تفسير قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما جعلنا لبشرٍ من قبلك الخلد أفإن متّ فهم الخالدون (34) كلّ نفسٍ ذائقة الموت ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنةً وإلينا ترجعون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: وما خلّدنا أحدًا من بني آدم يا محمّد قبلك في الدّنيا فنخلّدك فيها، ولا بدّ لك من أن تموت كما مات من قبلك رسلنا يقول: فهؤلاء المشركون بربّهم هم الخالدون في الدّنيا بعدك؟ لا، ما ذلك كذلك، بل هم ميّتون بكلّ حالٍ عشت أو متّ فأدخلت الفاء في ( إنّ ) وهي جزاءٌ، وفي جوابه، لأنّ الجزاء متّصلٌ بكلامٍ قبله، ودخلت أيضًا في قوله {فهم} لأنّه جوابٌ للجزاء، ولو لم يكن في قوله {فهم} الفاء جاز على وجهين: أحدهما: أن تكون محذوفةً وهي مرادةٌ. والآخر أن يكون مرادًا تقديمها إلى الجزاء، فكأنّه قال: أفهم الخالدون إن متّ). [جامع البيان: 16/268]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 34.
أخرج ابن المنذر عن جريج قال: لما نعى جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم نفسه قال: يا رب فمن لأمتي فنزلت {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} الآية). [الدر المنثور: 10/292]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنه قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر رضي الله عنه في ناحية المدينة فجاء فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجى فوضع فاه على جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يقبله ويبكي ويقول: بأبي وأمي طبت حيا وطبت ميتا فلما خرج مر بعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقول: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يموت حتى يقتل الله المنافقين وحتى يخزي الله المنافقين، قال: وكانوا قد استبشروا بموت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فرفعوا رؤوسهم فقال: أيها الرجل اربع على نفسك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، ألم تسمع الله يقول: (إنك ميت وإنهم ميتون) (الزمر آية 30) وقال: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون} قال: ثم أتى المنبر فصعده فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن كان محمد صلى الله عليه وسلم إلهكم الذي تعبدون فإن محمدا قد مات وإن كان إلهكم الذي في السماء فإن إلهكم لم يمت ثم تلا (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) (آل عمران آية 144) حتى ختم الآية، ثم نزل وقد استبشر المسلمون بذلك واشتد فرحهم وأخذت المنافقين الكآبة، قال عبد الله بن عمر: فوالذي نفسي بيده لكأنما كانت على وجوهنا أغطية فكشفت). [الدر المنثور: 10/292-293]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت: دخل أبو بكر على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقد مات فقبله وقال: وانبياه، واخليلاه، واصفياه، ثم تلا {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} الآية، وقوله: (إنك ميت وإنهم ميتون) ). [الدر المنثور: 10/293]
تفسير قوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {كلّ نفسٍ ذائقة الموت} يقول تعالى ذكره: كلّ نفسٍ منفوسةٍ من خلقه، معالجةٌ غصص الموت، ومتجرّعةٌ كأسها.
وقوله: {ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنةً} يقول تعالى ذكره: ونختبركم أيّها النّاس بالشّرّ وهو الشّدّة نبتليكم بها، وبالخير وهو الرّخاء والسّعة العافية فنفتنكم به.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ قوله: {ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنةً} قال: بالرّخاء والشّدّة، وكلاهما بلاءٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنةً} يقول: نبلوكم بالشّرّ بلاءً، والخير فتنةً {وإلينا ترجعون}.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنةً وإلينا ترجعون} قال: نبلوهم بما يحبّون وبما يكرهون، نختبرهم بذلك لننظر كيف شكرهم فيما يحبّون، وكيف صبرهم فيما يكرهون.
- حدّثني عليّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ونبلوكم بالشّرّ والخير} يقول: نبتليكم بالشّدّة والرّخاء، والصّحّة والسّقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطّاعة والمعصية، والهدى والضّلالة.
وقوله: {وإلينا ترجعون} يقول: وإلينا تردّون فتجازون بأعمالكم، حسنها وسيّئها). [جامع البيان: 16/268-269]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 35.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم واللالكائي في السنة عن ابن عباس في قوله: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} قال: نبتليكم بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطاعة والمعصية والهدى والضلالة، والله أعلم). [الدر المنثور: 10/293]