التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({التّهلكة}: والهلاك، والهلك، والهلك واحد).[مجاز القرآن: 1/68]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة وأحسنوا إنّ اللّه يحبّ المحسنين}
قال: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة} , يقول: "إلى الهلكة", والباء زائدة نحو زيادتها في قوله: {تنبت بالدّهن}, وإنما هي: تنبت الدهن, قال الشاعر:
كثيراً بما يتركن في كلّ حفرةٍ = زفير القواضي نحبها وسعالها
يقول: "كثيراً يتركن" , وجعل الباء , و"ما" زائدتين).[معاني القرآن: 1/129]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {التهلكة} فهي تفعلة من هلك، يقال: أهلكهم؛ وقال بعضهم: هلكت الرجل؛ يريد: أهلكته هلكا وهلكا وهلاكا؛ والتهلكة تكون أيضًا مصدرًا لهذا.
[وزاد محمد بن صالح]:
وهلكة.
وقال الراجز:
ومهمه هالك من تعرجا = ............
على هلكته؛ وقد يجوز أن يكون على: هالك من تعرجا؛ كأنه هالك شخص تعرجا، كقولك: حسن وجه، كريم أب؛ وهذا أيضًا مثل: أحببته، وحببته لغة بغير ألف.
قال: وسمعنا هذا البيت هكذا:
فوالله لولا تمره ما حببته = ..............). [معاني القرآن لقطرب: 349]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({التهلكة}: الهلاك). [غريب القرآن وتفسيره: 88]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: ({وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة وأحسنوا إنّ اللّه يحبّ المحسنين}
أي: في الجهاد في سبيل اللّه، وكل ما أمر اللّه به من الخير , فهو من سبيل الله، أي: من الطريق إلى اللّه عزّ وجلّ؛ لأن السبيل في اللغة: الطريق، وإنما استعمل في الجهاد أكثر ؛ لأنه السبيل الذي يقاتل فيه على عقد الدين.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}
أصل بأيديكم:بأيديكم بكسر الياء, ولكن الكسرة لا تثبت في الياء إذا كان ما قبلها مكسوراً لثقل الكسرة في الياء.
{وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة وأحسنوا إنّ اللّه يحبّ المحسنين}
وقوله عزّ وجلّ: {إلى التّهلكة)}, معناه: إلى الهلاك، يقال: هلك الرجل يهلك , هلاكاً, وهلكا وتهلكة , وتهلكة.
وتهلكة اسم, ومعناه: إن لم تنفقوا في سبيل الله هلكتم، أي : عصيتم الله فهلكتم، وجائز أن يكون هلكتم بتقوية عدوكم عليكم , واللّه أعلم.
وقوله عزّ وجلّ: {وأحسنوا إنّ اللّه يحبّ المحسنين}
أي: أنفقوا في سبيل الله , فمن أنفق في سبيل اللّه , فمحسن).[معاني القرآن: 1/266]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}
أصح ما قيل في هذا: أن سعيد بن جبير روى عن ابن عباس, لا تمسكوا النفقة في سبيل الله, فتهلكوا.
وحدثنا محمد بن جعفر الأنباري, قال: حدثنا عبد الله بن يحيى, قال: حدثنا عاصم, قال: حدثنا قيس بن الربيع, عن الأعمش, عن شقيق,
قال حذيفة : التهلكة ترك النفقة .
وقال البراء, والنعمان بن بشير : هو الرجل يذنب الذنب , فيلقي بيده , ثم يقول: لا يغفر لي .
وقال عبيدة: هو الرجل يعمل الذنوب والكبائر , ثم يقول: ليس لي توبة , فيلقي بيديه إلى التهلكة .
وقال أبو قلابة : هو الرجل يصيب الذنب , فيقول: ليس لي توبة , فينهمك في الذنوب.
قال أبو جعفر : والقول الأول أولى ؛ لأن أبا أيوب الأنصاري يروي قال : نزلت فينا معاشر الأنصار لما أعز الله دينه , قلنا سراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أموالنا قد ضاعت , فلو أقمنا فيها, وأصلحنا منها ما ضاع , فأنزل الله في كتابه يرد علينا ما هممنا به:{أنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} , فكانت التهلكة في الإقامة التي أردنا أن نقيم في أموالنا, ونصلحها, فأمرنا بالغزو.,
قال أبو جعفر : فدل على وجوب الجهاد على المسلمين , وقيل أيض: اً معنى : وأحسنوا , وأنفقوا.
قال أبو إسحاق : وأحسنوا في أداء الفرائض .
وقال عكرمة : أي: أحسنوا الظن بالله.
وقال ابن زيد: عودوا على من ليس في يده شيء , والمعنى في قوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} على ما تقدم , أي: إن امتنعتم من النفقة في سبيل الله , عصيتم الله , فهلكتم , ويجوز أن يكون المعنى: قويتم عدوكم , فهلكتم).[معاني القرآن: 1/110-112]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({التَّهْلُكَــــةِ}: الهلاك، إلحاد الأموال).[العمدة في غريب القرآن: 88]
تفسير قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه...}
وفي قراءة عبد الله :{وأتمّوا الحجّ والعمرة إلى البيت لله}, فلو قرأ قارئ :{والعمرة لله}, فرفع العمرة ؛ لأن المعتمر إذا أتى البيت, فطاف به , وبين الصفا والمروة , حلّ من عمرته, والحج يأتي فيه عرفاتٍ , وجميع المناسك؛ وذلك قوله: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه} يقول: أتموا العمرة إلى البيت في الحج إلى أقصى مناسكه.
{فإن أحصرتم} العرب تقول للذي يمنعه من الوصول إلى إتمام حجّه , أو عمرته: خوف , أو مرض، وكل ما لم يكن مقهوراً كالحبس , والسّجن .
يقال للمريض: قد أحصر، وفي الحبس , والقهر: قد حصر, فهذا فرق بينهما, ولو نويت في قهر السلطان : أنها علّة مانعة, ولم تذهب إلى فعل الفاعل, جاز لك أن تقول: قد أحصر الرجل, ولو قلت في المرض وشبهه: إن المرض قد حصره , أو الخوف، جاز أن تقول: حصرتم, وقوله:{وسيّداًوحصوراً}, يقال: إنه المحصر عن النساء؛ لأنها علّة , وليس بمحبوس, فعلى هذا , فابن). [معاني القرآن: 1/117-118]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله:{فما استيسر من الهدي...}
"ما" في موضع رفع؛ لأن أكثر ما جاء من أشباهه في القرآن مرفوع, ولو نصبت على قولك: أهدوا ما استيسر, وتفسير الهدى في هذا الموضع بدنة , أو بقرة , أو شاة.
{فمن لم يجد} الهدى , صام ثلاثة أيامٍ , يكون آخرها: يوم عرفة، واليومان في العشر، فأمّا السبعة فيصومها إذا رجع في طريقه، وإن شاء إذا وصل إلى أهله , و"السبعة" فيها الخفض على الإتباع للثلاثة, وإن نصبتها , فجائز على فعل مجدّد؛ كما تقول في الكلام: لا بدّ من لقاء أخيك , وزيدٍ , وزيداً).[معاني القرآن: 1/118]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ذلك لمن لّم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} , يقول: ذلك لمن كان من الغرباء من غير أهل مكّة، فأمّا أهل مكة , فليس ذلك عليهم, و"ذلك" في موضع رففع, وعلى تصلح في موضع اللام؛ أي: ذلك على الغرباء). [معاني القرآن: 1/118]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وأتمّوا الحجّ والعمرة لله}, والمعنى: أن العمرة ليست بمفترضة، وإنما نصبت على ما قبلها.
قال أبو عبيدة: وأخبرنا ابن عون , عن الشّعبي : أنه كان يقرأ {وأتمّوا الحجّ والعمرة لله} يرفع العمرة، ويقول: إنها ليست بمفترضة, ومن نصبها أيضاً جعلها غير مفترضة.
{فإن أحصرتم}: أي: إن قام بكم بعير، أو مرضتم، أو ذهبت نفقتكم، أوفاتكم الحجّ، فهذاكله محصر، والمحصور: الذي جعل في بيت، أو دار، أو سجنٍ.
{الهدي}, قال يونس: كان أبو عمرو يقول في واحد الهدى: هدية، تقديرها: جدية السرج، والجميع : الجدى مخفف, قال أبو عمرو: ولا أعلم حرفاً يشبهه.
{أو نسك} : النّسك أن ينسك، يذبح لله، فالذبيحة النسيكة.
{فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ}, العرب تؤكد الشيء , وقد فرغ منه , فتعيده بلفظ غيره تفهيماً , وتوكيدا). [مجاز القرآن: 1/68-70]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه فمن كان منكم مّريضاً أو به أذًى مّن رّأسه ففديةٌ مّن صيامٍ أو صدقةٍ أو نسكٍ فإذا أمنتم فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي فمن لّم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ ذلك لمن لّم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه شديد العقاب}
أما قوله: {فإن أحصرتم}, فلأنك تقول: "أحصرني بولي" , و"أحصرني مرضي" , أي: جعلني أحصر نفسي, وتقول: "حصرت الرجل" , أي: حبسته، فهو "محصور", وزعم يونس , عن أبي عمرو أنه يقول: "حصرته إذا منعتهه عن كلّ وجهٍ" , وإذا منعته من التقدم خاصة ,فقد "أحصرته"، ويقول بعض العرب في المرض , وما أشبهه من الإعياء , والكلال: "أحصرته".
وقال: {ففديةٌ مّن صيامٍ}, أي: فعليه فدية.
وقال: {فمن لّم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ} , فإنما قال: {عشرةٌ كاملةٌ}, وقد ذكر سبعة, وثلاثة , ليخبر أنها مجزية، وليس ليخبر عن عدتها، ألا ترى أن قوله: {كاملةٌ} إنما هي "وافية".
وقد ذكروا أنّه في حرف ابن مسعودٍ :{تسعٌ وتسعون نعجةً} أنثى , وذلك أن الكلام يؤكد بما يستغنى به عنه , كما قال: {فسجد الملائكة كلّهم أجمعون},وقد يستغنى بأحدهما، ولكن تكرير الكلام كأنه أوجب ألا ترى أنك تقول: "رأيت أخويك كليهما" ,. ولو قلت: "رأيت أخويك", أستغنيت , فتجيء بـ"كليهما" توكيداً, وقال بعضهم في قول ابن مسعود :{أنثى}, أنه إنما أراد "مؤنّثة" يصفها بذلك ؛ لأن ذلك قد يستحب من النساء.
وقال: {ذلك لمن لّم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}, وإذا وقفت قلت: {حاضري}؛ لأن الياء إنما ذهبت في الوصل لسكون اللام من "المسجد"، وكذلك {غير محلّي الصّيد}, وقوله: {عمّ يتساءلون} , و{فيم أنت من ذكراها}, وأشباه هذا مما ليس هو حرف إعراب, وحرف الإعراب الذي يقع عليه الرفع, والنصب, والجر , ونحو "هو" , و"هي"، فإذا وقفت عليه , فأنت فيه بالخيار, إن شئت ألحقت الهاء , وإن شئت لم تلحق, وقد قالت العرب في نون الجميع , ونون الاثنين في الوقف بالهاء , فقالوا: "هما رجلانه" , و"مسلمونه" , و"قد قمته" إذا أرادوا: "قد قمت",
وكذلك ما لم يكن حرف إعراب إلا أن بعضه أحسن من بعض، وهو في المفتوح أكثر, فأما "مررت بأحمر" , و"يعمر" , فلا يكون الوقف في هذا بالهاء ؛ لأن هذا قد ينصرف عن هذا الوجه, وكذلك ما لم يكن حرف إعراب , ثم كان يتغير عن حاله , فإنه لا تلحق فيه الهاء إذا سكت عليه, وأما قوله: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} , فإذا وقفت قلت : "تبوء" ؛ لأنها "أن تفعل" , فإذا وقفت على "تفعل" لم تحرّك.
قال: {وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوّءا} , إذا وقفت عليه, لأنه "أن تفعّلا" , وأنت تعني فعل الاثنين , فهكذا الوقف عليه , قال: {ولقد بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ} , فإذا وقفت , قلت: "مبوّأ" , ولا تقول: "مبوّءا" ؛ لأنه مضاف، فإذا وقفت عليه لم يكن ألف. ولو أثبت فيه الألف , لقلت في وقف {غير محلّي الصّيد}: "محلين", ولكنه مثل "رأيت غلامي زيد" , فإذا وقفت قلت: "غلامي".
وقال: {فلمّا تراءى الجمعان}, فإذا وقفت قلت: "تراءى" , ولم تقل: "تراءيا" ؛ لأنك قد رفعت الجمعين بذا الفعل، ولو قلت: "تراءيا" كنت قد جئت باسم مرفوع بذا الفعل , وهو الألف , ويكون قولك: "الجمعان" ليس بكلام إلا على وجه آخر).[معاني القرآن: 1/130-131]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (عبد الرحمن "حتى يبلغ الهدي محله" يثقل.
الحسن وأبو عمرو {الهدي} يخفف؛ وهي لغة أهل الحجاز، وبني أسد بتخفيف الهدي، وتميم وسفلى قيس "الهدي" على قراءة عبد الرحمن). [معاني القرآن لقطرب: 266]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {فإن أحصرتم} فالإحصار: ما حبسك من مطر؛ أو يبدع بك بعيرك: يقع به.
وقالوا: الحصر هو الحصار في مدينة أو غيرها؛ وقال: الحصير: القصر الذي يحصر فيه الإنسان؛ وكأن قوله {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا} من ذلك؛ والحصير: الذي يجلس عليه؛ وحصير الإنسان: خصره؛ وقالوا في قسم لهم: لا وحصيريك لا أفعل، والحصير: متن الأرض أيضًا.
[وزاد محمد بن صالح]:
والذي لا يولد له، وهو أيضًا: الذي لا يأتي النساء خلقة؛ والحصور: البخيل وسنذكره في آل عمران.
[معاني القرآن لقطرب: 349]
وقال:
................. = وفي يديه جميعا دوننا حصر
وقوله {فما استيسر من الهدي} فقد ذكرنا الهدي، مخففًا ومثقلاً في القراءة.
قال الفرزدق - فثقل -:
حلفت برب مكة والمصلى = وأعناق الهدي مقلدات
فثقل وصيرها فعيلاً.
وقال الجعدي:
وابن عفان حنيفا مسلما = ولحوم الهدي لما تنتقل
فخفف.
وقالوا في واحد الهدي: هدية، مثل: مطي ومطية؛ وهو عندنا من قوله عز وجل {وإني مرسلة إليهم بهدية}.
وأما من خفف فسمعنا في واحده: هدية، وهدي للجميع، وقد قالوا أيضًا: هدي، وأما هدية وهدي فمثل: شرية وشري، وهو قليل؛ وحكيت أيضًا: هدية عن أبي عمر وبن العلاء مثل هذا، مثل جدية السرج؛ وقالوا: هدي: للعروس، من هديتها إلى زوجها هداء؛ وهو ذلك المعنى.
وقال ساعدة بن جؤية:
إني وأيديهم وكل هدية = مما تثج لها ترائب تثعب
فثقل.
[وزاد محمد في روايته]:
[معاني القرآن لقطرب: 350]
أما {الهدي محله} فقالوا: حل الهدي: يحل ويحل، حلولاً وحلة.
وقوله عز وجل {تلك عشرة كاملة} قالوا في الفعل: كملت وكملت وكملت؛ لغات كلها). [معاني القرآن لقطرب: 351]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({وأتموا الحج والعمرة لله}: قالوا العمرة الزيارة والمعتمر الزائر
{فإن أحصرتم}: الإحصار كل ما حبس عن المضي للحج من مرض أو خوف أو غيره، والحصر الحبس، وفلان محصور، وفي الأول محصر.
{النسك}: الذبح لله والنسيكة الذبيحة). [غريب القرآن وتفسيره:88-89]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فإن أحصرتم} من الإحصار, وهو أن يعرض للرجل ما يحول بينه , وبين الحج من مرض, أو كسر , أو عدو, يقال: أحصر الرجل إحصاراً فهو محصر, فإن حبس في سجن , أو دار , قيل: قد حصر , فهو محصور.
{فما استيسر من الهدي}, أي: فما تيسّر من الهدى وأمكن, والهدي: ما أهدي إلى البيت, وأصله هديّ مشدد فخفف, وقد قرئ:{حتّى يبلغ الهدي محلّه} بالتشديد, واحده: هديّة, ثم يخفف , فيقال: هدية.
{ولا تحلقوا رؤوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه}, هو من حلّ يحل، والمحلّ: الموضع الذي يحل به نحره.
{فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه}, أراد : فحلق, {ففديةٌ من صيامٍ}, فحذف: فحلق ؛ اختصاراً على ما بينت في «تأويل المشكل» .
{أو نسكٍ}, أي: ذبح, يقال: نسكت للّه، أي: ذبحت له).[تفسير غريب القرآن: 78]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه شديد العقاب}
يجوز في العمرة:
1-النصب
2-والرفع:
والمعنى في النصب: أتموهما.
والمعنى في الرفع: وأتموا الحج، والعمرة لله، أي: هي مما تتقرّبون به إلى اللّه عزّ وجلّ, وليس بفرض.
وقيل أيضاً في قوله عزّ وجلّ: {وأتمّوا الحجّ والعمرة} غير قول: يروى عن علي , وابن مسعود - رحمة الله عليهما - أنهما قالا: إتمامهما أن تحرم من دويرة أهلك.
ويروى عن غيرهما , إنّه قال : إتمامهما أن تكون النفقة حلالًا, وينتهي عما نهى الله عنه.
وقال بعضهم: إن الحج والعمرة لهما مواقف , ومشاعر، كالطواف, والموقف بعرفة , وغير ذلك، فإتمامهما تأدية كل ما فيهما، وهذا بين.
ومعنى: اعتمر في اللغة , قيل فيه قولان: قال بعضهم:اعتمر : قصد.
قال الشاعر:
لقد سما ابن معمر حين اعتمر= مغزى بعيدا من بعيد وضبر
المعنى: حين قصد مغزى بعيداً, وقال بعضهم : معنى : اعتمر: زار من الزيارة.
ومعنى العمرة في العمل: الطواف بالبيت , والسعي بين الصفا والمروة فقط، والعمرة للإنسان في كل السنة، والحج وقته وقت واحد من السنة.
ومعنى اعتمر عندي في قصد البيت, أنه إنما خص بهذا - أعني بذكر اعتمر - ؛ لأنه قصد العمل في وضع عامر , لهذا قيل معتمر.
وقوله عزّ وجلّ: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي}
الرواية عند أهل اللغة: أنه يقال للرجل الذي يمنعه الخوف , أو المرض من التصرف : قد احصر , فهو محصر, ويقال للرجل الذي حبس : قد حصر , فهو محصور.
وقال الفراء: لو قيل للذي حبس أحصر لجاز، كأنه يجعل حابسه بمنزلة المرض , والخوف الذيمنعه من التصرف، وألحق في هذا ما عليه أهل اللغة من أنه يقال للذي يمنعه الخوف , والمرض : أحصر , وللمحبوس حصر، وإنما كان ذلك هو الحق ؛ لأن الرجل إذا امتنع من التصرف , فقد حبس نفسه، فكأن المرض أحبسه , أي: جعله يحبس نفسه، وقوله : حصرت فلاناً, إنما هو حبسته، لا أنه حبس نفسه، ولا يجوز فيه أحصر.
وقوله عزّ وجلّ: {فما استيسر من الهدي}
موضع " ما " رفع المعنى , فواجب عليه ما استيسر من الهدي، وقد قيل في الهدى: الهدي, والهدي جمع هدية, وهدي، كقولهم في حذية السرج حذيّة وحذي, وقال بعضهم:ما استيسر : ما تيسر من الإبل , والبقر.
وقال بعضهم : بعير , أو بقرة , أو شاة , وهذا هو الأجود.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محله}
قالوا في محله : من كان حاجاً, محله يوم النحر، ولمن كان معتمراً: يوم بدخل مكة.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن كان منكم مريضاص أو به أذى من رأسه ففدية}أي: فعليه فدية، ولو نصب جاز في اللغة على إضمار , فليعط فدية , أو فليأت بفدية، وإنما عليه الفدية إذا حلق رأسه, وحل من إحرامه , وقوله :{أو نسك}, أي: أو نسيكة يذبحها، والنسيكة الذبيحة..
وقوله عزّ وجلّ: {فإذا أمنتم فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي}أي: فعليه ما استيسر من الهدي، وموضع (ما) رفع , ويجوز أن يكون نصباً على إضمار : فليهد ما استيسر من الهدي.
وقوله عزّ وجلّ:{فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم}معناه: فعليه صيام، والنصب جائز على : فليصم هذا الصيام، ولكن القراءة لا تجوز بما لم يقرأ به.
وقوله عزّ وجلّ: {تلك عشرة كاملة}
قيل فيها غير قول:
1- قال بعضهم: {كاملة}, أي: تكمل الثواب.
2- وقال بعضهم :{كاملة}في البدل من الهدي.
والذي في هذا - واللّه أعلم - أنه لما قيل :{فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم}: جاز أن يتوهم المتوهم أن الفرض ثلاثة أيام في الحج , أو سبعة في الرجوع , - فأعلم اللّه عزّ وجلّ - أن العشرة مفترضة كلها، فالمعنى المفروض عليكم : صوم عشرة كاملة على ما ذكر من تفرقها في الحج والرجوع.
وقوله عزّ وجلّ: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}أي: هذا الفرض على من لم يكن من أهله بمكة , و{حاضري المسجد الحرام}, أصله: حاضرين المسجد الحرام , فسقطت النون للإضافة , وسقطت الياء في الوصل لسكونها , وسكون اللام في المسجد، وأما الوقف , فتقول فيه: متى اضطررت إلى أن تقف{حاضري}). [معاني القرآن: 1/267-269]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وأتموا الحج والعمرة لله}
يروى عن عمر: أن إتمامهما ترك الفسخ؛لأن الفسخ كان جائزا ًفي أول الإسلام
وقال عبد الله بن سلمة: سألت عليا عن قوله تعالى:{وأتموا الحج والعمرة لله},ما إتمامهما ؟، قال:إن تحرم بهما من دويرة أهلك .
قال أبو جعفر :و ذهب إلى هذا جماعة من الكوفيين, وقال:وجعل الميقات حتى لا يتجاوز,فأما الأفضل فما قال علي.
وروى علقمة,عن عبد الله قال: لا يجاور بهما البيت .
وقال مجاهد,وإبراهيم : إتمامهما أن يفعل ما أمر به فيهما , وهذا كأنه إجماع؛لأن عليه أن يأتي المشاعر وما أمر به,وبذلك يتم حجه,فأما الإحرام من بلده,فلو كان من الإتمام
لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد قال الحسن:أحرم عمران بن الحصين من البلد الذي كان فيه , فأنكر ذلك عمر عليه,وقال: أيحرم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من داره ؟!.
وقيل: إتمامهما: أن تكون النفقة حلالاً.
وقال سفيان : إتمامهما: أن يحرم لهما قاصداً, لالتجارة
وقرأ الشعبي : والعمرة لله بالرفع , وقال العمرة: تطوع, والناس جميعاً يقرؤنها بالنصب,وفي المعنى قولان:
قال ابن عمر,والحسن,وسعيد بن جبير ,و طاووس,وعطاء,وابن سيرين : هي فريضة .
وقال جابر بن عبد الله ,و الشعبي:هي تطوع .
وليس يجب في قراءة من قرأ بالنصب أنها فرض ؛ لأنه ينبغي لمن دخل في عمل هو لله أن يتمه .
قيل: معنى الحج مأخوذ من قولهم حججت كذا ,
أي :تعرفت كذا , فالحاج يأتي مواضع بتعرفها .
قال الشاعر:
يحج مأمومة في قعرها لجف = فاست الطبيب قذاها كالمغاريد). [معاني القرآن: 1/112-115]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فإن أحصرتم},يعنني:منعتم عن إتمامهما
وفي الإحصار قولان:
أحدهما: قاله ابن عمر : وهو مذهب أهل المدينة,قال:لا يكون إلا من عدو .
قال أبو جعفر : والقول الآخر قاله ابن مسعود , وهو قول أهل الكوفة : أنه من العدو , ومن المرض , وأن من أصابه من ذينك شيء , بعث بهدي , فإذا نحر حل ., وروى سعيد بن جبير , عن ابن عباس مثله .
وروى طاووس , عن ابن عباس مثل الأول , وتلا {فإذا آمنتم} , قال : فهل الأمن إلا من خوف؟
فقد صار في الآية إشكال ؛ لأن الإحصار عند جميع أهل اللغة: إنما هو من المرض الذي يحبس عن الشيء , فأما من العدو , فلا يقال فيه إلا حصر يقال : حصر حصراً, وفي الأول أحصر إحصاراً.
والقول في الآية على مذهب ابن عمر أنه يقال: وأقتلت الرجل , عرضته للقتل , وأقبره جعل له قبراً, وأحصرته على هذا عرضته للحصر كما يقال: أحبسته , أي: عرضته للحبس , وأحصر أي : أصيب بما كان مسببا للحصر , وهو فوت الحج.
وقد روي,عن عكرمة, عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(( من عرج , أو كسر, فقد حل , وعليه حجة أخرى )), قال : فحدثت بذا ابن عباس, وأبا هريرة, فقالا : صدق , وإنما روي هذا , عن عكرمة حجاج الصواف , وروى الجلة خلاف هذا .
روى سفيان , عن عمرو بن دينار , عن ابن عباس وابن طاووس , عن أبيه , عن ابن عباس : لا حصر إلا من عدو .
وروى أبو نجيح , عن عكرمة : أن المحصر يبعث بالهدي , فإذا بلغ الهدي محله حل , وعليه الحج من قابل). [معاني القرآن: 1/116-118]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فما استيسر من الهدي}
قال ابن عمر, وابن الزبير, وعائشة : من الإبل , والبقر خاصة , شيء دون شيء .
وروى جعفر , عن أبيه , عن علي رضوان الله عنه : فما استيسر من الهدي شاة.
وقال ابن عباس: يكون من الغنم , ويكون شركاً في دم , وهو مذهب سعد). [معاني القرآن: 1/118]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى:{ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله}
قال: قال مجاهد : يعني : يوم النحر.
وقال خالد بن أبي عمران , عن القاسم بن محمد: حتى ينحر .
وقال أكثر الكوفيين : ينحر عنه الهدي في أي يوم شاء في الحرم.
وقال الكسائي في قوله: {محله}, إنما كسرت الحاء ؛ لأنه من حل يحل , حيث يحل أمره , ولو أراد حيث يحل ؛ لكان محله , وإنما هو على الحلال). [معاني القرآن: 1/119]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه}
روى مجاهد , عن عبد الرحمن بن أبي ليلى , عن كعب بن عجرة : أنه لما كان مع الرسول , فآذاه القمل في رأسه , فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه , وقال: ((صم ثلاثة أيام , أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان, أو انسك بشاة)) .
قال أبو جعفر : أي : ذلك فعلت , أجزأ عنك
وقال عطاء : هذا لمن كان به قمل, أو صداع , و ما أشبهما .
قال أبو جعفر : وفي الكلام حذف , والمعنى : فحلق , أو اكتحل , أو تداوى بشيء فيه طيب , فعليه فدية). [معاني القرآن: 1/120]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}
قال الربيع بن أنس : إذا أمن من خوفه , وبرأ من مرضه, أي: من خوف العدو , والمرض .
وقال علقمة: إذا برأ من مرضه).[معاني القرآن: 1/121]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}
التمتع عند الفقهاء المدنيين, والكوفيين: أن يعتمر الذي ليس أهله حاضري المسجد الحرام في أشهر الحج , ويحل من عمرته, ثم يحج في تلك السنة , ولم يرجع إلى أهله بين العمرة والحج , فقد تمتع من العمرة إلى الحج , أي : انتفع بما ينتفع به الحلال , والمتعة , والمتاع في اللغة الانتفاع, ومنه قوله تعالى: {ومتعوهن}
وقال أهل المدينة: وكذلك إذا اعتمر قبل أشهر الحج , ثم دخلت عليه أشهر الحج , ولم يحل , فحل في أشهر الحج , ثم حج.
وقال الكوفيون: إن كان طاف أكثر طواف العمرة قبل دخول أشهر الحج , فليس بتمتع , وإن كان قد بقي عليه الأكثر , فهو متمتع .
وقال طاووس: من اعتمر في السنة كلها في المحرم , فما سواه من الشهور , فأقام حتى يحج , فهو متمتع .
وروى ابن أبي طلحة , عن ابن عباس : {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج}, يقول: من أحرم بالعمرة في أشهر الحج.
وروى عنه عطاء : العمرة لمن أحصر , ولمن خليت سبيله , أصابتهما هذه الآية .
وروى عنه سعيد بن جبير : على من أحصر الحج في العام القابل , فإن حج , فاعتمر في أشهر الحج, فإن عليه الفدية , فهذه الأقوال , عن ابن عباس متفقة , وأصحها ما رواه سعيد بن جبير ؛ لأن اتساق الكلام على مخاطبة من أحصر , وإن كان ممن لم يحصر , فتمتع , فحكمه هذا الحكم .
فعلى هذا يصح ما رواه عطاء عنه , وكذلك ما رواه علي بن أبي طلحة غير أن نص التأويل على المخاطبة لمن أحصر .
وقال عبد الله بن الزبير : ليس التمتع الذي يصنعه الناس اليوم , يتمتع أحدهم بالعمرة قبل الحج , ولكن الحاج إذا فاته الحج ,أو ضلت راحلته, أو كسر حتى يفوته الحج , فإنه يجعله عمرة , وعليه الحج من قابل , وعليه ما استيسر من الهدي,
فتأويل ابن الزبير: أنه لا يكون إلا لمن فاته الحج ؛ لأنه تعالى قال: {فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج}, فوقع الخطاب لمن فاته الحج بالحصر .
وخالفه في هذا الأئمة منهم عمر بن الخطاب , وعلي بن أبي طالب, وسعد, فقالوا هذا للمحصرين , وغيرهم, ويدلك على أن حكم غير المحصر غي هذا كحكم المحصر قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}, فهذا للمحصر , وغيره سواء , وكذلك التمتع). [معاني القرآن: 1/121-124]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم}
قالت عائشة, وابن عمر : الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج ممن لم يجد هديًا ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة , ومن لم يصم , صام أيام منى .,
وكان ابن عمر يستحب أن يصوم قبل يوم التروية ويوم عرفة .
وقال الشعبي, وعطاء وطاووس, وإبراهيم : {فصيام ثلاثة أيام في الحج} : قبل يوم التروية يوماً, ويوم التروية, ويوم عرفة). [معاني القرآن: 1/124-125]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وسبعة إذا رجعتم}
روى شعبة , عن محمد بن أبي النور , عن حيان السلمي قال: سألت ابن عمر عن قوله تعالى:{وسبعة إذا رجعتم}, قال: إذا رجعتم إلى أهليكم .
وروى سفيان, عن منصور, عن مجاهد قال : إن شاء صامها في الطريق, إنما هي رخصة, وكذا قال عكرمة والحسن.
والتقدير عند بعض أهل اللغة: إذا رجعتم من الحج , أي: إذا رجعتم إلى ما كنتم عليه قبل الإحرام من الحل.
وقال عطاء: إذا رجعتم إلى أهليكم , وهذا كأنه إجماع). [معاني القرآن: 1/126]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال عز وجل: {تلك عشرة كاملة}
وقد علم أنها عشرة, وأحسن ما قيل في هذا: أنه لو لم يقل تلك عشرة كاملة , جاز أن يتوهم السامع أنه إنما عليه أن يصوم ثلاثة في الحج , أو سبعة إذا رجع ؛ لأنه لم يقل وسبعة أخرى
كما يقول أنا آخذ منك في سفرك درهماً, وإذا قدمت إلا اثنين , أي: لا آخذ إذا قدمت إلا اثنين .
وقال محمد بن يزيد: لو لم يقل تلك عشرة , جاز أن يتوهم السامع أن بعدها شيئا آخر , فقوله: {تلك عشرة} , بمنزلة قولك في العدد فذلك كذا وكذا
وأما معنى:{كاملة}, فروى هشيم فيه , عن عباد بن راشد, عن الحسن قال : كاملة من الهدي, أي: قد كملت في المعنى الذي جعلت له, فلم يجعل معها غيرها, وهي كاملة الأجر ككمال الهدي).[معاني القرآن: 1/126-127]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ذلك لمن يكن أهله حاضري المسجد الحرام}
قال مجاهد : أهل الحرم.
وقال الحسن, وإبراهيم, والأعرج, ونافع: هم أهل مكة خاصة .
وقال عطاء, وقال مكحول: هم أهل المواقيت , ومن بعدهم إلى مكة .
قال أبو جعفر, وقول الحسن , ومن معه أولى ؛لأن الحاضر للشيء هو الذي معه ,وليس كذا أهل المواقيت , وأهل منى , وكلام العرب لأهل مكة أن يقولوا : هم أهل المسجد الحرام .
قال أبو جعفر: فتبين أن معنى {حاضري المسجد}: لأهل مكة , ومن يليهم ممن بينه و بين مكة ما لا تقصر فيه الصلاة ؛لأن
الحاضر للشيء: هو الشاهد له ولنفسه,وإنما يكون المسافر مسافراًلشخوصه إلى ما يقصر فيه,وإن لم يكن كذلك لم يستحق اسم غائب). [معاني القرآن: 1/127-128]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فإن أحصرتم}الإحصار: كل ما حبس من الحاج، من مرض, أو خوف، والحصر في السجن, والأول يقال فيه: أحصر , فهو محصر, والثاني يقال فيه: حصر , فهو محصور.
{الهدي}: ما أهدي إلى البيت، وأصله التشديد للياء).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 38]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْعُمْرَةَ}: الزيارة. {أُحْصِرْتُمْ}: حبستم. {النُسُك}: الذبح لله). [العمدة في غريب القرآن: 88]