العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:20 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة التوبة [ من الآية (90) إلى الآية (92) ]

تفسير سورة التوبة
[ من الآية (90) إلى الآية (92) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) }


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:23 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (90) : قوله تعالى: {وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم... } الآية]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن حميدٍ الأعرج، عن مجاهدٍ، أنّه كان يقرأ: {وجاء المعذرون} ). [سنن سعيد بن منصور: 5/267]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الّذين كذبوا اللّه ورسوله سيصيب الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ}.
يقول تعالى ذكره: {وجاء} رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم {المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم} في التّخلّف. {وقعد} عن المجيء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والجهاد معه {الّذين كذبوا اللّه ورسوله} وقالوا الكذب، واعتذروا بالباطل منهم. يقول تعالى ذكره: سيصيب الّذين جحدوا توحيد اللّه ونبوّة نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم منهم عذابٌ أليمٌ.
فإن قال قائلٌ: فكيف قيل: {وجاء المعذّرون} وقد علمت أنّ المعذّر في كلام العرب إنّما هو الّذي يعذّر في الأمر، فلا يبالغ فيه ولا يحكمه، وليست هذه صفة هؤلاء، وإنّما صفتهم أنّهم كانوا قد اجتهدوا في طلب ما ينهضون به مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عدوّهم، وحرصوا على ذلك، فلم يجدوا إليه سبيلاً، فهم بأن يوصفوا بأنّهم قد أعذروا أولى وأحقّ منهم بأن يوصفوا بأنّهم عذّروا. وإذا وصفوا بذلك فالصّواب في ذلك من القراءة ما قرأه ابن عبّاسٍ.
- وذلك ما حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي حمّادٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، قال: كان ابن عبّاسٍ يقرأ: (وجاء المعذرون) مخفّفةً، ويقول: هم أهل العذر.
مع موافقة مجاهدٍ إيّاه وغيره عليه؟
قيل: إنّ معنى ذلك على غير ما ذهبت إليه، وإنّ معناه: وجاء المعتذرون من الأعراب، ولكن التّاء لمّا جاورت الذّال أدغمت فيها، فصيرتا ذالاً مشدّدةً لتقارب مخرج إحداهما من الأخرى، كما قيل: يذّكّرون في يتذكّرون، ويذّكّر في يتذكّر. وخرجت العين من المعذّرين إلى الفتح؛ لأنّ حركة التّاء من المعتذرين وهي الفتحة نقلت إليها فحرّكت بما كانت به محرّكةً، والعرب قد توجّه في معنى الاعتذار إلى الإعذار، فتقول: قد اعتذر فلانٌ في كذا، يعني: أعذر، ومن ذلك قول لبيدٍ:
إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما = ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
فقال: فقد اعتذر، بمعنى: فقد أعذر.
على أنّ أهل التّأويل، قد اختلفوا في صفة هؤلاء القوم الّذين وصفهم اللّه بأنّهم جاءوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم معذّرين، فقال بعضهم: كانوا كاذبين في اعتذارهم، فلم يعذرهم اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أبو عبيدة عبد الوارث بن عبد الصّمد، قال: حدّثني أبي، عن الحسين، قال: كان قتادة يقرأ: {وجاء المعذّرون من الأعراب} قال: اعتذروا بالكذب.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا يحيى بن زكريّا، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {وجاء المعذّرون من الأعراب} قال نفرٌ من بني غفارٍ جاءوا فاعتذروا، فلم يعذرهم اللّه.
فقد أخبر من ذكرنا من هؤلاء أنّ هؤلاء القوم إنّما كانوا أهل اعتذارٍ بالباطل لا بالحقّ. فغير جائزٍ أن يوصفوا بالإعذار إلاّ أن يوصفوا بأنّهم أعذروا في الاعتذار بالباطل. فأمّا بالحقّ على ما قاله من حكينا قوله من هؤلاء، فغير جائزٍ أن يوصفوا به.
وقد كان بعضهم يقول: إنّما جاءوا معذّرين غير جادّين، يعرضون ما لا يريدون فعله. فمن وجّهه إلى هذا التّأويل فلا كلفة في ذلك، غير أنّي لا أعلم أحدًا من أهل العلم بتأويل القرآن وجّه تأويله إلى ذلك، فأستحبّ القول به.
وبعد، فإنّ الّذي عليه من القراءة قرّاء الأمصار التّشديد في الذّال، أعني من قوله: {المعذّرون} ففي ذلك دليلٌ على صحّة تأويل من تأوّله بمعنى الاعتذار؛ لأنّ القوم الّذين وصفوا بذلك لم يكلّفوا أمرًا عذروا فيه، وإنّما كانوا فرقتين إمّا مجتهدٌ طائعٌ وإمّا منافقٌ فاسقٌ لأمر اللّه مخالفٌ، فليس في الفريقين موصوفٌ بالتّعذير في الشّخوص مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وإنّما هو معذّرٌ مبالغٌ، أو معتذرٌ.
فإذا كان ذلك كذلك، وكانت الحجّة من القرّاء مجمعةً على تشديد الذّال من المعذّرين، علم أنّ معناه ما وصفناه من التّأويل.
وقد ذكر عن مجاهدٍ في ذلك موافقة ابن عبّاسٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، عن ابن عيينة، عن حميدٍ، قال: قرأ مجاهدٌ: (وجاء المعذرون) مخفّفةً، وقال: هم أهل العلم العذر.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان المعذّرون). [جامع البيان: 11/619-622]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الّذين كذبوا اللّه ورسوله سيصيب الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ (90)
قوله تعالى: وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: وجاء المعذرون من الأعراب قال: هم أهل العذر، وكان يقرؤها: وجاء المعذرون: خفيفةً.
- حدّثنا أبي ثنا الهيثم بن يمانٍ ثنا الحكم عن السّدّيّ قال: من قرأها وجاء المعذرون خفيفةً، قال: بنو مقرّنٍ، ومن قرأها وجاء المعذّرون من الأعراب قال: الّذين لهم عذرٌ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو معمرٍ العنقريّ ثنا عبد الوارث عن يونس قال: كان الحسن يقرأ: وجاء المعذّرون من الأعراب قال: اعتذروا بشيءٍ ليس بحقٍّ.
- ذكر عن سهل بن عثمان ثنا يحيى بن زكريّا بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق وجاء المعذّرون من الأعراب ذكر لي، أنّهم نفرٌ من بني غفار جاءوا فاعتذروا فلم يعذرهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-.
قوله تعالى: وقعد الّذين كذبوا اللّه ورسوله الآية.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ أنبأ بشرٌ عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: عذابٌ أليمٌ يقول: نكالٌ). [تفسير القرآن العظيم: 6/1860-1861]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 90.
أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {وجاء المعذرون من الأعراب} يعني أهل العذر منهم ليؤذن لهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وجاء المعذرون من الأعراب} قال: هم أهل الأعذار وكان يقرؤها {وجاء المعذرون} خفيفة.
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد عن ابن عباس، أنه كان يقرأ: {وجاء المعذرون من الأعراب} ويقول: لعن الله المعذرين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: من قرأها {وجاء المعذرون من الأعراب} خفيفة قال: بنو مقرن ومن قرأها {وجاء المعذرون} قال: اعتذروا بشيء ليس لهم عذر بحق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن، أنه كان يقرأ {وجاء المعذرون} قال: اعتذروا بشيء ليس لهم عذر بحق.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن إسحاق في قوله {وجاء المعذرون من الأعراب} قال: ذكر لي أنهم نفر من بني غفار جاؤوا فاعتذروا منهم خفاف بن إيماء من خرصة). [الدر المنثور: 7/480-481]

تفسير قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني ابن لهيعة أن أبا شريح الكعبي كان من الذين قال الله: {ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ إذا نصحوا لله ورسوله}). [الجامع في علوم القرآن: 2/141]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ليس على الضّعفاء ولا على المرضى ولا على الّذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ إذا نصحوا للّه ورسوله ما على المحسنين من سبيلٍ واللّه غفورٌ رحيمٌ}.
يقول تعالى ذكره: ليس على أهل الزّمانة وأهل العجز عن السّفر والغزو، ولا على المرضى، ولا على من لا يجد نفقةً يتبلّغ بها إلى مغزاه حرجٌ، وهو الإثم، يقول: ليس عليهم إثمٌ إذا نصحوا للّه ولرسوله في مغيبهم عن الجهاد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. {ما على المحسنين من سبيلٍ} يقول: ليس على من أحسن فنصح للّه ورسوله في تخلّفه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن جهادٍ معه لعذرٍ يعذر به طريقٌ يتطرّق عليه فيعاقب من قبله. {واللّه غفورٌ رحيمٌ} يقول: واللّه ساترٌ على ذنوب المحسنين، يتغمّدها بعفوه لهم عنها، رحيمٌ بهم أن يعاقبهم عليها.
وذكر أنّ هذه الآية نزلت في عائذ بن عمرٍو المزنيّ. وقال بعضهم: في عبد اللّه بن مغفّلٍ.
ذكر من قال نزلت في عائذ بن عمرٍو:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ليس على الضّعفاء ولا على المرضى ولا على الّذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ إذا نصحوا للّه ورسوله} نزلت في عائذ بن عمرٍو.
ذكر من قال نزلت في ابن مغفّلٍ:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ليس على الضّعفاء ولا على المرضى} إلى قوله: {حزنًا أن لاّ يجدوا ما ينفقون} وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمر النّاس أن ينبعثوا غازين معه، فجاءته عصابةٌ من أصحابه فيهم عبد اللّه بن مغفّلٍ المزنيّ، فقالوا: يا رسول اللّه احملنا، فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: واللّه ما أجد ما أحملكم عليه فتولّوا ولهم بكاءٌ، وعزّ عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقةً ولا محملاً. فلمّا رأى اللّه حرصهم على محبّته ومحبّة رسوله، أنزل عذرهم في كتابه، فقال: {ليس على الضّعفاء ولا على المرضى ولا على الّذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ} إلى قوله: {فهم لا يعلمون}). [جامع البيان: 11/623-624]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ليس على الضّعفاء ولا على المرضى ولا على الّذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ إذا نصحوا للّه ورسوله ما على المحسنين من سبيلٍ واللّه غفورٌ رحيمٌ (91)
قوله تعالى: ليس على الضّعفاء ولا على المرضى.
- حدّثنا أبي ثنا هشام بن عبيد اللّه الرّازيّ ثنا ابن جابرٍ عن ابن فروة عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى عن زيد بن ثابتٍ قال: كنت أكتب لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-. فكنت أكتب براءة، فإنّي لواضعٌ القلم على أذني إذ أمرنا بالقتال، فجعل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- ينظر ما ينزل عليه، إذ جاء أعمى فقال: كيف بي يا رسول اللّه، وأنا أعمى؟ فنزلت ليس على الضّعفاء ولا على المرضى ولا على الّذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ إذا نصحوا للّه ورسوله قال: نزلت في عائذ ابن عمرٍو وفي غيره.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو الطّاهر ثنا ابن وهبٍ ثنا ابن لهيعة، أنّ أبا شريحٍ الكعبيّ كان من الّذين قال اللّه: ولا على الّذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ إذا نصحوا للّه ورسوله.
قوله تعالى: إذا نصحوا للّه ورسوله.
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهبٍ ثنا سفيان الثّوريّ عن عبد العزيز بن رفيعٍ عن أبي ثمامة قال: قال الحواريّون: يا روح اللّه، أخبرنا من النّاصح للّه؟ قال: الّذي يؤثر حقّ اللّه على حقّ النّاس، وإذا حدث له أمران، أو بدا له أمر الدّنيا وأمر الآخرة، بدأ بالّذي للآخرة ثمّ يفرغ للّذي للدّنيا.
قوله تعالى: ما على المحسنين من سبيلٍ.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قال: يعني نزل من عند قوله: عفا اللّه عنك إلى قوله: ما على المحسنين من سبيلٍ واللّه غفورٌ رحيمٌ في المنافقين.
- حدّثنا أبي ثنا سليمان بن عبد الرّحمن بن شرحبيل الدّمشقيّ ثنا الوليد عن الأوزاعيّ: خرج النّاس إلى الاستسقاء، فقام فيهنّ بلال بن سعدٍ فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال: يا معشر من حضر، ألستم مقرّين بالإساءة؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: اللّهمّ إنّا نسمعك تقول: ما على المحسنين من سبيلٍ وقد أقررنا بالإساءة فاغفر لنا وارحمنا، واسقنا، ورفع يديه ورفعوا أيديهم، فسقوا.
قوله تعالى: واللّه غفورٌ رحيمٌ.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاءٌ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: واللّه غفورٌ لما كان منهم في الشّرك رحيمٌ بهم بعد التّوبة). [تفسير القرآن العظيم: 6/1861-1862]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 91.
أخرج ابن أبي حاتم والدارقطني في الأفراد، وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم براءة فكنت أكتب ما أنزل الله عليه فإني لواضع القلم على أذني إذ أمرنا بالقتال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه إذ جاء أعمى فقال: كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى فنزلت {ليس على الضعفاء} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {ليس على الضعفاء} الآية، قال نزلت في عائذ بن عمرو وفي غيره.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: نزل من عند قوله (عفا الله عنك) (التوبة الآية 43) إلى قوله {ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم} في المنافقين، أما قوله تعالى: {إذا نصحوا لله ورسوله}.
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن أبي حاتم عن أبي ثمامة الصائدي قال: قال الحواريون: يا روح الله أخبرنا من
الناصح لله قال: الذي يؤثر حق الله على حق الناس وإذا حدث له أمران أو بدا له أمر الدنيا وأمر الآخرة بدأ الذي للآخرة ثم تفرغ للذي الدنيا.
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن تميم الداري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
وأخرج ابن عدي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي عن جرير قال بايعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم.
وأخرج أحمد والحكيم الترمذي عن أبي أمامة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: أحب ما تعبدني به عبدي إلي النصح لي.
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب بن منبه، أن راهبا قال لرجل: أوصيك بالنصح لله نصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحوطهم وينصحهم.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله {ما على المحسنين من سبيل} قال: ما على هؤلاء من سبيل بأنهم نصحوا لله ورسوله ولم يطيقوا الجهاد فعذرهم الله وجعل لهم من الأجر ما جعل للمجاهدين ألم تسمع أن الله يقول (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر) (النساء الآية 95) فجعل الله للذين عذر من الضعفاء وأولي الضرر والذين لا يجدون ما ينفقون من الأجر مثل ما جعل للمجاهدين.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزو تبوك فأشرف على المدينة قال: لقد تركتم بالمدينة رجالا ما سرتم في مسير ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم فيه، قالوا: يا رسول الله وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة قال: حبسهم العذر.
وأخرج أحمد ومسلم، وابن مردويه، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقد خلفتم بالمدينة رجالا ما قطعتم واديا ولا سلكتم طريقا إلا شركوكم في الأجر حبسهم المرض.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {ما على المحسنين من سبيل} والله لأهل الإساءة {غفور رحيم}). [الدر المنثور: 7/481-484]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (92) : قوله تعالى: {ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع... } الآية]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ - قراءةً - عن مجاهدٍ - في قوله عزّ وجلّ: {ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع} - قال: هم (بنو) مقرّن، من مزينة.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، قال: لمّا خرج رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إلى تبوك، قال: لا يخرجنّ معنا إلّا مقوٍ، فخرج رجلٌ على بكرٍ له صعبٌ، فوقص به، فمات فجعل النّاس يقولون: الشّهيد الشّهيد، فأمر رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بلالًا ينادي في النّاس: أنّه لا يدخل الجنّة إلّا نفسٌ مؤمنةٌ، ولا يدخلها عاصٍ . قال مجاهدٌ: ما سمعنا من رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حديثًا أشدّ من هذا، ومن حديثه: لقد ضمّ سعد ضمّة). [سنن سعيد بن منصور: 5/268-270]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع حزنًا ألاّ يجدوا ما ينفقون}.
يقول تعالى ذكره ولا سبيل أيضًا على النّفر الّذين إذا ما جاءوك لتحملهم يسألونك الحملان ليبلغوا إلى مغزاهم لجهاد أعداء اللّه معك يا محمّد، قلت لهم: لا أجد حمولةً أحملكم عليها. {تولّوا} يقول: أدبروا عنك {وأعينهم تفيض من الدّمع حزنًا} وهم يبكون من حزنٍ على أنّهم لا يجدون ما ينفقون ويتحمّلون به للجهاد في سبيل اللّه.
وذكر بعضهم أنّ هذه الآية نزلت في نفرٍ من مزينة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه} قال: هم من مزينة.
- حدّثني المثنّى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم} قال: هم بنو مقرّنٍ من مزينة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، قراءةً عن مجاهدٍ في قوله: {ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم} إلى قوله: {حزنًا أن لا يجدوا ما ينفقون} قال: هم بنو مقرّنٍ من مزينة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم} قال: هم بنو مقرّنٍ من مزينة.
- قال: حدّثنا أبي، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن عروة، عن ابن مغفّلٍ المزنيّ وكان أحد النّفر الّذين أنزلت فيهم: {ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم} الآية.
- حدّثني المثنّى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، عن ابن عيينة، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع حزنًا} قال: منهم ابن مقرّنٍ.
وقال سفيان: قال النّاس: منهم عرباض بن سارية.
وقال آخرون: بل نزلت في عرباض بن سارية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرّحمن بن عمرٍو السّلميّ، وحجر بن حجرٍ الكلاعيّ، قالا: دخلنا على عرباض بن سارية، وهو الّذي أنزل فيه: {ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم} الآية.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سليمان بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا الوليد، قال: حدّثنا ثورٌ، عن خالدٍ، عن عبد الرّحمن بن عمرٍو، وحجر بن حجرٍ بنحوه.
وقال آخرون: بل نزلت في نفرٍ سبعةٍ من قبائل شتّى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ وغيره قال: جاء ناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يستحملونه، فقال: لا أجد ما أحملكم عليه فأنزل اللّه: {ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم} الآية، قال: هم سبعة نفرٍ من بني عمرو بن عوفٍ: سالم بن عميرٍ، ومن بني واقفٍ: حرميّ بن عمرٍو، ومن بني مازن بن النّجّار: عبد الرّحمن بن كعبٍ، يكنى أبا ليلى، ومن بني المعلّى: سلمان بن صخرٍ، ومن بني حارثة: عبد الرّحمن بن يزيد أبو عبلة، وهو الّذي تصدّق بعرضه فقبله اللّه منه، ومن بني سلمة عمرو بن غنمة، وعبد اللّه بن عمرٍو المزنيّ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قوله: {ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم} إلى قوله: {حزنًا} وهم البكّاءون كانوا سبعةً. واللّه أعلم). [جامع البيان: 11/624-627]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع حزنًا ألّا يجدوا ما ينفقون (92)
قوله تعالى: ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم.
- حدّثنا محمّد بن عوفٍ الحمصيّ، ثنا محمّد بن أسد الخشى ثنا الوليد بن مسلمٍ عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان ثنا عبد الرّحمن بن عمرٍو السّلميّ وحجر بن حجرٍ الكلاعيّ قالا: دخلنا على عرباض بن سارية السّلميّ، وثنا محمّد بن عوفٍ ثنا محمّد بن أسدٍ ثنا الوليد ثنا عبد اللّه بن العلاء، ثنا يحيى بن أبي المطاع ثنا عرياض، وهو الّذي نزل فيه: ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع حزنًا فسلّمنا وقلنا: إنّا جئناك زائرين وعائدين ومقتبسين.
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ وكثير بن شهابٍ قالا: ثنا محمّد بن سعيد بن سابقٍ ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية عن عبد اللّه بن مغفّلٍ وكان أحد هؤلاء الّذين ذكروا في هذه الآية: ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه الآية.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، قوله: ولا على الّذين إذا ما أتوك هم بنو مقرّنٍ من مزينة.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا محمّد بن خالد بن عثمة ثنا كثير بن عبد اللّه بن عمرٍو المزنيّ وكان إذا حدّث قال: أبي واللّه، يعني جدّه عمرًا- أحد النّفر الّذين أنزل اللّه فيهم ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا الآية.
- حدّثنا عمرو الأوديّ ثنا وكيعٌ عن الرّبيع عن الحسن قال: قال رسول اللّه- صلّى الله عليه وسلّم- «لقد خلّفتم بالمدينة أقوامًا، ما أنفقتم من نفقةٍ، ولا قطعتم واديًا، ولا نلتم من عدوٍّ نيلا، إلا وقد شاركوكم في الأجر، ثمّ قرأ ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد الآية.
قوله تعالى: لتحملهم.
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن عطيّة قال: سمعت الحسن بن صالحٍ يقول في هذه الآية: ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قال: استحملوه النّعال.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد المصفّى ثنا بقيّة عن إبراهيم بن أدهم في قوله: ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قال: ما سألوه الخيل، ما سألوه إلا النّعال.
قوله تعالى: قلت لا أجد ما أحملكم عليه
- حدّثنا أبو نشيطٍ محمّد بن هارون ثنا موسى بن أيّوب النّصيبيّ ثنا بقيّة عن إبراهيم بن أدهم في قوله: لا أجد ما أحملكم عليه قال: النّعال.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا مالك بن إسماعيل ثنا موسى بن محمّدٍ عن عبد الرّحمن بن إسحاق عن أبي سفيان عن أنس بن مالكٍ، قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع قال: الزّاد والماء.
قوله تعالى: تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع حزنًا ألّا يجدوا ما ينفقون الآية.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي الحسين عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ، قوله: تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع حزنًا ألّا يجدوا ما ينفقون وذلك أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- أمر النّاس أن ينبعثوا غازين معه، فجاءت عصابةٌ من أصحابه فيهم: عبد اللّه بن مغفّلٍ فقالوا: يا رسول اللّه، احملنا فقال لهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- «واللّه ما أجد ما أحملكم عليه فتولوا ولهم بكاءٌ» ، وعزيزٌ عليهم أن يحبسوا عن الجهاد، ولا يجدون نفقةً، ولا محملا، فلمّا رأى اللّه عزّ وجلّ حرصهم على محبّته ومحبّة رسوله، أنزل عذرهم في كتابه فقال: ليس على الضّعفاء ولا على المرضى إلى قوله: تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع الآية.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامر بن الفرات ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه قال: أقبل رجلان من الأنصار، أحدهما يقال له: عبد اللّه بن الأزرق والآخر: أبو ليلى فسألوا، النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- أن يحملهم فيخرجون معه فقال: لا أجد ما أحملكم عليه. فبكوا حزنًا ألا يجدوا ما ينفقون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1862-1864]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 92
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد خلفتم بالمدينة أقواما ما أنفقتم من نفقة ولا قطعتم واديا ولا نلتم من عدو نيلا إلا وقد شركوكم في الأجر ثم قرأ {ولا على الذين إذا ما أتوك} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينبعثوا غازين فجاءت عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن معقل المزني فقالوا: يا رسول الله احملنا فقال والله ما أجد ما أحملكم عليه، فتولوا ولهم بكاء وعز عليهم أن يحبسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقة ولا محملا، فأنزل الله عذرهم {ولا على الذين إذا ما أتوك} الآية.
وأخرج ابن سعد ويعقوب بن سفيان في تاريخه، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عبد الله بن معقل قال: إني لمن الرهط الذين ذكر الله {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} الآية.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب قال: جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحملونه فقال لا أجد ما أحملكم عليه فأنزل الله {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} الآية، قال: وهم سبعة نفر من بني عمر بن عوف سالم بن عمير ومن بني واقن حرمي بن عمرو ومن بني مازن ابن النجار عبد الرحمن بن كعب يكنى أبا ليلى ومن بني المعلي سلمان بن صخر ومن بني حارثة عبد الرحمن بن زيد أبو عبلة ومن بني سلمة عمرو بن غنمة وعبد الله بن عمرو المزني.
وأخرج ابن مردويه عن مجمع بن حارثة قال: الذين استحملوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: لا أجد ما أحملكم عليه سبعة نفر، علية بن زيد الحارثي وعمر بن غنم الساعدي وعمرو بن هرمي الرافعي وأبو ليلى المزني وسالم بن عمرو العمري وسلمة بن صخر الزرقي وعبد الله بن عمرو المزني.
وأخرج عبد الغني بن سعيد في تفسيره وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس في قوله {ولا على الذين إذا ما أتوك} الآية، قال: منهم سالم بن عمير أحد بني عمرو بن عوف.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر الكلاعي قال: أتينا العرباض بن سارية وكان من الذين أنزل الله فيهم {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} الآية.
وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} قال: هم بنو مقرن من مزينة وهم سبعة.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده قال: والله إني أحد النفر الذين أنزل الله فيهم {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} الآية.
وأخرج ابن إسحاق، وابن المنذر وأبو الشيخ عن الزهري ويزيد بن يسار وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمرو بن قتادة وغيرهم أن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم البكاؤون وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم، من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير ومن بني حارثة عتبة بن زيد ومن بني مازن بن النجار أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب ومن بني سلمة عمرو بن عمرو بن جهام بن الجموح ومن بني واقف هرمي بن عمرو ومن بني مزينة عبد الله بن معقل ومن بني فزارة عرباض بن سارية فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أهل حاجة قال: لا أجد ما أحملكم عليه.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن الحسن رضي الله عنه قال: كان معقل بن يسار من البكائين الذي قال الله {إذا ما أتوك لتحملهم} الآية.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن وبكر بن عبد الله المزني في هذه الآية {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم}
الآية، قالا: نزلت في عبد الله بن معقل من مزينة أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليحمله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن لهيعة، أن أبا شريح الكعبي كان من الذين قال الله {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك في قوله {لا أجد ما أحملكم عليه} قال: الماء والزاد.
وأخرج ابن المنذر عن علي بن صالح قال: حدثني مشيخة من جهينة قالوا: أدركنا الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحملان، فقالوا: ما سألناه إلا الحملان على النعال {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم}.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم بن أدهم في قوله {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} قال: ما سألوه الدواب ما سألوه إلا النعال.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: استحملوه النعال). [الدر المنثور: 7/484-489]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:28 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) )

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وجاء المعذّرون...}
وهم الذين لهم عذر. وهو في المعنى المعتذرون، ولكن التاء أدغمت عند الذال فصارتا جميعا {ذالا} مشدّدة، كما قيل يذّكّرون ويذّكّر. وهو مثل {يخصّمون} لمن فتح الخاء، كذلك فتحت العين لأن إعراب التاء صار في العين؛ كانت - والله أعلم –
المعتذرون. وأما المعذّر على جهة المفعّل فهو الذي يعتذر بغير عذر؛ ... وحدثني أبو بكر بن عيّاش عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس، وأبو حفص الخرّاز عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه قرأ: {المعذرون}، وقال: لعن الله المعذّرين؛ ذهب إلى من يعتذر بغير عذر، والمعذر: الذي قد بلغ أقصى العذر. والمعتذر قد يكون في معنى المعذر، وقد يكون لا عذر له. قال الله تبارك وتعالى في الذي لا عذر له:
{يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم}.
ثم قال: {لا تعتذروا لا عذر لكم}. وقال لبيد في معنى الاعتذار بالأعذار إذا جعلهما واحدا:

وقوما فقولا بالذي قد علمتما =ولا تخمشا وجها ولا تحلقا الشعر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما =ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
يريد: فقد أعذر). [معاني القرآن: 1/447-448]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وجاء المعذّرون من الأعراب} أي من معذّر وليس بجادّ إنما يظهر غير ما في نفسه ويعرض ما لا يفعله). [مجاز القرآن: 1/267]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الّذين كذبوا اللّه ورسوله سيصيب الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ}
وقال: {وجاء المعذرون} خفيفة لأنها من "اعذروا" وقال بعضهم {المعذّرون} ثقيلة يريد: "المعتذرون" ولكنه ادغم التاء في الذال كما قال: {يخصّمون} وبها نقرأ. وقد يكون {المعذرون} بكسر العين لاجتماع الساكنين وإنما فتح لأنه حول فتحة التاء عليها. وقد يكون أن تضم العين تتبعها الميم وهذا مثل (المردفين) ). [معاني القرآن: 2/30]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {وجاء المعذرون} بتثقيل الذال.
ابن عباس {وجاء المعذرون من الأعراب} من أعذر يعني أهل العذر، وعليها تفسير الكلبي.
والتثقيل يكون على وجهين:
على عذر في الأمر، فهو معذر.
ويجوز أن يكون أراد المعتذرون فأدغم، مثل {يهدي} و{يخطف} وقد فسرنا هذا الباب في صدر الكتاب.
وأما {المعذرون} فإذا كانت من أعذر، كان ذلك عذرًا لهم، وقد يقولون: ضربوا فأعذروا؛ أي كاد يموت المضروب؛ وضربوا فعذروا أي ضربًا قليلاً.
وحكي عن بعضهم أنه قال: "لن يهلك الناس حتى يعذروا أنفسهم" أي حتى يعلموا أن قد وجب عليهم العذاب؛ يجوز أن يكون المعنى هذا؛ كأنه قال: المعذرون الذين قد علموا أن قد وج بعليهم العذاب؛ وقالوا: عذرني فلان وأعذرني جميعًا.
[معاني القرآن لقطرب: 634]
والعامة {وقعد الذين كذبوا الله ورسوله} خفيفة.
وقراءة لبعض أهل البصرة "كذبوا" بالتثقيل). [معاني القرآن لقطرب: 635]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({المعذرون}: المعذر الذي يعذر في الطلب وليس بجاد. ويقال المعذرون المعتذرون وقد قرئت {المعذرون} والمعذر الذي قد أعذر). [غريب القرآن وتفسيره: 166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( { المعذّرون} هم الذين لا يجدّون، إنما يعرضون ما لا يريدون أن يفعلوه، يقال: عذّرت في الأمر إذا قصّرت، وأعذرت، حذّرت.
ويقال: المعذّرون هم المعتذرون. أدغمت التاء في الذال. ومن قرأ {المعذرون}. فإنه من أعذرت في الأمر). [تفسير غريب القرآن: 191]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الّذين كذبوا اللّه ورسوله سيصيب الّذين كفروا منهم عذاب أليم}
المعذّرون - بتشديد الذال - وتقرأ المعذرون، فمن قرأ: المعذرون.
فتأويله الذين أعذروا أي: جاءوا بعذر، ومن قرأ: المعذّرون بتشديد الذال فتأويله المعتذرون، إلا أن التاء أدغمت في الذال لقرب مخرجهما.
ومعنى المعتذرين الذين يعتذرون، كان لهم عذر أو لم يكن لهم.
وهو ههنا أشبه بأن يكون لهم عذر.
وأنشدوا:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما..=. ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
المعنى فقد جاء بعذر، ويجوز المعذّرون - بكسر العين - لأن الأصل المعتذرون، فأسكنت التاء وأدغمت في - الذال ونقلت حركتها إلى العين فصار الفتح أولى الأشياء، ومن كسر العين حرك لالتقاء السّاكنين، ويجوز المعذرون، باتباع: الضمة التي قبلها وهذان الوجهان - كسر العين وضمها - لم يقرأ بهما، وإنما يجوز في النحو، وهما جهتان يثقل اللفظ بهما، فالقراءة بهما مطروحة. ويجوز أن يكون المعذرون: الذين: يعذرون، يوهمون أنّ لهم عذار ولا عذر لهم.
وقوله: {استأذنك أولو الطّول منهم}.
قيل {أولو الطول} هم أولو الغنى، وقيل أولو الفضل في المعنى والرأي والجاه.
والطول الفضل في القدرة على هذه الأشياء). [معاني القرآن: 2/464-465]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم} وقرأ ابن عباس وجاء المعذرون
قال أبو جعفر المعذرون يحتمل معنيين
أحدهما أن يكون المعنى الأصل المعتذرون ثم أدغمت التاء في الذال ويكونون الذين لهم عذر قال لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما = ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
وقد يعتذر ولا عذر
والقول الآخر أن يكون المعذرون الذين لا عذر لهم كما يقال عذر فلان
وزعم أبو العباس أن المعذر هو الذي لا عذر له
قال أبو جعفر ولا يجوز أن يكون بمعنى المعتذر لأنه إذا وقع الإشكال لم يجز الإدغام والمعذرون الذين قد بالغوا في العذر ومنه قد أعذر من أنذر أي قد بالغ في العذر من تقدم إليك فأنذرك
والمعذرون المعتذرون للإتباع والكسر على الأصل). [معاني القرآن: 3/242-243]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {المعذرون} قال: المعذرون المقصرون، والمعذرون: الذين لهم عذر. قال: وروي عن ابن عباس أنه قال: ' لعن الله المعذرين، ورحم الله المعتذرين '). [ياقوتة الصراط: 245]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( و{الْمُعَذِّرُونَ} هم الذين لا يجدون، إنما يعرضون ما لا يريدون أن يفعلوا. وقيل: هم المعتذرون، والتاء مدغمة في الذال). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن الحرج: الإثم، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} [النور: 61] أي إثم {وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91]، أي إثم). [تأويل مشكل القرآن: 484]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {حزناً ألاّ يجدوا...}
{يجدوا} في موضع نصب بأن، ولو كانت رفعا على أن يجعل {لا} في مذهب {ليس} كأنك قلت: حزنا أن ليس يجدون ما ينفقون، ومثله. قوله: {أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولاً}. وقوله: {وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ}.
وكلّ موضع صلحت {ليس} فيه في موضع {لا} فلك أن ترفع الفعل الذي بعد {لا} وتنصبه). [معاني القرآن: 1/448]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع} والعرب إذا بدأت بالأسماء قبل الفعل جعلت أفعالها على العدد فهذا المستعمل، وقد يجوز أن يكون الفعل على لفظ الواحد كأنه مقدم ومؤخر، كقولك: وتفيض أعينهم، كما قال الأعشى:
فإن تعهديني ولي لمّةٌ... فإن الحوادث أودى بها
ووجه الكلام أن يقول: أودين بها، فلما توسع للقافية جاز على النّكس، كأنه قال: فإنه أودى الحوادث بها). [مجاز القرآن: 1/267-268]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع}
قال الحسن وبكر بن عبد الله نزلت في عبد الله بن
المغفل من مزينة أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستحمله). [معاني القرآن: 3/243-244]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:32 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
وأنبأته أن الفرار خزاية = على المرء ما لم يبل جهدًا ويعذر
قال الضبي: الخزاية الاستحياء. وقوله: ويعذر أي: يأتي بعذر. ومنه قول العرب: قد أعذر من أنذر: أي من أنذر فقد أتى بعذرٍ. وكان عبد الله بن العباس يقرأ: {وجاء المعذرون من الأعراب} أي: من جاء منهم بعذرٍ، ويقول لعن الله المعذرين إنما المعذرون المقصرون). [شرح المفضليات: 707] (م)

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:33 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:33 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:19 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:19 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
(وقوله تعالى: وجاء المعذّرون من الأعراب الآية، اختلف المتألون في هؤلاء الذي جاءوا هل كانوا مؤمنين أو كافرين، فقال ابن عباس وقوم معه منهم مجاهد: كانوا مؤمنين وكانت أعذارهم صادقه، وقرأ «وجاء المعذرون» بسكون العين، وهي قراءة الضحاك وحميد الأعرج وأبي صالح وعيسى بن هلال. وقرأ بعض قائلي هذه المقالة «المعذّرون» بشد الذال، قالوا وأصله المتعذرون فقلبت التاء ذالا وأدغمت.
ويحتمل المعتذرون في هذا القول معنيين أحدهما المتعذرون بأعذار حق والآخر أن يكون الدين قد بلغوا عذرهم من الاجتهاد في طلب الغزو معك فلم يقدروا فيكون مثل قول لبيد:
... ... ... ... = ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
وقال قتادة وفرقة معه: بل الذين جاءوا كفرة وقولهم وعذرهم كذب، وكل هذه الفرقة قرأ «المعذّرون» بشد الذال، فمنهم من قال أصله المتعذرون نقلت حركة التاء إلى العين وأدغمت التاء في الذال، والمعنى معتذرون بكذب، ومنهم من قال هو من التعذير أي الذين يعذرون الغزو ويدفعون في وجه الشرع، فالآية إلى آخرها في هذا القول إنما وصفت صنفا واحدا في الكفر ينقسم إلى أعرابي وحضري، وعلى القول الأول وصفت صنفين: مؤمنا وكافرا، قال أبو حاتم: وقال بعضهم سألت مسلمة فقال «المعذّرون» بشد العين والذال، قال أبو حاتم: أراد المعتذرين والتاء لا تدغم في العين لبعد المخارج وهي غلط عنه أو عليه، قال أبو عمرو: وقرأ سعيد بن جبير «المعتذرون» بزيادة تاء، وقرأ الحسن بخلاف عنه وأبو عمرو ونافع والناس «كذبوا» بتخفيف الذال، وقرأ الحسن وهو المشهور عنه وأبي بن كعب ونوح وإسماعيل «كذّبوا» بتشديد الذال، والمعنى لم يصدقوه تعالى ولا رسوله وردوا عليه أمره، ثم توعد في آخر الآية الكافرين ب عذابٌ أليمٌ، فيحتمل أن يريد في الدنيا بالقتل والأسر.
ويحتمل أن يريد في الآخرة بالنار، وقوله: منهم يريد أن المعذرين كانوا مؤمنين ويرجحه بعض الترجيح فتأمله، وضعف الطبري قول من قال إن المعذرين من التعذير وأنحى عليه، والقول منصوص ووجهه بين والله المعين، وقال ابن إسحاق «المعذرون» نفر من بني غفار منهم خفاف بن إيماء بن رحضة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا يقتضي أنهم مؤمنون). [المحرر الوجيز: 4/ 382-383]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ليس على الضّعفاء ولا على المرضى ولا على الّذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ إذا نصحوا للّه ورسوله ما على المحسنين من سبيلٍ واللّه غفورٌ رحيمٌ (91) ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع حزناً ألاّ يجدوا ما ينفقون (92)
يقول تعالى ليس على أهل الأعذار الصحيحة من ضعف أبدان أو مرض أو زمانة أو عدم نفقة إثم، و «الحرج» الإثم، وقوله: إذا نصحوا يريد بنياتهم وأقوالهم سرا وجهرا، وقرأ حيوة «نصحوا الله ورسوله» بغير لام وبنصب الهاء المكتوبة، وقوله تعالى: ما على المحسنين من سبيلٍ الآية، في لائمة تناط بهم أو تذنيب أو عقوبة، ثم أكد الرجاء بقوله: واللّه غفورٌ رحيمٌ وقرأ ابن عباس «والله لأهل الإساءة غفور رحيم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا على جهة التفسير أشبه منه على جهة التلاوة لخلافه المصحف، واختلف فيمن المراد بقوله: الّذين لا يجدون ما ينفقون، فقالت فرقة: نزلت في بني مقرن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وبنو مقرن ستة إخوة صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وليس في الصحابة ستة إخوة غيرهم، وقيل كانوا سبعة، وقيل نزلت في عبد الله بن مغفل المزني، قاله ابن عباس). [المحرر الوجيز: 4/ 383-384]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ولا على الّذين إذا ما أتوك الآية، اختلف فيمن نزلت هذه الآية
فقيل نزلت في عرباض بن سارية، وقيل نزلت في عبد الله بن مغفل، وقيل في عائذ بن عمرو، وقيل في أبي موسى الأشعري ورهطه، وقيل في بني مقرن، وعلى هذا جمهور المفسرين، وقيل نزلت في سبعة نفر من بطون شتى، فهم البكاءون وهم سالم بن عمير من بني عمرو بن عوف، وحرمي بن عمرو من بني واقف، وأبو ليلى عبد الرحمن من بني مازن بن النجار، وسليمان بن صخر من بني المعلى، وأبو رعياة عبد الرحمن بن زيد من بني حارثة وهو الذي تصدق بعرضه فقبل الله منه، وعمرو بن غنمة من بني سلمة، وعائد بن عمرو المزني، وقيل عبد الله بن عمرو المزني قال هذا كله محمد بن كعب القرظي، وقال مجاهد: البكاءون هم بنو مكدر من مزينة.
ومعنى قوله: لتحملهم أي على ظهر يركب ويحمل عليه الأثاث، وقال بعض الناس: إنما استحملوه النعال، ذكره النقاش عن الحسن بن صالح، وهذا بعيد شاذ، والعامل في إذا يحتمل أن يكون قلت، ويكون قوله تولّوا مقطوعا.
ويحتمل أن يكون العامل تولّوا ويكون تقدير الكلام فقلت، أو يكون قوله قلت لا أجد ما أحملكم عليه بمنزلة وجدوك في هذه الحال.
وفي الكلام اختصار وإيجاز ولا بد يدل ظاهر الكلام على ما اختصر منه، وقال الجرجاني في النظم له إن قوله قلت في حكم المعطوف تقديره وقلت، وحزناً نصب على المصدر، وقرأ معقل بن هارون «لنحملهم» بنون الجماعة). [المحرر الوجيز: 4/ 384-385]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:19 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:20 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الّذين كذبوا اللّه ورسوله سيصيب الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ (90)}
ثمّ بيّن تعالى حال ذوي الأعذار في ترك الجهاد، الّذين جاءوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعتذرون إليه، ويبيّنون له ما هم فيه من الضّعف، وعدم القدرة على الخروج، وهم من أحياء العرب ممن حول المدينة.
قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: إنّه كان يقرأ: "وجاء المعذرون" بالتّخفيف، ويقول: هم أهل العذر.
وكذا روى ابن عيينة، عن حميد، عن مجاهدٍ سواءً.
قال ابن إسحاق: وبلغني أنّهم نفر من بني غفارٍ منهم: خفاف بن إيماء بن رحضة.
وهذا القول هو الأظهر في معنى الآية؛ لأنّه قال بعد هذا: {وقعد الّذين كذبوا اللّه ورسوله} أي: لم يأتوا فيعتذروا.
وقال ابن جريج عن مجاهدٍ: {وجاء المعذّرون من الأعراب} قال: نفرٌ من بني غفارٍ، جاءوا فاعتذروا فلم يعذرهم اللّه. وكذا قال الحسن، وقتادة، ومحمّد بن إسحاق، والقول الأوّل أظهر واللّه أعلم، لما قدّمنا من قوله بعده: {وقعد الّذين كذبوا اللّه ورسوله} أي: وقعد آخرون من الأعراب عن المجيء للاعتذار، ثمّ أوعدهم بالعذاب الأليم، فقال: {سيصيب الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 197-198]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ليس على الضّعفاء ولا على المرضى ولا على الّذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ إذا نصحوا للّه ورسوله ما على المحسنين من سبيلٍ واللّه غفورٌ رحيمٌ (91) ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع حزنًا ألا يجدوا ما ينفقون (92) إنّما السّبيل على الّذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع اللّه على قلوبهم فهم لا يعلمون (93)}
ثمّ بيّن تعالى الأعذار الّتي لا حرج على من قعد فيها عن القتال، فذكر منها ما هو لازمٌ للشّخص لا ينفكّ عنه، وهو الضّعف في التّركيب الّذي لا يستطيع معه الجلاد في الجهاد، ومنه العمى والعرج ونحوهما، ولهذا بدأ به. ما هو عارضٌ بسبب مرضٍ عنّ له في بدنه، شغله عن الخروج في سبيل اللّه، أو بسبب فقره لا يقدر على التّجهّز للحرب، فليس على هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم، ولم يرجفوا بالنّاس، ولم يثبّطوهم، وهم محسنون في حالهم هذا؛ ولهذا قال: {ما على المحسنين من سبيلٍ واللّه غفورٌ رحيمٌ}
وقال سفيان الثّوريّ، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، عن أبي ثمامة، رضي اللّه عنه، قال: قال الحواريّون: يا روح اللّه، أخبرنا عن النّاصح للّه؟ قال: الّذي يؤثر حقّ اللّه على حقّ النّاس، وإذا حدث له أمران -أو: بدا له أمر الدّنيا وأمر الآخرة -بدأ بالّذي للآخرة ثمّ تفرّغ للّذي للدنيا.
وقال الأوزاعيّ: خرج النّاس إلى الاستسقاء، فقام فيهم بلال بن سعدٍ، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: يا معشر من حضر: ألستم مقرّين بالإساءة؟ قالوا: اللّهمّ نعم. فقال: اللّهمّ، إنّا نسمعك تقول: {ما على المحسنين من سبيلٍ} اللّهمّ، وقد أقررنا بالإساءة فاغفر لنا وارحمنا واسقنا. ورفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا.
وقال قتادة: نزلت هذه الآية في عائذ بن عمرٍو المزنيّ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا هشام بن عبيد اللّه الرّازيّ، حدّثنا ابن جابرٍ، عن ابن فروة، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن زيد بن ثابتٍ قال: كنت أكتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فكنت أكتب "براءة" فإنّي لواضع القلم على أذني إذ أمرنا بالقتال، فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ينظر ما ينزل عليه، إذا جاء أعمى فقال: كيف بي يا رسول اللّه وأنا أعمى؟ فأنزل اللّه {ليس على الضّعفاء ولا على المرضى} الآية
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أمر النّاس أن ينبعثوا غازين معه، فجاءته عصابةٌ من أصحابه، فيهم عبد اللّه بن مغفّل المزنيّ فقالوا: يا رسول اللّه، احملنا. فقال لهم: "واللّه لا أجد ما أحملكم عليه". فتولّوا ولهم بكاءٌ، وعزّ عليهم أن يجلسوا عن الجهاد، ولا يجدون نفقةً ولا محملًا. فلمّا رأى اللّه حرصهم على محبّته ومحبّة رسوله أنزل عذرهم في كتابه، فقال: {ليس على الضّعفاء ولا على المرضى ولا على الّذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ} إلى قوله تعالى: {فهم لا يعلمون}.
وقال مجاهدٌ في قوله: {ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم} نزلت في بني مقرّنٍ من مزينة.
وقال محمّد بن كعبٍ: كانوا سبعة نفرٍ، من بني عمرو بن عوفٍ: سالم بن عمير -ومن بني واقفٍ: هرمي بن عمرٍو -ومن بني مازن بن النّجّار: عبد الرّحمن بن كعبٍ، ويكنّى أبا ليلى -ومن بني المعلى: [سلمان بن صخرٍ -ومن بني حارثة: عبد الرّحمن بن يزيد، أبو عبلة، وهو الّذي تصدّق بعرضه فقبله اللّه منه] ومن بني سلمة: عمرو بن عنمة وعبد اللّه بن عمرٍو المزنيّ.
وقال محمّد بن إسحاق في سياق غزوة تبوك: ثمّ إنّ رجالًا من المسلمين أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهم البكّاءون، وهم سبعة نفرٍ من الأنصار وغيرهم، من بني عمرو بن عوفٍ: سالم بن عمير وعلبة بن زيدٍ أخو بني حارثة، وأبو ليلى عبد الرّحمن بن كعبٍ، أخو بني مازن بن النّجّار، وعمرو بن الحمام بن الجموح، أخو بني سلمة، وعبد اللّه بن المغفّل المزنيّ؛ وبعض النّاس يقول: بل هو عبد اللّه بن عمرٍو المزنيّ، وهرميّ بن عبد اللّه، أخو بني واقفٍ، وعرباض بن سارية الفزاريّ، فاستحملوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكانوا أهل حاجةٍ، فقال: لا أجد ما أحملكم عليه فتولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع حزنًا ألّا يجدوا ما ينفقون
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عمر بن الأوديّ، حدّثنا وكيع، عن الرّبيع، عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لقد خلّفتم بالمدينة أقوامًا، ما أنفقتم من نفقةٍ، ولا قطعتم واديًا، ولا نلتم من عدوٍّ نيلًا إلّا وقد شركوكم في الأجر"، ثمّ قرأ: {ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه} الآية.
وأصل هذا الحديث في الصّحيحين من حديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ بالمدينة أقوامًا ما قطعتم واديًا، ولا سرتم [مسيرًا] إلّا وهم معكم". قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: "نعم، حبسهم العذر"
وقال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، حدّثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لقد خلّفتم بالمدينة رجالًا ما قطعتم واديًا، ولا سلكتم طريقًا إلّا شركوكم في الأجر، حبسهم المرض".
ورواه مسلمٌ، وابن ماجه، من طرقٍ، عن الأعمش، به
ثمّ ردّ تعالى الملامة على الّذين يستأذنون في القعود وهم أغنياء، وأنّبهم في رضاهم بأن يكونوا مع النّساء الخوالف في الرّحال، {وطبع اللّه على قلوبهم فهم لا يعلمون}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 198-200]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:19 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة