العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 08:40 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (28) إلى الآية (30) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (28) إلى الآية (30) ]

{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:01 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي
[الجامع في علوم القرآن: 2/142]
جعفر [ .. .. ] أنه قال في هذه الآية: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} [ ....... ] المشركين يكرهونهم على الكفر [وقلوبهم .. .. ] لا يصبرون لعذابهم). [الجامع في علوم القرآن: 2/143]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء قال لا يحل للؤمن أن يتخذ كافرا وليا في دينه وقوله تعالى إلا أن تتقوا منهم تقاة إلا أن يكون بينك وبينه قرابة فتصله لذلك). [تفسير عبد الرزاق: 1/118]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (تقاةٌ وتقيّةٌ واحدةٌ). [صحيح البخاري: 6/33]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تقاةٌ وتقيّةٌ واحدٌ هو تفسير أبي عبيدة أي أنّهما مصدران بمعنًى واحدٍ وقد قرأ عاصمٌ في روايةٍ عنه إلّا أن تتّقوا منهم تقيّةً). [فتح الباري: 8/209-212]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: تقاة وتقيّةٌ واحدة)
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {إلّا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير} (آل عمران: 28) والمعنى مرتبط بما قبله. وهو أول الآية: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك} يعني: ومن يوالي الكفّار. (فليس من الله في شيء) يقع عليه اسم الولاة. (إلّا أن تتقوا منهم تقاة) . يعني: إلّا أن تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه، وانتصاب: تقاة. على أنه مفعول تتقوا، ويجوز أن يكون، تتقوا، متضمنا معنى: تخافوا، كما ذكرنا ويكون: تقاة. نصبا على التّعليل، ومعنى قول البخاريّ: تقاة وتقية واحدة، يعني: كلاهما مصدر بمعنى واحد. قرئ في موضع تقاة تقية، والعرب إذا كان معنى الكلمتين واحدًا، واختلف اللّفظ يخرجون مصدر أحد اللّفظين على مصدر اللّفظ الآخر، وكان الأصل هنا أن يقال: إلّا أن تتقوا منهم اتقاء، وهنا أخرج كذلك لأن تقاة مصدر: تقيت فلانا، ولم يخرج على مصدر: اتّقيت، لأن مصدر اتّقيت إتقاء وتقاة وتقية وتقى وتقوى، كلها مصادر تقيته، بمعنى واحد، يقال: تقى يتّقي. مثل رمى يرمي، وأصل التّاء الواو لأنّها في الأصل من الوقاية، ومن كثرة استعمالها بالتّاء يتوهّم أن التّاء من نفس الحروف). [عمدة القاري: 18/136]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (تقاةٌ وتقيّةٌ واحدةٌ، صرٌّ: بردٌ شفا حفرةٍ مثل شفا الرّكيّة وهو حرفها: تبوّئ: تتّخذ
معسكرًا. المسوّم الّذي له سيماءٌ بعلامةٍ، أو بصوفةٍ، أو بما كان ربّيّون الجميع، والواحد ربّيٌّ. تحسّونهم: تستأصلونهم قتلًا. غزًّا: واحدها غازٍ. سنكتب: سنحفظ نزلًا: ثوابًا ويجوز ومنزلٌ من عند اللّه كقولك أنزلته. وقال مجاهدٌ: والخيل المسوّمة: المطهّمة الحسان. وقال ابن جبيرٍ: وحصورًا لا يأتي النّساء، وقال عكرمة: من فورهم من غضبهم، يوم بدرٍ وقال مجاهدٌ: يخرج الحيّ: النّطفة تخرج ميّتةً ويخرج منها الحيّ الإبكار أوّل الفجر والعشيّ: ميل الشّمس، أراه إلى أن تغرب). [إرشاد الساري: 7/49]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (تقاة وتقية) بوزن مطية (واحدة) وفي نسخة واحد أي كلاهما مصدر بمعنى واحد وبالثانية قرأ يعقوب والتاء فيهما بدل من الواو لأن أصل تقاة وقية مصدر على فعلة من الوقاية، وأراد المؤلّف قوله تعالى: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} المسبوق بقوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك} أي اتخاذهم أولياء {فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة} [آل عمران: 28] أي إلا أن تخافوا من جهتهم ما يجب اتقاؤه والاستثناء مفرغ من المفعول من أجله، والعامل فيه لا يتخذ أي لا يتخذ المؤمن الكافر وليًّا لشيء من الأشياء إلا للتقية ظاهرًا فيكون مواليه في الظاهر ومعاديه في الباطن. قال ابن عباس: ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان، ونصب تقاة في الآية على المصدر أي تتقوا منهم اتقاء فتقاة واقعة موقع الإتقاء أو النصب على الحال من فاعل تتقوا فتكون حالًا مؤكدة). [إرشاد الساري: 7/49]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين قال يعني إلا مصانعة في الدين). [تفسير مجاهد: 125]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير}
وهذا نهي من اللّه عزّ وجلّ المؤمنين أن يتّخذوا الكفّار أعوانًا وأنصارًا وظهورًا، ولذلك كسر يتّخذ لأنّه في موضع جزمٍ بالنّهي، ولكنّه كسر الذّال منه للسّاكن الّذي لقيه وهي ساكنةٌ،
ومعنى ذلك: لا تتّخذوا أيّها المؤمنون الكفّار ظهرًا وأنصارًا، توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلّونهم على عوراتهم، فإنّه من يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ؛ يعني بذلك فقد برئ من اللّه، وبرئ اللّه منه بارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً، إلاّ أن تكونوا في سلطانهم، فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مسلمٍ بفعلٍ.
- كما: حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} قال: نهى اللّه سبحانه المؤمنين أن يلاطفوا الكفّار، أو يتّخذوهم وليجةً من دون المؤمنين إلاّ أن يكون الكفّار عليهم ظاهرين، فيظهرون لهم اللّطف ويخالفونهم في الدّين وذلك قوله: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقة}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان الحجّاج بن عمرٍو حليف كعب بن الأشرف وابن أبي الحقيق، وقيس بن زيدٍ، قد بطنوا بنفرٍ من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم، فقال رفاعة بن المنذر بن زنبرٍ، وعبد اللّه بن جبيرٍ، وسعد بن خيثمة لأولئك النّفر: اجتنبوا هؤلاء اليهود واحذروا لزومهم ومباطنتهم، لا يفتنوكم عن دينكم، فأبى أولئك النّفر إلاّ مباطنتهم ولزومهم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} إلى قوله: {واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
- حدّثنا محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، في قوله: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} يقول: لا يتّخذ المؤمن كافرًا وليًّا من دون المؤمنين.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين} إلى: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً} أمّا أولياء: فيواليهم في دينهم، ويظهرهم على عورة المؤمنين، فمن فعل هذا فهو مشركٌ، فقد برئ اللّه منه، إلاّ أن يتّقي منهم تقاةً، فهو يظهر الولاية لهم في دينهم والبراءة من المؤمنين.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا قبيصة بن عقبة، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عمّن حدّثه عن ابن عبّاسٍ: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً} قال: التّقاة: التّكلّم باللّسان، وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا حفص بن عمر، قال: حدّثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً} قال: ما لم يهرق دم مسلمٍ، وما لم يستحلّ ماله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} إلاّ مصانعةً في الدّنيا ومخالقةً
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} إلى: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً} قال: قال أبو العالية: التّقيّة باللّسان وليس بالعمل.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً} قال: التّقيّة باللّسان من حمل على أمرٍ يتكلّم به وهو للّه معصيةٌ، فتكلّم مخافةً على نفسه، وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان، فلا إثم عليه، إنّما التّقيّة باللّسان.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً} فالتّقيّة باللّسان من حمل على أمرٍ يتكلّم به وهو معصيةٌ للّه فيتكلّم به مخافة النّاس وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان، فإنّ ذلك لا يضرّه، إنّما التّقيّة باللّسان
وقال آخرون: معنى: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً} إلاّ أن يكون بينك وبينه قرابةٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء} من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً نهى اللّه المؤمنين أن يوادّوا الكفّار أو يتولّوهم دون المؤمنين، وقال اللّه: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً} الرّحم من المشركين من غير أن يتولّوهم في دينهم إلاّ أن يصل رحمًا له في المشركين.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء} قال: لا يحلّ لمؤمنٍ أن يتّخذ كافرًا وليًّا في دينه، وقوله: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً} قال: أن يكون بينك وبينه قرابةٌ، فتصله لذلك.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، في قوله: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً} قال: صاحبهم في الدّنيا معروفًا الرّحم وغيره، فأمّا في الدّين فلا
وهذا الّذي قاله قتادة تأويلٌ له وجهٌ، وليس بالوجه الّذي يدلّ عليه ظاهر الآية: إلا أن تتّقوا من الكافرين تقاةً. فالأغلب من معاني هذا الكلام: إلاّ أن تخافوا منهم مخافةً، فالتّقيّة الّتي ذكرها اللّه في هذه الآية إنّما هي تقيّةٌ من الكفّار، لا من غيرهم، ووجّهه قتادة إلى أنّ تأويله: إلاّ أن تتّقوا اللّه من أجل القرابة الّتي بينكم وبينهم تقاةً، فتصلون رحمها، وليس ذلك الغالب على معنى الكلام، والتّأويل في القرآن على الأغلب الظّاهر من معروف كلام العرب المستعمل فيهم.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً} فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً} على تقدير فعلةٍ مثل تخمةٍ وتؤدةٍ وتكأةٍ من اتّقيت.
وقرأ ذلك آخرون: (إلاّ أن تتّقوا منهم تقيّةً) على مثال فعيلةٍ.
والقراءة الّتي هي القراءة عندنا، قراءة من قرأها: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً} لثبوت حجّة ذلك بأنّه القراءة الصّحيحة بالنّقل المستفيض الّذي يمتنع معه الخطأ). [جامع البيان: 5/315-320]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير}
يعني تعالى ذكره بذلك: ويخوّفكم اللّه من نفسه أن تركبوا معاصيه أو توالوا أعداءه، فإلى للّه مرجعكم ومصيركم بعد مماتكم، ويوم حشركم لموقف الحساب، يعني بذلك: متى صرتم إليه، وقد خالفتم ما أمركم به وأتيتم ما نهاكم عنه من اتّخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين نالكم من عقاب ربّكم ما لا قبل لكم به، يقول: فاتّقوه واحذروه أن ينالكم ذلك منه، فإنّه شديد العذاب). [جامع البيان: 5/320]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ إلّا أن تتّقوا منهم تقاةً ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير (28)
قوله تعالى: لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين قال: نهى اللّه سبحانه المؤمنين أن يلاطفوا الكفّار، ويتّخذونهم وليجةً من دون المؤمنين إلا أن يكون الكفّار عليهم ظاهرين، فيظهرون اللّطف ويخالفونهم في الدّين، وذلك قوله: إلا أن تتّقوا منهم تقاةً.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أمّا أولياء فيواليهم في دينهم، ويظهرهم على عورة المؤمنين.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال محمّد بن إسحاق، قال محمّد بن أبي محمّدٍ وكان الحجّاج بن عمرٍو، وابن أبي الحقيق، وقيس بن زيدٍ، قد بطنوا بنفرٍ من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم، فقال رفاعة بن المنذر، وعبد اللّه بن جبير وسعد ابن خثيمة لأولئك النّفر: اجتنبوا هؤلاء النّفر من اليهود واحذروا مباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم، فأبى أولئك النّفر، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيهم لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين إلى قوله: واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ.
قوله تعالى: ومن يفعل ذلك
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ ومن يفعل ذلك قال: ومن يفعل هذا فهو مشركٌ.
قوله تعالى: فليس من اللّه في شيءٍ
- وبه عن السّدّيّ فليس من اللّه في شيءٍ فقد برىء اللّه منه.
قوله تعالى: إلا أن تتّقوا منهم تقاة
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر العدنيّ، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله: إلا أن تتّقوا منهم تقاةً ما لم يهرق دم مسلمٍ وما لم يستحلّ ماله.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، عن أبيه عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ قوله: إلا أن تتّقوا منهم تقاةً فالتّقيّة باللّسان من حمل على أمرٍ يتكلّم به وهو معصيةٌ للّه، فيتكلّم به مخافة النّاس وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان فإنّ ذلك لا يضرّه إنّما التّقيّة باللّسان.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة قال: الثّوريّ، قال ابن عبّاسٍ:
ليست التّقيّة بالعمل، إنّما التّقيّة بالقول.
- حدّثنا كثير بن شهابٍ المذحجيّ، ثنا محمّد بن سعيد بن سابقٍ، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله: إلا أن تتّقوا منهم تقاةً قال: التّقاة باللّسان ليس بالعمل.
- قرأت على محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني رجالٌ من أهل العلم عن عطاء بن أبي رباحٍ، أنّه كان لا يرى طلاق المكره شيئًا، قال اللّه تعالى: إلا أن تتّقوا منهم تقاةً
قال أبو محمّدٍ: وروي عن الضّحّاك، وجابر بن زيدٍ أنّه قال: التّقيّة باللّسان.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: إلا أن تتّقوا منهم تقاةً إلا مصانعةً في الدّنيا ومخالقةً.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ عن قتادة إلا أن تتّقوا منهم تقاةً قال: إلا أن يكون بينك وبينه قرابةً فتصله لذلك.
قوله تعالى: ويحذّركم اللّه نفسه
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو بكرٍ محمّد بن يزيد بن خنيسٍ، قال سمعت أبي يقول: سمعت سفيان الثّوريّ يقول ويحذّركم اللّه نفسه قال سفيان:
من رأفته بكم تحذيره إيّاكم نفسه.
قوله تعالى: وإلى اللّه المصير
- حدّثنا أبي، ثنا سويد بن سعيدٍ ثنا مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي حسينٍ، عن عبد الرّحمن بن سابطٍ عن عمرو بن ميمونٍ الأوديّ ، قال: قام معاذ بن جبلٍ فقال: تعلمون أنّ المعاد إلى اللّه إلى الجنّة أو إلى النار). [تفسير القرآن العظيم: 2/628-630]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن يعقوب الشّيبانيّ، حدّثني أبي، ثنا أبو همّامٍ، ثنا محمّد بن بشرٍ العبديّ، قال: سمعت سفيان بن سعيدٍ، يذكر عن ابن جريجٍ، حدّثني عطاءٌ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، " {إلّا أن تتّقوا منهم تقاةً} [آل عمران: 28] قال: التّقاة التّكلّم باللّسان والقلب مطمئنٌّ بالإيمان، فلا يبسط يده فيقتل، ولا إلى إثمٍ فإنّه لا عذر له «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ). [المستدرك: 2/319]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 28
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان الحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف، وابن أبي الحقيق وقيس بن زيد قد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعد بن خيثمة لأولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء النفر من يهود واحذروا مباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم، فأبى أولئك النفر فأنزل الله فيهم {لا يتخذ المؤمنون الكافرين} إلى قوله {والله على كل شيء قدير}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال: نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار ويتخذوهم وليجة من دون المؤمنين إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين أولياء فيظهرون لهم اللطف ويخالفونهم في الدين، وذلك قوله {إلا أن تتقوا منهم تقاة}.
وأخرج ابن جبير، وابن أبي حاتم عن السدي {ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء} فقد برى ء الله منه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {إلا أن تتقوا منهم تقاة} فالتقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية لله فيتكلم به مخافة الناس وقلبه مطمئن بالإيمان فان ذلك لا يضره إنما التقية باللسان.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" من طريق عطاء عن ابن عباس {إلا أن تتقوا منهم تقاة} قال التقاة التكلم باللسان والقلب مطمئن بالإيمان ولا يبسط يده فيقتل ولا إلى إثم فانه لا عذر له.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد {إلا أن تتقوا منهم تقاة} قال: إلا مصانعة في الدنيا ومخالقة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال التقية باللسان وليس بالعمل.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة {إلا أن تتقوا منهم تقاة} قال: إلا أن يكون بينك وبينه قرابة فتصله لذلك.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال التقية جائزة إلى يوم القيامة
وأخرج عبد عن أبي رجاء أنه كان يقرأ إلا أن تتقوا منهم تقية.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنه كان يقرؤها (إلا أن تتقوا منه تقية) بالياء.
وأخرج عبد بن حميد من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم {إلا أن تتقوا منهم تقاة} بالألف ورفع التاء). [الدر المنثور: 3/504-507]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه اللّه ويعلم ما في السّموات وما في الأرض واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: قل يا محمّد للّذين أمرتهم أن لا يتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين: إن تخفوا ما في صدوركم من موالاة الكفّار فتسرّوه أو تبدوا ذلكم من أنفسكم بألسنتكم وأفعالكم، فتظهروه يعلمه اللّه فلا يخفى عليه؛ يقول: فلا تضمروا لهم مودّةً، ولا تظهروا لهم موالاةً، فينالكم من عقوبة ربّكم ما لا طاقة لكم به؛ لأنّه يعلم سرّكم وعلانيتكم، فلا يخفى عليه شيءٌ منه، وهو محصيه عليكم حتّى يجازيكم عليه بالإحسان إحسانًا، وبالسّيّئة مثلها.
- كما: حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: أخبرهم أنّه يعلم ما أسرّوا من ذلك وما أعلنوا، فقال: {إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه}
وأمّا قوله: {ويعلم ما في السّموات وما في الأرض} فإنّه يعني أنّه إذ كان لا يخفى عليه شيءٌ هو في سماءٍ أو أرضٍ أو حيث كان، فكيف يخفى عليه أيّها القوم الّذين يتّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ما في صدوركم من الميل إليهم بالمودّة والمحبّة، أو ما تبدونه لهم بالمعونة فعلاً وقولا.
وأمّا قوله: {واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} فإنّه يعني: واللّه قديرٌ على معاجلتكم بالعقوبة على موالاتكم إيّاهم، ومظاهرتكموهم على المؤمنين، وعلى ما يشاء من الأمور كلّها، لا يتعذّر عليه شيءٌ أراده، ولا يمتنع عليه شيءٌ طلبه). [جامع البيان: 5/320-321]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه اللّه ويعلم ما في السّماوات وما في الأرض واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (29) يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضرًا وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدًا بعيدًا ويحذّركم اللّه نفسه واللّه رءوفٌ بالعباد (30)
قوله تعالى: قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه اللّه
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ يعني قوله: قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله فأخبرهم أنّه يعلم ما أسرّوا من ذلك وما أعلنوا، فقال: إن تبدوا شيئًا أو تخفوه فإنّ اللّه يعلمه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قال ابن عبّاسٍ: خلق اللّه اللّوح المحفوظ كمسيرة مائة عامٍ، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق وهو على العرش: اكتب، فقال القلم:
وما أكتب؟ قال: علمي في خلقي إلى يوم القيامة السّاعة، فجرى القلم بما هو كائنٌ في علم اللّه إلى يوم القيامة فذلك يقول للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه يعلم ما في السماوات والأرض.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة، ثنا محمّد بن إسحاق واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ أي إنّ اللّه على كلّ ما أراد بعباده من نقمةٍ أو عفوٌّ قديرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/631-632]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 29 - 30.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي قال: أخبرهم أنه يعلم ما أسروا من ذلك وما أعلنوا فقال {إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله} ). [الدر المنثور: 3/507-508]

تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا ابن عيينة عن عمرو عن الحسن أنه قرأ ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد قال من رأفته بهم أن حذرهم نفسه). [تفسير عبد الرزاق: 1/118]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضرًا وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدًا بعيدًا ويحذّركم اللّه نفسه واللّه رءوفٌ بالعباد}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ويحذّركم اللّه نفسه، في يومٍ تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضرًا موفّرًا، وما عملت من سوءٍ {تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدًا بعيدًا} يعني غايةً بعيدةً، فإنّ مصيركم أيّها القوم يومئذٍ إليه فاحذروه على أنفسكم من ذنوبكم.
وكان قتادة يقول في معنى قوله: {محضرًا}.ما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضرًا} يقول موفّرًا
وقد زعم بعض أهل العربيّة أنّ معنى ذلك: واذكر يوم تجد، وقال: إنّ ذلك إنّما جاء كذلك؛ لأنّ القرآن إنّما نزل للأمر والذّكر، كأنّه قيل لهم: اذكروا كذا وكذا؛ لأنّه في القرآن في غير موضعٍ، واتّقوا يوم كذا وحين كذا
وأمّا ما الّتي مع عملت فبمعنى الّذي ولا يجوز أن تكون جزاءً لوقوع تجد عليه.
وأمّا قوله: {وما عملت من سوءٍ} فإنّه معطوفٌ على قوله: ما الأولى، وعملت صلةٌ بمعنى الرّفع، لمّا قيل تودّ.
فتأويل الكلام: يوم تجد كلّ نفسٍ الّذي عملت من خيرٍ محضرًا، والّذي عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدًا.
والأمد الغاية الّتي ينتهي إليها، ومنه قول الطّرمّاح:
كلّ حيٍّ مستكملٌ عدّة العمـ = ـر ومودٍ إذا انقضى أمده
يعني غاية أجله.
- وقد: حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدًا بعيدًا} مكانًا بعيدًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {أمدًا بعيدًا} قال: أجلا.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، في قوله: {وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدًا بعيدًا} قال: يسرّ أحدهم أن لا يلقى عمله ذاك أبدًا يكون ذلك مناه، وأمّا في الدّنيا فقد كانت خطيئته يستلذّها). [جامع البيان: 5/322-323]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويحذّركم اللّه نفسه واللّه رءوفٌ بالعباد}
يقول جلّ ثناؤه: ويحذّركم اللّه نفسه أن تسخطوها عليكم بركوبكم ما يسخطه عليكم، فتوافونه يوم تجد كلّ نفسٌ ما عملت من خيرٍ محضرًا، وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدًا بعيدًا، وهو عليكم ساخطٌ، فينالكم من أليم عقابه ما لا قبل لكم به.
ثمّ أخبر عزّ وجلّ أنّه رءوفٌ بعباده رحيمٌ بهم، ومن رأفته بهم تحذيره إيّاهم نفسه، وتخويفهم عقوبته، ونهيه إيّاهم عمّا نهاهم عنه من معاصيه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن ابن عيينة، عن عمرو بن الحسن، في قوله: {ويحذّركم اللّه نفسه واللّه رءوفٌ بالعباد} قال: من رأفته بهم أن حذّرهم نفسه). [جامع البيان: 5/323-324]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خير محضرا
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضرًا يقول:
موفّرًا.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عليّ بن زنجة، ثنا عليّ بن الحسن يعني ابن شقيقٍ، عن الحسين بن واقدٍ، عن مطرٍ في قوله: يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضرًا قال: موفّرًا مكنزًا.
قوله تعالى: وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدا بعيدا
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدًا بعيدًا قال: يسرّ أحدهم أن لا يلقى عمله ذلك أبدًا يكون ذلك مناه، وأمّا في الدّنيا فقد كانت خطيئته يستلذّها.
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن الحسين الدّرهميّ، ثنا المعتمر، عن أبي عامرٍ الخزّاز، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن سعيد بن المسيّب قال: إنّ المؤمن يوم القيامة إذا بدّل اللّه سيّئاته حسناتٍ، ودان سيّئاته. كانت أكثر، قال: فذكرت ذلك لمجاهدٍ، فلم يقل: إنّه ليس كما قال، وقرأ يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضرًا وما عملت من سوءٍ تودّ لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: أمدًا بعيدًا
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ أمدًا بعيدًا يقول: مكانًا بعيدًا.
قوله تعالى: ويحذّركم اللّه نفسه والله رؤف بالعباد
- حدّثنا أبي، ثنا عمران بن موسى الطّرسوسيّ، ثنا فيض بن إسحاق قال: قال الفضيل بن عياضٍ في قوله: ويحذّركم اللّه نفسه قال: قال الحسن:
من رأفته بهم حذّرهم نفسه). [تفسير القرآن العظيم: 2/631-632]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا} يقول: موفرا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا} قال: يسر أحدهم أن لا يلقى عمله ذلك أبدا يكون ذلك مناه وأما في الدنيا فقد كانت خطيئة يستلذها.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي {أمدا بعيدا} قال: مكانا بعيدا.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج {أمدا} قال: أجلا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد} قال: من رأفته بهم حذرهم نفسه). [الدر المنثور: 3/507-508]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 4 جمادى الآخرة 1434هـ/14-04-2013م, 08:24 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي


التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لاّ يتّخذ المؤمنون...}
نهي، ويجزم في ذلك, ولو رفع على الخبر كما قرأ من قرأ: {لا تضارّ والدةٌ بولدها}, وقوله: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً} هي أكثر كلام العرب، وقرأه القرّاء, وذكر عن الحسن ,ومجاهد أنهما قرءا "تقيّة", وكلّ صواب). [معاني القرآن: 1/205]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({تقاةً}: وتقيّة واحدة). [مجاز القرآن: 1/90]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لاّ يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير}
وقال: {لاّ يتّخذ المؤمنون الكافرين} بكسر {يتّخذ} ؛ لأنه لقيته لام ساكنة, وهي نهي, فكسرته.
وقال تعالى: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقيّةً},
وقال بعضهم {تقاةً}, وكلٌّ عربي, و{تقاةٌ} أجود، مثل: "إتّكأ" "تكأةً", و"إتّخم" "تخمةً" و"إتّحف" "تحفةً"). [معاني القرآن: 1/166]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وذكر الله جلّ وعزّ بعد هذا التقديس, والتعظيم أمر المنافقين فقال:{لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيء إلّا أن تتّقوا منهم تقاة ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير}, القراءة بالجزم، وكسر الذال لالتقاء السّاكنين، ولو رفعت لكان وجهاً.
فقلت: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين}
المعنى: أنه من كان مؤمنا فلا ينبغي أن يتخذ الكافر ولياً ؛ لأن ولي الكافر راض بكفره، فهو كافر.
قال الله جلّ وعزّ: {ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم}.
وقال: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض},ومعنى: {من دون المؤمنين}أي: لا يجعل ولاية لمن هو غير مؤمن، أي لا يتناول الولاية من مكان دون مكان المؤمنين، وهذا كلام جرى على المثل في المكان كما تقول: زيد دونك, فلست تريد أنه في موضع مستقل , وأنك في موضع مرتفع، ولكنك جعلت الشرف بمنزلة الارتفاع في المكان، وجعلت الخسّة كالاستقبال في المكان, فالمعنى: أن المكان المرتفع في الولاية مكان المؤمنين, فهذا بيان قوله: {من دون المؤمنين}.
ومعنى{ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيء} أي : من يتول غير المؤمنين , فاللّه بريء منه.
{إلّا أن تتّقوا منهم تقاة}: و (تقيّة) قرئا جميعاً, فأباح الله جلّ وعزّ الكفر مع القصة.
والتقيّة خوف القتل، إلا أن هذه الإباحة لا تكون إلا مع سلامة النية وخوف القتل.
{ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير}, معنى: (نفسه) إيّاها إلا أن النفس يستغنى بها هنا عن " إياه " وهو الكلام، وأما قوله عز وجل: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك}, فممّا به خوطب العباد على قدر علمهم، ومعناه: تعلم ما عندي وما في حقيقتي, ولا أعلم ما عندك لا ما في حقيقتك.
وفي قوله: {تؤتي الملك من تشاء} أي: تؤتي الملك من تشاء أن تؤتيه، وكذلك {وتنزع الملك ممّن تشاء} أن تنزعه منه إلا أنه حذف ؛ لأن في الكلام ما يدل عليه). [معاني القرآن: 1/396-397]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين}أي: لا يتولوهم في الدنيا؛ لأن المنافقين أظهروا الإيمان وعاضدوا الكفار , فقال الله عز وجل: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} , وقال: {ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة}
قال ابن عباس: هو أن يتكلم بلسانه, ولا يقتل, ولا يأتي إنما ويكون قلبه مطمئناً بالإيمان.
وقرأ جابر بن زيد,ومجاهد, وحميد, والضحاك: {إلا أن تتقوا منهم تقية} .
وقال الضحاك: التقية باللسان ,
والمعنى عند أكثر أهل اللغة واحد

وروى عوف عن الحسن, قال: التقية جائزة للمسلم إلى يوم القيامة غير أنه لا يجعل في القتل تقية .
ومعنى{فليس من الله شيء}: فليس من حزب الله .
وحكى سيبويه هو منى فرسخين , أي: من أصحابي .
ومعنى {من دون المؤمنين} :من مكان دون مكان المؤمنين, وهو مكان الكافرين
ويحذركم الله نفسه, والله رؤوف بالعباد, أي: يحذركم إياه). [معاني القرآن: 1/384]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (والتقاة والتقية واحد، والاتقاء والتقوى، كله بمعنى واحد). [ياقوتة الصراط: 187]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يعلمه اللّه...}جزم على الجزاء, {ويعلم ما في السّماوات وما في الأرض} رفع على الاستئناف؛ كما قال الله في سورة براءة {قاتلوهم يعذّبهم الله} , فجزم الأفاعيل، ثم قال: {ويتوب الله على من يشاء} رفعاً على الاستئناف, وكذلك قوله: {فإن يشأ الله يختم على قلبك}, ثم قال: {ويمح الله الباطل}, ويمح في نيّة رفع مستأنفة وإن لم تكن فيها واو؛ حذفت منها الواو كما حذفت في قوله: {سندع الزّبانية}, وإذا عطفت على جواب الجزاء, جاز الرفع , والنصب, والجزم, وأمّا قوله: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر}, وتقرأ جزماً على العطف ومسكّنة تشبه الجزم, وهي في نية رفع تدغم الراء من يغفر عند اللام، والباء من يعذب عند الميم؛ كما يقال {أرأيت الذي يكذّب بالدّين} وكما قرأ الحسن {شهر رمضان}). [معاني القرآن: 1/206]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يوم تجد كلّ نفسٍ مّا عملت من خيرٍ مّحضراً...}, ما في مذهب الذي, ولا يكون جزاء ؛ لأن (تجد) قد وقعت على ما.
وقوله: {وما عملت من سوءٍ} , فإنك تردّه أيضا على (ما) , فتجعل (عملت) صلة لها في مذهب رفع لقوله: {تودّ لو أنّ بينها}, ولو استأنفتها فلم توقع عليها (تجد) جاز الجزاء؛ تجعل (عملت) مجزومة, ويقول في تودّ: تودّ بالنصب وتودّ, ولو كان التضعيف ظاهر لجاز تودد, وهي في قراءة عبد الله "وما عملت من سوء ودّت" , فهذا دليل على الجزم، ولم أسمع أحدا من القراء قرأها جزماً). [معاني القرآن: 1/206-207]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أمداً} : الأمد الغاية). [مجاز القرآن: 1/90]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يوم تجد كلّ نفسٍ مّا عملت من خيرٍ مّحضراً وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذّركم اللّه نفسه واللّه رءوفٌ بالعباد}
قال الله تعالى: {تودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً}‘؛ لأنّ "البين" ههنا ظرف وليس باسم, ولو كان اسماً لارتفع "الأمد", فإذا جئت بشيء هو ظرف للآخر, وأوقعت عليه حروف النصب, فانصب نحو قولك: "إنّ عندنا زيداً" ؛ لأن "عندنا" ليس باسم , ولو قلت: "إنّ الذي عندنا" قلت: "زيدٌ" ؛ لأن "الذي عندنا" اسم, قال: {إنّما صنعوا كيد ساحرٍ}, فجعل "إنّ" و"ما" حرفاً واحداً واعمل "صنعوا" كما تقول: "إنّما ضربوا زيداً", ومن جعل "ما" بمنزلة "الذي" يرفع الكيد). [معاني القرآن: 1/167]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذّركم اللّه نفسه واللّه رءوف بالعباد}
ونصب: {يوم تجد كلّ نفس} بقوله: {ويحذّركم اللّه نفسه}: كأنه قال: ويحذركم اللّه نفسه في ذلك اليوم، ويجوز أن يكون نصب على قوله: {وإلى اللّه المصير يوم تجد كل نفس}، والقول الأول أجود). [معاني القرآن: 1/397]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 03:15 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) }
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (ثم الصدر
يقال: الصدر من الإنسان). [كتاب الفَرْق: 72]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (ثم الصدر
وهو صدر الإنسان، والجميع: الصدور). [كتاب الفَرْق: 118]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) }
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (



يقطعن كـل مـدى بعيـد غولـهخبب السباع يقدن بالأرسان

...
وقوله كل مدى يعني كل غاية بعيدة وهو من قلوه تعالى: {أمدا بعيدا} يعني غاية بعيدة يريد مجرى ينتهى إليه). [نقائض جرير والفرزدق: 881-882]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ألفاظ تقع في كتب العهود

أمَرَه بتقوى الله فيما أسْندَ إليه وجعد بسبيله، وأن يُؤْثِرَ الله وطاعتَه آخذًا ومُعطيًا، وأعلمه أن اللّه سائِلُه عمّا عَمِل به وجَازِيه عليه، وأنّه خارجٌ من دُنياه خُروجَه من بطن أمه إما مَغْبوطًا محمودًا، وإمّا مذمومًا مسلوبًا. فليعتبر بمَنْ كان قبلَه من الوُلاَة الذينَ وَلُوا مثلَ مَا وَلي، أين صار بهم مَرُّ الليل والنهار، وما انقلبوا به من أعمالهمِ إلى قبورهم! ويتَزوَّد لنفسه الزادَ النافعَ الباقيَ {يَوْمِ تَجدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أنَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أمَدًا بَعِيدًا} ). [عيون الأخبار: 5/226]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 11 جمادى الآخرة 1435هـ/11-04-2014م, 06:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11 جمادى الآخرة 1435هـ/11-04-2014م, 06:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11 جمادى الآخرة 1435هـ/11-04-2014م, 06:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 11 جمادى الآخرة 1435هـ/11-04-2014م, 06:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير (28)}
هذا النهي عن الاتخاذ إنما هو فيما يظهره المرء فأما أن يتخذه بقلبه ونيته فلا يفعل ذلك مؤمن، والمنهيون هنا قد قرر لهم الإيمان، فالنهي إنما هو عبارة عن إظهار اللطف للكفار والميل إليهم، ولفظ الآية عام في جميع الأعصار، واختلف الناس في سبب هذه الآية، فقال ابن عباس: «كان كعب بن الأشرف وابن أبي الحقيق وقيس بن زيد قد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم، فقال رفاعة بن المنذر بن زبير وعبد الله بن جبير وسعد بن خيثمة لأولئك النفر اجتنبوا هؤلاء اليهود واحذروا مباطنتهم فأبى أولئك النفر إلا موالاة اليهود فنزلت الآية في ذلك»، وقال قوم: نزلت الآية في قصة حاطب بن أبي بلتعة وكتابه إلى أهل مكة، والآية عامة في جميع هذا ويدخل فيها فعل أبي لبابة في إشارته إلى حلقه حين بعثه النبي عليه السلام في استنزال بني قريظة، وأما تعذيب بني المغيرة لعمار فنزل فيما أباح النبي عليه السلام لعمار {إلّا من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان} [النحل: 106].
وقوله تعالى: من دون عبارة عن كون الشيء الذي تضاف إليه دون غائبا متنحيا ليس من الأمر الأول في شيءٍ، وفي المثل، وأمر دون عبيدة الوذم كأنه من غير أن ينتهي إلى الشيء الذي تضاف إليه، ورتبها الزجاج المضادة للشرف من الشيء الدون وفيما قاله نظر، قوله: {فليس من اللّه في شيءٍ} معناه، في شيء مرضي على الكمال والصواب، وهذا كما قال النبي عليه السلام: «من غشنا فليس منا»، وفي الكلام حذف مضاف تقديره، فليس من التقرب إلى الله أو التزلف ونحو هذا، وقوله: {في شيءٍ} هو في موضع نصب على الحال من الضمير الذي في قوله «ليس من الله» ثم أباح الله إظهار اتخاذهم بشرط الاتقاء، فأما إبطانه فلا يصح أن يتصف به مؤمن في حال، وقرأ جمهور الناس «تقاة» أصله وقية- على وزن فعلة- بضم الفاء وفتح العين أبدلوا من الواو تاء كتجاة وتكأة فصار تقية ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فجاء تقاةً قال أبو علي يجوز أن تكون تقاةً مثل رماة حالا من تتّقوا وهو جمع فاعل وإن كان لم يستعمل منه فاعل، ويجوز أن يكون جمع تقى وجعل فعيل بمنزلة فاعل، وقرأ ابن عباس والحسن وحميد بن قيس ويعقوب الحضرمي ومجاهد وقتادة والضحاك وأبو رجاء والجحدري وأبو حيوة «تقية» بفتح التاء وشد الياء على وزن فعيلة وكذلك روى المفضل عن عاصم وأمال الكسائي القاف في تقاةً في الموضعين، وأمال حمزة في هذه الآية ولم يمل في قوله: {حقّ تقاته} [آل عمران: 102] وفتح سائر القراء القاف إلا أن نافعا كان يقرأها بين الفتح والكسر، وذهب قتادة إلى أن معنى الآية {إلّا أن تتّقوا منهم تقاةً}: «من جهة صلة الرحم أي ملامة، فكأن الآية عنده مبيحة الإحسان إلى القرابة من الكفار»، وذهب جمهور المفسرين إلى أن معنى الآية: «إلا أن تخافوا منهم خوفا وهذا هو معنى التقية».
واختلف العلماء في التقية ممن تكون؟ وبأي شيء تكون؟ وأي شيء تبيح؟ فأما الذي تكون منه التقية فكل قادر غالب مكره يخاف منه، فيدخل في ذلك الكفار إذا غلبوا وجورة الرؤساء والسلابة وأهل الجاه في الحواضر، قال مالك رحمه الله: «وزوج المرأة قد يكره، وأما بأي شيء تكون التقية ويترتب حكمها فذلك بخوف القتل وبالخوف على الجوارح وبالضرب بالسوط وبسائر التعذيب، فإذا فعل بالإنسان شيء من هذا أو خافه خوفا متمكنا فهو مكره وله حكم التقية، والسجن إكراه والتقييد إكراه والتهديد والوعيد إكراه وعداوة أهل الجاه الجورة تقية، وهذه كلها بحسب حال المكره وبحسب الشيء الذي يكره عليه، فكم من الناس ليس السجن فيهم بإكراه، وكذلك الرجل العظيم يكره بالسجن والضرب غير المتلف ليكفر فهذا لا تتصور تقيته من جهة عظم الشيء الذي طلب منه، ومسائل الإكراه هي من النوع الذي يدخله فقه الحال»، وأما أي شيء تبيح فاتفق العلماء على إباحتها للأقوال باللسان من الكفر وما دونه ومن بيع وهبة وطلاق، وإطلاق القول بهذا كله، ومن مداراة ومصانعة، وقال ابن مسعود: «ما من كلام يدرأ عني سوطين من ذي سلطان، إلا كنت متكلما به». واختلف الناس في الأفعال، فقال جماعة من أهل العلم منهم الحسن ومكحول ومسروق: «يفعل المكره كل ما حمل عليه مما حرم الله فعله وينجي نفسه بذلك»، وقال مسروق: «فإن لم يفعل حتى مات دخل النار»، وقال كثير من أهل العلم منهم سحنون: «بل إن لم يفعل حتى مات فهو مأجور وتركه ذلك المباح أفضل من استعماله»، وروي أن عمر بن الخطاب قال في رجل يقال له، نهيت بن الحارث، أخذته الفرس أسيرا، فعرض عليه شرب الخمر وأكل الخنزير وهدد بالنار، فلم يفعل فقذفوه فيها فبلغ ذلك عمر، فقال: وما كان عليّ نهيت أن يأكل، وقال جمع كثير من العلماء التقية إنما هي مبيحة للأقوال، فأما الأفعال فلا، روي ذلك عن ابن عباس والربيع والضحاك، وروي ذلك عن سحنون وقال الحسن : «في الرجل يقال له: اسجد لصنم وإلا قتلناك، قال، إن كان الصنم مقابل القبلة فليسجد ويجعل نيته لله، فإن كان إلى غير القبلة فلا وإن قتلوه»، قال ابن حبيب: «وهذا قول حسن».
قال القاضي: «وما يمنعه أن يجعل نيته لله وإن كان لغير قبلة، وفي كتاب الله {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115] وفي الشرع إباحة التنفل للمسافر إلى غير القبلة»، هذه قواعد مسألة التقية، وأما تشعب مسائلها فكثير لا يقتضي الإيجاز جمعه.
وقوله تعالى: {ويحذّركم اللّه} إلى آخر الآية وعيد وتنبيه ووعظ وتذكير بالآخرة، وقوله: نفسه نائبة عن إياه، وهذه مخاطبة على معهود ما يفهمه البشر، والنفس في مثل هذا راجع إلى الذات، وفي الكلام حذف مضاف لأن التحذير إنما هو من عقاب وتنكيل ونحوه، فقال ابن عباس والحسن: «ويحذركم الله عقابه» ). [المحرر الوجيز: 2/ 191-194]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه اللّه ويعلم ما في السّماوات وما في الأرض واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (29) يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذّركم اللّه نفسه واللّه رؤفٌ بالعباد (30)}
الضمير في تخفوا هو للمؤمنين الذين نهوا عن اتخاذ الكافرين أولياء، والمعنى أنكم إن أبطنتم الحرص على إظهار موالاتهم فإن الله يعلم ذلك ويكرهه منكم، وقوله تعالى: {ويعلم ما في السّماوات وما في الأرض}، معناه على التفصيل، وقوله على كلّ شيءٍ قديرٌ عموم والشيء في كلام العرب الموجود). [المحرر الوجيز: 2/ 194-195]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ويوم نصب على الظرف، وقد اختلف في العامل فيه، فقال مكي بن أبي طالب: «العامل فيه قديرٌ»، وقال الطبري: «العامل فيه قوله: {وإلى اللّه المصير} [آل عمران: 28]» وقال الزجّاج: «وقال أيضا العامل فيه {ويحذّركم اللّه نفسه} [آل عمران: 28] يوم ورجحه» وقال مكي: «حكاية العامل فيه فعل مضمر تقديره، «اذكر يوم»، وما بمعنى الذي ومحضراً» قال قتادة: «معناه موفرا»، وهذا تفسير بالمعنى، والحضور أبين من أن يفسر بلفظ آخر، وقوله تعالى: {ما عملت من سوءٍ} يحتمل أن تكون ما معطوفة على ما الأولى فهي في موضع نصب وتكون تودّ في موضع الحال، وإلى هذا العطف ذهب الطبري وغيره، ويحتمل أن تكون رفعا بالابتداء ويكون الخبر في قوله: تودّ وما بعده كأنه قال: وعملها السيّء مردود عندها أن بينها وبينه أمدا، وفي قراءة ابن مسعود «من سوء ودت» وكذلك قرأ ابن أبي عبلة، ويجوز على هذه القراءة أن تكون ما شرطية ولا يجوز ذلك على قراءة «تود» لأن الفعل مستقبل مرفوع والشرط يقتضي جزمه اللهم إلا أن يقدر في الكلام محذوف «فهي تود» وفي ذلك ضعف، و «الأمد» الغاية المحدودة من المكان أو الزمان، قال النابغة: سبق الجواد إذا استولى على الأمد فهذه غاية في المكان، وقال الطرماح:
كلّ حيّ مستكمل عدّة العم ....... ر ومود إذا انقضى أمده
فهذه غاية في الزمان، وقال الحسن في تفسير هذه الآية: «يسر أحدهم أن لا يلقى عمله ذلك أبدا ذلك مناه، وأما في الدنيا فقد كانت خطيئته يستلذها»، وقوله: {واللّه رؤفٌ بالعباد} يحتمل أن يكون إشارة إلى التحذير لأن تحذيره وتنبيهه على النجاة رأفة منه بعباده، ويحتمل أن يكون ابتداء إعلام بهذه الصفة فمقتضى ذلك التأنيس لئلا يفرط الوعيد على نفس مؤمن، وتجيء الآية على نحو قوله تعالى: {إنّ ربّك لشديد العقاب، وإنّه لغفورٌ رحيمٌ} [الأعراف: 165] لأن قوله: {ويحذّركم اللّه نفسه} [آل عمران: 28] والله محذور العقاب). [المحرر الوجيز: 2/ 195-196]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 11 جمادى الآخرة 1435هـ/11-04-2014م, 06:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 11 جمادى الآخرة 1435هـ/11-04-2014م, 06:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ إلا أن تتّقوا منهم تقاةً ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير (28)}
نهى اللّه، تبارك وتعالى، عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين، وأن يتّخذوهم أولياء يسرّون إليهم بالمودّة من دون المؤمنين، ثمّ توعّد على ذلك فقال: {ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ} أي: من يرتكب نهي اللّه في هذا فقد برئ من اللّه كما قال: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانًا مبينًا} [النّساء:144] وقال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين} [المائدة: 51].
وقال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة} إلى أن قال: {ومن يفعله منكم فقد ضلّ سواء السّبيل} [الممتحنة: 1] وقال تعالى -بعد ذكر موالاة المؤمنين للمؤمنين من المهاجرين والأنصار والأعراب-: {والّذين كفروا بعضهم أولياء بعضٍ إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبيرٌ} [الأنفال: 73].
وقوله: {إلا أن تتّقوا منهم تقاةً} أي: إلّا من خاف في بعض البلدان أوالأوقات من شرّهم، فله أن يتّقيهم بظاهره لا بباطنه ونيّته، كما حكاه البخاريّ عن أبي الدّرداء أنّه قال: «إنّا لنكشر في وجوه أقوامٍ وقلوبنا تلعنهم».
وقال الثّوريّ: قال ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما: «ليس التّقيّة بالعمل إنّما التّقيّة باللّسان»، وكذا رواه العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: «إنّما التّقيّة باللّسان»، وكذا قال أبو العالية، وأبو الشّعثاء والضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ. ويؤيّد ما قالوه قول اللّه تعالى: {من كفر باللّه من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضبٌ من اللّه ولهم عذابٌ عظيمٌ} [النحل: 106].
وقال البخاريّ: قال الحسن: «التّقيّة إلى يوم القيامة».
ثمّ قال تعالى: {ويحذّركم اللّه نفسه} أي: يحذّركم نقمته، أي مخالفته وسطوته في عذابه لمن والى أعداءه وعادى أولياءه.
ثمّ قال تعالى: {وإلى اللّه المصير} أي: إليه المرجع والمنقلب، فيجازي كلّ عاملٍ بعمله.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا سويد بن سعيدٍ، حدّثنا مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي حسينٍ، عن عبد الرّحمن بن سابطٍ، عن عمرو بن ميمون بن مهران قال: «قام فينا معاذ ابن جبلٍ فقال: يا بني أودٍ، إنّي رسول رسول اللّه إليكم، تعلمون أنّ المعاد إلى اللّه إلى الجنّة أو إلى النّار» ). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 30-31]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه اللّه ويعلم ما في السّماوات وما في الأرض واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (29) يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضرًا وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدًا بعيدًا ويحذّركم اللّه نفسه واللّه رءوفٌ بالعباد (30)}
يخبر تبارك وتعالى عباده أنّه يعلم السّرائر والضّمائر والظّواهر، وأنّه لا يخفى عليه منهم خافيةٌ، بل علمه محيط بهم في سائر الأحوال والآناث واللحظات وجميع الأوقات، وبجميع ما في السموات والأرض، لا يغيب عنه مثقال ذرّةٍ، ولا أصغر من ذلك في جميع أقطار الأرض والبحار والجبال، وهو {على كلّ شيءٍ قديرٌ} أي: قدرته نافذةٌ في جميع ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 31]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وهذا تنبيهٌ منه لعباده على خوفه وخشيته، وألّا يرتكبوا ما نهى عنه وما يبغضه منهم، فإنّه عالمٌ بجميع أمورهم، وهو قادرٌ على معاجلتهم بالعقوبة، وإن أنظر من أنظر منهم، فإنّه يمهل ثمّ يأخذ أخذ عزيزٍ مقتدرٍ؛ ولهذا قال بعد هذا: {يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضرًا وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدًا بعيدًا} الآية، يعني: يوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خيرٍ وشرٍّ كما قال تعالى: {ينبّأ الإنسان يومئذٍ بما قدّم وأخّر} [القيامة: 13] فما رأى من أعماله حسنًا سرّه ذلك وأفرحه، وما رأى من قبيحٍ ساءه وغاظه، وودّ لو أنّه تبرّأ منه، وأن يكون بينهما أمدٌ بعيدٌ، كما يقول لشيطانه الّذي كان مقترنًا به في الدّنيا، وهو الّذي جرّأه على فعل السّوء: {يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين} [الزّخرف: 38].
ثمّ قال تعالى مؤكّدًا ومهدّدًا ومتوعّدًا: {ويحذّركم اللّه نفسه} أي: يخوّفكم عقابه، ثمّ قال مرجيًا لعباده لئلّا ييأسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه: {واللّه رءوفٌ بالعباد} قال الحسن البصريّ: «من رأفته بهم حذّرهم نفسه». وقال غيره: أي: رحيمٌ بخلقه، يحبّ لهم أن يستقيموا على صراطه المستقيم ودينه القويم، وأن يتّبعوا رسوله الكريم). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 31-32]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:43 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة