العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 10:59 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (21) إلى الآية (22) ]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)}


قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)}

قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (19- وقوله تعالى: {وأنزل من السماء ماء} و{بناء} ونحوهما كان حمزة وحده يقف {بنا} {ما} لأنها في المصحف مكتوبة بألف واحدة.
والباقون يقفون {بنآءا} من السماء ماءا} {فلما ترءا} {أنشأناهن إنشاءا} قال الشاعر:
لا تدخلن حلقك شيئا ترى = حتى تجئ خلفه الماءا
جئت من البدو أبا خالد = كيف تركت الإبل والشاءا
قال وأنشدنا ابن دريد رحمه الله لنفسه:
أبقيت لي سقما يمازج مهجتي = من ذا يلذ مع السقام بقاءا
فأما الكسائي فإنه كان يقف على قوله: {فلما ترآءى) بالياء بعد الهمزة مثل «تداعى» «وتقاضى» فمن وقف بألفين أعني على قوله: {بناءا} {وماءا} فلأنه ثلاث ألفات. والأصل في ماء: موه فقلبوا من الواو ألفًا ومن الهاء ألفا أخرى والثالثة عوض من التنوين في الوقف، وأما «بناء» فألفه الأولى مجهولة، والثانية: سنخية والثالثة: عوض من التنوين، وزنه (فعال) و«ماء» وزنه (فَعَلٌ) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/74]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:00 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (23) إلى الآية (25) ]
{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)}


قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)}

قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن بخلاف ومجاهد وطلحة بن مصرِّف وعيسى الهمداني: [وُقُودُهَا النَّاسُ].
قال أبو الفتح: هذا عندنا على حذف المضاف؛ أي: ذو وُقودِها، أو أصحاب وقودها الناس؛ وذلك أن الوُقود بالضم هو المصدر، والمصدر ليس بالناس؛ لكن قد جاء عنهم الوَقود بالفتح في المصدر؛ لقولهم: وَقَدَت النارُ وَقودًا، ومثله: أُولِعْتُ به وَلُوعًا، وهو حسن القبول منك، كله شاذ، والباب هو الضم.
وكان أبو بكر يقول في قولهم: توضأت وَضوءًا: إن هذا المفتوح ليس مصدرًا؛ وإنما هو صفة مصدر محذوف، قال: وتقديره: توضأت وُضوءًا وَضُوءًا؛ لقولك: توضأت وُضوءًا حسنًا؛ لأن الوَضوء عنده صفة من الوضاءة.
وقرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد: رجل ساكوت بَيِّن الساكوتة، فقال: قياس مذهب أبي بكر في الوَضوء أن يكون هذا على أنه أراد رجل ساكوت بَيِّن السكتة الساكوتة.
وعليه قولهم فيما حكاه الأصمعي: رجل بَيِّنُ الضارورة؛ أي: بين الضَّرة، أو المضرة الضارورة.
وأما قولهم: لص بين اللَّصوصية، وحُرٌّ بين الحروية، وخصصته بالشيء خَصوصِيَّة، فإن شئت قلت: هو على مذهب أبي بكر لص بين اللَّصة اللَّصوصية، والْخَصَّة الْخَصوصية، والْحُرِّية الْحَرورية.
وإن شئت قلت غير هذا؛ وذلك أن ما لا يجيء من الأمثلة بنفسه قد يجيء إذا اتصلت ياء الإضافة به، وذلك كقول الأعشى:
وما أَيْبُلِيٌّ على هيكل ... بناه وصلَّب فيه وصارا
[المحتسب: 1/63]
فأيبلي كما ترى فَيْعُلِيّ، ولولا ياء الإضافة لم يجز ذلك، ألا ترى أنه لم يأتِ عنهم فَيْعُل؟ وكذلك قولهم في الإضافة إلى تحبة: تَحَوِيّ، ومثاله: تَفَلِيّ. وليس في كلامهم اسم على تفل، فكذلك جاز خَصوصية وأختاها، هذا مع ما حُكي عنهم من القَبول والوَضوء والوَلُوع والوَقود، فإذا جاء هذا المثال في المصدر من غير أن تصحبه ياء الإضافة فهو بأن يأتي معهما أجدر). [المحتسب: 1/64]

قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:02 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (26) إلى الآية (29) ]

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)}

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (20- وقوله تعالى {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا}.
قرأ ابن كثير في إحدى الروايات {لا يستحي} بياء واحدة كأنه كره الجمع بينهما فألقى كسرة الأولى على الحاء وحذف الياء الأولى لسكونها وسكون الثانية، والعرب تقول: استحييت واستحيت.
وقرأ الباقون وابن كثير معهم في سائر الروايات {يستحيي} بياءين، وشاهده: {يستحيون نساءكم} وإن كان الأولى في الحياء، والثانية في الحياة والاستبقاء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/75]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة رؤبة: [مَثَلا مَا بَعُوضَةٌ] بالرفع.
قال ابن مجاهد: حكاه أبو حاتم عن أبي عبيدة عن رؤبة.
وقال أبو الفتح: وجه ذلك: أن "ما" هاهنا اسم بمنزلة الذي؛ أي: لا يستحيي أن يضرب الذي هو بعوضة مثلًا، فحذف العائد على الموصول وهو مبتدأ.
ومثله قراءة بعضهم: [تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ] أي: على الذي هو أحسن.
وحكى صاحب الكتاب عن الخليل: ما أنا بالذي قائل لك شيئًا؛ أي: الذي هو قائل لك شيئًا.
وعليه قوله:
لم أرَ مثل الفتيان في غِيَر الـ ... أيام ينسَوْن ما عواقبُها
أي: ينسون الذي هو عواقبها، وحَذْفُ الضمير من هنا ضعيف؛ لأنه ليس فضلة كالهاء في نحو قولك: ضربت الذي كلمت؛ أي: كلمته.
وإن شئت كان تقديره: ينسون أيُّ شيء عواقبها؟ فتكون ما استفهامًا، وعواقبها خبرًا عنها، والجملة في موضع نصب بينسون، وجاز فيها التعليق؛ لأنها ضد يذكرون ويعلمون، فيجري مجرى قولك: لا تنسَ أيُّنا أحق بكذا، وأَتذكُرُ أَزيدٌ أفضل أم عمرو؟). [المحتسب: 1/64]

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)}

قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (22- وقوله تعالى: {فأحياكم ثم يميتكم}.
قرأ الكسائي وحده: {فأحياكم} بالإمالة و{لا يموت فيها ولا يحييى} و{أمات وأحيا}.
وقرأ الباقون بالفتح، إلا حمزة فإنه كان يُميل إذا تقدمتها واو، ولا يميل إذا تقدمتها فاء.
فمن فتح فعلى أصل الكلمة.
ومن أمال فلأجل الياء.
فأما حمزة فإنه فرق بين الفاء والواو؛ لأن الفاء متصلة بالكلمة خطًا، والواو منفصلة، وكره الإمالة مع الفاء استثقالاً للزائد، كما قرأ: {شا أنشره} بالإمالة، وقرأ {إنشاء} بالتفخيم ولم يحفل بالواو إذ لم تكن منفصلة وليست هذه العلة بالمرضية؛ لأن الإمالة والتفخيم في اللفظ لا في الخط، والنطق بالواو والفاء سيان، فمن أمال مع الفاء وجب أن يميل مع الواو، ومن فخم مع هذا وجب أن يفخم مع هذه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/76]

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وهو بكلّ شيءٍ عليمٌ (29).
قرأ نافع وأبو عمرو والكسائي بجزم الهاء "وهو)، وحركها الباقون في كل القرآن.
قال أبو منصور: هما لغتان معروفتان، إذا اتصلت الهاء من (هو) و(هي) بواوٍ أو فاءٍ أو لام فإن كثيرا من العرب من يسكن الهاء لكثرة الحركات، ومنهم من يتركها على أصل حركتها، وكل جائز حسن.
وقاس الكسائي على الباب قوله: (ثمّ هو يوم القيامة)، وحركها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/144]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (23- وقوله تعالى: {وهو بكل شيء عليم}.
قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم وحمزة بضم الهاء، وكذلك {فهو} {ولهو}، {ثم هو}، وكذلك {فهي كالحجارة} {وهي} {لهي}، كل ذلك بالتثقيل.
وقرأ الكسائي بتخفيف ذلك كله.
وقرأ أبو عمرو كذلك إلا مع ثم، وكذلك نافع في رواية قالون، والمسيبي مثل أبي عمرو، وفي رواية ورش مثل ابن كثير، فمن ضم الهاء وثقلها فعلى أصل الكلمة؛ لأن الأصل هو قبل أن يتصل بها حرف.
ومن خففها قال: لما اتصلت الحروف بالهاء أسكنوا الهاء تخفيفًا، كما قال الله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم} بكسر اللام على الأصل و{ثم ليقضوا تفثهم} بإسكان اللام تخفيفًا {وليوفوا نذورهم}.
فأما نافع وأبو عمرو فإنهما أسكنا مع الفاء والواو لاتصالهما بالهاء، ولم يسكنا مع «ثم»؛ لأنها كلمة منفصلة قائمة بنفسها، وهذا مما يؤيد قراءة حمزة؛ لأن «ثم» هو بمنزلة الواو إذا كانا منفصلين من الكلمة خطًا لا لفظًا، وفي «هو» لغة أخرى، وليست تدخل في القراءة، غير أن الشاعر قال:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/77]
وإن لساني شهدة إن حبستها = وهو على من صبه الله علقم
ومثل هذا «لو» وأنت تريد «لو» وينشد:
* إن ليتا وإن لوا عناء *
وقال آخر:
فهي أحوى من الربعي حاذله = والعين بالإثمد الحاري مكحول). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/78]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وهو بكل شيء عليم}
وقرأ أبو عمرو ونافع في رواية إسماعيل وقالون والكسائيّ وهو بكل لهو فهي ساكنة الياء
وحجتهم أن الفاء مع هي وهو قد جعلت الكلمة بمنزلة فخذ وفخذ فاستثقلوا الكسرة والضمة فحذفوها للتّخفيف
وقرأ الباقون فهو فهي بالتثقيل على أصل الكلمة وذلك أن الهاء كانت متحركة قبل دخول هذه الحروف عليها فلمّا دخلت هذه الحروف لم تتغيّر عمّا كانت عليه من قبل). [حجة القراءات: 93]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (17- قوله: «وهي: وهو، وفهي، ولهي، وثم هو» قرأ ذلك أبو عمرو والكسائي وقالون بإسكان الهاء، حيث وقع إذا كان قبل الهاء واو أو فاء أو لام أو ثم، وقرأ الباقون بضم الهاء من «هو» وكسرها من «هي» غير أن أبا عمرو ضم الهاء في «ثم هو» كالباقين.
وعلة من أسكن الهاء أنها، لما اتصلت بما قبلها من واو أو فاء أو لام، وكانت لا تنفصل منها، صارت كلمة واحدة، فخفف الكلمة، فأسكن الوسط وشبهها بتخفيف العرب لعضد وعجز، فهو كلفظ «عضد» فخفف كما يخفف «عضد» وهي لغة مشهورة مستعملة، يقولن: عضد وعجزن فيسكنون استخفافًا، وأيضًا فإن الهاء لما توسطت مضمومة بين واوين، وبين واو وياء، ثقل ذلك، وصار كأنه ثلاث ضمات في «وهو» وكسرتان وضمة في هي، فأسكن الهاء لذلك استخفافًا.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/234]
18- وعلة من حرك الهاء أنه أبقاها على أصلها قبل دخول الحرف عليها لأنه عارض لا يلزمها في كل موضع، وأيضًا فإن الهاء في تقدير الابتداء بها، لأن الحرف الذي قبلها زاد، والابتداء فيها لا يجوز إلا مع حركتها، فحملها على حكم الابتداء بها وحكم لها، مع هذه الحروف على حالها، عند عدمهن، فأما اختصاص أبي عمرو بالضم مع «ثم هو» وبالإسكان مع الواو والفاء واللام، فإنه لما رأى الواو والفاء واللام لا يوقف عليهن، ولا ينفصلن من الهاء، أجرى الهاء مجرى الضاد من «عضد» إذ لا ينفصل من العين فأسكن، ولما رأى «ثم» تنفصل ويوقف عليها، ويبتدأ بها، أجرى الهاء مجراها في الابتداء فضمها، فأما من أسكن مع «ثم» فإنه لما كانت كلها حروف عطف، حملها محملًا واحدًا، والاختيار في ذلك حركة الهاء في جميعها لأنه الأصل، ولان ما قبل الهاء زائد، ولأن الهاء في نية الابتداء بها، ولأن عليه جماعة القراء، والإسكان لغة مشهورة حسنة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/235] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [آية/ 29]:-
وكذلك ما في القرآن من: {وَهُوَ} و{فَهُو} و{لَهُوَ} و{لَهِيَ} و{وَهِيَ} و{ثُمّ هُوَ}.
قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة ويعقوب ويل- و-ش- عن نافع بتحريك الهاء في ذلك كله.
ووجهه واضح، وهو أنه هو الأصل؛ لأن هذه الهاءات قبل دخول هذه الحروف عليها متحركة، فبقيت بعد دخولها عليها على حركتها لم تتغير كما لا تتغير باتصال غيرها من الكلم بها.
وقرأ الكسائي و-ن- عن نافع بإسكان هذه الهاءات كلها مع هذه الحروف المذكورة، وكذلك أبو عمرو إلا {ثُمّ هُوَ} في القصص.
[الموضح: 263]
ووجه الإسكان أن هذه الضمائر لما كانت على حرفٍ واحدٍ، لزمها ما دخل عليها من الواو والفاء وما كان على حرف واحد، فصار معها كحروف أنفسها، وجرى مجرى ما لم ينفصل عنها، فخففت الهاءات لذلك مع هذه الحروف فقيل: «وَهْو» و«فهو» كما قيل: سبع، و«فهي» و«لهي» كفخذ وكتف.
وأجرى الكسائي و-ن- عن نافع «ثم» مجرى الواو والفاء وما كان على حرف واحد، فخففا الهاء مع «ثم» كما يخففانها مع هذه الحروف، وجعلا المنفصل بمنزلة المتصل؛ لأن الواو والفاء واللام وإن جرت مجرى ما اتصل بالكلمة فإنها ليست من الكلمة فهي مثل ثم في ذلك.
وأما أبو عمرو فإنه فرق بين ثم وبين ما كان على حرفٍ واحدٍ كالواو والفاء؛ لأن ثم تنفرد عن الكلمة ويوقف عليها، وليست الواو والفاء كذلك، والعرب تنزل ما كان على حرفٍ واحدٍ إذا اتصل بكلمةٍ منزلة ما هو منها، ألا ترى أنهم قالوا: لعمري، فأدخلوا اللام، ثم نزلوا اللام منزلة حرف الكلمة، فقلبوا فقالوا: رعملي، كما قالوا: قسي حين قلبوه من قووس، وهذا مذهب أبي عمرو، وهو أقوى). [الموضح: 264]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:04 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة البقرة

[من الآية (30) إلى الآية (32) ]

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)}

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (إنّي أعلم ما لا تعلمون (30)
و: (إنّي أعلم غيب السّماوات والأرض).
[معاني القراءات وعللها: 1/144]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بفتح الياءين، وأرسلهما الباقون.
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: إذا كان قبل ياء الإضافة متحرك يجوز أن تسكن الياء وتحرك، وإن كان ما قبلها ساكناً حركته لا غير.
قال: فإذا استقبلها ألف ولام كقوله: (اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم) حركت الياء لئلا تسقط.
وقال الفراء في نصب الياء من (نعمتي) كل ياء كانت من المتكلم فمعها لغتان الإرسال والفتح، فإذا لقيتها ألف ولام اختارت العرب التحريك، وكرهت السكون؛ لأن اللام ساكنة فتسقط الياء عندها لسكونها، فاستقبحوا أن يقولوا: (نعمت التي) فتكون كأنها مخفوضة على غير إضافة، فأخذوا بأوثق الوجهين.
قال: وقد يجوز إسكانها
[معاني القراءات وعللها: 1/145]
عند الألف واللام، قال الله جلّ وعزّ: (يا عبادي الّذين أسرفوا) فقرئت بإرسال الياء ونصبها، وكذلك ما في القرآن مما فيه ياء ثابتة ففيه الوجهان، وما لم يكن فيه الياء لم تنصب.
وأما قوله: (فبشّر عباد (17) الّذين يستمعون)، فإن هذا بغير ياء، فلا تنصب ياؤها.
على هذا يقاس كل ما في القرآن). [معاني القراءات وعللها: 1/146] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (24- وقوله تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون}
قرأ نافع بفتح ياء الإضافة المكسورة ما قبلها كقوله {إني أعلم} و{إن أجري إلا} و{إني أريد}.
وقرأ أبو عمرو كذلك إلا عند الألف المضمومة.
فأما ابن كثير فإنه أسكن الياء مع المكسور والمضموم وفتحها مع
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/78]
المفتوح إلا في موضعين {آبائي إبراهيم} وفي نوح {دعائي إلا} فإنه فتحهما.
وأسكن الباقون كل ذلك، أعني: عاصمًا وابن عامر وحمزة والكسائي إلا في أحرف ستمر بك إن شاء الله.
فمن فتح الياء فعلى أصل الكلمة؛ وذلك أن الياء اسم المتكلم، والاسم لا يخلو من أن يكون مكنيًا أو ظاهرًا، فإذا كان ظاهرًا أعرب، وإذا كان مكنيًا بني على حركة، كالكاف في ضربك، والتاء في قمت، وكذلك الياء وجب أن تكون مبنية على حركة، والدليل على ذلك في قوله تعالى: {وما أدراك ما هيه} و{حسابيه} لأن الهاء إنما أتي بها للسكت ليتبين بها حركة ما قبلها.
وفي ياء الإضافة أربع لغات؛ فتح الياء على أصل الكلمة وإسكانها تخفيفًا. وإثبات الهاء بعد الياء، والحذف اختصارًا تقول العرب: هذا غلامي، وغلامي، وغلاميه، وغلام.
قال الشاعر:
فطرت بمنصلي في يعملات = دوامي الأيد يخبطن السريحا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/79]
أراد: الأيدي فحذف الياء اختصارًا، وليست بياء الإضافة وقال الشاعر في حذف ياء الإضافة -:
ومن كاشح ظاهر غمزه = إذا ما انتسبت له أنكرن
وقال الله تعالى: {وإياي فارهبون} و{فاتقون}، {وإذا مرضت فهو يشفين}، {ويطعمني ويسقين} بحذف الياء في ذلك كله.
فأما ابن كثير فإنه فتح الياء إذا استقبلها ألف مفتوحة، ولم يفتحها مع المضموم والمكسور استثقالاً لهما.
وأما أبو عمرو فإنه كان يفتح عند المكسور والمفتوح، ويسكن الياء مع المضموم نحو قوله: {فإني أعذبه عذابا} فقال بعض من احتج لأبي عمرو: إنما سكن؛ لأنه كره أن يخرج من كسر إلى ضم، وذلك غلط عنده؛ لأن ما قبل الياء مكسور، وليست الياء الساكنة بحاجز قوي، ولكنها إذا تحركت
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/80]
قويت فكانت حاجزًا فهو إذا أسكن فقد خرج من كسر إلى ضم، وإذا فتح لم يخرج. ونظيره قول البصريين: أُدخل، والأصل إدخل بكسر الألف، فلما كرهوا الخروج من كسر إلى ضم ضموا الألف لتتبع الضمة الضمة إذ كان الساكن بينهما ليس حاجزًا قويًا.
والحجة لأبي عمرو أنه إنما يسكن مع المضموم؛ لأن الضمة أثقل الحركات، والسكون أخف من الحركة، فأسكن الياء مع المضموم لتخف الكلمة. وما أعلم أحدًا تكلم فيه.
فأما فتح الياء في قراءة حفص في نحو: {ولي نعجة} وقراءة ابن كثير: {ولي دين}، فلأن الاسم الياء واتصلت بحرف واحد ففتحت تكثيرًا للكلمة، وكذلك تفعل العرب في نحو ولَّي ألفان لئلا تسقط الياء الالتقاء الساكنين لقلة حروف الكلمة. فأما قراءة حفص: {معي عدوا} ونحوه فإن حروف الصفات ما كان على حرفين نحو: «من» و«عن»، و«مع»، إذا أضفتهن إلى ما بعدهن أسكنت النون [في] نحو: «من«، «عن» وفتحت العين في «مع»، فقلت: من زيد، وعن زيد، ومع زيد؛ لأن العين من حروف الحلق، وحروف الحلق تفتح في الموضع الذي يسكن فيه غيرها، فلما انفتحت العين فتحوا الياء لمجاورتها العين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/81]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في تحريك الياء التي تكون اسما للمتكلم إذا انكسر ما قبلها، مثل قوله: إنّي أعلم [البقرة/ 30] وعهدي الظّالمين [البقرة/ 124]، وربّي اللّه [غافر/ 28].
فكان أبو عمرو يفتح ياء الإضافة المكسور ما قبلها عند الألف المهموزة المفتوحة والمكسورة إذا كانت متصلة باسم أو بفعل ما لم يطل الحرف.
فالخفيف إنّي أرى [الأنفال/ 48] وأجري إلّا على اللّه [يونس/ 72، وهود/ 29].
والثقيل مثل: ولا تفتنّي ألا [التوبة/ 49] ومن أنصاري إلى اللّه، وذروني أقتل موسى [غافر/ 26]، فأنظرني إلى [الحجر/ 36]، فاذكروني أذكركم [البقرة/ 152] سبيلي أدعوا [يوسف/ 108] وبين إخوتي إنّ ربّي [يوسف/ 100] وأرني أنظر [الأعراف/ 143] ويصدّقني إنّي [القصص/ 34] وما كان مثله.
قال أبو بكر، أحمد: وقد بينت آخر كل سورة ما يحرك منها ليقرب مأخذه.
قال: ولا يحرّك الياء التي ذكرت لك عند الألف
[الحجة للقراء السبعة: 1/411]
المضمومة كقوله: عذابي أصيب [الأعراف/ 156] فإنّي أعذّبه [المائدة/ 115]، إنّي أريد [المائدة/ 29] وما كان مثله.
فإذا استقبلت ياء الإضافة ألف وصل حركها، طالت الكلمة التي الياء متصلة بها أو لم تطل مثل: يا ليتني اتّخذت [الفرقان/ 27]، وما كان مثله.
وكان ابن كثير لا يستمر على قياس واحد كما فعل أبو عمرو.
قال أبو بكر، أحمد: فجعلت ما حرّك من الياءات مذكورا في آخر كل سورة.
وكان نافع يحرك ياء الإضافة المكسور ما قبلها عند الألف المكسورة والمفتوحة والمضمومة وألف الوصل إلا حروفا قد ذكرتها لك.
فمما لم يحرّك ياءه عند ألف الوصل ثلاثة أحرف في الأعراف: إنّي اصطفيتك [الآية/ 144] وفي طه: أخي اشدد [الآية/ 30، 31] وفي الفرقان: يا ليتني اتّخذت [الآية/ 27].
وروى أبو خليد عن نافع يا ليتني اتخذت محركة.
ومما ترك تحريك يائه عند الألف المقطوعة المتصلة بالفعل
[الحجة للقراء السبعة: 1/412]
المجزوم قوله فاذكروني أذكركم وأنظرني إلى، في الأعراف، والحجر [36]، وص [79] وفي مريم: فاتّبعني أهدك [43]، وفي النمل [19] والأحقاف [15]: أوزعني أن، وفي المؤمن [26]: ذروني أقتل، وادعوني أستجب [غافر/ 60]، ولا تفتنّي ألا [التوبة/ 49] وترحمني أكن [هود/ 47]، وأرني أنظر [الأعراف/ 143] يصدّقني إنّي [القصص/ 34]، آتوني أفرغ [الكهف/ 96].
وقد اختلف في بعض هذه الحروف عنه.
ومما لم يحرك ياءه عند الألف المقطوعة وهو مع فعل غير مجزوم فيما ذكر أحمد بن جماز وإسماعيل بن جعفر قوله: بعهدي أوف [البقرة/ 40] وأنّي أوفي الكيل [يوسف/ 59]، وفي ذرّيّتي إنّي [الأحقاف/ 15]،
[الحجة للقراء السبعة: 1/413]
وتدعونني إلى النّار [غافر/ 41] وأنّما تدعونني إليه [غافر/ 43].
قال أبو علي: حجة من فتح هذه الياء إذا تحرك ما قبلها أن أصل هذه الياء الحركة، لأنّها بإزاء الكاف للمخاطب فكما فتحت الكاف كذلك تفتح الياء.
فإن قلت: إنّ الحركة في حروف اللين مكروهة. قيل:
الفتحة من بينها لا تكره فيها، وإن كرهت الحركتان الأخريان، ألا ترى أن القاضي ونحوه، يحرّك بالفتح كما تحرك سائر الحروف التي لا لين فيها، أو لا ترى أنّ الياء في غواشٍ [الأعراف/ 41] ونحوها تثبت في النصب ولا تحذف كما تحذف في الوجهين الآخرين، فتجري في النصب مجرى مساجد ونحوها من الصحيح، فكذلك الياء. وإن تحرك ما قبلها يلزم أن تحرك بالفتح كما حركت الكاف بها، لأنّها قد جرت مجراها. ومجرى الحروف الصحيحة إذا تحركت بالفتح.
ومما يدل على استحقاقها التحرك بالفتح أنّها إذا سكن ما قبلها اتفقوا على تحريكها بالفتح، نحو: هذا بشراي، وغلاماي، وهذا قاضيّ، ورأيت غلاميّ، فاجتماعهم على تحريكها بالفتح في هذا النحو يدل على أن ذلك أصلها إذا تحرك ما قبلها.
ويدل على لزوم تحركها بالفتح تحريكهم النون في
[الحجة للقراء السبعة: 1/414]
فعلن، ويفعلن، وهو حرف ضمير كالياء، فكما اتفقوا على تحريك النون- وهي اسم كذلك- يلزم أن تحرّك الياء.
فإن قلت: ما تنكر أن تكون النون في فعلن إنّما حركت لالتقاء الساكنين في فعلن ويفعلن؟ ألا ترى أن ما قبلها لا يكون إلا ساكنا؟ فلما كان إسكانها يؤدي إلى التقاء الساكنين حركت لذلك، وحركة التقاء الساكنين غير معتد بها.
قيل: الذي يدلّ على أن تحريكها من حيث كانت اسما أنّها نظير الكاف، وقد حركوا تاء المخاطب والمتكلم أيضا.
فأمّا الألف في قاما، ويقومان، والواو في فعلوا، ويفعلون، فإنّما أسكنتا، لأنّ الألف إذا حركت انقلبت، والواو إذا انضم ما قبلها كره أكثر الحركات فيها، ومع ذلك فإنها جعلت في السكون مثل الألف، كما جعلت الكسرة في مسلمات بمنزلة الياء في مسلمين، ومع ذلك فما فيهما من المد قد صار عوضا فيهما من الحركة.
وحجة من أسكن أن الفتحة مع الياء قد كرهت في الكلام، كما كرهت الحركتان الأخريان فيها. ألا ترى أنّهم قد أسكنوها في الكلام في حال السعة إذا لزم تحريكها بالفتحة، كما أسكنوها إذا لزم تحريكها بالحركتين الأخريين؟ وذلك قولهم: قالي قلا، وبادي بدا، ومعد يكرب، وحيري دهر، فالياء في هذه المواضع في موضع الفتحة التي في آخر
[الحجة للقراء السبعة: 1/415]
أول الاسمين، نحو حضر موت، وبعلبكّ، وقد أسكنت كما أسكنت في الجر والرفع.
ومما يؤكد الإسكان فيها أنّها مشابهة للألف، والألف تسكن، في الأحوال الثلاث، فكما أسكنت الألف فيها كذلك تسكن الياء. والدليل على شبه الياء الألف قربها منها في المخرج، وإبدالهم إياها منها في نحو: طائيّ وحاريّ في النسب إلى: طيئ والحيرة، وقولهم: حاحيت وعاعيت.
و: لنضربن بسيفنا قفيكا فكما تسكن الألف في الأحوال الثلاث كذلك تسكن الياء فيها.
والدليل على صحة هذه الطريقة أن العرب قد فعلت ذلك بها في الكلام وحال السعة فيما أريناكه.
وأسكنوها أيضا في الشعر في موضع النصب لهذه
[الحجة للقراء السبعة: 1/416]
المشابهة، وكثر ذلك في الشعر حتى ذهب بعضهم إلى استجازته في الكلام.
فأمّا حجة أبي عمرو في فتحه الياء مما رآه خفيفا مع الهمزة، فهي أن الهمزة قد فتح لها ما لم يكن يفتح لو لم يجاور الهمزة، نحو: يقرأ، ويبرأ ولولا الهمزة لم يفتح شيء من ذلك.
فإذا فتح لها ما لا يفتح إذا لم يجاور الهمزة فأن يفتح لها ما قد يفتح مع غيرها أحرى.
والمفتوحة والمكسورة سيان في إتباع الياء لها في التحريك بالفتح، ألا ترى أنّهم قد غيروا للهمزة المكسورة الحرف الذي قبلها، فقالوا: الضئين، وصأى صئيّا، ورجل جئز، وشهد، ولم يفعلوا ذلك في رءوف، فكذلك لم تفتح الياء قبل الهمزة المضمومة في نحو عذابي أصيب، كما فتحت قبل المفتوحة والمكسورة في نحو: سبيلي أدعوا [يوسف/ 108] وإخوتي إنّ ربّي [يوسف/ 100].
فإن قلت: إن ما ذكرته من التغيير للهمزة المفتوحة
[الحجة للقراء السبعة: 1/417]
والمكسورة إنّما جاء في المتصل، نحو: يقرأ، ويبرأ، والضئين والصئي، وجئز، وما فعله أبو عمرو من فتح الياء مع المفتوحة والمكسورة منفصل.
قيل: يشبّه المنفصل بالمتصل هنا، كما شبهه به في: يا يا صالح يتنا [الأعراف/ 7] لما فعلته العرب من تشبيه المنفصل بالمتصل في مواضع كثيرة، قد ذكرنا منها أشياء في هذا الكتاب.
ومن قال إنّه إنّما فتح الياء مع الهمزة لتتبين الياء معها لأنّها خفية، كما بينوا النون مع حروف الحلق وأخفوها مع غيرها، فإنّا لا نرى أنّ أبا عمرو اعتبر هذا الذي سلكه هذا القائل، ولو كان كذلك لحرّك الياء مع الهمزة إذا كانت مضمومة، لأنّ النون تبيّن مع الهمزة، مضمومة كانت، أو مكسورة، أو مفتوحة، ومع ذلك فإنّ النون تبيّن مع سائر حروف الحلق، ولسنا نعلم أبا عمرو يفتح الياء مع سائر حروف الحلق). [الحجة للقراء السبعة: 1/418]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (بسم الله الرّحمن الرّحيم
استعنت بالله
فإن قلت: فإنّ الهمزة قد تفتح لها ما قبلها وإن كانت مضمومة نحو: يقرأ في موضع الرفع، فهلّا فتح الياء في عذابي أصيب [الأعراف/ 156] كما فتح قبل المفتوحة والمكسورة في نحو: سبيلي أدعوا [يوسف/ 108] وإخوتي إنّ ربّي [يوسف/ 100] فأقول: إنّ هذه الضمة إن كانت للإعراب، لم تكن في حكم الضمة عندهم، ألا ترى أنّهم قد قالوا نمرّ، وكتف ونحو ذلك في الرفع ورفضوا الضمة بعد الكسرة في كلامهم، فلم يجيء فيه فعل، فإذا كان كذلك، لم يلزمه أن يفتح الياء قبل الهمزة المضمومة لما ذكرت، لأنّها عندهم لمّا لم تثبت، لم تكن في حكم الضم، وأما ما رواه من ذلك غير مستخفّ، فأسكن الياء فيه، فهو حسن، وذلك أنّ هذه الياء، إذا لم تحرك، إذا كانت مع ما يستخفّ فلأن يكره حركتها مع ما لا يستخف أجدر وقد كرهوا الحركة
[الحجة للقراء السبعة: 2/5]
فيما تتوالى فيه الحركات وإن كانت للإعراب، فزعم أبو الحسن: أنّ بعضهم قال: رسلهم [إبراهيم/ 10].
ونحو هذا ما أنشده سيبويه من قوله:
إذا اعوججن قلت صاحب قوّم ونحوه قول جرير:
سيروا بني العمّ فالأهواز منزلكم... ونهر تيرى ولا تعرفكم العرب
فأمّا حدّ المستخفّ، والمستثقل، فإن جعل ما زاد على الثلاثة غير مستخفّ، كان مذهبا وإن جعل المستثقل ما توالى فيه أربع حركات كان مذهبا، لأنّك قد علمت استثقالهم له برفضهم إيّاه في الشّعر، إلّا في موضع الزّحاف، وإذا لم يستخفّ الأربعة فالخمسة أجدر بأن لا تستخفّ). [الحجة للقراء السبعة: 2/6]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال إنّي أعلم ما لا تعلمون}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو إنّي أعلم بفتح الياء وقرأ الباقون بإسكان الياء فأما من فتح الياء فعلى أصل الكلمة وذلك أن الياء اسم المتكلّم والاسم لا يخلو من أن يكون مضمرا أو مظهرا فإذا كان ظاهرا أعرب وإذا كان مضمرا بني على حركة كالكاف في ضربتك والتّاء في قمت وكذلك الياء وجب أن تكون مبنيّة على حركة لأنّها علامة إضمار وهي خلف من المعربة والدّليل على ذلك قوله وما أدراك ماهيه حسابيه لأن الهاء إنّما أتي بها للسكت لتبين بها حركة ما قبلها وأما من سكن الياء فإنّه عدل بها عن أصلها استثقالا للحركة عليها لأن الياء حرف ثقيل فإذا حرك ازداد ثقلا إلى ثقله
[حجة القراءات: 93]
وفي ياء الإضافة أربع لغات فتح الياء على أصل الكلمة وإسكانها تخفيفًا وإثبات الهاء بعد الياء والحذف تقول هذا غلامي قد جاء وغلامي وغلاميه وغلام). [حجة القراءات: 94]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {إِنِّي أَعْلَمُ} [آية/ 30]:-
بفتح الياء، قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمر.
أما ابن كثير فهكذا يفتح كل ياء إضافةٍ مكسورٍ ما قبلها عند الهمزة المفتوحة.
وأما نافع فإنه يفتحها عند كل همزةٍ، مفتوحةً كانت أم مكسورةً أم مضمومةً.
وأما أبو عمرو فانه يفتحها عند الهمزة المفتوحة والمكسورة، ولا يفتحها عند المضمومة ولا إذا طالت الكلمة، لكنه يفتحها مع كل ألف وصل.
اعلم أن أصل هذه الياء أن تكون مفتوحة؛ لأنها بإزاء كاف المخاطب، فكما أن الكاف مفتوحة، فكذلك حق هذه الياء الفتح، يدل على ذلك أنك تفتحها ألبتة إذا سكن ما قبلها نحو: غلاماي، وبشراي.
وأما فتح هذه الياء مع الهمزة، فإن الهمزة يفتح ما قبلها لمجاورتها ولا ينظر إلى حركتها أهي فتحة أم غيرها نحو: يقرأ ويبرأ، ولولا هذه الهمزة لجاءت على يفعل أو يفعل، فإذا فتح لمجاورة الهمزة ما لا يفتح إذا لم يجاورها، فلأن يفتح معها ما حقه الفتحة وإن لم يجاورها أولى، وهذا يقوي قراءة نافع.
[الموضح: 265]
وأما ابن كثير فإنه اختار فتح الياء إذا انفتحت الهمزة؛ لأنه إذا حسن انفتاح ما قبل الهمزة لأجل الهمزة المطلقة، فلأن يحسن للهمزة المفتوحة أولى.
وأما وجه قراءة أبي عمرو فهو أن الهمزة المكسورة مثل المفتوحة في أنهم غيروا الحرف الذي قبلها لأجلها نحو: صأى صئيًا ورجل جئز، فكسروا ما قبل الهمزة لحركة الهمزة، وإن كان أصله غير الكسرة، وليست كذلك الهمزة المضمومة؛ لأن الضمة في الهمزة ليست كالفتحة والكسرة في تغيير ما قبلها لأجلها، ألا ترى أنهم قالوا: رؤوف، فلم يغيروا حركة الراء المجاورة للهمزة المضمومة، كما غيروا مع الهمزة المكسورة.
فأما: يقرأ ونحوه، فإن ضمة الهمزة فيه ضمة إعراب، فهي غير لازمة فليس كرؤوف. وأما فتحة الياء مع ألف الوصل فلأنه احتاج إلى تحريك الياء لالتقاء الساكنين فرأى تحريكه بحركة الأصل وهي الفتحة أولى.
وأما تسكينه للياء إذا طالت الكلمة فهو منقاس، وذلك أنه إذا جاز أن تسكن هذه الياء في المستخف وهو ما كان على ثلاثة أحرف، فلأن تسكن في المستثقل وهو ما زاد على الثلاثة أولى.
وقرأ الباقون بإسكان الياء.
ووجهه أن الحركة على الياء تستثقل على الجملة، وإن كانت فتحة؛ لأنها وإن خفت فهي حركة في الجملة، والسكون أخف منها، ألا ترى أنهم أسكنوها حيث لزم تحريكها بالفتحة نحو: معدي كرب وقالي قلا؛ لأن
[الموضح: 266]
الفتحة تلزم في آخر الاسم الأول من الاسمين اللذين جعلا اسمًا واحدًا، كما لزمت في آخر الاسم المؤنث قبل هاء التأنيث، فلما أزيلت هذه الفتحة عن الياء وإن كانت لازمة علمنا أن الحركة وإن كانت فتحة تستثقل على حروف العلة). [الموضح: 267]

قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يزيد البربري: [وَعُلِّمَ آدَمُ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا].
[المحتسب: 1/64]
قال أبو الفتح: ينبغي أن يُعلم ما أذكره هنا؛ وذلك أن أصل وضع المفعول أن يكون فضلة وبعد الفاعل؛ كضرب زيد عمرًا، فإذا عناهم ذكر المفعول قدَّموه على الفاعل، فقالوا: ضرب عمرًا زيد، فإن ازدادت عنايتهم به قدموه على الفعل الناصبِه، فقالوا: عمرًا ضرب زيد، فإن تظاهرت العناية به عقدوه على أنه رَبُّ الجملة، وتجاوزوا به حد كونه فضلة، فقالوا: عمرو ضربه زيد، فجاءوا به مجيئًا ينافي كونه فضلة، ثم زادوه على هذه الرتبة فقالوا: عمرو ضرب زيد، فحذفوا ضميره ونَوَوه ولم ينصبوه على ظاهر أمره؛ رغبة به عن صورة الفضلة، وتحاميًا لنصبه الدال على كون غيره صاحب الجملة، ثم إنهم لم يرضوا له بهذه المنزلة حتى صاغوا الفعل له، وبنوه على أنه مخصوص به، وألغَوْا ذكر الفاعل مظهرًا أو مضمرًا، فقالوا: ضُرب عمرو، فاطُّرح ذكر الفاعل ألبتة. نعم، وأسندوا بعض الأفعال إلى المفعول دون الفاعل ألبتة، وهو قولهم: أُولعت بالشيء، ولا يقولون: أولعني له كذا، وقالوا: ثُلِجَ فؤاد الرجل، ولم يقولوا: ثَلَجَهُ كذا، وامتُقع لونه، ولم يقولوا: امتقعه كذا، ولهذا نظائر، فرفضُ الفاعل هنا ألبتة واعتماد المفعول به ألبتة دليل على ما قلناه، فاعرفه.
وأظنني سمعت: أولعني به كذا، فإن كان كذلك فما أقله أيضا!
وهذا كله يدل على شدة عنايتهم بالفضلة؛ وإنما كانت كذلك لأنها تجلو الجملة، وتجعلها تابعة المعنى لها، ألا ترى أنك إذا قلت: رغبت في زيد، أُفيد منه إيثارك له، وعنايتك به، وإذا قلت: رغبت عن زيد، أُفيد منه اطراحك له، وإعراضك عنه، ورغبت في الموضعين بلفظ واحد، والمعنى ما تراه من استحالة معنى رغبت إلى معنى زهدت، وهذا الذي دعاهم إلى تقديم الفضلات في نحو قول الله سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، وإنما موضع اللام التأخير؛ ولذلك قال سيبويه: إن الجفاة ممن لا يعلم كيف هي في المصحف يقرؤها: [وَلَمْ يَكُنْ كُفُوًا له أَحَدٌ].
فإن قلت: فقد قالوا: زيدًا ضربته فنصبوه، وإن كانوا قد أعادوا عليه ضميرًا يشغل الفعل
[المحتسب: 1/65]
بعده عنه حتى أضمروا له فعلًا ينصبه، ومع هذا فالرفع فيه أقوى وأعرب، وهذا ضد ما ذكرته من جعلهم إياه ربَّ الجملة ومبتدأها في قولهم: زيد ضربته.
قيل: هذا وإن كان على ما ذكرتَه فإن فيه غرضًا من موضع آخر؛ وذلك أنه إذا نصب على ما ذكرت فإنه لا يعدم دليل العناية به، وهو تقديمه في اللفظ منصوبًا، وهذه صورة انتصاب الفضلة مقدمة لتدل على قوة العناية به، لا سيما والفعل الناصب له لا يظهر أبدًا مع تفسيره، فصار كأن هذا الفعل الظاهر هو الذي نصبه، وكذلك يقول الكوفيون أيضًا.
فإذا ثبت بهذا كله قوة عنايتهم بالفضلة حتى ألغوا حديث الفاعل معها، وبنَوا الفعل لمفعوله فقالوا: ضُرب زيد -حَسُن.
قوله تعالى: [وَعُلِّمَ آدَمُ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا] لما كان الغرض فيه أنه قد عَرَفَها وعَلِمَها، وآنس أيضًا علم المخاطبين بأن الله سبحانه هو الذي علمه إياها بقراءة مَن قرأ: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}، ونحوه قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا}، وقوله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}، هذا مع قوله: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَق}، وقال سبحانه: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}، وقال تبارك اسمه: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}.
فقد عُلم أن الغرض بذلك في جميعه أن الإنسان مخلوق ومضعوف، وكذلك قولهم: ضُرب زيد، إنما الغرض منه أن يُعلم أنه منضرب، وليس الغرض أن يُعلم مَن الذي ضربه، فإن أُريد ذلك ولم يدل دليل عليه فلَا بُدَّ أن يذكر الفاعل فيقال: ضرب فلان زيدًا، فإن لم يفعل ذلك كلف علم الغيب). [المحتسب: 1/66]

قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (26- وقوله تعالى: {يا آدم أنبئهم}
قرأ ابن عامر وحده في إحدى الروايتين {أنبئهم} وهذا غلط؛ لأن الهاء إنما تكسر إذا تقدمتها كسرة أو ياء وقرأ الباقون {أنبئهم} وهو الصواب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/82]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:05 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة البقرة
[من الآية (33) إلى الآية (34) ]


{قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)}

قوله تعالى: {قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (إنّي أعلم ما لا تعلمون (30)
و: (إنّي أعلم غيب السّماوات والأرض).
[معاني القراءات وعللها: 1/144]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بفتح الياءين، وأرسلهما الباقون.
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: إذا كان قبل ياء الإضافة متحرك يجوز أن تسكن الياء وتحرك، وإن كان ما قبلها ساكناً حركته لا غير.
قال: فإذا استقبلها ألف ولام كقوله: (اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم) حركت الياء لئلا تسقط.
وقال الفراء في نصب الياء من (نعمتي) كل ياء كانت من المتكلم فمعها لغتان الإرسال والفتح، فإذا لقيتها ألف ولام اختارت العرب التحريك، وكرهت السكون؛ لأن اللام ساكنة فتسقط الياء عندها لسكونها، فاستقبحوا أن يقولوا: (نعمت التي) فتكون كأنها مخفوضة على غير إضافة، فأخذوا بأوثق الوجهين.
قال: وقد يجوز إسكانها
[معاني القراءات وعللها: 1/145]
عند الألف واللام، قال الله جلّ وعزّ: (يا عبادي الّذين أسرفوا) فقرئت بإرسال الياء ونصبها، وكذلك ما في القرآن مما فيه ياء ثابتة ففيه الوجهان، وما لم يكن فيه الياء لم تنصب.
وأما قوله: (فبشّر عباد (17) الّذين يستمعون)، فإن هذا بغير ياء، فلا تنصب ياؤها.
على هذا يقاس كل ما في القرآن). [معاني القراءات وعللها: 1/146] (م)
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أنبئهم)
اتفق القراء كلهم على ضم الهاء مع الهمزة.
قال أبو منصور: وإنما اتفقوا على ذلك ولم يشبهوه بـ (عليهم) و(إليهم) لأن الهمزة إذا سكنت فهي كالحرف الصحيح، والياء أخت الكسرة في (عليهم)، فأتبعوا الكسرة الكسرة.
[معاني القراءات وعللها: 1/146]
وقد روي عن ابن عامر أنه قرأ: (أنبئهم) بكسر الهاء.
وهذا غير جائز عند أهل العربية، ولكن لو قرئ: (أئبيهم) بحذف الهمزة كان جائزا في العربية، ولا يجوز في القراءة لأنه لم يقرأ به أحد). [معاني القراءات وعللها: 1/147]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (بسم الله: كلّهم قرأ: أنبئهم [البقرة/ 33] بالهمز وكذلك) روى بعض رواة المكيين عن ابن كثير أنبئهم
[الحجة للقراء السبعة: 2/6]
بكسر الهاء والهمز، قال أحمد: وهذا خطأ لا يجوز.
قال أبو علي: النبأ: الخبر، عن النّبإ العظيم [النبأ/ 2] أي: الخبر، وقالوا منه: نبأته وأنبأته. ونبّئهم عن ضيف إبراهيم [الحجر/ 51] أي: أخبرهم عن ضيفه. وضمّ الهاء، إلا ما رواه عن ابن عامر أنبئهم بكسر الهاء مع الهمز، وينبّؤا الإنسان يومئذٍ بما قدّم وأخّر [القيامة/ 13] أي يخبر به، فهذا كقوله تعالى: يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون [النور/ 24] وقال: وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا، قالوا أنطقنا اللّه الّذي أنطق كلّ شيءٍ [فصلت/ 21] وهذا كتابنا ينطق عليكم بالحقّ [الجاثية/ 29] ومن ثم قرأ من قرأ: هنالك تبلوا كلّ نفسٍ ما أسلفت [يونس/ 30] بالتاء، فهذه الآي في معنى إخبار الإنسان بأعماله، وتوقيفه عليها. وأنبئوني بأسماء هؤلاء [البقرة/ 31]. أخبروني بها، ويا آدم أنبئهم بأسمائهم [البقرة/ 33] أخبرهم، فلما كان النبأ مثل الخبر، كان أنبأته عن كذا، بمنزلة: أخبرته عنه. ونبأته عنه، مثل: خبّرته.
ونبّأته به، مثل: خبّرته به. وهذا مما يصحح ما ذهب إليه سيبويه، من أن معنى نبّئت زيدا: نبّئت عن زيد، فحذف حرف الجر، لأن نبّأت قد ثبت أن أصله خبّرت بالآي التي تلوناها، فلما حذف حرف الجرّ، وصل الفعل إلى المفعول الثاني،
[الحجة للقراء السبعة: 2/7]
فنبّأت يتعدّى إلى مفعولين، أحدهما يصل إليه بحرف جر، كما أن أخبرته عن زيد كذلك.
فأمّا المتعدي إلى ثلاثة مفعولين، نحو: نبّأت زيدا عمرا أبا فلان، فهو هذا في الأصل، إلّا أنّه حمل على المعنى، فعدّي إلى ثلاثة مفعولين وذلك أنّ الإنباء الذي هو إخبار: إعلام، فلما كان إياه في المعنى، عدّي إلى ثلاثة مفعولين، كما عدّي الإعلام إليهم، ودخول هذا المعنى فيه، وحصول مشابهته للإعلام، لم يخرجه عن الأصل الذي هو له من الإخبار، وعن أن يتعدى إلى مفعولين، أحدهما يتعدى إليه بالباء، أو بعن، نحو:
نبّئهم عن ضيف إبراهيم [الحجر/ 51] ونحو قوله: فلمّا نبّأت به [التحريم/ 3] كما أن دخول معنى أخبرني في «أرأيت» لم يخرجه عن أن يتعدى إلى مفعولين، كما كان يتعدّى إليهما، إذا لم يدخله معنى أخبرني به، إلّا أنّه امتنع من أجل ذلك أن يرفع المفعول به بعده على الحمل على المعنى، من أجل دخوله في حيّز الاستفهام، فلم يجز: «أرأيتك
زيد أبو من هو؟» كما جاز: «علمت زيد أبو من هو؟». و «رأيت زيد أبو من هو؟» حيث كان المعنى: علمت أبو من زيد فكذلك دخول معنى الإعلام في الإنباء، والتنبيء لم يخرجهما عن أصلهما وتعدّيهما إلى مفعولين، أحدهما: يصل إليه الفعل بحرف الجر، ثم يتّسع فيحذف الحرف، ويصل الفعل إلى الثاني.
[الحجة للقراء السبعة: 2/8]
فأمّا من قال: إنّ الأصل في نبّئت على خلاف ما ذكرنا، فإنّه لم يأت على ما ادعاه بحجة ولا شبهة. فأمّا قوله: نبّئ عبادي أنّي أنا الغفور الرّحيم [الحجر/ 49] فيحتمل ضربين أحدهما: أن يكون (نبّئ) بمنزلة أعلم، ويكون أنّي أنا الغفور الرّحيم قد سدّ مسدّ المفعولين، كما أنّه في قولك:
علمت أنّ زيدا منطلق، قد سدّ مسدّهما، فتكون (نبّئ) هذه المتعدية إلى ثلاثة مفعولين. ويجوز أن يكون (نبّئ) بمنزلة:
(خبّر) عبادي بأنّي، فحذف الحرف، ف (أنّ) في قول الخليل على هذا: في موضع جر، وعلى قول غيره: في موضع نصب.
فأمّا قوله: قل أأنبّئكم بخيرٍ من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ [آل عمران/ 15] فإن جعلت اللّام متعلقة (بأؤنبّئكم)، جاز الجرّ في جنات على البدل من خير، وإن جعلته صفة لخير، لأنه نكرة جاز الجرّ في جنات أيضا.
وإن جعلتها متعلقة بمحذوف، لم يجز الجرّ في جنات، وصار مرتفعا بالابتداء أو بالظرف. ولم يجز غير ذلك، لأن اللام حينئذ لا بد لها من شيء يكون خبرا عنه. فأما قوله: قد نبّأنا اللّه من أخباركم [التوبة/ 94] فلا يجوز أن تكون (من) فيه زيادة على ما يتأوّله أبو الحسن من زيادة (من) في الواجب، لأنه يحتاج إلى مفعول ثالث، ألا ترى أنه لا خلاف في أنه إذا تعدى إلى الثاني، وجب تعديه إلى المفعول الثالث، وإن قدرت تعديته إلى مفعول محذوف، كما تؤوّل قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/9]
يخرج لنا ممّا تنبت الأرض من بقلها [البقرة/ 61]- أي شيئا- لزم تعديته إلى آخر. فإن جعلت (من) زيادة، أمكن أن تضمر مفعولا ثالثا، كأنّه: نبأنا الله أخباركم مشروحة. ويجوز أن تجعل (من) ظرفا غير مستقر، وتضمر المفعول الثاني، والثالث كأنه: نبأنا الله من أخباركم ما كنتم تسرونه تنبيئا، كما أضمرت في قوله: أين شركائي الّذين كنتم تزعمون [القصص/ 62] أما قوله: ويستنبئونك أحقٌّ هو [يونس/ 53] فيكون يستنبئونك: يستخبرونك، فيقولون: أحقّ هو؟ ويكون:
يستنبئونك: يستعلمونك، والاستفهام قد سدّ مسدّ المفعولين.
ومما يتّجه على معنى الإخبار دون الإعلام، قوله:
وقال الّذين كفروا هل ندلّكم على رجلٍ ينبّئكم إذا مزّقتم كلّ ممزّقٍ [سبأ/ 7] فالمعنى: يخبركم، فيقول لكم: إذا مزّقتم، وليس على الإعلام، ألا ترى أنهم قالوا: أفترى على اللّه كذباً أم به جنّةٌ [سبأ/ 8] قال أبو علي: فأما قوله: (أنبئهم) فحجة من قرأ بضم الهاء ظاهرة، وذلك أن أصل هذا الضمير أن تكون الهاء مضمومة فيه، ألا ترى أنك تقول: ضربهم وأنبأهم، وهذا لهم. وإنما تكسر الهاء إذا وليتها كسرة أو ياء، نحو: بهم وعليهم. وهذا أيضا يضمه قوم، فلا يجانسون بكسرتها الكسرة التي قبلها، ولا الياء، ولكن يضمّونها على الأصل، نحو: بهم، وبهو، وبدارهو، وعليهم، وقد تقدم ذكر
[الحجة للقراء السبعة: 2/10]
ذلك في أول الكتاب.
فأما وجه قراءة من قرأ: «أنبئهم» فكسر الهاء، والذي قبلها همزة مخففة، فإنّ لكسره الهاء وجهين من القياس على ما سمع منهم. أحدهما: أنه أتبع كسر الهاء الكسرة التي قبلها، والحركة للإتباع قد جاء مع حجز السكون وفصله بين المتحركين، ألا ترى أنّ أبا عثمان قد حكى عن عيسى عن ابن أبي إسحاق: هذا المرء، ورأيت المرء، ومررت بالمرء. فأتبعوا مع هذا الفصل، كما أتبعوا في اللغة الأخرى: هذا امرؤ، ورأيت امرأ، وبامرئ. وكذلك: أخوك، وأخاك، وأخيك. فكذلك يكون قوله: (أنبئهم) أتبعت كسرة الهاء الكسرة التي على الباء.
ومما يثبت ذلك، أن أبا زيد قال: قال رجل من بكر بن وائل: أخذت هذا منه يا فتى، ومنهما، ومنهمي. بكسر الاسم المضمر في الإدراج والوقف. قال: وقال عنه، وقال:
لم أعرفه، ولم أضربه. بكسر كل هذا. قال أبو زيد: وقال: لم أضربهما بكسر الهاء مع الباء. ففي ما حكاه أبو زيد: ما يعلم منه أنّ الإتباع مع حجز الساكن بين الحركتين، مثله إذا توالت الحركتان، فلم يحجز بينهما شيء. ألا ترى أنه قال: منه- ومنهما- ومنهمي، فأتبع الكسر الكسر مع حجز السكون بينهما، كما أتبع في: لم أضربه، ولم أضربهما، ولم أعرفه،
[الحجة للقراء السبعة: 2/11]
وإن لم يحجز بينهما شيء؟ فكذلك قوله: (أنبئهم) أتبع الكسرة في الهاء الكسرة التي قبلها.
والوجه الآخر: أنه لم يتعدّ بالحاجز الذي بين الكسرة والهاء لسكونها، فكأن الكسرة وليت الهاء، والكسرة إذا وليت الهاء كسرت نحو: به. ويكون تركهم الاعتداد- في «أنبئهم» - بالسكون كتركهم الاعتداد به في قولهم: هو ابن عمّي دنيا، وقنية، ألا ترى أنه من الدنوّ، وقالوا: قنوة. فكما قلبت الواو ياء في عارية ومحنية، لانكسار ما قبلهما، كذلك قلبوها مع حجز الساكن في دنيا. فإذا رأيتهم لم يعتدّوا بالحاجز إذا كان ساكنا، كذلك يجوز أن لا يعتدّ به حاجزا في قراءة ابن عامر، وما روي عن ابن كثير.
ولو ترك تارك الهمز في: (أنبئهم) فقال: (أنبيهم) لكان لكسر الهاء وجهان.
أحدهما: أنه لما خفف الهمزة لسكونها وانكسار ما قبلها فقلبها ياء كذيب وميرة أشبهت الياء التي هي غير منقلبة عن الهمزة، فكسر الهاء بعدها، كما تكسر «هم» بعد:
(ترميهم) و (يهديهم). ويقوي ذلك أن منهم من أدغم الواو الساكنة
[الحجة للقراء السبعة: 2/12]
المنقلبة عن الهمزة في الياء، كما تدغم الواو التي ليست منقلبة، وذلك في قولهم: ريّا، وريّة.
ويقوّي ذلك إيقاعهم الألف المنقلبة عن الهمزة ردفا، كإيقاعهم المنقلبة عن الياء أو الواو، وذلك قوله:
على رال كما تقول: على بال. والوجه أن لا تكسر الهاء على هذا المذهب، كما أن الوجه أن لا تدغم.
والوجه الآخر: أن تقلب الهمزة إلى الياء قلبا. وهذا وإن كان سيبويه لا يجيزه إلا في الشعر، فإن أبا زيد يرويه عن قوم من العرب. وإذا اتّجهت له هذه الوجوه لم ينبغ أن
يخطّأ، وإن أمكن أن يقال إن غيره أبين وجها منه وأظهر.
فأما آدم: فقال بعض أهل اللغة: إن الآدم من الإبل
[الحجة للقراء السبعة: 2/13]
والظباء: الأبيض، وما سوى ذلك، فالآدم الذي ليس بأبيض على ما يتكلم به الناس فيقولون: رجل آدم للذي ليس بأبيض، ورجل أسمر، وهو أصفى من الآدم. قال: ولا تقول العرب للرجل: أبيض، من اللون، إنما يقولون: أحمر،
قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بعثت إلى الأسود والأحمر»
وإنما الأبيض: البعيد من الدّنس النقي، قال: ويقال: ظبي آدم- وظبية أدماء- وبعير آدم- وناقة أدماء- للأبيضين.
قال أبو الحسن: (أنبئهم بأسمائهم) الهاء مضمومة إذا همزت، وبها نقرأ، لأن الهاء لا يكسرها إلا ياء، أو كسرة، ومن العرب من يهمز ويكسر، وهي قراءة، وهي رديئة في القياس فإذا خفّفت الهمزة فكسر الهاء أمثل شيئا لشبهها بالياء). [الحجة للقراء السبعة: 2/14]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن رحمه الله: [أَنْبِهِمْ] بوزن أَعْطِهِم، ورُوي عنه: [أَنبيهُمُ] بلا همز، ورُوي عن ابن عامر: [أَنْبِئْهِم] بهمز وكسر الهاء. قال ابن مجاهد: وهذا لا يحوز.
قال أبو الفتح: أما قراءة الحسن: [أَنْبِهِمْ] كأعطهم، فعلى إبدال الهمزة ياء على أنه يقول: أَنْبَيْتُ كأَعْطَيْتُ، وهذا ضعيف في اللغة؛ لأنه بدل لا تخفيف، والبدل عندنا لا يجوز إلا في ضرورة الشعر.
[المحتسب: 1/66]
وحدثنا أبو علي قال: لقي أبو زيد سيبويه فقال: سمعت العرب تقول: قَرَيْتُ وتوضيت، فقال له سيبويه: فكيف تقول في المضارع؟ قال: أَقرأُ. هذا آخر الحكاية عن أبي علي.
وزاد أبو العباس محمد بن يزيد فيها: فقال له سيبويه: فقد تركت إذن مذهبك.
ونحوه قراءة: [أن تَبَوَّيَا].
ويجوز على هذه القراءة [أَنْبِهُم] على أصل حركة الهاء وهو الضم؛ كقراءة مَن قرأ: [فخسفنا بِهُو وبدارِهُو الأرض].
وأما قراءته على الرواية الأخرى: [أَنبيهُم] فهو على قياس التخفيف الصريح، ولك في هذه الهاء على هذه القراءة الضم والكسر.
أما الضم فمن وجهين:
أحدهما: وهو الأظهر؛ إخراجها على الأصل فيه.
والآخر: وفيه الصنعة؛ وهو أن هذه الياء ليست بلازمة؛ وإنما اجتلبها تخفيف الهمزة؛ وذلك أن الهمزة إذا سكنت مكسورًا ما قبلها فتخفيفها القياسي أن تخلصها في اللفظ ياء، وذلك قولك في ذئب: ذيب، وفي بئر: بير، فقوله: [أَنبِيهم] بياء ساكنة ينبغي أن يكون على التخفيف القياسي، لا على أنه أبدل الهمزة ياء إبدالًا مستكرهًا على حد قولهم في البدل: قريب كأعطيت، فإنما كان ذلك كذلك من قِبَل أنه لو أَبدل لكان قد أَخرج الهمزة على أصلها إلى ذوات الياء، ولو كان فعل ذلك لوجب حذفه كما تحذف لام: أَعطيت وأَغزيت للوقف والجزم، كما حذفها في القراءة الأخرى لما أبدل فقال: [أَنْبِهِمْ]، ولو اعتقد أنه قد أبدل ألبتة لما جاز إثبات الياء في موضع الوقف، كما لا يجوز: أَعطيهم ولا أَغزيهم، إلا أن يحمل ذلك على الضرورة، وإثبات الياء في موضع الجزم والوقف؛ كقوله:
ألم يأْتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبونُ بني زياد
[المحتسب: 1/67]
فإن فعل ذلك ففيه على هذا ضرورتان:
إحداهما: الإبدال، ولا ضرورة إليه.
والآخر: إثبات حرف العلة في موضع الوقف، وذلك ضرورة أفحش من الأولى؛ لكثرة الإبدال على قبحه، وقلة إثبات حرف اللين في موضع الوقف؛ لكن إذا اعتقد أنه خُفف لم يكن في هذه القراءة ضرورة ألبتة، وفي هذا كافٍ.
وإذا كان [أَنبيهِم] إنما هو على التخفيف القياسي، فكأن الهمزة حاضرة لأنها هي الأصل؛ إذ كان التخفيف له أحكام التحقيق، ألا ترى إلى صحة الواو والياء في تخفيف ضوء وفيء؛ وذلك قولك: هذا ضَوٌ وفَيٌ ونَوٌ وشَيٌ، بضمة الواو والياء مع تحركهما وانفتاح ما قبلهما، وترك قبلهما ألفين لذلك يدل على أن الواو والياء لما تحركتا بحركة الهمزة المحذوفة للتخفيف كانتا لذلك في حكم الساكنين، فكما تصحان هنا سكانتين في ضوء ونوء وفيء وشيء، كذلك صحتا متحركتين في ضَوٍ ونَوٍ وشَيٍ، وعلى ذلك صحت الواو والياء أيضًا في تخفيف نحو: جَيْئَل وحَوْءَب إذا خَففت فقلت: جَيَل وحَوَب، فكما تكون الياء مضمومة مع التحقيق في قوله: {أَنْبِئْهُم}، فكذلك تكون مضمومة مع التخفيف في قولك: [أَنبيهُم]؛ لما بيناه من أن حكم الهمزة المخففة حكم المحققة.
وسألت أبا علي -رحمه الله- فقلت: من أجرى غير اللازم مجرى اللازم فقال: في تخفيف الأحمر: لَحْمر، أيجوز له على هذا أن يقلب الواو والياء في حَوَب وجَيَل ألفًا، فيقول: حاب وجال؟ فقال: لا، وأومأ إلى أن حكم القلب أقوى من حكم الاعتداد بالحركة في لَحمر؛ أي: فلا يبلغ في الجواز ذلك لشناعته، وهو كما ذكر.
وقد يجوز عندي في قراءة الحسن -رحمه الله- هذه أن يكون أراد [أَنبهم] كقراءته في الأخرى، إلا أنه أشبع الكسرة فأنشأ عنها ياء، فقال: [أَنْبِيهم]، كما قد يجوز ذلك في قوله: [أَلَم يَأْتِيَك]؛ فإنه أشبع الكسرة فمطها، فبلغت ياء، وعليه الرواية
[المحتسب: 1/68]
الأخرى التي ذكرها أبو الحسن وهي قوله: [أَلَمْ يَأْتِك]، وعليه أيضًا ما وجه بعضهم قوله:
كأن لم ترا قبلي أسيرًا يمانيا
قال: أراد لم ترَ، ثم أشبع الفتحة فأنشا عنها ألفًا.
فإذا جاز ذلك ساغ الضم في الهاء أيضًا على أصل ضمتها.
فإن قلت: فهل يجوز أن تقول: إنه لم يعتدد بالياء لما كانت زائدة مجتلبة للإشباع، فجرت لذلك مجرى ما ليس موجودًا، كما أن من مد "أوائل" إتباعًا كما ترى، على حد قوله:
نفي الدنانير تنقادُ الصياريف
قال على هذا: أَوائيل، أقر الهمزة بحالها بدلًا من واو أواول؛ لبعدها من الطرف بالياء الحاجزة؛ لأن هذه الياء لَحَقٌ ونَيِّفٌ مجتلبة للإشباع، وليست لها عصمة ولا مُسكة، فجرت مجرى المنفردة ألبتة، كما يهمز فيقول: أوائل، فكذلك يهمز، فتقول: أوائيل، ولا يحفل بالياء حاجزًا لما ذكرنا، ولا يجرى عندي مجرى ياء طواويس ونواويس؛ إذ كانت الياء هناك ثابتة القدم؛ لكونها بدلًا من واو ناووس وطاووس الثانية؟
فالجواب: أنه إن ذهب إلى هذا على ما رمته كسر الهاء أيضًا؛ وذلك أن أقصى ما في
[المحتسب: 1/69]
هذا أن تكون الياء في [أنبيهم] مدة إشباعًا لا حكم لها، فكأنها ليست هناك، وإذا لم تكن هناك كسرة الياء -وهي تدعو إلى كسر الهاء- فعلى أي الوجهين حملته، فكسر الهاء هو الكلام.
وأما حديث كسرها من القسمة الأولى -وأنت تنوي بأنبيهم التخفيف القياسي- فهو على معاملة اللفظ؛ وذلك أن الملفوظ به الآن وإن كان تخفيفًا إنما هو الياء ألبتة، فعومل لفظها معاملة نحوه ونظيره، فكُسِرَت الهاء مع هذه الياء كما تكسر في نحو: عليهم وإليهم، كما أن قول الله عز وجل: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ} أصله: لكن أنا، فخففت الهمزة وألقيت حركتها على النون فانفتحت، فصارت في التقدير: [لكنَنَا]، فلما التقى الحرفان المثلان متحركين كُره ذلك، وإن كانت حركة النون الأولى غير لازمة من حيث كانت من أعراض التخفيف، وأجريت مجرى اللازمة، فأُسكنت الأولى وأدغمت في الثانية؛ حملًا على حاضر الحال وإجراء غير اللازم مجرى اللازم.
وقد كتبنا في الخصائص بابًا مفردًا في إجراء العرب غير اللازم مجرى اللازم، وإجراء اللازم مجرى غير اللازم، فاكتفينا به عن إعادته؛ لئلا يطول هذا الكتاب.
نعم، وإذا كانت العرب قد أجرت الحرف الصحيح في نحو هذا مجرى ما لا يعتد به حتى لم يحفلوا بلفظ، نحو قولهم: منهِم واضربهِم، فأن يجروا الياء الساكنة مجرى ذلك لخفائها، ولأن لفظها نفسها داعٍ إلى الكسر -أجدر.
وأما الرواية عن ابن عامر: [أَنبئهِم] بالهمز وكسر الهاء، فطريقه أن هذه الهمزة ساكنة، والساكن ليس بحاجز حصين عندهم، فكأنه لا همزة هناك أصلًا، وكأن كسرة الباء على هذا مجاورة للهاء، فلذلك كسرت فكأنه على هذا قال: [أَنبهِم].
ويدل على ما ذكرناه من ضعف الساكن أن يكون حاجزًا حصينًا قولهم: قِنْيَة، وهي وهي من قَنَوْت، وصِبْيَة وهي من صَبَوْت، وعِلْية وهي من عَلَوْت، وعِذْي وهو من قولهم: أَرَضُون عَذَوات، وبِلْيُ سفر لقولهم في معناه: بِلْوُ، وهو من بلوت، ومنه ناقة عِلْيَان وهي من علوت، ودَبَّة مهيار وهو من تهور، وفلان قِدْيَة في هذا الأمر وهو من القِدْوة، وأصله
[المحتسب: 1/70]
كله: قِنْوُ، وصِبْوة، وعِلْوة، وعِذْوُ، وبِلْو سفر، وناقة عِلْوان، ودَبة مِهْوَار، فقلبت الواو في ذلك كله للكسرة قبلها، ولم يعتدد الساكن بينهما حاجزًا لضعفه، فكأن الكسرة تباشر الواو فتقلبها لذلك ياء، كما تقلبها لو لم تجد بينهما حاجزًا، فكذلك الهمزة في [أَنْبِئهِم] لا تحجز على هذا النحو الذي ذكرناه.
وروينا عن أبي زيد فيما أخذناه عن أبي علي، وعن غير أبي زيد: منهِم ومنهِ ومنكِم وبِكِم، وأجرى كاف المضمر مجرى هائه، وسترى هذا فيما بعد إن شاء الله.
فقد علمت بذلك أن قول ابن مجاهد: هذا لا يجوز لأوجه له؛ لما شرحناه من حاله.
ورحم الله أبا بكر؛ فإنه لم يأْلُ فيما علمه نصحًا، ولا يلزمه أن يُرِي غيره ما لم يُره الله تعالى إياه، وسبحان قاسم الأرزاق بين عباده، وإياه نسأل عصمة وتوفيقًا وسدادًا بفضله). [المحتسب: 1/71]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {أَنْبِئْهُمْ} [آية/ 33]:-
بالهمز وضم الهاء، اتفق القراء عليه كلهم إلا ابن عامر فانه قرأ «أنبئهم» بالهمز وكسر الهاء.
أما وجه قراءة الجمهور، فهو أن أصل هذه الهاء الضم كما قدمناه قبل، وإنما تكسر لكسرة أو ياءٍ تقع قبلها، وليس قبلها هنا كسرة ولا ياء، فلا نظر في وجوب ضمة الهاء.
وأما وجه قراءة ابن عامر بكسر الهاء مع تحقيق الهمزة قبلها فهو أنه أتبع كسرة الهاء كسرة الباء في «أنبئهم»، وإن حجز الهمز الساكن بينهما؛ لأن حركة الإتباع قد جاءت مع حجز السكون بين الحركتين، نحو ما روي من قولهم: المرء والمرء والمرء، بإتباع حركة الميم حركة الإعراب، وما روى أبو زيد عن العرب: أخذت هذا منه، بكسر الهاء إتباعًا لكسرة الميم،
[الموضح: 267]
ويجوز أن يكون أجرى هذه الهاء مجرى ما تليه الكسرة نحو: بهم، ولم يعتد بالحاجز لسكونه، كما قلبوا الواو ياءً في قولهم: ابن عمي دنيا، لكسرة الدال ولم يعتدوا بالنون حاجزًا لسكونه، فكأن الكسرة تلي الواو؛ لأن الأصل: دنوًا). [الموضح: 268]

قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي جعفر يزيد: [لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا].
قال أبو الفتح: هذا ضعيف عندنا جدًّا؛ وذلك أن "الملائكة" في موضع جر، فالتاء إذن مكسورة، ويجب أن تسقط ضمة الهمزة من "اسجدوا" لسقوط الهمزة أصلًا إذا كانت وصلًا، وهذا إنما يجوز ونحوه إذا كان ما قبل الهمزة حرف ساكن صحيح، نحو قوله عز وجل: [وَقَالَتُ اخْرُج]، وادخلُ ادخلُ، فضُم لالتقاء الساكنين لتخرج من ضمة إلى ضمة، كما كنت تخرج منها إليها في قولك: اخرج.
فأما ما قبل همزته هذه متحرك -ولا سيما حركة إعراب- فلا وجه لأن تحذف حركته ويحرك بالضم، ألا تراك لا تقول: قل للرجلُ ادخُل، ولا: قل للمراةُ ادخُلي؛ لأن حركة الإعراب لا تُستهلك لحركة الإتباع إلا على لغة ضعيفة، وهي قراءة بعض البادية: [الْحَمْدِ لِلَّه] بكسر الدال، ونحو منه ما حكاه لي أبو علي: أن أبا عبيدة حكاه من قول بعضهم: دعه في حِرُمِّه، فحذف كسرة راء "حر"، وألقى عليها ضمة همزة أمه، وهذا عندنا على شذوذه أعذر من قوله: [لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا]؛ وذلك أنه خفف همزة تثبت في الوصل وهو قولك: في هنِ أمه، فإذا كانت تثبت في الوصل جاز تخفيفها فيه؛ بل لا يكون التخفيف بإلقاء الهمزة ونقل الحركة إلا في الوصل، وليس فيه إلا شيء واحد؛ وهو حذفه حركة الإعراب لحركة غير ملازمة؛ وإنما هي للهمزة.
[المحتسب: 1/71]
وأما قوله: [لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا] فإن همزة "اسجدوا" يحذفها في الواصل ألبتة، وإذا كانت محذوفة ألبتة لم يكن إلى تخفيفها سبيل؛ لأن الوصل يستهلكها أصلًا، فحركة ماذا -يا ليت شعري! - تنقل وقد حُذف المتحرك بحركته أصلًا فلم يبقَ إلا الإتباع، وحركة الإتباع لا تبلغ مبلغ حركة تخفيف الهمز؛ من حيث كانت حركة الهمزة موجودة فيها في الابتداء والوصل جميعًا، فعلمت بذلك قوتها، وحركة الإتباع تجري مجرى الصدى الذي لا اعتداد به، ولا هو عندهم مما يعقد على مثله، فإذا ضعفت الحركة القوية فما ظنك بالحركة الضعيفة؟
ونحو من هذه الحكاية عن أبي عبيدة: مارواه أحمد بن يحيى: قال: كنا عند سعيد بن سَلْم أنا وابن الأعرابي فخرجا لصلاة العصر، وتأخَّرت لتجديد الطهر بعدهما، فلما خرجتُ قال لي ابن الأعرابي: أين أنت؟ ألا تسمع لهذا؟ قلت: ما هو؟ وإذا أبو سَرَّار الغنوي يتحدث، قال:
كنت أحضر العراق فإذا أردت أهلي وقد اشتريت منها وتبتَّتُّ أجتاز بامرأة عجوز لها بنيَّات، فإذا نزلت عليها بَهَشْن إلَيَّ وأَطَفْن بِي، فأَفرز لهن مما اشتريت شيئًا أدفعه إليهن، فغبرت زمانًا، ثم جئت العجوز فوجدتها غائبة عن بيتها، وإذا أولئك الجواري قد صرن نساء، فبهشن إليَّ على عادتهن، وجاءت العجوز فوجدَتني خاليًا معهن، فقالت: ما هذا؟ أفي السَّوَتَنْتُنَّه؟ أفي السوتنتنه؟ فقلت: وما في هذا؟ أردات: أفي السوءة أنتنه؟ فحذفت الهمزة من السوءة تخفيفًا، وألقت حركتها على الواو فانفتحت الواو، وألقت حركة الهمزة في أنتنه على كسرة التاء من السوءة فانفتحت، وحذفت همزة أنتنه فصارت: أفي السوتنتنه؟
هكذا قال أحمد بن يحيى على كسرة التاء، وله وجه، إلا أنه مع هذا ضعيف؛ وذلك أن هذه الهمزة إذا خففت فحذفت، وألقيت حركتها على ما قبلها، لم يكن ذلك الذي قبلها إلا ساكنًا، نحو قوله تعالى في قراءة ورش عن نافع: [قَدَ افْلَحَ الْمُومِنُونَ]، [وَالَارْض].
وحكى أبو زيد في خُبَأَة: انه سمع بعضهم يقرأ: [ويمسك السماء أن تقع عَلَّرضِ]، يريد: على
[المحتسب: 1/72]
الأرض، فحُذفت همزة أرض تخفيفًا، وأُلقي حركتها على اللام وهي ساكنة كما ترى، فصارت عَلَلَرض، فكره اجتماع اللامين متحركتين، فأسكن اللام الأولى وأدغمها في الثانية فصارت [علَّرض]، كما أسكن أبو عمرو: [لَكنَ نَا] حتى صار لذلك "لكنَّا"، فهذا التحفيف مع النقل إنما يكون إذا كان الأول الملقي عليه ساكنًا، فأما إذا كان متحركًا فقد حَمَتْه حركته أن يَقبل حركة أخرى غيرها.
والتاء من السوءة محركة، فكيف يمكن إلقاء الحركة عليها مع وجود حركتها فيها؟ وعليه قراءة الكسائي فيما حدثنا به أبو علي سنة إحدى وأربعين: [بما أُنزلَّيك] قياسًا -فيما قال أبو علي- على لكنَّا.
قال أبو علي ما نحن عليه ونعى هذه القراءة، وقال لحركة لام أُنزل: فإذا قبح ذلك مع أن حركة اللام بناء، فما الظن بما حركته إعراب، وحرمة الإعراب أقوى من حرمة البناء، فالجناية إذن عليها فوقها عليها.
وقول أحمد بن يحيى: إنه ألقى فتحة أَنْتُنه على كسرة الهاء، طريقه: أنه لما نقل فتحة همزة أنتن إلى ما قبلها صادفت كسرة السوءة على شناعة النقل مع ذلك، فهجمت الفتحة على الكسرة فابتزَّتها موضعَها، وكلا القولين خبيث وضعيف، وعلى أننا قد أفردنا في كتاب الخصائص بابًا لهجوم الحركات على الحركات، مختلفات كن أو متفقات؛ لكنه ليس على هذا الذي كرهناه واستضعفناه.
فهذا كله يشهد بضعف قوله: [قُلْنَا لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا]. وفيه أكثر من هذا، ولولا تحامي الإملال لجئنا به، وفيما أوردناه كافٍ مما حذفناه). [المحتسب: 1/73]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:31 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (35) إلى الآية (39) ]

{وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)}


قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قال عباس: سألت أبا عمرو عن [الشِّجَرة] فكرهها، وقال: يقرأ بها برابر مكة وسودانها.
[المحتسب: 1/73]
وقال هارون الأعور عن بعض العرب: تقول الشِّجرة، وقال ابن أبي إسحاق: لغة بني سُليم الشِّجرة.
قال أبو الفتح: حكى أبو الفضل الرياشي قال: كنا عند أبي زيد وعندنا أعرابي فقلت له: إنه يقول الشِّيَرَة، فسأله فقالها، فقالت له: سله عن تصغيرها، فسأله فقال: شُيَيْرَة.
وأنشد الأصمعي لبعض الرجاز في أرجوزة طويلة:
تحسبه بين الإكام شِيَرة
وإذا كانت الياء فاشية في هذا الحرف -كما ترى- فيجب أن تجعل أصلًا يساوق الجيم، ولا تُجعل بدلًا من الجيم، كما تجعل الجيم بدلًا من الياء في قولهم: رجل فُقَيْمِج؛ أي: فُقَيْمِي، وعَربَانِج؛ أي: عَرَبَانِيّ، وقوله:
حتى إذا ما أمسجت وأمسجا
يريد أمست وأمسى. قال أبو علي: هذا يدلك على أن ما حذف لالتقاء الساكنين في حكم الحاضر الملفوظ به. قال: ألا ترى أنه أبدل من لام أمسيت بعد أن قدرها ملفوظًا بها، ولو كان الحذف ثابتًا هنا لما جاز أن يبدل من اللام شيء؛ لأن البدل إنما هو من ملفوظ به، كما أن البدل ملفوظ به.
قال: وليست كذلك لام عَشِيَّة إذا حقرتها فقلت: عُشيَّة؛ لأن الياء الثانية من عُشَيِّية لم تحذف لالتقاء الساكنين؛ لأنه لا ساكنين هناك، وإنما حذفت حذفًا للتخفيف؛ فلذلك سقط
[المحتسب: 1/74]
قول أبي العباس في تحقير العرب عَشِيَّة على عُشَيْشِيَة؛ لأن الياء لم تثبت هنا فتبدل منها.
وقال أبو الحسن: إن قومًا يقولون في تحقير فَعلية من الياء: إن المحذوف منها الياء الثانية، فعلى هذا قال أبو علي ما قال.
ومما أبدلت فيه الجيم من الياء قوله -ورويناه عن غير وجه:
خالي عُوَيف وأبو عَلِجِّ ... المطعمان اللحمَ بالعَشجِّ
وبالغدواة فلق البَرْنِجِّ ... يُقْلَع بالوَد وبالصِّيصِجِّ
وروينا أيضًا قوله:
يا رب إن كنتَ قلبت حِجَّتِج ... فلا يزال شاحج يأتيك بِج
[المحتسب: 1/75]
قال أبو النجم:
كأن في أذنابهن الشُّوَّلِ ... من عبس الصيف قرون الإجَّل
يريد: الإيَّل.
فقد يجوز أن تكون الجيم في شِجرَة بدلًا من الياء في شيرة لفشو شيرة، وقلة شِجرة). [المحتسب: 1/76]

قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فأزلّهما الشّيطان)
قرأ حمزة وحده: (فأزالهما) بألف مع التخفيف.
وسائر القراء قرأوا: (فأزلّهما) بالتشديد بغير ألف.
قال أبو منصور: من قرأ: (فأزالهما) فهو من زال يزول، ومعناه: فنحّاهما.
ومن قرأ: (فأزلّهما) فهو من زللت أزلّ، وأزلني غيري، ولزللت وجهان: يصلح أن يكون الخطيئة، فأزلهما الشيطان، أي: كسبهما الزلة.
ويصلح أن يكون (فأزلّهما) أي: نحاهما.
وكلتا القراءتين جيدة حسنة، قال ذلك أبو إسحاق الزجاج، والله أعلم بما أراد). [معاني القراءات وعللها: 1/147]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (25- وقوله تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها}
قرأ حمزة وحده: {فأزالهما}.
وقرأ الباقون: {فأزلهما} فحجة من قرأ {فأزلهما} أنه جعل من الزلل في
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/81]
الدين، ومن ذلك قولهم: «زلة العالم»، ومن قرأ {فأزالهما} أي: أزالهما عن مكانهما من الجنة، ومعنى قوله {فأزلهما الشيطان} أي: زلاهما بقبولهما من الشيطان، كما تقول: تعلم زيد من عمرو كلمة أهلكته، وإنما معناه: هلك هو بقبولها منه.
فأما رواية أبي عبيد عن حمزة {فأزالهما} بالإمالة فإنه غلط على حمزة؛ لأن من شرط حمزة أن يميل من نحو هذا ما كانت فاء الفعل مكسورة إذا ردها المتكلم إلى نفسه نحو: خاف وخفت، وضاق وضقت، وزال وزلت، {وأما فأزالهما} فإنك تقول: أزلت، فالزاي مفتوحة كما قرأ: {فلما زاغوا} بالإمالة {أزاغ الله} بالفتح). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/82]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: فأزلّهما الشّيطان عنها [البقرة/ 36].
فقرأ حمزة وحده: فأزالهما بألف خفيفة، وقرأ الباقون: فأزلّهما مشدّدا بغير ألف.
قال أبو بكر أحمد: وروى أبو عبيد: أنّ حمزة قرأ:
فأزالهما بالإمالة، وهذا غلط.
بسم الله: حجة حمزة في قراءته (فأزالهما الشيطان
[الحجة للقراء السبعة: 2/14]
عنها) أن قوله: يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها [البقرة/ 35] تأويله: أثبتا فثبتا، فأزالهما الشيطان، فقابل الثبات بالزوال، الذي هو خلافه. ومثل ذلك قوله تعالى:
فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق [الشعراء/ 63] تأويله: فضرب فانفلق، ومثله: فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففديةٌ [البقرة/ 196] أي:
فحلق، فعليه فدية. ونسب الفعل إلى الشيطان، لأن زوالهما عنها إنما كان بتزيينه ووسوسته، وتسويله، فلما كان ذلك منه سبب زوالهما عنها أسند الفعل إليه. ومثل هذا قوله تعالى:
وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى [الأنفال/ 17] فالرمي
كان للنبي صلّى الله عليه وسلم حيث رمى فقال: «شاهت الوجوه»
إلا أنه لما كان بقوة الله وإرادته نسب إليه. ومما يقوي قراءته قوله تعالى:
فأخرجهما ممّا كانا فيه [البقرة/ 36] فقوله: فأخرجهما في المعنى قريب من أزالهما، ألا ترى أن إخراجه إياهما منها، إزالة منه لهما عما كانا فيه. فإن قال قائل: ما ننكر أن يكون فاعل أخرجهما، لا يكون ضمير الشيطان ولكن المصدر الذي ذكر فعله كقولهم: من كذب كان شرّا له، فالدّلالة على أن فاعله ضمير الشيطان، قوله في الأخرى: يا بني آدم لا يفتننّكم الشّيطان كما أخرج أبويكم من الجنّة [الأعراف/ 27].
[الحجة للقراء السبعة: 2/15]
ففاعل أخرجهما: الشيطان، كما بيّن ذلك في هذه.
ويقوي قراءته أيضا تأويل من تأوّل أن: فأزلّهما من زلّ، الذي هو عثر، ألا ترى أن ذلك قريب من الإزالة في المعنى.
فإن قال قائل: فإنه إذا قرأ: فأزالهما كان قوله بعد:
فأخرجهما تكريرا، فالقراءة الأخرى أرجح، لأنها لا تكون على التكرير، قيل: إن قوله: أخرجهما، ليس بتكرير لا فائدة فيه، ألا ترى أنه قد يجوز أن يزيلهما عن مواضعهما، ولا يخرجهما مما كانا فيه من الدعة والرفاهية، وإذا كان كذلك لم يكن تكريرا غير مفيد. وعلى أن التكرير في مثل هذا الموضع لتفخيم القصّة وتعظيمها بألفاظ مختلفة ليس بمكروه ولا مجتنب، بل هو مستحبّ مستعمل، كقول القائل: أزلت نعمته، وأخرجته من ملكه، وغلّظت عقوبته. وقالوا: زال عن موضعه وأزلته، وفي التنزيل: إنّ اللّه يمسك السّماوات والأرض أن تزولا [فاطر/ 41]. وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال [إبراهيم/ 46] وقال الهذليّ:
فأزال خالصها بأبيض ناصح... من ماء ألهاب بهنّ التّألب
[الحجة للقراء السبعة: 2/16]
فهذا على ضربين أحدهما: أن يريد: أزال خلوص خالصها بماء أبيض شاب هذه العسل به، فحذف المضاف. أو يكون وضع خالصها موضع خلوصها، كقولهم: العاقبة والعافية، وقوله:
ولا خارجا من فيّ زور كلام في قول من جعل «لا أشتم» جوابا للقسم. والخالص من الماء: الأبيض الصافي، فاستعاره للعسل، لأنهم يصفونها بالبياض في نحو:
وما ضرب بيضاء يأوي مليكها وأنشد السّكّريّ للعجاج:
من خالص الماء وما قد طحلبا حجة من قرأ فأزلّهما الشّيطان [البقرة/ 36] أن أزلّهما يحتمل تأويلين، أحدهما: كسبهما الزّلّة. والآخر: أن يكون أزلّ من زلّ الذي يراد به: عثر. فالدّلالة على الوجه الأول ما جاء في التنزيل من تزيينه لهما تناول ما حظر عليهما جنسه،
[الحجة للقراء السبعة: 2/17]
بقوله: ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة [الأعراف/ 20] إلى قوله: لمن النّاصحين وقوله: فوسوس لهما الشّيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما [الأعراف/ 20].
وقد نسب كسب الإنسان الزلّة إلى الشيطان في قوله تعالى:
إنّما استزلّهم الشّيطان ببعض ما كسبوا [آل عمران/ 55] واستزلّ وأزلّ كقولهم: استجاب وأجاب، واستخلف لأهله وأخلف، فكما أنّ استزلّهم من الزّلّة، والمعنى فيه كسبهم الشيطان الزّلّة، كذلك قوله تعالى: فأزلّهما الشّيطان والوجه الآخر أن يكون فأزلّهما من: زل عن المكان، إذا عثر فلم يثبت عليه، ويدل على هذا قوله تعالى:
فأخرجهما ممّا كانا فيه [البقرة/ 36] فكما أن خروجه عن الموضع الذي هو فيه انتقال منه إلى غيره، كذلك عثاره فيه وزليله.
فأما قوله تعالى: فإن زللتم من بعدما جاءتكم البيّنات فاعلموا [البقرة/ 209] فيحتمل وجهين، أحدهما: زللتم من الزّلة، كأن المعنى: فإن صرتم ذوي زلّة، ويجوز أن يراد به العثار، فشبّه المعنى بالعين، فاستعمل الذي هو العثار، والمراد به: الخطأ، وخلاف الصواب.
ومن هذا الباب قول ابن مقبل:
[الحجة للقراء السبعة: 2/18]
يكاد ينشقّ عنه سلخ كاهله... زلّ العثار وثبت الوعث والغدر
السّلخ: مصدر سلخته سلخا، إلا أنه أريد به في هذا المكان المسلوخ، ألا ترى أن المنشقّ إنما يكون الإهاب دون الحدث. وقوله: زلّ العثار، أي: زلّ عند العثار، يريد أنه لفطنته يزل عن الموضع الذي يعثر فيه فلا يعثر، ويكون المصدر في هذا الموضع يراد به المفعول كأنه: المكان المعثور فيه، ومثل ذلك قوله:
على حتّ البراية...
أي: عند البراية.
وقول النابغة:
رابي المجسّة...
أي: عند المجسّة.
[الحجة للقراء السبعة: 2/19]
ومثله: بضّة المتجرّد أي: عند المتجرّد، أي: التجريد.
ومثله للبيد:
صائب الجذمة أي: صائب عند الجذمة، يقول: هو قاصد عند القطع، ومثله قول أوس:
كشف اللّقاء أي: عنده.
فأما قوله: زلّ، فإنه صفة، ككهل، وغيل، وفسل، مما يدلّك على ذلك مقابلته بثبت الذي هو خلافه.
والغدر فيما فسّر عن أبي عمرو في أكثر ظني: مكان متعاد.
والوعث: السهل الذي تسوخ فيه أخفاف الإبل، والمعنى في:
ثبت الوعث، أي: ثبت عند الوعث كما كان في المعنى في:
زلّ العثار، أي: زلّ عند العثار، وإذا كان الغدر هذا الذي فسر،
[الحجة للقراء السبعة: 2/20]
فما أنشده أبو زيد:
يخبطن بالأيدي مكانا ذا غدر تقديره: مكانا غدرا. وتأويل إدخال قوله: «ذا» فيه أنه يوصف بهذا، كأنه قال: مكانا صاحب هذا الوصف. ومن هذا الباب قولهم: «من أزلّت إليه نعمة فليشكرها» كأنه زلّت النعمة إليه، أي: تعدّت. وأزللتها أنا إليه، عدّيتها، كما أنّ قوله:
قام إلى منزعة زلخ فزل معناه: تعدّى من مكانه إلى مكان آخر. وكذلك قوله:
وإنّي وإن صدّت لمثن وقائل... عليها بما كانت إلينا أزلّت
تقديره: أزلّته، ليعود الضمير إلى الموصول.
[الحجة للقراء السبعة: 2/21]
وأما الشيطان فهو فيعال من شطن مثل البيطار، والغيداق.
وليس بفعلان من قوله:
وقد يشيط على أرماحنا البطل ألا ترى أن سيبويه حكى: شيطنته فتشيطن، فلو كان من يشيط لكان شيطنته فعلنته، وفي أنّا لا نعلم هذا الوزن جاء في كلامهم ما يدلك أنه: فيعلته، مثل بيطرته، ومثل هينم، وفي قول أمية أيضا دلالة عليه، وهو قوله:
أيّما شاطن عصاه عكاه... ثم يلقى في السّجن والأكبال
فكما أنّ شاطن فاعل، والنون لام، كذلك شيطان فيعال.
ولا يكون فعلان من يشيط. فإن قلت: فقد أنشد الكسائيّ أو غيره:
[الحجة للقراء السبعة: 2/22]
وقد منّت الخذواء منّا عليهم... وشيطان إذ يدعوهم ويثوّب
ففي ترك صرف شيطان دلالة على أنه مثل: سعدان وحمدان. قيل: لا دلالة في ترك صرف شيطان على ما ذكرت، ألا ترى أنه يجوز أن يكون قبيلة، ويجوز أن يكون اسم مؤنّث؟
فلا يلزم صرفها لذلك، لا لأنّ النون زائدة). [الحجة للقراء السبعة: 2/23]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأزلهما الشّيطان عنها فأخرجهما ممّا كانا فيه}
قرأ حمزة (فأزالهما الشّيطان عنها) بالألف أي نحاهما عن الحال الّتي كانا عليها من قول القائل أزال فلان فلانا عن موضعه إذا نحاه عنه وزال هو وحجته قوله {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة} أي اثبتا فثبتا فأزالهما الشّيطان فقابل الثّبات بالزوال الّذي هو خلافه وممّا يقوي قراءته قوله {فأخرجهما ممّا كانا فيه} فإخراجهما في المعنى قريب من إزالتهما
وقرأ الباقون فأزلهما من زللت وأزلني غيري أي أوقعهما في الزلل وهو أن يزل الإنسان عن الصّواب إلى الخطأ والزلة وحجتهم قوله إنّما استزلهم الشّيطان ونسب الفعل إلى الشّيطان لأنّهما زلا بإغواء الشّيطان إيّاهما فصار كأنّه أزلهما). [حجة القراءات: 94]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (19- قوله: {فأزلهما} قرأ حمزة بألف مخففة، وقرأه الباقون بغير ألف مشددًا.
وعلة من قرأ بالألف أنه جعله من الزوال، وهو التنحية، واتبع في ذلك مطابقة معنى ما قبله على الضد، وذلك أنه قال تعالى ذكره لآدم: {اسكن أنت وزوجك الجنة} «35» فأمرها بالثبات في الجنة، وضد الثبات الزوال، فسعى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/235]
إبليس اللعين فأزالهما بالمعصية عن المكان الذي أمرهما الله بالثبات فيه مع الطاعة، فكان الزوال به أليق، لما ذكرنا، وأيضًا فإنه مطابق لما بعده في المعنى لأن بعده {فأخرجهما مما كانا فيه} والخروج عن المكان هو الزوال عنه، فلفظ الخروج عن الجنة يدل على الزوال عنها، وبذلك قرأ الحسن والأعرج وطلحة.
20- وعلة من قرأ بغير ألف الإجماع في قولهم: {إنما استزلهم الشيطان} «آل عمران 155»، أي: أكسبهم الزلة، فليس للشيطان قدرة على زوال أحد من مكان إلى مكان، إنما قدرته على إدخال الإنسان في الزلل، فيكون ذلك سببًا إلى زواله من مكان إلى مكان بذنبه، ويقوي ذلك أنه قال في موضع آخر: {فوسوس لهما الشيطان} «الأعراف 20»، والوسوسة إنما هي إدخالهما في الزلل بالمعصية، وليست الوسوسة بإزالة منه لهما من مكان إلى مكان، إنما هي تزين فعل المعصية، وهي الزلة لا الزوال، وايضًا فإنه قد يحتمل أن يكون معنى «فأزلهما» من: زل عن المكان، إذا تنحى عنه، فيكون في المعنى كقراءة من قرأ بألف من الزوال، والاختيار القراءة بغير ألف، لما ذكرنا من العلة، ولأنه قد يكون بمعنى «فأزالهما» فيتفق معنى القراءتين، ولأنه إجماع من القراء غير حمزة، ولأنه مروي عن ابن عباس، وبه قرأ أبو جعفر يزيد وشيبة، وأبو عبد الرحمن السلمي وقتادة ومجاهد وابن أبي إسحاق، وهي قراءة أهل المدينة، وأهل مكة، وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد، قال أبو عبيد من قرأ بغير ألف ذهب إلى الزلل في الدين كقوله: {فتزل قدم بعد ثبوتها} «النحل 94» ومن خفف أراد إزالتهما عن موضعهما). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/236]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ} [آية/ 36]:-
بالألف، قرأها حمزة وحده.
ووجه قراءته هذه أنه عز وجل قال أمام ذلك {يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ}، وتأويل ذلك: أثبتا في الجنة فثبتا فأزالهما الشيطان، فحصل في ذلك مقابلة الثبات بالزوال الذي هو خلافه؛ لأن الثبات في المكان استقرار فيه، والزوال مفارقة عنه، ويقوي ذلك قوله تعالى: {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}؛ لأن الإخراج قريب المعنى من الإزالة.
وقرأ الباقون {فَاَزَلَّهمَا} مشددة اللام من غير ألف.
فيجوز أن يكون المراد كسبهما الزلة، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا}، وأزل واستزل واحد، كأجاب
[الموضح: 268]
واستجاب.
ويجوز أن يكون {أَزَلَّهما} من قولهم: زل عن المكان إذا عثر عنه فلم يثبت عليه، فيكون حينئذٍ قريبًا في المعنى من أزالهما وأخرجهما؛ لأن الزلول عن الموضع انتقال عنه كالخروج). [الموضح: 269]

قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ).
اتفق القراء على هذه القراءة، إلا ما روي عن ابن كثير أنه قرأ: (فتلقّى آدم من ربّه كلماتٌ).
[معاني القراءات وعللها: 1/147]
قال أبو منصور: والقراءة برفع (آدم) ونصب (كلمات)؛ لأن آدم تعلم الكلمات من ربه، فقيل: تلقى الكلمات.
والعرب تقول: تلقيت هذا من فلان.
معناه: أن فهمي قبله من لفظه.
والذي قرأ به ابن كثير جائز في العربية، لأن ما تلقيته فقد تلقاك.
والقراءة الجيدة ما عليه العامة). [معاني القراءات وعللها: 1/148]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (27- وقوله تعالى: {فتلقى ءادم من ربه كلمات}.
قرأ ابن كثير، {فتلقى ءادم} بالنصب {كلمت} بالرفع، جعل الفعل للكلمات.
وقرأ الباقون {ءادم من ربه كلمات} بالنصب وإنما كسرت التاء، لأنها غير الأصلية، فمن جعل الفعل لآدم فحجته أن الله تعالى علم آدم الكلمات وأمره بهن فقبلها آدم وتلقاها.
وأخبرنا ابن دريد رحمه الله عليه قال: حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/82]
قال: تلا أبو مهدي يوما آية فقال: تلقيتها عن عمرو، تلقاها عن أبيه تلقاها عن أبي هريرة، تلقاها عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، أي: أخذها وقبلها.
فأما ابن كثير فإنه جعل الفعل للكلمات؛ لأن كل من لقيته فقد لقيك، وكل من استقبلته فقد استقبلك، وفي ذلك قراءة ابن مسعود: {لا ينال عهدي الظالمون}، لأن العهد لما نال الظالمين، نال الظالمون العهد، وينشد:
قد سالم الحيات منه القدما
الأفعوان والشجاع الشجعما
لأن القدم لما سالمت الحيات سالمت الحيات القدم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/83]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ [البقرة/ 37].
في رفع الاسم ونصب الكلمات، ونصب الاسم ورفع الكلمات. فقرأ ابن كثير وحده: فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ بنصب الاسم ورفع الكلمات. وقرأ الباقون: فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ برفع الاسم ونصب الكلمات.
قال أبو علي: قالوا: لقي زيد خيرا، فتعدى الفعل إلى مفعول واحد، وفي التنزيل: فإذا لقيتم الّذين كفروا [الأنفال/ 15] وفيه إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا اللّه [الأنفال/ 45] ولقد لقينا من سفرنا هذا نصباً [الكهف/ 62] فإذا ضعّفت العين منه، تعدى إلى مفعولين،
[الحجة للقراء السبعة: 2/23]
فقلت: لقّيت زيدا خيرا، فيصير الاسم الذي كان الفاعل المفعول الأول، قال: ولقّاهم نضرةً وسروراً [الدهر/ 11] وليس تضعيف العين هنا، على حدّ فرّح وأفرحته، وخرّج وخرّجته وأخرجته، ألا ترى أنك إذا قلت: ألقيت كذا، فليس بمنقول من لقيته، كأشربته من شربته يدل على أنه ليس بمنقول منه، أنه لو كان كذلك لتعدى إلى مفعولين، كما تعدى لقّيت، فلما لم يتعدّ إلى الثاني إلا بحرف الجر نحو ألقيت بعض متاعك بعضه على بعض، علمت أنه استئناف بناء على حدة، وليست الهمزة همزة نقل كالتي في قولك:
ضربت زيدا، أو: أضربته إياه، وشربت الماء وأشربته الماء، فجعلوا ألقيته بمنزلة طرحته، في تعدّيه إلى مفعول واحد. فأما مصدر لقيت، فقال أبو زيد: لقيته لقية واحدة في التلاقي والقتال، ولقيته لقاء ولقيانا ولقاة.
فأمّا قوله: إنّ الّذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدّنيا [يونس/ 7] أي: بدلا من الآخرة كما قال: أرضيتم بالحياة الدّنيا من الآخرة [التوبة/ 38] ومعنى من الآخرة أي:
بدلا منها، كما قال: ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكةً في الأرض يخلفون [الزخرف/ 60] أي: بدلا منكم، ومثل هذا قوله: إن يشأ يذهبكم أيّها النّاس ويأت بآخرين
[الحجة للقراء السبعة: 2/24]
[النساء/ 133] وقوله: إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرّيّة قومٍ آخرين [الأنعام/ 134].
وقال الراعي:
أخذوا المخاض من الفصيل غلبة... ظلما ويكتب للأمير أفيلا
وقال آخر:
كسوناها من الرّيط اليماني... ملاء في بنائقها فضول
أي: بدلا من الريط.
ويكون قوله: لا يرجون لقاءنا [يونس/ 7]. أي: لا يخافون ذلك، لأنهم لا يؤمنون بها، فلا يوجلون منها كما يوجل المؤمنون المصدقون بها، المعنيون بقوله: إنّما أنت منذر من يخشاها [النازعات/ 45] وقال: وهم من السّاعة مشفقون [الأنبياء/ 49] فيكون الرجاء هنا الخوف كما قال:
... لا ترجون للّه وقاراً [نوح/ 13] وكما قال:
إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها
[الحجة للقراء السبعة: 2/25]
وقد يكون لا يرجون الرجاء الذي خلافه اليأس، كما قال: قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفّار من أصحاب القبور [الممتحنة/ 13] أي: من الآخرة، فحذف من الآخرة لتقدم ذكرها كما قال: يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات [إبراهيم/ 48] فحذف المتأخّر لدلالة ما تقدم عليه، ويجوز أن تكون: كما يئس الكفار من حشر أصحاب القبور.
ومن ذلك قوله: وقال الّذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربّنا [الفرقان/ 21] وقال: قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه [الأنعام/ 31] فالمعنى والله أعلم:
بالبعث، كما قال: بل كانوا لا يرجون نشوراً [الفرقان/ 40] ويقوي ذلك حتّى إذا جاءتهم السّاعة بغتةً [الأنعام/ 31] وعلى هذا قوله: بل هم بلقاء ربّهم كافرون [السجدة/ 10].
فأما قوله: تحيّتهم يوم يلقونه سلامٌ [الأحزاب/ 44] فالمعنى: يوم يلقون ثوابه، فهم خلاف من وصف بقوله:
فسوف يلقون غيًّا [مريم/ 59] وقوله: واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم ملاقوه [البقرة/ 223] أي: ملاقون جزاءه، إن ثوابا وإن عقابا. وقوله: الّذين يظنّون أنّهم ملاقوا ربّهم [البقرة/ 46] أي ملاقو ثواب ربّهم، خلاف من وصف بقوله: لا يقدرون على شيءٍ ممّا كسبوا [البقرة/ 264] وقوله: حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً [النور/ 39]
[الحجة للقراء السبعة: 2/26]
ونحو ذلك مما يدل على إحباط الثّواب وأنهم إليه راجعون، أي: يصدّقون بالبعث ولا يكذبون به، كما حكي عن المنكرين له في نحو: أإذا متنا وكنّا تراباً وعظاماً أإنّا لمبعوثون [الواقعة/ 47] ونحو قولهم فيه: إن هذا إلّا أساطير الأوّلين [الأنعام/ 25].
والظنّ هاهنا العلم، وكذلك قول المؤمن: إنّي ظننت أنّي ملاقٍ حسابيه [الحاقة/ 20] فأما الآية الأولى التي هي قوله:
الّذين يظنّون أنّهم ملاقوا ربّهم [البقرة/ 46] أي: ثوابه، فقد يجوز أن لا يكون منهم القطع على ذلك والحتم به، بدلالة قول إبراهيم: والّذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدّين [الشعراء/ 82] فأما قوله: إنّي ظننت أنّي ملاقٍ حسابيه [الحاقة/ 20] فلا يكون إلا على العلم والتيقّن، لأن صحة الإيمان إنما يكون بالقطع على ذلك والتّيقّن به والشاكّ فيه لا إيمان له.
ويقال: لقيته ولاقيته، فمن لاقيت قوله: واعلموا أنّكم ملاقوه [البقرة/ 223] والّذين يظنّون أنّهم ملاقوا ربّهم [البقرة/ 46] وقال: تحيّتهم يوم يلقونه سلامٌ [الأحزاب/ 44] ولو كان يلاقونه كقوله: أنّكم ملاقوه [البقرة/ 223] كان حسنا، وقال: وإذا لقوا الّذين آمنوا
[الحجة للقراء السبعة: 2/27]
[البقرة/ 14] وقال:
يا نفس صبرا كلّ حيّ لاق كأنه: لاق منيّته وأجله.
وقال آخر:
فلاقى ابن أنثى يبتغي مثل ما ابتغى... من القوم مسقيّ السّمام حدائده
وقال:
وكان وإيّاها كحرّان لم يفق... عن الماء إذ لاقاه حتّى تقدّدا
وأما قوله: ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مريةٍ من لقائه [السجدة/ 23] فيكون على إضافة المصدر إلى المفعول، مثل: بسؤال نعجتك [ص/ 24] وهم من بعد غلبهم
[الحجة للقراء السبعة: 2/28]
[الروم/ 3] لأن الضمير للرّوم وهم المغلوبون كأنه: لمّا قيل:
فخذها بقوّةٍ [الأعراف/ 145] أي بجد واجتهاد، أعلمنا أنه أخذ بما أمر به، وتلقاه بالقبول، فالمعنى: من لقاء موسى الكتاب، فأضيف المصدر إلى ضمير الكتاب، وفي ذلك مدح له على امتثاله ما أمر به، وتنبيه على الأخذ بمثل هذا الفعل كقوله: اتّبع ما أوحي إليك من ربّك [الأنعام/ 106] وفإذا قرأناه فاتّبع قرآنه [القيامة/ 18] ويجوز أن يكون الضمير لموسى، والمفعول به محذوف، كقوله: إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم [فاطر/ 14] فالدعاء مضاف إلى الفاعل، والمفعولون محذوفون. ومثل ذلك في إضافة المصدر إلى الفاعل، وحذف المفعول به قوله: لمقت اللّه أكبر من مقتكم أنفسكم [المؤمن/ 10] وهذا على قياس من قرأ: فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ لأن موسى هو اللاقي، كما أن آدم هو المتلقّي.
ويجوز أن يكون الضمير لموسى في قوله: من لقائه ويكون الفاعل محذوفا، والمعنى من لقائك موسى، ويكون ذلك في الحشر والاجتماع للبعث، أو في الجنة، فيكون كقوله: فلا يصدّنّك عنها من لا يؤمن بها [طه/ 16] فأما قوله: لينذر يوم التّلاق [المؤمن/ 15] فإنه يكون يوم تلاقي الظالم والمظلوم، والجائر والعادل، وتلاقي الأمم مع شهدائها كقوله: ونزعنا من كلّ أمّةٍ شهيداً [القصص/ 75] ومثل يوم التلاقي قوله: يوم يجمعكم ليوم الجمع [التغابن/ 9] وقوله: ليجمعنّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه [النساء/ 87]. ونحو ذلك من الآي.
وقوله: ويوم تقوم السّاعة يومئذٍ يتفرّقون [الروم/ 14]، فإن
[الحجة للقراء السبعة: 2/29]
هذا التفرق بعد الاجتماع والتلاقي الذي أضيف اليوم إليهما، وذلك بعد الأخذ للمظلوم من الظالم، وقد بيّن هذا بقوله:
فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير [الشورى/ 7] فأما قوله:
يوم يفرّ المرء من أخيه، وأمّه وأبيه [عبس/ 34، 35] وقد قال: يوم الجمع ويوم التّلاق، فليس يراد بالفرار المضاف إليه اليوم الشّراد ولا النّفار، وأنت قد تقول لمن تكلّم: فررت مما لزمك، لا تريد بذلك بعادا في المحل.
وتقدير يوم يفرّ المرء من أخيه: يوم يفر المرء من موالاة أخيه، أو من نصرته. كما كانوا، أو من مساءلة أخيه لاهتمامه بشأنه، فالفرار من موالاته يدل عليه قوله: إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا [البقرة/ 166] وأما الفرار من نصرته على حد ما كانوا يتناصرون في الدنيا، فيدل عليه قوله:
يوم لا يغني مولًى عن مولًى شيئاً ولا هم ينصرون إلّا من رحم اللّه [الدخان/ 41، 42] والمسألة يدل عليها قوله: ولا يسئل حميمٌ حميماً [المعارج/ 10].
وقد روي أنّ بعضهم قرأ: يوم التّناد [المؤمن/ 32] وكأنه اعتبر يوم يفرّ المرء من أخيه، فجعل التنادّ تفاعلا من ندّ البعير: إذا شرد ونفر، وليس ذلك بالوجه، ألا ترى أنه ليس يسهل أن تقول: نددت من ما لزمك، ولا ناددت منه، كما تقول: فررت منه؟ ونرى سيبويه يستعمل في هذا المعنى فرّ كثيرا، ولا يستعمل ندّ، فليس هذا الاعتبار إذا بالوجه. وأما
[الحجة للقراء السبعة: 2/30]
التنادي الذي عليه الكثرة والجمهور، فإنه يدل عليه قوله: يوم يدع الدّاع إلى شيءٍ نكرٍ [القمر/ 6] وقوله: يوم ندعوا كلّ أناسٍ بإمامهم [الإسراء/ 71] ويوم يدعوكم فتستجيبون بحمده [الاسراء/ 52]. فالتنادي أشبه بهذه الآي. ألا ترى أن الدعاء والنداء يتقاربان به، إذ نادى ربّه نداءً خفيًّا [مريم/ 3] فنادته الملائكة [آل عمران/ 39] وقال: فدعا ربّه أنّي مغلوبٌ [القمر/ 10] فقد استعمل كلّ واحد من النداء والدعاء في موضع الآخر، وليس التنادّ والفرار كذلك.
وأما قوله: (كلمات) فالكلمات: جمع كلمة، والكلمة:
اسم الجنس، لوقوعها على الكثير من ذلك والقليل، قالوا:
قال امرؤ القيس في كلمته، يعنون قصيدته، وقال قسّ في كلمته، يعنون خطبته. وقال ابن الأعرابي: يقال: لفلان كلمة شاعرة، أي: قصيدة. وقد قيل لكل واحد من الكلم الثلاث:
كلمة، فالكلمة كأنها اسم الجنس، لتناولها الكثير والقليل.
كما أن الليل لما كان كذلك وقع على الكثير منه أو القليل، فالكثير نحو قوله: وجعلنا اللّيل لباساً [النبأ/ 10] ومن رحمته جعل لكم اللّيل والنّهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله [القصص/ 73] ومن ثمّ جعله سيبويه في جواب كم، إذا قيل: سير عليه الليل والنهار.
وأما وقوعه على القليل وما هو دون ليلة فنحو قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/31]
وإنّكم لتمرّون عليهم مصبحين وباللّيل [الصافات/ 137 - 138].
فكذلك الكلمة قد وقعت على القليل والكثير. فأما وقوعها على الكثير فنحو ما قدمناه، وأما وقوعها على القليل، فإنّ سيبويه قد أوقعها على الاسم المفرد، والفعل المفرد، والحرف المفرد. فأما الكلام: فإن سيبويه قد استعمله فيما كان مؤلّفا من هذه الكلم، فقال: لو قلت: إن يضرب يأتينا، لم يكن كلاما، وقال أيضا: إنما يحكى: فقلت ونحوه، ما كان كلاما، لا قولا. فأوقع الكلام على المتألّف، وعلى هذا الذي استعمله جاء التنزيل، قال تعالى: سيقول المخلّفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتّبعكم يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه قل لن تتّبعونا [الفتح/ 15] فالكلام المذكور هنا والله أعلم يعنى به قوله: فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدوًّا [التوبة/ 83] ألا ترى قوله: كذلكم قال اللّه من قبل [الفتح/ 15]. والكلمات المذكورة في قوله: فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ [البقرة/ 37] فيما فسّر هي قولهما: ربّنا ظلمنا أنفسنا الآية [الأعراف/ 22]. وسئل بعض سلف المسلمين عما يقوله المذنب، فقال: يقول ما قال أبوه:
ظلمنا أنفسنا وما قاله موسى: قال ربّ إنّي ظلمت نفسي [القصص/ 16] وما قاله يونس: لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين [الأنبياء/ 87]
[الحجة للقراء السبعة: 2/32]
وما قالته الملكة: إنّي ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان [النمل/ 44] وأما الكلمات في قوله تعالى: وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ [البقرة/ 124] فالمراد بها انقياده لأشياء امتحن بها وأخذت عليه، منها: الكوكب، والشمس، والقمر، والهجرة، في قوله: إنّي مهاجرٌ إلى ربّي [العنكبوت/ 26] والختان، وعزمه على ذبح ابنه، فالمعنى: وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بإقامة كلمات [أو بتوفية كلمات، والتقدير ذوي كلمات] أي: يعبّر بها عن هذه الأشياء المسمّيات وعلى هذا وصف في قوله: وإبراهيم الّذي وفّى [النجم/ 37].
فإن قلت: فهل يجوز أن يكون الكلم المتكلّم به، كما أنّ الصيد هو المصيد، والضرب المضروب، والنسخ المنسوخ؟ فالقول: إنّ هذا إنما جاء في المصادر، وليس قولهم الكلم بمصدر. فإن قلت: فقد أجرى قوم من العلماء ما كان من بناء المصدر مجرى المصدر، واستشهدوا على ذلك بأشياء، منها قولهم:
وبعد عطائك المائة الرّتاعا
[الحجة للقراء السبعة: 2/33]
فالقول: إنا لم نعلم لهم نصّا على ذلك. ومما ينبغي أن يحمل فيه الكلمات على الشرع كقوله: وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ قوله: وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه [التحريم/ 12] فالكلمات والله أعلم تكون: الشرائع التي شرعت لها دون القول، لأن ذلك قد استغرقه قوله تعالى: وكتبه فكأن المعنى صدّقت بالشرائع فأخذت بها وصدّقت بالكتب فلم تكذّب بها. ومما يحمل من الكلم على أنّه قول، قوله تعالى: إنّما المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم [النساء/ 171] فهذا- والله أعلم- يعني به.
قوله: خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون [آل عمران/ 59] أي: قال من أجل خلقه: كن، فيكون، فسمّي كلمة لحدوثه عند قول ذلك.
وقوله: وتمّت كلمت ربّك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا [الأعراف/ 137] هي- والله أعلم- قوله: ونريد أن نمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّةً الآية [القصص/ 5] وقوله: وتمّت كلمة ربّك صدقاً وعدلًا لا مبدّل لكلماته [الأنعام/ 115] وهو كقوله: ما يبدّل القول لديّ [ق/ 29] أي: لا خلف فيه ولا تبديل له، والكلمات تقديرها: ذوي الكلمات أي ما عبر عنه بها من وعد ووعيد، وثواب وعقاب. وقوله: وألزمهم كلمة التّقوى
[الحجة للقراء السبعة: 2/34]
[الفتح/ 26] [حدثنا يوسف بن يعقوب الأزرق بإسناده] عن مجاهد، قال: لا إله إلا الله. وقد يجوز أن تكون كلمة التقوى: شرائعه، التي أمروا بالأخذ لها والتمسك بها. وأما قوله: واللّه أعلم بأعدائكم وكفى باللّه وليًّا وكفى باللّه نصيراً من الّذين هادوا يحرّفون الكلم عن مواضعه [النساء/ 45 - 46].
فسألني أحد شيوخنا عنه، فأجبت بأنّ التقدير: وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا، فقوله: من الّذين هادوا متعلق بالنّصرة، كقوله: فمن ينصرنا من بأس اللّه إن جاءنا [المؤمن/ 29] أي: من يمنعنا؟ فيكون: يحرّفون الكلم- على هذا- حالا من الذين هادوا، تقديره: وكفى بالله مانعا لهم منكم محرّفين الكلم. وأكثر الناس فيما علمت يذهبون إلى أن المعنى: من الذين هادوا يحرّفون الكلم، أي: فريق يحرفون الكلم، فحذف الموصوف، وأقيمت الصفة مقامه، كقوله: ومن آياته يريكم البرق [الروم/ 24] أي:
أنه يريكم فيها البرق، أو يريكموها البرق، وهذا أشبه لقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/35]
ومن الّذين هادوا سمّاعون للكذب سمّاعون لقومٍ آخرين لم يأتوك، يحرّفون الكلم [المائدة/ 41] فكما أن يحرفون في هذه الآية صفة لقوله: سمّاعون كأنه قال: ومن الذين هادوا فريق سمّاعون للكذب، أي: يسمعون ليكذبوا فيما يسمعونه منه، ويحرّفونه عنه، سمّاعون لقوم آخرين لم يأتوك، يحرفون الكلم.
فكما أن يحرفون هنا، صفة لقوله: سمّاعون، كذلك يكون في الآية الأخرى. فإن قلت: فلم لا يكون حالا من الضمير الذي في قوله: لم يأتوك؟ فإن ذلك ليس بالسهل في المعنى، ألا ترى أن المعنى: ومن الذين هادوا فريق يسمعون من النبي صلّى الله عليه وسلّم، ليكذبوا فيما يسمعونه، ويحرفون بكذبهم فيه، فإذا كان كذلك لم يكن حالا من الضمير الذي في: لم يأتوك، لأنهم إذا لم يأتوا لم يسمعوا فيحرفوا، فإذا كان كذلك، كان وصفا ولم يكن حالا، وتكون، يحرفون: على قياس ما قلناه، في قوله: وكفى باللّه نصيراً، من الّذين هادوا يحرّفون [النساء/ 45 - 46] حالا من الضمير الذي في اسم الفاعل، كأنه: سمّاعون محرفين للكلم، أي: مقدرين تحريفه، كقوله: معه صقر صائدا به غدا. وهدياً بالغ الكعبة [المائدة/ 95] وقد يجوز أن يكون التحريف المعنيّ بقوله:
من الّذين هادوا يحرّفون الكلم عن مواضعه [النساء/ 46] ما كانوا يقصدونه في قولهم: راعنا [البقرة/ 104] من السّب، وخلاف ما يقصده المسلمون، إذا خاطبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، من المراعاة. قال أبو زيد: «قال الصّقيل: ما كلّمت فلانا إلا
[الحجة للقراء السبعة: 2/36]
مشاورة، تقول: أشرت إليه وأشار إليّ» فهذا على أمرين:
أحدهما: أن يكون استثناء منقطعا، والآخر على: كلامك المشاورة، كقولك: عتابك السيف. فأما النطق والمنطق فكان القياس في المنطق فتح العين، لأنه من نطق، لكنه قد جاء على الكسر كما قال: إليّ مرجعكم [آل عمران/ 55، لقمان/ 15] وقال: ويسئلونك عن المحيض [البقرة/ 222] وقد استعمل رؤبة الكلام في موضع النطق فقال:
لو أنني أوتيت علم الحكل... علم سليمان كلام النمل
فهذا إنما أراد به قوله: وورث سليمان داود وقال يا أيّها النّاس علّمنا منطق الطّير [النمل/ 16] فعبّر بالكلام بما عبّر عنه بالمنطق. وقول أوس:
ففاءوا ولو أسطو على أمّ بعضهم... أصاخ فلم ينطق ولم يتكلّم
على هذا تكرير وقال: لقد علمت ما هؤلاء ينطقون [الأنبياء/ 65] لأنها جماد لا كلام لها. وقال: يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون
[الحجة للقراء السبعة: 2/37]
[النور/ 24] والشهادة: كلام وقول. وقال: وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا؟ قالوا: أنطقنا اللّه الّذي أنطق كلّ شيءٍ [فصلت/ 21].
ومن ذلك قوله: يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثاً [النساء/ 42] لأن ما ذكر من جوارحهم تشهد عليهم، فقيل: لا يكتمون، لمّا كان إظهار ذلك وإبداؤه بجوارحهم.
والقول، والكلام، والمنطق، يستعمل كل واحد من ذلك في موضع الآخر ويعبر بكل واحد منها كما عبر بالآخر، قال:
وأنّهم يقولون ما لا يفعلون [الشعراء/ 226] وقال: علّمنا منطق الطّير [النمل/ 16] وقال عن الهدهد: فقال أحطت بما لم تحط به [النمل/ 22] فأما قوله: هذا كتابنا ينطق عليكم بالحقّ [الجاثية/ 28] فهو في المعنى: كقوله: مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلّا أحصاها [الكهف/ 49] وقوله: وكلّ شيءٍ أحصيناه كتاباً [النبأ/ 29] أي: كل شيء من أعمالهم، كما قال: وكلّ شيءٍ فعلوه في الزّبر، وكلّ صغيرٍ وكبيرٍ مستطرٌ [القمر/ 52 - 53] وقال: أحصاه اللّه ونسوه [المجادلة/ 6] وقال: وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً [الإسراء/ 13] وقال: هنالك تبلوا كلّ نفسٍ ما أسلفت [يونس/ 30].
وأنشد أبو الحسن:
[الحجة للقراء السبعة: 2/38]
صدّها منطق الدّجاج عن القص*- د وصوت الناقوس فاجتنبتنا وأنشد:
فصبّحت والطير لم تكلّم خابية طمّت بسيل مفعم وقال:
فلم ينطق الديك حتى ملأ... ت كوب الرّباب له فاستدارا
فوضع كلّ واحد من الكلام والنطق موضع الصوت في قوله:
لمّا تذكّرت بالدّيرين أرّقني... صوت الدجاج وقرع بالنواقيس
وإنما يعني: انتظاره صوت الديكة. ولم نر النطق مسندا إلى القديم. كما أضيف إليه الكلام في قوله: حتّى يسمع كلام اللّه [التوبة/ 6] وقد جاءت هذه الكلمة في اللغة فيما يطيف بالشيء ويحيط به كقوله: النّطاق والمنطقة. وقال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/39]
من خمر ذي نطف أغنّ منطّق... وافى بها لدراهم الأسجاد
فإذا كان كذلك لم يكن قول أوس: «لم ينطق ولم يتكلّم» تكريرا، وكان كلّ واحد منهما لمعنى غير الآخر.
وأنشد بعض البغداذيين:
فإن تنطق الهجراء أو تشر في الخنا... فإنّ البغاث الأطحل اللّون ينطق
فأسند إلى البغاث النطق.
الإعراب
الأفعال المتعدية إلى المفعول به على ثلاثة أضرب:
منها ما يجوز فيه أن يكون الفاعل له مفعولا به. ومنها: ما يجوز أن يكون المفعول به فاعلا له، نحو: أكرم بشر بكرا، وشتم زيد عمرا وضرب عبد الله زيدا.
ومنها: ما لا يكون فيه المفعول به فاعلا له نحو: دققت
[الحجة للقراء السبعة: 2/40]
الثوب، وأكلت الخبز، وسرقت درهما وأعطيت دينارا، وأمكنني الغوص.
ومنها: ما يكون إسناده إلى الفاعل في المعنى، كإسناده إلى المفعول به، وذلك نحو: أصبت، ونلت، وتلقّيت، تقول: نالني خير، ونلت خيرا، وأصابني خير، وأصبت خيرا، ولقيني زيد، ولقيت زيدا، وتلقاني، وتلقيته، قال:
إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا... أصبت حليما أو أصابك جاهل
وقال: وقد بلغني الكبر [آل عمران/ 40] وقد بلغت من الكبر عتيًّا [مريم/ 8]. وكذلك: أفضيت إليه، وأفضى إليّ، وقال: وقد أفضى بعضكم إلى بعضٍ [النساء/ 21]. وإذا كانت معاني هذه الأفعال على ما ذكرنا، فنصب ابن كثير لآدم ورفعه الكلمات في المعنى، كقول من رفع آدم ونصب الكلمات.
ومن حجّة من رفع: أنّ عليه الأكثر، ومما يشهد للرفع قوله: إذ تلقّونه بألسنتكم [النور/ 15] فأسند الفعل إلى المخاطبين والمفعول به كلام يتلقّى، كما أنّ الذي تلقّاه آدم كلام متلقّى. فكما أسند الفعل إلى المخاطبين، فجعل التلقّي
[الحجة للقراء السبعة: 2/41]
لهم، كذلك يلزم أن يسند الفعل إلى آدم، فيجعل التّلقّي له دون الكلمات. ومن ذلك قول القائل: في آيات تلقّيتها عن عمّي، تلقّاها عن أبي هريرة. فجعل الكلام مفعولا به، وأسند الفعل إلى الآخذ له دون الكلام، فكذلك ينبغي أن يكون في الآية.
ومما يقوّي الرفع في آدم أنّ أبا عبيدة قال في تأويل قوله: فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ [البقرة/ 37] أي: قبلها.
فإذا كان آدم القابل، فالكلمات مقبولة. ومثل هذه الآية في إسناد الفعل فيها مرّة إلى الكلمات ومرة إلى آدم قوله: لا ينال عهدي الظّالمين [البقرة/ 124] وفي حرف عبد الله فيما قيل:
(لا ينال عهدي الظالمون) فلمن رفع أن يقول: ولا ينالون من عدوٍّ نيلًا [التوبة/ 120] فأسند الفعل إليهم، ولم يقل: ولا ينالهم من عدو نيل، والنّيل: يكون مصدرا كالبيع. ويكون الشيء الذي ينال، مثل الخلق، والصّيد، وضرب الأمير. وقوله:
تفرجة القلب قليل النيل.
يجوز أن يكون المعنى: قليل ما ينال، كما يقال: قليل الكسب، ويكون قليل النيل: قليل ما ينيل، وكلاهما ذمّ.
وقال: لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون [آل عمران/ 92].
[الحجة للقراء السبعة: 2/42]
وحجّة من قرأ بالنصب قوله: لا ينالهم اللّه برحمةٍ [الأعراف/ 49] ولم يقل لا ينالون الله برحمة كما قال: ولكن يناله التّقوى منكم [الحج/ 37] فكما أسند الفعل إلى التقوى دون اسم الله سبحانه، كذلك كان يمكن لا ينالون الله برحمة أي: مرحوما به، يرحمون عباده به، وكأنّ المعنى في: لن ينال اللّه لحومها [الحج/ 37] لن ينال قربة الله أو ثواب الله قربة لحومها ودمائها، أو ثوابهما، لأن ذلك ليس بقربة على حدّ ما يتقرّبون به، ويتنسّكون فلا يقبله، ولا يثيب عليه، من حيث كان معصية، ولكن يقبل من ذلك ما كان عن تقوى الله وطاعته دون ما كان من المعاصي التي قد كرهها ونهى عنها. وكأنّ المراد بينال: معنى القبول. كما قال: ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات [التوبة/ 104] فمعنى قبوله التوبة أن يبطل به ما كان يستحقّ من العقوبات التي تكفّرها التوبة، وأخذ الصّدقات هو الجزاء عليها والإثابة من أجلها). [الحجة للقراء السبعة: 2/43]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فتلقى آدم من ربه كلمات} 37
قرأ ابن كثير فتلقى آدم نصب كلمات رفع جعل الفعل للكلمات لأنّها تلقت آدم عليه السّلام وحجته أن العرب تقول تلقيت زيدا وتلقاني زيد والمعنى واحد لأن من لقيته فقد لقيك وما نالك فقد نلته
[حجة القراءات: 94]
وقرأ الباقون {فتلقى آدم من ربه كلمات} آدم رفع بفعله لأنّه تلقى من ربه الكلمات أي أخذها منه وحفظها وفهمها والعرب تقول تلقيت هذا من فلان المعنى إن فهمي قبلها منه وحجتهم ما روي في التّفسير في تأويل قوله {فتلقى آدم من ربه كلمات} أي قبلها فإذا كان آدم القابل فالكلمات مقبولة). [حجة القراءات: 95]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (21- قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات} قرأه ابن كثير بنصب
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/236]
«آدم» ورفع «كلمات» وقرأه الباقون برفع آدم، ونصب «الكلمات» والتاء مكسورة في حال النصب، على سنن العربية.
وعلة من نصب «آدم» ورفع «الكلمات» أنه جعل الكلمات استنقذت «آدم» بتوفيق الله له، لقوله إياها، والدعاء بها، فتاب الله عليه، وأيضًا فإنه لما كان الله، جل ذكره، من أجل الكلمات تاب الله عليه، بتوفيقه إياه لقوله لها كانت هي التي أنقذته، ويسرت له التوبة من الله، فهي الفاعلة، وهي المستنقذ بها، وكان الأصل أن يقال على هذه القراءة: فتلقت آدم من ربه كلمات لكن لما كان بعد ما بين المؤنث وفعله حسن حذف علامة التأنيث، وهو أصل يجري في كل القرآن، إذا جعل فعل المؤنث بغير علامة، وقيل: إنما ذكر، لأنه محمول على المعنى؛ لأن الكلام والكلمات واحد، فحمل على الكلام فذكر، وقيل: ذكر لأن تأنيث الكلمات غير حقيقي؛ إذ لا ذكر لها من لفظها، وبذلك قرأ ابن عباس ومجاهد وأهل مكة.
22- وعلة من قرأ برفع «آدم» ونصب «الكلمات» أنه جعل «آدم» هو الذي تلقى الكلمات؛ لأنه هو الذي قبلها ودعا بها، وعمل بها، فتاب الله عليه، فهو الفاعل لقبوله الكلمات، فالمعنى على ذلك، وهو الخطاب وفي تقديم «آدم» على الكلمات تقوية أنه الفاعل، وقد قال أبو عبيد في معنى {فتلقى آدم من ربه كلمات} معناه: قبلها، فإذا كان آدم قابلا فالكلام مقبول، فهو المفعول وآدم الفاعل، وعليها الجماعة، وهي قراءة الحسن والأعرج وشيبة وأهل المدينة وعيسى بن عمر والأعمش، وهي قراءة العامة، وهي اختيار أبي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/237]
عبيد وغيره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/238]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [آية/ 37]:-
بنصب {آدَمَ} ورفع الكلمات، قرأها ابن كثير وحده.
ووجهه أن {تَلَقّى} من الأفعال التي مفعولها فاعل، وفاعلها مفعول، وذلك لأنك إذا أسندتها إلى أيهما شئت لا يتغير المعنى، وذلك نحو: أصبت خيرًا وأصابني خير، ونلت مالاً ونالني مال، وتلقيت زيدًا وتلقاني زيد؛ لأن ما تلقيته فقد تلقاك، فإذن هذه وقراءة الجمهور سواءً في المعنى.
وقرأ الباقون {آدَمُ} بالرفع و{كَلِمَاتٍ} بالنصب، وهو أقوى وأحسن في العربية؛ لأن التلقي ههنا بمعنى التلقن والقبول، فآدم هو القابل والمتلقن، والكلمات مقبولة متلقنة، يؤيد ذلك قوله تعالى {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} فأسند الفعل إلى المخاطبين، وجعل القول مفعولاً به). [الموضح: 269]

قوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (38)
فالقراءة بتنوين (فلا خوفٌ).
قال أبو منصور: وهو الجيد عند النحويين، المختار إذا تكرر حرف النفي، وقرأ يعقوب وحده (فلا خوف) وهو جائز في العربية، وإن كان المختار ما عليه الجماعة). [معاني القراءات وعللها: 1/148]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (28- وقوله تعالى: {فمن اتبع هداي}
اتفق القراء السبعة على فتح الياء من {هداي} لالتقاء الساكنين، وهما الألف والياء، ففتحت الياء على أصل الكلمة، ومثله: {بشراي}
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/83]
{ومحياي} إلا ورشًا فإنه روى عن نافع {هداي} {وبشراي} بإسكان الياء، وإنما جمع بين ساكنين؛ لأن الألف قبل الياء حرف لين، كما فعل ذلك أبو عمرو في قوله {واللائي يئسن} بإسكان الياء، والاختيار فتح الياء، ومما لا يجوز ...... بحذف الياء الأخيرة، وقد ذكرته في (الأعراف).
وأما قوله: {وقولوا للناس حسنا} بالتنوين فالألف في الوقف عوض من التنوين ولا يجوز الإمالة فيها، قال الأخفش: وقرأ بعضهم {وقولوا للناس حسنى}، مثل: {ولله الأسماء الحسنى}، جعلها ألف التأنيث، قال البصريون: هذا غلط؛ لأن الاسم الذي على (فعلى) لا يجوز إلا بالألف واللام مثل: الصغرى والكبرى.
قال أبو عبد الله: قد يجوز؛ لأن الخليل وسيبويه ذكرا أن قوله: {وأخر متشابهات} جمع أخرى ولم يصرف آخر لأنه معدول من الألف واللام فيجوز أن يكون (حسنى) معدولاً، وقوله: {قولوا للناس حسنا} اليهود والنصارى، أي: لا تجادلوهم إلا بالتي هي أحسن. وقال آخرون: يعني جميع الناس.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/84]
قال أبو عبد الله: والاختيار {وقولوا للناس حسنا} وإن كان حمزة قد قرأ {حسنى} لأن جعفر بن محمد عليهما السلام سأل رجلاً كيف تقرأ: {وقولوا للناس حسنا} أو {حسنى} فقال: ابن سيرين أقرأني {حسنا} فقال: أما نحن معشر أهل البيت فنقرأ {حسنى}.
وأما قوله: {ولا ءآمين البيت الحرام} فالياء التي قبل النون علامة الجميع، وقرأ الأعمش {ولا ءآمي البيت الحرام} مثل: {حاضري المسجد الحرام} فأسقط النون للإضافة، والياء سقطت لسكونها ولسكون اللام لفظًا، وتثبت خطا، فالوقف على هذه القراءة {آمي} بالياء، ولولا خلاف المصحف لكانت قراءة جيدة.
وأما قوله: {من نبإي المرسلين} و{من تلقائي نفسي} فكتبتا في المصحف {من نباي} و{تلقاي} بالياء، وقد ذكرت علته في (الأعراف).
وأما قوله: {وهو عليهم عمى} فالوقف عليها بالألف ولا تكون عوضًا في التنوين، وهي لام الفعل أصلية، والأصل: عمي، فانقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
وقرأ ابن عباس: {وهو عليهم عم} فعلى هذه القراءة هي بالألف، وأما قوله: {يا ويلتا أعجزت} هذه الألف مبدلة من ياء والأصل يا ويلتي، كما قالوا: «يا ربي» و«يا ربا»، و«يا عجبي»، و«يا عجبا»، و«يا حسرتي»
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/85]
و «يا حسرتا»، فأما قوله: {يا أبت إني رأيت} فيجوز أن يكون أراد: «يا أبتي» ثم قلب فقال: «يا أبتا ثم حذف الألف».
ويجوز أن يكون أراد: «يا أبتاه».
وفيه قول ثالث: قال قطرب: أراد يا أبتا بالتنوين فحذف، كما قال الشاعر:
* يا دار أقوت بعد ساكنيها *
أراد: دارًا، وقال غيره من البصريين: أخطأ قطرب: لأن المنادي، المنكور منصوب معرب منون، ولا يجوز حذف التنوين فالرواية:
* يا دار أقوت .... *
بالرفع. وأما قوله: {هذا صراط علي مستقيم} الياء الأخيرة ياء الإضافة أدغمت فيها الياء الأولى التي في {على} وقرأ ابن سيرين: {صراط علي مستقيم} أي: رفيع، فالياء في هذه القراءة مبدلة من واو، والأصل: عليو، لأنه من علا يعلو فانقلبت الواو ياء، لسكون الياء، وأدغمت الياء في الياء. وأما قوله: {إنها لإحدى الكبر} «فإحدى» مونثة أحد، والياء التي في آخرها ألف مقصورة علامة التأنيث، وقرأ ابن كثير {لاحدى الكبر} بغير همزة، حدثنا بذلك ابن مجاهد، عن ابن أبي خيثمة، وإدريس، عن
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/86]
خلفٍ؛ عن أهل مكة كأنه حذف الهمزة اختصارًا و{نذيرًا للبشر} نصب على الحال، وقال الفراء: معناه: قم يا محمد نذيرًا للبشر، وفي قراءة أُبَيِّ {نذير للبشر} بالرفع.
وكل ما ورد في القرآن من نحو هذا فيجوز فيه الرفع على البدل، والنصب على الحال، والمدح والذم كقوله: {إنها لظى * نزاعة للشوى} و{نزاعة} و{إن هذه أمتكم أمة واحدة}، قرأ الحسن: {أمة واحدة} وأما قوله: {تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى} أي: مختلفة متفرقة، فالياء في آخر {شتى} ألف مقصورة علم التأنيث، وقرأ عبد الله: {وقلوبهم أشت} أي: أشد اختلافًا، وفي هذه السورة حرفان أيضًا عن عبد الله، {خالدان فيها} وفي قراءتنا {خالدين} لأن الخبر إذا وقع بين
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/87]
صفتين متفقتين كان الاختيار فيه النصب كقولك: إن زيدًا في الدار قائمًا فيها، ويجوز الرفع عند البصريين، ولا يجوز عند الكوفيين الرفع إلا مع الصفة المختلفة كقولك: إن زيدًا في الدار راغب فيك.
والحرف الثاني: {ولا تجعل في قلوبنا غمرا للذين آمنوا} وفي قراءتنا: {غلا}.
وحرف ثالث عن ابن مسعود: {أو تركتموها قوما}.
وأما قوله: {ولا يأتل أولو الفضل منكم} يفتعل من الألية وهو القسم، سقطت الياء للجزم، وقرأ أبو جعفر المدني {ولا يتأل أولو الفضل منكم} بفتح اللام، فالألف ساقطة للجزم في هذه القراءة والأصل: يتألى يتفعل من الألية أيضًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من يتأل على الله يكذبه» وتقول العرب في الإيلاء من قوله: {للذين يؤلون من نسائهم} الألوة والألوة والألية، وفي العود يقال: مجامرهم الألوة بتشديد الواو.
حدثني ابن عرفة قال: حدثنا محمد بن يونس، عن الأصمعي قال:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/88]
اطلع أعرابي في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
ألا دفنتم رسول الله في سفط = من الألوة أحوى ملبسًا ذهبا
يقال للعود الذي يتبخر به الكباء والمندل والألوة، والمجمر والقطر، قال امرؤ القيس:
كأن المدام وصوب الغمام = وريح الخزامى ونشر القطر
يعل به برد أنيابها = إذا طرب الطائر المستحر
وأما قوله {سرابيلهم من قطران} فالقطران اسم واحد آخره نون مثل الظربان وهي: دويبة منتنة الريح، ومن قرأ على قراءة عكرمة: {من قطر آن} فالقطر: النحاس، والآني: الذي قد انتهى حره، من قوله تعالى: {من عين آنية} أي: حارة، ففي هذه القراءة آخر الاسم ياء سقطت لسكونها وسكون التنوين مثل {فاقض ما أنت قاض}
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/89]
حدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء عن أبي بكر بن عياش عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قرأ: {قطر آن}.
وأما قوله: {واستوت على الجودي} بتشديد الياء فهو (فُعْلِيٌّ) مثل: بُخْتِيّ وكرسي وهو اسم جبلٍ. ذكر الفراء أن بعضهم. قرأ {على الجودي} بإرسال ........................................................................................................................................................
كانت عاملة جعلت «لا» عاملة، ولما كانت جوابا لـ «هل» ولم تعملها إذ كانت «هل» غير عاملة، فإذا رفعت نوَّنتَ، وإذا نصبتَ لم يجز التنوين، أعني فيما ولى «لا» وقد مرَّت علَّةُ هذا في قوله: {فلا رفث ولا فسوق}.
فإن سأل سائل فقال: فإن كان الأمر على ما قد زعمت فما وجه قول جرير:
ألم تعلم مسرحي القوافي = فلا عيا بهن ولا اجتلابا؟
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/90]
فالجواب في ذلك: ما قال سيبويه: إن عيا واجتلابا هما مصدران، ومعناه: فلا أعيا عيا ولا أجتلب اجتلابا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/91]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي الطفيل، وعبد الله بن أبي إسحاق، وعاصم الجحدري، وعيسى بن عمر الثقفي: [هُدَيَّ].
قال أبو الفتح: هذه لغة فاشية في هذيل وغيرهم؛ أن يقلبوا الألف من آخر المقصور إذا أضيف إلى ياء المتكلم ياء. قال الهذلي:
سبقوا هَوَيَّ وأعنقوا لهواهم ... فتُخِرِّمُوا ولكل جنب مَصْرَعُ
وروينا عن قطرب قول الشاعر:
يطوف بي عِكَبٌّ في مَعَدٍّ ... ويطعن بالصُّمُلَّة في قَفَيَّا
فإن لم تَثْأَرَا لي من عِكَبٍّ ... فلا أرويتما أبدًا صَدَيَّا
قال لي أبو علي: وجه قلب هذه الألف لوقوع ياء ضمير المتكلم بعدها، أنه موضع ينكسر فيه الصحيح، نحو: هذا غلامي، ورأيت صاحبي، فلما لم يتمكنوا من كسر الألف قلبوها ياء، فقالوا: هذه عَصَيّ، وهذا فتيّ؛ أي: عصاي وفتاي، وشبهوا ذلك بقولك: مررت بالزيدين، لما لم يتمكنوا من كسر الألف للجر قلبوها ياء، ولا يجوز على هذا أن تقلب ألف التثنية لهذه الياء، فتقول: هذان غلاميّ؛ لما فيه من زوال علم الرفع، ولو كانت ألف عصا ونحوها علمًا للرفع لم يجز فيها عصَيّ.
[المحتسب: 1/76]
ومنهم من يبدل هذه الألفات في الوقف ياءات، فيقول: هذه عصيْ، ورأيت حبليْ، وهذه رَجَيْ؛ أي: الناحية؛ يريد رجًا.
ومنهم من يبدلها في الوقف أيضًا واوًا، فيقول: هذه عَصَو وأَفعَو وحُبَلَو.
ومنهم من يبدلها في الوصل واوًا أيضًا، فيقول: هذه حُبْلَو يا فتى.
ومن البدل في الوقف ياء ما أنشده بعض أصحابنا؛ وهو محمد بن حبيب:
إن لِطيٍّ نسوة الفَضيْ ... يمنعهن الله ممن قد طغيْ
بالمشرفيات وطعن بالقَنيْ ... يا حبذا جفانك ابن قَحْطَبيْ
وحبذا قدورك الْمُنْصَّبيْ ... كأن صوت غليها إذا غَلَيْ
صوت جمال هَدَرَيْ فَقَبْقَبيْ
أراد: ابن قحطبة، فإما أن يكون حذف الهاء للترخيم في غير النداء، فبقيت الباء مفتوحة، فأشبع الفتحة للقافية؛ فصارت قحطبًا، ثم أبدل الألف ياء على ما مضى، وإما أن يكون أبدل الهاء ألفًا؛ فصارت قحطبة إلى قحطبا، ثم أبدل الألف ياء على ما مضى، وعلى ذلك يجوز أيضًا أن يكون قوله:
كفعل الْهِرِّ يحترِشُ العَظايا
أراد: العَظَاية، ثم أبدل الهاء ألفًا؛ فصار العظايا.
وإن شئت قلت: شبه ألف النصب بهاء التأنيث فقال: العظايا، كما تقول: العظاية، وهذا قول أبي عثمان.
[المحتسب: 1/77]
وفيه قول لي ثالث؛ وهو أن يكون العَظايا جمع عَظَاية على التكسير، كما تقول في حمامة حمائم، فعظايا على هذا كمطايا وحوايا جمع حَوِيَّة.
وأما قوله: الْمُنَصَّبَيْ فأراد المنصبة، فأبدل الهاء ألفًا، ثم أبدل الألف ياء على ما مضى، ولا يجوز أن يكون أراد هنا الترخيم؛ لأنه فيه لام التعريف، وما فيه هذه اللام فلا يجوز نداؤه أصلًا، فهو من الترخيم أبعد، وهذا يفسد قول من قال في قول العجاج:
أَوالِفًا مكة من وُرْقِ الْحَمِي
إنه أراد الحمام ثم رخم؛ لأن ما فيه لام التعريف لا يُنادى اصلًا فكيف يرخم؟
وأما قوله: هَدَرَيْ، فإنه أراد هدر، ثم أشبع الفتحة على حد قوله:
ينباع من ذِفرى غضوب جَسْرَةٍ
فصار هدَرَا، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف فقال: هدَرَيْ.
وكذلك قوله: قَبْقَبيْ أراد قبقب، ثم أشبع فصار قبقبا، وعلى هذا التخريج يسقط قول سيبويه عن يونس في قوله محتجًّا عليه بقول الشاعر:
دعوت لما نا بني مِسْوَرًا ... فَلَبَّى فَلَبَّيْ يَدَيْ مِسْورِ
[المحتسب: 1/78]
قال سيبويه: لو كان لبيك اسمًا واحدًا -كما يقول يونس، وإنما قُلب في لبيك لاتصاله بالمضمر كما يُقلب في إليك وعليك -لما قال: فَلَبَّيْ يَدَيْ مِسْوَرِ، ولقال: فَلَبَّى يدَيْ مِسْوَرِ، على حد قولك: على يَدَيْ فلان، وإلى يَدَيْ جعفر، فثبات الياء مع المظهر يدلك على أنه لم يقلب في لبيك على حد ما قلب في إليك وعليك، وفي ذلك رد لقول يونس: إن لبيك مفرد كإلبيك وعليك.
قال أبو علي: يمكن يونس أن يقول: إنه أجرى الوصل مجرى الوقف، فكما تقول في الوقف: عَصيْ وفَتيْ كذلك قال: فَلَبَّيْ، ثم وصل على ذلك، هذا ما قاله أبو علي.
وعليه أن يقال: كيف يحسن تقدير الوقف على المضاف دون المضاف إليه؟
وجوابه: أن ذلك قد جاء، إلا ترى إلى ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
ضَخْمٌ نجارى طيِّب عُنْصُرِّي
أراد: عنصري، فثقَّل الراء لنية الوقف، ثم أطلق بالإضافة من بعد.
نعم، وإذا جاز هذا التوهم مع أن المضاف إليه مضمر، والمضمر المجرور لا يجوز تصور انفصاله، فأن يجوز ذلك مع المظهر الذي هو "يَدي" أولى وأجدر، من حيث كان المظهر أقوى من المضمر.
ومثله قوله:
يا ليتها قد خرجت من فَمِّه
أراد: من فمه، ثم نوى الوقف على الميم فثقلها، على حد قوله في الوقف: هذا خالدّ، وهو يجعلّ، ثم أضاف على ذلك فهذا كقولهم: عنصرِّي.
ويُروى من فُمِّه بضم الفاء أيضًا، وفيه أكثر من هذا). [المحتسب: 1/79]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
قرأ ورش عن نافع {فمن تبع هداي} ساكنة الياء وقرأ الباقون بفتح الياء وإنّما فتحت لأنّها أتت بعد ساكن واصلها الحركة الّتي هي الفتح وقد ذكرته عند قوله إنّي أعلم). [حجة القراءات: 95]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [آية/ 38]:
بالفتح من غير تنوينٍ، قرأها يعقوب وحده في جميع القرآن.
[الموضح: 269]
ووجهه أنه أراد نفي جميع أنواع الخوف؛ لأن {لا} إذا بني مع النكرة على الفتح كان النفي به عامًا نحو: لا رجل في الدار، فإنه نفي كون جميع أجناس الرجال في الدار؛ لأنه جواب: هل من رجل في الدار؟، فكما أن: هل من رجل في الدار عام في الاستفهام، كذلك: لا رجل، عام في النفي، فإذن {لا خوف} آكد في نفي الخوف، لما فيه من عموم النفي بجنس الخوف.
وقرأ الباقون {لا خَوْفٌ} بالرفع والتنوين، على الابتداء؛ لأنه يكون جواب: هل فيه خوف؟
والمعنيان يتقاربان في أن الفي يراد به العموم والكثرة؛ لأن النكرة فيها عموم، وإذا كانت في النفي فلا نظر في كونها عامة، يدل على ذلك قول أمية:-
7- فلا لغو ولا تأثيم فيها = وما فاهوا به أبدًا مقيم
[الموضح: 270]
لأنه أراد من نفي اللغو ما أراده من نفي التأثيم). [الموضح: 271]

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:33 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (40) إلى الآية (43) ]
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}

قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن والزهري وابن أبي إسحاق وعيسى الثفقي والأعمش: [إسْراييل] بلا همز.
[المحتسب: 1/79]
قال أبو الفتح: إن لم يكن ذلك همزًا مخففًا فخَفِيَ بتخفيفه فعُبر عنه بترك الهمز، فذلك من تخليط العرب في الاسم الأعجمي.
قال أبو علي: العرب إذا نطقت بالأعجمي خلَّطت فيه، أنشدنا:
هل تعرف الدار لأم الخزرج ... منها فظَلْتَ اليوم كالْمُزَرَّج
قال: وقياسه كالمزرجَن؛ لأنه من الزَّرَجون وهو الخمر، والنون في زَرَجون ينبغي أن يكون أصلًا بمنزلة السين من قَرَبُوس.
وأنشدنا لرؤبة:
في خِدْرِ ميَّاسِ الدُّمى الْمُعَرجن
فهذا من العُرجون، وكذا كان قياسه أن يقول: المزرجن. وإذا جاز للعرب أن تخلِّط في العربي وهو من لغتها، فكيف يكون -ليت شعري- فيما ليس من لغتها؟!
ومما خلطت فيه من لغتها قول لبيد:
دَرَس المنا بِمُتالع فأَبان
[المحتسب: 1/80]
يريد: المنازل. وقال علقمة:
مُفدَّم بسَبَا الكَتان مَلْثُومُ
أراد: بسبائب، وهو كثير، ونكره الاستكثار من الشواهد والنظائر؛ تحاميًا لطول الكتاب). [المحتسب: 1/81]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري: [وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوَفِّ بِعَهْدِكُمْ] مشددة.
قال أبو الفتح: ينبغي -والله أعلم- أن يكون قرأ بذلك؛ لأن فَعَّلت أبلغ من أفعلت؛ فيكون على {أوفوا بعهدي} أبالغ في توفيتكم؛ كأنه ضمان منه سبحانه أن يعطي الكثير عن القليل، فيكون ذلك كقوله سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}، وهو كثير). [المحتسب: 1/81]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [آية/ 40]:-
بإثبات الياء في الوصل والوقف، قرأها يعقوب وحده، وكذلك {فاتّقُونِي} و{لا تَكْفُرُونِي} و{فَاسْمَعُونِي} و{أطِيعُونِي} و{يَسْقِيني} و{يَشْفِيني}، وكذلك {التَّلاقي} و{التّنادِي} و{بالوادِي} و{المُتعالِي} جميعًا سواء كانت فواصل أم غيرها، إلا في المنون نحو {واقٍ} و{والٍ}، وفي المنادى نحو: {يَا قَوْمِ} و{يَا رَبّ} و{يَا عِبادِ} إلا فيما أثبتت الياء منه في الكتاب وهو {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} و{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا}.
اعلم أن يعقوب إنما قرأ ما قرأه بالياء من هذه الحروف تمسكًا بالأصل؛ لأن الأصل في {فارْهَبُونِ} وأمثاله، هو إثباتُ الياءِ؛ لأن الياء هو ضمير
[الموضح: 271]
المنصوب في هذا الموضع، والنون دعامة أدخلت ليبقى آخر الكلمة التي لحقتها هذه الياء على حاله من حركةٍ أو سكونٍ أو واوٍ أو ياء، ولا يتغير، إذ لولا هذه النون لانكسر ما كان قبل الياء من حرف صحيح وانقلب ما كان من حرف علة، فأدخلت النون لتكسر لأجل الياء، ويسلم ما قبلها من التغيير، فإذا كان كذلك فالياء هي الأصل في الضمير، وإثبات الياء في هذه المواضع هو الأصل الذي عليه الوضع، وإنما حذفها من حذفها من رؤوس الآي؛ لأنها فواصل، وهي مثل القوافي في الشعر تطلب لها الموافقة والمشاكلة كما قال الأعشى:
8- ومن شانئٍ كاسفٍ وجهه = إذا ما انتسبت له أنكرن
ألا ترى أنه حذف الياء من أنكرني، وأسكن النون؛ لأنها قافية، وهي أيضًا موضع وقف، والوقف موضع تغيير.
وأما إثباته الياء في {التَلاَقِي} ونحوه مما فيه الألف واللام فإنه هو الأصل المنقاس أيضًا؛ لأن هذه الياء تحذف منها الحركة استثقالاً لها عليها، ولا تنوين يسقط لأجله الياء، فتثبت الياء ساكنة.
[الموضح: 272]
وإنما يحذفها من حذفها إرادة التخفيف، والأصل هو الإثبات.
وأما حذفه الياء من المنون والمنادى، فإن المنون تحذف (منه) الياء لاجتماعها مع التنوين؛ وهما ساكنان، فتحذف الياء لالتقاء الساكنين، وهي أولى بالحذف من التنوين؛ لأن التنوين إنما دخل لمعنىً، فلو حذف لزال ذلك المعنى، وهو علم التمكن، وإذا وقف عليه فالأولى أيضًا حذف الياء؛ لأن التنوين وإن زال في الوقف فهو في حكم الثبات.
وأما المنادى فإنه موضع حذفٍ، ألا ترى أنه يحذف منه التنوين للبناء، نحو: يا زيد، والحرف الأخير للترخيم نحو: يا حار.
وأما إثباته الياء فيما أثبت منه في الكتاب، فإنما تبع في ذلك المصحف وهو الإمام المتبع). [الموضح: 273]

قوله تعالى: {وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)}

قوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)}

قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:34 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (44) إلى الآية (48) ]
{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) }

قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)}

قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)}

قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)}

قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا يقبل منها شفاعةٌ)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (ولا تقبل) - بالتاء -، وروي عن عاصم مثل ذلك. وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فلتأنيث الشفاعة، ومن قرأ بالياء فلأن الشفاعة كالمصدر وإن كان لفظها مؤنثا، وهو كقول الله جلّ وعزّ: (وأخذت الذين ظلموا الصيحة)، وقال في موضع آخر: (وأخذ الذين ظلموا الصيحة)، لأن الصيحة وإن كان لفظها مؤنثا فهي مصدر، وكل ذلك جائز في كلام العرب). [معاني القراءات وعللها: 1/149]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: ولا تقبل منها شفاعة [البقرة/ 48].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ولا تقبل بالتّاء. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائيّ: ولا يقبل بالياء. وروى يحيى بن آدم وابن أبي أميّة والكسائي وغيرهم عن أبي بكر وحفص عن عاصم بالياء. وروى الحسين الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم بالتاء.
[الحجة للقراء السبعة: 2/43]
قال أبو عليّ: المعنى في قوله: لا يقبل منها شفاعةٌ. لا يقبل فيه منها شفاعة، فمن ذهب إلى أن (فيه) محذوفة من قوله: واتّقوا يوماً لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ [البقرة/ 48] جعل (فيه) محذوفة بعد قوله: يقبل. ومن ذهب إلى أنه حذف الجارّ وأوصل الفعل إلى المفعول، ثم حذف الرّاجع من الصّفة. كما يحذف من الصّلة، كان مذهبه في قوله: لا يقبل أيضا مثله.
وحذف الهاء من الصفة يحسن، كما يحسن حذفها من الصلة، ألا ترى أن الفعل لا يتسلّط بحذف المفعول منه على الموصوف كما لا يتسلّط بذلك على الموصول؟
فممّا حذف منه الراجع من الصّفة قوله:
وما شيء حميت بمستباح وقول الأسود بن يعفر:
وفاقر مولاه أعارت رماحنا... سنانا كقلب الصّقر في الرّمح منجلا
[الحجة للقراء السبعة: 2/44]
فالهاء العائدة إلى المنكور الموصوف محذوفة، وهي المفعول الأوّل لأعارت. وموضع الجملة جرّ، كما أن موضع الجملة التي هي تقبل نصب بالعطف على الجملة التي هي وصف قبلها. ومن الحذف قوله:
تروّحي أجدر أن تقيلي... غدا بجنبي بارد ظليل
المعنى: تأتي مكانا أجدر أن تقيلي فيه. فحذف الجارّ، فوصل الفعل ثم حذف الضمير. وممّا لم يحذف فيه الرّاجع من الصفة قوله:
في ساعة يحبّها الطّعام وهذا في المعنى قريب من قوله: وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظّالمين من حميمٍ ولا شفيعٍ يطاع [المؤمن/ 18].
فالمعنى: ما للظالمين فيه من حميم ولا شفيع يطاع، وليست الجملة التي هي: ما للظّالمين من حميمٍ صفة كما
[الحجة للقراء السبعة: 2/45]
كانت في الآية الأخرى صفة. ومثل ذلك قوله: يوم لا يغني مولًى عن مولًى شيئاً ولا هم ينصرون إلّا من رحم اللّه [الدخان/ 41 - 42]. وقبول الشيء: هو تلقّيه والأخذ به
وخلاف الإعراض عنه، ومن ثم قيل لتجاه الشيء: قبالته، وقالوا: أقبلت المكواة الداء، أي: جعلتها قبالته. قال:
وأقبلت أفواه العروق المكاويا ويجوز أن يكون المخاطبون بذلك اليهود، لأنهم زعموا أن آباءها الأنبياء تشفع لها، فأويسوا من ذلك.
وقريب من هذا قوله: قل فلم يعذّبكم بذنوبكم [المائدة/ 18]. فأما الشفاعة فنراها من الشّفع الذي هو خلاف الوتر، قال:
وأخو الأباءة إذ رأى خلّانه... تلّى شفاعا حوله كالإذخر
فكأنه سؤال من الشفيع، يشفع سؤال المشفوع له.
وليس معنى لا تقبل منها شفاعة أنّ هناك شفاعة لا تقبل، ألا
[الحجة للقراء السبعة: 2/46]
ترى أن في قوله: ولا يشفعون إلّا لمن، ارتضى [الأنبياء/ 28] انتفاء الشفاعة عمن سوى المرتضين، فإذا كان كذلك، كان المعنى لا تكون شفاعة فيكون لها قبول، كما أن قوله: لا يسئلون النّاس إلحافاً [البقرة/ 273] معناه: لا يكون منهم سؤال فيكون منهم إلحاف، كقوله:
على لا حب لا يهتدى لمناره... إذا سافه العود الدّيافيّ جرجرا
وقوله:
لا يفزع الأرنب أهوالها... ولا ترى الضبّ بها ينجحر
[الحجة للقراء السبعة: 2/47]
فأما قوله: وكم من ملكٍ في السّماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلّا من بعد أن يأذن اللّه لمن يشاء ويرضى [النجم/ 26] فالمعنى: لا تغني شفاعتهم أن لو شفعوا، ليس أنّ هناك شفاعة مثبتة، ومثله: ولا تنفع الشّفاعة عنده إلّا لمن أذن له [سبأ/ 23] ومثله: يومئذٍ لا تنفع الشّفاعة إلّا من أذن له الرّحمن ورضي له قولًا [طه/ 109] فأطلق على المعنى الاسم، وإن لم يحدث كما قال:
لما تذكّرت بالدّيرين أرّقني... صوت الدّجاج وقرع بالنّواقيس
والمعنى: انتظار أصواتها، فأوقع عليه الاسم، ولمّا يكن. فإضافة الشفاعة إليهم كإضافة الصوت إليها. ويدلك على أن المعنى في قوله: لا تغني شفاعتهم ما ذكرنا، الآية التي تقدم ذكرها. وقوله: يوم يقوم الرّوح والملائكة صفًّا لا يتكلّمون إلّا من أذن له الرّحمن [النبأ/ 38] والشفاعة: كلام.
فأما قوله: إلّا من بعد أن يأذن اللّه لمن يشاء ويرضى [النجم/ 26] فالمعنى: لمن يشاء شفاعته على إضافة المصدر إلى المفعول به، الذي هو مشفوع له، ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فصار اللفظ: لمن يشاؤه. أي يشاء شفاعته، ثم حذف الهاء من الصلة. فأما قوله: ويرضى.
فتقديره: يرضاه، كما أنّ قوله: ولا يشفعون إلّا لمن ارتضى [الأنبياء/ 28] العائد منه إلى الموصول محذوف،
[الحجة للقراء السبعة: 2/48]
فكذلك العائد من يرضى. وأما قوله: ويعبدون من دون اللّه ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه [يونس/ 18] فإنما يعنون بقولهم: عند الله، في البعث. لأن منهم من قد كان معترفا بالبعث والنشور كالأعشى في قوله:
بأعظم منك تقى للحساب... إذا النّسمات نفضن الغبارا
وقول زهير:
يؤخّر فيوضع في كتاب فيدّخر... ليوم الحساب أو يعجّل فينقم
وقد كذّبهم الله في قولهم ذلك بقوله: قل أتنبّئون اللّه بما لا يعلم في السّماوات ولا في الأرض [يونس/ 18] وقوله: وإذا حشر النّاس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين [الأحقاف/ 60]. فالمصدر مضاف إلى الفاعلين، والمعنى: كانوا بعبادتهم إياها كافرين. ومثل هذا قوله:
وقال شركاؤهم ما كنتم إيّانا تعبدون [يونس/ 28] فالشركاء في هذه الآية هم الآلهة التي كانوا يعبدونها. وكذلك في قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/49]
وإذا رأى الّذين أشركوا شركاءهم، قالوا ربّنا هؤلاء شركاؤنا الّذين كنّا ندعوا من دونك [النحل/ 86] فإنما أضيف الشركاء إلى الذين أثبتوهم شركاء لادّعائهم شركتهم للقديم سبحانه وتعالى عن ذلك. وقد جاء إضافة هؤلاء الشركاء أيضا إلى الله تعالى في قوله: ويوم يناديهم أين شركائي [فصلت/ 47] فهذا لم يثبت به شركاء الله تعالى، وإنما أضافهم إليه على حسب ما كانوا يضيفونهم إليه، فحكى ذلك.
وعلى هذا قوله: وقالوا يا أيّها السّاحر ادع لنا ربّك [الزخرف/ 49] وهذا مما يعلم به أنّ المضاف إذا كان له ضرب من الملابسة بالمضاف إليه، جازت إضافته إليه، وعلى هذا قوله:
لتغني عنّي ذا إنائك أجمعا فأضاف الإناء إلى الشارب لشربه منه وإن كان ملكا للمشروب لبنه، أو في يده على غير وجه الملك.
[الحجة للقراء السبعة: 2/50]
ومن ذلك قوله: أم اتّخذوا من دون اللّه شفعاء، قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون، قل للّه الشّفاعة جميعاً [الزمر/ 43 - 44] فهذا مثل قوله: ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه [يونس/ 18]. وقوله: قل للّه الشّفاعة جميعاً معناه: في الآخرة. وإنما نسبت الشفاعة إليه سبحانه إبطالا لشفاعة من ادّعيت شفاعتهم لهم من الآلهة، ونفيا لها، وإعلاما أن الملائكة في الآخرة لا يشفعون إلا لمن أذن لهم في الشفاعة له، فنسبت الشفاعة إلى الله لمّا لم تكن إلا بأمره وإذنه فيها، وإن كانت الملائكة فاعليها في الحقيقة، فأما في الدنيا فقد تكون الشفاعة لغير الله. والضمير في (منها) من قوله: ولا تقبل منها عائد إلى نفس على اللفظ، وفي قوله: ولا هم ينصرون على المعنى، لأنه ليس المراد المفرد فلذلك جمع.
فأما حجة من قال: ولا تقبل فألحق علامة التأنيث، فهي أنّ الاسم الذي أسند إليه هذا الفعل مؤنّث، فيلزم أن يلحق المسند أيضا علامة التأنيث، ليؤذن لحاق العلامة بتأنيث
الاسم، كما ألحق الفصل حيث ألحق، ليؤذن بأنّ الخبر معرفة أو قريب من المعرفة.
ومما يقوي ذلك أن كثيرا من العرب إذا أسندوا الفعل إلى المثنى أو المجموع، ألحقوه علامة التثنية أو الجمع كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/51]
ألفيتا عيناك....
وقوله:... يعصرن السّليط أقاربه فكما ألحقوا هاتين العلامتين لتؤذنا بالتثنية والجمع، كذلك ألحقت علامة التأنيث الفعل ليؤذن بما في الاسم منه، وكانت هذه العلامة أولى من لحاق علامتي التثنية والجمع، للزوم علامة التأنيث الاسم، وانتفاء لزوم هاتين العلامتين الاسم، وبحسب لزوم المعنى تلزم علامته، ألا ترى أن ما لا يلزم في كلامهم قد لا يعتدّ به اعتداد اللازم، كالواو الثانية في قوله: (ووري) فبحسب لزوم علامة التأنيث الاسم يحسن إلحاقه الفعل، وقد قال: فأخذتهم الصّيحة مشرقين [الحجر/ 73]. فأخذتهم الصّيحة بالحقّ [المؤمنون/ 41].
فكما تثبت العلامة في هذا النحو، كذلك ينبغي أن تثبت في نحو قوله: تقبّل.
ومن حجة من لم يلحق: أن التأنيث في الاسم ليس بحقيقي، وإذا كان كذلك حمل على المعنى فذكّر، ألا ترى أن الشفاعة والتشفّع بمنزلة، كما أن الوعظ والموعظة، والصيحة والصوت كذلك، وقد قال: فمن جاءه موعظةٌ من ربّه [البقرة/ 275] وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة [هود/ 67].
فكما لم تلحق العلامة هنا، كذلك يحسن أن لا تلحق في
[الحجة للقراء السبعة: 2/52]
قوله: ولا تقبل لاتفاق الجميع في أن ذلك تأنيث غير حقيقي. وكلا الأمرين قد جاء به التنزيل كما رأيت.
ومما يقوّي التّذكير أنه قد فصل بين الفعل والفاعل بقوله: منها. والتذكير يحسن مع الفصل، كما حكي من قولهم: حضر القاضي اليوم امرأة. فإذا جاء التذكير في الحقيقي مع الفصل فغيره أجدر بذلك. فأما ما قاله أحمد بن يحيى: من أن التذكير أجود لقول ابن مسعود: «ذكّروا القرآن» فإنّ قول ابن مسعود لا يخلو من أن يريد به التذكير الذي هو خلاف التأنيث، أو يريد به معنى غير ذلك. فإن أراد به خلاف التأنيث، فليس يخلو من أن يريد: ذكّروا فيه التأنيث الذي هو غير حقيقي، أو التأنيث الذي هو حقيقي، فلا يجوز أن يريد التأنيث الذي هو غير حقيقيّ لأن ذلك قد جاء منه في القرآن ما يكاد لا يحصى كثرة، كقوله: وللدّار الآخرة [الأنعام/ 32] وكقوله: النّار وعدها اللّه [الحج/ 72] وقوله: والتفّت السّاق بالسّاق [القيامة/ 29] و: قالت رسلهم [إبراهيم/ 10] و: كأنّهم أعجاز نخلٍ خاويةٍ [الحاقة/ 7] والنّخل باسقاتٍ [ق/ 10] وشجرةً تخرج من طور سيناء [المؤمنون/ 20] ينشئ السّحاب الثّقال [الرعد/ 12].
فإذا ثبت هذا النحو في القرآن على الكثرة التي تراها، لم يجز أن يريد هذا. وإذا لم يجز أن يريد ذلك، كان إرادته به
[الحجة للقراء السبعة: 2/53]
التأنيث الحقيقيّ أبعد، كقوله: إذ قالت امرأت عمران [آل عمران/ 35] وقوله: ومريم ابنت عمران الّتي أحصنت [التحريم/ 12] وكانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما [التحريم/ 10] وقالت لأخته قصّيه فبصرت به عن جنبٍ [القصص/ 11].
فإن قلت: إنّما يريد: إذا احتمل الشيء التأنيث والتذكير، فاستعملوا التذكير وغلّبوه. قيل: هذا أيضا لا يستقيم، ألا ترى أن فيما تلونا: والنّخل باسقاتٍ وكأنّهم أعجاز نخلٍ خاويةٍ فأنّث مع جواز التذكير فيه، يدلك على ذلك قوله في الأخرى: أعجاز نخلٍ منقعرٍ [القمر/ 20] وقوله: من الشّجر الأخضر ناراً [يس/ 80] ولم يقل: الخضر ولا الخضراء، وقوله: السّحاب الثّقال ولم يقل: الثقيل، كما قال: منقعرٍ. فهذه المواضع يعلم منها أنّ ما ذكرت ليس بمراد ولا بمذهب. فإذا لا يصحّ أن يريد بقوله: «ذكّروا القرآن». التذكير الذي هو خلاف التأنيث، وإذا لم يرد ذلك، كان معنى غيره. فممّا يجوز أن يصرف إليه قول ابن مسعود، أنه يريد به الموعظة والدعاء إليه، كما قال: فذكر بالقرآن من يخاف وعيدى [ق/ 45] إلا أنّه حذف الجار، وإن كان قد ثبت في الآية، وفي قوله: وذكّرهم بأيّام اللّه [إبراهيم/ 5] على القياس الذي ينبغي أن يكون عليه، ألا ترى أنك تقول:
ذكر زيد العذاب والنار. فإذا ضعّفت العين، قلت: ذكّرت زيدا
[الحجة للقراء السبعة: 2/54]
العذاب، وذكّرته النار. فإذا ألحقت الجارّ كان كقوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة [البقرة/ 195] وإذا حذف كان كقوله: وألقى في الأرض رواسي [النحل/ 15] فمما جاء بغير الجار قولها:
يذكّرني طلوع الشّمس صخرا... وأذكره لكلّ غروب شمس
ومما يدل على صحة ما ذكرنا من أن الأصل أن لا يلحق الجار، أن النسيان الذي هو خلاف الذكر، لمّا نقل بالهمزة التي هي في حكم تضعيف العين، لم تلحق الباء المفعول الثاني، وذلك قوله: وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره [الكهف/ 62] ويمكن أن يكون معنى قوله: «ذكّروا القرآن» أي: لا تجحدوه ولا تنكروه، كما أنكره من قال فيه:
أساطير الأوّلين [النحل/ 24] لإطلاقهم عليه لفظ التأنيث، فهؤلاء لم يذكّروه، لكنّهم أنّثوه بإطلاقهم التأنيث على ما كان مؤنث اللفظ، كقوله: إن يدعون من دونه إلّا إناثاً [النساء/ 117] فإناث جمع أنثى، وإنما يعني به ما اتخذوه آلهة، كقوله: أفرأيتم اللّات والعزّى. ومناة الثّالثة الأخرى [النجم/ 19، 20]. وقال العجّاج في صفة المنجنيق:
أورد حذّا تسبق الأبصارا وكلّ أنثى حملت أحجارا
[الحجة للقراء السبعة: 2/55]
فسمّاها أنثى، لتأنيثهم للفظها، وكذلك قول الفرزدق:
وكنّا إذا الجبّار صعّر خدّه... ضربناه تحت الأنثيين على الكرد
والأنثيان يريد بهما: الأذنين، وهذا النحو كثير في كلامهم). [الحجة للقراء السبعة: 2/56]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يقبل منها شفاعة}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ولا تقبل منها بالتّاء وقرأ الباقون بالياء من قرأ بالتّاء فلتأنيث الشّفاعة وسقط السّؤال فصار كقوله {وأخذت الّذين ظلموا الصّيحة}
وحجّة من قرأ بالياء هي أن تأنيث الشّفاعة ليست حقيقيّة فلك في لفظه في الفعل التّذكير والتأنيث تقول قد قبل منك الشّفاعة وقبلت منك وكذلك {فمن جاءه موعظة} لأن معنى موعظة ووعظ وشفاعة وتشفع واحد فلذلك جاز التّذكير والتأنيث على اللّفظ والمعنى
[حجة القراءات: 95]
وحجّة أخرى لما فصل بين اسم المؤنّث وفعله بفاصل ذكر الفعل لأن الفاصل صار كالعوض منه ومثله {لئلّا يكون للنّاس عليكم حجّة} ). [حجة القراءات: 96]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (23- قوله: «ولا يُقبل» قرأه ابن كثير وأبو عمرو بالتاء، وقرأه الباقون بالياء.
وعلة من قرأه بالتاء أنه أتت لتأنيث لفظ الشفاعة، فهو ظاهر التلاوة، وبه قرأ الأعرج وابن محيصن وأهل مكة، وهو الأصل.
24- وعلة من قرأه بالياء أنه ذكر لأربع علل: الأولى أنه لما فرّق بين المؤنث وفعله، قام التفريق مقام التأنيث، وحسن التذكير، والثانية أنه لما كان تأنيث الشفاعة غير حقيقي، إذ لا ذكر لهما من لفظها ذكر؛ لأن التذكير هو الأصل، والتأنيث داخل عليه أبدًا، والثالثة أنه لما كان الشفاعة والشفيع بمعنى واحد، حمل التذكير على الشفيع، والرابعة أن ابن مسعود وابن عباس قالا: إذا اختلفتم في الياء والتاء فاجعلوها ياء، وذكر أبو عبيد عن ابن مسعود أنه قال: ذكروا القرآن، وإذا اختلفتم في الياء والتاء فاجعلوها ياء، فإنه أكثر ما جاء في القرآن، وإذا اختلفتم في الياء والتاء من القراء، قال الله جل ذكره: {قد كان لكم آية} «آل عمران 13» وقال:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/238]
{قد جاءكم بينة} «الأنعام 153» وقال: {وأخذ الذين ظلموا الصيحة} «هود 67» وقال: {لولا أن تداركه نعمة} «القلم 49» وهو كثير، أتى على التذكير إجماع، فكان حمل هذا على ما أجمعوا عليه أولى، ويقوى التذكير إجماع القراء على تذكير الفعل مع ملاصقته للمؤنث في قوله: {وقال نسوة} «يوسف 30» وقوله: {وإن كان طائفة} «الأعراف 87» فإذا جاء التذكير بغير حائل فهو مع الحائل أجود وأقوى، والاختيار الياء، لما ذكرنا من العلة، ولأن به قرأ أكثر القراء، وذلك حجة، وكل ما وقع مثل هذا في التأنيث والتذكير أقول: علته كعلة {ولا يقبل}، فيستغنى عن إعادة هذه العلل وتكريرها، فاعلم ذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/239]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} [آية/ 48]:-
بالتاء، قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
لأن الشفاعة مؤنثة لمكان التاء، فينبغي أن يكون في الفعل المسند إليها علامة التأنيث؛ لتكون العلامة مؤذنة بأن الفاعل مؤنث، وهذا هو القياس في جميع الكلام.
وقرأ الباقون {يُقْبَلُ} بالياء.
ووجه ذلك أن تأنيث الشفاعة ليس بحقيقي؛ لأنها مصدر، فهي بمنزلة
[الموضح: 273]
التشفع كالموعظة في قوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ} إذ هي في معنى الوعظ، وكالصيحة في قوله تعالى: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} إذ هي في معنى الصوت.
ثم إنه فصل بين الشفاعة وبين فعلها بقوله {مِنْها} فازداد التذكير حسنًا، إذ جاء التذكير مع الفصل في الحقيقي نحو: حضر القاضي اليوم امرأة، فلأن يجيء في غير الحقيق أولى). [الموضح: 274]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:42 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (49) إلى الآية (53) ]
{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)}

قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن: [يَذْبَحُونَ أَبْنَاءَكُمْ].
قال أبو الفتح: وجه ذلك أن فعَلت بالتخفيف قد يكون فيه معنى التكثير؛ وذلك لدلالة الفعل على مصدره، والمصدر اسم الجنس، وحسبك بالجنس سَعَة وعمومًا، ألا ترى إلى قول عبد الرحمن بن حسان:
وكنتَ أذلَّ من وتِد بقاعٍ ... يشجِّجُ رأسه بالفِهْرِاوجِي
ولم يقل: مُوجِّئ، فكأنه قال: يشجج رأسه بالفهر شاج؛ لأن واجئ فاعل كشاج. وأنشد أبو الحسن:
أنت الفداء لقِبْلَة هدَّمتَها ... ونقرتَها بيديك كلَّ مُنَقَّر
[المحتسب: 1/81]
كأنه قال: ونقرتها؛ لأن قوله: كل منقَّر عليه جاء، وبعده قوله:
فطار كل مطير
فهذا على أنه كأنه قال: فطَيَّرَ كُلَّ مُطَيَّر، ولما في الفعل من معنى المصدر الدال على الجنس ما لم يجز تثنيته ولا جمعه؛ لاستحالة كل واحد من التثنية والجمع في الجنس.
فأما التثنية والجمع في نحو قولك: قمت قيامين، وانطلقت انطلاقين، وعند القوم أفهام، وعليهم أشغال. فلم يُثَن شيء من ذلك، ولا يُجمع ولم يرد وهو مُرادٌ به الجنس؛ ولكن المراد به النوع. وقد شرحنا ذلك في غير موضع من كتبنا، وما خرج من التعليق عنا). [المحتسب: 1/82]

قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري أيضًا: [وَإِذْ فَرَّقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ] مشددة.
قال أبو الفتح: معنى [فرَّقنا] أي: جعلناه فِرَقًا، ومعنى {فرَقنا}: شققنا بكم البحر، وفرَّقنا أشد تبعيضًا من فرَقنا، وقوله تعالى: {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} يحتمل أن يكون فرقين، ويحتمل أن يكون أفراقًا؛ ألا ترى أنك تقول: قسمت الثوب قسمين، فكان كل قسم واحد منهما عشرين ذراعًا، كما تقول ذلك وهو جماعة أقسام.
ومن ذلك فرَقتُ شعره أي: جعلته فرقين، وفرَّقت شعره أي: جعلته فِرَقًا، وجاز هنا لفظ الجمع؛ لأن كل رجل منهم قد خرق من البحر وفَرَق خَرْقًا وفِرْقًا.
وقد يكون أيضًا في فرَقنا مخففة معنى فرَّقنا مشددة على ما مضى آنفًا في: [يَذْبَحُونَ أَبْنَاءَكُمْ] ). [المحتسب: 1/82]

قوله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً)
[معاني القراءات وعللها: 1/149]
قال أبو عمرو ويعقوب: (وإذ وعدنا)، وكذلك قوله: (ووعدنا موسى ثلاثين ليلة) و(وعدناكم) بغير ألف.
وقرأ سائر القراء: (وواعدناكم) بألف.
قال أبو منصور: من قرأ (وعدنا) بغير ألف فإنما اختار وعدنا لأن المواعدة إنما تكون بين الآدميين، واستدل بقوله تعالى: (إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ)، وهذا يشبه بعضه بعضا.
ومن قرأ (واعدنا) و(واعدناكم) فحجته أن الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة، فهو من الله وعدٌ، ومن موسى قبول واتباع، فجرى مجرى المواعدة). [معاني القراءات وعللها: 1/150]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إلحاق الألف وإخراجها من قوله تعالى: وإذ وعدنا [البقرة/ 51] ووعدناكم [طه/ 80] فقرأ أبو عمرو وحده ذلك كلّه بغير ألف، وقرأ الباقون ذلك كلّه بالألف.
قال أبو علي: قالوا: وعدته، أعده، وعدا، وعدة، وموعدا وموعدة. قال: إلّا عن موعدةٍ وعدها إيّاه [التوبة/ 114] وجاء وعد في الخير والشر. قال: وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات [المائدة/ 9] وقال: ألم يعدكم ربّكم وعداً حسناً [طه/ 86] فتقول على هذا: وعدته خيرا.
وقال: النّار وعدها اللّه الّذين كفروا [الحج/ 72] فتقول على هذا: وعدته شرّا. وقال: وجعلنا لمهلكهم موعداً [الكهف/ 59]
[الحجة للقراء السبعة: 2/56]
فالموعد: مصدر وعد، وهو في الإهلاك.
فأما الإيعاد فإنه يكون في التهديد، قال:
أوعدني بالسّجن والأداهم وقال:
وموعدنا بالقتل يحسب أنّه... سيخرج منّا القتل ما القتل مانع
والوعيد: نحو من الإيعاد في أنه تهديد بشرّ، قال:
ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيدي [إبراهيم/ 14] وقال فذكر بالقرآن من يخاف وعيدي [ق/ 45] وقال أحمد بن يحيى: أوعدته، وتسكت. أو تجيء بالباء: أوعدته بشرّ، ولا تقول: أوعدته الشرّ.
قال أبو علي: ولا يمتنع في نحو هذا في القياس أن يحذف الحرف فيصل الفعل، ويدلّ على ذلك ما قدمناه. من قوله: أوعدني بالسجن، فأما الميعاد في قوله: إنّ اللّه لا يخلف الميعاد [آل عمران/ 9] فإن هذا البناء قد جاء في
[الحجة للقراء السبعة: 2/57]
الأسماء والصفات، فالاسم نحو: المصباح والمفتاح. والصفة نحو: المطعان، والمطعام. والميعاد: اسم، كما أن الميقات كذلك، وليس يخلو من أن يكون من أوعد، أو وعد. فإن كان من أوعد، فإن أوعد تختصّ بالتهديد. وإن كان من وعد في التهديد وخلافه كما تقدم ذكره، فلا إخلاف للميعاد، وقد أوقع على الإخلاف الكذب. أنشد أبو عبيدة:
أتوعدني وراء بني رياح... كذبت لتقصرنّ يداك دوني
فإن قلت: إن التكذيب واقع في الاستفهام، والاستفهام لا يحتمل الصدق ولا الكذب. فإن هذا الاستفهام تقرير والتّقرير عندهم مثل الخبر، ألا ترى أنهم لم يجيبوه بالفاء كما لم يجيبوا الخبر، وقد قال: لا تختصموا لديّ وقد قدّمت إليكم بالوعيد. ما يبدّل القول لديّ وما أنا بظلّامٍ للعبيد [ق/ 28، 29] وأما الموعود فصفة قال:
لعلّك والموعود حق لقاؤه... بدا لك في تلك القلوص بداء
التقدير: الأمر الموعود حق لقاؤه.
[الحجة للقراء السبعة: 2/58]
ومن جوّز مجيء المصدر على مفعول، جاز عنده أن يكون الموعود مثل الوعد. وقولهم: وعدت: فعل يتعدى إلى مفعولين يجوز فيه الاقتصار على أحدهما كأعطيت، وليس كظننت، قال: وواعدناكم جانب الطّور الأيمن [طه/ 80] فجانب مفعول ثان، ولا يكون ظرفا لاختصاصه، والتقدير:
وعدناكم إتيانه، أو مكثا فيه، وكذلك قول الشاعر:
فواعديه سرحتي مالك إنما هو: واعديه إتيانهما أو مكثا عندهما، أو نحو ذلك من الأحداث التي يقع الوعد عليها دون الأعيان، فأما قوله:
وعدكم اللّه مغانم كثيرةً تأخذونها [الفتح/ 20] فإن المغنم يكون الغنم كما أنّ المغرم يكون الغرم في قوله: فهم من مغرمٍ مثقلون [ن/ 46] فإن قلت فقد قال: تأخذونها والغنم الذي هو حدث لا يؤخذ، إنما يقع الأخذ على الأعيان دون المعاني. فالقول: إنه قد يجوز أن يكون المغنوم الذي هو العين، سمي باسم المصدر مثل الخلق والمخلوق، ونحو ذلك. وأنشد أحمد بن يحيى:
[الحجة للقراء السبعة: 2/59]
ضوامن ما جار الدّليل ضحى غد... من البعد ما يضمن فهو أداء
أي: مؤدّى أو ذو أداء. وجمعك للمغانم، وهو مصدر، إنما هو كالمذاهب والمجاري، ونحو ذلك من المصادر المجموعة، فإذا كان كذلك وجب أن تقدّر مضافا محذوفا، كأنه: وعدكم الله تمليك مغانم أو إيراثها، وكذلك لو جعلت المغنم اسما للأعيان المغنومة كالأموال والأرضين. فأما قوله: وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ [المائدة/ 9] وقوله: وعد اللّه الّذين آمنوا ثم قال: ليستخلفنّهم [النور/ 55] فإن الفعل لم يعدّ فيه إلى مفعول ثان وقوله: لهم مغفرةٌ وليستخلفنّهم تفسير للوعد وتبيين له، كما أنّ قوله للذّكر مثل حظّ الأنثيين [النساء/ 11] تفسير للوصية في قوله:
يوصيكم اللّه في أولادكم [النساء/ 11].
وأما قوله: ألم يعدكم ربّكم وعداً حسناً [طه/ 86] وقوله: إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ [إبراهيم/ 22] فإنّ هذا ونحوه يحتمل أمرين: يجوز أن يكون انتصاب الوعد بالمصدر.
ويجوز أن يكون انتصابه بأنّه المفعول الثاني. وسمّي الموعود به الوعد، كما سمّي المخلوق بالخلق، فإذا حملته على هذا فينبغي أن تقدر حذف المضاف، ويؤكّد الوجه الأول قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/60]
ألم يعدكم ربّكم وعداً حسناً [طه/ 86].
وأما قوله: وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم [الأنفال/ 7] فإن إحدى الطائفتين في موضع نصب بأنه المفعول الثاني، وأنها لكم: بدل منه، والتقدير: وإذ يعدكم الله ثبات إحدى الطّائفتين أو ملك إحدى الطائفتين. ونحو هذا مما يدل عليه (لكم) ألا ترى أنّ (أنّ) وما بعدها في تأويل المصدر، والطائفتان: العير والنفير.
وأما قوله: أيعدكم أنّكم إذا متّم وكنتم تراباً الآية [المؤمنون 35] فمن قدر في أن الثانية البدل. فإنه ينبغي أن يقدر محذوفا ليتم بذلك الكلام، فيصح البدل، فيكون التقدير عنده: أيعدكم أن إخراجكم إذا متم، ليكون اسم الزمان خبرا عن الحدث المراد، إذ لا يصح أن يكون خبرا عن المخاطبين من حيث كانوا أعيانا، فيكون أنّكم الثانية بدلا من الأولى.
ومن قدّر في الثانية التكرير لم يحتج إلى تقدير محذوف، ومن رفع أنّكم الثانية بالظّرف- كأنه قال: أيعدكم أنكم يوم الجمعة إخراجكم- لم يحتج إلى ذلك أيضا وقد قلنا فيها في مواضع من مسائلنا.
وأما قوله: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدةٍ وعدها إيّاه [التوبة/ 114] فالجملة في موضع جرّ لأنها صفة للنكرة وقد عاد الذكر منها إلى الموصوف، والفعل متعدّ إلى مفعول واحد ألا ترى أن الذكر يعود إلى المصدر، وقد قال
[الحجة للقراء السبعة: 2/61]
إبراهيم لأبيه: سأستغفر لك ربّي [مريم/ 47]، وقال واغفر لأبي إنّه كان من الضّالّين [الشعراء/ 86] وقال: ربّنا اغفر لي ولوالديّ [إبراهيم/ 41] وقال: قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والّذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برآؤا منكم وممّا تعبدون من دون اللّه إلى قوله إلّا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنّ لك [الممتحنة/ 4].
والمعنى: لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة في تبرّئهم من كفار قومهم، وإن كانوا ذوي أنساب منهم وأرحام، فتأسّوا بهم في ذلك، ألا تراه قال: لا تجد قوماً يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم [المجادلة/ 22] وقال: لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين [آل عمران/ 28] وقال: ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم [المائدة/ 51] فالمعنى: تأسّوا بإبراهيم وبقومه في معاداتهم لأنسبائهم وذوي قرابتهم، وترك موالاتهم لهم لمخالفتهم إياهم في دينهم وكفرهم.
فأما استغفار إبراهيم لأبيه مع أنه كان مخالفا له في التوحيد، فلا ينبغي لكم أن تستغفروا لمن كفر من آبائكم كما استغفر، لأن الاستغفار كان منه بشرط وعلى تقييد، فلا تطلقوا أنتم ذلك لمن خالفكم في توحيد الله، فإنّ استغفاره لأبيه كان مقيّدا، وإن كان قد جاء مطلقا في بعض المواضع،
[الحجة للقراء السبعة: 2/62]
فإنه إنما كان من إبراهيم على التقييد الذي جاء في مواضعه.
وقال: وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أنّ وعد اللّه حقٌّ وأنّ السّاعة لا ريب فيها [الكهف/ 21] فالمعنى فيه، وفي قوله: وإذا قيل إنّ وعد اللّه حقٌّ والسّاعة لا ريب فيها [الجاثية/ 32]: أنّ وعد الله بالبعث حق في نحو قوله: قل بلى وربّي لتبعثنّ [التغابن/ 7] فإذا عاينوا ذلك وشاهدوه وجب أن يعلموا: أن الذي وعدوا به من البعث والنشور بعد الموت، مثل الذي عاينوه، فيلزمهم الاعتراف به لمشاهدتهم له وعلمهم إياه من الوجه الذي لا يدخله ارتياب ولا تشكّك، والساعة لا ريب فيها، لأنها إنما هي يوم البعث، وقد علموا البعث والإحياء بعد الموت على ما ذكرناه. ومثل هذه قوله:
فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي اللّه الموتى [البقرة/ 73] المعنى: فقلنا: اضربوا المقتول ببعض البقرة، فضربوه به فحيي، كذلك يحيي الله الموتى، أي: يحييهم للبعث مثل هذا الإحياء الذي عوين وشوهد، ومثل ذلك، إلّا أنه في النبات قوله: فأخرجنا به من كلّ الثّمرات كذلك نخرج الموتى [الأعراف/ 57] وقوله: بل زعمتم ألّن نجعل لكم موعداً [الكهف/ 48] أي: موعدا للبعث، فجحدتم ذلك فقال: إنّ ما توعدون لآتٍ [الأنعام/ 134] وقال: بل لهم موعدٌ لن يجدوا من دونه موئلًا [الكهف/ 58] وقال: واليوم الموعود [البروج/ 2] وقال: كما بدأنا أوّل خلقٍ نعيده وعداً
علينا [الأنبياء/ 104]
[الحجة للقراء السبعة: 2/63]
دل قوله: نعيده على وعد فانتصب الوعد لدلالة الإعادة عليه في قياس قول سيبويه.
فأما قوله: ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا [البقرة/ 235] فالمعنى: لا تصرّحوا للمعتدة بلفظ النكاح والتزويج، ولكن عرّضوا به، ولا تصرحوا، وذلك نحو ما حدّثنا أحمد بن محمد البصري: قال: حدثنا المؤمّل بن هشام، قال: حدثنا إسماعيل بن عليّة عن ليث عن مجاهد في قوله: ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء [البقرة/ 235] قال: يقول: إنك لجميلة، وإنّك لنافقة، وإنك إلى خير. وقوله: إلّا أن تقولوا قولًا معروفاً [البقرة/ 235] أي: معروفا منه الفحوى، والمعنى دون التصريح ويكون: إلّا أن تقولوا قولًا معروفاً فتعرّضوا بذلك، لأن التصريح به مزجور عنه، فهو منكر غير معروف.
فأما قوله: وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة [البقرة/ 51] فليس يخلو تعلّق الأربعين بالوعد من أن يكون على أنه ظرف أو مفعول ثان، فلا يجوز أن يكون ظرفا، لأن الوعد ليس فيها كلها، فيكون جواب كم، ولا في بعضها، فيكون كما يكون جوابا لمتى، وإنما الموعد تقضّي الأربعين، فإذا لم يكن ظرفا، كان انتصابه بوقوعه موقع المفعول الثاني.
والتقدير: وعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة، أو: تتمة
[الحجة للقراء السبعة: 2/64]
أربعين ليلة، فحذفت المضاف، كما تقول: اليوم خمسة عشر من الشهر، أي: تمامه، وفسّر أن الأربعين: ذو القعدة، وعشر من ذي الحجّة.
ومثل ذلك في المعنى قوله: وواعدنا موسى ثلاثين ليلةً [الأعراف/ 142] أي: انقضاء ثلاثين وأتممناها بعشرٍ فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلةً [الأعراف/ 142] فالميقات هو الأربعون، وإنما هو ميقات وموعد، لما روي من أن القديم سبحانه وعده أن يكلّمه على الطور. فأما انتصاب الأربعين في قوله: فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلةً [الأعراف/ 142] فكقولك: تم القوم عشرين رجلا، والمعنى: تم القوم معدودين هذا العدد، وتم الميقات معدودا هذا العدد وقد جاء الميقات في موضع الميعاد، كما جاء الوقت في موضع الوعد في قوله: إلى يوم الوقت المعلوم [الحجر/ 38] ومما يبين تقاربهما قوله: فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلةً [الأعراف/ 142] ولمّا جاء موسى لميقاتنا [الأعراف/ 143] وفي الأخرى وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة [البقرة/ 51] وقال: واليوم الموعود [البروج/ 2] وقال: إلى يوم الوقت المعلوم [الحجر/ 38] وقال: إلى ميقات يومٍ معلومٍ [الواقعة/ 50].
فإن قلت: لم لا يكون الوقت في قوله: إلى يوم الوقت الوقت الذي يراد به الزمان، كقولك: هذا وقت قدوم الحاج، تريد به: الأوان الذي يقدمون فيه؟
[الحجة للقراء السبعة: 2/65]
فإنّ ذلك يبعد. ألا ترى أن اليوم لا يخلو من أن تريد به وضح النهار، أو البرهة من الزمان، ولو قلت: برهة الزمان أو يوم الزمان، لم يكن ذلك بالسهل. وليس هذا كقوله:
ولولا يوم يوم..
ولا كقوله:
حين لا حين محنّ وأنت تريد به حين حين، لأن إضافة الاسمين هنا كإضافة البعض إلى الكل.
الحجة لمن قرأ: واعدنا [البقرة/ 51] أن يقول:
قد ثبت أن الله تعالى قد كان منه وعد لموسى، ولا يخلو موسى من أن يكون قد كان منه وعد، أو لم يكن. فإن كان منه وعد، فلا إشكال في وجوب القراءة بواعدنا. وإن لم يكن منه وعد، فإنّ ما كان منه من قبول الوعد والتّحرّي لإنجازه، والوفاء به، يقوم مقام الوعد، ويجري مجراه، فإذا كان كذلك كان بمنزلة الوعد، وإذا كان مثله، وفي حكمه، حسن القراءة بواعدنا، لثبات التواعد من الفاعلين، كما قال:
ولكن لا تواعدوهنّ [البقرة/ 235] لمّا كان الوعد من
[الحجة للقراء السبعة: 2/66]
الخاطب والمخطوبة. ومما يؤكد حسن القراءة بواعدنا، أنّ «فاعل» قد يجيء من فعل الواحد نحو: عافاه الله، وطارقت النعل، وعاقبت اللصّ. فإن كان الوعد من الله سبحانه، ولم يكن من موسى كان من هذا الباب. وإن كان من موسى موعد، كان الفعل من فاعلين، فإذا كان منهما لم يكن نظر في حسن واعدنا.
وحجة من قرأ وعدنا بلا ألف قوله: وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ [المائدة/ 9] وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم [النور/ 55] وقال: ألم يعدكم ربّكم وعداً حسناً [طه/ 86] وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين [الأنفال/ 7] إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ [إبراهيم/ 22] وعدكم اللّه مغانم كثيرةً تأخذونها [الفتح/ 20].
فكلّ هذا وعد من الله عباده، وهو على «فعل» دون «فاعل». فكذلك الموضع المختلف فيه، ينبغي أن يحمل على المتفق عليه، وعلى ما كثر في التنزيل من لفظ وعد دون واعد في هذا الموضع.
واختلفوا في قوله تعالى: اتّخذتم [البقرة/ 51] وأخذتم [آل عمران/ 81] ولاتّخذت [الكهف/ 77].
[الحجة للقراء السبعة: 2/67]
فأظهر الذّال في ذلك كلّه ابن كثير وعاصم في رواية حفص، وأدغمها الباقون وأبو بكر بن عياش عن عاصم أيضا معهم.
قال أبو زيد: تقول: اتخذنا مالا، فنحن نتّخذه اتّخاذا، وتخذت اتخذ تخذا.
قال أبو علي: اتّخذ: افتعل، وفعلت منه: تخذت، قال:
لو شئت لاتّخذت عليه أجراً [الكهف/ 77] وقال:
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها... نسيفا كأفحوص القطاة المطرّق
ولم أعلم تخذت تعدّى إلا إلى مفعول واحد، فأما اتّخذت فإنه في التعدي على ضربين: أحدهما: أن يتعدى إلى مفعول واحد. والآخر: أن يتعدى إلى مفعولين.
فأمّا تعدّيه إلى مفعول واحد فنحو قوله: يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلًا [الفرقان/ 27] وأم اتّخذ ممّا يخلق بناتٍ [الزخرف/ 16] واتّخذوا من دون اللّه آلهةً [طه/ 82] لو أردنا أن نتّخذ لهواً لاتّخذناه من لدنّا [الأنبياء/ 17].
[الحجة للقراء السبعة: 2/68]
وأمّا ما تعدّى إلى مفعولين، فإن الثاني منهما الأول في المعنى قال: اتّخذوا أيمانهم جنّةً [المجادلة/ 16].
وقال: لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء [الممتحنة/ 1] فاتّخذتموهم سخريًّا [المؤمنون/ 110].
فأمّا قوله: واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى [البقرة/ 125] فإن من أجاز زيادة (من) في الإيجاب، جاز على قوله أن يكون قد تعدى إلى مفعولين، ومن لم يجز ذلك، كان عنده متعديا إلى مفعول واحد.
ونظير اتّخذ فيما ذكرناه من تعديه إلى مفعول واحد مرة، وأخرى إلى مفعولين الثاني منهما الأول في المعنى: «جعلت» قال: وجعل الظّلمات والنّور [الأنعام/ 1] أي: خلقهما.
فإذا تعدى إلى مفعولين كان الثاني الأول في المعنى، كقوله: واجعلوا بيوتكم قبلةً [يونس/ 87] وجعلناهم أئمّةً يدعون إلى النّار [القصص/ 41] وجعلنا منهم أئمّةً يهدون بأمرنا [السجدة/ 24].
فعلى الخلاف الذي تقدم ذكره: وجعلوا الملائكة الّذين هم عباد الرّحمن إناثاً [الزخرف/ 19].
فأمّا قوله: ثمّ اتّخذتم العجل من بعده [البقرة/ 51].
وقوله: باتّخاذكم العجل [البقرة/ 54]، اتّخذوه وكانوا ظالمين [الأعراف/ 148] واتّخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلًا [الأعراف/ 148]. فالتقدير في ذلك كله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/69]
اتخذوه إلها، فحذف المفعول الثاني، الدليل على ذلك: أن الكلام لا يخلو من أن يكون على ظاهره كقوله: كمثل العنكبوت اتّخذت بيتاً [العنكبوت/ 41] وقوله:
متّخذا من عضوات تولجا أو يكون على إرادة المفعول، فلا يجوز أن يكون على ظاهره دون إرادة المفعول الثاني لقوله: إنّ الّذين اتّخذوا العجل سينالهم غضبٌ من ربّهم وذلّةٌ في الحياة الدّنيا [الأعراف/ 152]، ومن صاغ عجلا، أو نجره، أو عمله بضرب من الأعمال، لم يستحقّ الغضب من الله، والوعيد عند المسلمين. فإذا كان كذلك علم أنه على ما وصفنا من إرادة المفعول الثاني المحذوف في هذه الآي.
فإن قال قائل:
فقد جاء في الحديث: «يعذّب المصوّرون يوم القيامة»
وفي بعض الحديث: «فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم».
[الحجة للقراء السبعة: 2/70]
قيل: «يعذّب المصورون» يكون على من صوّر الله تصوير الأجسام. وأما الزيادة فمن أخبار الآحاد التي لا توجب العلم، فلا يقدح لذلك في الإجماع على ما ذكرنا.
ومن زعم أنّ «تخذت» أصله من: أخذت، لم يكن هذا القول بمستقيم ولا قريب منه، ولو قلب ذلك عليه لم يجد فصلا، ألا ترى أنّ الهمزة لم تبدل من التاء، ولا التاء أبدلت منها.
فإن قلت: فلم لا يكون اتّخذت: افتعلت، من اخذت، كأنّ الهمزة لمّا أبدلت منها التاء لالتقائها مع همزة الوصل، أدغمت في التاء الزائدة كما أبدلوا في قولهم اتّسروا الجزور وإنما هو من اليسر ؟
فالقول: إنّ ما ذكرته من الإبدال لا يجوز في قياس قول أصحابنا، والذين أجازوا من ذلك شيئا لا ينبغي أن يجوز ذلك على قولهم، لاختلاف معنى الحرفين وقد قدمنا ذكر ذلك في ذكر قوله: الّذين يؤمنون بالغيب [البقرة/ 3].
[الحجة للقراء السبعة: 2/71]
فأما «أخذتم» فإن الأخذ قد استعمل منه فعل وفاعل وفعّل واستفعل:
فأما فعل منه فيتصرّف على ضروب:
منها: أنه يوجب الضّمان على المعترف به، كما يوجبه غصبت، يدلّ على ذلك ما أنشده أبو زيد:
أخذن اغتصابا خطبة عجرفيّة... وأمهرن أرماحا من الخطّ ذبّلا
فالقول في أخذن اغتصابا على ضربين: أحدهما: أن أخذن بمنزلة غصبن، فانتصب اغتصابا بعده، كما ينتصب باغتصبن، والآخر: أنه ينتصب بما يدل عليه أخذن من الاغتصاب، وما يدل على الغصب بمنزلته، وفي حكمه.
ومنها: أن يدل على العقاب، كقوله: وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمةٌ، إنّ أخذه أليمٌ شديدٌ [هود/ 103] فأخذناهم بالبأساء والضّرّاء [الأنعام/ 42] وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة [هود/ 67] وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ [الأعراف/ 165] فأخذناهم أخذ عزيزٍ مقتدرٍ [القمر/ 42].
[الحجة للقراء السبعة: 2/72]
ومنها: أن يستعمل للمقاربة، قالوا: أخذ يقول، كما قالوا: جعل يقول، وكرب يقول، [وطفق يفعل].
ومنها: أن يتلقّى بما يتلقّى به القسم، نحو قوله: وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس [آل عمران/ 187]، وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم [البقرة/ 84].
ومن ذلك قوله: خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ [البقرة/ 93] فليس معنى هذا: تناولوه، كما تقول: خذ هذا الثوب، ولكن معناه:
اعملوا بما أمرتم فيه، وانتهوا عمّا نهيتم عنه فيه بجدّ واجتهاد.
ومثل أخذ في ما ذكرنا من معنى العقاب: «آخذ». قال:
لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجّل لهم العذاب، [الكهف/ 58] ولو يؤاخذ اللّه النّاس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابّةٍ [فاطر/ 45] لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [البقرة/ 286] لا يؤاخذكم اللّه باللّغو [البقرة/ 225].
وقال أبو زيد: إنّ الحمّى لتخاوذ فلانا. إذا كانت تأخذه في الأيام، وفلان يخاوذ فلانا بالزيارة: إذا كان يتعهّده بالزيارة في الأيام. والقول في ذلك: إنه ليس من الأخذ على القلب، ولو كان منه لكان يخائذ إذا حقّقت، فإذا خفّفت قلت يخايذ، فتجعلها بين بين، فإذا كانت من الواو، لم يكن منه.
إلا أن أخذ قد جاء فيه لغتان في الفاء: الواو والهمزة، كما
[الحجة للقراء السبعة: 2/73]
جاء أكدت ووكّدت، وأوصدت وآصدت. وحكى أبو زيد في هذا الكتاب أيضا: وهو نابه ونبيه، أوسد فلان كلبه على الصيد يوسده إيسادا، وقد آسده إذا أغراه. فكذلك يكون يخاوذ، كأنه قلبه عن وخذ، فثبتت الواو التي هي فاء في القلب، فصار يخاوذ: يعافل في القلب.
وقال أبو زيد: في المصادر ائتخذنا في القتال، نأتخذ ائتخاذا.
قال أبو علي: فهذا افتعل من الأخذ، ولا يجوز الإدغام في هذا، كما جاز في قولنا: اتخذنا مالا.
وأما فعّل فقالوا: رجل مؤخّذ عن امرأته.
وقال أبو حنيفة في الرجل المؤخّذ عن امرأته: يؤجّل كما يؤجّل العنّين. وللنساء كلام فيما زعموا يسمّينه الأخذ.
وأما استفعل، فقال الأصمعي فيما روى عنه الزّياديّ الاستئخاذ: أشد الرّمد.
وقال الهذليّ:
[الحجة للقراء السبعة: 2/74]
يرمي الغيوب بعينيه ومطرفه... مغض كما كسف المستأخذ الرّمد
كما كسف المستأخذ، أي: عين المستأخذ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. والرمد: الفاعل.
ويجوز: كما كسف المستأخذ الرّمد، أي: كسف عينه، فحذف المفعول كما يحذف في غير هذا.
وأما حجّة من لم يدغم أخذتم، واتخذتم، فلأن الذّال ليس من مخرج التاء والطاء، والذّال إنما هي من مخرج الظاء والثاء، فتفاوت ما بينهما، إذ كان لكل واحد من هذين القبيلين حيز ومخرج غير مخرج الآخر. وأيضا فإن الذال مجهورة، والتاء مهموسة، والمجهور يقرّب منه المهموس بأن يبدل مجهورا، ألا ترى أنّهم قالوا: في افتعل من الزين والذّكر:
ازدان وادّكر، ومزدان ومدّكر. فلمّا قرّبوا المهموس من المجهور بأن قلبوه إليه، لم يدغم المجهور في المهموس، لأنه تقريب منه، وهذا عكس ما فعل في مزدان، لأنهم في مزدان، إنّما قرّبوا المهموس من المجهور، وأنت إذا أدغمت الذّال في التاء، قرّبت المجهور من المهموس، قال سيبويه: حدثنا من لا نتّهم أنه سمع من يقول: أخذت، فيبيّن.
وحجّة من أدغم: أنّ هذه الحروف لمّا تقاربت، فاجتمعت في أنها من طرف اللسان وأصول الثنايا، قرب كلّ
[الحجة للقراء السبعة: 2/75]
حيّز منها من الحيّز الآخر. ألا ترى أنهم أدغموا الظاء والثاء والذال في الطاء والتاء والدال، وكذلك أدغموهنّ في الظاء، وأختيها في الانفصال، نحو: ابعث داود وأنفذ ثابتا، فإذا أدغمت في الانفصال، كان إدغامها فيما يجري مجرى المتّصل أولى). [الحجة للقراء السبعة: 2/76]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة} 51
قرأ ابو عمرو وإذ وعدنا موسى بغير ألف وكذلك في الأعراف وطه
وحجته أن المواعدة إنّما تكون بين الآدميّين وأما الله جلّ وعز فإنّه المنفرد بالوعد والوعيد ويقوّي هذا قوله {إن الله وعدكم وعد الحق}
وقرأ الباقون وإذ واعدنا بالألف وحجتهم أن المواعدة كانت من الله ومن موسى فكانت من الله أنه واعد موسى لقاءه على الطّور ليكلمه ويكرمه بمناجاته وواعد موسى ربه المصير إلى الطّور لما أمره به ويجوز أن يكون المعنى على إسناد الوعد إلى الله نظير ما تقول طارقت نعلي وسافرت والفعل من واحد على ما تكلّمت به العرب). [حجة القراءات: 96]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (25- قوله: {وإذ واعدنا} قرأ أبو عمرو بغير ألف، ومثله في الأعراف وطه، وقرأه الباقون بألف بعد الواو.
26- وعلة من قرأ بغير ألف إجماعهم على قوله: {ألم يعدكم} «طه 86» ولم يقل «يواعدكم» فالوعد من الله جل وعز وعده لموسى، وأيضًا فإن المفاعلة أكثر ما تكون من اثنين بين البشر، والوعد من الله وحده كان لموسى فهو منفرد بالوعد والوعيد، وعلى ذلك جاء القرآن، قال تعالى ذكره: {وعدكم} «إبراهيم 22»، و{إذ يعدكم} «الأنفال 7»، و{النار وعدها} «الحج 72» و{ألم يعدكم} «طه 86» وأيضًا فإن ظاهر اللفظ فيه وعد من الله لموسى، وليس فيه وعد من موسى فوجب حمله على الواحد بظاهر النص، لأن الفعل مضاف إلى الله وحده، وهو اختيار أبي عبيد، وهي قراءة الحسن وأبي رجاء وأبي جعفر وشيبة وعيسى بن عمر، وبه قرأ قتادة وابن أبي إسحاق، قال أبو حاتم: قراءة العامة عندنا «وعدنا» بغير ألف، وقال: إن المواعدة أكثر ما تكون بين المخلوقين والمتكافئين، كل واحد يعد صاحبه.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/239]
27- وعلة من قرأ بألف أنه جعل المواعدة من الله ومن موسى، وعد الله موسى لقاءه على الطور ليكلمه ويناجيه، ووعد موسى الله المسير لما أمره به، والمواعدة أصلها من اثنين، وكذلك هي في المعنى، ويجوز أن تكون المواعدة من الله جل ذكره وحده، فقد تأتي المفاعلة من واحد في كلام العرب، قالوا: طارقت النعل، وداويت العليل، وعاقبت اللص، والفعل من واحد، فيكون لفظ المواعدة من الله خاصة لموسى كمعنى «وعدنا» فتكون القراءاتان بمعنى واحد، وليس يبعد أن تكون المواعدة في هذا من اثنين، فيصح «واعدنا»، لأن موسى لابد أن يكون منه وعد لإتيانه ما أمر به، فيكون من باب «واعدنا» أو يكون موسى كان منه قبول الوعد التحري لإنجازه، والوفاء به، فيقوم ذلك منه مقام الوعد، ويجري منه قبول إلى معنى المفاعلة، فتلزم القراءة بالألف في الوجهين جميعًا، وقد قال الله: {ولكن لا تواعدوهن سرًا} «البقرة 235» فأتى بالمواعدة لأن التواعد كان من الخاطب ومن المخطوبة والاختيار «واعدنا» بالألف لأنه بمعنى «وعدنا» في أحد معنييه، ولأنه لابد لموسى من وعد أو قبول، يقوم مقام الوعد، فتصح المفاعلة على الوجهين جميعًا، ولأنه عليه أكثر القراء، وهو اختيار أبي طاهر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/240]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى} [آية/ 51]:-
بالألف، قرأها ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي.
وهو من المواعدة التي تكون من اثنين، إذ كان من الله تعالى لموسى وعد، وكان من موسى عليه السلام قبول له، فجرى ذلك مجرى المواعدة، ويجوز أن يكون من موسى أيضًا وعد بالحضور في الطور أو بالصوم أو بشيءٍ من ذلك، فتصح المواعدة.
ويجوز أن يكون الوعد في {واعدنا} من الله تعالى فحسب، فيكون فاعل من واحدٍ كعاقبت اللص وطارقت النعل.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب {وَعَدْنا} بغير ألف.
لأن أكثر ما في القرآن من هذا اللفظ قد جاء على وعد دون واعد نحو: {وَعَدَ الله الَّذِينَ آَمَنُوا} و{أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ} {وَعَدَكُمُ
[الموضح: 274]
الله مَغَانِمَ}، وكل هذا على أن الواعد هو الله تعالى، فإلحاق ذلك أيضًا بما كثر مثله في التنزيل أحرى.
ثم إذا حمل {وَاعَدْنَا} في بعض وجوهِهِ على {وَعَدْنا} فلأن يختار {وَعَدْنَا} الذي هو الأصل المحمول عليه أولى). [الموضح: 275]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (20- {اتَّخَذْتُمُ} [آية/ 51]:-
بإظهار الذال، وكذلك {أَخَذْتُمْ} و{لتّخَذْتَ}، قرأها ابن كثير و- ص- عن عاصم.
ووجه ذلك أن الذال ليس من مخرج التاء، ثم إنها مجهورة، والتاء مهموسة، وهما متباينان، ثم إن المهموس قد يقرب من المجهور بأن يقلب إياه في نحو: ادكر وازدان حيث قلب التاء وهو مهموس دالاً وهو مجهور، فلو كنت تدغم الذال في التاء لكنت قربت المجهور من المهموس، وهذا عكس ما ذكرناه، وإدغام الأقوى صوتًا في الأضعف صوتًا ليس بقياس عندهم.
وقرأ الباقون بالإدغام في ذلك كله في جميع القرآن.
ووجهه أن الحرفين اجتمعا في أنهما جميعًا من طرف اللسان وأصول الثنايا، وحيز أحدهما قريب من حيز الآخر وإن تباينا في المخرج وتخالفا
[الموضح: 275]
في الهمس والجهر، وقد فعلوا مثل هذا الإدغام في: أنقذ ثابتًا، والحرفان منفصلان، فلأن يفعل فيما هو كالمتصل أولى). [الموضح: 276]

قوله تعالى: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)}

قوله تعالى: {وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة