تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ما سبقونا إليه قال: قال ذلك ناس من المشركين قالوا نحن أعز ونحن ونحن فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان قال الله يختص برحمته من يشاء). [تفسير عبد الرزاق: 2/216]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن عيينة عن عمرو بن عبيد عن الحسن قال كانت غفار وأسلم أهل سلة يعني سرقة في الجاهلية قال فلما أسلموا قالت قريش لو كان خيرا ما سبقونا إليه). [تفسير عبد الرزاق: 2/216]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا لو كان خيرًا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفكٌ قديمٌ}.
يقول تعالى ذكره: وقال الّذين جحدوا نبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من يهود بني إسرائيل للّذين آمنوا به، لو كان تصديقكم محمّدًا على ما جاءكم به خيرًا، ما سبقتمونا إلى التّصديق به، وهذا التّأويل على مذهب من تأوّل قوله: {وشهد شاهدٌ من بني إسرائيل على مثله} أنّه معنيّ به عبد اللّه بن سلامٍ، فأمّا على تأويل من تأوّل أنّه عني به مشركو قريشٍ، فإنّه ينبغي أن يوجّه تأويل قوله: {وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا لو كان خيرًا ما سبقونا إليه} أنّه عني به مشركو قريشٍ وكذلك كان يتأوّله قتادة، وفي تأويله إيّاه كذلك تركٌ منه تأويله قوله: {وشهد شاهدٌ من بني إسرائيل على مثله} أنّه معنيٌّ به عبد اللّه بن سلامٍ.
ذكر الرّواية عنه ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا لو كان خيرًا ما سبقونا إليه} قال: قال ذاك أناسٌ من المشركين: نحن أعزّ، ونحن، ونحن، فلو كان خيرًا ما سبقنا إليه فلانٌ وفلانٌ، فإنّ اللّه يختصّ برحمته من يشاء.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا لو كان خيرًا ما سبقونا إليه} قال: قد قال ذلك قائلون من النّاس، كانوا أعزّ منهم في الجاهليّة، قالوا: واللّه لو كان هذا خيرًا ما سبقنا إليه بنو فلانٍ وبنو فلانٍ، يختصّ اللّه برحمته من يشاء، ويكرم اللّه برحمته من يشاء، تبارك وتعالى.
وقوله: {وإذ لم يهتدوا به} يقول تعالى ذكره: وإذ لم يبصروا بمحمّدٍ وبما جاء به من عند اللّه من الهدى، فيرشدوا به الطّريق المستقيم {فسيقولون هذا إفكٌ قديمٌ} يقول: فسيقولون هذا القرآن الّذي جاء به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم أكاذيب من أخبار الأوّلين قديمةٌ، كما قال جلّ ثناؤه مخبرًا عنهم، {وقالوا أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً وأصيلاً}). [جامع البيان: 21/132-133]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 11 - 14.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال: قال ناس من المشركين: نحن أعز ونحن ونحن فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان فنزل {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه}). [الدر المنثور: 13/320-321]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن عون بن أبي شداد قال: كانت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أمة أسلمت قبله يقال لها زنيرة فكان عمر رضي الله عنه يضربها على إسلامها وكان كفار قريش يقولون: لو كان خيرا ما سبقتنا إليه زنيرة فأنزل الله في شأنها {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا} الآية). [الدر المنثور: 13/321]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بنو غفار وأسلم كانوا الكثير من الناس فتنة يقولون لو كان خيرا ما جعلهم الله أول الناس فيه يقولون لو كان خيرا ما جعلهم الله أول الناس فيه). [الدر المنثور: 13/321]
تفسير قوله تعالى: (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن قبله كتاب موسى إمامًا ورحمةً وهذا كتابٌ مصدّقٌ لسانًا عربيًّا لّينذر الّذين ظلموا وبشرى للمحسنين}.
يقول تعالى ذكره: ومن قبل هذا الكتاب، كتاب موسى، وهو التّوراة، إمامًا لبني إسرائيل يأتمّون به، ورحمةً لهم أنزلناه عليهم وخرج الكلام مخرج الخبر عن الكتاب بغير ذكر تمام الخبر اكتفاءً بدلالة الكلام على تمامه؛ وتمامه: ومن قبله كتاب موسى إمامًا ورحمةً أنزلناه عليه، وهذا كتابٌ أنزلناه لسانًا عربيًّا.
اختلف في تأويل ذلك، وفي المعنى النّاصب {لسانًا عربيًّا} أهل العربيّة، فقال بعض نحويّي البصرة: نصب اللّسان والعربيّ، لأنّه من صفة الكتاب، فانتصب على الحال، أو على فعلٍ مضمرٍ، كأنّه قال: أعني لسانًا عربيًّا قال: وقال بعضهم على مصدّقٍ جعل الكتاب مصدّق اللّسان، فعلى قول من جعل اللّسان نصبًا على الحال، وجعله من صفة الكتاب، ينبغي أن يكون تأويل الكلام، وهذا كتابٌ بلسانٍ عربيٍّ مصدّق التّوراة كتاب موسى، بأنّ محمّدًا للّه رسولٌ، وأنّ ما جاء به من عند اللّه حقٌّ وأمّا القول الثّاني الّذي حكيناه عن بعضهم، أنّه جعل النّاصب للّسان مصدّقٌ، فقولٌ لا معنى له، لأنّ ذلك يصير إذا يؤوّل كذلك إلى أنّ الّذي يصدّق القرآن نفسه، ولا معنى لأنّ يقال: وهذا كتابٌ يصدّق نفسه، لأنّ اللّسان العربيّ هو هذا الكتاب، إلاّ أن يجعل اللّسان العربيّ محمّدًا عليه الصّلاة والسّلام، ويوجّه تأويله إلى: وهذا كتابٌ وهو القرآن يصدّق محمّدًا، وهو اللّسان العربيّ، فيكون ذلك وجهًا من التّأويل.
وقال بعض نحويّي الكوفة: قوله: {لسانًا عربيًّا} من نعت الكتاب، وإنّما نصب لأنّه أريد به: وهذا كتابٌ يصدّق التّوراة والإنجيل لسانًا عربيًّا، فخرج لسانًا عربيًّا من يصدّق، لأنّه فعلٌ، كما تقول: مررت برجلٍ يقوم محسنًا، ومررت برجلٍ قائمٍ محسنًا، قال: ولو رفع لسانٌ عربيّ جاز على النّعت للكتاب.
وقد ذكر أنّ ذلك في قراءة ابن مسعودٍ وهذا كتابٌ مصدّقٌ لما بين يديه لسانًا عربيًّا فعلى هذه القراءة يتوجّه النّصب في قوله: {لسانًا عربيًّا} من وجهين: أحدهما على ما بيّنت من أن يكون اللّسان خارجًا من قوله {مصدّقٌ} والآخر: أن يكون قطعًا من الهاء الّتي في بين يديه.
والصّواب من القول في ذلك عندي أن يكون منصوبًا على أنّه حالٌ ممّا في مصدّقٌ من ذكر الكتاب، لأنّ قوله: {مصدّقٌ} فعلٌ، فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك: وهذا القرآن يصدّق كتاب موسى بأنّ محمّدًا نبيّ مرسلٌ لسانًا عربيًّا.
وقوله: {لينذر الّذين ظلموا} يقول: لينذر هذا الكتاب الّذي أنزلناه إلى محمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام الّذين ظلموا أنفسهم بكفرهم باللّه بعبادتهم غيره.
وقوله: {وبشرى للمحسنين} يقول: وهو بشرى للّذين أطاعوا اللّه فأحسنوا في إيمانهم وطاعتهم إيّاه في الدّنيا، فحسن الجزاء من اللّه لهم في الآخرة على طاعتهم إيّاه.
وفي قوله: {وبشرى} وجهان من الإعراب: الرّفع على العطف على الكتاب بمعنى: وهذا كتابٌ مصدّقٌ وبشرى للمحسنين والنّصب على معنى: لينذر الّذين ظلموا ويبشّر، فإذا جعل مكان يبشّر وبشرى أو وبشارةٌ، نصبت كما تقول أتيتك لأزورك وكرامةً لك، وقضاءً لحقّك، بمعنى لأزورك وأكرمك، وأقضي حقّك، فتنصب الكرامة والقضاء بمعنًى مضمرٍ.
واختلفت القرّاء في قراءة {لينذر} فقرأ ذلك عامّة قرّاء الحجاز (لتنذر) بالتّاء بمعنى: لتنذر أنت يا محمّد، وقرأته عامّة قرّاء العراق بالياء بمعنى: لينذر الكتاب، وبأيّ القراءتين قرأ ذلك القارئ فمصيبٌ). [جامع البيان: 21/133-135]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن أبي إسحاق عن عامر بن سعدٍ عن نمران البجليّ قال: قرأت هذه الآية على أبي بكرٍ الصّدّيق {إنّ الّذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا} قال: هم الّذين لم يشركوا بالله شيئا [الآية: 13]). [تفسير الثوري: 276-277]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (13) أولئك أصحاب الجنّة خالدين فيها جزاءً بما كانوا يعملون}.
يقول تعالى ذكره: {إنّ الّذين قالوا ربّنا اللّه} الّذي لا إله غيره {ثمّ استقاموا} على تصديقهم بذلك فلم يخلطوه بشركٍ، ولم يخالفوا اللّه في أمره ونهيه {فلا خوفٌ عليهم} من فزع يوم القيامة وأهواله {ولا هم يحزنون} على ما خلّفوا وراءهم بعد مماتهم). [جامع البيان: 21/136]
تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أولئك أصحاب الجنّة} يقول تعالى ذكره: هؤلاء الّذين قالوا هذا القول، واستقاموا أهل الجنّة وسكّانها {خالدين فيها} يقول: ماكثين فيها أبدًا {جزاءً بما كانوا يعملون} [السجدة: ] يقول: ثوابًا منّا لهم آتيناهم ذلك على أعمالهم الصّالحة الّتي كانوا في الدّنيا يعملونها). [جامع البيان: 21/136]