تفسير قوله تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) )
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن ابن جريجٍ، قال: {اقترب للنّاس حسابهم} قال: ما يوعدون). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 494]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا زياد بن أيّوب، حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قوله: {وهم في غفلةٍ} [الأنبياء: 1] قال: «في الدّنيا»
- أخبرنا أحمد بن نصرٍ، أخبرنا هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطّيالسيّ، حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: {في غفلةٍ معرضون}, قال: «في الدّنيا»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/185-186]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {اقترب للنّاس حسابهم وهم في غفلةٍ معرضون}.
يقول تعالى ذكره: دنا حساب النّاس على أعمالهم الّتي عملوها في دنياهم، ونعمهم الّتي أنعمها عليهم فيها، في أبدانهم، وأجسامهم، ومطاعمهم، ومشاربهم، وملابسهم، وغير ذلك من نعمه عندهم، ومسألته إيّاهم ماذا عملوا فيها، وهل أطاعوه فيها، فانتهوا إلى أمره ونهيه في جميعها، أم عصوه فخالفوا أمره فيها؟ {وهم في غفلةٍ معرضون} يقول: وهم في الدّنيا عمّا اللّه فاعلٌ بهم من ذلك يوم القيامة، وعن دنوّ محاسبته إيّاهم منهم، واقترابه لهم في سهو وغفلةٍ، وقد أعرضوا عن ذلك، فتركوا الفكر فيه، والاستعداد له والتّأهّب، جهلاً منهم بما هم لاقوه عند ذلك من عظيم البلاء، وشديد الأهوال.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله {وهم في غفلةٍ معرضون}، جاء الأثر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر الرواية بذلك
- حدّثنا أبو موسى محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا أبو الوليد، قال: حدّثني أبو معاوية قال: أخبرنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم {وهم في غفلةٍ معرضون} قال: " في الدّنيا "). [جامع البيان: 16/221]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 1 - 15
أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون} قال: من أمر الدنيا). [الدر المنثور: 10/270]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله: {اقترب للناس حسابهم} قال: ما يوعدون). [الدر المنثور: 10/270]
تفسير قوله تعالى: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما يأتيهم من ذكرٍ من ربّهم محدثٍ إلاّ استمعوه وهم يلعبون}.
يقول تعالى ذكره: ما يحدث اللّه من تنزيل شيءٍ من هذا القرآن للنّاس ويذكّرهم به، ويعظهم، إلاّ استمعوه وهم يلعبون، لا يعتبرون به، ولا يتفقرون فى وعده ووعيده، ولكنهم يستمعونه وهم يلعبون، لاهيةً قلوبهم.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ما يأتيهم من ذكرٍ من ربّهم محدثٍ}. الآية يقول: " ما ينزل عليهم من شيءٍ من القرآن إلاّ استمعوه وهم يلعبون "). [جامع البيان: 16/222]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم} يقول: ما ينزل عليهم شيء من القرآن، وفي قوله: {لاهية قلوبهم} قال: غافلة، وفي قوله: {وأسروا النجوى الذين ظلموا} يقول: أسروا الذين ظلموا النجوى). [الدر المنثور: 10/270]
تفسير قوله تعالى: (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لاهيةً قلوبهم وأسرّوا النّجوى الّذين ظلموا هل هذا إلاّ بشرٌ مثلكم أفتأتون السّحر وأنتم تبصرون}.
يعنى تعالى ذكره بقوله: {لاهيةً قلوبهم} غافلةً، يقول: ما يستمع هؤلاء القوم الّذين وصف صفتهم هذا القرآن إلاّ وهم يلعبون، غافلةً عنه قلوبهم، لا يتدبّرون حكمه، ولا يتفكّرون فيما أودعه اللّه من الحجج عليهم.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لاهيةً قلوبهم} يقول: " غافلةً قلوبهم ".
وقوله: {وأسرّوا النّجوى الّذين ظلموا} يقول: وأسرّ هؤلاء النّاس الّذين اقتربت السّاعة منهم وهم في غفلةٍ معرضون، لاهيةً قلوبهم النّجوى بينهم، يقول: وأظهروا المناجاة بينهم فقالوا: هل هذا الّذي يزعم أنّه رسولٌ من اللّه أرسله إليكم {إلاّ بشرٌ مثلكم}؟ يقولون: هل هو إلاّ إنسانٌ مثلكم في صوركم وخلقكم؟ يعنون بذلك محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال: {الّذين ظلموا}، فوصفهم بالظّلم بفعلهم، وقيلهم الّذي أخبر به عنهم في هذه الآيات، أنّهم يفعلون ويقولون من الإعراض عن ذكر اللّه، والتّكذيب برسوله.
ول ( الّذين ) من قوله: {وأسرّوا النّجوى الّذين ظلموا} في الإعراب وجهان: الخفض على أنّه تابعٌ للنّاس في قوله: {اقترب للنّاس حسابهم} والرّفع على الرّدّ على الأسماء الّذين في قوله: {وأسرّوا النّجوى} من ذكر النّاس، كما قيل: {ثمّ عموا وصمّوا كثيرٌ منهم}. وقد يحتمل أن يكون رفعًا على الابتداء، ويكون معناه: وأسرّوا النّجوى، ثمّ قال: هم الّذين ظلموا.
وقوله: {أفتأتون السّحر وأنتم تبصرون} يقول: وأظهروا هذا القول بينهم، وهي النّجوى الّتي أسرّوها بينهم، فقال بعضهم لبعضٍ: أتقبلون السّحر وتصدّقون به، وأنتم تعلمون أنّه سحرٌ؟ يعنون بذلك القرآن.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أفتأتون السّحر وأنتم تبصرون} قال: " قاله أهل الكفر لنبيّهم، لما جاء به من عند اللّه، زعموا أنّه ساحرٌ، وأنّ ما جاء به سحرٌ، قالوا: أتأتون السّحر وأنتم تبصرون؟ "). [جامع البيان: 16/222-224]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم} يقول: ما ينزل عليهم شيء من القرآن، وفي قوله: {لاهية قلوبهم} قال: غافلة، وفي قوله: {وأسروا النجوى الذين ظلموا} يقول: أسروا الذين ظلموا النجوى). [الدر المنثور: 10/270] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وأسروا النجوى} قال: أسروا نجواهم بينهم {هل هذا إلا بشر مثلكم} يعنون محمد صلى الله عليه وسلم {أفتأتون السحر} يقولون: إن متابعة محمد صلى الله عليه وسلم متابعة السحر، وفي قوله: {قال ربي يعلم القول} قال: الغيب وفي قوله: {بل قالوا أضغاث أحلام} قال: أباطيل أحلام). [الدر المنثور: 10/270-271]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن منده وأبو نعيم في المعرفة والبيهقي في "سننه"، وابن عدي عن جندب البجلي أنه قتل ساحرا كان عند الوليد بن عقبة ثم قال: {أفتأتون السحر وأنتم تبصرون} ). [الدر المنثور: 10/271]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال ربّي يعلم القول في السّماء والأرض وهو السّميع العليم}.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {قال ربّي} فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض الكوفيّين: ( قل ربّي ) على وجه الأمر. وقرأه بعض قرّاء مكّة وعامّة قرّاء الكوفة: {قال ربّي} على وجه الخبر، وكأنّ الّذين قرءوه على وجه الأمر أرادوا من تأويله: قل يا محمّد للقائلين {أفتأتون السّحر وأنتم تبصرون}: ربّي يعلم قول كلّ قائلٍ في السّماء والأرض، لا يخفى عليه منه شيءٌ، وهو السّميع لذلك كلّه، ولما يقولون من الكذب، العليم بصدقي، وحقيقة ما أدعوكم إليه، وباطلٌ ما تقولون وغير ذلك من الأشياء كلّها. وكأنّ الّذين قرءوا ذلك {قال} على وجه الخبر أرادوا: قال محمّدٌ ربّي يعلم القول، خبرًا من اللّه عن جواب نبيّه إيّاهم.
والقول في ذلك أنّهما قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار، قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما علماءٌ من القرّاء، وجاءت بهما مصاحف المسلمين، متّفقتا المعنى، وذلك أنّ اللّه إذا أمر محمّدًا بقيل ذلك قاله، وإذا قاله فعن أمر من اللّه قاله، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب في قراءته). [جامع البيان: 16/224]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وأسروا النجوى} قال: أسروا نجواهم بينهم {هل هذا إلا بشر مثلكم} يعنون محمد صلى الله عليه وسلم {أفتأتون السحر} يقولون: إن متابعة محمد صلى الله عليه وسلم متابعة السحر، وفي قوله: {قال ربي يعلم القول} قال: الغيب وفي قوله: {بل قالوا أضغاث أحلام} قال: أباطيل أحلام). [الدر المنثور: 10/270-271] (م)