تفسير قوله تعالى: {َقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {لقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر وذكر اللّه كثيرًا} [الأحزاب: 21] وهذا الذّكر تطوّعٌ، ليس فيه وقتٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/709]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لّقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ...}
كان عاصم بن أبي النجود يقرأ (أسوة) برفع الألف في كلّ القرآن, وكان يحيى بن وثّاب يرفع بعضاً ويكسر بعضاً, وهما لغتان: الضم في قيس, والحسن , وأهل الحجاز يقرءون (إسوةٌ) بالكسر في كلّ القرآن لا يختلفون.
ومعنى الأسوة : أنهم تخلّفوا عنه بالمدينة يوم الخندق , و هم في ذلك يحبّون أن يظفر النبي صلى الله عليه وسم إشفاقاً على بلدتهم، فقال: لقد كان في رسول الله أسوة حسنة إذ قاتل يوم أحد, وذلك أيضاً قوله: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} فهم في خوف وفرق {وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنّهم بادون في الأعراب} : يقول في غير المدينة, وفي قراءة عبد الله : (يحسبون الأحزاب قد ذهبوا، فإذا وجدوهم لم يذهبوا ودّوا لو أنهم بادون في الأعراب).
وقوله: {لّمن كان يرجو اللّه} خصّ بها المؤمنين, ومثله في الخصوص قوله: {فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه} : هذا {لمن اتّقى} قتل الصيّد). [معاني القرآن: 2/339]
تفسير قوله تعالى:{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله} [الأحزاب: 22]
[تفسير القرآن العظيم: 2/709]
يعنون الآية في سورة البقرة، وقد فسّرناه قبل هذا الموضوع.
{وصدق اللّه ورسوله} [الأحزاب: 22] قال اللّه: {وما زادهم إلا إيمانًا} [الأحزاب: 22] وتصديقًا.
{وتسليمًا} [الأحزاب: 22] لأمر اللّه.
وتفسير الكلبيّ أنّ الأحزاب لمّا خرجوا من مكّة أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالخندق أن يحفر، فقالوا: يا رسول اللّه، وهل أتاك من خبرٍ؟ قال: نعم، فلمّا حفر الخندق وفرغ منه أتاهم الأحزاب، فلمّا رآهم المؤمنون{قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله} [الأحزاب: 22] إلى آخر الآية). [تفسير القرآن العظيم: 2/710]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب...}
صدّقوا , فقالوا : {هذا ما وعدنا اللّه ورسوله} , كان النبي عليه السلام , قد أخبرهم بمسيرهم إليه فذلك قوله: {وما زادهم إلاّ إيماناً وتسليماً} , ولو كانت: وما زادوهم , يريد الأحزاب.
وقوله: {وما زادهم إلاّ إيماناً}: أي: ما زادهم النظر إلى الأحزاب إلاّ إيماناً.
وقال في سورة أخرى: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلاّ خبالاً} , ولو كانت: ما زادكم إلا خبالاً , كان صواباً، يريد: ما زادكم خروجهم إلاّ خبالاً, وهذا من سعة العربيّة التي تسمع بها.). [معاني القرآن: 2/340]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى:{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلّا إيمانا وتسليما (22)}
فوصف اللّه حال المنافقين في حرب الكافرين , وحال المؤمنين في حرب الكافرين.
فوصف المنافقين بالفشل , والجبن , والروغان , ووالمسارعة إلى الفتنة , والزيادة في الكفر، ووصف المؤمنين بالثبوت عند الخوف في الإيمان، فقال:{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلّا إيمانا وتسليما (22)}
والوعد : أن اللّه قال لهم: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريب (214)}
فكذلك لمّا ابتلي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , وزلزلوا زلزالا شديدا , علموا أن الجنّة والنصر قد وجبا لهم.). [معاني القرآن: 4/221-221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم خبر تعالى بما يقول المؤمنون فقال: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله}
وقيل الذي وعدهم في قوله: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء} , كذا قال قتادة .
وقال يزيد بن رومان : (الأحزاب : قريش وغطفان)). [معاني القرآن: 5/337-338]
تفسير قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه} [الأحزاب: 23] حيث بايعوه على أن لا يفرّوا، وصدقوا في لقائهم العدوّ، وذلك يوم أحدٍ.
{فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23] وتفسير مجاهدٍ: {فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23] عهده فقتل أو عاش.
{ومنهم من ينتظر} [الأحزاب: 23] يومًا فيه قتالٌ فيقضي نحبه، عهده، فيقتل أو يصدق في لقائه.
وبعضهم يقول: {فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23] أجله، يعني: من قتل يومئذٍ: حمزة وأصحابه.
{ومنهم من ينتظر} [الأحزاب: 23] أجله.
وقال السّدّيّ: {فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23]، يعني: أتمّ أجله.
قال: {وما بدّلوا تبديلا} [الأحزاب: 23] كما بدّل المنافقون). [تفسير القرآن العظيم: 2/710]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {مّن المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه...}
رفع الرجال بـ (من) , {فمنهم مّن قضى نحبه}: أجله, وهذا في حمزة , وأصحابه.). [معاني القرآن: 2/340]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فمنهم من قضى نحبه}: أي: نذره الذي كان نحب , أي: نذر , والنحب أيضاً النفس , أي: الموت , وجعله جرير : الخطر العظيم فقال:
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا= عشيّة بسطامٍ جرين على نحب
أي: خطر عظيم، قال : ومنه التنحيب , قال الفرزدق:
وإذ نحبّت كلبٌ على الناس أيّهم= أحقٌّ بتاجٍ الماجد المتكرّم
وقال ذو الرمة:
= قضى نحبه في ملتقى الخيل هوبر=
أي : نفسه , وإنما هو يزيد بن هوبر , ويقال: نحب في سيره يومه أجمع ؛ إذا مدًّ فلم ينزل وليلته جميعاً). [مجاز القرآن: 2/135-136]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({قضى نحبه}: نذره والنحب أيضا النفس). [غريب القرآن وتفسيره: 303]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({من قضى نحبه} : أي قتل و أ صل «النحب»: النذر, وكان قوم نذروا إن لقوا العدوّ أن يقاتلوا حتى يقتلوا , أو يفتح اللّه، فقتلوا.
فقيل: فلان قضي نحبه، إذا قتل.). [تفسير غريب القرآن: 349]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} أي قُتِل، والنَّحْبُ: النَّذر.
[تأويل مشكل القرآن: 183]
وأصل هذا: أنّ رجالا من أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، نذروا إن لقوا العدوّ ليصدقنّ القتال أو ليقتلنّ، هذا أو نحوه، فقتلوا، فقيل لمن قتل: قَضَى نَحْبَه. واستعير النَّحب مكان الأجل، لأن الأجل وقع بالنّحب، وكان النّحب له سبباً.
ومنه قيل للعطية: المنُّ، لأنّ من أعطى فقد مَنَّ. قال الله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} أي لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت.
وقال: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ}، أي فأعط أو أمسك.
وقوله: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} مردود إلى قوله: هذا عطاؤنا بغير حساب). [تأويل مشكل القرآن: 184]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا (23)}
المعنى : أنهم عاهدوا في الإسلام , فأقاموا على عهدهم.
وموضع (ما) نصب بـ (صدقوا).
{فمنهم من قضى نحبه}:أي : أجله , ولم يبدّل.
وهو قوله:{وما بدّلوا تبديلاً}
فالمعنى : أنّه مات على دينه غير مبدّل.). [معاني القرآن: 4/222]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}
يقال صدقت العهد , أي : وفيته , ثم قال جل وعز: {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}
روى سعيد بن مسروق , عن مجاهد , قال: (نحبه : عهده) .
وروى خصيف , عن عكرمة , عن ابن عباس :{فمنهم من قضى نحبه }(قال : مات على ما عاهد عليه , ومنهم من ينتظر ذلك) .
قال أبو جعفر : حكى أهل اللغة : أن النحب : العهد , والنفس , والخطر العظيم , وأشهرها : أن النحب العهد , كما قال مجاهد.
ويصححه : أنه يروى : أن قوما جعلوا على أنفسهم إن لاقوا العدو أن يصدقوا القتال حتى يقتلوا , أو يفتح الله جل وعز عليهم.
فالمعنى : فمنهم من قضى أجله : وسمي الأجل عهدا لأنه على العهد كان , أو قضى عهده .
ثم قال تعالى: {وما بدلوا تبديلا} : أي: وما بدلوا دينهم تبديلاً.). [معاني القرآن: 5/338-340]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَّن قَضَى نَحْبَهُ}: أي: قتل.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نَحْبَهُ}: أجله.).[العمدة في غريب القرآن: 242]
تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ليجزي اللّه الصّادقين بصدقهم} [الأحزاب: 24]، يعني: المؤمنين، تفسير السّدّيّ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/710]
قال: {بصدقهم} [الأحزاب: 24] يجزيهم الجنّة.
{ويعذّب المنافقين إن شاء} [الأحزاب: 24] فيموتوا على نفاقهم فيعذّبهم.
{أو يتوب عليهم} [الأحزاب: 24] فيرجعوا من نفاقهم.
{إنّ اللّه كان غفورًا رحيمًا} [الأحزاب: 24] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/711]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
( {ليجزي اللّه الصّادقين بصدقهم ويعذّب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إنّ اللّه كان غفورا رحيما (24)}
أي: ليجزي الذين صدقوا في عهدهم، والمنافقون كذبوا في عهدهم ؛ لأنهم أظهروا الإسلام , وأبطنوا الكفر.
وقوله تعالى: {ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم}: أي : أو ينقلهم من النفاق إلى الإيمان.). [معاني القرآن: 4/222-223]