التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {نموت ونحيا...}
يقول القائل: كيف قال: نموت ونحيا، وهم مكذبون بالبعث؟ , فإنما أراد نموت، ويأتي بعدنا أبناؤنا، فجعل فعل أبنائهم كفعلهم، وهو في العربية كثير.
وقوله: {وما يهلكنا إلاّ الدّهر...}
يقولون: إلاّ طول الدهر، ومرور الأيام والليالي والشهور والسنين.
وفي قراءة عبد الله: {وما يهلكنا إلاّ دهر}:كأنه: إلاّ دهر يمر). [معاني القرآن: 3/48]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وما يهلكنا إلّا الدّهر}: مرور السنين والأيام). [تفسير غريب القرآن: 405]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقالوا ما هي إلّا حياتنا الدّنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلّا الدّهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلّا يظنّون (24)}
فإن قال قائل: كيف قالوا نموت ونحيا , وهم لا يقرون بالبعث, فالدليل على أنهم لا يقرون بالبعث قولهم :{ما هي إلا حياتنا}, وفي نموت ونحيا ثلاثة أقوال:-
يكون المعنى {نموت ونحيا}: يحيا أولادنا، فيموت قوم ويحيا قوم.
ويكون معنى {نموت ونحيا} : نحيا ونموت، لأن الواو للاجتماع.
وليس فيها دليل على أن أحد الشيئين قبل الآخر.
ويكون{نموت ونحيا وما يهلكنا إلّا الدّهر} : أي ابتداؤنا موات في أصل الخلقة، ثم نحيا ثم يهلكنا الدّهر.
فاعلم اللّه - عزّ وجلّ - أنهم يقولون ذلك ضلّالا، شاكين فقال: {وما لهم بذلك من علم إن هم إلّا يظنّون}: المعنى : ما هم إلّا يظنّون). [معاني القرآن: 4/434]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر}
يقال: هم لا يقرون بالبعث, فما معنى نموت ونحيا ففيه ثلاثة أجوبة:
-منها أن المعنى يموت بعضنا, ويحيا بعض
- ومنه أن في الكلام تقديما وتأخيرا , وأن المعنى نحيا ونموت
- والجواب الثالث أن معنى نموت نخلق مواتا ثم نحيا في الدنيا
وقوله جل وعز: {وما يهلكنا إلا الدهر}
قال مجاهد: أي الزمان, أي: مر السنين والأيام.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا تسبوا الدهر , فإن الله هو الدهر ))
في معناه ثلاثة أقوال:
- منها أن المعنى لا تسبوا خلقا من خلق الله فيما لا ذنب له فيه فإن الله هو الدهر , أي: خالق الدهر كما قال تعالى: {واسأل القرية}
- وقيل لما كانوا يقولون فعل الله بالزمان فإنه قد فعل بنا كذا, وكان الله جل وعز هو القاضي بتلك الأشياء قال لهم لا تسبوا فاعل
- وقد روي فإن الله هو الدهر , والمعنى عليه لا تسبوا الدهر , فإن الله مقيم الدهر أي: مقيم أبدا لا يزال
, وقد روي عن ابن عباس في قوله تعالى: {وما لهم بذلك من علم} ,قال قولهم: لا نبعث). [معاني القرآن: 6/428-430]
تفسير قوله تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ما كان حجّتهم إلّا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين (25)}
يجوز في {حجّتهم}الرفع، فمن رفع جعل{حجّتهم} : اسم كان و {أن قالوا}: خبر كان.
ومن نصب {حجّتهم} جعل اسم كان أن مع صلتها, ويكون المعنى ما كان {حجّتهم} إلّا مقالتهم :{ائتوا بآبائنا}). [معاني القرآن: 4/434]
تفسير قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ يوم القيامة لا ريب فيه} : عاد إلى اليوم أي لا شك فيه في اليوم). [مجاز القرآن: 2/210]
تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وترى كلّ أمّةٍ جاثيةً...}.
يريد: كلّ أهل دين جاثية يقول: مجتمعة للحساب، ثم قال: {كلّ أمّةٍ تدعى إلى كتابها...}, يقول إلى حسابها، وهو من قول الله: {فأمّا من أوتي كتابه بيمينه}, و{بشماله}). [معاني القرآن: 3/48]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وترى كلّ أمّةٍ جاثيةً }: على الركب.
قال الكميت:
هم تركوا سراتكم جثياًّ = ومن بعد السراة مغربلينا
[مجاز القرآن: 2/210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {كل أمة جاثية}: أي على الركب). [غريب القرآن وتفسيره: 336]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وترى كلّ أمّةٍ جاثيةً}: باركة على الركب. يراد: أنها غير مطمئنة.
{تدعى إلى كتابها}: أي: إلى حسابها). [تفسير غريب القرآن: 405]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وترى كلّ أمّة جاثية كلّ أمّة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون (28)}
أي كل أحد يجزى بما تضمنه كتابه، كما قال عزّ وجلّ:
{وكلّ إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا (13) اقرأ كتابك}
فهذا مثل قوله: {كلّ أمّة تدعى إلى كتابها}
رفع { كلّ} بالابتداء، والخبر {تدعى إلى كتابها}
ومن نصب جعله بدلا من " كلّ " الأول، والمعنى وترى كل أمة تدعى إلى كتابها.
ومعنى {جاثية}: جالسة على الركب، يقال قد جثا فلان , يجثو : إذا جلس على ركبته، ومثله جذا يجذو.
والجذؤ : أشا استيفازا من الجثو لأن الجذو أن يجلس صاحبه على أطراف أصابعه). [معاني القرآن: 4/434-435]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها}
في معناه قولان: -
- روى ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , وابن عيينة , عن ابن جريح , عن مجاهد في قوله تعالى: {وترى كل أمة جاثية}
قال: مستوفزين على الركب
قال: مجاهد في رواية ابن أبي نجيح : الأمة ههنا : الواحد
قال سفيان بن أبي عيينة : ولا يكون المستوفز إلا على ركبتيه , وأطراف أصابعه
قال: الضحاك : جاثية عند الحساب , فهذا قول
- وقال الفراء في قوله تعالى: {وترى كل أمة جاثية}: قال: أهل كل دين , وجاثية مجتمعة
قال أبو جعفر: قد يقال لما اجتمع من التراب جثوة , فأحسب الفراء أخذه من هذا .
قال الشاعر:
ترى جثوتين من تراب عليهما = صفائح صم من صفيد منضد
والقول الأول أعرف وأشهر
وقوله جل وعز: {كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون}
في معناه قولان:
أحدهما : أن كتابها ما فرض عليها من حلال وحرام
والقول الآخر: أن كتابها ما كتبت الملائكة عليها , وهذا أولى لأن بعده ما يدل عليه.). [معاني القرآن:6/430-432]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({جَاثِيَةً}: أي على الركب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 227]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {جَاثِيَةً}: على الركب). [العمدة في غريب القرآن: 271]
تفسير قوله تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون...}
الاستنساخ: أن الملكين يرفعان عمل الرجل صغيره وكبيره، فيثبت الله من عمله ما كان له ثواب أو عقاب، ويطرح منه اللغو الذي لا ثواب فيه ولا عقاب، كقولك هلمّ، وتعال، واذهب، فذلك الاستنساخ). [معاني القرآن: 49-3/48]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ إنّا كنّا نستنسخ ما كنتمٌ تعملون }: أي نثبت). [مجاز القرآن: 2/211]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحقّ}: يريد: أنهم يقرءونه فيدلهم ويذكرهم، فكأنه ينطق عليهم.
{إنّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون} : أي: نكتب). [تفسير غريب القرآن: 405-406]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون (29)}
الاستنساخ لا يكون إلا من أصل، وهو أن يستنسخ كتابا من كتاب.
فنستنسخ ما يكتب الحفظة , ويثبت عند اللّه - عزّ وجلّ -). [معاني القرآن: 4/435]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنتج ما كنتم تعملون}
ينطق: أي يبين , أي تنظرون , فتذكرون ما عملتم
ثم قال تعالى: {إنا كنا ستنسخ ما كنتم تعملون}
في معناه قولان:
- أحدهما : أن المعنى ما تكتبه الملائكة , وتنسخه من أعمال بني آدم
- والقول الآخر: رواه سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال : فرغ الله جل وعز مما هو كائن , فتنسخ الملائكة ما يعمل يوما بيوم من اللوح المحفوظ , فيقابل به ما يعمله الإنسان لا يزيد على ذلك ولا ينقص.
قال: فقيل لابن عباس : ما توهمنا إلا إنهم يكتبونه بعدما يعمل .
فقال: أنتم قوم عرب , والله جل وعز يقول: {إنا كنا نستنسخ} : ولا يكون الاستنساخ إلا من نسخة.). [معاني القرآن: 6/432-433]
تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأمّا الّذين كفروا أفلم...}.
أضمر القول , فيقال: أفلم، ومثله: {فأما الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم} : معناه، فيقال: أكفرتم، والله أعلم. وذلك أنّ أما لا بد لها من أن تجاب بالفاء، ولكنها سقطت لما سقط الفعل الذي أضمر. ). [معاني القرآن: 3/49]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وأمّا الّذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوماً مّجرمين}
وقال: {وأمّا الّذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم} : أي: فيقال لهم: {ألم تكن آياتي تتلى عليكم} , ودخلت الفاء لمكان "أما"). [معاني القرآن: 4/16]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأمّا الّذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين (31)}
جواب {أمّا} محذوف، لأن في الكلام دليلا عليه، المعنى : وأما الذين كفروا فيقال لهم: {ألم تكن آياتي تتلى عليكم}, ودلت الفاء في قوله {أفلم} على الفاء المحذوفة في قولك , فيقال لهم). [معاني القرآن: 4/435]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين} : في الكلام حذف , والمعنى : فيقال لهم:{ ألم تكن آياتي تتلى عليكم} ). [معاني القرآن: 6/433-434]