قوله تعالى: {حم (1)}
قوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)}
قوله تعالى: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3)}
قوله تعالى: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
وقوله جلّ وعزّ: (وما يبثّ من دابّةٍ آياتٌ... (4)
قرأ حمزة والكسائي والحضرمي (وما يبثّ من دابّةٍ آياتٍ) خفضًا.
وقرأ الباقون (آياتٌ) رفعًا.
قال أبو منصور: من قرأ (آياتٌ) فهي في موضع النصب، وتاء الجماعة تخفض في موضع النصب؛ لأنه منسوق على قوله: (إنّ في السّماوات والأرض لآياتٍ)... وإن في خلقكم... (آياتٌ)،
وكذلك الثانية فهما أشبه لـ (إنّ) المضمرة.
ومن قرأ (آياتٌ) بالرفع فهو على وجهين:
أحدهما: استئناف على معنى: (وفي خلقكم آياتٌ).
ويجوز أن يكون مرفوعًا على أنه خبر (إن)، كقولك: إن زيدًا قائم وعمرًا.
فتعطف بعمرو على زيدٍ إذا نصبته.
ويجوز: وعمرو، فإذا رفعت فعلى معنى: وعمرو قائم؛ لأن معنى: إن زيدًا قائم: زيدٌ قائم). [معاني القراءات وعللها: 2/375]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {وما يبث من دابة ... وتصريف الرياح آيات} [4، 5].
قرأ حمزة والكسائي بخفض التاء على أنه في موضع نصب ردًا على «إن»، وإنما كسرت التاء، لأنها غير أصلية.
وقال المبرد: هو لحن عندي، لأنه عطف على عاملين على «إن» و«في». وكان الأخفش يري العطف على عاملين فيقول: مررت بزيد في الدار، والحجرة عمرو. واحتج بقول الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/311]
أكل آمريء تحسبين آمرأ = ونار تأجج للحرب نارا
ومن خفض التاء فله حجة أجود مما مضي. وذلك أنه يجعل {ءايت} الثانية بدلاً من الأولي. فيكون غير عاطف على عاملين.
وكأن أبا العباس ذهب هذا عليه حتى لحن من كسر، وقد قرأ بذلك إمامان.
وقرأ الباقون: {ءايت} بالرفع.
فإن سأل سائل فقال: كيف يجوز أن يجعل الآيات التي في الأرض بدلاً من آيات في السماء؟
فالجواب في ذلك: أنهما وإن اختلفتا من هذه الجهة فقد اتفقتا أنهما مخلوقاته، دوال على وحدانيته). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/312]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: وما يبث من دابة آيات [4] رفعا، وتصريف الرياح آيات [5] رفعا.
وقرأ حمزة والكسائي: كسرا فيهما.
من قال: وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات جاز الرفع في قوله: آيات من وجهين: أحدهما: العطف على موضع إن* وما عملت فيه، لأنّ موضعها رفع بالابتداء، فيحمل الرفع فيه على الموضع، والآخر: أن يكون مستأنفا، ويكون الكلام جملة معطوفة على جملة، فيكون قوله: آيات على هذا مرتفعا بالظرف في قول من رأى الرفع بالظرف، أو بالابتداء في قول من لم ير الرفع بالظرف، فهذا وجه قول من رفع آيات في الموضعين.
قال أبو الحسن: من دابة آيات قراءة الناس الرفع، وهو أجود، وبها نقرأ، لأنّه قد صار على كلام آخر. نحو: إنّ في الدّار زيدا وفي
[الحجة للقراء السبعة: 6/169]
البيت غيره، لأنّك إنّما تعطف الكلام كلّه على الكلام كلّه.
قال: وقد قرئ بالنصب وهو عربيّ، انتهت الحكاية عنه.
فأمّا قوله: واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون [الجاثية/ 5] فإنّك إن تركت الكلام على ظاهره، فإنّ فيه عطفا على عاملين: أحد العاملين: الجارّ بالذي هو في* من قوله: وفي خلقكم وما يبث من دابة [الجاثية/ 4] والعامل الآخر: إن نصبت إنّ، وإن رفعت، فالعامل المعطوف عليه مع في: الابتداء أو الظرف.
ووجه قراءة حمزة والكسائي: وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات [الجاثية/ 4] وتصريف الرياح آيات [الجاثية/ 5] فعلى أنّه لم يحمل على موضع إنّ كما حمله من رفع آيات في الموضعين أو قطعه واستأنف، ولكن حمل على لفظ إنّ دون موضعها فحمل آيات في الموضعين على نصب إن في قوله: إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين [الجاثية/ 3] فإن قلت إنّه يعرض في هذه القراءة العطف على عاملين، وذلك في قوله: واختلاف الليل والنهار آيات [الجاثية/ 5] وسيبويه وكثير من النحويين لا يجيزونه،
قيل يجوز أن يقدر في قوله: واختلاف الليل والنهار آيات، وإن كانت محذوفة من اللّفظ في حكم المثبت فيه، وذلك أن ذكره قد تقدّم في قوله: إن في السموات وفي خلقكم فيجوز أن يكون حذفها لأنّ حرف الجرّ قد تقدّم ذكره في قوله: إن في السموات وقوله: وفي خلقكم فلمّا تقدّم ذكر الجارّ في هذين قدّر فيه الإثبات في اللّفظ، وإن كان محذوفا منه كما قدّر سيبويه في قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 6/170]
أكلّ امرئ تحسبين امرأ ونار توقّد باللّيل نارا إن كل* في حكم الملفوظ به، واستغني عن إظهاره بتقدّم ذكره، وكذلك فعلت العرب في الجارّ، ألا ترى أنّهم لم يجيزوا: من تضرب أمرّ، ولو قلت: بمن تمرّ أمرّ، كان جائزا؟ وعلى أنّهم قالوا:
على من تنزل أنزل عليه، فحذفوا الجارّ، وحسن ذلك لتقدّم ذكر الجارّ، وعلى هذا قول الشاعر:
إنّ الكريم وأبيك يعتمل إن لم يجد يوما على من يتّكل لمّا ذكر على* وإن كانت زائدة في قول سيبويه حسن حذف الجارّ من الصلة، ولو لم يذكره لم يجز، وكذلك ما حكاه يونس، من قولهم: مررت برجل صالح إلّا صالح، فطالح، لمّا تقدّم ذكر الجارّ حسن ذلك، ولو لم يذكر الجارّ لم يكن هذا، وممّا يؤكّد قول حمزة والكسائي، وأن آيات* محمولة على إنّ ما ذكر من أنّه في قراءة ثلاث لامات. وفي خلقكم وما يبث من دابة لآيات وكذلك الموضعان الآخران. فدخول اللّامات يدلّ على أنّ
[الحجة للقراء السبعة: 6/171]
الكلام محمول على إن*، وإذا كان محمولا عليها حسن النصب على ما قرأ حمزة والكسائي، وصار كلّ موضع من ذلك كأن إن* مذكورة فيه، بدلالة دخول اللّام، لأنّ هذه اللّام إنّما تدخل على خبر إنّ، أو على اسمها، وممّا يجوز أن يتأوّل على ما ذكرنا في قوله: واختلاف الليل والنهار آيات قول الفرزدق:
وباشر راعيها الصّلا بلبانه وجنبيه حرّ النّار ما يتحرّف فهذا إن حملت الكلام على ظاهره كان عطفا على عاملين على الفعل والباء، وإن قدّرت أن الياء ملفوظ بها لتقدّم ذكرها، صارت في حكم الثبات في اللّفظ، وإذا كان كذلك كان العطف على عامل واحد. وهو الفعل دون الجارّ، وكذلك قول الآخر:
أوصيت من برّة قلبا حرا بالكلب خيرا والحماة شرّا إن قدّرت الجارّ في حكم المذكور بها بدلالة المتقدّم عليه لم يكن عطفا على عاملين كما لم يكن قوله: واختلاف الليل والنهار آيات كذلك وقد يخرج قوله: واختلاف الليل والنهار آيات وآيات من أن يكون عطفا على عاملين من وجه آخر، وهو أن تقدّر قوله: واختلاف الليل والنهار معطوفا على في* المتقدّم ذكرها،
[الحجة للقراء السبعة: 6/172]
ويجعل آيات متكررة كرّرتها لما تراخى الكلام وطال، قال بعض شيوخنا في قوله: ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له [التوبة/ 63] إنّ أن له هي الأولى كررت، وكما جاء فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به [البقرة/ 89] لما تراخى عن قوله: ولما جاءهم كتاب من عند الله [البقرة/ 89] وهذا النحو من كلامهم ضيّق). [الحجة للقراء السبعة: 6/173] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن في السّماوات والأرض لآيات للمؤمنين * وفي خلقكم وما يبث من دابّة آيات لقوم يوقنون * واختلاف اللّيل والنّهار وما أنزل الله من السّماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرّياح آيات لقوم يعقلون} 3 و4 و5
قرأ حمزة والكسائيّ {وما يبث من دابّة آيات} {وتصريف الرّياح آيات} بالخفض فيهما وقرأ الباقون بالرّفع فيهما قوله {وما يبث من دابّة آيات} جاز الرّفع فيها من وجهين أحدهما العطف على موضع إن وما عملت فيه فيحمل الرّفع على الموضع فتقول إن زيدا قائم وعمرا وعمرو فتعطف ب عمرو على زيد إذا نصبت وإذا رفعت فعلى موضع إن مع زيد والوجه الآخر أن يكون مستأنفا على معنى وفي خلقكم آيات ويكون الكلام جملة معطوفة على جملة قال سيبويهٍ {آيات} رفع بالابتداء ووجه قراءة حمزة والكسائيّ في قوله {وما يبث من دابّة آيات} {وتصريف الرّياح آيات} فعلى أنه لم يحمل على موضع إن كما حمل الرّفع في الموضعين ولكن حمل على لفظ إن دون موضعها فحمل آيات في الموضعين على نصب إن في قوله {إن في السّماوات والأرض لآيات للمؤمنين} وإنّما كسرت التّاء لأنّها غير أصليّة فإن سأل سائل فقال كيف جاز أن يعطف بحرف واحد على عاملين مختلفين {إن} في قوله {إن في السّماوات} والعامل الثّاني قوله
[حجة القراءات: 658]
{وفي خلقكم وما يبث من دابّة} ثمّ قال {واختلاف اللّيل} فعطف بالواو على عاملين وسيبويه لا يجيزه قيل يجوز أن تقدر في في قوله تعالى {واختلاف اللّيل والنّهار} وإن كانت محذوفة في اللّفظ وإنّما لم يذكر لأن ذكره قد تقدم في موضعين في قوله {إن في السّماوات} {وفي خلقكم} فلمّا تقدم ذكره في هذين لم يذكره وعلى مذهب الأخفش يجوز أن يعطف على عاملين كقوله تعالى {واختلاف اللّيل} عطف على قوله {وفي خلقكم} وعلى قوله {إن في السّماوات} قال ومثله في الكلام إن في الدّار زيدا والحجرة عمرا فقد عطف على عاملين مختلفين). [حجة القراءات: 659] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {من دابة آيات}، {وتصريف الرياح آيات} قرأهما حمزة والكسائي بكسر التاء، وقرأ الباقون بالرفع.
وحجة من رفع أنه عطفه على موضع «إن» وما عملت فيه، وموضع «إن» وما عملت فيه رفع بالابتداء، ويجوز الرفع على الاستئناف بعطف جملة على جملة، ويجوز رفع {آيات} بالظرف، وهو مذهب الأخفش، والرفع الاختيار؛ لأن الأكثر عليه، وليسلم القارئ بذلك من تأويل العطف على عاملين، وذلك مكروه قبيح في العربية عند البصريين.
2- وحجة من كسر التاء أنه حمله على العطف على اسم «إن» على تقدير حذف «في» من قوله: {واختلاف} لتقدم ذكرها في قوله: {إن في السماوات} «3» وفي قوله: {وفي خلقكم} فيسلم الكلام إذا أضمرت «في» من العطف على عاملين، وهما «إن وفي وتلك» أي: تجعل «آيات» الثاني والثالث مكررة لتأكيد الأول، لما طال الكلام كررت للتأكيد، ويجعل {اختلاف الليل} معطوفًا على {في خلق السماوات} فيخرج من العطف على عاملين). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/267] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [آية/ 4]، {لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [آية/5] بالجر فيهما:-
قرأهما حمزة والكسائي ويعقوب.
والوجه أن {آَيَاتٍ} منصوبة في الموضعين بكونها محمولة على إن التي تقدمت في قوله {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، وقوله {وَاخْتِلَافِ} مجرور بالحمل على الجار وهو {فِي} من قوله {فِي السَّمَاوَاتِ}.
وهذا إن أجري على الظاهر فإنه عطف على عاملين: أحدهما إن، والآخر الجار، والعطف على العاملين غير جائز عند سيبويه.
لكنه إنما يخرج عن كونه عطفًا على عاملين بأن يقدر الجار في قوله
[الموضح: 1166]
{وَاخْتِلَافِ}، فيكون {في} مضمرًا، كأنه قال: وفي اختلاف الليل والنهار، كما أضمر الشاعر كلا في قوله:
156- أكل امرئ تحسبين امرءا = ونار توقد بالليل نارا
أي وكل نار، فحذفه.
وقد يخرج عن العطف على عاملين بوجه آخر، وذلك أن تجعل {آَيَاتٍ} في الكلام الأخير هي الآيات الأولى كررت للتأكيد لما تراخى الكلام وطال، واسم إن هي الآيات الأولى، و{فِي السَّمَاوَاتِ} خبرها، وقوله {وَفِي خَلْقِكُمْ} وقوله {وَاخْتِلَافِ} معطوفان على الخبر، والآيات في الموضعين كررتا للتأكيد، كما تقول: إن في الدار الخبر، والسوق والمسجد والبلد الخبر، فتعيد ذكر الخبر على سبيل التأكيد، فالاعتبار بالأول.
وقرأ الباقون {آَيَاتٌ} بالرفع فيهما.
والوجه أن الرفع فيهما يجوز أن يكون للعطف على موضع {إِنَّ} وما عملت فيه؛ لأن موضعها رفع بالابتداء، فيكون ما عطف عليه رفعًا على الموضع.
ويجوز أن يكون الرفع فيهما على الاستئناف، وذلك أن يكون الكلام جملة معطوفة على جملة، فيكون قوله {آَيَاتٌ} رفعًا بالابتداء، والظرف قبله خبر عنه.
ويجوز أن يكون مرفوعًا بالظرف عند من يرى الرفع به). [الموضح: 1167] (م)
قوله تعالى: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)} قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: وما يبث من دابة آيات [4] رفعا، وتصريف الرياح آيات [5] رفعا.
وقرأ حمزة والكسائي: كسرا فيهما.
من قال: وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات جاز الرفع في قوله: آيات من وجهين: أحدهما: العطف على موضع إن* وما عملت فيه، لأنّ موضعها رفع بالابتداء، فيحمل الرفع فيه على الموضع، والآخر: أن يكون مستأنفا، ويكون الكلام جملة معطوفة على جملة، فيكون قوله: آيات على هذا مرتفعا بالظرف في قول من رأى الرفع بالظرف، أو بالابتداء في قول من لم ير الرفع بالظرف، فهذا وجه قول من رفع آيات في الموضعين.
قال أبو الحسن: من دابة آيات قراءة الناس الرفع، وهو أجود، وبها نقرأ، لأنّه قد صار على كلام آخر. نحو: إنّ في الدّار زيدا وفي
[الحجة للقراء السبعة: 6/169]
البيت غيره، لأنّك إنّما تعطف الكلام كلّه على الكلام كلّه.
قال: وقد قرئ بالنصب وهو عربيّ، انتهت الحكاية عنه.
فأمّا قوله: واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون [الجاثية/ 5] فإنّك إن تركت الكلام على ظاهره، فإنّ فيه عطفا على عاملين: أحد العاملين: الجارّ بالذي هو في* من قوله: وفي خلقكم وما يبث من دابة [الجاثية/ 4] والعامل الآخر: إن نصبت إنّ، وإن رفعت، فالعامل المعطوف عليه مع في: الابتداء أو الظرف.
ووجه قراءة حمزة والكسائي: وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات [الجاثية/ 4] وتصريف الرياح آيات [الجاثية/ 5] فعلى أنّه لم يحمل على موضع إنّ كما حمله من رفع آيات في الموضعين أو قطعه واستأنف، ولكن حمل على لفظ إنّ دون موضعها فحمل آيات في الموضعين على نصب إن في قوله: إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين [الجاثية/ 3] فإن قلت إنّه يعرض في هذه القراءة العطف على عاملين، وذلك في قوله: واختلاف الليل والنهار آيات [الجاثية/ 5] وسيبويه وكثير من النحويين لا يجيزونه،
قيل يجوز أن يقدر في قوله: واختلاف الليل والنهار آيات، وإن كانت محذوفة من اللّفظ في حكم المثبت فيه، وذلك أن ذكره قد تقدّم في قوله: إن في السموات وفي خلقكم فيجوز أن يكون حذفها لأنّ حرف الجرّ قد تقدّم ذكره في قوله: إن في السموات وقوله: وفي خلقكم فلمّا تقدّم ذكر الجارّ في هذين قدّر فيه الإثبات في اللّفظ، وإن كان محذوفا منه كما قدّر سيبويه في قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 6/170]
أكلّ امرئ تحسبين امرأ ونار توقّد باللّيل نارا إن كل* في حكم الملفوظ به، واستغني عن إظهاره بتقدّم ذكره، وكذلك فعلت العرب في الجارّ، ألا ترى أنّهم لم يجيزوا: من تضرب أمرّ، ولو قلت: بمن تمرّ أمرّ، كان جائزا؟ وعلى أنّهم قالوا:
على من تنزل أنزل عليه، فحذفوا الجارّ، وحسن ذلك لتقدّم ذكر الجارّ، وعلى هذا قول الشاعر:
إنّ الكريم وأبيك يعتمل إن لم يجد يوما على من يتّكل لمّا ذكر على* وإن كانت زائدة في قول سيبويه حسن حذف الجارّ من الصلة، ولو لم يذكره لم يجز، وكذلك ما حكاه يونس، من قولهم: مررت برجل صالح إلّا صالح، فطالح، لمّا تقدّم ذكر الجارّ حسن ذلك، ولو لم يذكر الجارّ لم يكن هذا، وممّا يؤكّد قول حمزة والكسائي، وأن آيات* محمولة على إنّ ما ذكر من أنّه في قراءة ثلاث لامات. وفي خلقكم وما يبث من دابة لآيات وكذلك الموضعان الآخران. فدخول اللّامات يدلّ على أنّ
[الحجة للقراء السبعة: 6/171]
الكلام محمول على إن*، وإذا كان محمولا عليها حسن النصب على ما قرأ حمزة والكسائي، وصار كلّ موضع من ذلك كأن إن* مذكورة فيه، بدلالة دخول اللّام، لأنّ هذه اللّام إنّما تدخل على خبر إنّ، أو على اسمها، وممّا يجوز أن يتأوّل على ما ذكرنا في قوله: واختلاف الليل والنهار آيات قول الفرزدق:
وباشر راعيها الصّلا بلبانه وجنبيه حرّ النّار ما يتحرّف فهذا إن حملت الكلام على ظاهره كان عطفا على عاملين على الفعل والباء، وإن قدّرت أن الياء ملفوظ بها لتقدّم ذكرها، صارت في حكم الثبات في اللّفظ، وإذا كان كذلك كان العطف على عامل واحد. وهو الفعل دون الجارّ، وكذلك قول الآخر:
أوصيت من برّة قلبا حرا بالكلب خيرا والحماة شرّا إن قدّرت الجارّ في حكم المذكور بها بدلالة المتقدّم عليه لم يكن عطفا على عاملين كما لم يكن قوله: واختلاف الليل والنهار آيات كذلك وقد يخرج قوله: واختلاف الليل والنهار آيات وآيات من أن يكون عطفا على عاملين من وجه آخر، وهو أن تقدّر قوله: واختلاف الليل والنهار معطوفا على في* المتقدّم ذكرها،
[الحجة للقراء السبعة: 6/172]
ويجعل آيات متكررة كرّرتها لما تراخى الكلام وطال، قال بعض شيوخنا في قوله: ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له [التوبة/ 63] إنّ أن له هي الأولى كررت، وكما جاء فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به [البقرة/ 89] لما تراخى عن قوله: ولما جاءهم كتاب من عند الله [البقرة/ 89] وهذا النحو من كلامهم ضيّق). [الحجة للقراء السبعة: 6/173] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن في السّماوات والأرض لآيات للمؤمنين * وفي خلقكم وما يبث من دابّة آيات لقوم يوقنون * واختلاف اللّيل والنّهار وما أنزل الله من السّماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرّياح آيات لقوم يعقلون} 3 و4 و5
قرأ حمزة والكسائيّ {وما يبث من دابّة آيات} {وتصريف الرّياح آيات} بالخفض فيهما وقرأ الباقون بالرّفع فيهما قوله {وما يبث من دابّة آيات} جاز الرّفع فيها من وجهين أحدهما العطف على موضع إن وما عملت فيه فيحمل الرّفع على الموضع فتقول إن زيدا قائم وعمرا وعمرو فتعطف ب عمرو على زيد إذا نصبت وإذا رفعت فعلى موضع إن مع زيد والوجه الآخر أن يكون مستأنفا على معنى وفي خلقكم آيات ويكون الكلام جملة معطوفة على جملة قال سيبويهٍ {آيات} رفع بالابتداء ووجه قراءة حمزة والكسائيّ في قوله {وما يبث من دابّة آيات} {وتصريف الرّياح آيات} فعلى أنه لم يحمل على موضع إن كما حمل الرّفع في الموضعين ولكن حمل على لفظ إن دون موضعها فحمل آيات في الموضعين على نصب إن في قوله {إن في السّماوات والأرض لآيات للمؤمنين} وإنّما كسرت التّاء لأنّها غير أصليّة فإن سأل سائل فقال كيف جاز أن يعطف بحرف واحد على عاملين مختلفين {إن} في قوله {إن في السّماوات} والعامل الثّاني قوله
[حجة القراءات: 658]
{وفي خلقكم وما يبث من دابّة} ثمّ قال {واختلاف اللّيل} فعطف بالواو على عاملين وسيبويه لا يجيزه قيل يجوز أن تقدر في في قوله تعالى {واختلاف اللّيل والنّهار} وإن كانت محذوفة في اللّفظ وإنّما لم يذكر لأن ذكره قد تقدم في موضعين في قوله {إن في السّماوات} {وفي خلقكم} فلمّا تقدم ذكره في هذين لم يذكره وعلى مذهب الأخفش يجوز أن يعطف على عاملين كقوله تعالى {واختلاف اللّيل} عطف على قوله {وفي خلقكم} وعلى قوله {إن في السّماوات} قال ومثله في الكلام إن في الدّار زيدا والحجرة عمرا فقد عطف على عاملين مختلفين). [حجة القراءات: 659] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {من دابة آيات}، {وتصريف الرياح آيات} قرأهما حمزة والكسائي بكسر التاء، وقرأ الباقون بالرفع.
وحجة من رفع أنه عطفه على موضع «إن» وما عملت فيه، وموضع «إن» وما عملت فيه رفع بالابتداء، ويجوز الرفع على الاستئناف بعطف جملة على جملة، ويجوز رفع {آيات} بالظرف، وهو مذهب الأخفش، والرفع الاختيار؛ لأن الأكثر عليه، وليسلم القارئ بذلك من تأويل العطف على عاملين، وذلك مكروه قبيح في العربية عند البصريين.
2- وحجة من كسر التاء أنه حمله على العطف على اسم «إن» على تقدير حذف «في» من قوله: {واختلاف} لتقدم ذكرها في قوله: {إن في السماوات} «3» وفي قوله: {وفي خلقكم} فيسلم الكلام إذا أضمرت «في» من العطف على عاملين، وهما «إن وفي وتلك» أي: تجعل «آيات» الثاني والثالث مكررة لتأكيد الأول، لما طال الكلام كررت للتأكيد، ويجعل {اختلاف الليل} معطوفًا على {في خلق السماوات} فيخرج من العطف على عاملين). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/267] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [آية/ 4]، {لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [آية/5] بالجر فيهما:-
قرأهما حمزة والكسائي ويعقوب.
والوجه أن {آَيَاتٍ} منصوبة في الموضعين بكونها محمولة على إن التي تقدمت في قوله {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، وقوله {وَاخْتِلَافِ} مجرور بالحمل على الجار وهو {فِي} من قوله {فِي السَّمَاوَاتِ}.
وهذا إن أجري على الظاهر فإنه عطف على عاملين: أحدهما إن، والآخر الجار، والعطف على العاملين غير جائز عند سيبويه.
لكنه إنما يخرج عن كونه عطفًا على عاملين بأن يقدر الجار في قوله
[الموضح: 1166]
{وَاخْتِلَافِ}، فيكون {في} مضمرًا، كأنه قال: وفي اختلاف الليل والنهار، كما أضمر الشاعر كلا في قوله:
156- أكل امرئ تحسبين امرءا = ونار توقد بالليل نارا
أي وكل نار، فحذفه.
وقد يخرج عن العطف على عاملين بوجه آخر، وذلك أن تجعل {آَيَاتٍ} في الكلام الأخير هي الآيات الأولى كررت للتأكيد لما تراخى الكلام وطال، واسم إن هي الآيات الأولى، و{فِي السَّمَاوَاتِ} خبرها، وقوله {وَفِي خَلْقِكُمْ} وقوله {وَاخْتِلَافِ} معطوفان على الخبر، والآيات في الموضعين كررتا للتأكيد، كما تقول: إن في الدار الخبر، والسوق والمسجد والبلد الخبر، فتعيد ذكر الخبر على سبيل التأكيد، فالاعتبار بالأول.
وقرأ الباقون {آَيَاتٌ} بالرفع فيهما.
والوجه أن الرفع فيهما يجوز أن يكون للعطف على موضع {إِنَّ} وما عملت فيه؛ لأن موضعها رفع بالابتداء، فيكون ما عطف عليه رفعًا على الموضع.
ويجوز أن يكون الرفع فيهما على الاستئناف، وذلك أن يكون الكلام جملة معطوفة على جملة، فيكون قوله {آَيَاتٌ} رفعًا بالابتداء، والظرف قبله خبر عنه.
ويجوز أن يكون مرفوعًا بالظرف عند من يرى الرفع به). [الموضح: 1167] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} [آية/ 5] بغير ألف على الوحدة:-
قرأها حمزة والكسائي.
وقرأ الباقون {الرِّيَاحِ} على الجمع، وقد تقدم القول على ذلك فيما سبق). [الموضح: 1168]
قوله تعالى: {تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)} قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فبأيّ حديثٍ بعد اللّه وآياته يؤمنون (6)
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي، ويعقوب (وآياته تؤمنون) بالتاء.
وقرأ الباقون (يؤمنون) بالياء). [معاني القراءات وعللها: 2/376]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (وقوله تعالى: {وءاياته تؤمنون} [6].
قرأ أهل الكوفة وابن عامر بالتاء على الخطاب، أي: قل لهم يا محمد ذلك.
وقرأ الباقون بالياء لقوله: {لآيات للمؤمنين} [3] ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/312]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التاء والياء من قوله عزّ وجلّ: وآياته يؤمنون [الجاثية/ 6].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية حفص والأعشى عن أبي بكر وأبو عمرو يؤمنون بالياء.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: تؤمنون* بالتاء، وكذلك يحيى عن أبي بكر عن عاصم بالتاء أيضا.
حجّة من قرأ بالياء أنّ قبله غيبة، وهو قوله: لقوم يوقنون [الجاثية/ 4]، ومن حجّته أنّه قال: تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق [الجاثية/ 6] مخاطبة للنّبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يكون في خطابه: فبأي حديث بعد الله وآياته تؤمنون [الجاثية/ 6] فإن قلت: إنّ في أوّل الكلام خطابا، وهو قوله: وفي خلقكم وما يبث من دابة [الجاثية/ 4] قيل: والغيبة التي ذكرنا أقرب إلى الحرف المختلف فيه، والأقرب إليه أولى أن يحمل عليه، والتّاء على: نتلوها عليك بالحق فقل لهم: بأي حديث بعد ذلك تؤمنون). [الحجة للقراء السبعة: 6/173]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({تلك آيات الله نتلوها عليك بالحقّ فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون} 6
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص {وآياته يؤمنون} بالياء وقرأ الباقون بالتّاء
وحجّة الياء قوله قبلها {لآيات للمؤمنين} 3 و{لقوم يعقلون} 5 قال أبو عبيدة مع هذا قد خاطب النّبي صلى الله عليه فقال {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحقّ} فكيف يجوز أن يقال للنّبي صلى الله عليه بأيّ حديث بعد الله وآياته تؤمنون بالتّاء أي تؤمن أنت وهم بل إنّما قال {فبأي حديث بعد الله وآياته} يؤمن هؤلاء المشركون وشاهدها قوله في المرسلات {فبأي حديث بعده يؤمنون}
[حجة القراءات: 659]
لم يختلف فيه أنه بالياء فهذه مثلها
وحجّة التّاء هي أن الكلام جرى عقيب الخطاب في قوله {وفي خلقكم وما يبث من دابّة} فالمعنى فبأي حديث أيها المشركون بعد كتاب الله تؤمنون ويجوز أن يكون تمام الخطاب عند قوله {نتلوها عليك بالحقّ} ثمّ استأنف بالفاء على معنى قل لهم فبأي حديث بعد ذلك تؤمنون). [حجة القراءات: 660]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {وآياته يؤمنون} قرأه ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي بالتاء على الخطاب، على معنى: قل لهم يا محمد فبأي حديث بعد الله وآياته تؤمنون أيها الكافرون، ويجوز أن ترده على الخطاب الذي قبله، في قوله:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/267]
{وفي خلقكم وما يبث}، وقرأ الباقون بالياء، ردوه على لفظ الغيبة التي قبله، وهو قوله تعالى: {لقوم يوقنون} و{لقوم يعقلون} «5» وهو الاختيار لأنه أقرب إليه، وقد تقدم ذكر «حم» وذكر {من رجز أليم} وشبهه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/268]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [آية/ 6] بالياء:-
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم –ص- ويعقوب –ح-.
والوجه أنه على الغيبة لموافقة ما قبله، وهو قوله تعالى {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ثم إن ما تقدم خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز أن يكون هذا داخلاً في خطابه.
وقرأ الباقون {تُؤْمِنُونَ} بالتاء.
والوجه أنه على إضمار قل، والتقدير: قل لهم فبأي حديث بعد الله وآياته تؤمنون). [الموضح: 1168]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين