تفسير قوله تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ وليّي اللّه الّذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصّالحين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: قل يا محمّد للمشركين من عبدة الأوثان: إنّ وليّي نصيري ومعيني وظهيري عليكم اللّه الّذي نزّل الكتاب عليّ بالحقّ، وهو الّذي يتولّى من صلح عمله بطاعته من خلقه). [جامع البيان: 10/ 636]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({إنّ وليّي اللّه الّذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصّالحين (196)}
قوله تعالى: {إنّ وليّي اللّه الّذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصّالحين}
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي أبي عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: قوله: نزّل الكتاب هو القرآن.
- ذكر عن نصر بن عليٍّ ويعقوب الدّورقيّ، عن محمّد بن مروان العقيليّ، عن عمارة بن أبي حفصة قال: دخل مسلمة على عمر بن عبد العزيز يعوده في مرضه الّذي مات فيه فقال له من توصي بأهلك؟ فقال: إذا نسيت اللّه فذكّرني، فأعاد عليه ثلاثًا فقال: إنّ وليّي اللّه الّذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصّالحين). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1636]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون}.
وهذا أيضًا أمرٌ من اللّه جلّ ثناؤه لنبيّه أن يقوله للمشركين بقوله تعالى: قل لهم، إنّ اللّه نصيري وظهيري، والّذين تدعون أنتم أيّها المشركون من دون اللّه من الآلهة، لا يستطيعون نصركم، ولا هم مع عجزهم عن نصرتكم يقدرون على نصرة أنفسهم، فأيّ هذين أولى بالعبادة وأحقّ بالألوهة، أمّن ينصر وليّه ويمنع نفسه ممّن أراده، أم من لا يستطيع نصر وليّه ويعجز عن منع نفسه ممّن أراده وبغاه بمكروهٍ؟). [جامع البيان: 10/ 636-637]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({والّذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون (197)}
قوله تعالى: {والّذين تدعون من دونه}؛
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: {والّذين تدعون من دونه}؛ قال: هذا الوثن). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1636]
تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون}.
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل للمشركين: وإن تدعوا أيّها المشركون آلهتكم إلى الهدى، وهو الاستقامة إلى السّداد، {لا يسمعوا} يقول: لا يسمعوا دعاءكم. {وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} وهذا خطابٌ من اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول: وترى يا محمّد آلهتهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون. ولذلك وحّد، ولو كان أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بخطاب المشركين لقال: وترونهم ينظرون إليكم.
وقد روي عن السّدّيّ في ذلك ما:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون}؛ قال: هؤلاء المشركين.
وقد يحتمل قول السّدّيّ هذا أن يكون أراد بقوله: هؤلاء المشركون قول اللّه: {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا}.
وقد كان مجاهدٌ يقول في ذلك ما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون}؛ ما تدعوهم إلى الهدى.
وكأنّ مجاهدًا وجّه معنى الكلام إلى أنّ معناه: وترى المشركين ينظرون إليك وهم لا يبصرون. فهو وجهٌ، ولكنّ الكلام في سياق الخبر عن الآلهة فهو بوصفها أشبه.
قال أبو جعفرٍ: فإن قال قائلٌ: فما معنى قوله: {وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون}؟ وهل يجوز أن يكون شيءٌ ينظر إلى شيءٍ ولا يراه؟
قيل: إنّ العرب تقول للشّيء إذا قابل شيئًا أو حاذاه هو ينظر إلى كذا، ويقال: منزل فلانٍ ينظر إلى منزلي إذا قابله.
وحكي عنها: إذا أتيت موضع كذا وكذا، فنظر إليك الجبل، فخذ يمينًا أو شمالاً.
وحدّثت عن أبي عبيدٍ، قال: قال الكسائيّ: الحائط ينظر إليك إذا كان قريبًا منك حيث تراه، ومنه قول الشّاعر:
إذا نظرت بلاد بني تميمٍ ....... بعينٍ أو بلاد بني صباحٍ
يريد: تقابل نبتها وعشبها وتحاذى.
فمعنى الكلام: وترى يا محمّد آلهة هؤلاء المشركين من عبدة الأوثان يقابلونك ويحاذونك، وهم لا يبصرونك؛ لأنّه لا أبصار لهم. وقيل: وتراهم، ولم يقل: وتراها أنّها صورٌ مصوّرةٌ على صور بني آدم). [جامع البيان: 10/ 637-638]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون (198)}
قوله تعالى: {وإن تدعوهم إلى الهدى}؛
- أخبرنا أحمد بن عثمان حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا}؛ دعاهم.
قوله تعالى: {وتراهم ينظرون إليك}؛
- وبه إلى السّدّيّ قوله: {وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون}؛ قال: هؤلاء المشركون.
قوله تعالى: {وهم لا يبصرون}؛
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ {ينظرون إليك وهم لا يبصرون}؛ ما تدعوهم إليه من الهدى). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1637]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {وتراهم ينظرون إليك}؛ قال: هؤلاء المشركون.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون}؛ ما تدعوهم إليه من الهدى). [الدر المنثور: 6/ 707]
تفسير قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه أنه كان يقول في هذه الآية: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}، قال عروة: أمر الله رسوله أن يأخذ بالعفو من أخلاق الناس؛ قال هشام: وكان أبي يقول في هذه الآية: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌ من عند ربنا}، إن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله، ولكنهم يقولون آمنا به كل من عند ربنا). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 64]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه في قوله تعالى: {خذ العفو}؛ قال: خذ ما عفا لك من أخلاقهم وأمر بالعرف يقول بالمعروف). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 245]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن أبي المرادي قال بلغنا أنه لما نزلت: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} قال رسول الله لجبريل: ما هذا؟ قال لا أدري حتى أسأل العالم. قال: فأتاه جبريل فقال: يا محمد إن الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك.). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 46]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه في قوله عزّ وجلّ: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}؛ قال: ما أمر إلّا أن يأخذ من أخلاقهم وأعمالهم.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية، قال: نا هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان، قال: سمعت ابن الزّبير يقول على المنبر: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}، واللّه ما أمر بها أن نأخذ إلّا من أخلاق النّاس، واللّه لآخذنّها منهم ما صحبتهم). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 174-178]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبد الله بن نميرٍ، قال: أخبرنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزّبير، قال: {خذ العفو} قال: ما أمر به إلا من أخلاق النّاس، وايم الله لآخذنّ به فيهم ما صحبتهم). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 261-262]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} "العرف: المعروف "
- حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ، عن الزّهريّ، قال: أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، أنّ ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: «قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيسٍ، وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر، وكان القرّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كهولًا كانوا أو شبّانًا» ، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، هل لك وجهٌ عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عبّاسٍ: «فاستأذن الحرّ لعيينة فأذن له عمر» ، فلمّا دخل عليه قال: هي يا ابن الخطّاب، فواللّه ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتّى همّ أن يوقع به، فقال له الحرّ: يا أمير المؤمنين، إنّ اللّه تعالى قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}، وإنّ هذا من الجاهلين، «واللّه ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافًا عند كتاب اللّه»
- حدّثنا يحيى، حدّثنا وكيعٌ، عن هشامٍ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن الزّبير، {خذ العفو}وأمر بالعرف قال: «ما أنزل اللّه إلّا في أخلاق النّاس».
- وقال عبد اللّه بن برّادٍ، حدّثنا أبو أسامة، حدّثنا هشامٌ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن الزّبير، قال: «أمر اللّه نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم- أن يأخذ العفو من أخلاق النّاس، أو كما قال»). [صحيح البخاري: 6/ 60-61]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله: باب {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}.
العرف المعروف وصله عبد الرّزّاق من طريق هشام بن عروة عن أبيه بهذا وكذا أخرجه الطّبريّ من طريق السّدّيّ وقتادة قوله: في حديث عمر أو شبّانًا بضمّ أوّله وتشديد الموحّدة وبعد الألف نونٌ للأكثر وفي رواية الكشميهنيّ بفتح أوّله وبموحّدتين الأولى خفيفةٌ وسيأتي شرح هذا الحديث في كتاب الاعتصام.
[4643] قوله: حدثني يحيى نسبه بن السّكن، فقال: يحيى بن موسى ونسبه المستملي فقال: يحيى بن جعفرٍ ولا يخرج عن واحدٍ منهما والأشبه ما قال المستملي قوله عن هشام هو بن عروة وبن الزّبير هو عبد اللّه قوله ما أنزل اللّه أي هذه الآية إلّا في أخلاق النّاس كذا أخرجه بن جرير عن بن وكيعٍ عن أبيه بلفظ ما أنزل اللّه هذه الآية إلّا في أخلاق النّاس وكذا أخرجه بن أبي شيبة عن وكيع وأخرج بن جريرٍ أيضًا من طريق وهب بن كيسان عن عبد اللّه بن الزّبير نحوه قوله وقال عبد اللّه بن برّادٍ بموحّدةٍ وتثقيل الرّاء وبرّاد اسم جدّه وهو عبد اللّه بن عامر بن برّاد بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعريّ ما له في البخاريّ سوى هذا الموضع قوله أمر اللّه نبيّه أن يأخذ العفو من أخلاق النّاس أو كما قال وقد اختلف عن هشامٍ في هذا الحديث فوصله من ذكرنا عنه وتابعهم عبدة بن سليمان عن هشام عند بن جريرٍ والطّفاويّ عن هشام عند الإسماعيليّ وخالفهم معمر وبن أبي الزّناد وحمّاد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه من قوله موقوفًا وقال أبو معاوية عن هشامٍ عن وهب بن كيسان عن بن الزّبير أخرجه سعيد بن منصورٍ عنه وقال عبيد اللّه بن عمر عن هشامٍ عن أبيه عن بن عمر أخرجه البزّار والطّبرانيّ وهي شاذّةٌ وكذا رواية حمّاد بن سلمة عن هشامٍ عن أبيه عن عائشة عند بن مردويه وأمّا رواية أبي معاوية فشاذّةٌ أيضًا مع احتمال أن يكون لهشامٍ فيه شيخان وأمّا رواية معمرٍ ومن تابعه فمرجوحةٌ بأنّ زيادة من خالفهما مقبولةٌ لكونهم حفّاظًا وإلى ما ذهب إليه بن الزّبير من تفسير الآية ذهب مجاهدٌ وخالف في ذلك بن عبّاس فروى بن جريرٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه قال خذ العفو يعني خذ ما عفا لك من أموالهم أي ما فضل وكان ذلك قبل فرض الزّكاة وبذلك قال السّدّيّ وزاد نسختها آية الزّكاة وبنحوه قال الضّحّاك وعطاء وأبو عبيدة ورجح بن جريرٍ الأوّل واحتجّ له وروي عن جعفرٍ الصّادق وقال ليس في القرآن آيةٌ أجمع لمكارم الأخلاق منها ووجّهوه بأنّ الأخلاق ثلاثةٌ بحسب القوي الإنسانيّة عقليّةٌ وشهويّةٌ وغضبيّةٌ فالعقليّة الحكمة ومنها الأمر بالمعروف والشّهويّة العفّة ومنها أخذ العفو والغضبيّة الشّجاعة ومنها الإعراض عن الجاهلين وروى الطّبريّ مرسلا وبن مردويه موصولًا من حديث جابرٍ وغيره لمّا نزلت {خذ العفو وأمر بالعرف}؛ سأل جبريل فقال لا أعلم حتّى أسأله ثمّ رجع فقال إنّ ربّك يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمّن ظلمك). [فتح الباري: 8/ 305-306]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
- ثنا يحيى ثنا وكيع عن هشام عن أبيه عن عبد الله ابن الزبير: {خذ العفو وأمر بالعرف}، قال: ما أنزل الله إلّا في أخلاق النّاس
- وقال عبد الله بن براد ثنا أبو أسامة ثنا هشام عن أبيه عن عبد الله ابن الزبير قال أمر الله نبيه -صلّى اللّه عليه وسلّم- أن يأخذ العفو من أخلاق النّاس أو كما قال). [تغليق التعليق: 4/ 214]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (5 - (بابٌ: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}
أي: هذا باب في قوله تعالى: {خذ العفو} وقد أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بثلاثة أشياء: الأخذ بالعفو والأمر بالعرف والإعراض عن الجاهلين، وروي الطّبريّ عن مجاهد: خذ العفو من أخلاق النّاس وأعمالهم من غير تجسيس عليهم، وقال ابن الزبير: ما أنزل الله تعالى هذه الآية إلاّ في أخلاق النّاس، وعن ابن عبّاس والضّحّاك والسّديّ: خذ العفو من أموال المسلمين وهو الفضل، وقال ابن جرير: أمر بذلك قبل نزول الزّكاة، وقال ابن الجوزيّ: صدقة كانت تؤخذ قبل الزّكاة ثمّ نسخت بها، وقيل: هذا أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالعفو عن المشركين وترك الغلظة عليهم، وذلك قبل فرض القتال. وتفسير العرف يأتي الآن. قوله: (وأغرض عن الجاهلين) أي: عن أبي جهل وأصحابه، وقال ابن زيد: نسختها آية السّيف، وقيل: ليست بمنسوخة إنّما أمر باحتمال من ظلم.
(العرف: المعروف) أراد أن العرف، المأمور به في الآية الكريمة هو المعروف، ووصله عبد الرّزّاق من طريق همام بن عروة عن أبيه، وكذا أخرجه الطّبريّ من طريق السّديّ وقتادة، وفي المعروف صلة الرّحم وإعطاء من حرم والعفو عمّن ظلم، وقال ابن الجوزيّ: العرف والمعروف ما عرف من طاعة الله عز وجل، وقال الثّعلبيّ: العرف والمعروف والعارفة كل خصلة حميدة، وقال عطاء: الأمر بالعرف بلا إله إلاّ الله.
- حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزّهريّ قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر وكان القرّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا فقال عيينة لابن أخيه يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه قال سأستأذن لك عليه قال ابن عبّاس فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر فلمّا دخل عليه قال هي يا ابن الخطاب فواللّه ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتّى هم به فقال له الحر يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه - صلّى اللّه عليه وسلّم - خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين وإن هذا من الجاهلين والله ما جاوزنا عمر حين تلاها عليه وكان وقافا عند كتاب الله) مطابقته للتّرجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وهذا الإسناد على هذا النمط قد سبق كثيرا والحديث من أفراده وأخرجه أيضا في الاعتصام عن إسماعيل بن أبي أويس قوله " مشاورته " بلفظ المصدر عطفا على مجالس وبلفظ المفعول والفاعل عطفا على أصحاب قوله " كهولا " بضم الكاف جمع كهل وهو الّذي وخطه الشيب قاله ابن فارس وقال المبرد هو ابن ثلاث وثلاثين سنة قوله " أو شبانا " بضم الشين المعجمة وتشديد الباء الموحدة جمع شاب هكذا في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني شبابًا بفتح الشين وبالباءين الموحدتين أولاهما مخفّفة قوله " هي " بكسر الهاء وسكون الياء كلمة التهديد ويقال هو ضمير وثمة محذوف أي هي داهية أو القصّة هذه ويروى هيه بهاء أخرى في آخره ويروى إيه من أسماء الأفعال تقول للرجل إذا استزدته هن حديث أو عمل إيه بكسر الهمزة وسكون الياء وكسر الهاء قوله " ما تعطينا الجزل " بفتح الجيم وسكون الزّاي أي ما تعطينا العطاء الكثير وأصل الجزل ما عظم من الحطب ثمّ استعير منه أجزل له في العطاء أي أكثره قوله " ما جاوزها " أي ما جاوز الآية المذكورة يعني لم يتعدّ عن العمل بها قوله " وكان " أي عمر وقافا مبالغة في واقف ومعناه أنه إذا سمع كتاب الله يقف عنده ولا يتجاوز عن حكمه.
- حدّثنا يحيى حدّثنا وكيعٌ عن هشامٍ عن أبيه عن عبد الله بن الزّبير خذ العفو وأمر بالعرف قال ما أنزل الله إلاّ في أخلاق النّاس
مطابقته للتّرجمة تؤخذ من قوله: {خذ العفو وأمر بالعرف} ويحيى شيخ البخاريّ مختلف فيه، فقال أبو عليّ بن السكن: هو يحيى بن موسى بن عبد ربه أبو زكريّا السّختيانيّ البلخي، يقال له خت، وقال المستملي: هو يحيى بن جعفر بن أعين أبو زكريّا البخاريّ البيكندي، رحمه الله، وهشام هو ابن عروة يروى عن أبيه عروة وعروة يروي عن أخيه عبد الله بن الزبير، وهذا موقوف.
قوله: {خذ العفو} ، يعني هذه الآية ما أنزلها الله إلاّ في أخلاق النّاس. وقوله: (قال) معترض بين الجملتين، والضّمير المنصوب مقدّر في ما أنزل كما قدرناه، ورواه محمّد بن جرير عن ابن وكيع عن أبيه بلفظ: ما أنزل الله هذه الآية إلاّ في أخلاق النّاس، والأخلاق جمع خلق بالضّمّ وهو ملكة تصدر بها الأفعال بلا روية، وقال جعفر الصّادق: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها، ولعلّ ذلك لأن المعاملة إمّا مع نفسه أو مع غيره، والغير إمّا عالم أو جاهل أو لأن أمّهات الأخلاق ثلاث لأن القوى الإنسانية ثلاث: العقليّة والشهوية والغضبية، ولكل قوّة فضيلة هي وسطها، للعقلية الحكمة وبها الأمر بالمعروف، وللشهوية العفّة ومنها أخذ العفو، وللغضبية الشجاعة ومنها: الإعراض عن الجهّال.
وقال عبد الله بن براد: حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال أمر الله نبيه - صلّى اللّه عليه وسلّم - أن يأخذ العفو من أخلاق النّاس أو كما قال: هذا تعليق أخرجه عن عبد الله بن براد وفي التّوضيح لم يرو عنه غير هذا التّعليق ولعلّه أخذه عنه مذاكرة وأكثر عنه مسلم مات سنة أربع وثلاثين ومائتين بالكوفة وبراد بفتح الباء الموحدة وتشديد الرّاء وهو اسم جده وهو عبد الله بن عامر بن براد بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعريّ وأبو أسامة حمّاد بن أسامة وقد تكرر ذكره قيل اختلف في هذا عن هشام فمنهم من وصله منهم الإسماعيليّ رواه من حديث الطفاوي عن هشام ومنهم من وقفه منهم معمر وابن أبي الزّناد وحمّاد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه من قوله موقوفا). [عمدة القاري: 18/ 242-243]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (5 - باب {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}؛
العرف: المعروف.
باب قوله تعالى لنبيه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: {خذ العفو}؛ أي الفضل وما أتى من غير كلفة {وأمر بالعرف} المعروف كما يأتي إن شاء الله تعالى {وأعرض عن الجاهلين} كأبي جهل وأصحابه وكان هذا قبل الأمر بالقتال (العرف) هو (المعروف) المستحسن من الأفعال.
- حدّثنا أبو اليمان، حدثنا شعيبٌ عن الزّهريّ قال: أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة أنّ ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيسٍ وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر، وكان القرّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولًا كانوا أو شبّانًا فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي لك وجهٌ عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه قال: سأستأذن لك عليه قال ابن عبّاسٍ: فاستأذن الحرّ لعيينة فأذن له عمر فلمّا دخل عليه قال: هي يا ابن الخطّاب فواللّه ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتّى همّ به فقال له الحرّ: يا أمير المؤمنين إنّ اللّه تعالى قال: لنبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} وإنّ هذا من الجاهلين واللّه ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافًا عند كتاب اللّه. [الحديث 4642 - طرفاه في: 7286].
وبه قال: حدّثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: حدّثنا في الفرع كأصله أخبرنا شعيب هو ابن أبي حمزة عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: أخبرني بالإفراد عبيد الله بضم العين ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة -بضم الحاء- مصغرًا الفزاري فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس أي ابن حصن وكان من النفر الذين يدنيهم أي يقربهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولًا -جمع كهل وهو الذي وخطه الشيب -كانوا أو شبانًا -بضم الشين
المعجمة وتشديد الموحدة وللكشميهني أو شبابًا بفتح الشين المعجمة بموحدتين الأولى مخففة- فقال عيينة لابن أخيه الحر بن قيس: يا ابن أخي لك وجه وجيه ولأبي ذر: هل لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه. قال الحر سأستأذن لك عليه. قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: هي -بكسر الهاء وسكون الياء كلمة تهديد وقيل هي ضمير وهناك محذوف أي هي داهية- يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزل -بفتح الجيم وسكون الزاي أي ما تعطينا العطاء الكثير- ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر -رضي الله عنه- حتى همّ به وكان شديدًا في الله ولأبي الوقت حتى هم أن يوقع به فقال له الحر: يا أمير المؤمنين وإن الله تعالى قال لنبيه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} وإن هذا من الجاهلين والله ما جاوزها أي ما جاوز الآية المتلوّة أي لم يتعدّ العمل بها عمر حين تلاها عليه الحر وكان وقافًا عند كتاب الله لا يتجاوز حكمه.
وهذا الحديث من أفراده، وأخرجه أيضًا في الاعتصام.
- حدّثنا يحيى حدّثنا وكيعٌ، عن هشامٍ، عن أبيه عن عبد اللّه بن الزّبير، {خذ العفو وأمر بالعرف}، قال: ما أنزل اللّه إلاّ في أخلاق النّاس. [الحديث 4643 - طرفه في: 4644].
وبه قال: حدّثنا ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد يحيى غير منسوب فقال ابن السكن يحيى بن موسى يعني المعروف بخت، وقال المستملي يحيى بن جعفر يعني البيكندي ورجحه ابن حجر قال: حدّثنا وكيع هو ابن الجراح الرؤاسي براء مضمومة فهمزة فسين مهملة الكوفي الحافظ العابد عن هشام عن أبيه عروة بن الزبير بن العوّام عن أخيه عبد الله بن الزبير بن العوام وسقط لأبي ذر عبد الله أنه قال في قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف} قال: ما أنزل الله أي هذه الآية إلا في أخلاق الناس.
- حدّثنا وقال عبد اللّه بن برّادٍ، حدّثنا أبو أسامة حدّثنا هشامٌ، أخبرني عن أبيه عن عبد اللّه بن الزّبير قال: أمر اللّه نبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- أن يأخذ العفو من أخلاق النّاس أو كما قال.
وقال عبد الله بن براد بفتح الموحدة وتشديد الراء وبعد الألف مهملة وهو عبد الله بن عامر بن براد بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ونسبه إلى جده لشهرته به حدّثنا أبو أسامة حماد بن أسامة قال: حدّثنا هشام أخبرني بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا أبو أسامة قال هشام: عن أبيه عروة بن الزبير عن أخيه عبد الله بن الزبير أنه قال: أمر الله -تعالى- نبيه -صلّى اللّه عليه وسلّم- أن يأخذ العفو من أخلاق الناس أو كما قال.
وقد اختلف على هشام في هذا الحديث فوصله بعضهم كالإسماعيلي، وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة {خذ العفو} الخ هذه أخلاق أمر الله تعالى بها نبيه -صلّى اللّه عليه وسلّم- ودله عليها فأمره أن يأخذ الفضل من أخلاقهم بسهولة من غير تشديد ويدخل فيه ترك التشديد بما يتعلق بالحقوق المالية، وكان هذا قبل الزكاة.
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم جميعًا عن أمي قال: لما أنزل الله على نبيه -صلّى اللّه عليه وسلّم- {خذ العفو} الآية قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «ما هذا يا جبريل؟» قال: إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك. وهو مرسل له شواهد من وجوه أخر كما قاله الحافظ ابن كثير وهو مطابق للفظ لأن وصل القاطع عفو عنه وإعطاء من حرم أمر بالمعروف والعفو عن الظالم إعراض عن الجاهل، فالآية مشتملة على مكارم الأخلاق فيما يتعلق بمعاملة الناس، ولذا قال جعفر الصادق: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها. قال بعض الكبراء: الناس رجلان محسن فخذ ما عفا لك من إحسانه ولا تكلفه فوق طاقته، ومسيء فمره بالمعروف فإن تمادى على ضلاله واستعصى عليك واستمر في جهله فأعرض عنه فلعل ذلك يردّه كما قال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن} [المؤمنون: 96]). [إرشاد الساري: 7/ 131-132]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {خذ العفو}؛ قال: خذ من أعمالهم وأخلاقهم في غير تحسس).[جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 48]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف}؛
- أخبرنا هارون بن إسحاق، حدّثنا عبدة، عن هشامٍ، عن أبيه، عن ابن الزّبير، قال: " إنّما أنزل الله تبارك وتعالى: {خذ العفو} من أخلاق النّاس "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 103]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {خذ العفو}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله: خذ العفو من أخلاق النّاس، وهو الفضل وما لا يجهدهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم، عن مجاهدٍ، في قوله: {خذ العفو}؛ قال: من أخلاق النّاس وأعمالهم بغير تحسّسٍ.
- حدّثنا يعقوب وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا ابن عليّة، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {خذ العفو}؛ قال: عفو أخلاق النّاس، وعفو أمورهم.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني ابن أبي الزّناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، في قوله: {خذ العفو ...} الآية. قال عروة: أمر اللّه رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأخذ العفو من أخلاق النّاس.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن الزّبير، قال: ما أنزل اللّه هذه الآية إلاّ في أخلاق النّاس: {خذ العفو} وأمر بالعرف الآية.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، عن ابن جريجٍ، قال: بلغني عن مجاهدٍ: {خذ العفو}؛ من أخلاق النّاس وأعمالهم بغير تحسّسٍ.
- قال: حدّثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان، عن ابن الزّبير: {خذ العفو}؛ قال: من أخلاق النّاس، واللّه لآخذنّه منهم ما صحبتهم.
- قال: حدّثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن الزّبير، قال: إنّما أنزل اللّه {خذ العفو}؛ من أخلاق النّاس.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قاله حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {خذ العفو}؛ قال: من أخلاق النّاس وأعمالهم من غير تجسّسٍ أو تحسّسٍ، شكّ أبو عاصمٍ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: {خذ العفو}؛ من أموال النّاس، وهو الفضل. قالوا: وأمر بذلك قبل نزول الزّكاة، فلمّا نزلت الزّكاة نسخ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {خذ العفو}؛ يعني: خذ ما عفا لك من أموالهم، وما أتوك به من شيءٍ فخذه. فكان هذا قبل أن تنزل براءةٌ بفرائض الصّدقات وتفصيلها وما انتهت الصّدقات إليه.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {خذ العفو}؛ أما العفو: فالفضل من المال، نسختها الزّكاة.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {خذ العفو} يقول: خذ ما عفا من أموالهم، وهذا قبل أن تنزل الصّدقة المفروضة.
وقال آخرون: بل ذلك أمرٌ من اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالعفو عن المشركين وترك الغلظة عليهم قبل أن يفرض قتالهم عليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {خذ العفو}؛ قال: أمره فأعرض عنهم عشر سنين بمكّة. قال: ثمّ أمره بالغلظة عليهم وأن يقعد لهم كلّ مرصدٍ وأن يحصرهم، ثمّ قال: {فإن تابوا وأقاموا الصّلاة} الآية كلّها، وقرأ: {يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم}؛ قال: وأمر المؤمنين بالغلظة عليهم، فقال: {يا أيّها الّذين آمنوا قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار وليجدوا فيكم غلظةً} بعدما كان أمرهم بالعفو، وقرأ قول اللّه: {قل للّذين آمنوا يغفروا للّذين لا يرجون أيّام اللّه} ثمّ لم يقبل منهم بعد ذلك إلاّ الإسلام أو القتل، فنسخت هذه الآية العفو.
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال بالصّواب قول من قال: معناه: خذ العفو من أخلاق النّاس، واترك الغلظة عليهم، وقال: أمر بذلك نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المشركين.
وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه أتبع ذلك تعليمه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم محاجّته المشركين في الكلام، وذلك قوله: {قل ادعوا شركاءكم ثمّ كيدون فلا تنظرون}، وعقّبه بقوله: {وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون وإذا لم تأتهم بآيةٍ قالوا لولا اجتبيتها} فما بين ذلك بأن يكون من تأديبه نبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- في عشرتهم به أشبه وأولى من الاعتراض بأمره بأخذ الصّدقة من المسلمين.
فإن قال قائلٌ: أفمنسوخٌ ذلك؟ قيل: لا دلالة عندنا على أنّه منسوخٌ؛ إذ كان جائزًا أن يكون، وإن كان اللّه أنزله على نبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- في تعريفه عشرة من لم يؤمر بقتاله من المشركين، مرادًا به تأديب نبيّ اللّه والمسلمين جميعًا في عشرة النّاس وأمرهم بأخذ عفو أخلاقهم، فيكون وإن كان من أجلهم نزل تعليمًا من اللّه خلقه صفة عشرة بعضهم بعضًا، لم يجب استعمال الغلظة والشّدّة في بعضهم، فإذا وجب استعمال ذلك فيهم استعمل الواجب، فيكون قوله: {خذ العفو}؛ أمرًا بأخذه ما لم يجب غير العفو، فإذا وجب غيره أخذ الواجب وغير الواجب إذا أمكن ذلك، فلا يحكم على الآية بأنّها منسوخةٌ لما قد بيّنّا ذلك في نظائره في غير موضعٍ من كتبنا.
وأمّا قوله: {وأمر بالعرف}؛ فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم بما:
- حدّثني الحسن بن الزّبرقان النّخعيّ، قال: حدّثني حسينٌ الجعفيّ، عن سفيان بن عيينة، عن رجلٍ، قد سمّاه، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «يا جبريل ما هذا؟» قال: ما أدري حتّى أسأل العالم. قال: ثمّ قال جبريل: يا محمّد إنّ اللّه يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا سفيان، عن أبيٍّ، قال: لمّا أنزل اللّه على نبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} قال النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «ما هذا يا جبريل؟» قال: إنّ اللّه يأمرك أن تعفو عمّن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك.
وقال آخرون بما:
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن هشام بن عروة، عن أبيه: {وأمر بالعرف}؛ يقول: بالمعروف.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وأمر بالعرف}؛ قال: أما العرف: فالمعروف.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وأمر بالعرف}؛ أي: بالمعروف.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه أمر نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأمر النّاس بالعرف، وهو المعروف في كلام العرب، مصدرٌ في معنى المعروف، يقال أوليته عرفًا وعارفًا وعارفةً كلّ ذلك بمعنى المعروف. فإذا كان معنى العرف ذلك، فمن المعروف صلة رحم من قطع، وإعطاء من حرم، والعفو عمّن ظلم. وكلّ ما أمر اللّه به من الأعمال أو ندب إليه فهو من العرف. ولم يخصّص اللّه من ذلك معنًى دون معنًى، فالحقّ فيه أن يقال: قد أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأمر عباده بالمعروف كلّه لا ببعض معانيه دون بعضٍ.
وأمّا قوله: {وأعرض عن الجاهلين} فإنّه أمرٌ من اللّه تعالى نبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- أن يعرض عمّن جهل. وذلك وإن كان أمرًا من اللّه لنبيّه، فإنّه تأديبٌ منه عزّ ذكره لخلقه باحتمال من ظلمهم أو اعتدى عليهم، لا بالإعراض عمّن جهل الواجب عليه من حقّ اللّه ولا بالصّفح عمّن كفر باللّه وجهل وحدانيّته، وهو للمسلمين حربٌ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}؛ قال: أخلاقٌ أمر اللّه بها نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ودلّه عليها). [جامع البيان: 10/ 639-645]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (199)}؛
قوله تعالى: {خذ العفو}؛
الوجه الأول:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا أبو معاوية ثنا هشام بن عروة عن وهب بن كيسان قال: سمعت عبد اللّه بن الزّبير على المنبر يقول: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}؛ واللّه ما أمر بهما إلا أن تؤخذ لا من أخلاق النّاس، واللّه لآخذنّها منهم ما صحبتهم.
- حدّثنا أبي، ثنا عمرو بن محمّد النّاقد، ثنا محمّد بن عبد الرّحمن الطّفاويّ أبو المنذر، عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر في قوله: {خذ العفو}؛ قال: أمر اللّه نبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- أن يأخذ العفو من أخلاق النّاس.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن جعفرٍ الرّقّيّ، ثنا عبد الله ابن المبارك عن ابن أبي ليلى عن المنهال عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ {خذ العفو}؛ قال: الفضل.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {خذ العفو}؛ خذ العفو من أخلاق النّاس وأعمالهم بغير تجسيس.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ أنبأ بشرٌ بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {خذ العفو}؛ يقول: خذ الفضل، أنفق الفضل.
وروي عن عروة ابن الزّبير قال: ما صفا لك من أخلاقهم.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {خذ العفو وأمر بالعرف}؛ يقول: خذ ما عفا لك من أموالهم ما أتوك به من شيءٍ فخذه، وكان هذا قبل أن تنزل براءةٌ تفرض الصّدقات وتفصيلها وما انتهت الصّدقات إليها. وروي عن الضّحّاك نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن ميسرة الهمدانيّ، ثنا حجّاج بن محمّدٍ عن ابن جريجٍ قال: سألت عطاء عن قوله: {خذ العفو}؛ قال: ما لم يسرفوا.
والوجه الرّابع:
- كتب إليّ، أبو يزيد القراطيسيّ ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول الله: {خذ العفو}؛ قال: عفا عن المشركين عشر سنين بمكّة.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ سفيان عن أمّي قال: لمّا أنزل اللّه على نبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}؛ قال: النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «ما هذا يا جبريل؟» قال: إنّ اللّه يأمرك أن تعفو عمّن ظلمك، وتعطي من حرمك وتصل من قطعك.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت سفيان بن عيينة، عن أمّي عن الشّعبيّ نحوه.
قوله تعالى: {وأمر بالعرف}؛
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {وأمر بالعرف}؛ يقول: بالمعروف، وروي عن عروة بن الزّبير، والسّدّيّ، وسفيان الثّوريّ نحو ذلك.
قوله تعالى: {وأعرض عن الجاهلين}؛
- حدّثنا أبي، ثنا أبو اليماني الحكم بن نافعٍ، أخبرني شعيب هو ابن أبي حمزة، عن الزّهريّ، أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة أنّ عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدرٍ فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس بن حصنٍ، وكان من النّفر الّذين يدينهم عمر بن الخطّاب فقال عيينة لابن أخيه: هل لك وجهٌ عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟ فقال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عبّاسٍ: «فاستأذن الحرّ لعيينة، فأذن له عمر فلمّا دخل عليه قال: هيا ابن الخطّاب واللّه ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتّى همّ أن يوقع به فقال له الحرّ: يا أمير المؤمنين إنّ اللّه قال لنبيّه: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإنّ هذا من الجاهلين، قال: فو الله ما جوزها حين تلاها وكان وقافا عن كتاب اللّه».
- حدّثنا أبي، ثنا عبدة بن سليمان المروزيّ بطرسوس أنبأ ابن المبارك أنبأ معمرٌ، عن قتادة قال: الإعراض عن النّاس أن يكلّمك أحدٌ وأنت معرضٌ عنه وتتكبّر.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا، أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قول اللّه: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}؛ قال: أمره فأعرض عنهم عشر سنين، ثمّ أمره بالجهاد.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني مالك بن أنسٍ، عن عبد اللّه بن نافعٍ أنّ سالم بن عبد اللّه مرّ على عيرٍ لأهل الشّام وفيها جرسٌ فقال: إنّ هذا ينهى عنه فقالوا: نحن أعلم بهذا منك، إنّما يكره الجلجل الكبير، فأمّا مثل هذا فلا بأس به، فسكت سالمٌ وقال: {وأعرض عن الجاهلين}). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1637-1639]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله -عز وجل-: {خذ العفو}؛ يعني من أخلاق الناس وأعمالهم بغير تحسس). [تفسير مجاهد: 253]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م) ابن الزبير - رضي الله عنهما -: قال: ما نزلت {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} إلا في أخلاق الناس.
وفي رواية قال: أمر الله نبيّه -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذ العفو من أخلاق الناس. أخرجه البخاري، وأبو داود.
[شرح الغريب]
(العفو) هاهنا: السهل الميسر، وقد أمر الله سبحانه وتعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذ من أخلاق الناس ويقبل منها ما سهل وتيسر، ولا يستقصي عليهم.
(خطئ) الرجل يخطأ: إذا أذنب، والخطأ: الذنب). [جامع الأصول: 2/ 143-144]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى:{خذ العفو}.
- عن ابن عمر في هذه الآية: {خذ العفو} قال: أمر اللّه - عزّ وجلّ - نبيّه أن يأخذ العفو من أخلاق النّاس.
رواه الطّبرانيّ في الأوسط، ورجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/ 25]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والنسائي والنحاس في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عبد الله بن الزبير قال: ما نزلت هذه الآية إلا في أخلاق الناس {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} وفي لفظ: أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذ العفو من أخلاق الناس.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني في الأوسط، وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عمر في قوله تعالى: {خذ العفو}؛ قال: أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس.
- وأخرج ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق عن إبراهيم بن أدهم قال: لما أنزل الله: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرت أن آخذ العفو من أخلاق الناس.
- وأخرج ابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي قال: لما أنزل الله: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما هذا يا جبريل؟» قال: لا أدري حتى أسأل العالم، فذهب ثم رجع فقال: إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك.
- وأخرج ابن مردويه، عن جابر قال: لما نزلت هذه الآية: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} قال النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-: «يا جبريل ما تأويل هذه الآية؟» قال: حتى أسأل، فصعد ثم نزل فقال: يا محمد إن الله يأمرك أن تصفح عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم على أشرف أخلاق الدنيا والآخرة». قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك».
- وأخرج ابن مردويه عن قيس بن سعد بن عبادة قال: لما نظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حمزة بن عبد المطلب قال: «والله لأمثلن بسبعين منهم، فجاءه جبريل بهذه الآية: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}، فقال: يا جبريل ما هذا؟ قال: لا أدري، ثم عاد فقال: إن الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطي من حرمك».
- وأخرج ابن مردويه عن عائشة في قول الله: {خذ العفو}؛ قال: ما عفى لك من مكارم الأخلاق.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {خذ العفو}؛ من أخلاق الناس وأعمالهم بغير تجسيس {وأمر بالعرف}؛ قال: بالمعروف.
- وأخرج البخاري، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: قدم عيينة بن حصن بن بدر فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس - وكان من النفر الذين يدنيهم عمر وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبابا - فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه قال: سأستأذن لك عليه
قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر فلما دخل قال: هي يا ابن الخطاب فو الله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتى هم أن يوقع به فقال له الحر: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}، وإن هذا من الجاهلين والله ما جاوزنا عمر حين تلاها عليه وكان وقافا عند كتاب الله عز وجل.
- وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن وهب عن مالك بن أنس عن عبد الله بن نافع، أن سالم بن عبد الله مر على عير لأهل الشام وفيها جرس فقال: إن هذا ينهى عنه فقالوا: نحن أعلم بهذا منك إنما يكره الجلجل الكبير وأما مثل هذا فلا بأس به فبكى سالم وقال: {وأعرض عن الجاهلين}.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} قال: خلق أمر الله به نبيه ودله عليه.
- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان، عن علي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«ألا أدلك على خير أخلاق الأولين والآخرين قال: قلت يا رسول الله نعم، قال: تعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك»
- وأخرج البيهقي عن عقبة بن عامر قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك».
- وأخرج البيهقي عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صل من قطعك واعف عمن ظلمك».
- وأخرج البيهقي عن عائشة عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صل من قطعك واعف عمن ظلمك».
- وأخرج البيهقي عن عائشة، أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا أدلكم على كرائم الأخلاق للدنيا والآخرة أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتجاوز عمن ظلمك».
- وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ألا أدلكم على مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة قالوا: بلى يا رسول الله، قال: صل من قطعك واعط من حرمك واعف عمن ظلمك».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي من طريقه عن معمر عن أبي إسحاق الهمداني عن ابن أبي حسين قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«ألا أدلكم على خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك قال البيهقي: هذا مرسل حسن».
- وأخرج ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لن ينال عبد صريح الإيمان حتى يصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه ويغفر لمن شتمه ويحسن إلى من أساء إليه».
- وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن مكارم الأخلاق عند الله أن تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطي من حرمك ثم تلا النّبيّ صلى الله عليه وسلم: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}».
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: رضي الله بالعفو وأمر به.
- وأخرج أحمد والطبراني عن معاذ بن أنس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أفضل الفضائل أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتصفح عمن شتمك».
- وأخرج السلفي في الطيوريات عن نافع أن ابن عمر، كان إذا سافر أخرج معه سفيها يرد عنه سفاهة السفهاء.
- وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب عن ابن شوذب قال: كنا عند مكحول ومعنا سليمان بن موسى فجاء رجل واستطال على سليمان وسليمان ساكت فجاء أخ لسليمان فرد عليه فقال مكحول: لقد ذل من لا سفيه له
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {خذ العفو}؛ قال: خذ ما عفي لك من أموالهم ما أتوك به من شيء فخذه وكان هذا قبل أن تنزل براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {خذ العفو}؛ قال: خذ الفضل أنفق الفضل {وأمر بالعرف} يقول بالمعروف.
- وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأرزق قال له: أخبرني {خذ العفو} قال: خذ الفضل من أموالهم أمر الله النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يأخذ لك، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول:
يعفو عن الجهل والسوآت كما ....... يدرك غيث الربيع ذو الطرد.
- وأخرج ابن جرير والنحاس في ناسخه عن السدي في قوله: {خذ العفو}؛ قال: الفضل من المال نسخته الزكاة.
- وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال: نزلت هذه الآية: {خذ العفو} فكان الرجل يمسك من ماله ما يكفيه ويتصدق بالفضل فنسخها الله بالزكاة {وأمر بالعرف} قال: بالمعروف {وأعرض عن الجاهلين} قال: نزلت هذه الآية قبل أن تفرض الصلاة والزكاة والقتال أمره الله بالكف ثم نسخها القتال وأنزل: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} [الحج : 39] الآية). [الدر المنثور: 6/ 707-714]
تفسير قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {ينزغنّك} : «يستخفّنّك» ). [صحيح البخاري: 6/ 59]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {ينزغنّك}؛ يستخفّنّك هو قول أبي عبيدة وزاد منه قوله نزغ الشّيطان بينهم أي أفسد). [فتح الباري: 8/ 301]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({ينزغنّك}؛ يستخفنّك.
أشار به إلى قوله تعالى: {وأما ينزغنك من الشّيطان نزغ} الآية. وفسّر ينزغنك بقوله: يستخفنك، وكذا فسره أبو عبيدة، وقال ابن جرير في معنى هذا: وأما يغضبنك من الشّيطان غضب يصدك عن الإعراض عن الجاهل ويحملك على مجازاته فاستعذ باللّه، أي: فاستجر باللّه). [عمدة القاري: 18/ 237]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (قوله: {وإما}{ينزغنك} قال أبو عبيدة: أي (يستخفنك) وقال غيره: وإما ينخسنك من الشيطان نخس أي وسوسة تحملك على خلاف ما أرمت به فاستعذ بالله من نزغه). [إرشاد الساري: 7/ 126]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه سميعٌ عليمٌ}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ} وإمّا يغضبنّك من الشّيطان غضبٌ يصدّك عن الإعراض عن الجاهلين ويحملك على مجازاتهم. {فاستعذ باللّه} يقول: فاستجر باللّه من نزغه. {إنّه سميعٌ عليمٌ} يقول: إنّ اللّه الّذي تستعيذ به من نزع الشّيطان سميعٌ لجهل الجاهل عليك ولاستعاذتك به من نزغه ولغير ذلك من كلام خلقه، لا يخفى عليه منه شيءٌ، عليمٌ بما يذهب عنك نزغ الشّيطان وغير ذلك من أمور خلقه.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:«فكيف بالغضب يا ربّ؟»قال: {وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه سميعٌ عليمٌ}.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه سميعٌ عليمٌ} قال: علم اللّه أنّ هذا العدوّ منيعٌ ومريدٌ وأصل النّزغ: الفساد، يقول: نزغ الشّيطان بين القوم إذا أفسد بينهم وحمل بعضهم على بعضٍ، ويقال منه: نزغ ينزغ، ونغز ينغز). [جامع البيان: 10/ 645-646]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه سميعٌ عليمٌ (200)}
قوله تعالى: {وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ}؛
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العباس ابن الوليد، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: {وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه}؛ قال: علم اللّه أنّ هذا العدوّ مبتغ ومريد.
قوله تعالى: {فاستعذ باللّه}؛
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن فضيلٍ عن عطاء بن السّائب عن أبي عبد الرّحمن، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنّه كان يقول: «اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الشّيطان من همزه ونفثه ونفخه، قال: فهمزه الموتة، ونفثه الشّعر، ونفخه الكبرياء».
- أخبرنا هاشم بن خالد بن أبي جميلٍ الدّمشقيّ فيما كتب إليّ قال: سمعت أبا سليمان الدّارانيّ يقول: لولا أنّ اللّه تبارك وتعالى أمرنا بالتّعوّذ من الشّيطان ما تعوّذت منه أبدًا لأنّه لا يملك ضرًّا ولا نفعًا، وكان أبو سليمان لا يذكر قبلها من الشّيطان اتّباعًا لقول اللّه عزّ وجلّ.
قوله تعالى: {إنّه سميعٌ عليمٌ}؛
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة ثنا محمد ابن إسحاق: إنّه سميعٌ عليمٌ أي سميعٌ ما يقولون عليمٌ بما يخفون). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1639-1640]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: لما نزلت: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يا رب والغضب فنزل: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ} الآية.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ} قال: علم الله أن هذا العدو مبتغ ومريد.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنه كان يقول:«اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفثه ونفخه»، قال: «همزه الموتة، ونفثه الشعر، ونفخه الكبرياء»). [الدر المنثور: 6/ 714]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال مجاهد: {إذا مسهم طائفٌ من الشيطان}، قال: ذكر الغضب). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 45]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... (طيفٌ) : «ملمٌّ به لممٌ» ، ويقال: {طائفٌ}
: «وهو واحدٌ» ). [صحيح البخاري: 6/ 59]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: طيفٌ: ملمٌّ به لممٌ ويقال طائفٌ وهو واحدٌ.
قال أبو عبيدة في قوله: {إذا مسّهم طائف}؛ أي لممٌ انتهى واللّمم يطلق على ضربٍ من الجنون وعلى صغار الذّنوب واختلف القرّاء فمنهم من قرأ طائفٌ ومنهم من قرأ طيف واختار بن جريرٍ الأولى واحتجّ بأنّ أهل التّأويل فسّروه بمعنى الغضب أو الزّلّة وأمّا الطّيف فهو الخيال ثمّ حكى بعض أهل العربيّة أنّ الطيف والطائف بمعنى واحد وأسند عن بن عبّاسٍ قال الطّائف اللّمّة من الشّيطان). [فتح الباري: 8/ 301]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (طيفٌ ملمٌّ به لممٌ ويقال طائفٌ وهو واحدٌ.
أشار به إلى قوله تعالى: {إن الّذين اتّقوا إذا مسهم طيف من الشّيطان} وفسّر قوله: {طيف}؛ بقوله: ملم به لمم، وقال أبو عبيدة: طيف أي لمم، واللمم يطلق على ضرب من الجنون وعلى صغار الذّنوب، وفي التّفسير: منهم من فسر ذلك بالغضب، ومنهم من فسره بمسّ الشّيطان بالصرع ونحوه، ومنهم من فسره بالهم بالذنب، ومنهم من فسره بإصابة الذّنب. قوله: (ويقال طائف) أشار به إلى أن طيفاً وطائفاً واحد في المعنى، وهما قراءتان مشهورتان). [عمدة القاري: 18/ 237]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طيف من الشيطان}؛
قال أبو عبيدة (ملم) يقال (به لمم) صرع منه أو إصابة ذنب أوهم به (ويقال طائف) بالألف اسم فاعل من طاف يطوف كأنها طافت بهم ودارت حولهم وهي قراءة نافع وابن عامر وعاصم وحمزة (وهو) كالسابق (واحد) في المعنى). [إرشاد الساري: 7/ 126]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان تذكّروا فإذا هم مّبصرون}؛
يقول تعالى ذكره: {إنّ الّذين اتّقوا} اللّه من خلقه، فخافوا عقابه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه {إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان تذكّروا} يقول: إذا ألمّ بهم طيفٌ من الشّيطان من غضبٍ أو غيره ممّا يصدّ عن واجب حقّ اللّه عليهم، تذكّروا عقاب اللّه وثوابه ووعده ووعيده، وأبصروا الحقّ فعملوا به، وانتهوا إلى طاعة اللّه فيما فرض عليهم وتركوا فيه طاعة الشّيطان.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (طيفٌ) فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة والكوفة: {طائفٌ} على مثال فاعلٍ، وقرأه بعض المكّيّين والبصريّين والكوفيّين: (طيفٌ من الشّيطان) واختلف أهل العلم بكلام العرب في فرق ما بين الطّائف والطّيف.
قال بعض البصريّين: الطّائف والطّيف سواءٌ، وهو ما كان كالخيال والشّيء يلمّ بك. قال: ويجوز أن يكون الطّيف مخفّفًا عن طيّفٍ مثل ميّتٍ وميتٍ.
وقال بعض الكوفيّين: الطّائف: ما طاف بك من وسوسة الشّيطان، وأمّا الطّيف: فإنّما هو من اللّمم والمسّ. وقال آخرٌ منهم: الطّيف: اللّمم، والطّائف: كلّ شيءٍ طاف بالإنسان. وذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنّه كان يقول: الطّيف: الوسوسة.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصّواب قراءة من قرأ: {طائفٌ من الشّيطان} لأنّ أهل التّأويل تأوّلوا ذلك بمعنى الغضب والزّلّة تكون من المطيف به. وإذا كان ذلك معناه كان معلومًا إذ كان الطّيف إنّما هو مصدرٌ من قول القائل: طاف يطيف، أنّ ذلك خبرٌ من اللّه عمّا يمسّ الّذين اتّقوا من الشّيطان، وإنّما يمسّهم ما طاف بهم من أسبابه، وذلك كالغضب والوسوسة. وإنّما يطوف الشّيطان بابن آدم ليستزلّه عن طاعة ربّه أو ليوسوس له، والوسوسة والاستزلال هو الطّائف من الشّيطان، وأمّا الطّيف فإنّما هو الخيال، وهو مصدرٌ من طاف يطيف، ويقول: لم أسمع في ذلك طاف يطيف، ويتأوّله بأنّه بمعنى الميّت وهو من الواو.
وحكى البصريّون وبعض الكوفيّين سماعًا من العرب: طاف يطيف، وطفت أطيف، وأنشدوا في ذلك:
أنّى ألمّ بك الخيال يطيف ....... ومطافه لك ذكرةٌ وشعوف
وأمّا أهل التّأويل، فإنّهم اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: ذلك الطّائف هو الغضب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا ابن يمانٍ، عن أشعث، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ: {إذا مسّهم طائفٌ}؛ قال: الطّيف: الغضب.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ، في قوله: {إذا مسّهم طيفٌ من الشّيطان}؛ قال: هو الغضب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قال: الغضب.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {إذا مسّهم طيفٌ من الشّيطان تذكّروا} قال: هو الغضب.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {طائفٌ من الشّيطان} قال: الغضب.
وقال آخرون: هو اللّمّة والزّلّة من الشّيطان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان تذكّروا} الطّائف: اللّمّة من الشّيطان. {فإذا هم مبصرون}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان} يقول: نزغٌ من الشّيطان. {تذكّروا}.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان تذكّروا} يقول: إذا زلّوا تابوا.
قال أبو جعفرٍ: وهذان التّأويلان متقاربا المعنى؛ لأنّ الغضب من استزلال الشّيطان، واللّمّة من الخطيئة أيضًا منه، وكان ذلك من طائف الشّيطان. وإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لخصوص معنًى منه دون معنًى، بل الصّواب أن يعمّ كما عمّه جلّ ثناؤه، فيقال: إنّ الّذين اتّقوا إذا عرض لهم عارضٌ من أسباب الشّيطان ما كان ذلك العارض، تذكّروا أمر اللّه وانتهوا إلى أمره.
وأمّا قوله: {فإذا هم مبصرون}؛ فإنّه يعني: فإذا هم مبصرون هدى اللّه وبيانه وطاعته فيه، فمنتهون عمّا دعاهم إليه طائف الشّيطان.
- كما حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فإذا هم مبصرون}؛ يقول: إذا هم منتهون عن المعصية، آخذون بأمر اللّه، عاصون للشّيطان). [جامع البيان: 10/ 646-650]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون (201)}؛
قوله تعالى: {إنّ الّذين اتّقوا}؛
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ أنبأ حجّاجٌ عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ قوله: {إنّ الّذين اتّقوا}؛ قال: هم المؤمنون.
قوله تعالى: {إذا مسّهم طائف من الشيطان}؛
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان تذكّروا}؛ والطّائف اللّمّة من الشّيطان تذكروا فإذا هم مبصرون
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو عبد اللّه بن حمّادٍ الطّهرانيّ أنبأ حفص بن عمر، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة قوله: {إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان}؛ قال ابن عبّاسٍ الطّائف: الغضب. وروي عن سعيد بن جبيرٍ ومجاهدٍ وعبد الرّحمن بن زيد ابن أسلم نحو ذلك.
قوله تعالى: {تذكّروا}؛
- ذكر عن الحسن بن فرقدٍ، عن سليط بن عبد اللّه بن يسارٍ قال: سمعت عبد اللّه بن الزّبير يقول: {إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان}؛ تأمّلوا.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أحمد بن الصّبّاح أنبأ محمّد بن ربيعة، عن الحرّ ابن جرموز، عن أبي نهشلٍ، عن الضّحّاك قوله: {إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان}؛ بالآلام تذكّروا قال: همّ بفاحشةٍ ولم يعملها، قال الحرّ بن جرموز، وقال العلا بن بدرٍ: قد عملها.
- أخبرنا أحمد بن عثمان فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان تذكّروا يقول: إذا زلّوا وتابوا.
قوله تعالى: {فإذا هم مبصرون}؛
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قوله: {تذكّروا فإذا هم مبصرون}؛ يقول: إذا هم منتهون عن المعصية، آخذون بأمر اللّه عاصون للشّيطان.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: {تذكّروا فإذا هم مبصرون}؛ يبصرون ما هم فيه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1640-1641]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {إذا مسهم طائف من الشيطان}؛ قال: هو الغضب).[تفسير مجاهد: 253-254]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {إن الذين اتقوا} قال: هم المؤمنون.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في ذم الغضب، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {إذا مسهم طائف من الشيطان}؛ قال: الغضب.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الطيف: الغضب.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه قرأ {إذا مسهم طائف من الشيطان} بالألف {تذكروا}؛ قال: هم بفاحشة فلم يعملها.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا}؛ يقول: إذا زلوا تابوا.
- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق وهب بن جرير عن أبيه قال: كنت جالسا عند الحسن إذ جاءه رجل فقال: يا أبا سعيد ما تقول في العبد يذنب الذنب ثم يتوب قال: لم يزدد بتوبته من الله إلا دنوا، قال: ثم عاد في ذنبه ثم تاب قال: لم يزدد بتوبته إلا شرفا عند الله، قال: ثم قال لي: ألم تسمع ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: وما قال: قال مثل المؤمن مثل السنبلة تميل أحيانا وتستقيم
أحيانا - وفي ذلك تكبر - فإذا حصدها صاحبها حمد أمره كما حمد صاحب السنبلة بره ثم قرأ: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}.
- وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب قال: إن الله لم يسم عبده المؤمن كافرا ثم قرأ: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا}؛ فقال: لم يسمه كافرا ولكن سماه متقيا.
- وأخرج ابن مردويه، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ: {إذا مسهم طائف} بالألف.
- وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش عن إبراهيم ويحيى بن وثاب قرأ أحدهما طائف والآخر طيف.
- وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير أنه قرأ {إذا مسهم طائف} بالألف.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: الطائف اللمة من الشيطان {تذكروا فإذا هم مبصرون} يقول: إذا هم منتهون عن المعصية آخذون بأمر الله عاصون للشيطان وإخوانهم، قال: إخوان الشياطين {يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون} قال: لا الإنس عما يعملون السيئات ولا الشياطين تمسك عنهم {وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها} يقول: لولا أحدثتها لولا تلقيتها فأنشأتها). [الدر المنثور: 6/ 714-717]
تفسير قوله تعالى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {وإخوانهم يمدونهم في الغي}؛ قال: إخوان الشياطين يمدهم الشيطان في الغي ثم لا يقصرون). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 245-246]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {يمدّونهم}: «يزيّنون» ). [صحيح البخاري: 6/ 59]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {يمدّونهم} يزيّنون. قال أبو عبيدة في قوله: {وإخوانهم يمدونهم في الغي}؛ أي يزيّنون لهم الغيّ والكفر). [فتح الباري: 8/ 301]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({يمدّونهم}؛ يزيّنون
أشار به إلى قوله تعالى: {وإخوانهم يمدونهم في الغي ثمّ لا يقصرون} وفسّر يمدونهم بقوله: {يزينون} ، وقال أبو عبيدة: أي يزينون لهم الغي والكفر). [عمدة القاري: 18/ 237]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: {وإخوانهم يمدونهم}؛ قال أبو عبيدة: أي وإخوان الشياطين الذين لم يتقوا (يزينون) لهم الغيّ والكفر). [إرشاد الساري: 7/ 126]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون}.
يقول تعالى ذكره: وإخوان الشّياطين تمدّهم الشّياطين في الغيّ. يعني بقوله: {يمدّونهم} يزيدونهم. {ثمّ لا يقصرون} عمّا قصر عنه الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان.
وإنّما هذا خبرٌ من اللّه عن فريقي الإيمان والكفر، بأنّ فريق الإيمان وأهل تقوى اللّه إذا استزلّهم الشّيطان تذكّروا عظمة اللّه وعقابه، فكفّتهم رهبته عن معاصيه وردّتهم إلى التّوبة والإنابة إلى اللّه ممّا كان منهم من زلّةً، وأنّ فريق الكافرين يزيدهم الشّيطان غيًّا إلى غيّهم إذا ركبوا معصيةً من معاصي اللّه، ولا يحجزهم تقوى اللّه ولا خوف المعاد إليه عن التّمادي فيها والزّيادة منها، فهو أبدًا في زيادةٍ من ركوب الإثم، والشّيطان يزيده أبدًا، لا يقصر الإنسيّ عن شيءٍ من ركوب الفواحش ولا الشّيطان من مدّه منه.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون}؛ قال: لا الإنس يقصرون عمّا يعملون من السّيّئات، ولا الشّياطين تمسك عنهم.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون}؛ يقول: هم الجنّ يوحون إلى أوليائهم من الإنس، ثمّ لا يقصرون، يقول: لا يسأمون.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ} إخوان الشّياطين من المشركين، يمدّهم الشّيطان في الغيّ. {ثمّ لا يقصرون}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال عبد اللّه بن كثيرٍ: وإخوانهم من الجنّ، يمدّون إخوانهم من الإنس، ثمّ لا يقصرون، ثمّ يقول لا يقصر الإنسان. قال: والمدّ الزّيادة، يعني أهل الشّرك، يقول: لا يقصر أهل الشّرك، كما يقصر الّذين اتّقوا لأنّهم لا يحجزهم الإيمان.
قال ابن جريجٍ، قال مجاهدٌ: {وإخوانهم} من الشّياطين {يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون} استجهالاً يمدّون أهل الشّرك. قال ابن جريجٍ: {ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس} قال: فهؤلاء الإنس. يقول اللّه: {وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ}.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثني محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ} ثمّ لا يقصرون قال: إخوان الشّياطين: يمدّهم الشّياطين في الغيّ ثمّ لا يقصرون.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإخوانهم} من الشّياطين. {يمدّونهم في الغيّ} استجهالاً.
وكان بعضهم يتأوّل قوله: {ثمّ لا يقصرون} بمعنى: ولا الشّياطين يقصرون في مدّهم إخوانهم من الغيّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ} ثمّ لا يقصرون عنهم، ولا يرحمونهم.
قال أبو جعفرٍ: وقد بيّنّا أولى التّأويلين عندنا بالصّواب، وإنّما اخترنا ما اخترنا من القول في ذلك على ما بيّنّاه لأنّ اللّه وصف في الآية قبلها أهل الإيمان به وارتداعهم عن معصيته وما يكرهه إلى محبّته عند تذكّرهم عظمته، ثمّ أتبع ذلك الخبر عن إخوان الشّياطين وركوبهم معاصيه، وكان الأولى وصفهم بتماديهم فيها؛ إذ كان عقيب الخبر عن تقصير المؤمنين عنها.
وأمّا قوله: {يمدّونهم}؛ فإنّ القرّاء اختلفت في قراءته، فقرأه بعض المدنيّين: (يمدّونهم) بضمّ الياء من أمددت. وقرأته عامّة قرّاء الكوفيّين والبصريّين: {يمدّونهم}؛ بفتح الياء من مددت.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: {يمدّونهم} بفتح الياء لأنّ الّذي يمدّ الشّياطين إخوانهم من المشركين إنّما هو زيادةٌ من جنس الممدود، وإذا كان الّذي مدّ من جنس الممدود كان كلام العرب مددت لا أمددت.
وأمّا قوله: {يقصرون} فإنّ القرّاء على لغة من قال: أقصرت أقصر، وللعرب فيه لغتان: قصرت عن الشّيء، وأقصرت عنه). [جامع البيان: 10/ 650-654]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون (202)}
قوله تعالى: {وإخوانهم}؛
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ يعني قوله: {وإخوانهم يمدّونهم}؛ قال: إخوان الشّياطين يمدّونهم في الغيّ.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ {وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ}؛ قال: إخوان الشّيطان من المشركين يمدّهم الشّيطان في الغي- وروي عن مجاهد وقتادة.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا حسين بن عليّ بن حسن بن أبي الحسن البرّاد، عن أبي مودودٍ عن محمّد بن كعبٍ في قوله: {وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ} يقول: هم من الجنّ، وروي عن ابن عبّاسٍ وعبد اللّه بن كثيرٍ نحو ذلك.
قوله تعالى: {يمدونهم}؛
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن سعيدٍ الأصبهانيّ وعبيدة قالا: أنبأ ابن المبارك عن عثمان بن عطاءٍ عن أبيه عن ابن عبّاسٍ {وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ}؛ يؤزّونهم وروي عن عطاءٍ الخراسانيّ مثل ذلك.
والوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن سعيدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ}؛ قال: هم الجنّ يوحون إلى أوليائهم من الإنس.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا ابن أبي حمّادٍ، ثنا مهران عن سفيان {وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ}؛ قال: قولهم له لولا فعلت كذا وكذا.
- حدّثنا أبي، ثنا عبدة أنبأ ابن المبارك قراءةً عن ابن جريجٍ عن ابن كثيرٍ يمدّونهم قال: المدّ الزّيادة.
قوله تعالى: {في الغيّ}؛
- حدّثنا حجّاجٌ ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {يمدّونهم في الغيّ}؛ استجهالاً.
قوله تعالى: {ثمّ لا يقصرون}؛
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ثمّ لا يقصرون}؛ قال: لا يقصرون الإنس عمّا يعملون من السيئات، ولا الشياطين تمسك عنهم.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن سعيدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ثمّ لا يقصرون}؛ يقول: لا يسأمون.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا عبيدة بن سليمان أنبأ ابن المبارك قراءةً، عن ابن جريرٍ عن ابن كثيرٍ ثمّ لا يقصرون قال: الجنّ يمدّون إخوانهم من الإنس ثمّ لا يقصر الإنس أهل الشّرك، فما يقصر الّذين اتّقوا لا يرعون لا يحجزهم الإيمان). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1641-1943]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، في قوله: {وإخوانهم} يعني من الشياطين {يمدونهم في الغي}؛ أي يمدون المشركين في الغي استجهالا). [تفسير مجاهد: 254]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس: {وإخوانهم يمدونهم في الغي}؛ قال: هم الجن يوحون إلى أوليائهم من الإنس، {ثم لا يقصرون}؛ يقول: لا يسامون، {وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها}؛ يقول: هلا افتعلتها من تلقاء نفسك.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد {وإخوانهم من الشياطين يمدونهم في الغي}؛ قال: استجهالا وفي قوله: {لولا اجتبيتها} قال: ابتدعتها.
- وأخرج الحكيم الترمذي عن عمر بن الخطاب قال: أتاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا أعرف الحزن في وجهه فأخذ بلحيتي فقال: «إنا لله وإنا إليه راجعون أتاني جبريل آنفا فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، قلت: أجل فإنا لله وإنا إليه راجعون فما ذاك يا جبريل؟ فقال: إن أمتك مفتتنة بعدك بقليل من الدهر غير كثير قلت: فتنة كفر أو فتنة ضلالة قال: كل ذلك سيكون، قلت: ومن أين ذاك وأنا تارك فيهم كتاب الله، قال: بكتاب الله يضلون وأول ذلك من قبل قرائهم وأمرائهم يمنع الأمراء الناس حقوقهم فلا يعطونها فيقتتلون وتتبع القراء أهواء الأمراء فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون قلت: يا جبريل فبم يسلم من سلم منهم قال: بالكف والصبر إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه»). [الدر المنثور: 6/ 717-718]