تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد استهزئ برسلٍ من قبلك فحاق بالّذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: إن يتّخذك يا محمّد هؤلاء القائلون لك: هل هذا إلاّ بشرٌ مثلكم، أفتأتون السّحر وأنتم تبصرون، إذ رأوك هزوًا ويقولون: هذا الّذي يذكر آلهتكم، كفرًا منهم باللّه، واجتراءً عليه. فلقد استهزئ برسلٍ من رسلنا الّذين أرسلناهم من قبلك إلى أممهم. يقول: فوجب ونزل بالّذين استهزءوا بهم، وسخروا منهم من أممهم {ما كانوا به يستهزئون}. يقول جلّ ثناؤه: حلّ بهم الّذي كانوا به يستهزئون من البلاء والعذاب الّذي كانت رسلهم تخوّفهم نزوله بهم.
{يستهزئون}: يقول جلّ ثناؤه، فلن يعدو هؤلاء المستهزئون بك من هؤلاء الكفرة أن يكونوا كأسلافهم من الأمم المكذّبة رسلها، فينزل بهم من عذاب اللّه وسخطه باستهزائهم بك نظير الّذي نزل بهم). [جامع البيان: 16/277]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 39 - 41.
أخرج البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ما منكم أحد إلا سيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبينه حجاب يحجبه ولا ترجمان يترجم له فيقول: ألم أوتك مالا فيقول: بلى، فيقول: ألم أرسل إليك رسولا فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار وينظر عن يساره فلا يرى إلا النار وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار فليتق أحدكم النار ولو بشق تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيبة). [الدر المنثور: 10/295-296] (م)
تفسير قوله تعالى: (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن عيسى عن مجاهدٍ في قوله: {قل من يكلؤكم باللّيل والنّهار من الرحمن} قال: من يحفظكم باللّيل والنّهار [الآية: 42]). [تفسير الثوري: 201]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل من يكلؤكم باللّيل والنّهار من الرّحمن بل هم عن ذكر ربّهم معرضون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء المستعجليك بالعذاب، القائلين: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين {من يكلؤكم} أيّها القوم، يقول: من يحفظكم، ويحرسكم باللّيل إذا نمتم، وبالنّهار إذا انصرّفتم {من الرّحمن} يقول: من أمر الرّحمن إن نزل بكم، ومن عذابه إن حلّ بكم.
وترك ذكر الأمر، وقيل {من الرّحمن} اجتزاءً بمعرفة السّامعين لمعناه من ذكره.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، في قوله: {قل من يكلؤكم باللّيل والنّهار من الرّحمن} قال: يحرسكم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {قل من يكلؤكم باللّيل والنّهار من الرّحمن} قل يحفظكم باللّيل والنّهار من الرّحمن.
يقال منه: كلأت القوم: إذا حرستهم، أكلؤهم، كما قال ابن هرمة:
إنّ سليمى واللّه يكلؤها = ضنّت بشيءٍ ما كان يرزؤها
قوله: {بل هم عن ذكر ربّهم معرضون} وقوله: بل: تحقيقٌ لجحدٍ قد عرفه المخاطبون بهذا الكلام، وإن لم يكن مذكورًا في هذا الموضع ظاهرًا ومعنى الكلام: وما لهم أن لا يعلموا أنّه لا كالئ لهم من أمر اللّه إذا هو حلّ بهم ليلاً أو نهارًا، بل هم عن ذكر مواعظ ربّهم، وحججه الّتي احتجّ بها عليهم معرضون، لا يتدبّرون ذلك، فلا يعتبرون به، جهلاً منهم وسفهًا). [جامع البيان: 16/277-279]
تفسير قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ آَلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله منا يصحبون قال ينصرون). [تفسير عبد الرزاق: 2/24]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن مجاهد {وما جعلناهم جسدا} قال: ليس فيهم الروح {ولا هم منا يصحبون} قال: يمنعون [الآية: 8 والآية 43]). [تفسير الثوري: 199] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون} قال: ينصرون وقال: كان أصحاب عبد الله يقرءونها (يصحبون) [الآية: 43]). [تفسير الثوري: 201]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({يصحبون} [الأنبياء: 43] : «يمنعون»). [صحيح البخاري: 6/96]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله يصحبون يمنعون وصله بن المنذر من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في قوله ولا هم منّا يصحبون قال يمنعون ومن وجهٍ آخر منقطعٍ عن بن عبّاسٍ يمنعون قال ينصرون وهو قول مجاهدٍ رواه الطّبريّ). [فتح الباري: 8/436]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (أما محمّد بن سعد العوفيّ فيما كتب إليّ حدثني أبي حدثني عمي حدثني أبي عن جدي عن عبد الله بن عبّاس في قوله 43 الأنبياء {ولا هم منا يصحبون} قال ولا هم منا يجأرون). [تغليق التعليق: 4/258]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (يصحبون يمنعون
أشار به إلى قوله تعالى: {ولا هم منا يصحبون} (الأنبياء: 43) وفسره بقوله: (يمنعون) ووصله ابن المنذر من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس، قال: يمنعون، وعن مجاهد: ولا هم منا ينصرون ويحفظون، وعن قتادة: لا يصحبون من الله بخير). [عمدة القاري: 19/63]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({يصحبون}) في قوله: {ولا هم منا يصحبون} أي (يمنعون) قاله ابن عباس فيما وصله ابن المنذر، وقال مجاهد: ينصرون). [إرشاد الساري: 7/241]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أم لهم آلهةٌ تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منّا يصحبون}.
يقول تعالى ذكره: ألهؤلاء المستعجلي ربّهم بالعذاب آلهةٌ تمنعهم، إن نحن أحللنا بهم عذابنا، وأنزلنا بهم بأسنا من دوننا؟ ومعناه: أم لهم آلهةٌ من دوننا تمنعهم منّا؟ ثمّ وصف جلّ ثناؤه الآلهة بالضّعف، والمهانة، وما هي به من صفتها، فقال: وكيف تستطيع آلهتهم الّتي يدعونها من دوننا أن تمنعهم منّا؟ وهي لا تستطيع نصر أنفسها.
وقوله: {ولا هم منّا يصحبون} اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بذلك، وفي معنى {يصحبون}، فقال بعضهم: عنى بذلك الآلهة، وأنّها لا تصحب من اللّه بخيرٍ.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أم لهم آلهةٌ تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم} يعني الآلهة {ولا هم منّا يصحبون} يقول: لا يصحبون من اللّه بخيرٍ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا هم منّا ينصرون.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا هم منّا يصحبون} قال: ينصرون.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، قوله: {أم لهم آلهةٌ تمنعهم من دوننا} إلى قوله: {يصحبون} قال: ينصرون. قال: قال مجاهدٌ: ولا هم يحفظون.
- حدّثنا عليّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا هم منّا يصحبون} يجارون.
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا هم منّا يصحبون} يقول: ولا هم منّا يجارون، وهو قوله: {وهو يجير ولا يجار عليه} يعني الصّاحب، وهو الإنسان يكون له خفيرٌ ممّا يخاف، فهو قوله {يصحبون}.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال هذا القول الّذي حكيناه عن ابن عبّاسٍ، وأنّ {هم} من قوله: {ولا هم} من ذكر الكفّار، وأنّ قوله: {يصحبون} بمعنى: يجارون، يصحبون بالجوار، لأنّ العرب محكيّ عنها: أنا لك جارٌ من فلانٍ، وصاحبٌ، بمعنى: أجيرك، وأمنعك، وهم إذا لم يصحبوا بالجوار، ولم يكن لهم مانعٌ من عذاب اللّه مع سخط اللّه عليهم، فلم يصحبوا بخيرٍ، ولم ينصروا). [جامع البيان: 16/279-281]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 42 - 46.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {قل من يكلؤكم} قال: يحرسكم، وفي قوله: {ولا هم منا يصحبون} قال: لا ينصرون). [الدر المنثور: 10/296]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ولا هم منا يصحبون} قال: لا ينصرون). [الدر المنثور: 10/296]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {قل من يكلؤكم} قال: يحفظكم). [الدر المنثور: 10/296]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ولا هم منا يصحبون} قال: لا يجارون). [الدر المنثور: 10/296]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {ولا هم منا يصحبون} قال: لا يمنعون). [الدر المنثور: 10/296]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم} يعني الآلهة {ولا هم منا يصحبون} يقول: لا يصحبون من الله بخير، وفي قوله: {أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} قال: كان الحسن يقول: ظهور النّبيّ صلى الله عليه وسلم على من قاتله أرضا أرضا وقوما وقوما وقوله: {أفهم الغالبون} أي ليسوا بغالبين ولكن الرسول هو الغالب، وفي قوله: {قل إنما أنذركم بالوحي} أي بهذا القرآن {ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون} يقول: إن الكافر أصم عن كتاب الله لا يسمعه ولا ينتفع به ولا يعقله كما يسمعه أهل الإيمان، وفي قوله: {ولئن مستهم نفحة} يقول: لئن أصابتهم عقوبة). [الدر المنثور: 10/296-297]
تفسير قوله تعالى: (بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ننقصها من أطرافها قال: قال الحسن هو ظهور المسلمين على المشركين وقال عكرمة هو الموت). [تفسير عبد الرزاق: 2/24]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن مجاهدٍ في قوله: {أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} قال: الموت [الآية: 44]). [تفسير الثوري: 201]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ {نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} قال: الموت). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 432]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {بل متّعنا هؤلاء وآباءهم حتّى طال عليهم العمر أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون}.
يقول تعالى ذكره: ما لهؤلاء المشركين من آلهةٍ تمنعهم من دوننا، ولا جارٌ يجيرهم من عذابنا، إذا نحن أردنا عذابهم، فاتّكلوا على ذلك، وعصوا رسلنا اتّكالاً منهم على ذلك، ولكنّا متّعناهم بهذه الحياة الدّنيا، وآباءهم من قبلهم حتّى طال عليهم العمر، وهم على كفرهم مقيمون، لا تأتيهم منّا واعظةٌ من عذابٍ، ولا زاجرةٌ من عقابٍ على كفرهم، وخلافهم أمرنا، وعبادتهم الأوثان والأصنام، فنسوا عهدنا، وجهلوا موقع نعمتنا عليهم، ولم يعرفوا موضع الشّكر.
وقوله: {أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها}
يقول تعالى ذكره: أفلا يرى هؤلاء المشركون باللّه، السّائلو محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم الآيات، المستعجلو بالعذاب، أنّا نأتي الأرض نخرّبها من نواحيها، بقهرنا أهلها، وغلبتناهم، وإجلائهم عنها، وقتلهم بالسّيوف، فيعتبروا بذلك، ويتّعظوا به، ويحذروا منّا أن ننزل من بأسنا بهم نحو الّذي قد أنزلنا بمن فعلنا ذلك به من أهل الأطراف؟
وقد تقدّم ذكر القائلين بقولنا هذا، ومخالفيه بالرّوايات عنهم في سورة الرّعد بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: {أفهم الغالبون} يقول تبارك وتعالى: أفهؤلاء المشركون المستعجلو محمّدًا بالعذاب، الغالبونا؟ وقد رأوا قهرنا من أحللنا بساحته بأسنا في أطراف الأرضين؟ ليس ذلك كذلك، بل نحن الغالبون.
وإنّما هذا تقريعٌ من اللّه تعالى لهؤلاء المشركين به بجهلهم، يقول: أفيظنّون أنّهم يغلبون محمّدًا ويقهرونه، وقد قهر من ناوأه من أهل أطراف الأرض غيرهم؟
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أفهم الغالبون} يقول: ليسوا بغالبين، ولكنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هو الغالب). [جامع البيان: 16/281-282]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم} يعني الآلهة {ولا هم منا يصحبون} يقول: لا يصحبون من الله بخير، وفي قوله: {أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} قال: كان الحسن يقول: ظهور النّبيّ صلى الله عليه وسلم على من قاتله أرضا أرضا وقوما وقوما وقوله: {أفهم الغالبون} أي ليسوا بغالبين ولكن الرسول هو الغالب، وفي قوله: {قل إنما أنذركم بالوحي} أي بهذا القرآن {ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون} يقول: إن الكافر أصم عن كتاب الله لا يسمعه ولا ينتفع به ولا يعقله كما يسمعه أهل الإيمان، وفي قوله: {ولئن مستهم نفحة} يقول: لئن أصابتهم عقوبة). [الدر المنثور: 10/296-297] (م)