العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الثاني 1434هـ/21-02-2013م, 11:30 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة النساء [ من الآية (58) إلى الآية (59) ]

تفسير سورة النساء
[ من الآية (58) إلى الآية (59) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:25 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل إنّ الله نعمّا يعظكم به إنّ الله كان سميعًا بصيرًا (58) يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى الله والرّسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا مروان بن معاوية قال: نا إسماعيل بن أبي خالدٍ، قال: نا مصعب بن سعدٍ، قال: قال عليٌّ رضي اللّه عنه كلماتٍ أصاب فيهنّ: حقٌّ على الإمام أن يحكم بما أنزل اللّه عزّ وجلّ، وأن يؤدّي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحقٌّ على النّاس أن يسمعوا له وأن يطيعوا، وأن يجيبوا إذا دعوا). [سنن سعيد بن منصور: 4/1286] (م)
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، عن الأعمش، عن عبد الله بن السّائب، عن زاذان، عن البراء، قال: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} قال: الأمانة في الصّلاة، والأمانة في الغسل من الجنابة، والأمانة في الكيل، والأمانة في الوزن، وأعظم ذلك في الودائع). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 240]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل إنّ اللّه نعمّا يعظكم به إنّ اللّه كان سميعًا بصيرًا}
اختلف أهل التّأويل فيمن عني بهذه الآية، فقال بعضهم: عني بها: ولاة أمور المسلمين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن أبي مكينٍ، عن زيد بن أسلم، قال: نزلت هذه الآية: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} في ولاة الأمر.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا ليثٌ، عن شهرٍ، قال: نزلت في الأمراء خاصّةً {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا إسماعيل، عن مصعب بن سعدٍ قال: قال عليّ رضي اللّه عنه: كلماتٌ أصاب فيهنّ حقٌّ على الإمام أن يحكم بما أنزل اللّه، وأن يؤدّي الأمانة، وإذا فعل ذلك فحقٌّ على النّاس أن يسمعوا وأن يطيعوا وأن يجيبوا إذا دعوا
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ قال: حدّثنا إسماعيل عن مصعب بن سعدٍ، عن عليٍّ بنحوه.
- حدّثني محمّد بن عبيدٍ المحاربيّ، قال: حدّثنا موسى بن عميرٍ، عن مكحولٍ، في قول اللّه: {وأولي الأمر منكم} قال: هم أهل الآية الّتي قبلها: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} إلى آخر الآية.
- حدّثني يونس، قال؛ أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرنا ابن زيدٍ، قال: قال أبي: هم الولاة، أمرهم أن يؤدّوا الأمانات إلى أهلها.
وقال آخرون: أمر السّلطان بذلك أن يعطوا النّاس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} قال: يعني: السّلطان يعظون النساء.
وقال آخرون: الّذي خوطب بذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في مفاتيح الكعبة أمر بردّها على عثمان بن طلحة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} قال: نزلت في عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، قبض منه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مفاتيح الكعبة، ودخل به البيت يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح. قال: وقال عمر بن الخطّاب لمّا خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الكعبة وهو يتلو هذه الآية: فداؤه أبي وأمّي، ما سمعته يتلوها قبل ذلك.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا الزّنجيّ بن خالدٍ، عن الزّهريّ، قال: دفعه إليه وقال: أعينوه.
وأولى هذه الأقوال بالصّواب في ذلك عندي قول من قال: هو خطابٌ من اللّه إلى ولاة أمور المسلمين بأداء الأمانة إلى من ولّوا في فيئهم وحقوقهم، وما ائتمنوا عليه من أمورهم بالعدل بينهم في القضيّة. والقسم بينهم بالسّويّة، يدلّ على ذلك ما وعظ به الرّعيّة في: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} فأمرهم بطاعتهم، وأوصى الرّاعي بالرّعيّة، وأوصى الرّعيّة بالطّاعة. كما:.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} قال: قال أبي: هم السّلاطين.
وقرأ ابن زيدٍ: {تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء} وإنما نقول هم العلماء الذين يطيقون على السلطان لا ترى أنّه أمر فقال: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} والأمانات: هي الفيء الّذي استأمنهم على جمعه وقسمه، والصّدقات الّتي استأمنهم على جمعها وقسمها. {وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل} الآية كلّها فأمر بهذا الولاة، ثمّ أقبل علينا نحن، فقال: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم}.
وأمّا الّذي قال ابن جريجٍ من أنّ هذه الآية نزلت في عثمان بن طلحة فإنّه جائزٌ أن تكون نزلت فيه، وأريد به كلّ مؤتمنٍ على أمانةٍ فدخل فيه ولاة أمور المسلمين وكلّ مؤتمنٍ على أمانةٍ في دينٍ أو دنيا، ولذلك قال من قال: عني به قضاء الدّين وردّ حقوق النّاس، كالّذي:.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} فإنّه لم يرخّص لموسرٍ ولا معسرٍ أن يمسكها.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} عن الحسن: أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك.
فتأويل الآية إذًا، إذ كان الأمر على ما وصفنا: إنّ اللّه يأمركم يا معشر ولاة أمور المسلمين أن تؤدّوا ما ائتمنتكم عليه رعيّتكم من فيئهم وحقوقهم وأموالهم وصدقاتهم إليهم على ما أمركم اللّه، بأداء كلّ شيءٍ من ذلك إلى من هو له بعد أن تصير في أيديكم، لا تظلموها أهلها ولا تستأثروا بشيءٍ منها ولا تضعوا شيئًا منها في غير موضعه، ولا تأخذوها إلاّ ممّن أذن اللّه لكم بأخذها منه قبل أن تصير في أيديكم؛ ويأمركم إذا حكمتم بين رعيّتكم أن تحكموا بينهم بالعدل والإنصاف، وذلك حكم اللّه الّذي أنزله في كتابه وبيّنه على لسان رسوله، لا تعدوا ذلك فتجوروا عليهم). [جامع البيان: 7/168-173]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه نعمّا يعظكم به إنّ اللّه كان سميعًا بصيرًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: يا معشر ولاة أمور المسلمين إنّ اللّه نعمّ الشّيء يعظكم به، ونعمّت العظة يعظكم بها في أمره إيّاكم، أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها، وأن تحكموا بين النّاس بالعدل {إنّ اللّه كان سميعًا} يقول: إنّ اللّه لم يزل سميعًا بما تقولون وتنطقون، وهو سميعٌ لذلك منكم إذا حكمتم بين النّاس ولما تحاورونهم به وتنطقون {بصيرًا} بما تفعلون فيما ائتمنتم عليه من حقوق رعيّتكم وأموالهم، وما تقضون به بينهم من أحكامكم بعدلٍ تحكمون أو جورٍ، لا يخفى عليه شيءٌ من ذلك، حافظٌ ذلك كلّه عليكم، حتّى يجازي محسنكم بإحسانه ومسيئكم بإساءته، أو يعفو بفضله). [جامع البيان: 7/173]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل إنّ اللّه نعمّا يعظكم به إنّ اللّه كان سميعًا بصيرًا (58)
قوله تعالى: إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن عبد اللّه بن السّائب، عن زاذان، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: إنّ الشّهادة تكفّر كلّ ذنبٍ إلا الأمانة. يؤتى بالرّجل يوم القيامة وإن كان قتل في سبيل اللّه فيقال أدّ أمانتك، فيقول: وأنّى أؤدّيها وقد ذهبت الدّنيا، فتمثّل له الأمانة في قعر جهنّم فيهوي إليها فيحملها على عاتقه، قال: فتنزل على عاتقه فيهوي على أثرها أبد الأبد، قال زادان: فأتيت البرّاء، فحدّثته، فقال: صدق أخي إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها [5513] حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا تميم بن المنتصر، ثنا إسحاق الأزرق، عن شريكٍ عن الأعمش، عن عبد اللّه بن السّائب، عن زادان، عن عبد اللّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحو حديث سفيان الثّوريّ فلقيت البراء. قال شريكٌ: ثنا عيّاش العامريّ، عن زادان، عن عبد اللّه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحو ذلك، ولم يذكر فيه الأمانة في الصّلاة، والأمانة في كلّ شيءٍ.
- حدثنا الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن رجلٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها قال: مبهمةٌ للبرّ والفاجر. وروي عن ابن الحنفيّة قال: مسجّلةٌ للبرّ والفاجر.
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع في قول اللّه تعالى إنّ اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها قال: هذه الأمانات فيما بينك وبين النّاس في المال وغيره.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قال: الأمانة ما أمروا به ونهوا عنه.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا حفص بن غياثٍ، عن الأعمش، عن أبي الضّحى عن مسروقٍ قال: قال أبيّ بن كعبٍ: من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها.
قوله تعالى: إلى أهلها
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها يعني:
السّلطان يعظ النّساء.
وروي عن محمّد بن كعبٍ، وشهر بن حوشبٍ وزيد بن أسلم قالوا: ذلك في الأمراء.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها قال: فيما بينك وبين النّاس.
قوله تعالى: وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن عطيّة، ثنا حسن بن صالحٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن مصعب بن سعدٍ قال: قال عليٌّ: حقٌّ على الإمام أن يحكم بما أنزل اللّه، وأن يؤدّي الأمانة، فإذا فعل ذلك وجب على المسلمين أن يسمعوا له ويطيعوا، وأن يجيبوا إذا دعوا.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن إدريس، عن ليثٍ، عن شهر بن حوشبٍ قوله: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل قال: نزلت في الأمراء خاصّةً.
- حدّثني أبي، ثنا الحسين بن الأسود، ثنا أبو أسامة، ثنا أبو مكينٍ الأنصاريّ، عن زيد بن أسلم في قوله: وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل قال: نزلت في حكّام النّاس، فيمن ولي من أمور النّاس شيئاً.
- حدّثنا عمرٌو الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن أبي مكينٍ قال: سمعت زيد بن أسلم يقول: إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل قال: نزلت هذه الآية في ولاة الأمر.
قوله تعالى: إنّ اللّه نعمّا يعظكم به
- حدّثنا يحيى بن عبدك القزوينيّ، ثنا المقرئ يعني: عبد اللّه بن زيدٍ ثنا حرملة يعني بن عمران التّجيبيّ المصريّ، حدّثني أبو سليمان قال: سمعت أبا هريرة يقول: هذه الآية إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها إلى قوله إنّ اللّه نعمّا يعظكم به إنّ اللّه كان سميعاً بصيراً ويضع إبهامه على أذنه والّتي تليها على عينه، ويقول: هكذا سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأها ويضع إصبعه، قال أبو زكريّا وصفه لنا المقرئ ووضع أبو زكريّا إبهامه اليمنى على عينه اليمنى والّتي تليها على الأذن اليمنى، وأرانا فقال: هكذا.
قوله تعالى: إنّ اللّه كان سميعاً بصيراً
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة، ثنا محمّد بن إسحاق سميعاً أي سميعٌ ما يقولون.
قوله تعالى: بصيراً
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ عن أبي الخير، عن عقبة بن عامرٍ: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقرئ هذه الآية: سميعاً بصيراً يقول: بكلّ شيءٍ بصيرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 3/985-987]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا محمّد بن إسحاق بن خزيمة حدّثنا محمّد بن يحيى الذهلي حدثنا المقرى حدّثنا حرملة بن عمران التّجيبيّ عن أبي يونس واسمه سليم بن جبيرٍ عن أبي هريرة أنّه قال في هذه الآية {إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} إلى قوله: {إنّ الله كان سميعاً بصيراً} رأيت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يضع إبهاميه على أذنيه وإصبعيه الدعاءتين على عينيه). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/428]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال أبو يعلى: وثنا سعيدٌ، أخبرني عيسى بن صدقة، سمعت أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه يقول: "اتّقوا اللّه وأدّوا الأمانة، فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وأدّوا الأمانات إلى أهلها".
قال أبو يعلى: وأكثر ظنّي أن (أبا يعلى) المعلى بن هلالٍ حدّثني به، عن عيسى بن صدقة، ولكن لم أجده). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/195]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مسدّدٌ: حدثنا يحيى، ثنا سفيان، حدّثني عبد اللّه بن السّائب، عن زاذان، قال: قال عبد اللّه (هو ا) بن مسعودٍ رضي الله عنه: القتل في سبيل اللّه (تعالى) يكفّر الذّنوب كلّها غير الأمانة، يؤتى (بالشّهيد) في سبيل اللّه (عز وجل)، فيقال: أدّ أمانتك، فيقول: من أين أؤدّيها فقد ذهبت الدّنيا، قال: فقال: اذهبوا به (إلى) الهاوية، حتّى إذا انتهي به إلى قرار الهاوية، مثّلت له أمانته كهيئة يوم ذهبت، فيحملها، فيضعها على (عاتقه)، (ف) يصعد في النّار، حتّى إذا رأى أنّه قد خرج (منها) هوت، وهوى في إثرها أبد الآبدين، ثمّ قرأ (عبد اللّه): {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها}). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/586]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (حدثنا سعيدٌ أخبرني عيسى بن صدقة قال: سمعت أنس بن مالكٍ رضي الله عنه يقول: اتّقوا اللّه (تعالى)، وأدّوا (الأمانة)، فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: وأدوا الأمانات إلى أهلها). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/594]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دعا عثمان بن أبي طلحة فلما أتاه قال: أرني المفتاح، فأتاه به فلما بسط يده إليه قدم العباس فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي اجعله لي مع السقاية، فكف عثمان يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرني المفتاح يا عثمان، فبسط يده يعطيه فقال العباس مثل كلمته الأولى، فكف عثمان يده ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عثمان إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فهاتني المفتاح، فقال: هناك بأمانة الله، فقام ففتح باب الكعبة فوجد في الكعبة تمثال إبراهيم معه قداح يستقسم بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما للمشركين - قاتلهم الله - وما شأن إبراهيم وشأن القداح ثم دعا بجفنة فيها ماء فأخذ ماء فغمسه ثم غمس بها تلك التماثيل.
وأخرج مقام إبراهيم وكان في الكعبة ثم قال: يا أيها الناس هذه القبلة ثم خرج فطاف بالبيت ثم نزل عليه جبريل فيما ذكر لنا برد المفتاح فدعا عثمان بن طلحة فأعطاه المفتاح ثم قال {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} النساء الآية 58 حتى فرغ من الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} قال: نزلت في عثمان بن طلحة قبض منه النّبيّ صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة ودخل به البيت يوم الفتح فخرج وهو يتلو هذه الآية فدعا عثمان فدفع
إليه المفتاح قال: وقال عمر بن الخطاب: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة وهو يتلو هذه الآية – فداؤه أبي وأمي - ما سمعته يتلوها قبل ذلك.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم، يعني حجابة الكعبة.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} الآية، قال: أنزلت هذه الآية في ولاة الأمر وفيمن ولي من أمور الناس شيئا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب قال: نزلت في الأمراء خاصة {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}.
وأخرج سعيد بن منصور والفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال: حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا له وأن يطيعوا وأن يجيبوا إذا دعوا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} قال: يعني السلطان يعطون الناس.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} قال: هي مسجلة للبر والفاجر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال: هذه الأمانات فيما بينك وبين الناس في المال وغيره.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: إن القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة يجاء بالرجل يوم القيامة وإن كان قتل في سبيل الله فيقال له: أد أمانتك، فيقول: من أين وقد ذهبت الدنيا فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية فينطلق فتمثل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه في قعر جهنم فيحملها فيصعد بها حتى إذا ظن أنه خارج بها فهزلت من عاتقه فهوت وهوى معها أبد الآبدين، قال زاذان: فأتيت البراء بن عازب فقلت: أما سمعت ما قال أخوك ابن مسعود قال: صدق إن الله يقول {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} والأمانة في
الصلاة والأمانة في الغسل من الجنابة والأمانة في الحديث والأمانة في الكيل والوزن والأمانة في الدين وأشد ذلك في الودائع.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} قال: إنه لم يرخص لموسر ولا لمعسر.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في الآية عن الحسن أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك.
وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي صالح عن أبي هريرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك
وأخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اتئمن خان.
وأخرج البيهقي في الشعب عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إيمان لمن لا أمانة له ولا صلاة لمن لا وضوء له.
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عمرو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفة طعمة.
وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول ما يرفع من الناس الأمانة وآخر ما يبقى الصلاة ورب مصل لا خير فيه.
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول ما يرفع من هذه الأمة الحياء والأمانة فسلوهما الله عز وجل.
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عمر قال: لا تنظروا إلى صلاة أحد ولا صيامه وانظروا إلى صدق حديثه إذا حدث وإلى أمانته إذا ائتمن وإلى ورعه إذا أشفى.
وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب، مثله.
وأخرج عن ميمون بن مهران قال: ثلاثة تؤدين إلى البر والفاجر: الرحم توصل كانت برة أو فاجرة والأمانى تؤدى إلى البر والفاجر والعهد يوفى به للبر والفاجر.
وأخرج عن سفيان بن عيينة قال: من لم يكن له رأس مال فليتخذ الأمانة رأس ماله.
وأخرج عن أنس قال: البيت الذي تكون فيه خيانة لا تكون فيه البركة.
وأخرج أبو داود، وابن حبان، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم عن أبي يونس قال: سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات} إلى قوله {كان سميعا بصيرا} ويضع إبهاميه على أذنيه والتي تليها على عينه ويقول: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها ويضع أصبعيه
وأخرج ابن أبي حاتم عن عقبة بن عامر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقترئ هذه الآية {سميعا بصيرا} يقول: بكل شيء بصير). [الدر المنثور: 4/494-501]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني أيضا من سمع أبا الأحوص يقول عن الأعمش، عن مجاهد في قول الله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}، قال: هم الفقهاء والعلماء.
وقال الأعمش: وقال أبو صالح: قال أبو هريرة: هم الأمراء). [الجامع في علوم القرآن: 1/100]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرنا الحارث عن محمد بن عبيد الله عن عطاء بن أبي رباح قال: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}، قال: طاعة الله: إتباع كتابه، وطاعة الرسول: اتباع سنته، أولي الأمر منكم، قال: أهل العلم؛
وعن قتادة مثله). [الجامع في علوم القرآن: 2/9]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الحسن في قوله تعالى وأولي الأمر منكم قال هم العلماء). [تفسير عبد الرزاق: 1/166]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن النبي قال من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصا أميري فقد عصاني). [تفسير عبد الرزاق: 1/166]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا الثوري عن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى وأولي الأمر منكم قال هم أهل الفقه والعلم). [تفسير عبد الرزاق: 1/166]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرني الثوري عن ليث عن مجاهد في قوله تعالى فردوه إلى الله و الرسول قال إلى الله إلى كتابه وإلى رسوله إلى سنة نبيه). [تفسير عبد الرزاق: 1/167]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ليثٍ عن مجاهدٍ في قول اللّه جلّ وعزّ: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} قال: كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [الآية: 59]). [تفسير الثوري: 96]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل إنّ الله نعمّا يعظكم به إنّ الله كان سميعًا بصيرًا (58) يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى الله والرّسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا مروان بن معاوية قال: نا إسماعيل بن أبي خالدٍ، قال: نا مصعب بن سعدٍ، قال: قال عليٌّ رضي اللّه عنه كلماتٍ أصاب فيهنّ: حقٌّ على الإمام أن يحكم بما أنزل اللّه عزّ وجلّ، وأن يؤدّي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحقٌّ على النّاس أن يسمعوا له وأن يطيعوا، وأن يجيبوا إذا دعوا.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة - في قوله عزّ وجلّ: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} - قال: هم الأمراء.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، قال: هم الفقهاء والعلماء.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا منصورٌ، عن الحسن.
- وأبنا عبد الملك، عن عطاءٍ، قالا:أولي الفقه والعلم.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن زكريّا، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ قال: أولي الفقه والعلم، {فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى الله والرسول} قال: إلى كتاب الله، {وإلى الرسول} قال: إلى سنّة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قرأ: {ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن الحكم بن أبان، قال: سئل عكرمة، عن أمّهات الأولاد، فقال: هنّ أحرارٌ، قيل له بأيّ شيءٍ تقوله؟ قال: بالقرآن، قالوا: بماذا من القرآن؟ قال: قول اللّه عزّ وجلّ {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم}، وكان عمر من أولي الأمر قال: أعتقت وإن كان سقطًا.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن مغيرة، عن الشّعبي، عن عبيدة، قال: خطب عليٌّ رضي اللّه عنه النّاس، فقال: شاورني عمر رضي اللّه عنه في الأمّهات، فرأيت أنا وعمر أن أعتقهنّ، فقضى به عمر حياته، وعثمان حياته، فلمّا وليت رأيت أن أرقّهنّ. قال عبيدة: فرأي عمر وعليٍّ في الجماعة أحبّ إليّ من رأي عليٍّ وحده). [سنن سعيد بن منصور: 4/1286-1295]

قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59]:ذوي الأمر
- حدّثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا حجّاج بن محمّدٍ، عن ابن جريجٍ، عن يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59]، قال: «نزلت في عبد اللّه بن حذافة بن قيس بن عديٍّ إذ بعثه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سريّةٍ»). [صحيح البخاري: 6/46]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم)
ذوي الأمر كذا لأبي ذرٍّ ولغيره أولي الأمر منكم ذوي الأمر وهو تفسير أبي عبيدة قال ذلك في هذه الآية وزاد والدّليل على ذلك أنّ واحدها ذو أي واحدٌ أولى لأنّها لا واحد لها من لفظها

[4584] قوله حدّثنا صدقة بن الفضل كذا للأكثر وفي رواية بن السّكن وحده عن الفربريّ عن البخاريّ حدّثنا سنيد وهو بن داود المصّيصيّ واسمه الحسين وسنيدٌ لقبٌ وهو من حفّاظ الحديث وله تفسيرٌ مشهورٌ لكن ضعّفه أبو حاتمٍ والنّسائيّ وليس له في البخاريّ ذكرٌ إلّا في هذا الموضع إن كان بن السّكن حفظه ويحتمل أن يكون البخاريّ أخرج الحديث عنهما جميعًا واقتصر الأكثر على صدقة لاتقانه واقتصر بن السّكن على سنيدٍ بقرينة التّفسير وقد ذكر أحمد أنّ سنيدًا ألزم حجّاجًا يعني حجّاج بن محمّدٍ شيخه في هذا الحديث إلّا أنّه كان يحمله على تدليس التّسوية وعابه بذلك وكأنّ هذا هو السّبب في تضعيف من ضعّفه واللّه أعلم قوله عن يعلى بن مسلمٍ في رواية الإسماعيليّ من طريق حجاج عن بن جريجٍ أخبرني يعلى بن مسلمٍ قوله نزلت في عبد اللّه بن حذافة كذا ذكره مختصرًا والمعنى نزلت في قصّة عبد اللّه بن حذافة أي المقصود منها في قصّته قوله فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه الآية وقد غفل الدّاوديّ عن هذا المراد فقال هذا وهم على بن عبّاسٍ فإنّ عبد اللّه بن حذافة خرج على جيشٍ فغضب فأوقدوا نارًا وقال اقتحموها فامتنع بعضٌ وهمّ بعضٌ أن يفعل قال فإن كانت الآية نزلت قبل فكيف يخصّ عبد اللّه بن حذافة بالطّاعة دون غيره وإن كانت نزلت بعد فإنّما قيل لهم إنّما الطّاعة في المعروف وما قيل لهم لم لم تطيعوه انتهى وبالحمل الّذي قدّمته يظهر المراد وينتفي الإشكال الّذي أبداه لأنّهم تنازعوا في امتثال ما أمرهم به وسببه أنّ الّذين همّوا أن يطيعوه وقفوا عند امتثال الأمر بالطّاعة والّذين امتنعوا عارضه عندهم الفرار من النّار فناسب أن ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التّنازع وهو الرّدّ إلى اللّه وإلى رسوله أي إن تنازعتم في جواز الشّيء وعدم جوازه فارجعوا إلى الكتاب والسّنّة واللّه أعلم وقد روى الطّبريّ أن هذه الآية نزلت في قصّةٍ جرت لعمّار بن ياسرٍ مع خالد بن الوليد وكان خالدٌ أميرًا فأجار عمّارٌ رجلًا بغير أمره فتخاصما فنزلت فاللّه أعلم وقد تقدّم شرح حال هذه السّريّة والاختلاف في اسم أميرها في المغازي بعد غزوة حنينٍ بقليلٍ واختلف في المراد بأولي الأمر في الآية فعن أبي هريرة قال هم الأمراء أخرجه الطّبريّ بإسنادٍ صحيحٍ وأخرج عن ميمون بن مهران وغيره نحوه وعن جابر بن عبد اللّه قال هم أهل العلم والخير وعن مجاهدٍ وعطاءٍ والحسن وأبي العالية هم العلماء ومن وجهٍ آخر أصحّ منه عن مجاهدٍ قال هم الصّحابة وهذا أخصّ وعن عكرمة قال أبو بكرٍ وعمر وهذا أخصّ من الّذي قبله ورجّح الشّافعيّ الأوّل واحتجّ له بأنّ قريشًا كانوا لا يعرفون الإمارة ولا ينقادون إلى أميرٍ فأمروا بالطّاعة لمن ولي الأمر ولذلك قال صلّى اللّه عليه وسلّم من أطاع أميري فقد أطاعني متّفقٌ عليه واختار الطّبريّ حملها على العموم وإن نزلت في سببٍ خاصٍّ واللّه أعلم). [فتح الباري: 8/253-254]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولى الأمر منكم} (النّساء: 59) ذوي الأمر)

أي: هذا باب في قوله تعالى: {أطيعوا الله} إلى آخره هكذا وقع في رواية أبي ذر. وفي رواية غيره وقع كذا أولي الأمر منكم ذوي الأمر وقال الواحدي: نزلت هذه الآية في عمار لما أجار على خالد فنهاه النّبي صلى الله عليه وسلم أن يجير على أمير إلاّ بإذنه. قوله: (ذوي الأمر) تفسير لقوله: (وأولي الأمر) وكذا فسره أبو عبيدة.

- حدّثنا صدقة بن الفضل أخبرنا حجّاج بن محمّدٍ عن ابن جريجٍ عن يعلى بن مسلمٍ عن سعيدٍ بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما {أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} قال نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عديّ إذ بعثه النبيّ صلى الله عليه وسلم في سريّةٍ.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة وصدقة بن الفضل أبو الفضل المروزي، وقد تكرر ذكره، وكذا وقع في رواية الأكثرين: صدقة بن الفضل، وفي رواية ابن السكن عن الفريري عن البخاريّ. حدثنا ستنيد، بضم السّين المهملة وفتح النّون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة، وهو لقب، واسمه الحسين بن داود أبو عليّ المصّيصي من حفاظ الحديث وله تفسير مشهور، ولكن ضعفه أبو حاتم والنّسائيّ وليس له في البخاريّ ذكر إلاّ في هذا الموضع، إن كان الأمر كما ذكره ابن السكن، وقيل: يحتمل أن يكون البخاريّ روى الحديث عنهما جميعًا فاقتصر الأكثرون على صدقة بن الفضل لاتفاقه، واقتصر ابن السكن على ذكر سنيد لكونه صاحب تفسير، والحديث يتعلّق به. قلت: كلام ابن السكن أقرب لأن حجاج بن محمّد الّذي روى عنه سنيد مصيصي أيضا وإن كان أصله ترمذيا لأنّه سكن المصيصة، وحجاج، على وزن فعال بالتّشديد ابن محمّد الأعور يروي عن عبد مالك بن عبد العزيز بن جريج المكّيّ، ويعلى، بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللّام مقصورا ابن مسلم بن هرمز.
والحديث أخرجه مسلم في الجهاد عن زهير بن حرب وهارون بن عبد الله، وأبو داود فيه عن هارون بن عبد الله والتّرمذيّ فيه عن محمّد بن عبد الله والنّسائيّ في البيعة وفي السّير وفي التّفسير عن الحسن بن محمّد الزّعفراني.
قوله: (وأولى الأمر منكم) ، في تفسيره أحد عشر قولا: الأول: الأمراء، قاله ابن عبّاس وأبو هريرة وابن زيد والسّديّ. الثّاني: أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، قاله عكرمة. الثّالث: جميع الصّحابة، قال مجاهد. الرّابع: الخلفاء الأربعة قاله أبو بكر الوراق فيما قاله الثّعلبيّ. الخامس: المهاجرون والأنصار، قاله عطاء. السّادس: الصّحابة والتابعون. السّابع: أرباب العقل الّذين يسوسون أمر النّاس، قاله ابن كيسان. الثّامن: العلماء والفقهاء، قاله جابر بن عبد الله والحسن وأبو العالية. التّاسع: أمراء السّرايا. قاله ميمون بن مهران ومقاتل والكلبي. العاشر: أهل العلم والقرآن، قاله مجاهد واختاره مالك. الحادي عشر: عام في كل من ولي أمر شيء، وهو الصّحيح، وإلي مال البخاريّ بقوله: (ذوي الأمر) قوله: (نزلت في عبد الله بن حذافة) ، قد مرت ترجمته مع قصّته في المغازي واعترض الدّاوديّ فقال قول ابن عبّاس: (نزلت في عبد الله بن حذافة) وهم من غيره لأن فيه حمل الشّيء على ضدّه لأن الّذي هنا خلاف ما قاله صلى الله عليه وسلم هناك، وهو قوله إنّما الطّاعة في المعروف، وكان قد خرج على جيش فغضب ولو قدنا نارا. وقال: اقتحمونا فامتنع بعضهم وهمّ بعض أن يفعل. قال: فإن كانت الآية نزلت قبل فكيف يختص عبد الله بن حذافة بالطّاعة دون غيره؟ وإن كانت نزلت بعد فإنّما قيل لهم: إنّما الطّاعة في المعروف، وما قيل لهم لم لم تطيعوه؟ وأجيب عن هذا بأن المراد من قصّة عبد الله بن حذافة قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرّسول} وذلك لأن السّريّة الّتي عليها عبد الله بن حذافة لما تنازعوا في امتثال أمرهم به من دخول النّار وتركه كان عليهم أن يردوه في ذلك إلى الله ورسوله لقوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء} أي: في جواز شيء وعدمه. (فردّوه إلى الله ورسوله) أي: فارجعوا إلى الكتاب والسّنة، قاله مجاهد وغيره من السّلف، وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع النّاس فيه من أصول الدّين وفروعه أن يردوا المتنازع في ذلك إلى الكتاب والسّنة. كما قال تعالى: {فما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} (الشورى: 10) فما حكم به كتاب الله وسنة رسول وشهد له بالصّحّة فهو الحق فماذا بعد الحق إلاّ الضلال؟). [عمدة القاري: 18/176-177]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (أولي الأمر) ولغير أبي ذر باب قوله تعالى: ({أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر} {منكم}) [النساء: 59] أي (ذوي الأمر) وهم الخلفاء الراشدون ومن سلك طريقهم في رعاية العدل ويدرج فيهم القضاة وأمراء السرية أمر الله تعالى الناس بطاعتهم بعد ما أمرهم بالعدل تنبيهًا على أن وجوب طاعتهم ما داموا على الحق وقيل علماء الشرع لقوله تعالى: {ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذي يستنبطونه منهم} [النساء: 83].
- حدّثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا حجّاج بن محمّدٍ عن ابن جريجٍ، عن يعلى بن مسلمٍ عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما- {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولى الأمر منكم} قال: نزلت في عبد اللّه بن حذافة بن قيس بن عديٍّ إذ بعثه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في سريّةٍ.
وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي ولابن السكن فيما ذكره في الفتح حدّثنا سنيد بضم المهملة وفتح النون وبعد التحتية الساكنة دال مهملة بدل صدقة واسم والد سنيد داود المصيصي ضعف أبو حاتم سنيدًا قال: (أخبرنا حجاج بن محمد) المصيصي الأعور (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن يعلى بن مسلم) بفتح التحتية وسكون العين وفتح اللام ومسلم بضم الميم وسكون السين المهملة ابن هرمز (عن سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) في قوله تعالى: ({أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي) القرشي السهمي من قدماء المهاجرين توفي بمصر في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنهما (إذ بعثه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في سرية) وكانت فيه دعابة أي لعب فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا نارًا يصطلون عليها فقال: عزمت عليكم إلا تواثبتم في هذه النار فلما همّ بعضهم بذلك قال: أجلسوا إنما كنت أمزح فذكروا ذلك للنبي فقال: "من أمركم بمعصية فلا تطيعوه" رواه ابن سعد.
وبوّب عليه البخاري فقال: سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي ويقال إنها سرية الأنصاري ثم روي عن عليّ قال: بعث النبي صلّى اللّه عليه وسلّم سرية واستعمل رجلًا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب فقال: أليس قد أمركم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى قال: فاجمعوا لي حطبًا فجمعوا فقال: أوقدوا نارًا فأوقدوها، فقال ادخلوا فهمّوا، وجعل بعضهم يمسك بعضًا ويقولون: فررنا إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من النار فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه، فبلغ ذلك النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة الطاعة في المعروف واختلاف السياقين يدل على التعدد، لا سيما وعبد الله بن حذافة مهاجري قرشي والذي في حديث عليّ أنصاري، وقد اعترض الداودي على القول بأن الآية نزلت في عبد الله بن حذافة بأنه وهم من غير ابن عباس لأن الآية إن كانت نزلت قبل هذه القصة فكيف يخص عبد الله بن حذافة بالطاعة دون غيره، وإن كانت بعد فإنما قيل لهم إنما الطاعة في المعروف وما قيل لهم لم لم تطيعوه؟.
وأجاب في الفتح بأن المراد من قصة ابن حذافة قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59] لأن أهل السرية تنازعوا في امتثال ما أمرهم به فالذين هموا أن يطيعوه وقفوا عند امتثال الأمر بالطاعة والذين امتنعوا عارض عندهم الفرار من النار، فناسب أن ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع وهو الرد إلى الله إلى رسوله). [إرشاد الساري: 7/85]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} قال: أولي الفقه في الدّين). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 85]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {أحسن تأويلاً} يقول: خير جزاء). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 85]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وأولي الأمر}
- أخبرنا الحسن بن محمّدٍ، حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59] نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عديٍّ السّهميّ، إذ بعثه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في السّريّة "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/67]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه ربّكم فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه وأطيعوا رسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّ في طاعتكم إيّاه لربّكم طاعةً، وذلك أنّكم تطيعونه لأمر اللّه إيّاكم بطاعته. كما:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من أطاعني فقد أطاع اللّه ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى اللّه ومن عصا أميري فقد عصاني.
واختلف أهل التّأويل في معنى قوله: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول} فقال بعضهم: ذلك أمرٌ من اللّه باتّباع سنّته.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ، في قوله: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول} قال: طاعة الرّسول: اتّباع سنّته.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا يعلى بن عبيدٍ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول} قال: طاعة الرّسول: اتّباع الكتاب والسّنّة.
- وحدّثني المثنّى قال: حدّثنا سويدٌ قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عبد الملك، عن عطاءٍ، مثله.
وقال آخرون: ذلك أمرٌ من اللّه بطاعة الرّسول في حياته.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول} إن كان حيًّا.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: هو أمرٌ من اللّه بطاعة رسوله في حياته فيما أمر ونهى، وبعد وفاته في اتّباع سنّته؛ وذلك أنّ اللّه عمّ بالأمر بطاعته ولم يخصّص ذلك في حالٍ دون حالٍ، فهو على العموم حتّى يخصّ ذلك ما يجب التّسليم له.
واختلف أهل التّأويل في أولي الأمر الّذين أمر اللّه عباده بطاعتهم في هذه الآية، فقال بعضهم هم الأمراء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أبو السّائب سلم بن جنادة قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، في قوله: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} قال: هم الأمراء.
- حدّثنا الحسن بن الصّبّاح البزّار، قال: حدّثنا حجّاج بن محمّدٍ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} نزلت في رجلٍ بعثه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على سريّةٍ.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبيد اللّه بن مسلم بن هرمز، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: أنّ هذه الآية نزلت في عبد اللّه بن حذافة بن قيسٍ السّهميّ إذ بعثه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في السّريّة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن ليثٍ، قال: سأل مسلمة ميمون بن مهران، عن قوله: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} قال: أصحاب السّرايا على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} قال: قال أبي: هم السّلاطين. قال: وقال ابن زيدٍ في قوله: {وأولي الأمر منكم} قال أبي: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: الطّاعة الطّاعة، وفي الطّاعة بلاءٌ. وقال: ولو شاء اللّه لجعل الأمر في الأنبياء يقضى: لقد جعل إليهم والأنبياء معهم، ألا ترى حين حكموا في قتل يحيى بن زكريّا؟.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سريّةً عليها خالد بن الوليد، وفيها عمّار بن ياسرٍ، فساروا قبل القوم الّذين يريدون، فلمّا بلغوا قريبًا منهم عرّسوا، وأتاهم ذو العيينتين، فأخبرهم فأصبحوا وقد هربوا غير رجلٍ أمر أهله، فجمعوا متاعهم. ثمّ أقبل يمشي في ظلمة اللّيل، حتّى أتى عسكر خالدٍ، فسأل عن عمّار بن ياسر فأتاه، فقال: يا أبا اليقظان، إنّي قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدًا عبده ورسوله، وإنّ قومي لمّا سمعوا بكم هربوا، وإنّي بقيت فهل إسلامي نافعي غدًا وإلاّ هربت؟ قال عمّارٌ: بل هو ينفعك فأقم. فأقام، فلمّا أصبحوا أغار خالدٌ، فلم يجد أحدًا غير الرّجل، فأخذه وأخذ ماله، فبلغ عمّارًا الخبر، فأتى خالدًا فقال: خلّ عن الرّجل فإنّه قد أسلم، وهو في أمانٍ منّي. فقال خالدٌ: وفيم أنت تجير؟ فاستبّا وارتفعا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأجاز أمان عمّارٍ ونهاه أن يجير الثّانية على أميرٍ. فاستبّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال خالدٌ: يا رسول اللّه أتترك هذا العبد الأجدع يسبّني؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا خالد لا تسبّ عمّارًا، فإنّه من سبّ عمّارًا سبّه اللّه، ومن أبغض عمّارًا أبغضه اللّه، ومن لعن عمّارًا لعنه اللّه. فغضب عمّارٌ، فقام فتبعه خالدٌ حتّى أخذ بثوبه فاعتذر إليه، فرضي عنه، فأنزل اللّه تعالى قوله: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم}.
وقال آخرون: هم أهل العلم والفقه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن عليّ بن صالحٍ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيلٍ، عن جابر بن عبد اللّه قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، في قوله: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} قال: أولي الفقه منكم.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا ابن إدريس قال: أخبرنا ليثٌ، عن مجاهدٍ، في قوله: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} قال: أولي الفقه والعلم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ: {وأولي الأمر منكم} قال: أولي الفقه في الدّين والعقل.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} يعني: أهل الفقه والدّين.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ قال: حدّثنا أبو نعيمٍ قال: حدّثنا سفيان، عن خصيف, عن مجاهدٍ: {وأولي الأمر منكم} قال: أهل العلم.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاء بن السّائب، في قوله: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} قال: أولي العلم والفقه.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ قال: حدّثنا هشيمٌ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ: {وأولي الأمر منكم} قال: الفقهاء والعلماء.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن، في قوله: {وأولي الأمر منكم} قال: هم العلماء.
- قال: وأخبرنا عبد الرّزّاق، عن الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وأولي الأمر منكم} قال: هم أهل الفقه والعلم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {وأولي الأمر منكم} قال: هم أهل العلم، ألا ترى أنّه يقول: {ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم}؟
وقال آخرون: هم أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} قال: كان مجاهدٌ يقول: أصحاب محمّدٍ. قال: وربّما قال: أولي العقل والفقه ودين اللّه.
وقال آخرون: هم أبو بكرٍ وعمر رضي اللّه عنهما.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن عمرٍو البصريّ وسعد بن عبد الله بن عبد الحكيم، قالا: حدّثنا حفص بن عمر العدنيّ، قال: حدّثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} قال: أبو بكرٍ وعمر.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: هم الأمراء والولاة، لصحّة الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالأمر بطاعة الأئمّة والولاة فيما كان لله طاعةً وللمسلمين مصلحةً.
كالّذي:
- حدّثني عليّ بن مسلمٍ الطّوسيّ، قال: حدّثنا ابن أبي فديكٍ، قال: حدّثني عبد اللّه بن محمّد بن عروة، عن هشام بن عروة، عن أبي صالحٍ السّمّان، عن أبي هريرة، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: سيليكم بعدي ولاةٌ، فيليكم البرّ ببرّه والفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كلّ ما وافق الحقّ، وصلّوا وراءهم فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا يحيى، عن عبيد اللّه، قال: أخبرني نافعٌ، عن عبد اللّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: على المرء المسلم السمع الطّاعة فيما أحبّ وكره إلاّ أن يؤمر بمعصيةٍ فمن أمر بمعصيةٍ فلا طاعة.
- حدّثني ابن المثنّى قال: حدّثني خالدٌ عن عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، نحوه.
فإذا كان معلومًا أنّه لا طاعة واجبةٌ لأحدٍ غير اللّه أو رسوله أو إمامٍ عادلٍ، وكان اللّه قد أمر بقوله: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} بطاعة ذوي أمرنا، كان معلومًا أنّ الّذين أمر بطاعتهم تعالى ذكره من ذوي أمرنا هم الأئمّة ومن ولّوة المسلمين دون غيرهم من النّاس، وإن كان فرضًا القبول من كلّ من أمر امر بترك معصية اللّه، ودعا إلى طاعة اللّه غير، أنّه لا طاعة تجب لأحدٍ فيما أمر ونهى فيما لم تقم حجّة وجوبه إلاّ للأئمّة الّذين ألزم اللّه عباده طاعتهم فيما أمروا به رعيّتهم ممّا هو مصلحةٌ لعامّة الرّعيّة، فإنّ على من أمروه بذلك طاعتهم، وكذلك في كلّ ما لم يكن للّه معصيةً. وإذ كان ذلك كذلك كان معلومًا بذلك صحّة ما اخترنا من التّأويل دون غيره). [جامع البيان: 7/174-184]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: فإن اختلفتم أيّها المؤمنون في شيءٍ من أمر دينكم أنتم فيما بينكم أو أنتم وولاة أمركم فاشتجرتم فيه {فردّوه إلى اللّه} يعني بذلك: فارتادوا معرفة حكم الّذي اشتجرتم أنتم بينكم أو أنتم وأولو أمركم من عند اللّه، يعني بذلك: من كتاب اللّه، فاتّبعوا ما وجدتم فيه وأطيعوا الله باتباعكم ما فيه من أمره ونهيه وحكمه وقضائه.
وأمّا قوله: {والرّسول} فإنّه يقول: فإن لم تجدوا إلى علم ذلك في كتاب اللّه مبينا، فارتادوا معرفة ذلك أيضًا من عند الرّسول إن كان حيًّا، وإن كان ميّتًا فمن سنّته: {إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر} يقول: افعلوا ذلك إن كنتم تصدّقون باللّه واليوم الآخر. يعني: بالمعاد الّذي فيه الثّواب والعقاب، فإنّكم إن فعلتم ما أمرتم به من ذلك فلكم من اللّه الجزيل من الثّواب، وإن لم تفعلوا ذلك فلكم الأليم من العقاب.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا ليثٌ، عن مجاهدٍ، في قوله: {فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول} قال: فإن تنازع العلماء ردّوه إلى اللّه والرّسول إلى كتاب اللّه وسنّة رسوله نزع. مجاهدٌ بهذه الآية: {ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {فردّوه إلى اللّه والرّسول} قال: إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا الثّوريّ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {فردّوه إلى اللّه والرّسول} قال: إلى اللّه: إلى كتابه، وإلى الرّسول: إلى سنّة نبيّه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن ليثٍ، قال: سأل مسلمة ميمون بن مهران عن قوله: {فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول} قال: إلى اللّه: كتابه ورسوله: سنّته. فكأنّما ألقمه حجرًا.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: أخبرنا جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران: {فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول} قال: الرّدّ إلى اللّه: الرّدّ إلى كتابه، والرّدّ إلى رسوله إن كان حيًّا، فإن قبضه اللّه إليه فالرّدّ إلى السّنّة.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول} يقول: ردّوه إلى كتاب اللّه وسنّة رسوله {إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر}.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول} إن كان الرّسول حيًّا و{إلى اللّه} قال: إلى كتابه). [جامع البيان: 7/184-187]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {ذلك} فردّ ما تنازعتم فيه من شيءٍ إلى اللّه والرّسول، خيرٌ لكم عند اللّه في معادكم، وأصلح لكم في دنياكم، لأنّ ذلك يدعوكم إلى الألفة، وترك التّنازع والفرقة. {وأحسن تأويلاً} يعني: وأحمد موئلاً ومغبّةً، وأجمل عاقبةً. وقد بيّنّا فيما مضى أنّ التّأويل: التّفعيل من تأوّل، وأنّ قول القائل تأوّل: تفعّل، من قولهم آل هذا الأمر إلى كذا: أي رجع؛ بما أغنى عن إعادته
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: {وأحسن تأويلاً} قال: حسن جزاءٍ حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً} يقول: ذلك أحسن ثوابًا وخيرٌ عاقبةً.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وأحسن تأويلاً} قال: عاقبةً.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً} قال: وأحسن عاقبةً. قال: والتّأويل: التّصديق). [جامع البيان: 7/187-188]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا (59)
قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عبد الرّحمن بن إبراهيم دحيمٌ، ثنا الوليد عن الأوزاعيّ، عن الزّهريّ قال: إذا قال اللّه تعالى يا أيّها الّذين آمنوا إفعلوا، فالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم منهم.
قوله تعالى: وأطيعوا الرّسول
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا يعلى بن عبيدٍ ثنا عبد الملك عن عطاءٍ، قوله: أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول قال: طاعة الرّسول: اتّباع الكتاب والسّنّة.
قوله تعالى: وأولي الأمر منكم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن يونس بن المسيّب الضّبّيّ وأحمد بن منصورٍ الرّماديّ قالا: ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، أخبرني يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم قال: نزلت في عبد اللّه بن حذافة إذ بعثه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في سريّةٍ، والسّياق لأحمد بن يونس.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا حفص بن غياثٍ ووكيعٌ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة في قول اللّه تعالى وأولي الأمر منكم قال: أمراء السّرايا.
- ثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن فضلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خالد بن الوليد في سريّةٍ وفيها عمّار بن ياسرٍ، فساروا قبل القوم الّذين يريدون، فلمّا بلغوا قريباً منهم، عرشوا وأتاهم ذو العينتين، فأخبرهم، فأصبحوا قد هربوا غير رجلٍ أمر أهله فجمعوا متاعهم، ثمّ أقبل يمشي في ظلمة اللّيل، حتّى أتى عسكر خالدٍ يسأل عن عمّار بن ياسرٍ، فأتاه فقال: يا أبا اليقظان إنّي قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ قومي لمّا سمعوا بكم هربوا وأنّي بقيت، فهل إسلامي نافعي غداً؟ وإلا هربت.
فقال عمّارٌ: بل هو نافعك، فأقم فأقام، فلمّا أصبحوا أغار خالدٌ فلم يجد أحداً غير الرّجل، فأخذه وأخذ ماله، فبلغ عمّاراً الخبر فأتى خالداً، فقال: خلّ عن الرّجل، فإنّه قد أسلم وهو في أمانٍ منّي. قال خالدٌ: وفيم أنت تجير، فاستبّا، فارتفعا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأجاز أمان عمّارٍ، ونهاه أن يجير الثّانية على أميرٍ.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة في قول اللّه تعالى وأولي الأمر منكم قال: هم الأمراء.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو غسّان مالك بن إسماعيل، ثنا الحسن بن صالحٍ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيلٍ، عن جابر بن عبد اللّه في هذه الآية أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم قال: أولي الخير.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: وأولي الأمر منكم يعني: أهل الفقه والدّين، وأهل طاعة اللّه الّذين يعلّمون النّاس معاني دينهم ويأمرونهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر، فأوجب اللّه سبحانه طاعتهم على العباد.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عبد اللّه بن إدريس، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ قوله: وأولي الأمر منكم قال: أولوا العلم والفقه. وروي عن الحسن، والحسن بن محمّد بن عليٍّ وعطاءٍ وإبراهيم نحو ذلك.
وروي عن أبي العالية وبكر بن عبد اللّه المزنيّ أنّهما قالا: العلماء.
- حدّثنا محمّد بن الحجّاج الحضرميّ بحضرموت، ثنا الخصيب بن ناصحٍ، ثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن في قول اللّه تعالى وأولي الأمر منكم قال: أولي العلم والفقه والعقل والرّأي.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا عثمان بن طالوت الجحدريّ، ثنا حفص بن عمر العدنيّ، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة في قول اللّه تعالى وأولي الأمر منكم قال: أبو بكرٍ وعمر رضي اللّه عنهما.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة وأولي الأمر منكم قال: كان عمر من أولي الأمر.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك قوله: وأولي الأمر منكم قال: هم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، هم الدّعاة الرّواة.
قوله تعالى: فإن تنازعتم في شيءٍ
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قال: فلمّا أصبحوا غر خالدٌ فلم يجد أحداً غير الرّجل، يعني:
الّذي أمّنه عمّارٌ، وأخذه وأخذ ماله، فبلغ عمّاراً الخبر، فأتى خالداً فقال: خلّ عن الرّجل فإنّه قد أسلم وهو في أمانٍ منّي، قال خالدٌ: وفيم أنت تجير، فاستبّا فارتفعا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأجاز أمان عمّارٍ، ونهاه أن يجير الثّانية على أميرٍ، فاستبّا عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: يعني: عمّاراً وخالداً-، فقال خالدٌ: يا رسول اللّه أتترك هذا العبد الأجدع يشتمني، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا خالد لا تسبّ عمّاراً، فإنّه من سبّ عمّاراً سبّه اللّه، ومن أبغض عمّاراً أبغضه اللّه، ومن لعن عمّاراً لعنه اللّه، فغضب عمّارٌ فقام فتبعه خالدٌ حتّى أخذ بثوبه فاعتذر إليه، فرضي، فأنزل اللّه تبارك وتعالى فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول
قوله تعالى: فردّوه إلى اللّه
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبد اللّه بن إدريس، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قوله: فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه قال: إلى كتاب اللّه. وروي عن عطاءٍ والسّدّيّ وقتادة وميمون بن مهران وأبي سنانٍ مثل ذلك.
قوله تعالى: والرّسول
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن إدريس، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ قوله: فردّوه إلى اللّه والرّسول قال: إلى سنّة رسول اللّه.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: فردّوه إلى اللّه والرّسول قال: إن كان الرّسول حيّاً.
وروي عن الحسن وعطاءٍ وقتادة وميمون بن مهران، وأبي سنانٍ مثل ذلك
قوله تعالى: إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خيرٌ
- حدّثنا أبي ثنا عبد العزيز بن المغيرة، أنبأ يزيد، عن سعيدٍ عن قتادة قوله: إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خيرٌ يقول: ذلك أحسن ثواباً
قوله تعالى: وأحسن تأويلا
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: وأحسن تأويلا قال: أحسن جزاءً.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: وأحسن تأويلا يقول: عاقبةً. وروي عن قتادة مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 3/987-990]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل وأولي الأمر منكم يعني أولي الفقه في الدين والعقل). [تفسير مجاهد: 162-163]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال يعني أولي الفقه والعلم والرأي والفضل). [تفسير مجاهد: 163]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ك نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وأحسن تأويلا يعني أحسن تبحرا). [تفسير مجاهد: 163]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت د س) ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: نزلت قوله تعالى {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم...} الآية، [النساء: 59]، في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عديّ السهمي، إذ بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية، أخرجه الجماعة إلا الموطأ.
[شرح الغريب]
(السرية):الطائفة من الجيش، ينفّذون إلى بعض الجهات للغزو). [جامع الأصول: 2/92-93]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن عطاء في قوله {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} قال: طاعة الرسول اتباع الكتاب والسنة {وأولي الأمر منكم} قال: أولي الفقه والعلم.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النّبيّ صلى الله عليه وسلم في سرية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في سرية وفيها عمار بن ياسر فساروا قبل القوم الذين يريدون فلما بلغوا قريبا منهم عرسوا وأتاهم ذو العبينتين فأخبرهم فأصبحوا قد هربوا غير رجل أمر أهله فجمعوا متاعهم ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل حتى أتى عسكر خالد يسأل عن عمار بن ياسر فأتاه فقال: يا أبا اليقظان إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا
الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن قومي لما سمعوا بكم هربوا وإني بقيت فهل إسلامي نافعي غدا وإلا هربت فقال عمار: بل هو ينفعك فأقم، فأقام فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحدا غير الرجل فأخذه وأخذ ماله فبلغ عمارا الخبر فأتى خالدا فقال: خل عن الرجل فإنه قد أسلم وهو في أمان مني، قال: خالد وفيم أنت تجير فاستبا وارتفعا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأجاز أمان عمار ونهاه أن يجير الثانية على أمير، فاستبا عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال خالد: يا رسول الله أتترك هذا العبد الأجدع يشتمني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خالد لا تسب عمارا فإنه من سب عمارا سبه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله ومن لعن عمارا لعنه الله، فغضب عمار فقام فتبعه خالد ختى أخذ بثوبه فاعتذر إليه فرضي، فأنزل الله الآية وأخرجه ابن عساكر من طريق السدي عن أبي صالح عن ابن عباس.
وأخرج ابن جرير عن ابن ميمون بن مهران في قوله {وأولي الأمر منكم} قال: أصحاب السرايا على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر
وابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله {وأولي الأمر منكم} قال: هم الأمراء منكم، وفي لفظ: هم أمراء السرايا.
وأخرج ابن جرير عن مكحول في قوله {وأولي الأمر منكم} قال: هم أهل الآية التي قبلها {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {وأولي الأمر منكم} قال: قال أبي: هم السلاطين قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطاعة الطاعة وفي الطاعة بلاء، وقال: لو شاء الله لجعل الأمر في الأنبياء، يعني لقد جعل إليهم والأنبياء معهم ألا ترى حين حكموا في قتل يحيى بن زكريا.
وأخرج البخاري عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم حبشي كان رأسه زبيبة.
وأخرج أحمد والترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع فقال: اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس في قوله {وأولي الأمر منكم} يعني أهل الفقه والدين وأهل طاعة الله الذين يعلمون الناس معاني دينهم ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر فأوجب الله طاعتهم على العباد.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، عن جابر بن عبد الله في قوله {وأولي الأمر منكم} قال: أولي الفقه وأولي الخير.
وأخرج ابن عدي في الكامل عن ابن عباس في قوله {وأولي الأمر منكم} قال: أهل العلم
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد {وأولي الأمر} قال: هم الفقهاء والعلماء.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {وأولي الأمر} قال: أصحاب محمد أهل العلم والفقه والدين.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن أبي العالية في قوله {وأولي الأمر} قال: هم أهل العلم ألا ترى أنه يقول (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلم الذين يستنبطونه منهم) (النساء الآية 83).
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك {وأولي الأمر} قال: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الدعاة الرواة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن عكرمة في قوله {وأولي الأمر} قال: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي {وأولي الأمر} قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وابن مسعود
وأخرج سعيد بن منصور عن عكرمة أنه سئل عن أمهات الأولاد فقال: هن أحرار، فقيل له بأي شيء تقوله قال: بالقرآن، قالوا بماذا من القرآن قال: قول الله {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} وكان عمر من أولي الأمر قال: أعتقت كانت مسقطا.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فمن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: سيليكم بعدي ولاة فيليكم البر ببره والفاجر بفجره فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق وصلوا وراءهم فإن أحسنوا فلهم ولكم وإن أساءوا فلكم وعليهم.
وأخرج أحمد عن أنس أن معاذا قال: يا رسول الله أرأيت إن كانت علينا أمراء لا يستنون بسنتك ولا يأخذون بأمرك فما تأمر في أمرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لمن لم يطع الله.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد الخدري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن بجزر على بعث أنا فيهم فلما كنا ببعض الطرق أذن لطائفة من الجيش وأمر عليهم عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي - وكان من أصحاب بدر وكان به دعابة - فنزلنا ببعض الطريق وأوقد القوم نارا ليصنعوا عليها صنيعا لهم فقال لهم: أليس لي عليكم السمع والطاعة قالوا: بلى، قال: فما أنا آمركم بشيء إلا صنعتموه قالوا: بلى، قال: أعزم بحقي وطاعتي لما تواثبتم في هذه النار، فقام ناس فتحجزوا حتى إذا ظن أنهم واثبون قال: احبسوا أنفسكم إنما كنت أضحك معهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدموا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أمركم بمعصية فلا تطيعوه.
وأخرج ابن الضريس عن الربيع بن أنس قال: مكتوب في الكتاب الأول: من رأى لأحد عليه طاعة في معصية الله فلن يقبل الله عمله ما دام كذلك ومن رضي أن يعصي الله فلن يقبل الله عمله ما دام كذلك.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمران بن حصين قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا طاعة في معصية الله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال: كان عمر إذا استعمل رجلا كتب في عهده: اسمعوا له وأطيعوا ما عدل فيكم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر قال: اسمع وأطع وإن أمر عليك عبد حبشي مجدع، إن ضرك فاصبر وإن حرمك فاصبر وإن أراد أمرا ينتقص دينك فقل: دمي دون ديني.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سفيان قال: خطبنا ابن الزبير فقال: إنا قد ابتلينا بما قد ترون فما أمرناكم بأمر لله فيه طاعة فلنا عليكم فيه السمع والطاعة وما أمرناكم من أمر ليس لله فيه طاعة فليس لنا عليكم فيه طاعة ولا نعمة عين.
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي عن أم الحصين الأحمسية قالت: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يخطب وعليه برد متلفعا به وهو يقول: إن أمر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له وأطيعوا ما قادكم بكتاب الله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب قال: حق على المسلمين أن يسمعوا ويطيعوا ويجيبوا إذا دعوا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود قال: لا طاعة لبشر في معصية الله.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لبشر في معصية الله.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن علي، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار فأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، قال: فأغضبوه في شيء فقال: اجمعوا لي حطبا، فجمعوا له حطبا، قال: أوقدوا نارا، فأوقدوا نارا، قال: ألم يأمركم أن تسمعوا له وتطيعوا قالوا: بلى، قال: فادخلوها، فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار فسكن غضبه وطفئت النار فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف.
وأخرج الطبراني عن الحسن أن زياد استعمل الحكم بن عمرو الغفاري على جيش فلقيه عمران بن الحصين فقال: هل تدري فيم جئتك أما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه الذي قال له أميره: قم فقع في النار فقام الرجل ليقع فيها فادلك فأمسك فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لو وقع فيها لدخل النار لا طاعة في معصية الله قال: بلى، قال: فإنما أردت أن أذكرك هذا الحديث
وأخرج البخاري في تاريخه والنسائي والبيهقي في الشعب عن الحارث الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمركم بخمس أمرني الله بهن: الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله، فمن فارق الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع.
وأخرج البيهقي عن المقدام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أطيعوا أمراءكم فإن أمروكم بما جئتكم به فإنهم يؤجرون عليه وتؤجرون بطاعتهم وإن أمروكم بما لم آتكم به فهو عليهم وأنتم برآء من ذلك إذا لقيتم الله قلتم: ربنا لا ظلم، فيقول: لا ظلم، فتقولون: ربنا أرسلت إلينا رسولا فأطعناه بإذنك واستخلفت علينا خلفاء فأطعناهم بإذنك وأمرت علينا أمراء فأطعناهم بإذنك فيقول: صدقتم هو عليهم وأنتم منه برآء.
وأخرج أحمد والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون عليكم أمراء تطمئن إليهم القلوب وتلين لهم الجلود ثم يكون عليكم أمراء تشمئز منهم القلوب وتقشعر منهم الجلود، فقال رجل: أنقاتلهم يا رسول الله قال: لا، ما أقاموا الصلاة
وأخرج البيهقي عن عبد الله عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها، قلنا: فما تأمرنا يا رسول الله قال: أدوا الحق الذي عليكم واسألوا الله الذي لكم.
وأخرج أحمد عن أبي ذر قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه كائن بعدي سلطان فلا تذلوه فمن أراد أن يذله فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وليس بمقبول منه حتى يسد ثلمته التي ثلم: وليس بفاعل ثم يعود فيكون فيمن يعزه، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تغلب على ثلاث: أن نأمر بالمعروف وننهي عن المنكر ونعلم الناس السنن.
وأخرج أحمد عن حذيفة بن اليمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من فارق الجماعة واستذل الإمارة لقي الله ولا وجه له عنده.
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي عبيدة بن الجراح قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تسبوا السطان فإنهم فيء الله في أرضه.
وأخرج ابن سعد والبيهقي عن أنس بن مالك قال: أمرنا أكابرنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن لا نسب أمراءنا ولا نغشهم ولا نعصيهم وأن نتقي الله ونصبر فإن الأمر قريب
وأخرج البيهقي عن علي بن أبي طالب قال: لا يصلح اللناس إلا أمير بر أو فاجر، قالوا: هذا البر فكيف بالفاجر قال: إن الفاجر يؤمن الله به السبل ويجاهد به العدو ويجيء به الفيء ويقام به الحدود ويحج به البيت ويعبد الله فيه المسلم آمنا حتى يأتيه أجله.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد فيقوله {فإن تنازعتم في شيء} قال: فإن تنازع العلماء {فردوه إلى الله والرسول} قال: يقول: فردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله، ثم قرأ (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (النساء الآية 82).
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ميمون بن مهران في الآية قال: الرد إلى الله الرد إلى كتابه، والرد إلى رسوله ما دام حيا فإذا قبض فإلى سنته.
وأخرج ابن جرير عن قتادة والسدي، مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {ذلك خير وأحسن تأويلا} يقول: ذلك أحسن ثوابا وخير عاقبة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {وأحسن تأويلا} قال: أحسن جزاء.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي {وأحسن تأويلا} قال: عاقبة). [الدر المنثور: 4/501-514]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 09:14 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل إنّ اللّه نعمّا يعظكم به إنّ اللّه كان سميعا بصيرا}
هذا أمر عامّ للنبي - صلى الله عليه وسلم - وجميع أمّته.
ويروى في التفسير: أن العباس عمّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل له السقاية والسّدانة وهي الحجبة،
وهو أن يجعل له مع السقاية فتح البيت وإغلاقه، فنازعه شيبة بن عثمان فقال: يا رسول الله اردد علي ما أخذت منّي، يعني: مفتاح الكعبة، فرده - صلى الله عليه وسلم - على شيبة.
وقوله: {إنّ اللّه نعمّا يعظكم به} هذه على أوجه{نعمّا}:

1- بكسر النون والعين وإدغام الميم في الميم.
2- وإن شئت فتحت النون.

3- وإن شئت أسكنت العين فقلت نعمّا، إلا أن الأحسن عندي الإدغام مع كسر العين فأمّا من قرأ نعم ما بإسكان العين والميم، فهو شيء ينكره البصريون، ويزعمون أن اجتماع السّاكنين أعني العين والميم غير جائز، والذي قالوا بيّن، وذلك إنّه غير ممكن في اللفظ، إنما يحتال فيه بمشقة في اللفظ). [معاني القرآن: 2/66-67]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} قيل عن ابن عباس: هذا عام.

وروي عن شريح أنه قال لأحد خصمين: أعطه حقه فإن الله عز وجل يقول: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}،ثم قال شريح {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} فإنما هذا في الربا خاصة.
وقيل إنه نزلت {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} لما أخذت مفاتح البيت من شيبة بن عثمان وقال ابن زيد: هم الولاة واستحسن هذا القول أن يكون خطابا لولاة أمور الناس أمروا بأداء الأمانة إلى من ولوا أمره فيهم وحقوقهم وما ائتمنوا عليه من أمورهم وبالعدل منهم فأوصوا بالرعية، ثم أوصى الرعية بالطاعة فقال جل وعز بعده: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} إلا أن ابن عباس قال: وأولوا الأمر منكم وأولوا الفقه والدين.
وقال مجاهد: أصحاب محمد.
وقال أبو هريرة: هم الأمراء، وهذا من أحسنها إلا أنه في ما وافق الحق كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن أمر بمعصية فلا طاعة). [معاني القرآن: 2/119-121]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وأولي الأمر منكم} أي: ذوي الأمر، والدليل على ذلك أن واحدها (ذو).

{فإن تنازعتم في شيء} أي: اختلفتم.
{فردّوه إلى الله} أي: حكمه إلى الله فالله أعلم). [مجاز القرآن: 1/130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وأولي الأمر منكم} يعني: الأمراء الذين كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يبعث بهم على الجيوش، فردّوه إلى اللّه بأن تردوه إلى كتابه العزيز ولو ردّوه إلى الرّسول بأن تردوه إلى سنته.

{ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا} أي: وأحسن عاقبة).
[تفسير غريب القرآن: 130]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} أي: أطيعوا أولي الأمر منكم، فأمر الله عزّ وجلّ بطاعته، فيما فرض، وطاعة رسوله وتصديقه فيما أدى عن اللّه.
وأولو الأمر منهم: هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن اتبعهم من أهل العلم، وقيل إنهم هم الأمراء، والأمراء إذا كانوا أولي علم ودين آخذين بما يقوله أهل العلم، فطاعتهم فريضة.

وجملة أولي الأمر من المسلمين من يقول بشأنهم في أمر دينهم وجميع ما أدى إلى صلاح له.
ويقال: أديت الشيء تأدية، والأداء اسم ممدود وأدوت الرجل آدو له أدوا إذا ختلته.
قال الشاعر:
أدوت له لأختله...فهيهات الفتى حذرا
وأدي اللبن أديّا إذا حمض.
وقوله:
{فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه والرّسول} معنى {تنازعتم}: اختلفتم وتجادلتم وقال كل فريق: القول قولي.
واشتقاق المنازعة أن كل واحد منهما ينزع الحجة.
وفي هذه الآية أمر مؤكد يدل على أن القصد للاختلاف كفر، وأنّ الإيمان اتباع الإجماع والسّنة.
ولا يخلو قوله عزّ وجلّ:
{فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر} من أحد أمرين:

1- إمّا أن تردّوا ما اختلفتم فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله.
2- أو تقولوا إن لم تعلموه: اللّه ورسوله أعلم.
{ذلك خير وأحسن تأويلا} أي: إنّ ردّكم ما اختلفتم فيه إلى ما أتى من عند اللّه وترككم التحارب خير، وأحسن تأويلا لكم، أي: أحسن عاقبة لكم.

وجائز أن يكون: أحسن تأويلا، أي: أحسن من تأولكم أنتم دون ردكم إياه إلى الكتاب والسنة.
وتأويلا: منصوب على التمييز).
[معاني القرآن: 2/67-68]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} قال جابر بن عبد الله: {أولو الأمر} أولوا الفقه والعلم، وقال بهذا القول من التابعين الحسن ومجاهد وعطاء.
وقال أبو هريرة: يعني به أمراء السرايا، وقال بهذا القول السدي ويقويه أن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني))
وقال عكرمة: {أولوا الأمر} أبو بكر وعمر.
وهذه الأقوال كلها ترجع إلى شيء واحد لأن أمراء السرايا من العلماء لأنه كان لا يولي إلا من يعلم وكذلك أبو بكر وعمر من العلماء). [معاني القرآن: 2/122-123]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإن تنارعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} اشتقاق المنازعة: أن كل واحد من الخصمين ينتزع الحجة لنفسه).
[معاني القرآن: 2/123]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وفي قوله جل وعز:
{فردوه إلى الله والرسول} قولان:
أحدهما: قاله مجاهد وقتادة: فردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله، وكذلك قال عمرو بن ميمون فردوه إلى كتاب الله ورسوله فإذا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فردوه إلى سنته.
والقول الآخر: فقولوا الله ورسوله أعلم وهذا تغليظ في الاختلاف لقوله: {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} قال قتادة: {وأحسن تأويلا} وأحسن عاقبة .

وهذا أحسن في اللغة ويكون من آل إلى كذا.

ويجوز أن يكون المعنى: وأحسن من تأويلكم). [معاني القرآن: 2/123-125]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} يعني: الأمراء الذين كان يبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجيوش {فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 62]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَحْسَنُ تَأْوِيلاً}: عاقبة).
[العمدة في غريب القرآن: 113]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 01:01 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وأما قول بعضهم في القراءة: {إن الله نعما يعظكم به} فحرك
العين فليس على لغة من قال نعم فأسكن العين ولكنه على لغة من قال نعم فحرك العين وحدثنا أبو الخطاب أنها لغة هذيلٍ وكسروا كما قالوا لعبٌ وقال طرفة:
ما أقلّت قدمٌ ناعلها = نعم الساعون في الحيّ الشّطر
وأما قوله عز وجل: {فلا تتناجوا} فإن شئت أسكنت الأول للمد وإن شئت أخفيت وكان بزنته متحركاً وزعموا أن أهل مكة لا يبينون التاءين). [الكتاب: 4/439-440]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 01:51 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 01:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 01:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 01:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل إنّ اللّه نعمّا يعظكم به إنّ اللّه كان سميعاً بصيراً (58) يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً (59)
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب، وابن زيد: هذا خطاب لولاة المسلمين خاصة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فهو للنبي عليه السلام وأمرائه، ثم يتناول من بعدهم، وقال ابن جريج وغيره: ذلك خطاب للنبي عليه السلام في أمر مفتاح الكعبة حين أخذه من عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري ومن ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، فطلبه العباس بن عبد المطلب لتنضاف له السدانة إلى السقاية، فدخل رسول الله الكعبة فكسر ما كان فيها من الأوثان، وأخرج مقام إبراهيم، ونزل عليه جبريل بهذه الآية. قال عمر بن الخطاب: وخرج رسول الله وهو يقرأ هذه الآية، وما كنت سمعتها قبل منه.
فدعا عثمان وشيبة، فقال لهما: خذاها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم، وحكى مكي أن شيبة أراد أن لا يدفع المفتاح، ثم دفعه وقال للنبي عليه السلام: خذه بأمانة الله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: واختلف الرواة في بعض ألفاظ هذا الخبر، زيادة ونقصانا، إلا أنه المعنى بعينه، وقال ابن عباس: الآية في الولاة بأن يعظوا النساء في النشوز ونحوه، ويردوهن إلى الأزواج، والأظهر في الآية أنها عامة في جميع الناس، ومع أن سببها ما ذكرناه تتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات في قسمة الأموال ورد الظلامات وعدل الحكومات وغيره، وتتناولهم ومن دونهم من الناس في حفظ الودائع والتحرز في الشهادات وغير ذلك، كالرجل يحكم في نازلة ما ونحوه، والصلاة والزكاة والصيام وسائر العبادات أمانات لله تعالى، وقال ابن عباس: لم يرخص الله لموسر ولا معسر أن يمسك الأمانة، ونعمّا أصله نعم ما، سكنت الأولى وأدغمت في الثانية وحركت العين لالتقاء الساكنين، وخصت بالكسر اتباعا للنون، و «ما» المردفة على «نعم» إنما هي مهيئة لاتصال الفعل بها كما هي في «ربما ومما» في قوله: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يحرك شفتيه، وكقول الشاعر: [الطويل]
وإنّا لممّا نضرب الكبش ضربة = على رأسه تلقي اللّسان من الفم
ونحوه، وفي هذا هي بمنزلة «ربما» وهي لها مخالفة في المعنى، لأن «ربما» معناها: التقليل، و «مما» معناها التكثير، ومع أن «ما» موطئة فهي بمعنى «الذي» وما وطأت إلا وهي اسم، ولكن القصد إنما هو لما يليها من المعنى الذي في الفعل، وحسن الاتصاف بعد هذه المقدمات بالسمع والبصر، لأنها في الشاهد محصلات ما يفعل المأمور فيما أمر به). [المحرر الوجيز: 2/585-587]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله عز وجل: يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه لما تقدم إلى الولاة في الآية المتقدمة، تقدم في هذه إلى الرعية، فأمر بطاعته عز وجل، وهي امتثال أوامره ونواهيه، وطاعة رسوله، وطاعة الأمراء على قول الجمهور: أبي هريرة وابن عباس وابن زيد وغيرهم، فالأمر على هذا التأويل إشارة إلى القرآن والشريعة، أي: أولي هذا الأمر. وعن عبد الله ومجاهد وجماعة: أولو الأمر: أهل القرآن والعلم، فالأمر على هذا التأويل أشار إلى القرآن والشريعة، أي: أولي هذا الأمر وهذا الشأن وحكى الطبري عن مجاهد أنه قال: الإشارة هنا ب أولي الأمر إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، وحكي عن عكرمة أنها إشارة إلى أبي بكر وعمر خاصة، وفي هذا التخصيص بعد، وحكى بعض من قال: إنهم الأمراء أنها نزلت في أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان السبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عمار بن ياسر، وأميرها خالد بن الوليد، فقصدوا قوما من العرب، فأتاهم نذير فهربوا تحت الليل. وجاء منهم رجل إلى عسكر خالد، فدخل إلى عمار فقال: يا أبا اليقظان، إن قومي قد فروا، وإني قد أسلمت، فإن كان ينفعني إسلامي بقيت، وإلا فررت، فقال له عمار: هو ينفعك، فأقم، فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد سوى الرجل المذكور فأخذه وأخذ ماله، فجاء عمار فقال: خل عن الرجل فإنه قد أسلم وإنه في أمان مني، فقال خالد: وأنت تجير؟ فاستبّا وارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجاز أمان عمار، ونهاه أن يجير الثانية على أمير، واستبّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال خالد: يا رسول الله أتترك هذا العبد الأجدع يسبني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خالد لا تسب عمارا، فإنه من سب عمارا سبه الله، ومن أبغض عمارا أبغضه الله، ومن لعن عمارا لعنه الله، فغضب عمار، فقام فذهب، فتبعه خالد حتى اعتذر إليه فتراضيا، فأنزل الله عز وجل قوله: أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم وطاعة الرسول هي اتباع سنته، قاله عطاء وغيره، وقال ابن زيد: معنى الآية وأطيعوا الرّسول.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يريد «وسنته» بعد موته، المعنى: فإن تنازعتم فيما بينكم أو أنتم وأمراؤكم، ومعنى التنازع أن كل واحد ينتزع حجة الآخر ويذهبها، والرد إلى الله: هو النظر في كتابه العزيز، والرد إلى الرسول: هو سؤاله في حياته والنظر في سنته بعد وفاته عليه السلام، هذا قول مجاهد والأعمش وقتادة والسدي، وهو الصحيح، وقال قوم: معناه قولوا: الله ورسوله أعلم، فهذا هو الرد، وفي قوله: إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر بعض وعيد، لأن فيه جزاء المسيء العاتي، وخاطبهم ب إن كنتم تؤمنون وهم قد كانوا آمنوا، على جهة التقرير، ليتأكد الإلزام، وتأويلًا معناه: مآلا على قول جماعة، وقال مجاهد: أحسن جزاء، قال قتادة والسدي وابن زيد: المعنى أحسن عاقبة، وقالت فرقة: المعنى أن الله ورسوله أحسن نظرا وتأولا منكم إذا انفردتم بتأولكم). [المحرر الوجيز: 2/587-589]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 01:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 01:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل إنّ اللّه نعمّا يعظكم به إنّ اللّه كان سميعًا بصيرًا (58)}
يخبر تعالى أنّه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها، وفي حديث الحسن، عن سمرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: "أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". رواه الإمام أحمد وأهل السّنن وهذا يعمّ جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، من حقوق اللّه، عزّ وجلّ، على عباده، من الصّلوات والزّكوات، والكفّارات والنّذور والصّيام، وغير ذلك، ممّا هو مؤتمنٌ عليه لا يطّلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعضٍ كالودائع وغير ذلك ممّا يأتمنون به بعضهم على بعضٍ من غير اطّلاع بيّنةٍ على ذلك. فأمر اللّه، عزّ وجلّ، بأدائها، فمن لم يفعل ذلك في الدّنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة، كما ثبت في الحديث الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لتؤدّنّ الحقوق إلى أهلها، حتّى يقتصّ للشّاة الجمّاء من القرناء".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن عبد اللّه بن السّائب، عن زاذان، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: إنّ الشّهادة تكفّر كلّ ذنبٍ إلّا الأمانة، يؤتى بالرّجل يوم القيامة -وإن كان قد قتل في سبيل اللّه-فيقال: أدّ أمانتك. فيقول وأنّى أؤدّيها وقد ذهبت الدّنيا؟ فتمثّل له الأمانة في قعر جهنّم، فيهوي إليها فيحملها على عاتقه. قال: فتنزل عن عاتقه، فيهوي على أثرها أبد الآبدين. قال زاذان: فأتيت البراء فحدّثته فقال: صدق أخي: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها}.
وقال: سفيان الثّوريّ، عن ابن أبي ليلى عن رجلٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} قال: هي مبهمةٌ للبرّ والفاجر. وقال محمّد بن الحنفيّة: هي مسجّلةٌ للبرّ والفاجر. وقال أبو العالية: الأمانة ما أمروا به ونهوا عنه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ، حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ قال: قال أبيّ بن كعبٍ: من الأمانة أنّ المرأة ائتمنت على فرجها.
وقال الرّبيع بن أنسٍ: هي من الأمانات فيما بينك وبين النّاس.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} قال: قال: يدخل فيه وعظ السّلطان النّساء. يعني يوم العيد. وقد ذكر كثيرٌ من المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، واسم أبي طلحة، عبد اللّه بن عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدّار بن قصيّ بن كلابٍ القرشيّ العبدريّ، حاجب الكعبة المعظّمة، وهو ابن عمّ شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، الّذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم، أسلم عثمان هذا في الهدنة بين صلح الحديبية وفتح مكّة، هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وأمّا عمّه عثمان بن أبي طلحة، فكان معه لواء المشركين يوم أحدٍ، وقتل يومئذٍ كافرًا. وإنّما نبّهنا على هذا النّسب؛ لأنّ كثيرًا من المفسّرين قد يشتبه عليهم هذا بهذا، وسبب نزولها فيه لمّا أخذ منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مفتاح الكعبة يوم الفتح، ثمّ ردّه عليه.
وقال محمّد بن إسحاق في غزوة الفتح: حدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أبي ثورٍ، عن صفيّة بنت شيبة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا نزل بمكّة واطمأنّ النّاس، خرج حتّى جاء البيت، فطاف به سبعًا على راحلته، يستلم الرّكن بمحجنٍ في يده، فلمّا قضى طوافه، دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، ففتحت له، فدخلها، فوجد فيها حمامةً من عيدانٍ فكسرها بيده ثمّ طرحها، ثمّ وقف على باب الكعبة وقد استكفّ له النّاس في المسجد.
قال ابن إسحاق: فحدّثني بعض أهل العلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قام على باب الكعبة فقال "لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا كلّ مأثرةٍ أو دمٍ أو مالٍ يدعى، فهو تحت قدميّ هاتين إلّا سدانة البيت وسقاية الحاجّ". وذكر بقيّة الحديث في خطبة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يومئذٍ، إلى أن قال: ثمّ جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المسجد، فقام إليه عليّ بن أبي طالبٍ ومفتاح الكعبة في يده فقال: يا رسول اللّه، اجمع لنا الحجابة مع السّقاية، صلّى اللّه عليك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أين عثمان بن طلحة؟ " فدعي له، فقال له: "هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم وفاءٍ وبرٍّ".
قال ابن جريرٍ: حدّثني القاسم حدّثنا الحسين، عن حجّاجٍ، عن ابن جريجٍ [قوله: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها}] قال: نزلت في عثمان بن طلحة قبض منه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مفتاح الكعبة، فدخل به البيت يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه فدعا عثمان إليه، فدفع إليه المفتاح، قال: وقال عمر بن الخطّاب لمّا خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الكعبة، وهو يتلو هذه الآية: فداه أبي وأمّي، ما سمعته يتلوها قبل ذلك.
حدّثنا القاسم، حدّثنا الحسين، حدّثنا الزّنجيّ بن خالدٍ، عن الزّهريّ قال: دفعه إليه وقال: أعينوه.
وروى ابن مردويه، من طريق الكلبيّ، عن أبي صالحٍ عن ابن عبّاسٍ في قوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} قال: لمّا فتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مكّة دعا عثمان بن طلحة ابن أبي طلحة، فلمّا أتاه قال: "أرني المفتاح". فأتاه به، فلمّا بسط يده إليه قام العبّاس فقال: يا رسول اللّه، بأبي أنت وأمّي، اجمعه لي مع السّقاية. فكفّ عثمان يده فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "أرني المفتاح يا عثمان". فبسط يده يعطيه، فقال العبّاس مثل كلمته الأولى، فكفّ عثمان يده. ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "يا عثمان، إن كنت تؤمن باللّه واليوم الآخر فهاتني المفتاح". فقال: هاك بأمانة اللّه. قال: فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ففتح باب الكعبة، فوجد في الكعبة تمثال إبراهيم معه قداحٌ يستقسم بها. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما للمشركين قاتلهم اللّه. وما شأن إبراهيم وشأن القداح". ثم دعا بحفنة فيها ماءٌ فأخذ ماءً فغمسه فيه، ثمّ غمس به تلك التّماثيل، وأخرج مقام إبراهيم، وكان في الكعبة فألزقه في حائط الكعبة ثمّ قال: "يا أيّها النّاس، هذه القبلة". قال: ثمّ خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فطاف بالبيت شوطًا أو شوطين ثمّ نزل عليه جبريل، فيما ذكر لنا بردّ المفتاح، فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} حتّى فرغ من الآية.
وهذا من المشهورات أنّ هذه الآية نزلت في ذلك، وسواءٌ كانت نزلت في ذلك أو لا فحكمها عامٌّ؛ ولهذا قال ابن عبّاسٍ ومحمّد بن الحنفيّة: هي للبرّ والفاجر، أي: هي أمرٌ لكلّ أحدٍ.
وقوله: {وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل} أمرٌ منه تعالى بالحكم بالعدل بين النّاس؛ ولهذا قال محمّد بن كعبٍ وزيد بن أسلم وشهر بن حوشبٍ: إنّما نزلت في الأمراء، يعني الحكّام بين النّاس.
وفي الحديث: "إن اللّه مع الحاكم ما لم يجر، فإذا جار وكله إلى نفسه" وفي الأثر: عدل يومٍ كعبادة أربعين سنةً.
وقوله: {إنّ اللّه نعمّا يعظكم به} أي: يأمركم به من أداء الأمانات، والحكم بالعدل بين النّاس، وغير ذلك من أوامره وشرائعه الكاملة العظيمة الشّاملة.
وقوله: {إنّ اللّه كان سميعًا بصيرًا} أي: سميعًا لأقوالكم، بصيرًا بأفعالكم، كما قال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامرٍ قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقرئ هذه الآية {سميعًا بصيرًا} يقول: بكلّ شيءٍ بصيرٌ.
وقد قال ابن أبي حاتمٍ: أخبرنا يحيى بن عبدك القزوينيّ، أنبأنا المقرئ -يعني أبا عبد الرّحمن- عبد اللّه بن يزيد، حدّثنا حرملة -يعني ابن عمران التّجيبيّ المصريّ-حدّثنا أبو يونس، سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} إلى قوله: {إنّ اللّه نعمّا يعظكم به إنّ اللّه كان سميعًا بصيرًا} ويضع إبهامه على أذنه والّتي تليها على عينه ويقول: هكذا سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرؤها ويضع أصبعيه. قال أبو زكريّا: وصفه لنا المقريّ، ووضع أبو زكريّا إبهامه اليمنى على عينه اليمنى، والّتي تليها على الأذن اليمنى، وأرانا فقال: هكذا وهكذا.
رواه أبو داود، وابن حبّان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، وابن مردويه في تفسيره، من حديث أبي عبد الرّحمن المقريّ بإسناده -نحوه وأبو يونس هذا مولى أبي هريرة، واسمه سليم بن جبير). [تفسير القرآن العظيم: 2/338-342]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلا (59)}
قال البخاريّ: حدّثنا صدقة بن الفضل، حدّثنا حجّاج بن محمّدٍ الأعور، عن ابن جريجٍ، عن يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} قال: نزلت في عبد اللّه بن حذافة بن قيس بن عديٍّ؛ إذ بعثه رسول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في سريّةٍ.
وهكذا أخرجه بقيّة الجماعة إلّا ابن ماجه من حديث حجّاج بن محمّدٍ الأعور، به. وقال التّرمذيّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ، ولا نعرفه إلّا من حديث ابن جريجٍ.
وقال الإمام أحمد بن حنبلٍ: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن سعيد بن عبيدة، عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليٍّ قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سريّةً، واستعمل عليهم رجلًا من الأنصار، فلمّا خرجوا وجد عليهم في شيءٍ. قال: فقال لهم: أليس قد أمركم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: اجمعوا لي حطبًا. ثمّ دعا بنارٍ فأضرمها فيه، ثمّ قال: عزمت عليكم لتدخلنّها. [قال: فهمّ القوم أن يدخلوها] قال: فقال لهم شابٌّ منهم: إنّما فررتم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من النّار، فلا تعجلوا حتّى تلقوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّ أمركم أن تدخلوها فادخلوها. قال: فرجعوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبروه، فقال لهم: "لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدًا؛ إنّما الطّاعة في المعروف". أخرجاه في الصّحيحين من حديث الأعمش، به.
وقال أبو داود: حدّثنا مسدّد، حدّثنا يحيى، عن عبيد اللّه، حدّثنا نافعٌ، عن عبد الله بن عمر، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "السّمع والطّاعة على المرء المسلم فيما أحبّ وكره، ما لم يؤمر بمعصيةٍ، فإذا أمر بمعصيةٍ فلا سمع ولا طاعة".
وأخرجاه من حديث يحيى القطّان.
وعن عبادة بن الصّامت قال: بايعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على السّمع والطّاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرةٍ علينا، وألّا ننازع الأمر أهله. قال: "إلّا أن تروا كفرًا بواحا، عندكم فيه من اللّه برهانٌ" أخرجاه.
وفي الحديث الآخر، عن أنسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "اسمعوا وأطيعوا وإنّ أمّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ كأنّ رأسه زبيبةٌ". رواه البخاريّ.
وعن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدًا حبشيًّا مجدّع الأطراف. رواه مسلمٌ.
وعن أمّ الحصين أنّها سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب في حجّة الوداع يقول: "ولو استعمل عليكم عبدٌ يقودكم بكتاب اللّه، اسمعوا له وأطيعوا" رواه مسلمٌ وفي لفظٍ له: "عبدًا حبشيًّا مجدوعًا".
وقال ابن جريرٍ: حدّثني عليّ بن مسلمٍ الطّوسيّ، حدّثنا ابن أبي فديكٍ، حدّثني عبد اللّه بن محمّد بن عروة عن هشام بن عروة، عن أبي صالحٍ السّمّان، عن أبي هريرة؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "سيليكم بعدي ولاةٌ، فيليكم البرّ ببرّه، ويليكم الفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كلّ ما وافق الحقّ، وصلّوا وراءهم، فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم".
وعن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلّما هلك نبيٌّ خلفه نبيٌّ، وإنّه لا نبيّ بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون". قالوا: يا رسول اللّه، فما تأمرنا؟ قال: "أوفوا ببيعة الأوّل فالأوّل، وأعطوهم حقّهم، فإنّ اللّه سائلهم عمّا استرعاهم" أخرجاه.
وعن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من رأى من أميره شيئًا فكرهه فليصبر؛ فإنّه ليس أحدٌ يفارق الجماعة شبرًا فيموت إلّا مات ميتةً جاهليّةً". أخرجاه.
وعن ابن عمر أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "من خلع يدًا من طاعةٍ، لقي اللّه يوم القيامة لا حجّة له، ومن مات وليس في عنقه بيعةٌ مات ميتةً جاهليّةً". رواه مسلمٌ.
وروى مسلمٌ أيضًا، عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد اللّه بن عمرو بن العاص جالسٌ في ظلّ الكعبة، والنّاس حوله مجتمعون عليه، فأتيتهم فجلست إليه فقال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سفرٍ، فنزلنا منزلًا فمنّا من يصلح خباءه، ومنّا من ينتضل، ومنّا من هو في جشره إذ نادى منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: الصّلاة جامعةٌ. فاجتمعنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّه لم يكن نبيٌّ قبلي إلّا كان حقًا عليه أن يدل أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم، وإنّ أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها، وسيصيب آخرها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها، وتجيء فتنٌ يرفق بعضها بعضًا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثمّ تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة فلتأته منيّته وهو يؤمن باللّه واليوم الآخر، وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتى إليه، ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر". قال: فدنوت منه فقلت: أنشدك باللّه أنت سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي، فقلت له: هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، ونقتل أنفسنا، واللّه تعالى يقول: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيمًا} [النّساء:29] قال: فسكت ساعةً ثمّ قال: أطعه في طاعة اللّه، واعصه في معصية اللّه.
والأحاديث في هذا كثيرةٌ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن الحسين، حدّثنا أحمد بن المفضّل حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سريّةً عليها خالد بن الوليد، وفيها عمّار بن ياسرٍ، فساروا قبل القوم الّذين يريدون، فلمّا بلغوا قريبًا منهم عرّسوا، وأتاهم ذو العيينتين فأخبرهم، فأصبحوا قد هربوا غير رجلٍ. فأمر أهله فجمعوا متاعهم، ثمّ أقبل يمشي في ظلمة اللّيل، حتّى أتى عسكر خالدٍ، فسأل عن عمّار بن ياسرٍ، فأتاه فقال: يا أبا اليقظان، إنّي قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّدًا عبده ورسوله، وإنّ قومي لمّا سمعوا بكم هربوا، وإنّي بقيت، فهل إسلامي نافعي غدًا، وإلّا هربت؟ قال عمّارٌ: بل هو ينفعك، فأقم. فأقام، فلمّا أصبحوا أغار خالدٌ فلم يجد أحدًا غير الرّجل، فأخذه وأخذ ماله. فبلغ عمّارًا الخبر، فأتى خالدًا فقال: خلّ عن الرّجل، فإنّه قد أسلم، وإنّه في أمانٍ منّي. فقال خالد: وفيم أنت تجير؟ فاستبّا وارتفعا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأجاز أمان عمّارٍ، ونهاه أن يجير الثّانية على أميرٍ. فاستبّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال خالدٌ: يا رسول اللّه، أتترك هذا العبد الأجدع يسبّني، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا خالد، لا تسبّ عمّارًا، فإنّه من يسبّ عمّارًا يسبّه اللّه، ومن يبغضه يبغضه اللّه ومن يلعن عمّارًا يلعنه اللّه" فغضب عمّارٌ فقام، فتبعه خالدٌ حتّى أخذ بثوبه فاعتذر إليه، فرضي عنه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ قوله: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم}
وهكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، من طريق عن السّدّيّ، مرسلًا. ورواه ابن مردويه من رواية الحكم بن ظهيرٍ، عن السّدّيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، فذكره بنحوه واللّه أعلم.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {وأولي الأمر منكم} يعني: أهّل الفقه والدّين. وكذا قال مجاهدٌ، وعطاءٌ، والحسن البصريّ، وأبو العالية: {وأولي الأمر منكم} يعني: العلماء. والظّاهر -واللّه أعلم-أنّ الآية في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء، كما تقدّم. وقد قال تعالى: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت} [المائدة:63] وقال تعالى: {فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون} [النّحل:43] وفي الحديث الصّحيح المتّفق عليه، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "من أطاعني فقد أطاع اللّه، ومن عصاني فقد عصا اللّه، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصا أميري فقد عصاني".
فهذه أوامرٌ بطاعة العلماء والأمراء، ولهذا قال تعالى: {أطيعوا اللّه} أي: اتّبعوا كتابه {وأطيعوا الرّسول} أي: خذوا بسنّته {وأولي الأمر منكم} أي: فيما أمروكم به من طاعة اللّه لا في معصية اللّه، فإنّه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية اللّه، كما تقدّم في الحديث الصّحيح: "إنّما الطّاعة في المعروف". وقال الإمام أحمد:
حدّثنا عبد الرّحمن، حدّثنا همامٌ، حدّثنا قتادة، عن أبي مرابة، عن عمران بن حصينٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا طاعة في معصية اللّه".
وقوله: {فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول} قال مجاهدٌ وغير واحدٍ من السّلف: أي: إلى كتاب اللّه وسنة رسوله.
وهذا أمرٌ من اللّه، عزّ وجلّ، بأنّ كلّ شيءٍ تنازع النّاس فيه من أصول الدّين وفروعه أن يردّ التّنازع في ذلك إلى الكتاب والسّنّة، كما قال تعالى: {وما اختلفتم فيه من شيءٍ فحكمه إلى اللّه} [الشّورى:10] فما حكم به كتاب اللّه وسنّة رسوله وشهدا له بالصّحّة فهو الحقّ، وماذا بعد الحقّ إلّا الضّلال، ولهذا قال تعالى: {إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر} أي: ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب اللّه وسنّة رسوله، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم {إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر}
فدلّ على أنّ من لم يتحاكم في مجال النّزاع إلى الكتاب والسّنّة ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنًا باللّه ولا باليوم الآخر.
وقوله: {ذلك خيرٌ} أي: التّحاكم إلى كتاب اللّه وسنّة رسوله. والرّجوع في فصل النّزاع إليهما خيرٌ {وأحسن تأويلا} أي: وأحسن عاقبةً ومآلًا كما قاله السّدّيّ وغير واحدٍ. وقال مجاهدٌ: وأحسن جزاءً. وهو قريب). [تفسير القرآن العظيم: 2/342-346]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:42 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة