{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) }
تفسير قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({سبّح للّه ما في السّماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم} قد فسرنا ما في قوله: {سبّح للّه}). [معاني القرآن: 5/163]
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {لم تقولون ما لا تفعلون...}.كان المسلمون يقولون: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لأتيناه، ولو ذهبت فيه أنفسنا وأموالنا، فلما كانت وقعة أحد فتولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شجّ وكسرت رباعيته فقال: {لم تقولون ما لا تفعلون} لذلك). [معاني القرآن: 3/153]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} الأصل " لما " فحذفت الألف لأن ما واللام كالشيء الواحد، فكثر استعمال " ما " واللام في الاستفهام، فإذا وقفت عليها قلت: لمه ولا يوقف عليها في القرآن بها لئلا يخالف المصحف.وينبغي للقارئ أن يصلها.وهذا قيل لهم لأنهم قالوا: لو علمنا ما أحبّ الأعمال إلى اللّه - عزّ وجلّ - لأصبناه ولو كان فيه ذهاب أنفسنا وأموالنا فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {هل أدلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} إلى قوله: {وتجاهدون في سبيل اللّه بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم}.
فلما كان يوم أحد تولّى من تولّى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى كسرت رباعيته وشجّ في وجهه أنزل اللّه عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون (2) كبر مقتا عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون (3)} ). [معاني القرآن: 5/163]
تفسير قوله تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (ثم قال: {كبر مقتاً عند اللّه [أن تقولوا...} فأن في موضع رفع لأن (كبر) بمنزلة قولك: بئس رجلاً أخوك، وقوله: كبر مقتاً عند الله]: أضمر في كبر اسما يكون مرفوعا.
وأما قوله: {كبرت كلمة} فإن الحسن قرأها رفعا، لأنه لم يضمر شيئا، وجعل الفعل للكلمة، ومن نصب أضمر في كبرت اسما ينوى به الرفع). [معاني القرآن: 3/153]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({كبر مقتاً عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون} قال: {كبر مقتاً عند اللّه} أي: كبر مقتكم مقتاً، ثم قال: {أن تقولوا ما لا تفعلون} أي: قولكم). [معاني القرآن: 4/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون (2) كبر مقتا عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون (3)}
(أن تقولوا) في موضع رفع. و(مقتا) نصب على التمييز، المعنى كبر قولكم ما لا تفعلون مقتا عند الله). [معاني القرآن: 5/163]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كأنّهم بنيانٌ مّرصوصٌ...} بالرصاص، حثهم على القتال). [معاني القرآن: 3/153]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({يقاتلون في سبيله صفّا} يصفون). [مجاز القرآن: 2/257]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({بنيانٌ مرصوصٌ} لا يغادر شيء منه شيئاً). [مجاز القرآن: 2/257]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({مرصوص}: لا يغادر منه شيء شيئا). [غريب القرآن وتفسيره: 376]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({... بنيانٌ مرصوصٌ} أي يثبتون في القتال ولا يبرحون، فكأنهم بناء قد رص). [تفسير غريب القرآن: 464]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم اللّه - عزّ وجلّ - ما الذي يحبه فقال: {إنّ اللّه يحبّ الّذين يقاتلون في سبيله صفّا كأنّهم بنيان مرصوص (4)} أي بنيان لاصق بعضه ببعض لا يغادر بعضه بعضا.فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أنه يحب من يثبت في الجهاد في سبيله ويلزم مكانه كبيوت البناء المرصوص.
ويجوز - واللّه أعلم - أن يكون عني أن تستوي نياتهم في حرب عدوهم حتى يكونوا في اجتماع الكلمة وموالاة بعضهم بعضا كالبنيان المرصوص). [معاني القرآن: 5/163-164]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ) : ({كأنهم بنيان مرصوص} أي: بعضه إلى جنب بعض). [ياقوتة الصراط: 513]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَّرْصُوصٌ}: بعضه مع بعض). [العمدة في غريب القرآن: 305]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) }
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({زاغوا} عدلوا). [مجاز القرآن: 2/257]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أنّي رسول اللّه إليكم فلمّا زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم واللّه لا يهدي القوم الفاسقين} قد بينّا في سورة الأحزاب ما كان آذوه به.
{فلمّا زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم} أي عدلوا عن الحق وانصرفوا عنه فأضلّهم الله وصرف قلوبهم.
وقوله: {واللّه لا يهدي القوم الفاسقين} معناه لا يهدي من سبق في علمه أنّه فاسق). [معاني القرآن: 5/164]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إنّي رسول اللّه إليكم مصدّقا لما بين يديّ من التّوراة ومبشّرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلمّا جاءهم بالبيّنات قالوا هذا سحر مبين}
موضع (إذ قال عيسى ابن مريم) و (إذ قال موسى) جميعا نصب، المعنى: اذكر إذ قال موسى، واذكر إذ قال عيسى ابن مريم؛ أي اذكر لقومك وأمّتك قصة موسى وعيسى وما كان عاقبة من آمن بهما وعاقبة من كفر وآذى الأنبياء). [معاني القرآن: 5/164]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إنّي رسول اللّه إليكم مصدّقا لما بين يديّ من التّوراة}
{مصدّقا} منصوب على الحال؛ أي إني رسول اللّه إليكم في حال تصديق لما تقدمني من التوراة وفي حال تبشير برسول {يأتي من بعدي اسمه أحمد} قرئت بفتح الياء (من بعدي)، وبإسكان الياء، وحذفها من اللفظ لالتقاء السّاكنين، وأما في الكتاب فهي ثابتة (من بعدي اسمه أحمد).
والاختيار عند سيبويه والخليل تحريك هذه الياء بالفتح). [معاني القرآن: 5/166-167](م)
تفسير قوله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {واللّه متمّ نوره...} قرأها يحيى أو الأعمش شك الفراء: "والله متمّ نوره" بالإضافة، ونونها أهل الحجاز: متمٌّ نوره. وكلٌّ صواب). [معاني القرآن: 3/153]
تفسير قوله تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم مّن عذابٍ أليمٍ...} {تؤمنون...}. [معاني القرآن: 3/153]
وفي قراءة عبد الله: آمنوا، فلو قيل في قراءتنا: أن تؤمنوا؛ لأنه ترجمة للتجارة. وإذا فسرت الاسم الماضي بفعل جاز فيه أن وطرحها؛ تقول للرجل: هل لك في خير تقوم بنا إلى المسجد فنصلي، وإن قلت: أن تقوم إلى المسجد كان صوابا. ومثله مما فسر ما قبله على وجهين قوله: {فلينظر الإنسان إلى طعامه}: أنّا، وإنا، فمن قال: أنا ها هنا فهو الذي يدخل (أن) في يقوم، ومن قال: إنا فهو الذي يلقى (أن) من تقوم، ومثله: {عاقبة مكرهم أنّا} و(إنّا) ). [معاني القرآن: 3/154]
تفسير قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يغفر لكم...}.جزمت في قراءتنا في هل. وفي قراءة عبد الله للأمر الظاهر، لقوله: (آمنوا)، وتأويل: هل أدلكم أمر أيضاً في المعنى، كقولك للرجل: هل أنت ساكت؟ معناه: اسكت، والله أعلم). [معاني القرآن: 3/154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنّات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيّبة في جنّات عدن ذلك الفوز العظيم} هذا جواب {تؤمنون باللّه ورسوله وتجاهدون} لأن معناه معنى الأمر، المعنى: آمنوا باللّه ورسوله وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم يغفر لكم ذنوبكم؛ أي إن فعلتم ذلك يغفر لكم.
والدليل على ذلك قراءة عبد الله بن مسعود: آمنوا باللّه ورسوله، وقد غلط بعض النحويين فقال: هذا جواب "هل"، وهذا غلط بين، ليس إذا دلهم النبي على ما ينفعهم غفر الله لهم، إنما يغفر اللّه لهم إذا آمنوا وجاهدوا.
فإنما هو جواب {تؤمنون باللّه ورسوله وتجاهدون يغفر لكم} فأمّا جواب الاستفهام المجزوم فكقولك هل جئتني بشيء أعطك مثله، المعنى لو كنت جئتني أعطيتك، وإن جئتني أعطيتك. وكذلك " أين بيتك أزرك ".
وقوله: {في جنّات عدن} أي في جنات إقامة وخلود، يقال عدن بالمكان إذا أقام به). [معاني القرآن: 5/166]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّي رسول اللّه إليكم مصدّقا لما بين يديّ من التّوراة}
(مصدّقا) منصوب على الحال.أي إني رسول اللّه إليكم في حال تصديق لما تقدمني من التوراة وفي حال تبشير برسول (يأتي من بعدي اسمه أحمد) قرئت بفتح الياء (من بعدي)، وبإسكان الياء، وحذفها من اللفظ لالتقاء السّاكنين، وأما في الكتاب فهي ثابتة (من بعدي اسمه أحمد).
والاختيار عند سيبويه والخليل تحريك هذه الياء بالفتح.
فأمّا من قرأ (يغفر لكم) -بإدغام الراء في اللام- فغير جائز في القراءة عند الخليل وسيبويه، لأنه لا تدغم الراء في اللام في قولهما.
وقد رويت عن إمام عظيم الشأن في القراءة.وهو أبو عمرو بن العلاء، ولا أحسبه قرأ بها إلا وقد سمعها عن العرب.
زعم سيبويه والخليل وجميع البصريين - ما خلا أبا عمرو أن اللام تدغم في الراء، وأن الرّاء لا تدغم في اللام.
وحجة الذين قالوا أن الراء لا تدغم في اللام أن الراء حرف مكرر قويّ فإذا أدغمت الراء في اللام ذهب التكرير منها.
ودليلهم على أن لها فضلة على غيرها في التمكن أنك لا تميل ما كان على مثال فاعل إذا كان في أوله حرف من حروف الإطباق أو المستعلية، وهي سبعة أحرف منها أربعة مطبقة وهي الصّاد والضّاد والطّاء والظّاء. وثلاثة مستعلية وهي: الخاء والغين والقاف .لا تقول: هذا صالح، بإمالة الصاد -إلى الكسر- فإن كان في موضع اللام راء جاز الكسر، تقول: هذا صارم. ولا تقول: مررت بضابط -بإمالة الضاد- ولكن تقول: مررت بضارب، فتسفل الراء المكسورة كسرة الصاد والضاد المطبقتين.
وهذا الباب انفرد به البصريون في النحو وليس للكوفيين ولا المدنيين فيه شيء، وهو باب الإمالة). [معاني القرآن: 5/166-167]
تفسير قوله تعالى: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأخرى تحبّونها...}.في موضع رفع؛ أي: ولكم أخرى في العاجل مع ثواب الآخرة، ثم قال: {نصرٌ مّن اللّه وفتحٌ قريبٌ}: مفسّر للأخرى، ولو كان نصرا من الله، لكان صوابا، ولو قيل: وآخر تحبونه يريد: الفتح، والنصر ـ كان صوابا). [معاني القرآن: 3/154]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وأخرى تحبّونها نصرٌ مّن اللّه وفتحٌ قريبٌ وبشّر المؤمنين}[و] قال: {وأخرى تحبّونها} يقول: وتجارةٌ أخرى). [معاني القرآن: 4/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأخرى تحبّونها نصر من اللّه وفتح قريب وبشّر المؤمنين} المعنى: ولكم تجارة أخرى تحبونها وهي نصر من الله وفتح قريب.
وإن شئت كان رفعا على البدل من (أخرى)، المعنى يدخلكم جنات ولكم نصر من اللّه وفتح قريب). [معاني القرآن: 5/166]
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كونوا أنصار اللّه...}. [معاني القرآن: 3/154]
قرأها عاصم بن أبي النّجود مضافا، وقرأها أهل المدينة: أنصاراً الله، يفردون الأنصار، ولا يضيفونها، وهي في قراءة عبد الله: أنتم أنصار الله). [معاني القرآن: 3/155]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({من أنصاري إلى الله}: أي في الله). [غريب القرآن وتفسيره: 376]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({من أنصاري إلى اللّه}؟ أي مع اللّه.{قال الحواريّون}: شيعة عيسى عليه السلام. يقال: كانوا قصّارين [يحوّرون الثياب]. و«التّحوير» للثياب وغيرها: تبييضها.
{فأصبحوا ظاهرين}: غالبين عالين عليهم. من قولك: ظهرت على فلان، إذا علوته. وظهرت على السطح: إذا صري فوقه). [تفسير غريب القرآن: 464]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {للحواريين} قيل إن الحواريين سموا بذلك لبياض ثيابهم، وقيل كانوا قصّارين. والحواريّون خلصان الأنبياء وصفوتهم، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: الزبير ابن عمّتي وحواريّي من أمّتي. وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حواريّون.
وتأويل "الحواريين" في اللغة: الذين أخلصوا ونقّوا من كل عيب، وكذلك الدقيق الحواري من هذا، إنما سمّي لأنّه ينقى من لباب البرّ وخالصه.
وتأويله في الناس: أنه الذي إذا رجع في اختياره مرة بعد مرة وجد نقيّا من العيوب.
فأصل التحوير في اللغة من حار يحور، وهو الرجوع والترجيع. فهذا تأويله - واللّه أعلم.
وقوله: {من أنصاري إلى اللّه} أي من أنصاري مع اللّه، وقال قوم من أنصاري إلى نصر اللّه. وقال الشاعر:
ولوح ذراعين في بركة = إلى جؤجؤ رهل المنكب
المعنى الكاهل مع جؤجؤ رهل المنكب.
وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا كونوا أنصار اللّه} وأكثر القراءة (كونوا أنصار اللّه)، وهو الاختيار لقولهم (نحن أنصار اللّه). لأن الآيتين في جواب كونوا أنصارا للّه، نحن أنصار اللّه. ويجوز أن يكون {نحن أنصار اللّه} جوابا لذلك.
وقرئت (واللّه متمّ نوره) - (واللّه متمّ نوره) كلاهما جيد.
وقوله عزّ وجلّ: {فأيّدنا الّذين آمنوا على عدوّهم} معنى {أيّدنا} قوّينا، واشتقاقه من الأيد، والأيد القوّة). [معاني القرآن: 5/164-166]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْحَوَارِيُّونَ} شيعة عيسى عليه السلام. يقال: كانوا غسّالين. وقيل: كانوا قصّارين، من قولك: حَوَّرْت الثوب: أي بيّضته. وقيل: هم صفوة الأنبياء من أصحابهم وأحبارهم، كما أن الحُوَّارَى خيار الدقيق، وقيل: سُمّوا بذلك لبياض ثيابهم. {ظَاهِرِينَ} غالبين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 269]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْحَوَارِيُّونَ}: الصفوة. {فأَيَّدْنَا}: قوينا). [العمدة في غريب القرآن: 305]