سورة العنكبوت
[ من الآية (53) إلى الآية (59) ]
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59)}
قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53)}
قوله تعالى: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54)}
قوله تعالى: {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ونقول ذوقوا (55)
[معاني القراءات وعللها: 2/259]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (ونقول) بالنون.
وقرأ الباقون: (ويقول) بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ: (ونقول) فاللّه يقوله.
ومن قرأ بالياء فالمعنى: ويقول الله لهم ذوقوا). [معاني القراءات وعللها: 2/260]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {ويقول ذوقوا} [55].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: {ونقول} بالنون الله تعالى يخبر عن نفسه.
وقرأ الباقون: {ويقول} بالياء.
وفيها قراءة ثالثة: حدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء في قراءة عبد الله {ويقال ذوقوا} على ما ما لم يسم فاعله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/189]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والنون من قوله تعالى: ويقول ذوقوا [العنكبوت/ 55]. فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو وابن عامر (ونقول) بالنون، وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: ويقول بالياء.
[قال أبو علي]: يقول ذوقوا أي: يقول المؤكّل بعذابهم: ذوقوا، كقوله: والملائكة باسطوا أيديهم. أخرجوا أنفسكم [الأنعام/ 93]، أي: يقولون لهم: [أخرجوا أنفسكم]، ومن قال:
(ونقول)، فلأنّ ذلك لمّا كان بأمره سبحانه، جاز أن ينسب إليه، وجوازه على هذا المعنى، لأنّ الله سبحانه: لا يكلمهم ومعنى:
ذوقوا ما كنتم تعملون أي: جزاءه، وقيل: ذوقوا لوصول ذلك إلى المعذّب كوصول الذوق إلى الذائق.
قال:
دونك ما جنيته فاحس وذق ويجوز في ويقول ذوقوا، أن يكون القول للموكّلين بالعذاب دون المعذبين كقوله جلّ وعزّ: ونقول ذوقوا عذاب الحريق [آل عمران/ 181] ونحو ذلك من الآي). [الحجة للقراء السبعة: 5/436]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {ونقول ذوقوا} بالنّون أي نحن نقول وحجتهم أن الكلام أتى عقيب لفظ الجمع في قولهم {أو لم يكفهم أنا أنزلنا} 51 وبعد ذلك {ثمّ إلينا ترجعون} ولنبلونهم 58 فجعلوا ما بين ذلك بلفظ الجمع ليأتلف الكلام على نظام واحد
وقرأ الباقون {ويقول} بالياء أي يقول الملك الموكل بعذابهم أو يقول الله جلّ وعز وحجتهم قوله {قل كفى باللّه بيني وبينكم شهيدا} وقوله {وكفروا باللّه} وهذان أقرب من لفظ الجمع فكان رده على لفظ ما قرب منه أولى من رده على الأبعد). [حجة القراءات: 553]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {ويقول ذوقوا} قرأه نافع وأهل الكوفة بالياء، على الإخبار عن الله، لأن قبله: {قل كفى بالله} «52» وقوله: {كفروا بالله}، فذلك أقرب إليه من غيره، ويجوز أن يكون إخبارًا عن قول الموكل بعذابهم لهم، فالتقدير: ويقول الموكل بعذابهم لهم، وقرأ الباقون بالنون على الإخبار من الله تعالى عن نفسه؛ لأن كل شيء لا يكون إلا بأمره، فنسب الفعل إلى نفسه، وإن كان تعالى ذكره لا يُكلمهم، إنما تكلمهم الملائكة عن أمره ومشيئته، فنسب الفعل إليه لما كانت الملائكة لا تكلمهم إلا عن أمره وإرادته، والياء أحب إلي، لأن المعنى عليه، إذ القائل لهم هذا القول غير الله جل ذكره، وأيضًا فإن قبله إخبارًا عن الله جل ذكره، في قوله: {إنا أنزلنا عليك} «51» وبعده قوله: {ثم إلينا} «57» و{لنبوأنهم} «58» فحمل على ما قبله وما بعده من الإخبار عن الله جل ذكره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/180]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {وَنَقُولُ ذُوقُوا} [آية/ 55] بالنون:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب.
والوجه أن الملائكة يقولون ذلك بأمره سبحانه، فلما كان ذلك بأمره جاز نسبته إليه تعالى فإنه سبحانه لا يكلمهم.
وقرأ نافع والكوفيون {وَيَقُولُ} بالياء.
والوجه أن القائل لذلك هو الموكل بهم من ملائكة العذاب.
وقال بعضهم: بل الضمير للرب سبحانه، والتقدير ويقول الله ذوقوا، فيكون مثل ما تقدم). [الموضح: 996]
قوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (يا عبادي الّذين آمنوا (56)
أرسل الياء حمزة والكسائي والحضرمي، وفتحها الباقون.
والوقف عليهما بالياء؛ لأنها ثابتة في المصحف). [معاني القراءات وعللها: 2/260]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (إنّ أرضي واسعة (56)
فتح الياء ابن عامر وحده). [معاني القراءات وعللها: 2/260]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {يا عبادي الذين ءامنوا} [56].
بفتح الياء.
قرأ عاصم ونافع وابن كثير وابن عامر ها هنا وكذلك في (الزمر) {يا عبادي الذين أسرفوا}.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: {يا عبادي} بإسكان الياء في السورتين، فمن فتح الياء قال: أتيت بالكلمة على أصلها؛ لأن أصل كل ياء
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/189]
الفتح، ولئلا يسقط لالتقاء الساكنين، ومن أسكن وحذفه لفظًا، قال: لأن النداء مبناه على الحذف، كما تقول: يا رب، ويا قوم، فمن فتح لم يجز أن يقف إلا على الياء، ومن أسكن جاز أن يقف بغير ياء. وبيني الوصل على الوقف والاختيار في قراءتهم جميعًا أن يقفوا بالياء؛ لأن الياء ثابتة في المصاحف في هاتين السورتين. فأما في (الزخرف) {يا عباد لا خوف} فتذكره في موضعه إن شاء الله كما ذكره ابن مجاهد لأنا نحن متبعون لشيوخنا لا مبتدعون). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/190]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {إن أرضي واسعة} [56].
قرأ ابن عامر: {إن أرضي} بفتح الياء على أصل الكلمة.
والباقون يسكنون الياء تخفيفًا، ومعنى هذه الاية أن المسلمين بمكة في صدر الإسلام وأوله كانوا لا يجسرون على إظهار الاسلام من المشركين. فأهرهم الله بالهجرة. فقال: {يا عبادي الذين ءامنوا إن أرضي واسعة} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/190]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في سكون الياء وتحريكها من قوله سبحانه: يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة [العنكبوت/ 56].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر: يا عبادي الذين، وفي الزّمر: يا عبادي الذين أسرفوا [53] بنصب الياء فيهما، وفي الزخرف: (يا عبادي لا خوف عليكم) [68]، ويأتي في موضعه إن شاء الله، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: (يا عبادي) بوقف الياء في الحرفين.
ابن عامر وحده: (أرضي واسعة) بفتح الياء وأسكنها الباقون.
[قال أبو علي]: التحريك والإسكان [في هذه الياءات] حسنان). [الحجة للقراء السبعة: 5/437]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يا عبادي الّذين آمنوا إن أرضي واسعة} 56
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ {يا عبادي الّذين آمنوا} بإسكان الياء وحجتهم في ذلك أن النداء باب الحذف كما تقول يا رب
ويا قوم فتحذف الياء وإذا وقفوا وقفوا على الياء
وقرأ الباقون {يا عبادي} بفتح الياء على أصلها لأن أصل كل
[حجة القراءات: 553]
ياء الفتح وقد ذكرنا في سورة البقرة). [حجة القراءات: 554]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا} [آية/ 56] بفتح الياء:
قرأها ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم، وكذلك في الزمر: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا}.
وقرأ الباقون {يَا عِبَادِي} بإسكان الياء في السورتين.
[الموضح: 996]
ووجه ياء الإضافة قد تقدم غير مرة). [الموضح: 997]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {إِنَّ أَرْضِيَ وَاسِعَةٌ} [آية/ 56] بفتح الياء:
قرأها ابن عامر وحده.
وقرأ الباقون {أَرْضِي} بسكون الياء.
والوجه قد سبق). [الموضح: 997]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِي} [آية/ 56] بياء في الوصل والوقف في {اعْبُدُونِي}:
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أنه على الأصل؛ لأنه ياء ضمير المفعول به أُلحق به النون دعامةً؛ ليبقى آخر الكلمة على حاله ولا ينكسر لأجل الياء، فالأصل هو إثبات الياء.
وقرأ الباقون {فَاعْبُدُونِ} بغير ياء في الحالين.
والوجه أن الأصل {فَاعْبُدُونِي} كما سبق، إلا أن الياء حُذفت؛ لأنها وقعت فاصلة، والفواصل في القرآن كالقوافي في الشعر يُطلب فيها التجانس. قال الأعشى:
117- إذا ما انتسبت له أنكرن
[الموضح: 997]
وقد سبق، فبقيت الكسرة في نون {اعْبُدُونِ} دالةً على الياء المحذوفة). [الموضح: 998]
قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (كلّ نفسٍ ذائقة الموت ثمّ إلينا ترجعون (57)
روى يحيى عن أبي بكر عن عاصم (يرجعون) بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء.
[معاني القراءات وعللها: 2/260]
قال أبو منصور: من قرأ بالياء فللغيبة، ومن قرأ بالتاء فللمخاطبة). [معاني القراءات وعللها: 2/261]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {ثم إلينا ترجعون} [57].
قرأ عاصم في رواية أبي بكر {يرجعون} بالياء.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بالتاء. وقد فسرته). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/190]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر وابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم: (ثم إلينا يرجعون) [العنكبوت/ 57] بالياء، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بالتاء.
قال أبو علي: أمّا (يرجعون)، فلأنّ الذي قبله على لفظ الغيبة،
[الحجة للقراء السبعة: 5/437]
وهو قوله: (كل نفس ذائقة الموت، ثم إلينا يرجعون) [العنكبوت/ 57]، وجاء على لفظ الجمع لأنّ كلّا جمع في المعنى، وإن كان مفردا في اللّفظ.
وترجعون بالتاء على الرجوع من الغيبة إلى الخطاب كقوله: إياك نعبد [الفاتحة/ 4] بعد قوله: الحمد لله [الفاتحة/ 1] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/438]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({كل نفس ذائقة الموت ثمّ إلينا ترجعون}
قرأ أبو بكر (ثمّ إلينا يرجعون) بالياء وحجته في ذلك أن الّذي قبله على لفظ الغيب وهو قوله (كل نفس ذائقة الموت ثمّ إلينا يرجعون)
وقرأ الباقون بالتّاء وانتقلوا من الغيبة إلى الخطاب مثل قوله {إياك نعبد} بعد قوله {الحمد لله رب العالمين} ). [حجة القراءات: 554]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (11- قوله: {ثم إلينا ترجعون} قرأ أبو بكر بالياء، حمله على لفظ الغيبة في قوله {كل نفسٍ ذائقة الموت}، وجمع حملًا على معنى «كل» وقرأ الباقون بالتاء، على معنى الخروج من الغيبة إلى الخطاب، كقوله: {إياك
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/180]
نعبد} «الفاتحة 5» بعد قوله: {الحمد لله} «2»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/181]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {ثُمَّ إِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [آية/ 57] بالياء:
قرأها عاصم –ياش-.
والوجه أنه حُمل على ما قبله؛ لأن ذلك على الغيبة وهو قوله تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}، وجاء على لفظ الجمع حملًا على معنى {كُلُّ}. وقرأ الباقون {تُرْجَعُونَ} بالتاء.
والوجه أنه على تلوين الخطاب وترك المغايبة إلى المخاطبة، كقوله تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} بعد قوله {الْحَمْدُ}.
ويجوز أن يكون على تغليب الخطاب على الغيبة فيكون الخطاب عامًا.
وفتح التاء يعقوب وحده، وضمها الباقون.
والوجه قد سبق، وهو أن رجع لازم ومتعدٍّ، والقراءتان تحملان عليهما). [الموضح: 998]
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لنبوّئنّهم (58)
قرأ حمزة والكسائي (لنثوينّهم) بالثاء.
وقرأ الباقون (لنبوّئنّهم).
قال الفراء: يقال بوأته منزلاً وأثويته منزلاً، بمعنى: أنزلته منزلاً.
وقال غيره: ثوى الرجل بالمكان، إذا أقام. وأثويته أنا، إذا أنزلته منزلاً يقيم به. وبوأته منزلا، أي: أسكنته. وبوّأ فلان امرأته منزلا إذا أسكنها إياه). [معاني القراءات وعللها: 2/261]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {لنبوئنهم} [58].
قرأ حمزة والكسائي: {لتبوئنهم} بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء ومعناهما واحد.
تقول العرب: بوأت فلانًا منزلاً، أي أنزلته، تبوأ فلان المنزل، قال
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/190]
الله تعالى: {والذين تبوءوا الدار والإيمان} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كذب على متعمدًا فليتبوا مقعده من النار».
ومن قرأ بالتاء. فإن العرب تقول: ثويت المكان: إذا نزلت، وأنا ثاو، وقال الله تعالى: {وما كنت ثاويًا} ومن العرب من يقول: أثويت قال الأعشي:
أثوي وقصر ليلة ليزودا = ومضي وأخلف من قتيلة موعدا
وقال آخرون: الوراية الصحيحة «أثوي» بفتح الثاء فيكون الألف ألف الاستفهام، وأثواه الله لا غير، وقريب منها التبين في الأمر، والتثبت بمعنى، قال الله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} وتقرأ {فتثبتوا} وقد ذكرته في (النساء)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إن التبين من الله والعجلة من الشيطان فتثبتوا» التبين في الأمر: التثبت). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/191]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله سبحانه: لنبوئنهم [العنكبوت/ 58] في الباء والثاء، فقرأ حمزة والكسائي: (لنثوينّهم) بالثاء، وقرأ الباقون:
لنبوئنهم بالباء.
قال أبو زيد: بوّأنا فلانا منزلا تبويئا، فما حكى أبو زيد. حجّة لمن قرأ لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58]، وقال: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق [يونس/ 93]، وقال: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت [الحج/ 26] فيجوز أن تكون اللّام زائدة كزيادتها في ردف لكم [النمل/ 72] ويجوز أن يكون (بوّأنا) لدعاء إبراهيم وهو قوله: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع...
فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم [إبراهيم/ 37]، ويكون المفعول محذوفا على هذا، كأنّه: وإذ بوّأ بالدّعاء إبراهيم ناسا مكان البيت، كقوله تعالى: بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق [يونس/ 93]، وقال: نتبوأ من الجنة حيث نشاء [الزمر/ 74] فعلى هذا قوله سبحانه: لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58]، فأما من قرأ:
(لنثوينّهم) فقد قال: وما كنت ثاويا في أهل مدين [القصص/ 45]
[الحجة للقراء السبعة: 5/438]
ففسره أبو عبيدة: وما كنت مقيما نازلا فيهم، قال: والثويّ: الضيف، وأنشد للعجاج:
فبات حيث يدخل الثويّ وقال الأعشى:
أثوى وقصّر ليلة ليزوّدا
وقال حسّان:
ثوى في قريش بضع عشرة حجة فكان هذا كقوله: أقام فيهم ونزل فيهم، فإذا تعدّى بحرف جرّ، أو زيدت عليه الهمزة وجب أن يتعدّى إلى المفعول الثاني، وليس في الآية حرف جرّ.
[الحجة للقراء السبعة: 5/439]
قال أبو الحسن: قرأ الأعمش: (لنثوينّهم من الجنّة غرفا) قال: ولا يعجبني، لأنك لا تقول: أثويته الدّار.
قال أبو علي: هذا الذي رآه أبو الحسن يدلّ على أن ثوى ليس بمتعدّ، وكذلك تفسير أبي عبيدة: أنّه النازل فيهم، ووجهه أنّه كان في الأصل: لنثوينّهم من الجنّة في غرف، كما تقول: لننزلنّهم من الجنّة في غرف، وحذف الجار كما حذف من قوله:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ويقول ذلك أن الغرف وإن كانت أماكن مختصة، فقد أجريت المختصّة من هذه الظروف مجرى غير المختصّة نحو قوله:
كما عسل الطريق الثعلب ونحو: ذهبت الشام، عند سيبويه، ويقوّي الوجه الأوّل، قوله سبحانه: نتبوأ من الجنة حيث نشاء [الزمر/ 74] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/440]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لنبوئنهم من الجنّة غرفا} 58
قرأ حمزة والكسائيّ (لنثوينهم) بالثاء من أثويت أي لنقيمنهم يقال ثوى الرجل بالمكان إذا أقام به وأثواه غيره إذا جعله بذلك المكان وحجتهما {وما كنت ثاويا} أي مقيما
وقرأ الباقون {لنبوئنهم} بالباء أي لننزلنهم من بوأت تقول العرب بوأت فلانا منزلا أي أنزلته قال تعالى {ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق} وتقول تبوأ فلان المنزل وقال
[حجة القراءات: 554]
الله تعالى {والّذين تبوؤوا الدّار والإيمان} أي اتّخذوها قال الفراء بوأته منزلا وأنويته منزلا سواء). [حجة القراءات: 555]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (12- قوله: {لنبوأنهم} قرأه حمزة والكسائي بالثاء والنون، من غير همز، جعلاه من الثواء، وهو الإقامة في الجنة، و«في» محذوفة من «غرف»، وقرأ الباقون بالياء والهمز، ومن التبوء، وهو الإقامة أيضًا، وقيل هو الإنزال). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/181]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {لَنُثْوِيَنَّهُمْ} [آية/ 58] بالثاء:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه من قولهم ثوى بالمكان: نزل، وأثويته أنا به: أنزلته، والتقدير:
[الموضح: 998]
لنثوينهم من الجنة في غرف أو بغرف، فحُذف الجار، كما حذفه الشاعر من قوله:
118- أمرتك الخير فافعل ما أمرت به = فقد تركتك ذا مالٍ وذا نشب
أي بالخير، والآخر من قوله:
119- وأُخفي الذي لولا الأسى لقضاني
أي: لقضى علي.
وقرأ الباقون {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ} بالباء والهمز.
والوجه أنه من قولهم بوأت فلانًا منزلًا: جعلت له مسكنًا، قال الله تعالى {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ}، وقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} أي نزلوها، فالفعل الذي هو بوأت يتعدى إلى مفعولين). [الموضح: 999]
قوله تعالى: {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59)}