العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 10:49 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأعراف [ من الآية (187) إلى الآية (188) ]

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) }



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:45 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)}
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا مالك بن مغول، قال: سمعت إسماعيل بن رجاء يحدث عن الشعبي، قال: لقي جبريل عيسى صلى الله عليهما، فقال: السلام عليك يا روح الله، فقال: وعليك يا روح الله، قال: يا جبريل، متى الساعة؟ فانتفض في أجنحته، ثم قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل {ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة}، أو قال: {لا يجليها لوقتها إلا هو} [سورة الأعراف: 187]).[الزهد لابن المبارك: 2/ 100-101]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر والكلبي في قوله تعالى: {ثقلت}؛ فلا ثقل علمها على السماوات والأرض أنهم لا يعلمون.
قال معمر، وقال الحسن: إذا جاءت ثقلت على أهل السماء وأهل الأرض يقول كبرت عليهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 244-245]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن الكلبي، في قوله تعالى: {كأنك حفي عنها}؛ يقول: كأنك عالم بها). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 245]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (وقال معمر، وقال قتادة، وقالت قريش: يا محمد إن بيننا وبينك قرابة فأسرر إلينا متى تقوم الساعة قال الله تعالى: {يسألونك كأنك حفي عنها}؛ يقول: كأنك حفي بهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 245]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (قوله تعالى: {يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها} إلى قوله تعالى: {يسألونك كأنّك حفيٌّ عنها قل إنّما علمها عند الله}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، قال: كان ابن عبّاسٍ يقرأ: {كأنك حفي بها} .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، عن خصيف، عن مجاهدٍ - في قوله عزّ وجلّ: {كأنّك حفيٌّ عنها} - يقول: كأنّك حفيٌّ بهم حتّى يسألونك عن السّاعة). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 171-172]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {أيّان مرساها}؛ متى خروجها» ).[صحيح البخاري: 6/ 59]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {أيّان مرساها}؛ متى خروجها هو قول أبي عبيدة أيضًا وروى الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة، عن بن عبّاسٍ، في قوله: {مرساها}؛ أي منتهاها ومن طريق قتادة قال قيامها). [فتح الباري: 8/ 301]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: {أيان مرساها}؛ أي متى خروجها، واشتقاق أيان من أي لأن معناه أي وقت وسقط لغير أبوي ذر والوقت: أيان مرساها الخ). [إرشاد الساري: 7/ 126]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها قل إنّما علمها عند ربّي لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو}.
اختلف أهل التّأويل في الّذين عنوا بقوله: {يسألونك عن السّاعة} فقال بعضهم: عني بذلك قوم رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- من قريشٍ، وكانوا سألوا عن ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: قالت قريشٌ لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ بيننا وبينك قرابةً، فأسرّ إلينا متى السّاعة، فقال اللّه: {يسألونك كأنّك حفيّ عنها}.
وقال آخرون: بل عني به قومٌ من اليهود.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال حمل بن أبي قشيرٍ وسمول بن زيدٍ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد أخبرنا متى السّاعة إن كنت نبيًّا كما تقول، فإنّا نعلم متى هي، فأنزل اللّه تعالى: {يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها قل إنّما علمها عند ربّي} إلى قوله: {ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون}؛
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن طارق بن شهابٍ، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لا يزال يذكر من شأن السّاعة حتّى نزلت: {يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها}.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ قومًا سألوا رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- عن السّاعة، فأنزل اللّه هذه الآية، وجائزٌ أن يكون كانوا من قريشٍ، وجائزٌ أن يكونوا كانوا من اليهود، ولا خبر بذلك عندنا يجوز قطع القول على أيّ ذلك كان.
فتأويل الآية إذن: يسألك القوم الّذين يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها، يقول: متى قيامها.
ومعنى أيّان: متى في كلام العرب، ومنه قول الرّاجز:
أيّان تقضي حاجتي إيّانا ....... أما ترى لنجحها إبّان
ومعنى قوله: {مرساها} قيامها، من قول القائل: أرساها اللّه فهي مرساةٌ، وأرساها القوم: إذا حبسوها، ورست هي ترسو رسوًّا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها}؛ يقول متى قيامها.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها}؛ متى قيامها.
وقال آخرون: معنى ذلك: منتهاها. وذلك قريب المعنى من معنى من قال: معناه: قيامها، لأنّ انتهاءها بلوغها وقتها. وقد بيّنّا أنّ أصل ذلك الحبس والوقوف.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها} يعني: منتهاها.
وأمّا قوله: {قل إنّما علمها عند ربّي لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو} فإنّه أمرٌ من اللّه نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم بأن يجيب سائليه عن السّاعة بأنّه لا يعلم وقت قيامها إلاّ اللّه الّذي يعلم الغيب، وأنّه لا يظهرها لوقتها ولا يعلمها غيره جلّ ذكره.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {قل إنّما علمها عند ربّي لا يجلّيها} لوقتها إلاّ هو يقول: علمها عند اللّه، هو يجلّيها لوقتها، لا يعلم ذلك إلاّ اللّه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {لا يجلّيها} يأتي بها.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: {لا يجلّيها} لا يأتي بها {إلاّ هو}.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو}؛ يقول: لا يرسلها لوقتها إلاّ هو.
القول في تأويل قوله تعالى: {ثقلت في السّموات والأرض لاّ تأتيكم إلاّ بغتةً}؛
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ثقلت السّاعة على أهل السّموات والأرض أن يعرفوا وقتها ومجيئها لخفائها عنهم واستئثار اللّه بعلمها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {ثقلت في السّموات والأرض}؛ يقول: خفيت في السّموات والأرض، فلم يعلم قيامها متى تقوم ملكٌ مقرّبٌ ولا نبيّ مرسلٌ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، جميعًا، عن معمرٍ، عن بعض، أهل التّأويل: {ثقلت في السّموات والأرض}؛ قال: ثقل علمها على أهل السّموات وأهل الأرض أنّهم لا يعلمون.
وقال آخرون: معنى ذلك: أنّها كبرت عند مجيئها على أهل السّموات والأرض.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، جميعًا، عن معمرٍ، قال: قال الحسن في قوله: {ثقلت في السّموات والأرض}؛ يعني: إذا جاءت ثقلت على أهل السّماء وأهل الأرض. يقول: كبرت عليهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {ثقلت في السّموات والأرض} قال: إذا جاءت انشقّت السّماء، وانتثرت النّجوم، وكوّرت الشّمس، وسيّرت الجبال، وكان ما قال اللّه، فذلك ثقلها.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: قال بعض النّاس في {ثقلت}: عظمت.
وقال آخرون: معنى قوله: {في السّموات والأرض} على السّموات والأرض.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ثقلت في السّموات والأرض}؛ أي: على السّموات والأرض.
قال أبو جعفرٍ: وأولى ذلك عندي بالصّواب، قول من قال: معنى ذلك: ثقلت السّاعة في السّموات والأرض على أهلها أن يعرفوا وقتها وقيامها؛ لأنّ اللّه أخفى ذلك عن خلقه، فلم يطلع عليه منهم أحدًا. وذلك أنّ اللّه أخبر بذلك بعد قوله: {قل إنّما علمها عند ربّي لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو} وأخبر بعده أنّها لا تأتي إلاّ بغتةً، فالّذي هو أولى أن يكون ما بين ذلك أيضًا خبرًا عن خفاء علمها عن الخلق؛ إذ كان ما قبله وما بعده كذلك.
وأمّا قوله: {لا تأتيكم إلاّ بغتةً} فإنّه يقول: لا تجيء السّاعة إلاّ فجأةً، لا تشعرون بمجيئها.
- كما حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لا تأتيكم إلاّ بغتةً} يقول: يبغتهم قيامها، تأتيهم على غفلةٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {لا تأتيكم إلاّ بغتةً}؛ قضى اللّه أنّها لا تأتيكم إلاّ بغتةً. قال: وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: «
إنّ السّاعة تهيج بالنّاس والرّجل يصلح حوضه والرّجل يسقي ماشيته والرّجل يقيم سلعته في السّوق والرّجل يخفض ميزانه ويرفعه».
القول في تأويل قوله تعالى: {يسألونك كأنّك حفيّ عنها قل إنّما علمها عند اللّه ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون}.
يقول تعالى ذكره: يسألك هؤلاء القوم عن السّاعة، {كأنّك حفيّ عنها}.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {كأنّك حفيّ عنها}.
فقال بعضهم: يسألونك عنها كأنّك حفيّ بهم. وقالوا: معنى قوله: {عنها} التّقديم وإن كان مؤخّرًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يسألونك كأنّك حفيّ عنها} يقول: كأنّ بينك وبينهم مودةً، كأنّك صديقٌ لهم. قال ابن عبّاسٍ: لمّا سأل النّاس محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم عن السّاعة سألوه سؤال قومٍ كأنّهم يرون أنّ محمّدًا حفيّ بهم، فأوحى اللّه إليه: إنّما علمها عنده، استأثر بعلمها، فلم يطلع عليها ملكًا ولا رسولاً.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: قال قتادة: قالت قريشٌ لمحمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: إنّ بيننا وبينك قرابةً، فأسرّ إلينا متى السّاعة، فقال اللّه: {يسألونك كأنّك حفيّ عنها}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {يسألونك كأنّك حفيّ عنها} أي: حفيّ بهم. قال: قالت قريشٌ: يا محمّد أسرّ إلينا علم السّاعة لما بيننا وبينك من القرابة، لقرابتنا منك.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، وهانئ بن سعيدٍ، عن حجّاجٍ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ، وعكرمة: {يسألونك كأنّك حفيّ عنها}؛ قال: حفيّ بهم حين يسألونك.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {يسألونك كأنّك حفيّ عنها} قال: قرّبت منهم، وتحفى عليهم قال: وقال أبو مالكٍ: كأنّك حفيّ بهم، قال: قريبٌ منهم، وتحفى عليهم. قال: وقال أبو مالكٍ: كأنّك حفيّ بهم فتحدّثهم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يسألونك كأنّك حفيّ عنها} كأنّك صديقٌ لهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: كأنّك قد استحفيت المسألة عنها فعلمتها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {كأنّك حفيّ عنها}؛ استحفيت عنها السّؤال حتّى علمتها.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو سعدٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {كأنّك حفيّ عنها}؛ قال: استحفيت عنها السّؤال حتّى علمت وقتها.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {يسألونك كأنّك حفيّ عنها}؛ قال: كأنّك عالمٌ بها.
- قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك: {يسألونك كأنّك حفيّ عنها}؛ قال: كأنّك تعلمها.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثني عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك، قوله: {يسألونك كأنّك حفيّ عنها}؛ يقول: يسألونك عن السّاعة، كأنّك عندك علمًا منها. {قل إنّما علمها عند ربّي}.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن بعضهم: كأنّك حفيّ عنها كأنّك عالمٌ بها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {كأنّك حفيّ عنها}؛ قال: كأنّك عالمٌ بها. وقال: أخفى علمها على خلقه. وقرأ: {إنّ اللّه عنده علم السّاعة}؛ حتّى ختم السّورة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يسألونك كأنّك حفيٌّ عنها} يقول: كأنّك يعجبك سؤالهم إيّاك. {قل إنّما علمها عند اللّه} وقوله: {كأنّك حفيّ عنها} يقول: لطيفٌ بها.
فوجّه هؤلاء تأويل قوله: {كأنّك حفيّ عنها}؛ أي: حفيّ بها، وقالوا: تقول العرب: تحفّيت له في المسألة، وتحفّيت عنه. قالوا: ولذلك قيل: أتينا فلانًا نسأل به، بمعنى نسأل عنه.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: معناه: كأنّك حفيّ بالمسألة عنها فتعلمها.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {حفيّ عنها}؛ ولم يقل حفيّ بها، إن كان ذلك تأويل الكلام؟
قيل: إنّ ذلك قيل كذلك؛ لأنّ الحفاوة إنّما تكون في المسألة، وهي البشاشة للمسئول عند المسألة، والإكثار من السّؤال عنه، والسّؤال يوصل بعن مرّةً وبالباء مرّةً، فيقال: سألت عنه، وسألت به، فلمّا وضع قوله: {حفيّ} موضع السّؤال، وصل بأغلب الحرفين اللّذين يوصل بهما السّؤال، وهو عن، كما قال الشّاعر:
سؤال حفيٍّ عن أخيه كأنّه ....... يذكّره وسنان أو متواسن
وأمّا قوله: {قل إنّما علمها عند اللّه}؛ فإنّ معناه: قل يا محمّد لسائليك عن وقت السّاعة وحين مجيئها: لا علم لي بذلك، ولا يعلم به إلاّ اللّه الّذي يعلم غيب السّموات والأرض. {ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون} يقول: ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون أنّ ذلك لا يعلمه إلاّ اللّه، بل يحسبون أنّ علم ذلك يوجد عند بعض خلقه). [جامع البيان: 10/ 604-615]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها قل إنّما علمها عند ربّي لا يجلّيها لوقتها إلّا هو ثقلت في السّماوات والأرض لا تأتيكم إلّا بغتةً يسألونك كأنّك حفيٌّ عنها قل إنّما علمها عند اللّه ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون (187)}
قوله تعالى: {يسألونك عن السّاعة}؛
- حدّثنا أحمد بن يحيى بن مالكٍ السّوسيّ، ثنا حجاج ابن محمّدٍ قال: قال ابن جريجٍ، أخبرني أبو الزّبير أنّه سمع جابر بن عبد اللّه قال: سمعت النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قبل أن يموت بشهرٍ قال:
«تسألوني عن السّاعة وإنّما علمها عند اللّه وأقسم باللّه ما على ظهر الأرض اليوم من نفسٍ منفوسةٍ يأتي عليه مائة سنةٍ».
قوله تعالى: {أيّان}؛
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ عن أسباط، عن السّدّيّ قوله: {أيّان}؛ يعني متى.
قوله تعالى: {مرساها}؛
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ أنبأ بشرٌ بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: قوله: {أيّان مرساها}؛ يعني منتهاها.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ عن السدى {يسئلونك عن السّاعة أيّان مرساها}؛ يقول: متى قيامها.
قوله تعالى: {قل إنّما علمها عند ربّي}؛
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الصّبّاح، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، أنبأ إبراهيم ابن عقيلٍ عن أبيه عن وهب بن منبّهٍ أخبرني جابر بن عبد اللّه أنّه سمع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول قبل أن يموت بشهرٍ:
«تسألوني عن السّاعة وإنّما علمها عند ربّي وأقسم باللّه ما على الأرض اليوم من نفسٍ منفوسةٍ يأتي عليها مائة سنةٍ».
- ثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس، ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة قوله: {قل إنّما علمها عند ربّي}؛ يقول: علمها عند اللّه، هو يجلها لوقتها، لا يعلم ذلك إلا اللّه.
قوله تعالى: {لا يجلّيها لوقتها إلا هو}؛
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {لا يجلّيها لوقتها إلا هو}؛ لا يأتي بها إلا اللّه.
قوله تعالى: {إلا هو}؛
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{لا يجلّيها لوقتها إلا هو}؛ يقول: لا يأتي بها إلا اللّه.
قوله تعالى: {ثقلت في السماوات والأرض}؛
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنبأ بشرٌ بن عمارة، عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ثقلت في السماوات والأرض}؛ قال: ليس شيءٌ من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة.
- أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن قتادة في قوله: {ثقلت في السماوات والأرض}؛ قال: ثقل علمها على أهل السّموات والأرض أنّهم لا يعلمون، قال معمرٌ، وقال الحسن: إذا جاءت ثقلت على أهل السّموات والأرض يقول: كبرت عليهم.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ثقلت في السماوات والأرض}؛ يقول: خفيت في السّموات والأرض فلم يعلم قيامها متى تقوم ملكٌ مقرّبٌ ولا نبيّ مرسلٌ.
قوله تعالى: {لا تأتيكم إلا بغتةً}؛
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة قوله: {لا تأتيكم إلا بغتةً}؛ قضى اللّه أنّها لا تأتيكم إلّا بغتةً.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ {لا تأتيكم إلا بغتةً}؛ فتبغتهم قيامها تأتيهم على غفلةٍ.
قوله تعالى: {يسئلونك كأنّك حفيّ عنها}؛
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: {كأنّك حفيّ عنها}؛ يقول: كأنّك عالمٌ بها أي ليس تعلمها.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {يسئلونك كأنّك حفيّ عنها} يقول: لطيفٌ بها يعني كأنّك يعجبك سؤالهم إيّاك، وقل إنّما علمها عند اللّه
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ: قوله: {يسئلونك كأنّك حفيّ عنها}؛ يقول: كأنّ بينك وبينهم مودةً، كأنّك صدّيقٌ لهم.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {كأنّك حفيّ عنها استحفيت عنها}؛ السّؤال حتّى علمتها.
- حدّثنا أبي، ثنا منصور بن مزاحمٍ ثنا أبو سعيدٍ المؤدّب عن خصيفٍ عن مجاهدٍ في قوله: {يسئلونك كأنّك حفيّ عنها}؛ قال: كأنّك حفيّ بهم تشتهي أن يسألوك عنها يعني السّاعة.
- حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، حدّثني أبي أحمد بن عبد الرّحمن بن عبد اللّه، ثنا عمر ويعني ابن أبي قيسٍ عن سماكٍ عن عكرمة في قوله: {يسئلونك كأنّك حفيّ عنها}؛ قال: قد أتينا منك وبحثنا عليك
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس ثنا يزيد عن سعيد عن قتادة {يسئلونك كأنّك حفيّ عنها}؛ أي حفيٌّ بهم قد قالت ذلك قريشٌ، يا محمّد انشر لنا أو نشر إلينا علم السّاعة كما بيننا وبينك لقرابتنا منك.
قوله تعالى: {قل إنّما علمها عند اللّه ... الآية}؛
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي حدّثني أبي، عن جدّي عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا سأل النّاس محمّدًا -صلّى اللّه عليه وسلّم- عن السّاعة سألوه سؤال قومٍ كأنّهم يرون أنّ محمّدًا حفيّ بهم فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه إنّما علمها عند اللّه استأثر بعلمها فلم يطّلع عليها ملكٌ ولا رسولٌ). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1626-1629]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم: قال ثنا ورقاء: عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يسألونك كأنك حفي عنها يقول كأنك استحفيت عنها السؤال حتى علمتها). [تفسير مجاهد: 251-252]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {لا يجليها لوقتها}؛ إلا هو يقول لا يأتي بها إلا هو). [تفسير مجاهد: 252]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن إسحاق، وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: قال حمل بن أبي قشير وسمول بن زيد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا كما تقول فإنا نعلم ما هي؟ فأنزل الله: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي} إلى قوله: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها}؛ أي متى قيامتها، {قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو}؛ قال: قالت قريش: يا محمد أسر إلينا الساعة لما بيننا وبينك من القرابة، قال: {يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله}؛ قال: وذكر لنا أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول:
«تهج الساعة بالناس: والرجل يسقي على ماشيته والرجل يصلح حوضه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه والرجل يقيم سلعته في السوق قضاء الله لا تأتيكم إلا بغتة».
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أيان مرساها}؛ قال: منتهاها.
- وأخرج أحمد عن حذيفة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال:
«{علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو}؛ ولكن أخبركم بمشاريطها وما يكون بين يديها إن بين يديها فتنة وهرجا»، قالوا: يا رسول الله الفتنة قد عرفناها الهرج ما هو؟ قال بلسان الحبشة: «القتل».
- وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الساعة وأنا شاهد. فقال:«لا يعلمها إلا الله ولا يجليها لوقتها إلا هو ولكن سأخبركم بمشاريطها ما بين يديها من الفتن والهرج
»، فقال رجل: وما الهرج يا رسول الله؟ قال بلسان الحبشة: «القتل وأن تجف قلوب الناس ويلقي بينهم التناكر فلا يكاد أحد يعرف أحدا ويرفع ذو الحجا ويبقى رجراجة من الناس لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا».
- وأخرج مسلم، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول قبل أن يموت بشهر:
«تسألوني عن الساعة وإنما علمها عند الله وأقسم بالله ما على ظهر الأرض يوم من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة».
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الشعبي قال: لقي عيسى جبريل فقال: السلام عليك يا روح الله، قال: وعليك يا روح الله، قال: يا جبريل متى الساعة فانتفض جبريل في أجنحته ثم قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة أو قال: {لا يجليها لوقتها إلا هو}.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {لا يجليها لوقتها إلا هو} يقول: لا يأتي بها إلا الله.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: هو يجليها لوقتها لا يعلم ذلك إلا الله
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {ثقلت في السماوات والأرض}؛ قال: ليس شيء من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ثقلت في السماوات والأرض}؛ قال: ثقل علمها على أهل السموات والأرض إنهم لا يعلمون وقال الحسن إذا جاءت ثقلت على أهل السموات والأرض يقول: كبرت عليهم.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {ثقلت في السماوات والأرض}؛ قال: إذا جاءت انشقت السماء وانتثرت النجوم وكورت الشمس وسيرت الجبال وما يصيب الأرض وكان ما قال الله فذلك ثقلها بهما.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {لا تأتيكم إلا بغتة}؛ قال: فجأة آمنين.
- وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«تقوم الساعة على رجل أكلته في فيه فلا يلوكها ولا يسيغها ولا يلفظها وعلى رجلين قد نشرا بينهما ثوبا يتبايعانه فلا يطويانه ولا يتبايعانه».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لا تقوم الساعة حتى ينادي مناد: يا أيها الناس أتتكم الساعة ثلاثا.
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {لا يجليها لوقتها إلا هو}؛ يقول: لا يرسلها لوقتها إلا هو {ثقلت في السماوات والأرض} يقول: خفيت في السموات والأرض فلم يعلم قيامها متى تقوم ملك مقرب ولا نبي مرسل {لا تأتيكم إلا بغتة}؛ قال: تبغتهم تأتيهم على غفلة.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {كأنك حفي عنها}؛ قال: استحفيت عنها السؤال حتى علمتها.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن مجاهد وسعيد بن جبير في قوله: {كأنك حفي عنها}؛ قال أحدهما: عالم بها وقال الآخر: يجب أن يسأل عنها.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {كأنك حفي عنها}؛ قال: استحفيت عنها السؤال حتى علمتها.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن مجاهد وسعيد بن جبير في قوله: {كأنك حفي عنها}؛ قال أحدهما: عالم بها وقال الآخر: يجب أن يسأل عنها.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {يسألونك كأنك حفي عنها}؛ يقول: كأنك عالم بها أي لست تعلمها.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {كأنك حفي عنها}؛ قال: لطيف بها.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس {يسألونك كأنك حفي عنها}؛ يقول: كان بينك وبينهم مودة كأنك صديق لهم قال ابن عباس: لما سأل الناس محمد صلى الله عليه وسلم عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمدا حفي بهم فأوحى الله إليه: إنما علمها عنده استأثر بعلمها فلم يطلع عليها ملكا ولا رسولا.
- وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك {يسألونك كأنك حفي عنها} قال: كأنك حفي بهم حين يأتونك يسألونك.
- وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {يسألونك كأنك حفي} بسؤالهم قال: كأنك تحب أن يسألوك عنها.
- وأخرج عبد بن حميد عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس يقرأ (كأنك حفيء بها).
- وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله: {يسألونك كأنك حفي عنها}؛ قال: كأنك يعجبك أن يسألوك عنها لنخبرك بها فأخفاها منه فلم يخبره فقال: {فيم أنت من ذكراها} [النازعات: 43] وقال: {أكاد أخفيها} [طه: 15] وقراءة أبي (أكاد أخفيها من نفسي).
- وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: إن بيننا وبينك قرابة فأسر إلينا متى الساعة فقال الله: {يسألونك كأنك حفي عنها}). [الدر المنثور: 6/ 693-699]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا إلاّ ما شاء اللّه ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السّوء إن أنا إلاّ نذيرٌ وبشيرٌ لّقومٍ يّؤمنون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لسائليك عن السّاعة أيّان مرساها: {لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا}؛ يقول: لا أقدر على اجتلاب نفعٍ إلى نفسي، ولا دفع ضرٍّ يحلّ بها عنها إلاّ ما شاء اللّه أن أملكه من ذلك بأن يقوّيني عليه ويعينني. {ولو كنت أعلم الغيب}؛ يقول: لو كنت أعلم ما هو كائنٌ ممّا لم يكن بعد {لاستكثرت من الخير}؛ يقول: لأعددت الكثير من الخير.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في معنى الخير الّذي عناه اللّه بقوله: {لاستكثرت من الخير}؛ فقال بعضهم: معنى ذلك: لاستكثرت من العمل الصّالح.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: قوله: {قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا}؛ قال: الهدى والضّلالة. {لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير}؛ قال: أعلم الغيب متى أموت لاستكثرت من العمل الصّالح.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبى نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السّوء}؛ قال: لاجتنبت ما يكون من الشّرّ واتّقيته.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولو كنت أعلم الغيب لأعددت للسّنة المجدبة من المخصبة، ولعرفت الغلاء من الرّخص، واستعددت له في الرّخص.
وقوله: {وما مسّني السّوء} يقول: وما مسّني الضّرّ. {إن أنا إلاّ نذيرٌ وبشيرٌ} يقول: ما أنا إلاّ رسول اللّه أرسلني إليكم، أنذر عقابه من عصاه منكم وخالف أمره، وأبشّر بثوابه وكرامته من آمن به وأطاعه منكم وقوله: {لقومٍ يؤمنون} يقول: يصدّقون بأنّي للّه رسولٌ، ويقرّون بحقّيّة ما جئتهم به من عنده). [جامع البيان: 10/ 615-617]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا إلّا ما شاء اللّه ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السّوء إن أنا إلّا نذيرٌ وبشيرٌ لقومٍ يؤمنون (188)}
قوله تعالى:{قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا إلا ما شاء اللّه}؛
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ {قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا}؛ ضلالةً إلا ما شاء اللّه.
قوله تعالى: {ولو كنت أعلم الغيب}؛
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير}؛ قال: لعلمت إذا اشتريت شيئًا ما أربح فيه فلا أبيع شيئًا إلا ربحت فيه ولا يصيبني الفقر.
- حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن القاسم بن عطيّة، ثنا الحسن بن داود بن محمد ابن المنكدر ثنا عبد الرّزّاق، أنبأ الثّوريّ عن منصورٍ عن مجاهدٍ في قوله: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير}؛ قال: ولو كنت أعلم متى أموت لعملت عملاً صالحًا.
قوله تعالى: {لاستكثرت من الخير}؛
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عمران بن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير}؛ من المال.
قوله تعالى: {وما مسّني السّوء}؛
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ أنبأ بشرٌ عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: {وما مسّني السّوء}؛ قال: الفقر.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: {وما مسّني السّوء}؛ قال: لاجتنبت ما يكون من الشّرّ قبل أن يكون وأتّقيه.
قوله تعالى: {إن أنا إلا نذيرٌ}؛
- حدّثنا أبي، ثنا عبد الرّحمن بن صالحٍ ثنا عبد الرّحمن بن محمّد بن عبيد اللّه الفزاريّ عن شيبان النّحويّ، أخبرنا قتادة عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {نذيرٌ}؛ قال: نذيرٌ من النّار.
قوله تعالى: {وبشيرٌ لقومٍ يؤمنون}؛
- وبه عن ابن عبّاسٍ: قوله: {وبشيرٌ}؛ قال: بشّر بالجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1629-1630]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير}؛ قال: لعلمت إذا اشتريت شيئا ما أربح فيه فلا أبيع شيئا إلا ربحت فيه {وما مسني السوء}؛ قال: ولا يصيبني الفقر.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا}؛ قال: الهدى والضلالة، {ولو كنت أعلم الغيب}؛ متى أموت، {لاستكثرت من الخير}؛ قال: العمل الصالح.
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: {وما مسني السوء}، قال: لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون). [الدر المنثور: 6/ 699]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:05 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) }

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أيّان مرساها...}؛ المرسى في موضع رفع.
{ثقلت في السّماوات والأرض}؛ ثقل على أهل الأرض والسماء أن يعلموه.
وقوله: {كأنّك حفيٌّ}؛ كأنك حفيّ عنها مقدّم ومؤخر؛ ومعناه يسألونك عنها كأنك حفي بها. ويقال في التفسير كأنك حفي أي كأنك عالم بها). [معاني القرآن: 1/ 399]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أيّان مرساها}؛ أي متى، وقال:
أيّان تقضى حاجتي أيّانا ....... أما ترى لنجحها إبّانا
أي متى خروجها.
{لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو}؛ مجازها: لا يظهرها ولا يخرجها إلاّ هو يقال جلّى لي الخبر وقال بعضهم: جله لي الخبر، والجلاء جلاء الرأس إذا ذهب الشعر قال طرفة:
سأحلب عيساً صحن سمٍّ فأبتغى ....... به جيرتي إن لم يجلّوا لي الخبر
أي يوضحون لي الأمر وهذا يهجوهم، يقال: عاسها يعيسها، والعيس ماء الفحل {ثقلت في السّموات والأرض} مجازها: خفيت، وإذا خفى عليك شئ ثقل {كأنّك حفيٌّ عنها}؛ أي حفّي بها، ومنه قولهم: تحفيت به في المسألة). [مجاز القرآن: 1/ 234-235]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {كأنك حفى عنها} فقالوا: حفي به حفاوة: همه وعني به؛ {حفى عنها} سؤول عنها؛ إذا كثر السؤال عن الشيء حتى يشق على صاحبه.
وقال الشاعر:
سؤال حفي عن أخيه يخصه = بذكرته وسنان أو متوانس
وقالوا أيضًا: حفيت به حفاوة وحفاوة؛ أي فرحت؛ وقالوا أيضًا في المشي: حفي حفية وحفاية وحفاية، وحفى مقصور، واحتفاءً أيضًا - في المشي بغير نعل - حفوة وحفاوة). [معاني القرآن لقطرب: 602]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (187- {أيان مرساها}: متى وقوعها. ويقال أرساها الله وأرساها القوم إذا حبسوها ورست فهي ترسو.
187- {لا يجليها}: لا يظهرها ومن ذلك جلية الخبر.
187- {كأنك حفي عنها}: عالم بها. والمعنى يسألونك عنها كأنك حفي. وجاء عن ابن عباس أنه قال: كأنك حفي بهم حين يسألونك، ويقال للقاضي والحاكم الحافي وقد تحافينا إلى فلان إ تحاكمنا).[غريب القرآن وتفسيره: 154-155]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (187 - {أيّان مرساها}؛ أي متى ثبوتها. يقال: رسا في الأرض: إذا ثبت، ورسا في الماء: إذا رسب. ومنه قيل للجبال: رواس.
{لا يجلّيها لوقتها إلّا هو}؛ أي لا يظهرها. يقال: جلّى لي الخبر: أي كشفه وأوضحه.
{ثقلت في السّماوات والأرض}؛ أي خفي علمها على أهل السموات والأرض وإذا خفي الشيء ثقل.
{حفيٌّ عنها}؛ أي معنيّ بطلب علمها. ومنه يقال: تحفّى فلان بالقوم). [تفسير غريب القرآن: 175]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها قل إنّما علمها عند ربّي لا يجلّيها لوقتها إلّا هو ثقلت في السّماوات والأرض لا تأتيكم إلّا بغتة يسألونك كأنّك حفيّ عنها قل إنّما علمها عند اللّه ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون (187)}
والساعة ههنا التي يموت فيها الخلق.
ومعنى مرساها مثبّتها، يقال - رسا الشيء يرسو إذا ثبت فهو راس وكذلك جبال راسيات، أي ثابتات. وأرسيته إذا أثبتّه.
فالمعنى يسألونك عن الساعة متى وقوعها.
وقوله: {لا يجلّيها لوقتها إلّا هو}؛ أي لا يظهرها في وقتها إلا هو.
ومعنى: {ثقلت في السّماوات والأرض}؛
قيل فيه قولان، قال قوم: (ثقلت في السّماوات والأرض) ثقل وقوعها على أهل السماوات والأرض.
ثم أعلم جلّ ثناؤه كيف وقوعها فقال جلّ وعزّ: {لا تأتيكم إلّا بغتة}؛
أي إلا فجأة.
وقوله: {يسألونك كأنّك حفيّ عنها}؛
المعنى - واللّه أعلم - يسألونك عنها كأنك فرح بسؤالهم، يقال تحفيت بفلان
في المسألة إذا سألت سؤالا أظهرت فيه المحببّة والبربه، وأحفى فلان بفلان في المسألة، وإنما تأويله الكثرة ويقال حفت الدّابّة تحفى حفى، مقصور إذا كثر المشي حتى يؤلمها والحفاء ممدود أن يمشي الرجل بغير نعل.
وقيل: {كأنّك حفي عنها}؛ كأنك أكثرت المسألة عنها.
وقوله: {قل إنّما علمها عند اللّه}؛
معنى (إنّما علمها عند اللّه): لا يعلمها إلا هو). [معاني القرآن: 2/ 393-394]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (169 - وقوله جل وعز: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها}
قال قتادة: أي متى قيامها؟
وقال غيره: يقال رسى الشيء يرسو رسوا إذا ثبت وأرسيته أثبته
170 - ثم قال جل وعز: {قل إنما علمها عند ربي}؛
أي لا يعلم متى قيامها إلا الله
171 - ثم قال جل وعز: {لا يجليها لوقتها إلا هو}؛
يقال جلى لي فلان الخبر إذا أظهره وأوضحه
172 - ثم قال جل وعز: {ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة}؛
أي خفي علمها وإذا خفي الشيء ثقل.
وقيل أي ثقلت المسالة عنها أي عظمت.
173 - ثم قال جل وعز: {لا تأتيكم إلا بغتة}؛ أي فجأة
174 - وقوله جل وعز: {يسألونك كأنك خفي عنها}؛
قال قتادة قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم نحن أقرباؤك فأسر إلينا متى الساعة فأنزل الله جل وعز: {يسألونك كأنك حفي عنها} أي حفي بهم.
والمعنى على هذا التقديم والتأخير أي: يسألونك عنها.
كأنك حفي لهم: أي فرح لسؤالهم .
وهو معنى قول سعيد بن جبير أبي يسألونك كأنك حفي لهم). [معاني القرآن: 3/ 110-112]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (187- {أَيَّانَ مُرْسَاهَا}؛ أي متى ثبوتها.
{لا يُجَلِّيهَا}؛ أي لا يظهرها.
{ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ}؛ أي خفي علمها عن أهل السموات والأرض.
{كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا}؛ أي كأنك معني بطلب علمها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 88]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (187- {أَيَّانَ}: متى.
187- {مُرْسَاهَا}: وقوعها
187- {يُجَلِّيهَا}: يظهرها
187- {حَفِيٌّ عَنْهَا}: عالم بها). [العمدة في غريب القرآن: 140]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير...}؛
يقول: لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من السنة المخصبة، ولعرفت الغلاء فاستعددت له في الرخص. هذا قول محمد صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/ 400]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الضَرّ: بفتح الضاد- ضد النفع، قال الله عز وجل: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء: 72، 73] وقال: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا}؛ أي: لا أملك جرّ نفع ولا دفع ضرّ؟.
والضُّرّ: الشدة والبلاء، كقوله: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ}[الأنعام: 17]، {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ} [البقرة: 177]). [تأويل مشكل القرآن: 483] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرّا إلّا ما شاء اللّه ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السّوء إن أنا إلّا نذير وبشير لقوم يؤمنون (188)}
{ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير}؛ أي لادّخرت زمن الخصب لزمن الجدب.
وقيل: {لو كنت أعلم الغيب}؛ أي لو كنت أعلم ما أسأل عنه من الغيب في الساعة وغيرها.
وقوله: {وما مسّني السّوء}؛ أي لم يلحقني تكذيب.
وقيل أيضا: {وما مسّني السّوء}؛ أي ما بي من جنون، لأنهم نسبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الجنون، فقال:
{وما مسّني السّوء إن أنا إلّا نذير وبشير لقوم يؤمنون}.
ثم بيّن لهم ما دلّهم على توحيد الله عزّ وجلّ فقال:
{هو الّذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلمّا تغشّاها حملت حملا خفيفا فمرّت به فلمّا أثقلت دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحا لنكوننّ من الشّاكرين (189)}). [معاني القرآن: 2/ 394]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (175 - وقوله جل وعز: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير}؛
روي عن ابن عباس أنه قال: لو أني أعلم سنة القحط والجدب لهيأت لها ما يكفيني.
وقيل لو كنت أعلم متى أموت لاستكثرت من العبادة فيكون الخير ها ههنا هن العبادة.
وقيل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يسال عما في قلوب الناس وما يسرونه. فقال:
«لو كنت أعلم الغيب أي ما يسرونه وما يقع بكم حتى تحذروا مكروهه لكان أحرى أن تجيبوني إلى ما أدعوكم».
{لاستكثرت من الخير}؛ أي من إجابتكم إلى ما أدعوكم وما مسني السوء منكم بتكذيب أو عداوة إذ كنت عندكم كذلك.
ودل على هذا الجواب إن أنا إلا نذير أي لست أعلم من الغيب إلا ما علمني الله.
وقيل ولو كنت أعلم الغيب أي: كتب الله.
وقال الحسن لاستكثرت من الخير من الوحي). [معاني القرآن: 3/ 112-113]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 جمادى الأولى 1434هـ/13-03-2013م, 09:43 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} قال: كبر علمها على أهل السموات والأرض. قال: وكل شيء لم يعلم فهو ثقيل). [مجالس ثعلب: 265]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكان رجل يهوى جارية تختلف في حوائج أهلها، وكانت إذا خرجت إلي السوق ولم يعلم بخروجهم ثم رجعت فرآهم قال وهو يسمعهم: {لو كنت أعلم بالغيب لاستكثرت من الخير} إن وعدته شيئًا فأخلفت قال: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} فإن تغضبت لشيء بلغها عنه قال: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} ). [عيون الأخبار: 4/ 51]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:20 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:21 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:21 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:21 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يسئلونك عن السّاعة ... الآية}، قال قتادة بن دعامة المراد يسألونك كفار قريش، وذلك أن قريشا قالت يا محمد إنّا قرابتك فأخبرنا بوقت الساعة، قال ابن عباس: المراد بالآية اليهود، وذلك أن جبل بن أبي قشير وسمويل بن زيد قالا له إن كنت نبيا فأخبرنا بوقت الساعة فإنّا نعرفها فإن صدقت آمنا بك، والساعة القيامة موت كل شيء كان حينئذ حيا وبعث الجميع، هو كله يقع عليه اسم الساعة واسم القيامة، وأيّان معناه متى وهو سؤال عن زمان ولتضمنها الوقت بنيت، وقرأ جمهور الناس «أيان» بفتح الهمزة، وقرأ السلمي «إيان» بكسر الهمزة، ويشبه أن يكون أصلها أي آن وهي مبنية على الفتح، وقال الشاعر: [الرجز]
أيان يقضي حاجتي أيانا ....... أما ترى لفعلها إبانا
قال أبو الفتح وزن «أيان» بفتح الهمزة فعلان وبكسرها فعلان، والنون فيهما زائدة، ومرساها رفع بالابتداء والخبر، أيّان ومذهب المبرد أن مرساها مرتفع بإضمار فعل ومعناه مثبتها ومنتهاها، مأخوذة من أرسى يرسي، ثم أمر الله عز وجل بالرد إليه والتسليم لعلمه، ويجلّيها معناه يظهرها والجلاء البينة الشهود وهو مراد زهير بقوله: [الوافر]:
... ... ... ... = يمين أو نفار أو جلاء
وقوله: {ثقلت في السّماوات والأرض}؛
قال السدي ومعمر عن بعض أهل التأويل: معناه ثقل أن تعلم ويوقف على حقيقة وقتها، قال الحسن بن أبي الحسن معناه ثقلت هيئتها والفزع منها على أهل السماوات والأرض، كما تقول خيف العدو في بلد كذا وكذا، وقال قتادة وابن جريج: معناه ثقلت على السماوات والأرض أنفسها لتفطر السماوات وتبدل الأرض ونسف الجبال، ثم أخبر تعالى خبرا يدخل فيه الكل أنها لا تأتي إلا بغتة أي فجأة دون أن يتقدم منها علم بوقتها عند أحد من الناس، وبغتةً مصدر في موضع الحال.
وقوله تعالى: {يسئلونك كأنّك حفيٌّ عنها ... الآية}؛
قال ابن عباس وقتادة ومجاهد: المعنى يسألونك عنها كأنك حفي أي متحف ومهتبل، وهذا ينحو إلى ما قالت قريش إنّا قرابتك فأخبرنا، وقال مجاهد أيضا والضحاك وابن زيد: معناه كأنك حفي في المسألة عنها والاشتغال بها حتى حصلت علمها، وقرأ ابن عباس فيما ذكر أبو حاتم «كأنك حفي بها»، لأن حفي معناه مهتبل مجتهد في السؤال مبالغ في الإقبال على ما يسأل عنه، وقد يجيء حفيٌّ وصفا للسؤال ومنه قول الشاعر: [الطويل]

فلمّا التقينا بين السيف بيننا ....... لسائلة عنا حفي سؤالها
ومن المعنى الأول الذي يجيء فيه حفيٌّ وصفا للسائل قول الآخر: [الطويل]
سؤال حفي عن أخيه كأنه ....... بذكرته وسنان أو متواسن
ثم أمره ثانية بأن يسلم العلم تأكيدا للأمر وتهمما به إذ هو من الغيوب الخمسة التي في قوله عز وجل: {إنّ اللّه عنده علم السّاعة وينزّل الغيث} [لقمان: 34]، وقيل العلم الأول علم قيامها والثاني علم كنهها وحالها، وقوله: ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون قال الطبري: معناه لا يعلمون أن هذا الأمر لا يعلمه إلا الله بل يظن أكثرهم أنه مما يعلم البشر). [المحرر الوجيز: 4/ 103-106]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرًّا إلاّ ما شاء اللّه ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السّوء إن أنا إلاّ نذيرٌ وبشيرٌ لقومٍ يؤمنون (188) هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلمّا تغشّاها حملت حملاً خفيفاً فمرّت به فلمّا أثقلت دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحاً لنكوننّ من الشّاكرين (189)}
هذا أمر في أن يبالغ في الاستسلام ويتجرد من المشاركة في قدرة الله وغيبه وأن يصف نفسه لهؤلاء السائلين بصفة من كان بها فهو حري أن لا يعلم غيبا ولا يدعيه، فأخبر أنه لا يملك من منافع نفسه ومضارها إلا ما سنى الله له وشاء ويسر، وهذا الاستثناء منقطع، وأخبر أنه لو كان يعلم الغيب لعمل بحسب ما يأتي ولاستعد لكل شيء استعداد من يعلم قدر ما يستعد له، وهذا لفظ عام في كل شيء، وقد خصص الناس هذا فقال ابن جريج ومجاهد: «لو كنت أعلم أجلي لاستكثرت من العمل الصالح». وقالت فرقة: أوقات النصر لتوخيتها، وحكى مكي عن ابن عباس أن معنى لو كنت أعلم السنة المجدبة لأعددت لها من المخصبة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وألفاظ الآية تعم هذا وغيره، وقوله: {وما مسّني}؛ يحتمل وجهين وبكليهما قيل؛
أحدهما أن ما معطوفة على قوله: {لاستكثرت}؛ أي ولما مسني السوء.
والثاني أن يكون الكلام مقطوعا تم في قوله: لاستكثرت من الخير وابتدأ يخبر بنفي السوء عنه وهو الجنون الذي رموه به.
قال مؤرج السدوسي: السّوء الجنون بلغة هذيل، ثم أخبر بجملة ما هو عليه من النذارة والبشارة، ولقومٍ يؤمنون يحتمل معنيين: أحدهما أن يريد أنه نذير وبشير لقوم يطلب منهم الإيمان ويدعون إليه، وهؤلاء الناس أجمع، والثاني أن يخبر أنه نذير ويتم الكلام، ثم يبتدئ يخبر أنه بشير للمؤمنين به، ففي هذا وعد لمن حصل إيمانه). [المحرر الوجيز: 4/ 106-107]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:22 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:22 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها قل إنّما علمها عند ربّي لا يجلّيها لوقتها إلا هو ثقلت في السّماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتةً يسألونك كأنّك حفيٌّ عنها قل إنّما علمها عند اللّه ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون (187)}
يقول تعالى: {يسألونك عن السّاعة}، كما قال تعالى: {يسألك النّاس عن السّاعة} [الأحزاب: 63] قيل: نزلت في قريشٍ. وقيل: في نفرٍ من اليهود. والأوّل أشبه؛ لأنّ الآية مكّيّةٌ، وكانوا يسألون عن وقت السّاعة، استبعادًا لوقوعها، وتكذيبًا بوجودها؛ كما قال تعالى: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [الأنبياء: 38]، وقال تعالى: {يستعجل بها الّذين لا يؤمنون بها والّذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنّها الحقّ ألا إنّ الّذين يمارون في السّاعة لفي ضلالٍ بعيدٍ} [الشّورى: 18]
وقوله: {أيّان مرساها}، قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: "منتهاها" أي: متى محّطها؟ وأيّان آخر مدّة الدّنيا الّذي هو أوّل وقت السّاعة؟
{قل إنّما علمها عند ربّي لا يجلّيها لوقتها إلا هو}؛
أمر تعالى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا سئل عن وقت السّاعة، أن يردّ علمها إلى اللّه تعالى؛ فإنّه هو الّذي يجلّيها لوقتها، أي: يعلم جليّة أمرها، ومتى يكون على التّحديد، أي لا يعلم ذلك أحدٌ إلّا هو تعالى؛ ولهذا قال: {ثقلت في السّماوات والأرض}.

- قال عبد الرّزّاق، عن معمر، عن قتادة في قوله: {ثقلت في السّماوات والأرض}، قال: ثقل علمها على أهل السّماوات والأرض أنّهم لا يعلمون. قال معمرٌ: قال الحسن: إذا جاءت، ثقلت على أهل السّماوات والأرض، يقول: كبرت عليهم.
- وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ثقلت في السّماوات والأرض}، قال: ليس شيءٌ من الخلق إلّا يصيبه من ضرر يوم القيامة.
- وقال ابن جريج: {ثقلت في السّماوات والأرض}، قال: إذا جاءت انشقّت السّماء وانتثرت النّجوم، وكوّرت الشّمس، وسيّرت الجبال، وكان ما قاله اللّه، عزّ وجلّ فذلك ثقلها.
- واختار ابن جريرٍ، رحمه اللّه: أنّ المراد: ثقل علم وقتها على أهل السّماوات والأرض، كما قال قتادة.
وهو كما قالاه، كقوله تعالى: {لا تأتيكم إلا بغتةً} ولا ينفي ذلك ثقل مجيئها على أهل السّماوات والأرض، واللّه أعلم.
- وقال السّدّيّ في قوله تعالى: {ثقلت في السّماوات والأرض}، يقول: خفيت في السّماوات والأرض، فلا يعلم قيامها حين تقوم ملكٌ مقرّبٌ، ولا نبيٌّ مرسلٌ.
{لا تأتيكم إلا بغتةً} قال يبغتهم قيامها، تأتيهم على غفلةٍ.
- وقال قتادة في قوله تعالى: {لا تأتيكم إلا بغتةً} قضى اللّه أنّها {لا تأتيكم إلا بغتةً} قال: وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال:
«إنّ السّاعة تهيج بالنّاس، والرّجل يصلح حوضه، والرّجل يسقي ماشيته، والرّجل يقيم سلعته في السّوق ويخفض ميزانه ويرفعه».
- وقال البخاريّ: حدّثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيبٌ، حدّثنا أبو الزّناد عن عبد الرّحمن، عن أبي هريرة؛ أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال:
«لا تقوم السّاعة حتّى تطلع الشّمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها النّاس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا، ولتقومنّ السّاعة وقد نشر الرّجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه. ولتقومنّ السّاعة وقد انصرف الرّجل بلبن لقحته فلا يطعمه. ولتقومنّ السّاعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه. ولتقومنّ السّاعة والرّجل قد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها»
- وقال مسلمٌ في صحيحه: حدّثني زهير بن حربٍ، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة يبلغ به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«تقوم السّاعة والرّجل يحلب اللّقحة، فما يصل الإناء إلى فيه حتّى تقوم السّاعة. والرّجلان يتبايعان الثّوب فما يتبايعانه حتّى تقوم. والرّجل يلوط حوضه فما يصدر حتّى تقوم»
وقوله تعالى: {يسألونك كأنّك حفيٌّ عنها} اختلف المفسّرون في معناه، فقيل: معناه: كما قال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: {يسألونك كأنّك حفيٌّ عنها} يقول: كأنّ بينك وبينهم مودة، كأنّك صديقٌ لهم. قال ابن عبّاسٍ: لمّا سأل النّاس محمّدًا -صلّى اللّه عليه وسلّم- عن السّاعة، سألوه سؤال قومٍ كأنّهم يرون أنّ محمّدًا حفيٌّ بهم، فأوحى اللّه إليه: إنّما علمها عنده، استأثر بعلمها، فلم يطلع اللّه عليها ملكًا مقرّبًا ولا رسولًا.
وقال قتادة: قالت قريشٌ لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: إن بيننا وبينك قرابةً، فأسرّ إلينا متى السّاعة. فقال اللّه، عزّ وجلّ: {يسألونك كأنّك حفيٌّ عنها}
- وكذا روي عن مجاهدٍ، وعكرمة، وأبي مالكٍ، والسّدّي، وهذا قولٌ. والصّحيح عن مجاهدٍ -من رواية ابن أبي نجيح وغيره -: {يسألونك كأنّك حفيٌّ عنها} قال: استحفيت عنها السّؤال، حتّى علمت وقتها.
- وكذا قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {يسألونك كأنّك حفيٌّ عنها} يقول: كأنّك عالمٌ بها، لست تعلمها، {قل إنّما علمها عند اللّه}
وقال معمرٌ، عن بعضهم: {كأنّك حفيٌّ عنها} كأنّك عالمٌ بها.
- وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: {كأنّك حفيٌّ عنها} كأنّك عالمٌ بها، وقد أخفى اللّه علمها على خلقه، وقرأ: {إنّ اللّه عنده علم السّاعة} الآية [لقمان: 34].
ولهذا القول أرجح في المعنى من الأوّل، واللّه أعلم؛ ولهذا قال: {قل إنّما علمها عند اللّه ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون}
ولهذا لمّا جاء جبريل، عليه السّلام، في صورة أعرابيٍّ، يعلّم النّاس أمر دينهم، فجلس من رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- مجلس السّائل المسترشد، وسأله عن الإسلام، ثمّ عن الإيمان، ثمّ عن الإحسان، ثمّ قال: فمتى السّاعة؟ قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«ما المسئول عنها بأعلم من السّائل» أي: لست أعلم بها منك ولا أحد أعلم بها من أحدٍ، ثمّ قرأ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {إنّ اللّه عنده علم السّاعة} الآية
وفي روايةٍ: فسأله عن أشراط السّاعة، ثمّ قال: «في خمسٍ لا يعلمهنّ إلّا اللّه». وقرأ هذه الآية، وفي هذا كلّه يقول له بعد كلّ جوابٍ: "صدقت"؛ ولهذا عجب الصّحابة من هذا السّائل يسأله ويصدّقه، ثمّ لمّا انصرف قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:«هذا جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم»
وفي روايةٍ قال: «وما أتاني في صورةٍ إلّا عرفته فيها، إلّا صورته هذه».
وقد ذكرت هذا الحديث بطرقه وألفاظه من الصّحاح والحسان والمسانيد، في أوّل شرحٍ صحيحٍ البخاريّ، وللّه الحمد والمنّة.
ولمّا سأله ذلك الأعرابيّ وناداه بصوتٍ جهوريٍّ فقال: يا محمّد، قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هاء -على نحوٍ من صوته -قال: يا محمّد، متى السّاعة؟ قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«ويحك إنّ السّاعة آتيةٌ، فما أعددت لها؟» قال: ما أعددت لها كبير صلاةٍ ولا صيامٍ، ولكنّي أحبّ اللّه ورسوله. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:«المرء مع من أحبّ». فما فرح المسلمون بشيءٍ فرحهم بهذا الحديث.
وهذا له طرقٌ متعدّدةٌ في الصّحيحين وغيرهما عن جماعةٍ من الصّحابة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ أنّه قال: «المرء مع من أحبّ» وهي متواترةٌ عند كثيرٍ من الحفّاظ المتقنين.
ففيه أنّه، عليه السّلام، كان إذا سئل عن هذا الّذي لا يحتاجون إلى علمه، أرشدهم إلى ما هو الأهمّ في حقّهم، وهو الاستعداد لوقوع ذلك، والتّهيّؤ له قبل نزوله، وإن لم يعرفوا تعيين وقته.
ولهذا قال مسلمٌ في صحيحه: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريبٍ قالا حدّثنا أبو أسامة، عن هشامٍ، عن أبيه، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: كانت الأعراب إذا قدموا على رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، سألوه عن السّاعة: متى السّاعة؟ فنظر إلى أحدث إنسانٍ منهم فقال:
«إنّ يعش هذا لم يدركه الهرم حتّى قامت عليكم ساعتكم» يعني بذلك موتهم الّذي يفضي بهم إلى الحصول في برزخ الدّار الآخرة.
ثمّ قال مسلمٌ: وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا يونس بن محمّدٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ؛ أنّ رجلًا سأل رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- عن السّاعة، وعنده غلامٌ منّ الأنصار يقال له محمّدٌ، فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«أن يعش هذا الغلام فعسى ألّا يدركه الهرم حتّى تقوم السّاعة». انفرد به مسلمٌ
- وحدّثنا حجّاج بن الشّاعر، حدّثنا سليمان بن حربٍ، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، حدّثنا معبد بن هلالٍ العنزيّ عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه؛ أنّ رجلًا سأل النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: متى السّاعة؟ فسكت رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- هنيهة، ثمّ نظر إلى غلامٍ بين يديه من أزد شنوءة، فقال:
«إنّ عمّر هذا لم يدركه الهرم حتّى تقوم السّاعة» -قال أنسٌ: ذلك الغلام من أترابي.
وقال: حدّثنا هارون بن عبد اللّه، حدّثنا عفّان بن مسلمٍ، حدّثنا همّامٌ، حدّثنا قتادة، عن أنسٍ قال: مرّ غلامٌ للمغيرة بن شعبة -وكان من أقراني -فقال للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم:
«إنّ يؤخّر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة».
ورواه البخاريّ في كتاب "الأدب" من صحيحه، عن عمرو بن عاصمٍ، عن همّام بن يحيى، عن قتادة، عن أنسٍ؛ أنّ رجلًا من أهل البادية قال: يا رسول اللّه، متى السّاعة؟ فذكر الحديث، وفي آخره: "فمرّ غلامٌ للمغيرة بن شعبة"، وذكره
وهذا الإطلاق في هذه الرّوايات محمولٌ على التّقييد ب"ساعتكم" في حديث عائشة، رضي اللّه عنها.
وقال ابن جريج: أخبرني أبو الزّبير: أنّه سمع جابر بن عبد اللّه يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قبل أن يموت بشهرٍ، قال:
«تسألوني عن السّاعة، وإنّما علمها عند اللّه. وأقسم باللّه ما على ظهر الأرض اليوم من نفسٍ منفوسةٍ، تأتي عليها مائة سنةٍ» رواه مسلمٌ
وفي الصّحيحين، عن ابن عمر مثله، قال ابن عمر: وإنّما أراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انخرام ذلك القرن.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا هشيمٌ، أنبأنا العوّام، عن جبلة بن سحيمٍ، عن مؤثر بن عفازة عن ابن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى»، قال:«فتذاكروا أمر السّاعة»، قال: «فردّوا أمرهم إلى إبراهيم، عليه السّلام، فقال: لا علم لي بها. فردّوا أمرهم إلى موسى، فقال: لا علم لي بها. فردّوا أمرهم إلى عيسى، فقال عيسى: أمّا وجبتها فلا يعلم بها أحدٌ إلّا اللّه، عزّ وجلّ، وفيما عهد إليّ ربّي، عزّ وجلّ، أنّ الدّجّال خارجٌ"، قال: "ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرّصاص»، قال: «فيهلكه اللّه، عزّ وجلّ، إذا رآني، حتّى إنّ الحجر والشّجر يقول: يا مسلم، إن تحتي كافرًا تعالى فاقتله». قال:«فيهلكهم اللّه، عزّ وجلّ، ثمّ يرجع النّاس إلى بلادهم وأوطانهم»، قال: «فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج، وهم من كلّ حدبٍ ينسلون، فيطئون بلادهم، لا يأتون على شيءٍ إلّا أهلكوه، ولا يمرّون على ماءٍ إلّا شربوه»، قال:«ثمّ يرجع النّاس إليّ فيشكونهم، فأدعو اللّه، عزّ وجلّ، عليهم فيهلكهم ويميتهم، حتّى تجوى الأرض من نتن ريحهم -أي: تنتن -» قال:«فينزل اللّه المطر، فيجترف أجسادهم حتّى يقذفهم في البحر».
قال أحمد: قال يزيد بن هارون: ثمّ تنسف الجبال، وتمدّ الأرض مدّ الأديم -ثمّ رجع إلى حديث هشيمٍ قال: ففيما عهد إليّ ربّي، عزّ وجلّ، أنّ ذلك إذا كان كذلك، فإنّ السّاعة كالحامل المتمّ لا يدري أهلها متى تفاجئهم بولادها ليلًا أو نهارًا.
ورواه ابن ماجه، عن بندار عن يزيد بن هارون، عن العوّام بن حوشب بسنده، نحوه.
فهؤلاء أكابر أولي العزم من المرسلين، ليس عندهم علمٌ بوقت السّاعة على التّعيين، وإنّما ردّوا الأمر إلى عيسى عليه السّلام، فتكلّم على أشراطها؛ لأنّه ينزل في آخر هذه الأمّة منفّذًا لأحكام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ويقتل المسيح الدّجّال، ويجعل اللّه هلاك يأجوج ومأجوج ببركة دعائه، فأخبر بما أعلمه اللّه تعالى به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن أبي بكير حدّثنا عبيد اللّه بن إياد بن لقيط قال: سمعت أبي يذكر عن حذيفة قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن السّاعة فقال:
«علمها عند ربّي لا يجلّيها لوقتها إلّا هو، ولكن سأخبركم بمشاريطها، وما يكون بين يديها: إنّ بين يديها فتنةً وهرجًا»، قالوا: يا رسول اللّه، الفتنة قد عرفناها، فالهرج ما هو؟ قال بلسان الحبشة: «القتل». قال ويلقى بين النّاس التّناكر، فلا يكاد أحدٌ يعرف أحدًا" لم يروه أحدٌ من أصحاب الكتب السّتّة من هذا الوجه.
وقال وكيع: حدّثنا ابن أبي خالدٍ، عن طارق بن شهابٍ، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا يزال يذكر من شأن السّاعة حتّى نزلت: {يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها ... } الآية [النّازعات: 42].
ورواه النّسائيّ من حديث عيسى بن يونس، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، به وهذا إسنادٌ جيّدٌ قويٌّ.
فهذا النّبيّ الأمّيّ سيّد الرّسل وخاتمهم [محمّدٌ] صلوات اللّه عليه وسلامه نبيّ الرّحمة، ونبيّ التّوبة، ونبيّ الملحمة، والعاقب والمقفّي، والحاشر الّذي تحشر النّاس على قدميه، مع قوله فيما ثبت عنه في الصّحيح من حديث أنسٍ وسهل بن سعدٍ، رضي اللّه عنهما:
«بعثت أنا والسّاعة كهاتين» وقرن بين إصبعيه السّبّابة والّتي تليها. ومع هذا كلّه، قد أمره اللّه تعالى أن يرد علم وقت السّاعة إليه إذا سئل عنها، فقال: {قل إنّما علمها عند اللّه ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون}). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 518-523]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا إلا ما شاء اللّه ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السّوء إن أنا إلا نذيرٌ وبشيرٌ لقومٍ يؤمنون (188)}
أمره اللّه تعالى أن يفوّض الأمور إليه، وأن يخبر عن نفسه أنّه لا يعلم الغيب، ولا اطّلاع له على شيءٍ من ذلك إلّا بما أطلعه اللّه عليه، كما قال تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا. إلا من ارتضى من رسولٍ فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا} [الجنّ: 26، 27]
وقوله: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير}،
قال عبد الرّزّاق، عن الثّوريّ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير} قال: لو كنت أعلم متى أموت، لعملت عملًا صالحًا.

وكذلك روى ابن أبي نجيح عن مجاهدٍ: وقال مثله ابن جريج.
وفيه نظرٌ؛ لأنّ عمل رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- كان ديمة. وفي روايةٍ: كان إذا عمل عملًا أثبته
فجميع عمله كان على منوالٍ واحدٍ، كأنّه ينظر إلى اللّه، عزّ وجلّ، في جميع أحواله، اللّهمّ إلّا أن يكون المراد أن يرشد غيره إلى الاستعداد لذلك، واللّه أعلم.
والأحسن في هذا ما رواه الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير} أي: من المال. وفي روايةٍ: لعلمت إذا اشتريت شيئًا ما أربح فيه، فلا أبيع شيئًا إلّا ربحت فيه، وما مسّني السّوء، قال: ولا يصيبني الفقر.
وقال ابن جريرٍ: وقال آخرون: معنى ذلك: لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسّنة المجدبة من المخصبة، ولعرفت الغلاء من الرّخص، فاستعددت له من الرّخص.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: {وما مسّني السّوء} قال: لاجتنبت ما يكون من الشّرّ قبل أن يكون، واتّقيته.
ثمّ أخبر أنّه إنّما هو نذيرٌ وبشيرٌ، أي: نذيرٌ من العذاب، وبشيرٌ للمؤمنين بالجنّات، كما قال تعالى: {فإنّما يسّرناه بلسانك لتبشّر به المتّقين وتنذر به قومًا لدًّا} [مريم: 97] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 523-524]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:45 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة