآن: 472]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ثم أعلم -عزّ وجلّ- ما أعدّ لأولئك الّذين أحرقوا المؤمنين فقال: {
إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم ولهم عذاب الحريق (10)} أي أحرقوا المؤمنين والمؤمنات، يقال فتنت الشيء، أحرقته، والفتين حجارة سود كأنّها محرقة.
{فلهم عذاب جهنّم ولهم عذاب الحريق} فالمعنى واللّه أعلم فلهم عذاب جهنم بكفرهم، ولهم عذاب الحريق بما أحرقوا المؤمنين والمؤمنات). [معاني القرآن: 5/ 308]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَتَنُوا}؛ عذّبوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 299]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)}


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 رجب 1434هـ/5-06-2013م, 10:44 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت: 206هـ): (والبروج: النجوم، كلّ برجٍ يومان وثلثٌ، وهي للشمس شهرٌ، وهي اثنا عشر برجاً، مسير القمر في كلّ برجٍ يومان وثلثٌ.
والبرج أيضاً: القصر المستطيل). [الأزمنة: 31]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن قولك: أقسمت لأفعلن وأقسمت لا تفعل بمنزلة قولك: قلت: والله لا تفعل، وقلت: والله لتفعلن.

واعلم أنك إذا أقسمت على فعل ماضٍ، فأدخلت عليه اللام لم تجمع بين اللام والنون؛ لأن الفعل الماضي مبني على الفتح غير متغيرة لامه، وإنما تدخل النون على ما لم يقع كما ذكرت. فلما كانت لا تقع لما يكون في الحال كانت من الماضي أبعد. وذلك قولك: والله لرأيت زيداً يضرب عمراً، فأنكرت ذلك.
وإن وصلت اللام ب قد فجيد بالغ. تقول: والله لقد رأيت زيداً، والله لقد انطلق في حاجتك. وسنفسر الفصل بين الفعل ب قد وبين الفعل إذا لم تدخله.
أما قد فأصلها أن تكون مخاطبة لقوم يتوقعون الخبر. فإذا قلت: قد جاء زيد لم تضع هذا الكلام ابتداء على غير أمرٍ كان بينك وبينه، أو أمرٍ تعلم أنه لا يتوقعه. فإن أدخلت اللام على قد فإنما تدخلها على هذا الوجه.
فأما قولك: والله لكذب زيد كذباً ما أحسب الله يغفره له فإنما تقديره: لقد؛ لأنه الأول إلى آخر القسم على غير محلوف عليه، فكان التقدير: {والليل إذا يغشى}، ثم ترك هذا، وابتدأ {والنهار إذا تجلى}. ولكنه بمنزلة قولك: والله ثم الله لأفعلن، وإنما مثلت لك بثم؛ لأنها ليست من حروف القسم.
واعلم أن القسم قد يؤكد بما يصدق الخبر قبل ذكر المقسم عليه، ثم يذكر ما يقع عليه القسم. فمن ذلك قوله عز وجل: {والسماء ذات البروج * واليوم الموعود * وشاهدٍ ومشهود} ثم ذكر قصة أصحاب الأخدود توكيداً.
وإنما وقع القسم على قوله: {إن بطش ربك لشديدٌ} وقد قال قوم: إنما وقع على {قتل أصحاب الأخدود}، وحذفت اللام لطول الكلام. وليس القول عندنا إلا الأول؛ لأن هذه الاعتراضات توكيد.
فأما قوله: {والشمس وضحاها} فإنما وقع القسم على قوله: {قد أفلح من زكاها} وحذفت اللام لطول القصة، لأن الكلام إذا طال كان الحذف أجمل.
ألا ترى أن النحويين لا يقولون: قام هند، وذهب جاريتك، ويجيزون: حضر القاضي اليوم امرأةٌ يا فتى، فيجيزون الحذف مع طول الكلام؛ لأنهم يرون ما زاد عوضاً مما حذف.
وتقول: وحق الله ثم حقك لأفعلن ثم حقك تحمله على الموضع، كان جائزاً كما قال:
فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وعلى هذا قرئ {فأصدق وأكن من الصالحين}؛ لأنه حمله على موضع الفاء). [المقتضب: 2/ 336-337]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
إذا احتلت الرنقاء هند مقيمة ....... وقد حان مني من دمشق بروج
الرنقاء: موضع، والبروج: المنازل). [شرح المفضليات: 337]

تفسير قوله تعالى: {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) }

قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن قولك: أقسمت لأفعلن وأقسمت لا تفعل بمنزلة قولك: قلت: والله لا تفعل، وقلت: والله لتفعلن.
واعلم أنك إذا أقسمت على فعل ماضٍ، فأدخلت عليه اللام لم تجمع بين اللام والنون؛ لأن الفعل الماضي مبني على الفتح غير متغيرة لامه، وإنما تدخل النون على ما لم يقع كما ذكرت. فلما كانت لا تقع لما يكون في الحال كانت من الماضي أبعد. وذلك قولك: والله لرأيت زيداً يضرب عمراً، فأنكرت ذلك.
وإن وصلت اللام ب قد فجيد بالغ. تقول: والله لقد رأيت زيداً، والله لقد انطلق في حاجتك. وسنفسر الفصل بين الفعل ب قد وبين الفعل إذا لم تدخله.
أما قد فأصلها أن تكون مخاطبة لقوم يتوقعون الخبر. فإذا قلت: قد جاء زيد لم تضع هذا الكلام ابتداء على غير أمرٍ كان بينك وبينه، أو أمرٍ تعلم أنه لا يتوقعه. فإن أدخلت اللام على قد فإنما تدخلها على هذا الوجه.
فأما قولك: والله لكذب زيد كذباً ما أحسب الله يغفره له فإنما تقديره: لقد؛ لأنه الأول إلى آخر القسم على غير محلوف عليه، فكان التقدير: {والليل إذا يغشى}، ثم ترك هذا، وابتدأ {والنهار إذا تجلى}. ولكنه بمنزلة قولك: والله ثم الله لأفعلن، وإنما مثلت لك بثم؛ لأنها ليست من حروف القسم.
واعلم أن القسم قد يؤكد بما يصدق الخبر قبل ذكر المقسم عليه، ثم يذكر ما يقع عليه القسم. فمن ذلك قوله عز وجل: {والسماء ذات البروج * واليوم الموعود * وشاهدٍ ومشهود} ثم ذكر قصة أصحاب الأخدود توكيداً.
وإنما وقع القسم على قوله: {إن بطش ربك لشديدٌ} وقد قال قوم: إنما وقع على {قتل أصحاب الأخدود}، وحذفت اللام لطول الكلام. وليس القول عندنا إلا الأول؛ لأن هذه الاعتراضات توكيد.
فأما قوله: {والشمس وضحاها} فإنما وقع القسم على قوله: {قد أفلح من زكاها} وحذفت اللام لطول القصة، لأن الكلام إذا طال كان الحذف أجمل.
ألا ترى أن النحويين لا يقولون: قام هند، وذهب جاريتك، ويجيزون: حضر القاضي اليوم امرأةٌ يا فتى، فيجيزون الحذف مع طول الكلام؛ لأنهم يرون ما زاد عوضاً مما حذف.
وتقول: وحق الله ثم حقك لأفعلن ثم حقك تحمله على الموضع، كان جائزاً كما قال:
فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وعلى هذا قرئ {فأصدق وأكن من الصالحين}؛ لأنه حمله على موضع الفاء). [المقتضب: 2/ 336-337] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) }

قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن قولك: أقسمت لأفعلن وأقسمت لا تفعل بمنزلة قولك: قلت: والله لا تفعل، وقلت: والله لتفعلن.
واعلم أنك إذا أقسمت على فعل ماضٍ، فأدخلت عليه اللام لم تجمع بين اللام والنون؛ لأن الفعل الماضي مبني على الفتح غير متغيرة لامه، وإنما تدخل النون على ما لم يقع كما ذكرت. فلما كانت لا تقع لما يكون في الحال كانت من الماضي أبعد. وذلك قولك: والله لرأيت زيداً يضرب عمراً، فأنكرت ذلك.
وإن وصلت اللام ب قد فجيد بالغ. تقول: والله لقد رأيت زيداً، والله لقد انطلق في حاجتك. وسنفسر الفصل بين الفعل ب قد وبين الفعل إذا لم تدخله.
أما قد فأصلها أن تكون مخاطبة لقوم يتوقعون الخبر. فإذا قلت: قد جاء زيد لم تضع هذا الكلام ابتداء على غير أمرٍ كان بينك وبينه، أو أمرٍ تعلم أنه لا يتوقعه. فإن أدخلت اللام على قد فإنما تدخلها على هذا الوجه.
فأما قولك: والله لكذب زيد كذباً ما أحسب الله يغفره له فإنما تقديره: لقد؛ لأنه الأول إلى آخر القسم على غير محلوف عليه، فكان التقدير: {والليل إذا يغشى}، ثم ترك هذا، وابتدأ {والنهار إذا تجلى}. ولكنه بمنزلة قولك: والله ثم الله لأفعلن، وإنما مثلت لك بثم؛ لأنها ليست من حروف القسم.
واعلم أن القسم قد يؤكد بما يصدق الخبر قبل ذكر المقسم عليه، ثم يذكر ما يقع عليه القسم. فمن ذلك قوله عز وجل: {والسماء ذات البروج * واليوم الموعود * وشاهدٍ ومشهود} ثم ذكر قصة أصحاب الأخدود توكيداً.
وإنما وقع القسم على قوله: {إن بطش ربك لشديدٌ} وقد قال قوم: إنما وقع على {قتل أصحاب الأخدود}، وحذفت اللام لطول الكلام. وليس القول عندنا إلا الأول؛ لأن هذه الاعتراضات توكيد.
فأما قوله: {والشمس وضحاها} فإنما وقع القسم على قوله: {قد أفلح من زكاها} وحذفت اللام لطول القصة، لأن الكلام إذا طال كان الحذف أجمل.
ألا ترى أن النحويين لا يقولون: قام هند، وذهب جاريتك، ويجيزون: حضر القاضي اليوم امرأةٌ يا فتى، فيجيزون الحذف مع طول الكلام؛ لأنهم يرون ما زاد عوضاً مما حذف.
وتقول: وحق الله ثم حقك لأفعلن ثم حقك تحمله على الموضع، كان جائزاً كما قال:
فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وعلى هذا قرئ {فأصدق وأكن من الصالحين}؛ لأنه حمله على موضع الفاء). [المقتضب: 2/ 336-337] (م)

تفسير قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) }

قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (
وبهن ندفع كرب كل مثوب ....... وترى لها خددا بكل مجال
خددا يعني حفرا وذلك لأنها تحفر بحوافرها من الأستنان والمرح من قوله جل وعلا: {قتل أصحاب الأخدود}
وهي حفر تخد في الأرض فكأنه مشتق من ذلك). [نقائض جرير والفرزدق: 288-289]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

وإذا جبان القوم صدق نفره ....... حبض القسي وضربة أخدود
و(الأخدود) حفر السيل في الأرض يتسع ويكون له قعر.
و(أخدود) كأنها خد في الأرض، أي شق). [شرح أشعار الهذليين: 2/ 598]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن قولك: أقسمت لأفعلن وأقسمت لا تفعل بمنزلة قولك: قلت: والله لا تفعل، وقلت: والله لتفعلن.
واعلم أنك إذا أقسمت على فعل ماضٍ، فأدخلت عليه اللام لم تجمع بين اللام والنون؛ لأن الفعل الماضي مبني على الفتح غير متغيرة لامه، وإنما تدخل النون على ما لم يقع كما ذكرت. فلما كانت لا تقع لما يكون في الحال كانت من الماضي أبعد. وذلك قولك: والله لرأيت زيداً يضرب عمراً، فأنكرت ذلك.
وإن وصلت اللام ب قد فجيد بالغ. تقول: والله لقد رأيت زيداً، والله لقد انطلق في حاجتك. وسنفسر الفصل بين الفعل ب قد وبين الفعل إذا لم تدخله.
أما قد فأصلها أن تكون مخاطبة لقوم يتوقعون الخبر. فإذا قلت: قد جاء زيد لم تضع هذا الكلام ابتداء على غير أمرٍ كان بينك وبينه، أو أمرٍ تعلم أنه لا يتوقعه. فإن أدخلت اللام على قد فإنما تدخلها على هذا الوجه.
فأما قولك: والله لكذب زيد كذباً ما أحسب الله يغفره له فإنما تقديره: لقد؛ لأنه الأول إلى آخر القسم على غير محلوف عليه، فكان التقدير: {والليل إذا يغشى}، ثم ترك هذا، وابتدأ {والنهار إذا تجلى}. ولكنه بمنزلة قولك: والله ثم الله لأفعلن، وإنما مثلت لك بثم؛ لأنها ليست من حروف القسم.
واعلم أن القسم قد يؤكد بما يصدق الخبر قبل ذكر المقسم عليه، ثم يذكر ما يقع عليه القسم. فمن ذلك قوله عز وجل: {والسماء ذات البروج * واليوم الموعود * وشاهدٍ ومشهود} ثم ذكر قصة أصحاب الأخدود توكيداً.
وإنما وقع القسم على قوله: {إن بطش ربك لشديدٌ} وقد قال قوم: إنما وقع على {قتل أصحاب الأخدود}، وحذفت اللام لطول الكلام. وليس القول عندنا إلا الأول؛ لأن هذه الاعتراضات توكيد.
فأما قوله: {والشمس وضحاها} فإنما وقع القسم على قوله: {قد أفلح من زكاها} وحذفت اللام لطول القصة، لأن الكلام إذا طال كان الحذف أجمل.
ألا ترى أن النحويين لا يقولون: قام هند، وذهب جاريتك، ويجيزون: حضر القاضي اليوم امرأةٌ يا فتى، فيجيزون الحذف مع طول الكلام؛ لأنهم يرون ما زاد عوضاً مما حذف.
وتقول: وحق الله ثم حقك لأفعلن ثم حقك تحمله على الموضع، كان جائزاً كما قال:
فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وعلى هذا قرئ {فأصدق وأكن من الصالحين}؛ لأنه حمله على موضع الفاء). [المقتضب: 2/ 336-337] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما المعرفة والنكرة. فإن أبدلت معرفة من نكرة قلت: مررت برجل زيد ومررت بذي مال أخيك. قال الله عز وجل: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله}. فهذا بدل المعرفة من النكرة.
وفي المعرفتين قوله: {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم}.
وفي بدل النكرة من المعرفة قوله: مررت بزيد صاحب مال، ومررت بالرجل رجل صالح. قال الله عز وجل: {كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية * ناصية}.
فأما المضمر والمظهر فكقولك: زيد مررت به أخيك. وتقول: رأيت زيداً إياه، وأخوك رأيته زيداً، والمضمران: رأيتك إياه. فهذا ضرب من البدل.
والضرب الآخر أن تبدل بعض الشيء منه؛ لتعلم ما قصدت له، وتبينه للسامع. وذلك قولهم: ضربت زيداً رأسه. أردت أن تبين موضع الضرب منه، فصار كقولك: ضربت رأس زيد.
ومنه: جاءني قومك أكثرهم. بينت من جاءك منهم. قال الله عز وجل: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} من في موضع خفض؛ لأنه على من استطاع إليه سبيلاً.
ومن ذلك إلا أنه أعيد معه حرف الخفض: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم}. كان أيضاً جيداً كالآية التي ذكرنا قبل. فهذان ضربان.
والضرب الثالث أن يكون المعنى محيطاً بغير الأول الذي سبق له الذكر لالتباسه بما بعده، فتبدل منه الثاني المقصود في الحقيقة. وذلك قولك: مالي بهم علم أمرهم، فأمرهم غيرهم. وإنما أراد: مالي بأمرهم علم. فقال: مالي بهم علم وهو يريد أمرهم. ومثل ذلك: أسألك عن عبد الله متصرفه في تجارته؛ لأن المسألة عن ذلك. قال الله عز وجل: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} لأن المسألة عن القتال، ولم يسألوا أي الشهر الحرام؟ وقال: {قتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود} لأنهم أصحاب النار التي أوقدوها في الأخدود). [المقتضب: 4/ 295-297] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقال رجل - واعتل في غربةٍ فتذكر أهله:
لو أن سلمى أبصرت تخددي ....... ودقةً في عظم ساقي ويدي
وبعد أهلي وجفاء عودي ....... عضت من الوجد بأطراف اليد

قوله: "أبصرت تخددي"، يريد ما حدث في جسمه من النحول، وأصل الخد ما شققته في الأرض، قال الشماخ:
فقلت لهم خدوا له برماحكم ....... بطامسة الأعلام خفاقة الآل
ويقال للشيخ: قد تخدد، يراد قد تشنج جلده، وقال الله عز وجل: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ}، وقيل في التفسير: هؤلاء قوم خدوا أخاديد في الأرض، وأشعلوا فيها نيرانًا فحرقوا بها المؤمنين.
وقوله:
عضت من الوجد بأطراف اليد
فإن الحزين، والمغيظ، والنادم والمتأسف يعض أطراف أصابعه جزعًا، قال الله عز وجل: {عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}.
وفي مثل ما ذكرنا من تخدد لحم الشيخ، يقول القائل:
يا من لشيخ قد تخدد لحمه ....... أفنى ثلاث عمائم ألوانا

سوداء حالكةً وسحق مفوفٍ ....... وأجد لونًا بعد ذاك هجانا

صحب الزمان على اختلاف فنونه ....... فأراه منه كراهةً وهوانا
قصر الليالي خطوة فتدانى
....... وحنون قائم صلبه فتحانى
والموت يأتي بعد ذلك كله ....... وكأنما يعنى بذاك سوانا).
[الكامل: 1/ 263-264]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (ومخدّ: يخدّ الأرض أي يجعل فيها أخاديد، والأخاديد: الشّقوق، واحدها أخدود). [الأمالي: 1/ 190]

تفسير قوله تعالى: {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) }

قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وتقول ما أجود هذا الوقود للحطب قال الله عز وجل: {وأولئك هم وقود النار} وقال أيضا: {النار ذات الوقود} وقرئ (الوُقُود) فالوقود بالضم الاتقاد وتقول وقدت النار تقد وقودا ووقدانا ووقدا وقدة وقال: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة} والوقود: الحطب). [إصلاح المنطق: 332] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما المعرفة والنكرة. فإن أبدلت معرفة من نكرة قلت: مررت برجل زيد ومررت بذي مال أخيك. قال الله عز وجل: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله}. فهذا بدل المعرفة من النكرة.
وفي المعرفتين قوله: {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم}.
وفي بدل النكرة من المعرفة قوله: مررت بزيد صاحب مال، ومررت بالرجل رجل صالح. قال الله عز وجل: {كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية * ناصية}.
فأما المضمر والمظهر فكقولك: زيد مررت به أخيك. وتقول: رأيت زيداً إياه، وأخوك رأيته زيداً، والمضمران: رأيتك إياه. فهذا ضرب من البدل.
والضرب الآخر أن تبدل بعض الشيء منه؛ لتعلم ما قصدت له، وتبينه للسامع. وذلك قولهم: ضربت زيداً رأسه. أردت أن تبين موضع الضرب منه، فصار كقولك: ضربت رأس زيد.
ومنه: جاءني قومك أكثرهم. بينت من جاءك منهم. قال الله عز وجل: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} من في موضع خفض؛ لأنه على من استطاع إليه سبيلاً.
ومن ذلك إلا أنه أعيد معه حرف الخفض: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم}. كان أيضاً جيداً كالآية التي ذكرنا قبل. فهذان ضربان.
والضرب الثالث أن يكون المعنى محيطاً بغير الأول الذي سبق له الذكر لالتباسه بما بعده، فتبدل منه الثاني المقصود في الحقيقة. وذلك قولك: مالي بهم علم أمرهم، فأمرهم غيرهم. وإنما أراد: مالي بأمرهم علم. فقال: مالي بهم علم وهو يريد أمرهم. ومثل ذلك: أسألك عن عبد الله متصرفه في تجارته؛ لأن المسألة عن ذلك. قال الله عز وجل: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} لأن المسألة عن القتال، ولم يسألوا أي الشهر الحرام؟ وقال: {قتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود} لأنهم أصحاب النار التي أوقدوها في الأخدود). [المقتضب: 4/ 295-297] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) }

تفسير قوله تعالى: {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) }

تفسير قوله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) }

قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
فماذا نقمتم من بنين وسادة ....... بريء لكم من كل غمر صدورها
الغمر: الحقد والعدواة، ويروى: من كل ضب صدورها والضب والغمر سواء، يقال نقم ينقم وهي اللغة العالية، قال الله تعالى: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا} وقال عز ذكره: {هل تنقمون منا} ونقم ينقم لغة). [شرح المفضليات: 352]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) }

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) }

قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وسألته عن قوله: الذي يأتيني فله درهمان لم جاز دخول الفاء هاهنا والذي يأتيني بمنزلة عبد الله وأنت لا يجوز لك أن تقول عبد الله فله درهمان فقال إنما يحسن في الذي لأنه جعل الآخر جواباً للأول وجعل الأول به يجب له الدرهمان فدخلت الفاء هاهنا كما دخلت في الجزاء إذا قال إن يأتني فله درهمان وإن شاء قال الذي يأتيني له درهمان كما تقول عبد الله له درهمان غير أنه إنما أدخل الفاء لتكون العطية مع وقوع الإتيان فإذا قال له درهمان فقد يكون أن لا يوجب له ذلك بالإتيان فإذا أدخل الفاء فإنما يجعل الإتيان سبب ذلك فهذا جزاء وإن لم يجزم لأنه صلةٌ
ومثل ذلك قولهم كل رجل يأتينا فله درهمان ولو قال كل رجل فله درهمان كان محالاً لأنه لم يجيء بفعل ولا بعمل يكون له جوابٌ.
ومثل ذلك: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم} وقال تعالى جده: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} ومثل ذلك: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} ). [الكتاب: 3/ 102-103] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) }



رد مع اقتباس
  #5  
قديم 1 محرم 1436هـ/24-10-2014م, 11:25 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 1 محرم 1436هـ/24-10-2014م, 11:25 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 1 محرم 1436هـ/24-10-2014م, 11:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 1 محرم 1436هـ/24-10-2014م, 11:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {والسّماء ذات البروج * واليوم الموعود * وشاهدٍ ومشهودٍ * قتل أصحاب الأخدود * النّار ذات الوقود * إذ هم عليها قعودٌ * وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ * وما نقموا منهم إلّا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد * الّذي له ملك السّماوات والأرض واللّه على كلّ شيءٍ شهيدٌ}
اختلف الناس في {البروج}؛ فقال الضّحّاك وقتادة: هي القصور. ومنه قول الأخطل:
كأنّها برج روميٍّ يشيّده ..... بانٍ بجصٍّ وآجرٍّ وأحجار
وقال ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: البروج: النجوم؛ لأنها تتبرّج بنورها. والتّبرّج: التظاهر والتّبدّي.
وقال الجمهور وابن عبّاسٍ أيضاً: البروج: هي المنازل التي عرفتها العرب، وهي اثنا عشر على ما قسّمته، وهي التي تقطعها الشمس في سنةٍ والقمر في ثمانيةٍ وعشرين يوماً.
وقال قتادة: معناه: ذات الرّمل والماء. يريد أنها مبنيّةٌ في السماء. وهذا قولٌ ضعيفٌ). [المحرر الوجيز: 8/ 575]

تفسير قوله تعالى: {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ({واليوم الموعود}؛ هو يوم القيامة باتّفاقٍ، قاله النبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم]، ومعناه: الموعود به). [المحرر الوجيز: 8/ 575]

تفسير قوله تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ومشهودٍ} معناه: عليه، أو به، أو فيه، وهذا يترتّب بحسب الخلاف في تعيين المراد بـ(شاهدٍ ومشهودٍ)؛ فقد اختلف الناس في المشار إليه بهما؛ فقال ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: الشاهد: اللّه تعالى، والمشهود: يوم القيامة.
وقال ابن عبّاسٍ أيضاً، والحسن بن عليٍّ، وعكرمة: الشاهد: محمّدٌ [صلّى اللّه عليه وسلّم]، والمشهود: يوم القيامة؛ قال اللّه تعالى: {إنّا أرسلناك شاهداً}، وقال تعالى في يوم القيامة: {ذلك يومٌ مشهودٌ}.
وقال مجاهدٌ وعكرمة أيضاً: الشاهد: آدم عليه السلام وجميع ذرّيّته، والمشهود: يوم القيامة. و(شاهدٍ) اسم جنسٍ على هذا.
وقال بعض من بسط قول مجاهدٍ وعكرمة: (شاهدٍ) يراد به رجلٌ فردٌ، أو نسمةٌ من النّسم، ففي هذا تذكيرٌ لحقارة المسكين ابن آدم.
والمشهود: يوم القيامة، وقال الحسن بن أبي الحسن، وابن عبّاسٍ أيضاً: الشاهد: يوم عرفة ويوم الجمعة، والمشهود: يوم القيامة. وقال عليٌّ، وابن عبّاسٍ، وأبو هريرة، والحسن، وابن المسيّب، وقتادة: (شاهدٍ) يوم الجمعة، و (مشهودٍ) يوم عرفة.
وقال ابن عمر: (شاهدٌ) يوم الجمعة، و (مشهودٌ) يوم النّحر.
وقال جابرٌ: (شاهدٍ) يوم القيامة، و(مشهودٌ) الناس.
وقال محمّد بن كعبٍ: الشاهد: أنت يا بن آدم، والمشهود: اللّه تعالى.
وقال ابن جبيرٍ بالعكس، وتلا: {وكفى باللّه شهيداً}.
وقال أبو مالكٍ: الشاهد: عيسى عليه السلام، والمشهود: أمّته؛ قال اللّه تعالى: {وكنت عليهم شهيداً}.
وقال ابن المسيّب: (شاهدٌ) يوم التّروية، و (مشهودٌ): يوم عرفة.
وقال بعض الناس في كتاب النقّاش: الشاهد: يوم الإثنين، والمشهود: يوم الجمعة. وذكره الثّعلبيّ، وقال عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه: الشاهد: يوم عرفة، والمشهود: يوم النّحر. وعنه أيضاً: (شاهدٌ) يوم القيامة، و (مشهودٌ): يوم عرفة.
وقال أبو هريرة، عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «{شاهدٍ}: يوم الجمعة، و {مشهودٍ}: يوم عرفة
». قاله عليٌّ، وأبو بكرٍ، والحسن، وقال إبراهيم النّخعيّ: الشاهد: يوم الأضحى، والمشهود: يوم عرفة.
قال القاضي أبو محمّدٍ رحمه اللّه:
ووصف هذه الأيام بشاهدٍ؛ لأنها تشهد لحاضريها بالأعمال، والمشهود فيما مضى من الأقوال بمعنى المشاهد –بفتح الهاء–.
وقال التّرمذيّ: الشاهد: الملائكة الحفظة، والمشهود عليهم: الناس. وقال عبد العزيز بن يحيى –عند الثّعلبيّ-: الشاهد: محمّدٌ عليه الصلاة والسلام، والمشهود وعليهم: أمّته، نحو قوله تعالى: {وجئنا بك على هؤلاء شهيداً}؛ أي: شاهداً.
وقيل: الشاهد: الأنبياء عليهم السلام، والمشهود عليهم: أممهم.
وقال الحسن بن الفضل: الشاهد: أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، والمشهود عليهم: قوم نوحٍ عليه السلام وسائر الأمم؛ حسب الحديث المنصوص في ذلك.
وقال ابن جبيرٍ أيضاً: الشاهد: الجوارح التي تنطق يوم القيامة فتشهد على أصحابها، والمشهود عليهم: أصحابها.
وقال بعض العلماء: الشاهد: الملائكة المتعاقبون في الأمّة، والمشهود: قرآن الفجر، وتفسيره: {إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً}.
وقال بعض العلماء: الشاهد: النّجم، والمشهود عليه: الليل والنهار، أي: يشهد النّجم بإقبال هذا وإدبار هذا، ومنه قول النبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم]:
«حتّى يطلع الشّاهد». (الشاهد: النّجم).
وقال بعض العلماء: الشاهد: هو اللّه تعالى والملائكة وأولو العلم، والمشهود به: الوحدانيّة، وأنّ الدّين عند اللّه الإسلام.
وقيل: الشاهد: مخلوقات اللّه تعالى، والمشهود به: وحدانيّته. وأنشد الثّعلبيّ في هذا المعنى قول الشاعر:
وفي كلّ شيءٍ له آيةٌ = تدلّ على أنه الواحد). [المحرر الوجيز: 8/ 576-577]

تفسير قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و{قتل} معناه: فعل اللّه تعالى بهم ذلك؛ لأنهم أهلٌ له، فهو على جهة الدعاء بحسب البشر، لا أنّ اللّه تعالى يدعو على أحدٍ.
وقيل عن ابن عبّاسٍ: معناه: لعن. وهذا تفسيرٌ بالمعنى.
وقيل: هو إخبارٌ بأنّ النار قتلتهم. قاله الرّبيع بن أنسٍ، وسيأتي بيانه.
واختلف الناس في أصحاب الأخدود؛ فقيل: هم قومٌ كانوا على دينٍ، وكان لهم ملكٌ، فزنى بأخته، ثمّ حمله بعض الناس على أن يسنّ في النّاس نكاح الأخوات والبنات، فحمل الناس على ذلك فأطاعه كثيرٌ وعصته فرقٌ، فخدّ لهم أخاديد –وهي حفائر طويلةٌ كالخنادق – وأضرم لهم ناراً وطرحهم فيها، ثمّ استمرّت المجوسيّة في مطيعيه.
وقال عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه: صاحب الأخدود ملكٌ من حمير، كان بمزارع من اليمن، اقتتل هو والكفّار مع المؤمنين، ثمّ غلب في آخر الأمر، فحرّقهم على دينه إذ أبوا دينه، ومنهم كانت المرأة ذات الطفل التي تلكّأت، فقال لها الطفل: امضي في النار؛ فإنك على الحقّ.
وحكى النقّاش عن عليٍّ رضي اللّه عنه، أنّ نبيّ أصحاب الأخدود كان حبشيًّا، وأنّ الحبشة بقيّة أصحاب الأخدود.
وقيل: صاحب الأخدود ذو نواسٍ في قصّة عبد اللّه بن الثامر التي وقعت في السّير. وقيل: كان صاحب الأخدود في بني إسرائيل.
قال القاضي أبو محمّدٍ رحمه اللّه: ورأيت في بعض الكتب أن صاحب الأخدود هو محرّقٌ، وأنه الذي حرّق من بني تميمٍ المائة. ويعترض هذا القول بقوله تعالى: {وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ}، فينفصل عن هذا الاعتراض بأنّ هذا الكلام منقطعٌ من قصّة أصحاب الأخدود، وأنّ المراد بقوله تعالى: (هم) قريشٌ الذين كانوا يفتنون الناس المؤمنين والمؤمنات.
واختلف الناس في جواب القسم؛
فقال بعض النّحاة: هو محذوفٌ؛ لعلم السّامع به.
وقال آخرون: هو قوله تعالى: {قتل}، والتقدير: لقتل.
وقال قتادة: هو في قوله تعالى: {إنّ بطش ربّك لشديدٌ}.
وقال آخرون: هو في قوله تعالى: {إنّ الّذين فتنوا المؤمنين}). [المحرر الوجيز: 8/ 578]

تفسير قوله تعالى: {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {النّار} بدلٌ من {الأخدود} وهو بدل اشتمالٍ، وهذه قراءة الجمهور: {النّار} بخفض الراء، وقرأ قومٌ: (النّار) بالرفع على معنى: قتلتهم النار.
و(الوقود) بالضمّ: مصدرٌ من وقدت النّار إذا اضطرمت، و {الوقود} بفتح الواو: ما توقد به، وقرأ الجمهور بفتح الواو، وقرأ الحسن وأبو رجاءٍ وأبو حيوة بضمّها). [المحرر الوجيز: 8/ 578-579]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وكان من قصّة هؤلاء أنّ الكفّار قعدوا، وضمّ المؤمنون فعرض عليهم الدّخول في الكفر، فمن أبى رمي في أخدود النار فاحترق، فروي أنه احترق عشرون ألفاً.
قال الرّبيع بن أنسٍ، وابن إسحاق، وأبو العالية: بعث اللّه تعالى على المؤمنين ريحاً فقبضت أرواحهم، أو نحو هذا، فخرجت النار وأحرقت الكافرين الذين كانوا على حافّتي الأخدود، وعلى هذا يجيء {قتل} خبراً لا دعاءً.
وقال قتادة: {إذ هم عليها قعودٌ} يعني المؤمنين). [المحرر الوجيز: 8/ 579]

تفسير قوله تعالى: {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(نقموا) معناه: اعتدوا وتعدّوا. وقرأ جمهور الناس: {نقموا} بفتح القاف، وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة: (نقموا) بكسر القاف). [المحرر الوجيز: 8/ 579]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عزّ وجلّ:{إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم ولهم عذاب الحريق * إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير * إنّ بطش ربّك لشديدٌ * إنّه هو يبدئ ويعيد * وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد * فعّالٌ لّما يريد}.
{فتنوا} معناه: أحرقوا، وفتنت الذهب والفضّة في النار: أحرقتها. والفتين: حجارة الحرّة السّود؛ لأنّ الشمس كأنها أحرقتها، ومن قال: إن هذه الآيات الأواخر في قريشٍ. جعل الفتنة الامتحان والتعذيب، ويقوّي هذا التأويل بعض التقوية قوله تعالى: {ثمّ لم يتوبوا}؛ لأنّ هذا اللفظ في قريشٍ أحكم منه في أولئك الذين قد علم أنهم ماتوا على كفرهم، وأمّا قريشٌ فكان فيهم وقت نزول الآية من تاب بعد ذلك وآمن بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
و{جهنّم} و{الحريق} طبقتان من النار، ومن قال: إن النار خرجت فأحرقت الكفّار القعود. جعل الحريق في الدنيا). [المحرر الوجيز: 8/ 579]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)}


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 1 محرم 1436هـ/24-10-2014م, 11:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 1 محرم 1436هـ/24-10-2014م, 11:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (بسم اللّه الرّحمـن الرّحيم
{والسّماء ذات البروج * واليوم الموعود * وشاهدٍ ومشهودٍ * قتل أصحاب الأخدود * النّار ذات الوقود * إذ هم عليها قعودٌ * وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ * وما نقموا منهم إلّا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد * الّذي له ملك السّماوات والأرض واللّه على كلّ شيءٍ شهيدٌ * إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم ولهم عذاب الحريق}
يقسم تعالى بالسّماء وبروجها، وهي النّجوم العظام كما تقدّم بيان ذلك في قوله: {تبارك الّذي جعل في السّماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً}.
قال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ والضّحّاك والحسن وقتادة والسّدّيّ: {البروج}: النّجوم.
وعن مجاهدٍ أيضاً: البروج التي فيها الحرس.
وقال يحيى بن رافعٍ: البروج: قصورٌ في السّماء. وقال المنهال بن عمرٍو: {والسّماء ذات البروج}: الخلق الحسن. واختار ابن جريرٍ أنّها منازل الشّمس والقمر، وهي اثنا عشر برجاً، تسير الشّمس في كلّ واحدٍ منها شهراً، ويسير القمر في كلّ واحدٍ يومين وثلثاً، فذلك ثمانيةٌ وعشرون منزلةً، ويستتر ليلتين). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 363]

تفسير قوله تعالى: {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {واليوم الموعود * وشاهدٍ ومشهودٍ}. اختلف المفسّرون في ذلك، وقد قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن عمرٍو الغزّيّ، حدّثنا عبيد اللّه، يعني ابن موسى، حدّثنا موسى بن عبيدة، عن أيّوب بن خالد بن صفوان بن أوسٍ الأنصاريّ، عن عبد اللّه بن رافعٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم]:
«{واليوم الموعود}: يوم القيامة، {وشاهدٍ}: يوم الجمعة، وما طلعت شمسٌ ولا غربت على يومٍ أفضل من يوم الجمعة، وفيه ساعةٌ لا يوافيها عبدٌ مسلمٌ يسأل اللّه فيها خيراً إلاّ أعطاه إيّاه، ولا يستعيذ فيها من شرٍّ إلاّ أعاذه، {ومشهودٍ}: يوم عرفة».
وهكذا روى هذا الحديث ابن خزيمة من طرقٍ، عن موسى بن عبيدة الرّبذيّ، وهو ضعيف الحديث، وقد روي موقوفاً على أبي هريرة، وهو أشبه.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّدٌ، حدّثنا شعبة، سمعت عليّ بن زيدٍ ويونس بن عبيدٍ يحدّثان عن عمّارٍ مولى بني هاشمٍ، عن أبي هريرة، أمّا عليٌّ فرفعه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأمّا يونس فلم يعد أبا هريرة، أنّه قال في هذه الآية: {وشاهدٍ ومشهودٍ}. قال: يعني: الشّاهد: يوم الجمعة، ويومٌ مشهودٌ: يوم القيامة.
وقال أحمد أيضاً: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن يونس: سمعت عمّاراً مولى بني هاشمٍ يحدّث، عن أبي هريرة أنّه قال في هذه الآية: {وشاهدٍ ومشهودٍ}. قال: الشّاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة، والموعود: يوم القيامة.
فقد روي عن أبي هريرة أنّه قال: {اليوم الموعود}: يوم القيامة. وكذلك قال الحسن وقتادة وابن زيدٍ، ولم أرهم يختلفون في ذلك وللّه الحمد.
ثمّ قال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن عوفٍ، حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن عيّاشٍ، حدّثني أبي، حدّثنا ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيدٍ، عن أبي مالكٍ الأشعريّ، قال: قال رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم]:
«اليوم الموعود: يوم القيامة، وإنّ الشّاهد: يوم الجمعة، وإنّ المشهود: يوم عرفة، ويوم الجمعة ذخره اللّه لنا».
ثمّ قال ابن جريرٍ: حدّثنا سهل بن موسى الرّازيّ، حدّثنا ابن أبي فديكٍ، عن ابن حرملة، عن سعيد بن المسيّب أنّه قال: قال رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم]:
«إنّ سيّد الأيّام يوم الجمعة، وهو الشّاهد، والمشهود يوم عرفة».
وهذا مرسلٌ من مراسيل سعيد بن المسيّب.
ثمّ قال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا وكيعٌ، عن شعبة، عن عليّ بن زيدٍ، عن يوسف المكّيّ، عن ابن عبّاسٍ قال: الشّاهد: هو محمّدٌ [صلّى اللّه عليه وسلّم]، والمشهود: يوم القيامة. ثمّ قرأ: {ذلك يومٌ مجموعٌ له النّاس وذلك يومٌ مشهودٌ}.
- وحدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا جريرٌ عن مغيرة، عن سماكٍ قال: سأل رجلٌ الحسن بن عليٍّ عن: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: سألت أحداً قبلي؟ قال: نعم، سألت ابن عمر وابن الزّبير فقالا: يوم الذّبح ويوم الجمعة، فقال: لا. ولكنّ الشّاهد: محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم. ثمّ قرأ: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً}.
والمشهود: يوم القيامة، ثمّ قرأ: {ذلك يومٌ مجموعٌ له النّاس وذلك يومٌ مشهودٌ}. وهكذا قال الحسن البصريّ، وقال سفيان الثّوريّ عن ابن حرملة، عن سعيد بن المسيّب: {ومشهودٍ}: يوم القيامة.
وقال مجاهدٌ وعكرمة والضّحّاك: الشّاهد: ابن آدم، والمشهود: يوم القيامة.
وعن عكرمة أيضاً: الشّاهد: محمّدٌ [صلّى اللّه عليه وسلّم]، والمشهود: يوم الجمعة. وقال عليّ بن أبي طلحة: عن ابن عبّاسٍ: الشّاهد: اللّه، والمشهود: يوم القيامة. وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو نعيمٍ الفضل بن دكينٍ، حدّثنا سفيان، عن أبي يحيى القتّات، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ قال: الشّاهد: الإنسان، والمشهود: يوم الجمعة. هكذا رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وشاهدٍ ومشهودٍ}؛ الشّاهد: يوم عرفة، والمشهود: يوم القيامة. وبه عن سفيان – هو الثّوريّ - عن مغيرة، عن إبراهيم قال: يوم الذّبح ويوم عرفة. يعني الشّاهد والمشهود.
قال ابن جريرٍ: وقال آخرون: المشهود: يوم الجمعة، ورووا في ذلك ما حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن، حدّثني عمّي عبد اللّه بن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلالٍ، عن زيد بن أيمن، عن عبادة بن نسيٍّ، عن أبي الدّرداء قال: قال رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم]:
«أكثروا عليّ من الصّلاة يوم الجمعة؛ فإنّه يومٌ مشهودٌ تشهده الملائكة».
وعن سعيد بن جبيرٍ: الشّاهد: اللّه. وتلا: {وكفى باللّه شهيداً}؛ والمشهود: نحن. حكاه البغويّ وقال: الأكثرون على أنّ الشّاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 364-366]

تفسير قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {قتل أصحاب الأخدود}؛ أي: لعن أصحاب الأخدود، وجمعه أخاديد، وهي الحفير في الأرض، وهذا خبرٌ عن قومٍ من الكفّار عمدوا إلى من عندهم من المؤمنين باللّه عزّ وجلّ فقهروهم وأرادوهم أن يرجعوا عن دينهم فأبوا عليهم، فحفروا لهم في الأرض أخدوداً وأجّجوا فيه ناراً وأعدّوا لهم وقوداً يسعّرونها به، ثمّ أرادوهم فلم يقبلوا منهم فقذفوهم فيها.
ولهذا قال تعالى: {قتل أصحاب الأخدود * النّار ذات الوقود * إذ هم عليها قعودٌ * وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ}؛ أي: مشاهدون لما يفعل بأولئك المؤمنين). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 366]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال اللّه تعالى: {وما نقموا منهم إلاّ أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد}؛ أي: وما كان لهم عندهم ذنبٌ إلاّ إيمانهم باللّه العزيز الذي لا يضام من لاذ بجنابه المنيع الحميد في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره، وإن كان قد قدّر على عباده هؤلاء هذا الذي وقع بهم بأيدي الكفّار به، فهو العزيز الحميد وإن خفي سبب ذلك على كثيرٍ من النّاس). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 366]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {الّذي له ملك السّماوات والأرض}؛ من تمام الصّفة أنّه المالك لجميع السّماوات والأرض وما فيهما وما بينهما. {واللّه على كلّ شيءٍ شهيدٌ}؛ أي: لا يغيب عنه شيءٌ في جميع السّماوات والأرض، ولا تخفى عليه خافيةٌ.
* وقد اختلف أهل التّفسير في أهل هذه القصّة من هم؟
فعن عليٍّ [رضي اللّه عنه] أنّهم أهل فارس حين أراد ملكهم تحليل تزويج المحارم؛ فامتنع عليه علماؤهم، فعمد إلى حفر أخدودٍ فقذف فيه من أنكر عليه منهم. واستمرّ فيهم تحليل المحارم إلى اليوم.
وعنه أنّهم كانوا قوماً باليمن اقتتل مؤمنوهم ومشركوهم فغلب مؤمنوهم على كفّارهم، ثمّ اقتتلوا فغلب الكفّار المؤمنين فخدّوا لهم الأخاديد وأحرقوهم فيها، وعنه أنّهم كانوا من أهل الحبشة، واحدهم حبشيٌّ.
وقال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: {قتل أصحاب الأخدود * النّار ذات الوقود}؛ قال: ناسٌ من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض ثمّ أوقدوا فيه ناراً ثمّ أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها، وزعموا أنّه دانيال وأصحابه. وهكذا قال الضّحّاك بن مزاحمٍ، وقيل غير ذلك.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن صهيبٍ، أنّ رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] قال:
«كان ملكٌ فيمن كان قبلكم، وكان له ساحرٌ فلمّا كبر السّاحر قال للملك: إنّي قد كبرت سنّي، وحضر أجلي فادفع إليّ غلاماً لأعلّمه السّحر. فدفع إليه غلاماً، فكان يعلّمه السّحر، وكان بين السّاحر وبين الملك راهبٌ، فأتى الغلام على الرّاهب فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه، وكان إذا أتى السّاحر ضربه، وقال: ما حبسك؟ وإذا أتى أهله ضربوه وقالوا: ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الرّاهب. فقال: إذا أراد السّاحر أن يضربك فقل: حبسني أهلي، وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل: حبسني السّاحر.
قال: فبينما هو ذات يومٍ إذ أتى على دابّةٍ فظيعةٍ عظيمةٍ قد حبست النّاس فلا يستطيعون أن يجوزوا؛ فقال: اليوم أعلم أمر الرّاهب أحبّ إلى اللّه أم أمر السّاحر.
قال: فأخذ حجراً فقال: اللّهمّ، إن كان أمر الرّاهب أحبّ إليك وأرضى من أمر السّاحر فاقتل هذه الدّابّة حتّى يجوز النّاس. ورماها فقتلها ومضى النّاس، فأخبر الرّاهب بذلك فقال: أي بنيّ أنت أفضل منّي، وأنت ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدلّ عليّ. فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم، وكان للملك جليسٌ فعمي فسمع به، فأتاه بهدايا كثيرةٍ، فقال: اشفني ولك ما ههنا أجمع. فقال: ما أنا أشفي أحداً، إنّما يشفي اللّه عزّ وجلّ، فإن آمنت به دعوت اللّه فشفاك. فآمن فدعا اللّه فشفاه، ثمّ أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس؛ فقال له الملك: يا فلان من ردّ عليك بصرك؟ فقال: ربّي. فقال: أنا؟ قال: لا، ربّي وربّك اللّه. قال: ولك ربٌّ غيري؟! قال: نعم، ربّي وربّك اللّه.
فلم يزل يعذّبه حتّى دلّ على الغلام فبعث إليه؛ فقال: أي بنيّ بلغ من سحرك أن تبرئ الأكمه والأبرص وهذه الأدواء! قال: ما أشفي أحداً، إنّما يشفي اللّه عزّ وجلّ. قال: أنا؟ قال: لا. قال: أولك ربٌّ غيري؟! قال: ربّي وربّك اللّه. فأخذه أيضاً بالعذاب، فلم يزل به حتّى دلّ على الرّاهب، فأتي بالرّاهب؛ فقال: ارجع عن دينك. فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتّى وقع شقّاه، وقال للأعمى: ارجع عن دينك. فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه حتّى وقع شقّاه إلى الأرض، وقال للغلام: ارجع عن دينك فأبى، فبعث به مع نفرٍ إلى جبل كذا وكذا وقال: إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلاّ فدهدهوه.
فذهبوا به فلمّا علوا به الجبل قال: اللّهمّ اكفنيهم بما شئت. فرجف بهم الجبل، فدهدهوا أجمعون، وجاء الغلام يتلمّس حتّى دخل على الملك فقال: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم اللّه. فبعث به مع نفرٍ في قرقورٍ فقال: إذا لجّجتم به البحر فإن رجع عن دينه وإلاّ فغرّقوه في البحر .. فلجّجوا به البحر؛ فقال الغلام: اللّهمّ اكفنيهم بما شئت. فغرقوا أجمعون، وجاء الغلام حتّى دخل على الملك فقال: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم اللّه تعالى. ثمّ قال للملك: إنّك لست بقاتلي حتّى تفعل ما آمرك به، فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني، وإلاّ فإنّك لا تستطيع قتلي، قال: وما هو؟ قال: تجمع النّاس في صعيدٍ واحدٍ ثمّ تصلبني على جذعٍ وتأخذ سهماً من كنانتي، ثمّ قل: بسم اللّه ربّ الغلام. فإنّك إن فعلت ذلك قتلتني.
ففعل ووضع السّهم في كبد قوسه ثمّ رماه وقال: بسم اللّه ربّ الغلام. فوقع السّهم في صدغه فوضع الغلام يده على موضع السّهم ومات؛ فقال الناس: آمنّا بربّ الغلام. فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر. فقد -واللّه- نزل بك، قد آمن النّاس كلّّهم. فأمر بأفواه السّكك فخدّت فيها الأخاديد وأضرمت فيها النّيران، وقال: من رجع عن دينه فدعوه وإلاّ فاقتحموه فيها.
قال: فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون، فجاءت امرأةٌ بابن لها ترضعه، فكأنّها تقاعست أن تقع في النّار؛ فقال الصّبيّ: اصبري يا أمّاه، فإنّك على الحقّ
».
وهكذا رواه مسلمٌ في آخر الصّحيح عن هدبة بن خالدٍ، عن حمّاد بن سلمة به نحوه، ورواه النّسائيّ عن أحمد بن سلمان، عن عفّان، عن حمّاد بن سلمة، ومن طريق حمّاد بن زيدٍ كلاهما عن ثابتٍ به، واختصروا أوّله.
وقد جوّده الإمام أبو عيسى التّرمذيّ، فرواه في تفسير هذه السّورة، عن محمود بن غيلان وعبد بن حميدٍ، المعنى واحدٌ، قالا: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن ثابتٍ البنانيّ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن صهيبٍ قال: كان رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] إذا صلّى العصر همس - والهمس في بعض قولهم: تحريك شفتيه، كأنّه يتكلّم - فقيل له: يا رسول اللّه إذا صلّيت العصر همست؛ قال:
«إنّ نبيًّا من الأنبياء كان أعجب بأمّته فقال: من يقوم لهؤلاء؟ فأوحى اللّه إليه أن خيّرهم بين أن أنتقم منهم وبين أن أسلّط عليهم عدوّهم، فاختاروا النّقمة، فسلّط عليهم الموت فمات منهم في يومٍ سبعون ألفاً». قال: وكان إذا حدّث بهذا الحديث حدّث بهذا الحديث الآخر قال:«كان ملكٌ من الملوك وكان لذلك الملك كاهنٌ يتكهّن له، فقال الكاهن: انظروا لي غلاماً فهماً، أو قال: فطناً لقناً، فأعلّمه علمي هذا».
فذكر القصّة بتمامها وقال في آخره:
«يقول اللّه عزّ وجلّ: {قتل أصحاب الأخدود النّار ذات الوقود}». حتّى بلغ: «{العزيز الحميد}». قال: فأمّا الغلام فإنّه دفن. قال: فيذكر أنّه أخرج في زمان عمر بن الخطّاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل. ثمّ قال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ.
وهذا السّياق ليس فيه صراحةً أنّ سياق هذه القصّة من كلام النّبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم]، قال شيخنا الحافظ أبو الحجّاج المزّيّ: فيحتمل أن يكون من كلام صهيبٍ الرّوميّ؛ فإنّه كان عنده علمٌ من أخبار النّصارى، واللّه أعلم.
وقد أورد محمّد بن إسحاق بن يسارٍ هذه القصّة في السّيرة بسياقٍ آخر، فيها مخالفةٌ لما تقدّم، فقال: حدّثني يزيد بن زيادٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، وحدّثني أيضاً بعض أهل نجران عن أهلها، أنّ أهل نجران كانوا أهل شركٍ يعبدون الأوثان، وكان في قريةٍ من قراها قريباً من نجران-ونجران هي القرية العظمى التي إليها جماع تلك البلاد- ساحرٌ يعلّم غلمان أهل نجران السّحر، فلمّا نزلها فيميون - ولم يسمّوه لي بالاسم الذي سمّاه لي ابن منبّهٍ، قالوا: نزلها رجلٌ - فابتنى خيمةً بين نجران وبين تلك القرية التي فيها السّاحر، وجعل أهل نجران يرسلون غلمانهم إلى ذلك السّاحر يعلّمهم السّحر.
فبعث الثّامر ابنه عبد اللّه بن الثّامر مع غلمان أهل نجران، فكان إذا مرّ بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى من عبادته وصلاته، فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم فوحّد اللّه وعبده، وجعل يسأله عن شرائع الإسلام حتى إذا فقه فيه جعل يسأله عن الاسم الأعظم، وكان يعلّمه، فكتمه إيّاه وقال له: يابن أخي، إنّك لن تحمله، أخشى ضعفك عنه. والثّامر أبو عبد اللّه لا يظنّ إلاّ أنّ ابنه يختلف إلى السّاحر كما يختلف الغلمان.
فلمّا رأى عبد اللّه أنّ صاحبه قد ضنّ به وتخوّف ضعفه فيه عمد إلى أقداحٍ، فجمعها ثمّ لم يبق للّه اسماً يعلمه إلاّ كتبه في قدحٍ، وكلّ اسمٍ في قدحٍ حتّى إذا أحصاها أوقد ناراً، ثمّ جعل يقذفها فيها قدحاً قدحاً، حتّى إذا مرّ بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه، فوثب القدح حتّى خرج منها لم يضرّه شيءٌ، فأخذه ثمّ أتى به صاحبه فأخبره أنّه قد علم الاسم الأعظم الذي كتمه؛ فقال: وما هو؟ قال: هو كذا وكذا. قال: وكيف علمته؟ فأخبره بما صنع، قال: أي ابن أخي، قد أصبته فأمسك على نفسك، وما أظنّ أن تفعل.
فجعل عبد اللّه بن الثّامر إذا دخل نجران لم يلق أحداً به ضرٌّ إلاّ قال: يا عبد اللّه أتوحّد اللّه وتدخل في ديني وأدعو اللّه لك فيعافيك ممّا أنت فيه من البلاء؟ فيقول: نعم. فيوحّد اللّه ويسلم، فيدعو اللّه فيشفى، حتّى إذا لم يبق بنجران أحدٌ به ضرٌّ إلاّ أتاه فاتّبعه على أمره ودعا له فعوفي، حتّى رفع شأنه إلى ملك نجران فدعاه فقال له: أفسدت عليّ أهل قريتي وخالفت ديني ودين آبائي، لأمثّلنّ بك. قال: لا تقدر على ذلك.
فجعل يرسل به إلى الجبل الطّويل فيطرح على رأسه فيقع إلى الأرض ما به بأسٌ، وجعل يبعث إلى مياهٍ بنجران، بحورٍ لا يلقى فيها شيءٌ إلاّ هلك، فيلقى به فيها فيخرج ليس به بأسٌ، فلمّا غلبه قال له عبد اللّه بن الثّامر: إنّك واللّه لا تقدر على قتلي حتّى توحّد اللّه فتؤمن بما آمنت به؛ فإنّك إن فعلت سلّطت عليّ فقتلتني.
قال: فوحّد اللّه ذلك الملك وشهد شهادة عبد اللّه بن الثّامر، ثمّ ضربه بعصًا في يده فشجّه شجّةً غير كبيرةٍ فقتله، وهلك الملك مكانه، واستجمع أهل نجران على دين عبد اللّه بن الثّامر، وكان على ما جاء به عيسى ابن مريم عليه السّلام من الإنجيل وحكمه، ثمّ أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الأحداث، فمن هنالك كان أصل دين النّصرانيّة بنجران.
قال ابن إسحاق: فهذا حديث محمّد بن كعبٍ القرظيّ وبعض أهل نجران عن عبد اللّه بن الثّامر، واللّه أعلم أيّ ذلك كان.
قال فسار إليهم ذو نواسٍ بجنده، فدعاهم إلى اليهوديّة وخيّرهم بين ذلك أو القتل، فاختاروا القتل فخدّ الأخدود فحرّق بالنّار، وقتل بالسّيف، ومثّل بهم حتّى قتل منهم قريباً من عشرين ألفاً، ففي ذي نواسٍ وجنده أنزل اللّه عزّ وجلّ على رسوله [صلّى اللّه عليه وسلّم]: {قتل أصحاب الأخدود النّار ذات الوقود إذ هم عليها قعودٌ وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ وما نقموا منهم إلاّ أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد الّذي له ملك السّماوات والأرض واللّه على كلّ شيءٍ شهيدٌ}.
هكذا ذكر محمّد بن إسحاق في السّيرة أنّ الذي قتل أصحاب الأخدود هو ذو نواسٍ، واسمه زرعة، ويسمّى في زمان مملكته بيوسف، وهو ابن تبّان أسعد أبي كربٍ، وهو تبّعٌ الذي غزا المدينة وكسا الكعبة واستصحب معه حبرين من يهود المدينة، فكان تهوّد من تهوّد من أهل اليمن على يديهما كما ذكره ابن إسحاق مبسوطاً، فقتل ذو نواسٍ في غداةٍ واحدةٍ في الأخدود عشرين ألفاً، ولم ينج منهم سوى رجلٍ واحدٍ يقال له: دوس ذو ثعلبان، ذهب فارساً، وطردوا وراءه فلم يقدر عليه، فذهب إلى قيصر ملك الشّام فكتب إلى النّجاشيّ ملك الحبشة، فأرسل معه جيشاً من نصارى الحبشة، يقدمهم أرياط وأبرهة فاستنقذوا اليمن من أيدي اليهود، وذهب ذو نواسٍ هارباً فلجّج في البحر فغرق.
واستمرّ ملك الحبشة في أيدي النّصارى سبعين سنةً، ثمّ استنقذه سيف بن ذي يزنٍ الحميريّ من أيدي النّصارى لمّا استجاش بكسرى ملك الفرس، فأرسل معه من في السّجون، وكانوا قريباً من سبعمائةٍ، ففتح بهم اليمن، ورجع الملك إلى حمير، وسنذكر طرفاً من ذلك إن شاء اللّه في تفسير سورة {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل}.
وقال ابن إسحاق: وحدّثني عبد اللّه بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزمٍ أنّه حدّث أنّ رجلاً من أهل نجران كان في زمان عمر بن الخطّاب حفر خربةً من خرب نجران لبعض حاجته، فوجد عبد اللّه بن الثّامر تحت دفنٍ فيها قاعداً واضعاً يده على ضربةٍ في رأسه ممسكاً عليها بيده، فإذا أخذت يده عنها تنثعب دماً، وإذا أرسلت يده ردّت عليها، فأمسكت دمها، وفي يده خاتمٌ مكتوبٌ فيه: ربّي اللّه. فكتب فيه إلى عمر بن الخطّاب يخبره بأمره، فكتب عمر إليهم أن أقرّوه على حاله، وردّوا عليه الدّفن الذي كان عليه، ففعلوا.
وقد قال أبو بكر بن عبد اللّه بن محمّد بن أبي الدّنيا رحمه اللّه: حدّثنا أبو بلالٍ الأشعريّ، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالبٍ، حدّثني بعض أهل العلم، أنّ أبا موسى لمّا افتتح أصبهان وجد حائطاً من حيطان المدينة قد سقط، فبناه فسقط، ثمّ بناه فسقط؛ فقيل له: إنّ تحته رجلاً صالحاً. فحفر الأساس فوجد فيه رجلاً قائماً معه سيفٌ، فيه مكتوبٌ أنا الحارث بن مضاضٍ، نقمت على أصحاب الأخدود. فاستخرجه أبو موسى وبنى الحائط فثبت.
قلت: هو الحارث بن مضاض بن عمرو بن مضاض بن عمرٍو الجرهميّ أحد ملوك جرهمٍ، الذين ولوا أمر الكعبة بعد ولد نابت بن إسماعيل بن إبراهيم، وولد الحارث هذا هو عمرو بن الحارث بن مضاضٍ، هو آخر ملوك جرهمٍ بمكّة لمّا أخرجتهم خزاعة وأجلوهم إلى اليمن، وهو القائل في شعره الذي قال ابن هشامٍ: إنّه أوّل شعرٍ قاله العرب:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ....... أنيسٌ ولم يسمر بمكّة سامر
بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا ....... صروف اللّيالي والجدود العواثر

وهذا يقتضي أنّ هذه القصّة كانت قديماً بعد زمان إسماعيل عليه السّلام بقريبٍ من خمسمائة سنةٍ أو نحوها، وما ذكره ابن إسحاق يقتضي أنّ قصّتهم كانت في زمان الفترة التي بين عيسى ومحمّدٍ عليهما من اللّه السّلام، وهو أشبه. واللّه أعلم، وقد يحتمل أنّ ذلك قد وقع في العالم كثيراً.
كما قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا صفوان، عن عبد الرّحمن بن جبيرٍ قال: كان الأخدود في اليمن زمان تبّعٍ، وفي القسطنطينيّة زمان قسطنطين حين صرف النّصارى قبلتهم عن دين المسيح والتّوحيد، فاتّخذوا أتّوناً وألقي فيه النّصارى الذين كانوا على دين المسيح والتّوحيد، وفي العراق في أرض بابل زمان بختنصّر حين صنع الصّنم وأمر النّاس أن يسجدوا له، فامتنع دانيال وصاحباه عزريا وميشائيل، فأوقد لهم أتّوناً وألقى فيها الحطب والنّار، ثمّ ألقاهما فيه، فجعلها اللّه عليهما برداً وسلاماً وأنقذهما منها، وألقى فيها الذين بغوا عليه، وهم تسعة رهطٍ، فأكلتهم النّار. وقال أسباطٌ، عن السّدّيّ في قوله: {قتل أصحاب الأخدود}؛ قال: كانت الأخدود ثلاثةً: خدٌّ بالشّام، وخدٌّ بالعراق، وخدٌّ باليمن. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وعن مقاتلٍ قال: كانت الأخدود ثلاثةً: واحدةٌ بنجران باليمن، والأخرى بالشّام، والأخرى بفارس، حرّقوا بالنّار، أمّا التي بالشّام فهو أنطنانوس الرّوميّ، وأمّا التي بفارس فهو بختنصّر، وأمّا التي بأرض العرب فهو يوسف ذو نواسٍ، فأمّا التي بفارس والشّام فلم ينزل اللّه فيهم قرآناً، وأنزل في التي كانت بنجران.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، هو ابن أنسٍ في قوله: {قتل أصحاب الأخدود}؛ قال: سمعنا أنّهم كانوا قوماً في زمان الفترة، فلمّا رأوا ما وقع بالنّاس من الفتنة والشّرّ وصاروا أحزاباً، {كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون}، اعتزلوا إلى قريةٍ سكنوها وأقاموا على عبادة اللّه {مخلصين له الدّين حنفاء ويقيموا الصّلاة ويؤتوا الزّكاة}،
فكان هذا أمرهم حتّى سمع بهم جبّارٌ من الجبّارين، وحدّث حديثهم فأرسل إليهم، فأمرهم أن يعبدوا الأوثان التي اتّخذوا، وإنّهم أبوا عليهم كلّهم وقالوا: لا نعبد إلاّ اللّه وحده لا شريك له. فقال لهم: إن لم تعبدوا هذه الآلهة التي عبدت فإنّي قاتلكم. فأبوا عليه فخدّ أخدوداً من نارٍ، وقال لهم الجبّار، ووقفهم عليها: اختاروا هذه أو الذي نحن فيه. فقالوا: هذه أحبّ إلينا. وفيهم نساءٌ وذرّيّةٌ ففزعت الذّرّيّة فقالوا لهم: لا نار من بعد اليوم. فوقعوا فيها فقبضت أرواحهم من قبل أن يمسّهم حرّها، وخرجت النّار من مكانها، فأحاطت بالجبّارين، فأحرقهم اللّه بها، ففي ذلك أنزل اللّه عزّ وجلّ: {قتل أصحاب الأخدود * النّار ذات الوقود * إذ هم عليها قعودٌ * وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ * وما نقموا منهم إلاّ أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد * الّذي له ملك السّماوات والأرض واللّه على كلّ شيءٍ شهيدٌ}. ورواه ابن جريرٍ: حدّثت عن عمّارٍ، عن عبد اللّه ابن أبي جعفرٍ به نحوه). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 366-371]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات}؛ أي: حرّقوا. قاله ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وقتادة والضّحّاك وابن أبزى، {ثمّ لم يتوبوا}؛ أي: لم يقلعوا عمّا فعلوا ويندموا على ما أسلفوا،
{فلهم عذاب جهنّم ولهم عذاب الحريق}؛ وذلك أنّ الجزاء من جنس العمل، قال الحسن البصريّ: انظروا إلى هذا الكرم والجود! قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التّوبة والمغفرة). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 371]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير * إنّ بطش ربّك لشديدٌ * إنّه هو يبدئ ويعيد * وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد * فعّالٌ لما يريد * هل أتاك حديث الجنود * فرعون وثمود * بل الّذين كفروا في تكذيبٍ * واللّه من ورائهم مّحيطٌ * بل هو قرآنٌ مّجيدٌ * في لوحٍ مّحفوظٍ}.
يخبر تعالى عن عباده المؤمنين أنّ لهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار بخلاف ما أعدّ لأعدائه من الحريق والجحيم؛ ولهذا قال: {ذلك الفوز الكبير}). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 372]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:31 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة