{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما تكرار الكلام من جنس واحد وبعضه يجزئ عن بعض، كتكراره في: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وفي سورة الرحمن بقوله: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] فقد أعلمتك أنّ القرآن نزل بلسان القوم، وعلى مذاهبهم. ومن مذاهبهم التكرار: إرادة التوكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار: إرادة التخفيف والإيجاز، لأن افتنان المتكلم والخطيب في الفنون، وخروجه عن شيء إلى شيء- أحسن من اقتصاره في المقام على فنّ واحد). [تأويل مشكل القرآن: 235]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ولا موضع أولى بالتكرار للتوكيد من السبب الذي أنزلت فيه: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] لأنهم أرادوه على أن يعبد ما يعبدون، ليعبدوا ما يعبد، وأبدؤوا في ذلك وأعادوا، فأراد الله، عزّ وجلّ، حسم أطماعهم وإكذاب ظنونهم، فأبدأ وأعاد في الجواب. وهو معنى قوله: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9] أي تلين لهم في دينك فيلينون في أديانهم). [تأويل مشكل القرآن: 237]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وفيه وجه آخر، وهو: أن القرآن كان ينزل شيئا بعد شيء وآية بعد آية، حتى لربما نزل الحرفان والثلاثة. قال زيد بن ثابت: كنت أكتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله..} فجاء عبد الله ابن أمّ مكتوم فقال: يا رسول الله إني أحب الجهاد في سبيل الله، ولكن بي من الضرر ما ترى. قال زيد: فثقلت فخذ رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، على فخذي حتى خشيت أن ترضّها، ثم قال: اكتب: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95].
وروى عبد الرّزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن أنه قال في قول الله عز وجل: {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32] قال: كان ينزل آية وآيتين وآيات، جوابا لهم عما يسألون وردّا على النبي. وكذلك معنى قوله سبحانه: {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106] شيئا بعد شيء. فكأن المشركين قالوا له: أسلم ببعض آلهتنا حتى نؤمن بإلهك، فأنزل الله: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 2، 3]. يريد إن لم تؤمنوا حتى أفعل ذلك. ثم غبروا مدّة من المدد وقالوا: تعبد آلهتنا يوما أو شهرا أو حولا، ونعبد إلهك يوما أو شهرا أو حولا، فأنزل الله تعالى: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 4، 5]. على شريطة أن تؤمنوا به في وقت وتشركوا به في وقت. قال أبو محمد: وهذا تمثيل أردت أن أريك به موضع الإمكان). [تأويل مشكل القرآن: 237-238](م)
تفسير قوله تعالى: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {لا أعبد ما تعبدون...}. فقالوا للعباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم: قل لابن أخيك يستلم صنما من أصنامنا فنتبعه، فأخبره بذلك العباس، فأتاهم النبي -صلى الله عليه- وهم في حلقة؛ فاقترأ عليهم هذه السورة فيئسوا منه وآذوه، وهذا قبل أن يؤمر بقتالهم). [معاني القرآن: 3/297]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد} أي لا أعبد الآن ما تعبدون ولا أجيبكم فيما بقى أن أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد، إلا أنه في التمثيل أن الكافرين دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يعبد آلهتهم ويعبدون هم إله النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمنون به فيما مضى والآن؛ فأنزل الله عليه {لا أعبد ما تعبدون} في الجاهلية {ولا أنتم عابدون ما أعبد} في الجاهلية والإسلام). [مجاز القرآن: 2/314]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد} قال: {لا أعبد ما تعبدون} {ولا أنتم عابدون} لأن {لا} تجري مجرى {ما} فرفعت على خبر الابتداء). [معاني القرآن: 4/53]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قل يا أيّها الكافرون (1) لا أعبد ما تعبدون (2) ولا أنتم عابدون ما أعبد (3) ولا أنا عابد ما عبدتم (4) ولا أنتم عابدون ما أعبد (5)} أي لست في حالي هذه عابدا ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم. أي ولا أعبد فيما أستقبل ما عبدتم، ولا أنتم فيما تستقبلون عابدون ما أعبد - فهذا نفي الحال، وأن يكون أيضا فيما يستقبل، ينتقل عن الحال.
وكذلك نفى عنهم العبادة في الحال للّه عزّ وجلّ وفي الاستقبال. وهذا -واللّه أعلم- في قومه أعلمه الله أنهم لا يؤمنون كما قال عزّ وجلّ في قصة نوح: {لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن} ). [معاني القرآن: 5/371]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد} قال: عدد هذه الحالات للأزمنة أي: لا لليوم ولا أمس ولا لغد، فآيسهم مما طلبوا). [ياقوتة الصراط: 601]
تفسير قوله تعالى: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ولا أنا عابدٌ ما عبدتم} الآن ما أعبد، أي لا أعبد الآن ما تعبدون ولا أجيبكم فيما بقى أن أعبد ما تعبدون. {ولا أنتم عابدون ما أعبد}). [مجاز القرآن: 2/314]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قل يا أيّها الكافرون (1) لا أعبد ما تعبدون (2) ولا أنتم عابدون ما أعبد (3) ولا أنا عابد ما عبدتم (4) ولا أنتم عابدون ما أعبد (5)} أي لست في حالي هذه عابدا ما تعبدون {ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم}. أي ولا أعبد فيما أستقبل ما عبدتم، ولا أنتم فيما تستقبلون عابدون ما أعبد - فهذا نفي الحال، وأن يكون أيضا فيما يستقبل، ينتقل عن الحال.
وكذلك نفى عنهم العبادة في الحال للّه عزّ وجلّ وفي الاستقبال. وهذا -واللّه أعلم- في قومه أعلمه الله أنهم لا يؤمنون كما قال عزّ وجلّ في قصة نوح: {لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن}). [معاني القرآن: 5/371](م)
تفسير قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (ثم قال: {لكم دينكم}: الكفر، {ولي دين} الإسلام. ولم يقل: ديني؛ لأن الآيات بالنون فحذفت الياء، كما قال: {فهو يهدين، والذي هو يطعمني ويسقين}). [معاني القرآن: 3/297]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {لكم دينكم ولي دين (6)} قيل هذا قبل أن يؤمر -صلى الله عليه وسلم– بالقتال). [معاني القرآن: 5/371]