{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)}
تفسير قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {إذا السّماء انفطرت...}: انشقت). [معاني القرآن: 3/243]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({انفطرت}: انشقت). [غريب القرآن وتفسيره: 418]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({انفطرت}: انشقّت). [تفسير غريب القرآن: 518]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إذا السّماء انفطرت (1)} أي انشقت، تتشقق السماء يوم القيامة بالغمام، كما قال عزّ وجلّ: {وإذا الكواكب انتثرت (2)}). [معاني القرآن: 5/295]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({انفَطَرَتْ} انشقّت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 295]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وإذا الكواكب انتثرت (2)} أي تساقطت وتهافتت). [معاني القرآن: 5/295]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فجّرت} أي فجّر بعضها إلى بعض). [تفسير غريب القرآن: 518]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وإذا البحار فجّرت (3)} فجّر العذب إلى المالح). [معاني القرآن: 5/295]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله جل وعز: {وإذا القبور بعثرت...} خرج ما في بطنها من الذهب والفضة، وخرج الموتى بعد ذلك، وهو من أشراط الساعة: أن تخرج الأرض أفلاذ كبدها من ذهبها وفضتها.
قال الفراء: الأفلاذ القطع من الكبد المشرح والمشرحة، الواحد فلذٌ، وفلذةٌ). [معاني القرآن: 3/243]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({بعثرت} أثيرت، يقول الرجل للرجل: بعثرت حوضى، جعلت أسفله أعلاه). [مجاز القرآن: 2/288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({بعثرت}: أثيرت. يقال بعثرت حوضي هدمته، جعلت أسفله أعلاه). [غريب القرآن وتفسيره: 418]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({بعثرت}: قلبت وأخرج ما فيها. يقال: بعثرت المتاع وبحثرته، إذا جعلت أسفله أعلاه). [تفسير غريب القرآن: 518]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وإذا القبور بعثرت (4)} يعني بحثرت، أي قلب ترابها وبعث الموتى الذين فيها). [معاني القرآن: 5/295]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بُعْثِرَتْ} قُلبت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 295]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بعثرت}: انتثرت). [العمدة في غريب القرآن: 340]
تفسير قوله تعالى:{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله تبارك وتعالى: {علمت نفسٌ مّا قدّمت} من عملها، {وأخّرت...} وما أخرت: ما سنت من سنة حسنة، أو سيئة فعمل بها.
وجواب: {إذا السّماء انفطرت} قوله: {علمت نفسٌ مّا قدّمت وأخّرت}). [معاني القرآن: 3/244]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({علمت نفس ما قدّمت وأخّرت (5)}
{ما قدّمت} من عمل أمرت به وما {أخّرت} منه فلم تعلمه.وقيل: وأخرت سنّت من سنة - عمل بها بعدها). [معاني القرآن: 5/295]
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وحّد وهو يريد الجمع، كما قال: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6]. و{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6]. وقال: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ} [الزمر: 8]. ولم يرد في جميع هذا إنسانا بعينه، إنما هو لجماعة الناس.
ومثله قول الشاعر:
إذا كنتَ متّخذا صاحبا = فلا تصحبنّ فتى دارميّا
لم يرد بالخطاب رجلا بعينه، إنما أراد: من كان متّخذا صاحبا فلا يجعله من دارم). [تأويل مشكل القرآن: 273]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الكريم: الشريف الفاضل...، والكريم: الصّفوح، وذلك من الشرف والفضل، قال الله عز وجل: {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40] أي: صفوح. وقال: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6] أي الصّفوح). [تأويل مشكل القرآن: 494](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله تعالى: {يا أيّها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم (6)} أي ما خدعك وسوّل لك حتى أضعت ما وجب عليك). [معاني القرآن: 5/295]
تفسير قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله جل وعز: {الّذي خلقك فسوّاك فعدلك...} قرأها الأعمش وعاصم: "فعدلك" مخففة. وقرأها أهل الحجاز: "فعدّلك" مشددة.
فمن قرأها بالتخفيف فوجهه والله أعلم: فصرفك إلى أي صورةٍ شاء إما: حسنٌ، أو قبيحٌ، أو طويل، أو قصير.
... وحدثني بعض المشيخة عن ليثٍ عن ابن أبي نجيح أنه قال: في صورة عمٍّ في صورة أبٍ، في صورة بعض القرابات تشبيها.
ومن قرأ: "فعدّلك" مشددة، فإنه أراد والله أعلم: جعلك معتدلا معدّل الخلق، وهو أعجب الوجهين إليّ، وأجودهما في العربية؛ لأنك تقول: في أي صورة ما شاء ركبك، فتجعل "في" للتركيب أقوى في العربية من أن يكون في للعدل؛ لأنك تقول: عدلتك إلى كذا وكذا، وصرفتك إلى كذا وكذا، أجود من أن تقول: عدلتك فيه، وصرفتك فيه). [معاني القرآن: 3/245]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({الّذي خلقك فسوّاك فعدلك * في أيّ صورةٍ مّا شاء ركّبك * كلاّ بل تكذّبون بالدّين} قال: {فعدلك} أي: كذا خلقك، وبعضهم يخففها فمن ثقل {عدّلك} فإنما يقول "عدّل خلقك" و"عدلك" أي: عدل بعضك ببعضك فجعلك مستويا معتدلا وهو في معنى {فعدّلك}). [معاني القرآن: 4/47]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فعدلك}: قوّم خلقك. ومن قرأ: (فعدلك) بالتخفيف، أراد: صرفك إلى ما شاء من الصّور في الحسن والقبح). [تفسير غريب القرآن: 518]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {الّذي خلقك فسوّاك فعدلك (7)}
{فعدّلك} أي خلقك في أحسن تقويم. وتقرأ (فعدلك) بالتخفيف والتشديد جميعا). [معاني القرآن: 5/295]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({فعدلك} أي: قومك، و(فعدلك) أي: صرفك من الكفر إلى الإيمان، وهما نعمتان). [ياقوتة الصراط: 559]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَعَدَلَكَ} أي قوَّم خلقك. ومن خفّف فمعناه صرفك إلى ما شاء من الصور، وإلى ما شاء من شبه قرابة آبائك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 295]
تفسير قوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وتأوّل قوم في قوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 8] معنى (التناسخ). ولم يرد الله في هذا الخطاب إنسانا بعينه، وإنما خاطب به جميع الناس كما قال: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا} [الانشقاق: 6] كما يقول القائل: يا أيها الرجل، وكلّكم ذلك الرجل.
فأراد أنه صوّرهم وعدّلهم، في أيّ صورة شاء ركّبهم: من حسن وقبح، وبياض وسواد، وأدمة وحمرة). [تأويل مشكل القرآن: 105]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {في أيّ صورة ما شاء ركّبك (8)} يجوز أن يكون (ما) صلة مؤكدة، ويكون المعنى في أي صورة شاء ركبك. إما طويلا وإما قصيرا، إما مستحسنا وإما غير ذلك.
ويجوز أن يكون ما في معنى الشرط والجزاء، فيكون المعنى في أي صورة ما شاء أن يركبك فيها ركبك). [معاني القرآن: 5/295-296]
تفسير قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله جل وعز: {كلاّ بل تكذّبون بالدّين...} بالتاء، وقرأ بعض أهل المدينة بالياء، وبعضهم بالتاء، والأعمش وعاصمٌ بالتاء، والتاء أحسن الوجهين لقوله: {وإنّ عليكم} ولم يقل: عليهم). [معاني القرآن: 3/244]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): (وقال: {خلقك} و{ركّبك} {كلاّ}، وإن شئت قلت {خلقك} و{ركّبك} {كلاّ} فأدغمت لأنهما حرفان مثلان. والمثلان يدغم أحدهما في صاحبه.
وإن شئت إذا تحركا جميعا أن تسكن الأول وتحرّك الآخر.
وإذا سكن الأول لم يكن الإدغام وإن تحرك الأول وسكن الآخر لم يكن الإدغام). [معاني القرآن: 4/47]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({تكذّبون بالدّين} أي بالجزاء والحساب). [تفسير غريب القرآن: 518]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كلا}: ردع وزجر...، {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} [الانفطار: 8-9]، أي ليس كما غررت به). [تأويل مشكل القرآن: 558]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {كلّا بل تكذّبون بالدّين (9)} أي بل تكذبون بأنكم تبعثون وتدانون، أي تجازون بأعمالكم). [معاني القرآن: 5/296]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بِالدِّينِ} بالجزاء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 295]
تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10)}
تفسير قوله تعالى: {كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)}
تفسير قوله تعالى: {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ثم أعلمهم عزّ وجلّ أن أعمالهم محفوظة فقال: {يعلمون ما تفعلون (12)} فيكتبونه عليهم). [معاني القرآن: 5/296]