المقدمة
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
الحمد لله ذي العز المنيع، والمجد الرفيع، والسلطان القاهر، والجلال الظاهر، والملك الغالب الباهر، والآلاء العظام، والمنن الجسام، والنعم التوام، غار الآثام، ورازق الأنام، ومرتضي الإسلام، ومصور الخلق في الأرحام، تعالى عن الأشباه والأنداد، واحتجب عن الإدراك، وجل عن صفة الواصفين، وتعالى عن قول الظالمين، أحمده على ما أنعم به من نعمة القرآن والإسلام، وأشكره على ما تفضل به من المنن والآلاء العظام، فله الحمد والشكر، لا إله إلا هو، بعث محمدًا نبيه، صلى الله عليه وسلم، بالحق المبين، والسراج المنير بكتاب {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من كتاب حميد}، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وجميع النبيين والمرسلين وسلم وكرم.
قال أبو محمد مكي بن أبي طالب المغربي: كنت قد ألفت بالمشرق كتابًا مختصرًا في القراءات السبق في سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة وسميته «كتاب التبصرة» وهو فيما اختلف فيه القراء السبعة المشهورون، وأضربت فيه عن الحجج والعلل ومقاييس النحو في القراءات واللغات طلبًا للتسهيل، وحرصًا على التخفيف، ووعدت في صدره أني سأؤلف كتابًا في علل القراءات التي ذكرتها
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/3]
في ذلك الكتاب، «كتاب التبصرة» أذكر فيه حجج القراءات ووجوهها وأسميه «كتاب الكشف عن وجوه القراءات» ثم تطاولت الأيام، وترادفت الأشغال عن تأليفه وتبيينه ونظمه إلى سنة أربع وعشرين وأربعمائة، فرأيت أن العمر قد تناهى، والزوال من الدنيا قد تدانى، فقويت النية في تأليفه وإتمامه خوف فجأة الموت، وحدوث الفوت، وطمعًا أن ينتفع به أهل الفهم من أهل القرآن وأهل العلم من طلبة القراءات، فبادرت إلى تأليفه ونظمه ليكون باقيًا على مرور الزمان، وانقراض الأيام، حرصًا مني على بقاء أجره، وجزيل ثوابه أسأل الله أن ينفع به مؤلفه والمقتبس العلم منه، فواجب على كل ذي مروءة وديانة أفاد من كتابنا هذا فائدة أو اقتبس منه علمًا، أو تبين له به معنى مُشكل، أو علم منه علمًا لم يكن يعلمه، أن يترحم على مؤلفه، ومن أتعب سره وبدنه في نظمه، واستخراج علله، واستنباط فوائده، وأن يستغفر لمظهر فوائده، ومشهر نوادره وعلومه، فما علمت أن لشغلي وتعبي بتأليف هذا الكتاب وأشباهه فائدة أعظم من أن يترحم علي من أجله مترحم، أو يستغفر لي عند قراءته مستغفر، أو يذكرني بخير ذاكر. فرحم الله من بادر إلى ما رغبته فيه من ذكري بالخير، والترحم علي، والاستغفار لي.
وهأنذا حين أبدأ بذلك أذكر علل ما في أبواب الأصول، دون أن أعيد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/4]
ذكر ما في كل باب من الاختلاف إذ ذاك منصوص في الكتاب، الذي هذا شرحه، وأرتب الكلام في علل الأصول على السؤال والجواب، ثم إذا صرنا إلى فرش الحروف ذكرنا كل حرف، ومن قرأ به، وعلته، وحجة كل فريق، ثم أذكر اختياري في كل حرف، وأنبه على علة اختياري لذلك كما فعل من تقدمنا من أئمة المقرئين.
وقد كنت ألفت كتابًا مفردًا في معاني القراءات السبع المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، والجواب عما يمكن من السؤال فيها، وبينته بيانًا شافيًا معللًا، فأغناني ذلك عن أن أعيده في هذا الكتاب اختصارًا وإيجازًا، لكن يجب لمن كتب هذا الكتاب. أن يجعله جزءً في آخره، فبه تتم الفائدة. وذكرت في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/5]
الكتاب الذي هذا شرحه «كتاب التبصرة» أسماء القراء ورواتهم وأسانيدهم، وجملًا من أخبارهم وأسمائهم وتاريخ موتهم وطبقاتهم، وإسنادي إليهم، وأسانيدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك ذكرت في الكتاب الموجز فأغناني ذلك عن أن أعيده في هذا الكتاب، فلا غناء لمن كتب كتابنا هذا، واعتمد عليه، عن الكتاب الأول الذي هذا شرحه «كتاب التبصرة» أو الكتاب الموجز، وعلى ما فيهما بني الكلام في هذا الكتاب، فهذا الكتاب كتاب فهم وعلم ودراية، والكتاب الأول كتاب نقل ورواية، وبالله أستعين على ذلك كله، وإليه، لا إله إلا هو، أرغب في العصمة من الزلل في القول والعمل، وهو حسبي ونعم الوكيل، وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وعلى جميع النبيين والمرسلين وسلم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/6]