العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنعام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:18 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنعام [ من الآية (125) إلى الآية (127) ]

{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 10:03 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن عمرو بن قيس عن عمرو بن مرة عن أبي جعفر قال سئل النبي أي المؤمنين أكيس قال أكثركم ذكرا للموت وأحسنكم لما بعده استعدادا قال وسئل النبي عن هذه الآية فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام قالوا كيف يشرح صدره يا رسول الله قال نور يقذف فيه فيشرح له ويفسح قالوا فهل لذلك من أمارة يعرف بها قال الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل لقاء الموت). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 217-218]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن عطاء الخراساني والكلبي، في قوله تعالى:{ يجعل صدره ضيقا حرجا}، قالا: ليس للخير فيه منفذ كأنما يصعد في السماء يقولان مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 218]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقًا حرجًا كأنّما يصّعّد في السّماء}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن خالد بن أبي كريمة، عن عبد اللّه بن مسور - قال: وكان ولد جعفر بن أبي طالبٍ -، قال: تلا رسول اللّه - صلّى الله عليه وسلّم - هذه الآية: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام}، (فقالوا) : فهل لذلك علمٌ يعرف به؟ قال: «نعم؛ إذا دخل النّور القلب انفسح وانشرح»، فقالوا: فهل لذلك من علمٍ يعرف به؟ قال: «(نعم) ؛ الإبانة إلى دار الخلود، والتّجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت»). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 86-88]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي جعفرٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الإيمان إذا دخل القلب انفسح له القلب وانشرح، وذكر هذه الآية {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام} قالوا: يا رسول الله، وهل لذلك من آيةٍ يعرف بها؟ قال: نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتّجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/54]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن عمرو بن قيسٍ، عن عمرو بن مرّة، عن عبد الله بن مسورٍ، قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام} فقالوا: يا رسول الله، وما هذا الشّرح، قال: نورٌ يقذف به في القلب فينفسح له القلب، قال: فقيل: فهل لذلك من أمارةٍ يعرف بها، قال: نعم، قيل: وما هي، قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتّجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/55]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام}.
يقول تعالى ذكره: {فمن يرد اللّه أن يهديه} للإيمان به وبرسوله وما جاء به من عند ربّه فيوفّقه له، {يشرح صدره للإسلام} يقول: فسّح صدره لذلك وهوّنه عليه وسهّله له بلطفه ومعونته، حتّى يستنير الإسلام في قلبه، فيضيء له ويتّسع له صدره بالقبول.
كالّذي جاء الأثر به عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي:
- حدّثنا سوّار بن عبد اللّه العنبريّ، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي يحدّث عن عبد اللّه بن مرّة، عن أبي جعفرٍ، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام} قالوا: كيف يشرح الصّدر؟ قال: «إذا نزل النّور في القلب انشرح له الصّدر وانفسح». قالوا: فهل لذلك آيةٌ يعرف بها؟ قال: «نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتّجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الفوت».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن عمرو بن قيسٍ، عن عمرو بن مرّة، عن أبي جعفرٍ، قال: سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أيّ المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرًا، وأحسنهم لما بعده استعدادًا. قال: وسئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن هذه الآية: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام} قالوا: كيف يشرح صدره يا رسول اللّه؟ قال:« نورٌ يقذف فيه فينشرح له وينفسح»، قالوا: فهل لذلك من أمارةٍ يعرف بها؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتّجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت».
- حدّثنا هنّادٌ قال: حدّثنا قبيصة، عن سفيان، عن عمرو بن مرّة، عن رجلٍ يكنّى أبا جعفرٍ كان يسكن المدائن قال: سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن قوله: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام} قال: «نورٌ يقذف في القلب فينشرح وينفسح» قالوا: يا رسول اللّه، هل له من أمارةٍ يعرف بها؟ ثمّ ذكر باقي الحديث مثله.
- حدّثني محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا سعيد بن عبد الملك بن واقدٍ الحرّانيّ، قال: قال حدّثنا محمّد بن سلمة، عن أبي عبد الرّحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين نزلت هذه الآية: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام}؟ قال: «إذا دخل النّور القلب انفسح وانشرح»، قالوا: فهل لذلك من أمارةٍ يعرف بها؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتّنحّي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت».
- حدّثني سعيد بن الرّبيع الرّازيّ قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن خالد بن أبي كريمة، عن عبد اللّه بن المسور قال: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام} ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا دخل النّور القلب انفسح وانشرح»، قالوا: يا رسول اللّه، وهل لذلك من علامةٍ تعرف؟ قال: «نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتّجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت».
- حدّثني ابن سنانٍ القزّاز قال: حدّثنا محبوب بن حسنٍ الهاشميّ، عن يونس، عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عتبة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام}، قالوا: يا رسول اللّه، وكيف يشرح صدره؟ قال: «يدخل فيه النّور فينفسح»، قالوا: وهل لذلك من علامةٍ يا رسول اللّه؟ قال: «التّجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل أن ينزل الموت».
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام}، أمّا يشرح صدره للإسلام: فيوسع صدره للإسلام.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام} بـ: لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ قراءةً: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام} بـ: لا إله إلاّ اللّه، يجعل لها في صدره متّسعًا). [جامع البيان: 9/ 541-544]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقًا حرجًا}.
يقول تعالى ذكره: ومن أراد اللّه إضلاله عن سبيل الهدى يشغله بكفره وصدّه عن سبيله، ويجعل صدره بخذلانه وغلبة الكفر عليه حرجًا.
والحرج: أشدّ الضّيق، وهو الّذي لا ينفذ من شدّة ضيقه، وهو ههنا الصّدر الّذي لا تصل إليه الموعظة ولا يدخله نور الإيمان لرين الشّرك عليه. وأصله من الحرج، والحرج جمع حرجةٍ: وهي الشّجرة الملتفّ بها الأشجار، لا يدخل بينها وبينها شيءٌ لشدّة التفافها بها.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عمّارٍ، رجلٌ من أهل اليمن، عن أبي الصّلت الثّقفيّ، أنّ عمر بن الخطّاب، رحمة اللّه عليه قرأ هذه الآية: {ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقًا حرجًا} بنصب الرّاء. قال: وقرأ بعض من عنده من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (ضيّقًا حرجًا). قال صفوان: فقال عمر: ابغوني رجلاً من كنانة واجعلوه راعيًا، وليكن مدلجيًّا، قال: فأتوه به، فقال له عمر: يا فتًى، ما الحرجة؟ قل: الحرجة فينا: الشّجرة تكون بين الأشجار الّتي لا تصل إليها راعيةٌ ولا وحشيّةٌ ولا شيءٌ. قال: فقال عمر: كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيءٌ من الخير.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {ومن يرد أن يضلّه، يجعل صدره ضيّقًا حرجًا}، يقول: من أراد اللّه أن يضلّه يضيّق عليه صدره حتّى يجعل الإسلام عليه ضيّقًا، والإسلام واسعٌ، وذلك حين يقول: {وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ}، يقول: ما جعل عليكم في الإسلام من ضيقٍ.
واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: شاكًّا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عمران بن موسى، قال: حدّثنا عبد الوارث بن سعيدٍ، قال: حدّثنا حميدٌ، عن مجاهدٍ: {ضيّقًا حرجًا} قال: شاكًّا.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ضيّقًا حرجًا} أمّا حرجًا: فشاكًّا.
وقال آخرون: معناه: ملتبسًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {يجعل صدره ضيّقًا حرجًا} قال: ضيّقًا: ملتبسًا.
- حدّثنا عبد الوارث بن عبد الصّمد قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن الحسن، عن قتادة أنّه كان يقرأ: {ضيّقًا حرجًا} يقول: ملتبسًا.
وقال آخرون: معناه أنّه من شدّة الضّيق لا يصل إليه الإيمان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ: {يجعل صدره ضيّقًا حرجًا} قال: لا يجد مسلكًا إلاّ صعدًا.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ: {ضيّقًا حرجًا} قال: ليس للخير فيه منفذٌ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمرٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقًا حرجًا} بلا إله إلاّ اللّه، لا يجد لها في صدره مساغًا.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ قراءةً، في قوله: {ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقًا} بلا إله إلاّ اللّه، حتّى لا يستطيع أن تدخله.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: {ضيّقًا حرجًا} بفتح الحاء والرّاء من {حرجًا}، وهي قراءة عامّة المكّيّين والعراقيّين، بمعنى: حرجةٍ على ما وصفت.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة: (ضيّقًا حرجًا) بفتح الحاء وكسر الرّاء.
ثمّ اختلف الّذين قرءوا ذلك في معناه، فقال بعضهم: هو بمعنى الحرج، وقالوا: الحرج بفتح الحاء والرّاء، والحرج بفتح الحاء وكسر الرّاء بمعنًى واحدٍ، وهما لغتان مشهورتان، مثل الدّنف والدّنف، والوحد والوحد، والفرد والفرد.
وقال آخرون منهم: بل هو بمعنى الإثم من قولهم: فلانٌ آثمٌ حرجٌ، وذكر عن العرب سماعًا منها: حرجٌ عليك ظلمي، بمعنى: ضيقٌ وإثمٌ.
والقول عندي في ذلك أنّهما قراءتان مشهورتان ولغتان مستفيضتان بمعنًى واحدٍ، وبأيّتهما قرأ القارئ فهو مصيبٌ لاتّفاق معنييهما، وذلك كما ذكرنا من الرّوايات عن العرب في الوحد والفرد بفتح الحاء من الوحد والرّاء من الفرد وكسرهما بمعنًى واحدٍ.
وأمّا الضّيّق، فإنّ عامّة القرّاء على فتح ضاده وتشديد يائه، خلا بعض المكّيّين فإنّه قرأه: (ضيقًا) بفتح الضّاد وتسكين الياء وتخفيفه.
وقد يتّجه لتسكينه ذلك وجهان: أحدهما أن يكون سكّنه وهو ينوي معنى التّحريك والتّشديد، كما قيل: هينٌ لينٌ، بمعنى: هيّنٌ ليّنٌ.
والآخر أن يكون سكّنه بنيّة المصدر من قولهم: ضاق هذا الأمر يضيق ضيقًا، كما قال رؤبة:
وقد علمنا عند كلّ مأزق ....... ضيقٍ بوجه الأمر أيّ مضيق
ومنه قول اللّه: {ولا تك في ضيقٍ ممّا يمكرون}. وقال رؤبة أيضًا:
وشفّها اللّوح بمأزولٍ ضيق
بمعنى: ضيّقٍ.
وحكي عن الكسائيّ أنّه كان يقول: الضّيق بالكسر: في المعاش والموضع، وفي الأمر الضّيق.
وفي هذه الآية أبين البيان لمن وفّق لفهمها عن أنّ السّبب الّذي به توصّل إلى الإيمان والطّاعة غير السّبب الّذي به توصّل إلى الكفر والمعصية، وأنّ كلاّ السّببين من عند اللّه، وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر عن نفسه أنّه يشرح صدر من أراد هدايته للإسلام، ويجعل صدر من أراد إضلاله ضيّقًا عن الإسلام حرجًا، كأنّما يصّعّد في السّماء. ومعلومٌ أنّ شرح الصّدر للإيمان خلاف تضييقه له، وأنّه لو كان توصّل بتضييق الصّدر عن الإيمان إليه لم يكن بين تضييقه عنه وبين شرحه له فرقٌ، ولكان من ضيّق صدره عن الإيمان قد شرح صدره له، ومن شرح صدره له فقد ضيّق عنه، إذ كان موصولاً بكلّ واحدٍ منهما، أعني من التّضييق والشّرح، إلى ما يوصل به إلى الآخر. ولو كان ذلك كذلك، وجب أن يكون اللّه قد كان شرح صدر أبي جهلٍ للإيمان به وضيّق صدر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنه، وهذا القول من أعظم الكفر باللّه. وفي فساد ذلك أن يكون كذلك الدّليل الواضح على أنّ السّبب الّذي به آمن المؤمنون باللّه ورسله وأطاعه المطيعون، غير السّبب الّذي كفر به الكافرون باللّه وعصاه العاصون، وأنّ كلا السّببين من عند اللّه وبيده، لأنّه أخبر جلّ ثناؤه أنّه هو الّذي يشرح صدر هذا المؤمن به للإيمان إذا أراد هدايته، ويضيّق صدر هذا الكافر عنه إذا أراد إضلاله). [جامع البيان: 9/ 544-549]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كأنّما يصّعّد في السّماء}.
وهذا مثلٌ من اللّه تعالى ذكره ضربه لقلب هذا الكافر في شدّة تضييقه إيّاه عن وصوله إليه، مثل امتناعه من الصّعود إلى السّماء وعجزه عنه، لأنّ ذلك ليس في وسعه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ: {كأنّما يصّعّد في السّماء} يقول: مثله كمثل الّذي لا يستطيع أن يصّعّد في السّماء.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا سويدٌ قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمرٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، مثله.
- وبه قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، قراءةً: يجعل صدره ضيّقًا حرجًا بلا إله إلاّ اللّه، حتّى لا يستطيع أن تدخله، كأنّما يصّعّد في السّماء من شدّة ذلك عليه.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، مثله.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {كأنّما يصّعّد في السّماء} من ضيق صدره.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة والعراق: كأنّما يصّعّد بمعنى: يتصعّد، فأدغموا التّاء في الصّاد، فلذلك شدّدوا الصّاد. وقرأ ذلك بعض الكوفيّين: (يصّاعد) بمعنى: يتصاعد، فأدغم التّاء في الصّاد وجعلها صادًا مشدّدةً.
وقرأ ذلك بعض قرّاء المكّيّين: (كأنّما يصعد) من صعد يصعد.
وكلّ هذه القراءات متقاربات المعاني، وبأيّها قرأ القارئ فهو مصيبٌ، غير أنّي أختار القراءة في ذلك بقراءة من قرأه: {كأنّما يصّعّد} بتشديد الصّاد بغير ألفٍ، بمعنى: يتصعّد، لكثرة القرّاء بها، ولقيل عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: ما تصعّدني شيءٌ ما تصعّدتني خطبة النّكاح). [جامع البيان: 9/ 549-551]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كذلك يجعل اللّه الرّجس على الّذين لا يؤمنون}.
يقول تعالى ذكره: كما يجعل اللّه صدر من أراد إضلاله ضيّقًا حرجًا كأنّما يصّعّد في السّماء من ضيقه عن الإيمان، فيجزيه بذلك، كذلك يسلّط اللّه الشّيطان عليه وعلى أمثاله ممّن أبى الإيمان باللّه ورسوله، فيغويه ويصدّه عن سبيل الحقّ.
وقد اختلف أهل التّأويل في معنى الرّجس، فقال بعضهم: هو كلّ ما لا خير فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: الرّجس: ما لا خير فيه.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يجعل اللّه الرّجس على الّذين لا يؤمنون} قال: ما لا خير فيه.
وقال آخرون: الرّجس: العذاب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {كذلك يجعل اللّه الرّجس على الّذين لا يؤمنون} قال: الرّجس: عذاب اللّه.
وقال آخرون: الرّجس: الشّيطان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {الرّجس} قال: الشّيطان.
وكان بعض أهل المعرفة بلغات العرب من الكوفيّين يقول: الرّجس والنّجس لغتان. ويحكى عن العرب أنّها تقول: ما كان رجسًا، ولقد رجس رجاسةً، ونجس نجاسةً.
وكان بعض نحويّي البصريّين يقول: الرّجس والرّجز سواءٌ، وهما العذاب.
والصّواب في ذلك من القول عندي ما قاله ابن عبّاسٍ، ومن قال: إنّ الرّجس والنّجس واحدٌ، للخبر الّذي روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه كان يقول إذا دخل الخلاء: اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الرّجس النّجس الخبيث المخبث الشّيطان الرّجيم.
- حدّثني بذلك عبد الرّحمن بن البختريّ الطّائيّ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، عن إسماعيل بن مسلمٍ، عن الحسن، وقتادة، عن أنسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقد بيّن هذا الخبر أنّ الرّجس هو النّجس القذر الّذي لا خير فيه، وأنّه من صفة الشّيطان). [جامع البيان: 9/ 551-553]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقًا حرجًا كأنّما يصّعّد في السّماء كذلك يجعل اللّه الرّجس على الّذين لا يؤمنون (125)}
قوله: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا ابن إدريس عن الحسن بن الفرات القزّاز عن عمرو بن مرّة عن أبي جعفرٍ قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا دخل الإيمان القلب انفسح له القلب وانشرح». قالوا: يا رسول اللّه، هل لذلك من أمارةٌ؟
قال:« نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتّجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو خالدٍ الأحمر عن عمرو بن قيسٍ عن عمرو ابن مرّة عن عبد اللّه بن المسور قال: تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: «فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام» قالوا: يا رسول اللّه، ما هذا الشّرح؟ قال:« نورٌ يقذف به في القلب، ينفسح له القلب». قالوا: يا رسول اللّه، فهل لذلك من أمارةٌ يعرف بها؟ قال: «نعم». قالوا: وما هي؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتّجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت».
- حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ أنبأ حفص بن عمر العدنيّ ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام} يقول: يوسّع قلبه للتّوحيد والإيمان به.
وروي عن أبي مالكٍ نحو قول عكرمة عن ابن عباس.
قوله تعالى: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام}، يقول: يوسّع قلبه للتّوحيد والإيمان به. وروي عن أبي مالكٍ نحو قول عكرمة عن بن عبّاسٍ.
قوله تعالى: {ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقًا}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقًا حرجًا} ونحو هذا من القرآن، فإنّ ّرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يحرص أن يؤمن جميع النّاس، ويتابعوه على الهدى، فأخبره اللّه أنّه لا يؤمن إلا من سبق له في الذّكر الأوّل.
يقول: ليس لك من الأمر شيءٌ.
- أخبرنا محمّد بن سعيدٍ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي عن أبيه عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ قوله: {ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقًا حرجًا} يقول: يرد اللّه أن يضلّه، يضيّق اللّه عليه حتّى يجعل الإسلام عليه ضيّقًا، والإسلام واسعٌ. وذلك حين يقول: ما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ يقول ما جعل عليكم من ضيقٍ.
قوله: {حرجا}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر أنبأ الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقًا حرجًا} يقول: شاكًّا.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو يحيى الحمّانيّ عن نضرٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: {حرجًا}، قال: ضيّقًا.
وروي عن أبي العالية وسعيد بن جبيرٍ وعكرمة والقاسم بن محمّدٍ مثل ذلك.
- حدّثني الحسن بن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق أنا معمرٌ عن عطاء الخرساني في قوله: {يجعل صدره ضيّقًا حرجًا}، يقول: ليس للخير فيه منفذ.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً أخبرني أبي عن الأوزاعيّ: {ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقًا حرجًا كأنّما يصّعّد في السماء}، كيف يستطيع من جعل الله صدره ضيّقًا أن يكون مسلمًا؟
- حدّثني أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ ثنا حفص بن عمر أنبأ الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {كأنّما يصّعّد في السّماء}، يقول: فكما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السّماء، فكذلك لا يقدر على أن يدخل التّوحيد والإيمان قلبه حتّى يدخله اللّه في قلبه.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق أنا معمرٌ عن عطاءٍ الخراسانيّ، في قوله: {كأنّما يصّعّد في السّماء} يقول: مثله كمثل الّذي لا يستطيع أن يصّعّد في السّماء.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله: {كأنّما يصّعّد في السّماء}، قال: من ضيق صدره.
قوله: {كذلك يجعل اللّه الرّجس ... الآية}.
قوله: {كذلك يجعل اللّه الرّجس على الّذين لا يؤمنون}، قال:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
الرّجس: ما لا خير فيه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1384-1386]

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون}، قال: الرجس مالا خير فيه).[تفسير مجاهد: 223]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المبارك في الزهد وعبد الرزاق والفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه البيهقي في الأسماء والصفات عن أبي جعفر المدائني رجل من بني هاشم وليس هو محمد بن علي قال: سئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم أي المؤمنين أكيس قال أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم لما بعده استعدادا، قال: وسئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام}، قالوا: كيف يشرح صدره يا رسول الله قال: «نور يقذف فيه فينشرح له وينفسح له»، قالوا: فهل لذلك من إمارة يعرف بها قال: الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل لقاء الموت.
- وأخرج عبد بن حميد عن الفضيل أن رجلا سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت قول الله: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} فكيف الشرح
قال: إذا أراد الله بعبد خيرا قذف في قلبه النور فانفسح لذلك صدره فقال: يا رسول الله هل لذلك من آية يعرف بها قال: «نعم»، قال: فما آية ذلك قال: «التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود وحسن الاستعداد للموت قبل نزول الموت».
- وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ذكر الموت عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام}، قام رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل لهذه الآية علم تعرف به. قال:« نعم، الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل أن ينزل».
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا، وابن جرير وأبو الشيخ، وابن مردويه والحاكم البيهقي في الشعب من طرق عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام}، قال: «إذا أدخل الله النور القلب انشرح وانفسح»، قالوا: فهل لذلك من آية يعرف بها قال: «الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت».
- وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رجل: يا رسول الله أي المؤمنين أكيس، قال: «أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا»، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} قلت: وكيف يشرح صدره للإسلام قال: «هو نور يقذف فيه إن النور إذا وقع في القلب انشرح له الصدر وانفسح»، قالوا: يا رسول الله هل لذلك من علامة يعرف بها قال: «نعم، الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل الموت»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بئس القوم لا يقومون لله بالقسط بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون بالقسط».
- وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الله بن المسور - وكان من ولد جعفر بن أبي طالب - قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} قالوا: يا رسول الله ما هو هذا الشرح قال: «نور يقذف به في القلب ينفسح له القلب»، قالوا: فهل لذلك من إمارة يعرف بها قال: «نعم، الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل الموت».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام}، يقول: يوسع قلبه للتوحيد والإيمان به {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} يقول: شاكا ،{كأنما يصعد في السماء} يقول: كما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء فكذلك لا يقدر على أن يدخل التوحيد والإيمان قلبه حتى يدخله الله في قلبه.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي الصلت الثقفي، أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا) بنصب الراء وقرأها بعض من عنده من أصحاب رسول الله (حرجا) بالخفض، فقال عمر: أبغوني رجلا من كنانة واجعلوه راعيا ولكن مدلجيا، فأتوه به فقال له عمر: يا فتى ما الحرجة فيكم قال: الحرجة فينا: الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء، فقال عمر: كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير.
- وأخرج عبد بن حميد عن عاصم، أنه قرأ (ضيقا حرجا) بكسر الراء.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة: {ضيقا حرجا} أي: متلبسا.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج {ضيقا حرجا}، أي بلا إله إلا الله لا يستطيع أن يدخلها في صدره لا يجد لها في صدره مساغا.
- وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد: {كأنما يصعد في السماء} من شدة ذلك عليه.
- وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} يقول: من أراد الله أن يضله يضيق عليه حتى يجعل الإسلام عليه ضيقا والإسلام واسع وذلك حين يقول: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78] يقول: ما في الإسلام من ضيق.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله: {يجعل صدره ضيقا حرجا}، قال: ليس للخير فيه منفذ {كأنما يصعد في السماء}، يقول: مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {كذلك يجعل الله الرجس} قال: الرجس ما لا خير فيه). [الدر المنثور: 6/ 196-200]

تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهذا صراط ربّك مستقيمًا قد فصّلنا الآيات لقومٍ يذّكّرون}.
يقول تعالى ذكره: وهذا الّذي بيّنّا لك يا محمّد في هذه السّورة وغيرها من سور القرآن، هو صراط ربّك، يقول: طريق ربّك ودينه الّذي ارتضاه لنفسه دينًا وجعله مستقيمًا لا اعوجاج فيه، فاثبت عليه، وحرّم ما حرّمته عليك، وأحلل ما أحللته لك، فقد بيّنّا الآيات والحجج على حقيقة ذلك وصحّته لقومٍ يذّكّرون، يقول: لمن يتذكّر ما احتجّ اللّه به عليه من الآيات والعبر، فيعتبر بها. وخصّ بها الّذين يتذكّرون، لأنّهم هم أهل التّمييز والفهم وأولو الحجا والفضل، فقيل: يذّكّرون.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وهذا صراط ربّك مستقيمًا} يعني به الإسلام). [جامع البيان: 9/ 553-554]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وهذا صراط ربّك مستقيمًا قد فصّلنا الآيات لقومٍ يذّكّرون (126)}
قوله تعالى: {وهذا صراط ربّك مستقيمًا}
- حدثنا الحسن بن عرفة ثنا بن يمانٍ عن حمزة الزّيّات عن سعدٍ الطّائيّ عن ابن أخي الحارث عن الحارث قال: دخلت على عليٍّ فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «الصّراط المستقيم كتاب اللّه».
قوله: قد فصّلنا الآيات
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق أنا معمرٌ عن قتادة، في قوله: نفصّل الآيات قال: نبين الآيات). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1386]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فصلنا الآيات} قال: بينا الآيات). [الدر المنثور: 6/ 200]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لهم دار السّلام عند ربّهم وهو وليّهم بما كانوا يعملون}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {لهم}؛ للقوم الّذين يذّكّرون آيات اللّه فيعتبرون بها ويوقنون بدلالتها على ما دلّت عليه من توحيد اللّه، ومن نبوّة نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وغير ذلك، فيصدّقون بما وصلوا بها إلى علمه من ذلك.
وأمّا {دار السّلام}، فهي دار اللّه الّتي أعدّها لأوليائه في الآخرة جزاءً لهم على ما أبلوا في الدّنيا في ذات اللّه، وهي جنّته. و
{السّلام}: اسمٌ من أسماء اللّه تعالى، كما قال السّدّيّ.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لهم دار السّلام عند ربّهم}: اللّه هو السّلام، والدّار: الجنّة.
وأمّا قوله: {وهو وليّهم} فإنّه يقول: واللّه ناصر هؤلاء القوم الّذين يذّكّرون آيات اللّه. {بما كانوا يعملون} يعني: جزاءً بما كانوا يعملون من طاعة اللّه، ويتّبعون رضوانه). [جامع البيان: 9/ 554]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({لهم دار السّلام عند ربّهم وهو وليّهم بما كانوا يعملون (127)}
قوله:
{لهم دار السّلام عند ربّهم}
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ قال: قال قتادة
قوله:
{لهم دار السّلام عند ربّهم} قال: فداره الجنّة. وروي عن السّدّيّ مثل ذلك
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو تميلة عن أبي المنيب عن أبي الشّعثاء- يعني جابر بن زيدٍ- في قوله:
{السّلام} قال: هو اللّه، وهو اسمٌ من أسماء اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1387]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فصلنا الآيات} قال: بينا الآيات، وفي قوله
{لهم دار السلام} قال: الجنة.
- وأخرج ابن أبي حاتم، عن جابر بن زيد قال:
{السّلام}: هو الله.
- وأخرج أبو الشيخ عن السدي {لهم دار السلام} قال: الله هو السلام وداره الجنة). [الدر المنثور: 6/ 200-201]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ربيع الثاني 1434هـ/6-03-2013م, 11:04 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)}

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضلّه...}
[من] ومن في موضع رفع بالهاء التي عادت عليهما من ذكرهما.
وقوله: {يجعل صدره ضيّقاً حرجاً} قرأها ابن عبّاس وعمر (حرجا). وقرأها الناس: حرجا. والحرج - فيما فسر ابن عباس - الموضع الكثير الشجر الذي لا تصل إليه الراعية. قال: فكذلك صدر الكافر لا تصل إليه الحكمة. وهو في كسره وفتحه بمنزلة الوحد والوحد، والفرد والفرد، والدنف والدنف: تقوله العرب في معنى واحد.
وقوله: {كأنّما يصّعّد في السّماء} يقول: ضاق عليه المذهب فلم يجد إلا أن يصعد في السماء وليس يقدر. وتقرأ (كأنما يصّاعد) يريد يتصاعد، (ويصعد) مخففة). [معاني القرآن: 1/ 354-355]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): (الرجز و{الرّجس} سواء، وهما العذاب). [مجاز القرآن: 1/ 206]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {ضيقا حرجا} وقالوا فيه: حرج يحرج ضاق.
ابن محيصن {ضيقا} بالتثقيل أيضًا.
[معاني القرآن لقطرب: 526]
عبد الله بن كثير المكي {ضيقا حرجا} بفتح الراء.
وقالوا في الضيق: الضيق؛ فخففوا، مثل: ميت، وهين لين؛ أي هين لين؛ وقد يكون الضيق المصدر أيضًا.
وقال المتلمس:
تعدو إذا وقع الممر بدفها = عدو الأتان تخاف ضيق المرصد
على قراءة ابن كثير.
وقال رؤبة فخفف أيضًا:
قد علمنا عند كل مأزق = ضيق بوجه الأمر أو مضيق
فخفف أيضًا.
وقال رؤبة أيضًا:
وشفها اللوح بمأزول ضيق.
يعني باللوح: العطش، والمأزول: من الأزل؛ وهي الشدة.
عمر وابن عباس رحمهما الله {حرجا} بالفتح.
وقرأ عند عمر رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم {حرجا} فقال عمر رضي الله عنه: أبغوني رجلا من كنانة، وليكن مدلجيا يعني من بني مدلج، وليكن
[معاني القرآن لقطرب: 527]
راعيًا؛ فأتي به فقال: ما الحرجة فيكم؟ فقال: شجرة بين أشجار، لا تصل إليها راعية ولا وحشية؛ فقال عمر: كذلك قلب المنافق؛ لا يصل إليه شيء من الخير). [معاني القرآن لقطرب: 528]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {كأنما يصعد} يقل الصاد والعين؛ وهي قراءة أبي عمرو.
ابن مسعود "يتصعد"؛ وكأن الحسن أدغم على قراءة ابن مسعود.
عاصم {كأنما يصاعد}.
أهل مكة وابن محيصن {كأنما يصعد في السماء} من صعد). [معاني القرآن لقطرب: 528]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {يشرح صدره} فإن الحسن كان يقول: بقبوله الإسلام يكون منشرحًا). [معاني القرآن لقطرب: 552]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يشرح صدره للإسلام} أي يفتحه. ومنه يقال: شرحت الأمر. وشرحت اللحم: إذا فتحته.
(الحرج) الذي ضاق فلم يجد منفذا إلا أن {يصّعّد في السّماء} وليس يقدر على ذلك). [تفسير غريب القرآن: 159-160]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما الضيق بعينه فقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} أي ضيق. و{يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} وحَرِجًا. ومنه الحرجة وهي: الشجر الملتفّ). [تأويل مشكل القرآن: 484]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقا حرجا كأنّما يصّعّد في السّماء كذلك يجعل اللّه الرّجس على الّذين لا يؤمنون}
يروى عن ابن مسعود أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: وهل ينشرح الصدر؟
فقال: نعم، يدخل القلب النور، فقال ابن مسعود: هل لذلك من علم؟
قال: نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل الموت.
{ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقا حرجا}
يروى عن ابن عباس أنه قال: الحَرَجُ موضع الشجر الملتف، فكان قلب الكافر لا تصل إليه الحكمة.
كما لا تصل الراعية إلى الموضع الذي يلتف فيه الشجر.
وأهل اللغة أيضا يقولونه: الشجر الملتف يقال له الْحَرَجُ.
والحرج في اللغة: أضيق الضيق. والذي قال ابن عباس صحيح حسن.
فالمعنى عند أهل اللغة إنّه ضيق جدّا.
ويجوز حرجا -بكسر الراء- فمن قال "حرج" فهو بمنزلة قولهم: رجل دنف، لأن قولك دنف ههنا وحرج ليس من أسماء الفاعلين. إنما هو بمنزلة قولهم: رخل عدل أي ذو عدل.
وقوله: {كأنّما يصّعّد في السّماء}، ويصّاعد أيضا، وأصله يتصاعد ويتصعّد، إلّا أنّ التاء تدغم في الصاد لقربها منها.
ومعنى كأنما يصّعّد في السماء -واللّه أعلم- كأنه قد كلف أن يصعد إلى السماء إذا دعي إلى الإسلام من ضيق صدره عنه.
ويجوز أن يكون -واللّه أعلم- كأنّ قلبه يصعد في السماء نبوّا على الإسلام واستماع الحكمة.
{كذلك يجعل اللّه الرّجس على الّذين لا يؤمنون} أي مثل قصصنا عليك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون.
و{الرجس}: اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة). [معاني القرآن: 2/ 290]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} روي أن عبد الله بن مسعود قال يا رسول الله هل ينشرح الصدر فقال نعم يدخل القلب نور فقال وهل لذلك من علامة فقال صلى الله عليه وسلم: «التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل الموت»). [معاني القرآن: 2/ 485]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} أي: شديد الضيق وقرأ عمر وابن عباس ضيقا حرجا وروي أن عمر أحضر أعرابيا من كنانة من بني مدلج فقال له ما الحرجة فقال شجرة لا تصل إليها وحشية ولا راعية فقال كذلك قلب الكافر لا يصل إليه شيء من الإيمان والخير). [معاني القرآن: 2/ 486]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {كأنما يصعد في السماء} وقرأ ابن محيص وابن كثير وشبل (كأنما يصعد في السماء) وقرأ ابن عبد الرحمن المقرئ وإبراهيم النخعي (كأنما يصاعد).
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ (كأنما يتصعد)، ومعنى هذه القراءة وقراءة من قرأ (يصعد) و(يصاعد) واحد، والمعنى فيها أن الكافر من ضيق صدره؛ كأنه يريد أن يصعد إلى السماء، وهو لا يقدر على ذلك، كأنه يستدعي ذلك.
ومن قرأ (يَصْعَدُ) فمعناه أنه من ضيق صدره كأنه في حال صعود قد كلفه.
وقال أبو عبيد: من هذا قول عمر ما تصعَّدَتني خطبة ما تصعَّدتني خطبة النكاح وقد أنكر هذا على أبي عبيد وقيل إنما هذا من الصعود وهي العقبة الشاقة، قال الله جل وعز: {سأرهقه صعودا}). [معاني القرآن: 2/ 486-488]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} قال مجاهد: "الرجس" ما لا خير فيه.
وكذلك الرجس عند أهل اللغة هو النتن، فمعنى الآية والله أعلم: ويجعل اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة على الذين لا يؤمنون). [معاني القرآن: 2/ 488]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({ضيقا حرجا} الحرج: أشد الضيق). [ياقوتة الصراط: 225]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَشْرَحْ صَدْرَهُ} أي يفسحه.
(الحرج) الضيق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 79]

تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون} أي بينا). [معاني القرآن: 2/ 488]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({لهم دار السّلام عند ربّهم} أي الجنة. ويقال: السلام اللّه ويقال: السلام السلامة). [تفسير غريب القرآن: 160]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {لهم دار السّلام عند ربّهم وهو وليّهم بما كانوا يعملون}
أي للمؤمنين دار السلام، وقال بعضهم: "السلام" اسم من أسماء اللّه، ودليله: {السّلام المؤمن المهيمن}.
ويجوز أن تكون سميت الجنة دار السلام؛ لأنها دار السلامة الدائمة التي لا تنقطع). [معاني القرآن: 2/ 290-291]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {لهم دار السلام عند ربهم} ويجوز أن يكون المعنى دار السلامة أي التي يسلم فيها من الآفات ويجوز أن يكون المعنى دار الله جل وعز وهو السلام). [معاني القرآن: 2/ 488]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 11:02 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)}

قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ): (قولهم: «أنت في حرج»
قال الأصمعي: معناه أنت في ضيق من ذنبك، قال الله عز وجل: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجًا} ). [كتاب الأمثال: 58]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224هـ): (أبو عمرو: الضيق الشيء الضيق. والضيق المصدر منه. والضيق الشك يكون في القلب ومنه قوله [عز وجل]: {ولا تك في ضيق مما يمكرون}). [الغريب المصنف: 3/ 1005] (م)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ): (في حديث عمر رضي الله عنه ما تصعدتني خطبة ما تصعدتني خطبة النكاح.
قال: حدثنيه حجاج عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر.
قوله: «ما تصعدتني» يقول: ما شقت علي، وكل شيء ركبته أو فعلته بمشقة عليك فقد تصعدك قال الله تبارك وتعالى: {ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} ونرى أن أصل هذا من الصعود، وهي العقبة المنكرة الصعبة، يقال: وقعوا في صعود منكرة، وكؤود مثله، وكذلك هَبوط وحَدور، وقال الله تبارك وتعالى: {سأرهقه صعودا}). [غريب الحديث: 4/ 278]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (حدّثني هارون بن موسى قال: حدثنا محمد بن سعيد القُزويني عن عمرو بن أبي قيس عن هارون بن عنترة عن عمرو بن مرة قال: سُئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن قول اللّه: {فَمَنْ يُرِدِ الله أنْ يهِديَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلاَم} فقال: «إذا دخل النورُ القلبَ وانفسحَ شُرِح لذلك الصدرُ»، قالوا: يا نبيّ الله هل لذلكَ آَيةٌ يُعرَفُ بها؟ قال: «نعم الإنابَةُ إلى دار الخلود والتَجافِي عن دار الغرور والاستعدادُ للموت قبل نُزول الموتِ »). [عيون الأخبار: 6/ 328]

قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
فعلمت أن يمينها لم تحرج
يقول: لم تضق عليها، يقال: حرج يحرج إذا دخل في مضيق والحرجة: الشجر الملتف المتضايق ما بينه، قال الله عز وجل: {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} وقال تعالى: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرِجًا} وقرئ {حَرَجًا}، فمن قال: "حَرِجًا "أراد التوكيد للضيق، كأنه قال: ضيق شديد الضيق. ومن قال: "حَرَجًا" جعله مصدراٌ، مثل قولك: ضيق ضيقاٌ. وقوله: "ببرد ماء الحشرج" فهو الماء الجاري على الحجارة). [الكامل: 1/ 382-383] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126)}

قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (ومما يدغم إذا كان الحرفان من مخرج واحد وإذا تقارب المخرجان قولهم يطوعون في يتطوعون ويذكرون في يتذكرون ويسمعون في يتسمعون والإدغام في هذا أقوى إذ كان يكون في الانفصال والبيان فيهما
عربيٌ حسن لأنهما متحركان كما حسن ذلك في يختصمون ويهتدون وتصديق الإدغام قوله تعالى: {يطيروا بموسى} و: {يذكرون}.
فإن وقع حرفٌ مع ما هو من مخرجه أو قريبٌ من مخرجه مبتدأ أدغم وألحقوا الألف الخفيفة لأنهم لا يستطيعون أن يبتدئوا بساكن وذلك قولهم في فعل من تطوع اطوع ومن تذكر إذ ذكر دعاهم إلى إدغامه أنهما في حرفٍ وقد كان يقع الإدغام فيهما في الانفصال.
ودعاهم إلى إلحاق الألف في اذكروا واطوعوا ما دعاهم إلى إسقاطها حين حركوا الخاء في خطف والقاف في قتلوا فالألف هنا يعني في اختطف لازمةٌ ما لم يعتل الحرف كما تدخل ثمة إذا اعتل الحرف.
وتصديق ذلك قوله عز وجل: {فادارأتم فيها} يريد فتدارأتم: {وازينت} إنما هي تزينت وتقول في المصدر ازيناً وادارأً ومن ذلك قوله عز وجل: {اطيرنا بك}.
وينبغي على هذا أن تقول في تترس اترس فإن بينت فحسن البيان كحسنه فيما قبله
فإن التقت التاءان في تتكلمون وتتترسون فأنت بالخيار إن شئت أثبتهما وإن شئت حذفت إحداهما وتصديق ذلك قوله عز وجل: {تتنزل عليهم الملائكة} و: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع}
وإن شئت حذفت التاء الثانية وتصديق ذلك قوله تبارك وتعالى: {تنزل الملائكة والروح فيها} وقوله: {ولقد كنتم تمنون الموت} وكانت الثانية أولى بالحذف لأنها هي التي تسكن وتدغم في قوله تعالى: {فادارأتم} و: {ازينت} وهي التي يفعل بها ذلك في يذكرون فكما اعتلت هنا كذلك تحذف هناك). [الكتاب: 4/ 474-476]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)}


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 05:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 05:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 05:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 05:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام ... الآية}، «من» أداة شرط، ويشرح جواب الشرط، والآية نص في أن الله عز وجل يريد هدى المؤمن وضلال الكافر، وهذا عند جميع أهل السنة بالإرادة القديمة التي هي صفة ذاته تبارك وتعالى، و «الهدى» في هذه الآية هو خلق الإيمان في القلب واختراعه، و «شرح الصدر» هو تسهيل الإيمان وتحبيبه وإعداد القلب لقبوله وتحصيله، والهدى لفظة مشتركة تأتي بمعنى الدعاء كقوله عز وجل: {وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ} [الشورى: 52] وتأتي بمعنى إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق والأعمال المفضية إليها، كقوله تعالى: {فلن يضلّ أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم} [محمد: 5] وغير ذلك، إلا أنها في هذه الآية وفي قوله: {من يهد اللّه فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون} [الأعراف: 178]، وفي قوله: {إنّك لا تهدي من أحببت} [القصص: 56] ونحوها لا يتجه حملها إلا على خلق الإيمان واختراعه، إذ الوجوه من الهدى تدفعها قرائن الكلام مما قبل وبعد، وقوله يشرح صدره ألفاظ مستعارة هاهنا إذ الشرح التوسعة والبسط في الأجسام وإذا كان الجرم مشروحا موسعا كان معدا ليحل فيه، فشبه توطئة القلب وتنويره وإعداده للقبول بالشرح والتوسيع، وشبه قبوله وتحصيله للإيمان بالحلول في الجرم المشروح، و «الصدر» عبارة عن القلب وهو المقصود، إذ الإيمان من خصاله، وكذلك الإسلام عبارة عن الإيمان إذ الإسلام أعم منه، وإنما المقصود هنا الإيمان فقط بدليل قرينة الشرح والهدى، ولكنه عبر بالإسلام إذ هو أعم وأدنى الهدى حب الأعمال وامتثال العبادات، وفي يشرح ضمير عائد على الهدى، قال: وعوده على الله عز وجل أبين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والقول بأن الضمير عائد على المهدي قول يتركب عليه مذهب القدرية في خلق الأفعال وينبغي أن يعتقد ضعفه وأن الضمير إنما هو عائد على اسم الله عز وجل فإن هذا يعضده اللفظ والمعنى، وروي عن النبي عليه السلام أنه لما نزلت هذه الآية، «قالوا يا رسول الله، كيف يشرح الصدر؟
قال: «إذا نزل النور في القلب انشرح له الصدر وانفسح»، قالوا وهل لذلك علامة يا رسول الله؟ قال: «نعم: الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل الفوت». والقول في قوله: {ومن يرد أن يضلّه} كالقول في قوله: {فمن يرد اللّه أن يهديه}، وقوله: {يجعل صدره ضيّقاً حرجاً}؛ ألفاظ مستعارة تضاد شرح الصدر للإسلام ويجعل في هذا الموضع تكون بمعنى يحكم له بهذا الحكم، كما تقول هذا يجعل البصرة مصرا أي يحكم لها بحكمها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا المعنى يقرب من صير، وحكاه أبو علي الفارسي، وقال أيضا يصح أن يكون «جعل» بمعنى سمى، كما قال تعالى: {وجعلوا الملائكة الّذين هم عباد الرّحمن إناثاً} [الزخرف: 19] أي سموهم، قال وهذه الآية تحتمل هذا المعنى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الوجه يضعف في هذه الآية، وقرأ جمهور الناس والسبعة سوى ابن كثير «ضيّقا» بكسر الياء وتشديدها، وقرأ ابن كثير «ضيقا» بسكون الياء وكذلك قرأ في الفرقان، قال أبو علي وهما بمنزلة الميّت والميت، قال الطبري وبمنزلة الهيّن والليّن والهين واللين، قال ويصح أن يكون الضيق مصدرا من قولك ضاق والأمر يضيق ضيقا وضيقا، وحكي عن الكسائي أنه قال الضّيق بشد الضاد وكسرها في الأجرام والمعاش، والضّيق بفتح الضاد: في الأمور والمعاني، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي «حرجا» بفتح الراء وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر «حرجا» بكسرها، قال أبو علي فمن فتح الراء كان وصفا بالمصدر كما تقول رجل قمن بكذا وحرى بكذا ودنف، ومن كسر الراء فهو كدنف وقمن وفرق، وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأها يوما بفتح الراء فقرأها له بعض الصحابة بكسر الراء، فقال: ابغوني رجلا من كنانة وليكن راعيا من بني مدلج، فلما جاءه قال له: يا فتى ما الحرجة عندكم، قال: الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها راعية ولا وحشية.
قال عمر: كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير، وقوله تعالى: كأنّما يصّعّد في السّماء أي كأن هذا الضيق الصدر يحاول الصعود في السماء حتى حاول الإيمان أو فكر فيه ويجد صعوبته عليه كصعوبة الصعود في السماء، قال بهذا التأويل ابن جريج وعطاء الخراساني والسدي، وقال ابن جبير: المعنى لا يجد مسلكا إلا صعدا من شدة التضايق، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي «يصعد» بإدغام التاء من يتصعد في الصاد، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر «يصّاعد» بإدغام التاء من يتصاعد في السماء، وقرأ ابن كثير وحده «يصعد»، وقرأ ابن مسعود والأعمش وابن مصرف «يتصعد» بزيادة تاء، وفي السّماء يريد من سفل إلى علو في الهواء، قال أبو علي: ولم يرد السماء المظلة بعينها، وإنما هو كما قال سيبويه والقيدود: الطويل في غير سماء، يريد في غير ارتفاع صعدا قال ومن هذا قوله عز وجل: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} [البقرة: 144] أي في وجهة الجو.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا على غير من تأول تقلب الوجه أنه الدعاء إلى الله عز وجل في الهداية إلى قبلة فإن مع الدعاء يستقيم أن يقلب وجهه في السماء المظلة حسب عادة الداعين إذ قد ألفوا مجيء النعم والآلاء من تلك الجهة، وتحتمل الآية أن يكون التشبيه بالصاعد في عقبة كؤود كأنه يصعد بها الهواء، ويصّعّد معناه يعلو، ويصّعّد معناه يتكلف من ذلك ما يشق عليه. ومنه قول عمر بن الخطاب: «ما تصعدني شيء كما تصعدني خطبة النكاح»، إلى غير ذلك من الشواهد، «ويصاعد» في المعنى مثل «يصعد»، وقوله تعالى: كذلك يجعل اللّه الرّجس أي وكما كان هذا كله من الهدى والضلال بإرادة الله عز وجل ومشيئته كذلك يجعل الله الرجس، قال أهل اللغة الرّجس يأتي بمعنى العذاب ويأتي بمعنى النجس، وحكى الطبري عن مجاهد أنه قال: الرّجس كل ما لا خير فيه وقال بعض الكوفيين: الرجس والنجس لغتان بمعنى، «ويجعل» في هذا الموضع يحسن أن تكون بمعنى يلقي كما تقول جعلت متاعك بعضه على بعض، وكما قال عز وجل: {ويجعل الخبيث بعضه على بعضٍ} [الأنفال: 37].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا المعنى في جعل حكاه أبو علي الفارسي، ويحسن أن تكون يجعل في هذه الآية بمعنى يصير ويكون المفعول الثاني في ضمن على الّذين لا يؤمنون، كأنه قال قرين الذين أو لزيم الذين ونحو ذلك). [المحرر الوجيز: 3/ 455-459]

تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وهذا صراط ربّك مستقيماً قد فصّلنا الآيات لقومٍ يذّكّرون (126) لهم دار السّلام عند ربّهم وهو وليّهم بما كانوا يعملون (127)}
هذا إشارة إلى القرآن والشرع الذي جاء به محمد عليه السلام، قاله ابن عباس، و «الصراط» الطريق، وإضافة الصراط إلى الرب على جهة أنه من عنده وبأمره ومستقيماً حال مؤكدة وليست كالحال في قولك جاء زيد راكبا بل هذه المؤكدة تتضمن المعنى المقصود وفصّلنا معناه بينا وأوضحنا، وقوله لقومٍ يذّكّرون أي للمؤمنين الذين يعدون أنفسهم للنظر ويسلكون طريق الاهتداء). [المحرر الوجيز: 3/ 459]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والضمير في قوله لهم عائد على القوم المتذكرين والسّلام يتجه فيه معنيان، أحدهما أن السلام اسم من أسماء الله عز وجل فأضاف «الدار» إليه هي ملكه وخلقه، والثاني أنه المصدر بمعنى السلامة، كما تقول السلام عليك، وكقوله عز وجل: {تحيّتهم فيها سلامٌ} [يونس: 10] يريد في الآخرة بعد الحشر، ووليّهم أي ولي الانعام عليهم، وبما كانوا يعملون أي مسبب ما كانوا يقدمون من الخير ويفعلون من الطاعة والبر). [المحرر الوجيز: 3/ 459]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 05:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 05:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقًا حرجًا كأنّما يصّعّد في السّماء كذلك يجعل اللّه الرّجس على الّذين لا يؤمنون (125)}
يقول تعالى: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام} أي: ييسّره له وينشّطه ويسهّله لذلك، فهذه علامةٌ على الخير، كقوله تعالى: {أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نورٍ من ربّه [فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه أولئك في ضلالٍ مبينٍ]} [الزّمر: 22]، وقال تعالى: {ولكنّ اللّه حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الرّاشدون} [الحجرات: 7].
قال ابن عبّاسٍ: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام}، يقول: يوسّع قلبه للتّوحيد والإيمان به وكذا قال أبو مالكٍ، وغير واحدٍ. وهو ظاهرٌ.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا الثّوريّ، عن عمرو بن قيسٍ، عن عمرو بن مرّة، عن أبي جعفرٍ قال: سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أيّ المؤمنين أكيس؟ قال: «أكثرهم ذكرًا للموت، وأكثرهم لما بعده استعدادًا». قال: وسئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن هذه الآية: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام} وقالوا: كيف يشرح صدره يا رسول اللّه؟ قال: «نورٌ يقذف فيه، فينشرح له وينفسح». قالوا: فهل لذلك من أمارةٍ يعرف بها؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتّجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت».
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا هنّاد، حدّثنا قبيصة، عن سفيان -يعني الثّوريّ -عن عمرو بن مرّة، عن رجلٍ يكنّى أبا جعفرٍ كان يسكن المدائن، قال: سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن قوله: {فمن يرد اللّه أن يهديه [يشرح صدره للإسلام]} فذكر نحو ما تقدّم.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا ابن إدريس، عن الحسن بن الفرات القزّاز، عن عمرو بن مرّة، عن أبي جعفرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام}، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا دخل الإيمان القلب انفسح له القلب وانشرح» قالوا: يا رسول اللّه، هل لذلك من أمارةٍ؟ قال: «نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتّجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت».
وقد رواه ابن جريرٍ عن سوّار بن عبد اللّه العنبريّ، حدّثنا المعتمر بن سليمان، سمعت أبي يحدّث عن عبد اللّه بن مرّة، عن أبي جعفرٍ فذكره.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن عمرو بن قيس، عن عمرو بن مرّة، عن عبد اللّه بن المسور قال: تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام} قالوا:: يا رسول اللّه، ما هذا الشّرح؟ قال: «نورٌ يقذف به في القلب». قالوا: يا رسول اللّه، فهل لذلك من أمارةٍ ؟ قال: «نعم» قالوا: وما هي؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتّجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت».
وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثني هلال بن العلاء، حدّثنا سعيد بن عبد الملك بن واقدٍ، حدّثنا محمّد بن سلمة، عن أبي عبد الرّحيم عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة ابن عبد اللّه بن مسعودٍ [رضي اللّه عنه] قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا دخل النّور القلب انفسح وانشرح». قالوا: فهل لذلك من علامةٍ يعرف بها؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتّنحّي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقي الموت».
وقد رواه [ابن جريرٍ] من وجهٍ آخر، عن ابن مسعودٍ متّصلًا مرفوعًا فقال: حدّثني بن سنان القزّاز، حدّثنا محبوب بن الحسن الهاشميّ، عن يونس، عن عبد الرّحمن بن عبيد اللّه بن عتبة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام} قالوا: يا رسول اللّه، وكيف يشرح صدره؟ قال: «يدخل الجنّة فينفسح». قالوا: وهل لذلك علامةٌ يا رسول اللّه؟ قال: «التّجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل أن ينزل الموت».
فهذه طرقٌ لهذا الحديث مرسلةٌ ومتّصلةٌ، يشدّ بعضها بعضًا، واللّه أعلم.
وقوله تعالى: {ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقًا حرجًا [كأنّما يصّعّد في السّماء]} قرئ بفتح الضّاد وتسكين الياء، والأكثرون: {ضيّقًا} بتشديد الياء وكسرها، وهما لغتان: كهين وهيّن. وقرأ بعضهم: {حرجًا} بفتح الحاء وكسر الرّاء، قيل: بمعنى آثمٍ. وقال السّدّي. وقيل: بمعنى القراءة الأخرى {حرجًا} بفتح الحاء والرّاء، وهو الّذي لا يتّسع لشيءٍ من الهدى، ولا يخلص إليه شيءٌ ما ينفعه من الإيمان ولا ينفذ فيه.
وقد سأل عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، رجلًا من الأعراب من أهل البادية من مدلج: «ما الحرجة؟» قال هي الشّجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها راعيةٌ، ولا وحشيّةٌ، ولا شيءٌ. فقال عمر، رضي اللّه عنه: «كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيءٌ من الخير».
وقال العوفي عن ابن عبّاسٍ: يجعل اللّه عليه الإسلام ضيّقًا، والإسلام واسعٌ. وذلك حين يقول: {وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ} [الحجّ: 78]، يقول: ما جعل عليكم في الإسلام من ضيقٍ.
وقال مجاهدٌ والسّدّي: {ضيّقًا حرجًا} شاكًّا. وقال عطاءٌ الخراسانيّ: {ضيّقًا حرجًا} ليس للخير فيه منفذٌ. وقال ابن المبارك، عن ابن جريج {ضيّقًا حرجًا} بلا إلهٍ إلّا اللّه، حتّى لا تستطيع أن تدخله، كأنّما يصّعّد في السّماء من شدّة ذلك عليه. وقال سعيد بن جبير: يجعل صدره {ضيّقًا حرجًا} قال: لا يجد فيه مسلكًا إلّا صعدا.
وقال السّدّي: {كأنّما يصّعّد في السّماء} من ضيق صدره.
وقال عطاءٌ الخراسانيّ: {كأنّما يصّعّد في السّماء} يقول: مثله كمثل الّذي لا يستطيع أن يصعد في السّماء. وقال الحكم بن أبانٍ عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {كأنّما يصّعّد في السّماء} يقول: فكما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السّماء، فكذلك لا يستطيع أن يدخل التّوحيد والإيمان قلبه، حتّى يدخله اللّه في قلبه.
وقال الأوزاعيّ: {كأنّما يصّعّد في السّماء} كيف يستطيع من جعل اللّه صدره ضيّقًا أن يكون مسلمًا.
وقال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ: وهذا مثلٌ ضربه اللّه لقلب هذا الكافر في شدة تضيقه إيّاه عن وصول الإيمان إليه. يقول: فمثله في امتناعه من قبول الإيمان وضيقه عن وصوله إليه، مثل امتناعه من الصّعود إلى السّماء وعجزه عنه؛ لأنّه ليس في وسعه وطاقته.
وقال في قوله: {كذلك يجعل اللّه الرّجس على الّذين لا يؤمنون} يقول: كما يجعل اللّه صدر من أراد إضلاله ضيّقًا حرجًا، كذلك يسلّط اللّه الشّيطان عليه وعلى أمثاله ممّن أبى الإيمان باللّه ورسوله، فيغويه ويصدّه عن سبيل اللّه.
قال ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: الرّجس: الشّيطان. وقال مجاهدٌ: الرّجس: كلّ ما لا خير فيه. وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: الرّجس: العذاب). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 334-337]

تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126)}

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وهذا صراط ربّك مستقيمًا قد فصّلنا الآيات لقومٍ يذّكّرون (126) لهم دار السّلام عند ربّهم وهو وليّهم بما كانوا يعملون (127)}
لمّا ذكر تعالى طريقة الضّالّين عن سبيله، الصّادّين عنها، نبّه على أشرف ما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحقّ فقال: {وهذا صراط ربّك مستقيمًا} منصوبٌ على الحال، أي: هذا الدّين الّذي شرعناه لك يا محمّد بما أوحينا إليك هذا القرآن، وهو صراط اللّه المستقيم، كما تقدّم في حديث الحارث، عن عليٍّ [رضي اللّه عنه] في نعت القرآن: «هو صراط اللّه المستقيم، وحبل اللّه المتين، وهو الذّكر الحكيم». رواه أحمد والتّرمذيّ بطوله.
{قد فصّلنا الآيات} أي: [قد] وضّحناها وبيّنّاها وفسّرناها، {لقومٍ يذّكّرون} أي: لمن له فهمٌ ووعيٌ يعقل عن اللّه ورسوله). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 337]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)}

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لهم دار السّلام} وهي: الجنّة، {عند ربّهم} أي: يوم القيامة. وإنّما وصف اللّه الجنّة هاهنا بدار السّلام لسلامتهم فيما سلكوه من الصّراط المستقيم، المقتفي أثر الأنبياء وطرائقهم، فكما سلموا من آفات الاعوجاج أفضوا إلى دار السّلام.
{وهو وليّهم} أي: والسّلام -وهو اللّه -وليّهم، أي: حافظهم وناصرهم ومؤيّدهم، {بما كانوا يعملون} أي: جزاءً على أعمالهم الصّالحة تولّاهم وأثابهم الجنّة، بمنّه وكرمه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 337-338]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:35 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة